العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > أحكام المصاحف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #51  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:23 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

التلقي من المصحف | غير مصنف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (المستقريء لكلام أهل العلم في مسألة تلقي القرآن من المصحف فقط والتعويل عليه دون الأخذ عن شيخ متقن يلحظ أن ثمة فرقا في الحكم بين حال الاختيار وبين حال العجز والضرورة، حيث شددوا في الأولى وسهلوا في الثانية، وقد ألف ابن بطة الحنبلي مصنفا في الإنكار على من أخذ القرآن من المصحف.
وقد نقل أبو عمرو الداني وغيره آثارا كثيرة عن السلف في النهي عن أخذ القراءة من مصحفي. وقال أبو الحسن السخاوي: (ليست معرفة القرآن راجعة إلى المصحف المجموع والأصل المذكور)يعني أصل الرسوم.
وقد قال أبو العباس بن تيمية: (والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على المصاحف "). وصرح ابن الحاج في المدخل بمنع التلقي من المصحف في حق من لا يعرف مرسوم المصحف، قال لأن من لا يعرف المرسوم من الأمة يجب عليه أن لا يقرأ في المصحف إلا بعد أن يتعلم القراءة على وجهها، أو يتعلم مرسوم المصحف، فإن فعل غير ذلك فقد خالف ما اجتمعت عليه الأمة، وحكمه معلوم في الشرع الشريف.
وفي فضائل القرآن لابن كثير عند كلامه عن المفاضلة بين القراءة عن ظهر قلب، والقراءة نظرا في المصحف قال: (فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن، لأن الكتابة لا تدل على الأداء كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه، وإذا أدى الحال إلى هذا منع منه إذا وجد شيخا يوقفه على ألفاظ القرآن، فأما عند العجز عما يلقن فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية، فإذا قرأ في المصحف والحالة هذه فلا حرج عليه، ولو فرض أنه قد يحرف بعض الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه، فقد قال الإمام أبو عبيد: حدثني هشام بن إسماعيل الدمشقي عن محمد بن شعيب عن الأوزاعي: أن رجلا صحبهم في سفر قال: فحدثنا حديثا ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا قرأ فحرف أو أخطأ كتبه الملك كما أنزل").أ.ه
وقال السيوطي في الإتقان: (ويحصل الأمن من تحريف ألفاظ القرآن بالتلقي من أفواه الرجال العالمين بالقراءة، ولا ينبغي الاكتفاء بمجرد النظر في المصحف).
قال الزرقاني في المناهل: قال المحقق ابن الجزري: (ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة، ففي الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم : قال "أن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم. فقلت له: أي رب إذا يثلغوا رأسي
[448]
حتى يدعوه خبزة. فقال إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، فأبعث جندا أبعث مثلهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفق ينفق عليك"). كذا في المناهل.
قال الزرقاني في موضع من المناهل أيضا وعنه الشيخ صبحي الصالح: (ولكي يزيد إقبال عثمان من إقبال الناس على تلقي القرآن من صدور الرجال واعتمادهم على الحفظ وعدم اتكالهم على النسخ والكتابة راح يرسل في الأكثر الأغلب مع المصحف الخاص بكل أقليم حافظا يوافق قراءته، فكان زيد بن ثابت مقريء المصحف المدني،وعبد الله بن السائب مقريء المكي، والمغيرة بن شهاب مقريء الشامي، وأبو عبد الرحمن السلمي مقريء الكوفي، وعامر بن عبد القيس مقريء البصري). فتبين مما مضى أن التعويل قبل كل شيء كان على الحفظ والاستظهار، ولا يزال التعويل حتى الآن على التلقي من صدور الرجال ثقة عن ثقة، وإماما عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وردت آثار عديدة تتضمن هذا المعنى.
الآثار الواردة في تلقي القرآن عن القراء
أخرج الإمام أحمد والشيخان وغيرهما من حديث ابن عمر واللفظ للبخاري بسنده عن مسروق قال: (ذكر عبد الله عند عبد الله بن عمر فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود فبدأ به، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل". قال: لا أدري بدأ بأبي أو بمعاذ). وفي لفظ: "خذوا القرآن من أربعة....". وأخرج
[449]
البزار وعنه الهيثمي في المجمع عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذوا القرآن من أربعة من أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة". قال الهيثمي: رجاله ثقات. وأخرج أبو عبيد في فضائل القرآن في باب عرض القراء للقرآن وما يستحب لهم من أخذه عن أهل القراءة واتباع السلف فيها والتمسك بما يعلم منها، قال: (حدثنا ابن أبي مريم وحجاج عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن عروة بن الزبير قال: "إن قراءة القرآن سنة من السنن، فاقرؤه كما اقرئتموه").
وقال أبو عبيد أيضا: (حدثنا حجاج عن بن أبي الزناد عن أبيه قال: قال لي خارجة بن زيد: قال لي زيد بن ثابت: "القراءة سنة").
وأخرج أبو عبيد في الفضائل أيضا قال: (حدثني هوذة بن خليفة عن عوف بن أبي جميلة عن خليد العصري قال: لما ورد علينا سلمان أتيناه نستقرئه القرآن، فقال: إن القرآن عربي فاستقرؤه رجلا عربيا".قال: فكان زيد بن صوحان يقرئنا، ويأخذ عليه سلمان فإذا أخطأ غير عليه، وإذا أصاب قال: نعم إيم الإله).
[450]


رد مع اقتباس
  #52  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:29 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

تمزيق المصحف | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا يخلو الباعث على تمزيق المصحف من أن يكون لمصلحة من أن يكون لمصلحة شرعية اقتضت إتلافه كرداءة خطه رداءة لا يمكن معها الانتفاع به، أو حصول تحريف به لا يمكن تداركه، أو تلوثه بنجاسة لا يتأتى معها تطهيره فيجوز حينئذ إتلافه بأي نوع من أنواع الإتلاف ارتكابا لأخف المفسدتين في سبيل درء أعظمهما، وقد مر في مسألة إتلاف المصاحف مفصلا.
أو أن يكون الباعث على تمزيق المصحف استخفافا وعبثا، وقد مر في مسألة الاستخفاف بالمصحف طرف من هذا. وكيف أن بعض أهل العلم قد بالغ في التشديد في مسألة الاستخفاف وصرح باعتباره بابا من أبواب الردة وضربا من ضروب الكفر، بيد أن طائفة من أهل العلم قد عبرت بحرمة هذا الصنيع لكونه ازدراء بالمصحف، وهذا التعليل يقتضي القول بالتكفير.
وقد قال الحليمي الشافعي ، وحكاه عنه الزركشي، والسيوطي: (وإذا احتيج إلى تعطيل بعض أوراق المصحف لبلاء ونحوه فلا يجوز وضعه في شق أو غيره ليحفظ، لأنه قد يسقط ويوطأ، ولا يجوز تمزيقها لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم، وفي ذلك إزراء بالمكتوب).
وجزم الهيتمي بتحريم تمزيق المصحف عبثا لأنه إزراء به. قال الشبراملسي
[452]
في حاشيته على النهاية: (وفي حج: ويحرم تمزيق المصحف عبثا لأنه إزراء به).
الآثار الواردة في جواز تمزيق المصاحف لمصلحة شرعية:
أخرج أبو عبيد في كتابه فضائل القرآن قال: (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن أبي اسحاق عن مصعب بن سعد قال: " أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعب ذلك أحد"). وأخرج أبو عبيد أيضا وابن شبة في تاريخ المدينة المنورة عن سالم بن عبد الله أنه: (لما توفيت حفصة أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر ساعة رجعوا من جنازة حفصة بعزيمة: ليرسلنها [يعني الصحف التي كانت عند حفصة ].فأرسل بها ابن عمر إلى مروان فمزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف لما نسخ عثمان).
قال أبو عبيد: (لم يسمع في شيء من الحديث أن مروان هو الذي مزق الصحف إلا في هذا الحديث).
[453]


رد مع اقتباس
  #53  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:36 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

تمكين الكافر من المصحف | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (وفي جواز تمكين غير المسلم من مس المصحف، وما في حكمه أقوال ثلاثة:
أحدها: المنع مطلقا لقوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون)، ولقوله عليه السلام: "لا يمس القرآن إلا طاهر"، وقياسا على المحدث من المسلمين بل أولى لأن الكافر ليس من أهل الطهارة، ولا يمكن تصورها منه، إذ لا تصح إلا بنية وهو ليس من أهلها؛بل هو نجس بنص القرآن لقوله سبحانه: (إنما المشركون نجس).
وقد استقر في أذهان الصحابة رضوان الله عليهم حكم منع الكافر من مس القرآن منذ الأيام الأولى لظهور الإسلام كما في أثر عمر رضي الله عنه مع أخته قبل أن يسلم حين رام الاطلاع على صحيفة معها فيها قرآن ، فأبت عليه ذلك قائلة: "إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون" حتى إذا طمعت في إسلامه قالت: "قم فاغتسل، أو توضأ".
وقد رواه البلاذري والدراقطني وابن اسحاق مطولا.
[459]
"وكان ابن عباس ينهي أن يمكن أحد من اليهود والنصارى من قراءة القرآن"، ولأن في تمكين الكافر من مسه تعريضا له بالامتهان والانتهاك، يستثنى من ذلك الآية والآيتان في الرسائل على سبيل الدعوة لكتابته إياهما عليه السلام في كتبه إلى ملوك الكفار كهرقل عظيم الروم مثلا بل كره بعضهم مبايعة الكفار بالنقود التي تتضمن قرآنا أو ذكرا لله تعالى، أو أن يبيع منهم الثياب المطرزة بالقرآن، أو الذكر، ومثلها الدور التي كتب القرآن على أسكف أبوابها أو حيطانها وسقوفها.
وكذا سائر ما يتضمن قرآنا أو ذكرا شرعيا، ولنهيه عليه السلام عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم،
القول الثاني: أنه يجوز تمكين الكافر من مس المصحف إذا اغتسل ورجي إسلامه لأثر عمر السابق ولأن النجاسة بدنة قد خففت بالغسل فلم يبق إلا نجاسة اعتقاده وهي في قلبه.
القول الثالث: أنه يجوز أن يمكن الكافر من حمل القرآن ومسه لعدم الدليل الصريح الصحيح على منعه من ذلك.
وقد ذهب إلى القول الأول المقتضي لمنع الكافر من مس القرآن وحمله جماهير أهل العلم من السلف والخلف، وفيهم المالكية والشافعية،
[460]
والحنابلة، وهو قول الحنفية، اختاره أبو يوسف صاحب أبي حنيفة مستدلين بالآيات والآثار السابق ذكرها في مسألة اشتراط الطهارة لمس المصحف.
وذهب إلى القول الثاني أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن، وجزم به قاضي خان في فتاويه ولم يحك فيه خلافا.
وقد ذهب إلى القول الثالث طائفة من أهل العلم كابن جبير على ما حكاه عنه جماعة كابن أبي داود، وابن أبي شيبة، والعيني، وهو مروي عن الحكم وحماد بن سليمان وداود بن علي وأتباعه وجمع ممن لا يقول باشتراط الطهارة أصلا.
وقد مضى ذكر طرف من حججهم في غير موضع من هذا البحث، فلا نطيل بتكراره هنا. وسيأتي لهذه المسائل مزيد بيان في مواضعها من هذا البحث إن شاء الله تعالى).
[461]


رد مع اقتباس
  #54  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:41 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

التنازع في المصحف | غير مصنف



قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا يخلو التنازع في المصحف من أن يكون بين الورثة أو أن يكون بين الزوجين ضمن تنازعهما في متاع البيت، أو أن يكون التنازع في المصحف بين الشريكين، أو أن يكون بين صاحب الدار والمكتري.
فإن كان التنازع في المصحف بين الورثة فقد مر تفصيله في مسألة إرث المصحف فلا معنى لإعادته هنا.
وإن كان التنازع في المصحف بين الزوجين حال اختلافهما في متاع البيت فلا يخلو من أن يكون قارئين أو أن يكون الزوج قارئا والزوجة غير قارئة، فإن كان الزوج قارئا دون الزوجة فالمصحف من نصيبه على ما صرح به بعض الأئمة الثلاثة خلافا للإمام الشافعي الذي يجعل المصحف بينهما بكل حال بناء على مذهبه في كون متاع البيت بين الزوجين مناصفة حال التنازع، فقد ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد أن الأئمