نزول قول الله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) )
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم} الآية
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: حدثنا عبد الرحيم بن منيب قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها: إن الولد يكون أحول، فنزل {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} رواه البخاري، عن أبي نعيم ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن سفيان.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الخلالي، أخبرنا عبد الله بن زيد البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا المحاربي، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن مسلم، عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحة الكتاب إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه فأسأله عنها حتى انتهى إلى هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات، فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة، فأنكرن ذلك
وقلن: هذا شيء لم نكن نؤتى عليه، فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في ذلك: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شئت مقبلة وإن شئت مدبرة وإن شئت باركة، وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث يقول: ائت الحرث حيث شئت.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي زكريا العنبري، عن محمد بن عبد السلام عن إسحاق بن إبراهيم عن المحاربي.
أخبرنا سعيد بن محمد الحياني قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: حدثنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا علي بن جعد قال: حدثنا شعبة، عن محمد بن المنكدر قال سمعت جابرا قال: قالت اليهود: إن الرجل إذا أتى امرأته باركة كان الولد أحول، فأنزل الله عز وجل: {نساؤكم حرث لكم} الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد الحياني قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن الشرقي قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبو كريب قال: سمعت النعمان بن راشد يحدث عن الزهري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قالت اليهود: إذا نكح الرجل امرأته مجبية جاء ولدها أحول، فنزلت: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية، غير أن ذلك في صمام واحد.
رواه مسلم عن هارون بن معروف عن وهب بن جرير قال الشيخ أبو حامد بن الشرقي: هذا حديث جليل يساوي مائة حديث، لم يروه عن الزهري إلا النعمان بن راشد.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أبو علي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا يعقوب القمي قال: حدثنا جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت، فقال: ((وما الذي أهلكك؟)) قال: حولت رحلي الليلة، قال: فلم يرد عليه شيئا فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا المحاربي، عن ليث عن أبي صالح، عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن قوله: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: نزلت في العزل، وقال ابن عباس في رواية الكلبي: نزلت في المهاجرين لما قدموا المدينة، ذكروا إتيان النساء فيما بينهم والأنصار واليهود من بين أيديهن ومن خلفهن، إذا كان المأتي واحدا في الفرج، فعابت اليهود ذلك إلا من بين أيديهن خاصة، وقالوا: إنا لنجد في كتاب الله في التوراة أن كل
إتيان يؤتى النساء غير مستلقيات دنس عند الله، ومنه يكون الحول والخبل، فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا كنا في الجاهلية وبعد ما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا، وإن اليهود عابت علينا ذلك، وزعمت لنا كذا وكذا فأكذب الله تعالى اليهود ونزل عليه يرخص لهم: {نساؤكم حرث لكم} يقول: الفرج مزرعة للولد {فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: كيف شئتم من بين يديها ومن خلفها في الفرج). [أسباب النزول:69 - 72]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [223]
1 - نزلت في حيي بن أخطب واليهود قالوا للمسلمين إنه لا يحل لكم أن تأتوا النساء إلا مستلقيات وإنا نجد في كتاب الله أن جماع المرأة غير مستلقية ذنب فنزلت
ذكره مقاتل بن سليمان وأصله في الصحيحين من حديث محمد بن المنكدر عن جابر ولفظه كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته في قبلها من دبرها إن الولد يكون أحول فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم
وفي رواية لمسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن ابن المنكدر قالت اليهود إن الرجل إذا أتى امرأته باركة كان الولد أحول
وفي لفظ إذا نكح الرجل امرأته مجبية جاء ولدها أحول وفي هذه الطريق إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير أن ذلك في صمام واحد أخرجه
مسلم من رواية النعمان بن راشد عن الزهري عن محمد بن المنكدر بهذا قال أبو حامد بن الشرقي تفرد بن النعمان بن راشد عن الزهري وهذا الحديث يساوي مئة حديث
وأخرج أبو داود والدارمي وإسحاق في مسنده من طرق عن ابن إسحاق والحاكم واللفظ له عن أبان بن صالح عن مجاهد قال عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحة الكتاب إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه فأسأله
فيمن أنزلت وفيم أنزلت فقلت يا أبا عباس أرأيت قول الله تعالى فأتوهن من حيث أمركم الله قال من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن قال ابن عباس إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة يتلذذون بهن مقبلات ومدبرات فلما قدموا المدينة تزوجوا إلى الأنصار فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة فأنكرن ذلك وقلن هذا شيء لم نكن نؤتى عليه فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله فأنزل الله تعالى في ذلك نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال مقبلة ومدبرة وإنما يعني موضع الولد للحرث يقول ائت الحرث أنى شئت وأول الحديث عند أبي داود إن ابن عمر والله يغفر له أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود الحديث
وقال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت هذه الآية في المهاجرين لما قدموا المدينة ذكروا إتيان النساء فيما بينهم وبين الأنصار واليهود من بين أيديهن ومن خلفهن إذا كان المأتي واحدا في الفرج فعابت اليهود ذلك
إلا من بين أيديهن خاصة وقالوا إنا نجد في كتاب الله أن كل إتيان يؤتى النساء غير مستلقيات دنس عند الله ومنه يكون الحول والخبل فذكر المسلمون ذلك لرسول الله وقالوا إنا كنا في الجاهلية وبعدما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا وإن اليهود عابت علينا فأكذب الله اليهود وأنزل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول الفرج مزرعة الولد فأتوا حرثكم كيف شئتم من بين يديها ومن خلفها في الفرج
و أخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان من طريق يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله فقال هلكت قال وما ذاك قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئا فأوحي إلى رسول الله هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة وقد تقدم مرسل سابق
البربري في الذي قبله
و أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله فأتوا حرثكم أنى شئتم يعني بالحرث الفرج يقول تأتيه كيف شئت مستقبله ومستدبره وعلى ما أردت بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره
طرق أخرى قال عبد بن حميد ثنا هاشم بن القاسم عن المبارك هو ابن فضالة عن الحسن إن اليهود كانوا قوما حسدا فقالوا يا أصحاب محمد والله ما لكم أن تأتوا النساء إلا من وجه واحد فكذبهم الله تعالى 188 وأنزل نساؤكم حرث لكم فخلى بين الرجال وبين نسائهم فيتفكه الرجل من امرأته يأتيها إن شاء من قبل قبلها وإن شاء من قبل دبرها غير أن المسلك واحد قال وثنا عوف عن الحسن قال: قالت اليهود للمسلمين إنكم تأتون نساءكم كما تأتي البهائم بعضها بعضا تبركونهن فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فلا بأس أن يغشى الرجل المرأة كيف شاء إذا أتاها في الفرج
ومن طريق شيبان عن قتادة نحو الأول إلى قوله وبين نسائهم
ومن طريق حصين بن عبد الرحمن عن مرة الهمداني قال: قال ناس من اليهود لناس من المسلمين يأتي أحدكم امرأته باركة فقالوا نعم قال فذكر ذلك النبي فنزلت
وأخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن علي حدثه أنه بلغه أن ناسا من أصحاب النبي جلسوا يوما ورجل من اليهود قريب منهم فجعل بعضهم يقول إني لآتي امرأتي وهي مضطجعة ويقول الآخر إني لآتيها وهي قاعدة ويقول الآخر إني لآتيها وهي على جنب أو وهي باركة فقال اليهودي ما أنتم إلا أمثال البهائم ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية
ومن طريق الحكم بن أبان عن عكرمة جاء رجل إلى ابن عباس فقال أتيت أهلي في دبرها وسمعت قول الله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم فظننت أن ذلك لي حلال فقال لا يا لكع إنما قوله أنى شئتم قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في القبل لا تعدوه إلى غيره
طريق أخرى عن ابن عباس أخرجها الطبري من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يكره أن تؤتى المرأة في دبرها ويقول إنما الحرث من القبل الذي يكون منه النسل والحيض وينهى عن إتيان المرأة في دبرها ويقول إنما أنزلت هذه الآية فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول من أي وجه شئت وعنه أيضا قال ذاك ظهرها لبطنها غير معاجزة يعني الدبر
حديث آخر في ذلك عن أم سلمة أخرج أحمد واللفظ له والترمذي وعبد ابن حميد وغيرهم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن ابن سابط هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط عن حفصة بنت عبد الرحمن قال قلت لها إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي أن أسألك عنه قالت سل يا ابن أخي كما بدا لك قال أسألك عن إتيان النساء في أدبارهن فقالت حدثتني أم سلمة قالت كانت الأنصار لا تجبي وكانت المهاجرون تجبي فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فجباها فأتت أم سلمة فذكرت ذلك لها فلما أن جاء النبي استحيت الأنصارية فخرجت فذكرت ذلك أم سلمة لرسول الله فقال ادعوها لي فدعيت فقال نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم صماما واحدا قال والصمام السبيل الواحد
وأخرجه عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة وسياقه أخصر من هذا وفي رواية أبي جعفر الطبري حفصة بنت عبد الرحمن بن ابي بكر عن أم سلمة قالت تزوج رجل امرأة فأراد أن يجبيها فأبت عليه وقالت حتى أسأل رسول الله قالت فذكرت ذلك لي فذكرته لرسول الله فقال أرسلي إليها فلما جاءته قرأ عليها نساؤكم
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم صماما واحدا صماما واحدا وفي رواية له قدم المهاجرون فتزاوجوا في الأنصار وكانوا يجبون وكانت الأنصار لا تفعل ذلك
2 - قول آخر أخرج الطبري من طريق الحسن بن صالح عن ليث عن عيسى بن سنان عن سعيد بن المسيب فأتوا حرثكم أنى شئتم فإن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا
وأخرج الواحدي من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث بن أبي سليم عن أبي صبيح عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن قوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال نزلت في العزل قلت هو سند ضعيف
وقد أخرج عبد بن حميد والطبري من رواية زائدة بن عمير سألت ابن عباس عن العزل فقال نساؤكم حرث لكم الآية لفظ عبد وفي رواية الطبري فقال إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل
3 - قول آخر قال البخاري في التفسير من صحيحه
حدثنا إسحاق يعني ابن راهويه أنا النضر بن شميل أنا عبد الله بن عون عن نافع قال كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه قال فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان فقال تدري فيم أنزلت قلت لا قال نزلت في كذا وكذا ثم مضى
وعن عبد الصمد حدثني أبي هو عبد الوارث بن سعيد حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم قال يأتيها في
ورواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه هو القطان عن عبيد الله يعني ابن عمر عن نافع عن ابن عمر انتهى ما ذكره البخاري
وقد أشكل على كثير من الناس وجزم الحميدي في الجمع بين الصحيحين بأن الظرف الذي عبر عنه بقوله يأتيها في هو الفرج وليس 191
كما قال الحميدي وقد بينت في تغليق التعليق ما هو مراد البخاري بإيراد الطرق الثلاثة عمن نقلها عنهم
بيان طرق البخاري
أما طريق إسحاق فرويناها في مسنده وفي تفسيره قال أنا النضر بن شميل فساقه كما ساقه البخاري سواء إلى قوله حتى انتهى إلى قوله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال أتدري فيم أنزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في إتيان النساء في أدبارهن
وأما الرواية الثانية فأخرجها إسحاق أيضا في مسنده وتفسيره
قال أنا عبد الصمد بن عبد الوارث فساقه كما ساقه البخاري إلى قوله يأتيها في فقال في روايته يأتيها في الدبر وهكذا أخرجه أبو جعفر بن جرير الطبري في التفسير عن أبي قلابة عبد الملك الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد الوارث
به سندا ومتنا
وأما الرواية الثالثة فرويناها في المعجم الأوسط للطبراني قال نا علي بن سعيد أنا أبو بكر محمد بن أبي غياث الأعين نا محمد بن يحيى بن سعيد القطان ثنا أبي عن عبيد الله بن عمر بن نافع عن ابن عمر قال إنما نزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم على رسول الله رخصة في إتيان الدبر
قال الطبراني لم يروه عن عبيد الله إلا يحيى القطان تفرد به ابنه محمد انتهى
وأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن أبي بكر الأعين وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبي عمرو بن حمدان وأخرجه الحاكم في المستدرك عن محمد بن جعفر المزكي كلاهما عن الحسن بن سفيان
وقد تابع النضر بن شميل على روايته عن ابن عون إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المعروف بابن علية وإسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي
أما ابن علية فقال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره حدثنا يعقوب ابن إبراهيم الدورقي نا ابن علية عن ابن عون فذكر مثل رواية النضر سواء
واما رواية الكرابيسي فأخرجها ابن جرير أيضا عن إبراهيم بن عبد الله قال نا أبو عمر الضرير نا إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن ابن عون عن نافع قال كنت أمسك المصحف على ابن عمر إذ تلا هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال نزلت هذه الآية في الذي يأتيها في دبرها
الرد على حصر الطبراني
وقد توبع يحيى بن قطان على روايته لهذا الحديث عن عبيد الله بن عمر بخلاف ما زعم الطبراني أنه تفرد به عن عبيد الله بن عمر فأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي بشر الدولابي ثنا أبو الحارث أحمد بن سعيد نا أبو ثابت محمد بن عبد الله المدني حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبيد الله بن عمر بن حفص وابن أبي ذئب ومالك بن أنس فرقهم كلهم عن نافع قال: قال لي ابن عمر أمسك علي المصحف يا نافع فقرأ حتى أتى على نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال لي تدري يا نافع فيم نزلت هذه الآية
قال قلت لا قال نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية قلت له من دبرها في قبلها قال لا إلا في دبرها
وتابع الدراوردي عن ابن أبي ذئب أبو صفوان الأموي أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط وابن مردويه في التفسير كلاهما من طريق محمد بن علي بن زيد الصائغ المكي عن يعقوب بن حميد نا أبو صفوان هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك عن ابن أبي ذئب به
و رويناه في الجزء الثاني من رواية حامد الرفاء تخريج الدارقطني قال الرفاء حدثنا أبو أحمد بن عبدوس نا علي بن الجعد نا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال وقع رجل على امرأته في دبرها فأنزل الله تعالى نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنا شئتم قال فقلت لابن أبي ذئب ما تقول أنت في هذا قال ما أقول فيه بعد هذا
ورواه عن مالك أيضا إسحاق بن محمد القروي أخرجه الثعلبي من طريق محمد بن عيسى الطرسوسي عن إسحاق ولفظه كنت أمسك المصحف على ابن عمر فقرأ هذه الآية فقال تدري فيم نزلت قلت لا قال نزلت في رجل أتى امرأته في دبرها على عهد رسول الله فشق ذلك عليه فنزلت
رواه آخرون عن نافع وهم خمسة
ورواه عن نافع غير من تقدم ذكره جماعة
1 - منهم ابنه عبد الله
2 - وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر
3 - وهشام بن سعد
4 - وأبان بن صالح
5 - وإسحاق بن عبيد الله بن أبي فروة
1 - أما حديث عبد الله بن نافع فأخرجه أحمد بن أسامة بن أحمد التجيبي في فوائده من طريق أشهب حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال أصاب رجل امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم الآية وبه إلى نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قرأ السورة لا يتكلم حتى يختمها فقرأ سورة البقرة فمر بهذه الآية فقال أتدري فيم نزلت فذكر ما تقدم
وبه إلى أشهب قال لي عبد الله بن نافع لا بأس به إلا أن يتركه أحد تقذرا
2 - وأما عمر بن محمد فقال عبد الرزاق في تفسيره نا سفيان الثوري عن عمر بن محمد بن زيد عن نافع 194 عن ابن عمر في قوله تعالى أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم أي مثله من النساء
قال سلمة بن شبيب الراوي عن عبد الرزاق وبه يحتج أهل المدينة
وأخرجه أحمد بن أسامة التجيبي في فوائده بسنده إلى سلمة بن شبيب ونقل عن أصبغ بن الفرج أنه احتج بها لذلك
وذكر أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن عن محمد بن كعب القرظي إنه احتج على الجواز بهذه الآية وزاد ولو لم يبح ذلك من الأزواج ما قبح انتهى
وكذا نقل عن زيد بن أسلم وابن الماجشون
وأخرج أبو الشيخ ابن حيان الأصبهاني في فوائده من طريق عصام بن زيد عن الثوري عن عمر بن محمد عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتأول هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أي حيث شئتم
3 - وأما رواية هشام بن سعد فأخرجها الطبراني وابن مردويه من طريق هارون بن موسى عن أبيه
وأخرجها أحمد بن أسامة التجيبي في فوائده من طريق معن بن عيسى كلاهما عن هشام بن سعد عن نافع قال قرأ ابن عمر هذه السورة فمر بهذه الآية نساؤكم حرث لكم الآية فقال تدري فيم أنزلت هذه الآية قلت لا قال في رجال كانوا يأتون النساء في أدبارهن
4 - وأما رواية أبان بن صالح فأخرجها الحاكم في تاريخه من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن إبان بن صالح عن نافع قال كنت أمسك المصحف على ابن عمر فذكر الحديث بطوله نحو ما تقدم وهو في القطعة التي انقطعت روايتها من صحيح ابن خزيمة أخرجه الحاكم عن أبي علي الحافظ النيسابوري عن ابن خزيمة وقال أبو علي لم أكتبه إلا عن ابن خزيمة
5 - وأما رواية إسحاق بن أبي فروة فأخرجها أحمد بن أسامة التجيبي في فوائده من طريق أبي علقمة القروي عنه عن نافع قال لي ابن عمر أمسك علي المصحف فذكر الحديث بطوله نحو رواية الدراوردي عن شيوخه الثلاثة
عود إلى رواية مالك
وأما رواية مالك فرواها عنه جماعة غير من تقدم
فأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق زكريا بن يحيى الساجي نا محمد بن الحارث المدني نا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال يا نافع أمسك علي المصحف قال فقرأ عبد الله بن عمر حتى بلغ نساؤكم حرث لكم الآية فقال يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك فسأل النبي فأنزل الله عز وجل الآية قال الدارقطني هذا ثابت عن مالك
وأخرج أيضا من طريق إسحاق بن محمد القروي عن مالك نحوه لكن قال أنزلت في الذي يأتي امرأته في دبرها
وأخرجه دعلج في غرائب مالك والثعلبي في التفسير من طريق إسحاق المذكور
ثلاثة رووا الحديث عن ابن عمر غير نافع
ورواه عن عبد الله بن عمر جماعة غير نافع
منهم زيد بن أسلم أخرجه النسائي والطبري والحاكم من طريق سليمان بن بلال عنه عن عبد الله بن عمر قال أتى رجل امرأته في دبرها في عهد رسول الله فوجد من ذلك وجدا شديدا فأنزل الله الآية
قال ابن عبد البر الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة من رواية نافع فغير نكير أن يرويها زيد بن أسلم أيضا
قلت وقد رواها غير نافع وزيد فأخرج النسائي والطبري
والطحاوي والدارقطني من طريق ابن القاسم قلت لمالك فقال لي اشهد على ربيعة يحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل عبد الله بن عمر فقال لا بأس به
وعند الطبري أن أناسا يروون عن سالم كذب العبد على أبي فقال مالك أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم عن ابن عمر مثل ما قاله نافع
وقد أنكر عبد الله بن عباس على عبد الله بن عمر هذا القول ونسبه إلى الوهم في الفهم فقال فيما أخرجه أبو داود وغيره من طريق محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عنه قال ابن عمر والله يغفر له قد أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار فذكر القصة وفي آخرها فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني موضع الولد أي من قبل دبرها أي في قبلها وقد تقدم في طرق القول الأول بأنها تكون باركة أو منبطحة وهذا الذي صار إليه أكثر العلماء والمبين يقضي على المجمل والله أعلم
وقد جاء عن أبي سعيد الخدري كنحو ما رواه نافع وغيره عن ابن عمر
أخرجه أبو يعلى والطحاوي في مشكل الآثار والطبري وابن مردويه في تفسيريهما من طريق عبد الله بن نافع نا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله فقالوا أثفر فلان امرأته فأنزل الله عز وجل الآية والقول في هذا كالقول في حديث ابن عمر لأنه إذا أولج وهي باركة صار ذكره كالثفر للدابة سواء كان الإيلاج في القبل أم الدبر فحمله على القبل موافق للروايات الأولى وهي أصح وأشهر والله أعلم
وجاء نحو ذلك من مرسل خصيف عن مجاهد أخرجه عبد بن حميد من طريقه ولفظه كانوا يجتنبون النساء في المحيض فلا يجامعوهن في فروجهن ويأتونهم في أدبارهن فسألوا النبي عن ذلك فأنزل الله نساؤكم حرث لكم الآية هكذا قال خصيف والمحفوظ عن مجاهد التشديد في ذلك لا الرخصة). [العجاب في بيان الأسباب:556 - 1/576]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}
روى الشيخان وأبو داود والترمذي عن جابر قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت {نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم}.
وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عباس قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: ((وما أهلكك؟)) قال: حولت رحلي الليلة فلم يرد عليه شيئا فأنزل الله هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم} يقول أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة.
وأخرج ابن جرير وأبو يعلي وابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه ذلك فأنزلت {نساؤكم حرث لكم} الآية.
وأخرج البخاري عن ابن عمر قال: أنزلت هذه الآية في إتيان النساء في أدبارهن.
وأخرج الطبرني في الأوسط بسند جيد عنه قال: إنما أنزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم: {نساؤكم حرث لكم} رخصة في إتيان الدبر.
وأخرج أيضا عنه: أن رجلا أصاب امرأة في دبرها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر ذلك، فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم}.
وأخرج أبو داود والحاكم عن ابن عباس قال: إن ابن عمر - والله يغفر له- وهم، إنما كان أهل هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن، مع هذا الحي من يهود، وهم أهل كتاب، كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أنهم لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف، فسرى أمرهما. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم} أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد.
قال الحافظ بن حجر في شرح البخاري: وهذا السبب الذي ذكره ابن عمر في نزول الآية مشهور، وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس، وبلغه حديث ابن عمر فوهمه فيه). [لباب النقول:44 - 45]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} الآية 223.
قال الإمام البخاري رحمه الله ج9 ص257 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن المنكدر سمعت جابر بن عبد الله قال: كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}.
الحديث أخرجه مسلم ج10 ص6 و7 وفيه زيادة إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير أن ذلك في صمام واحد وأخرجه الترمذي ج4 ص75 وقال حديث حسن صحيح وأبو داود ج2 ص215 وابن ماجه رقم 1925 والحميدي في المسند ج2 ص532.
قال الإمام أحمد رحمه الله ج6 ص305: ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط قال: دخلت على حفصة ابنة عبد الرحمن فقلت: إني سائلك عن أمر وأنا أستحي أن أسألك عنه فقالت: لا تستحي يا ابن أخي قال: عن إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا لا يجبون النساء وكانت اليهود تقول: إنه من جبى امرأته كان ولده أحول، فلما قدم المهاجرين المدينة نكحوا في نساء الأنصار فجبوهن فأبت امرأة أن تطيع زوجها فقالت لزوجها: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدخلت على أم سلمة فذكرت ذلك لها فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم استحت الأنصارية أن تسأله فخرجت فحدثت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((ادعي الأنصارية)) فدعيت فتلا عليها هذه الآية: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} صماما واحدا.
حديث أم سلمة ظاهره يخالف حديث جابر ويرجح حديث جابر لأنه متفق عليه ولأن حفصة بنت عبد الرحمن لم يوثقها إلا العجلي وابن حبان وهما متساهلان.
وأما ما جاء عن ابن عمر أنها نزلت في إتيان النساء في أدبارهن كما في البخاري الإشارة إليه وفي الفتح ج9 ص255 و256 فقد رده العلماء وعلى رأسهم حبر الأمة كما في الفتح وقال أبو جعفر بن جرير رحمه الله في تفسيره ج2 ص398 بعد ذكره الرد على ذلك وتبين بما بينا صحة معنى ما روي عن جابر وابن عباس من أن هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول. وقد قال قبل ذلك: وأي محترث في الدبر فيقال ائته من وجهه.
وقال العلامة الشوكاني بعد ذكره بعض القائلين بالجواز وليس في أقوال هؤلاء حجة ألبتة. ولا يجوز لأحد أن يعمل على أقوالهم فإنهم لم يأتوا بدليل يدل على الجواز فمن زعم منهم أنه فهم ذلك من الآية فقد أخطأ في فهمه كائنا من كان ومن زعم منهم أن سبب نزول الآية أن رجلا أتى امرأته في دبرها فليس في هذا ما يدل على أن الآية أحلت ذلك ومن زعم ذلك فقد أخطأ بل الذي تدل عليه الآية أن ذلك حرام فكون ذلك هو السبب لا يستلزم أن تكون الآية نازلة في تحليله فإن الآيات النازلات على أسباب تأتي تارة بتحليل هذا وتارة بتحريمه ا.هـ. كلام الشوكاني رحمه الله وأما الحافظ ابن كثير رحمه الله فبعد أن ذكر قول ابن عمر في سبب نزول الآية قال: وهذا محمول على ما تقدم وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها لما رواه النسائي عن علي بن عثمان النفيلي عن سعيد بن عيسى عن الفضل بن فضالة عن عبد الله بن سليمان الطويل عن كعب بن علقمة عن أبي النضر أنه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر إنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن، قال كذبوا علي ولكن سأحدثك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت لا. قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد فآذاهن فكرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. وهذا إسناد صحيح ثم ساق جملة من الأحاديث الدالة على تحريم إتيان النساء في أدبارهن وبعدها قال: وقد تقدم قول ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمرو في تحريم ذلك وهو الثابت بلا شك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه يحرمه. قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في مسنده حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: قلت لابن عمر ما تقول في الجواري أيحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر الدبر فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟ وكذا رواه ابن وهب وقتيبة عن الليث به وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم). [الصحيح المسند في أسباب النزول:40 - 42]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين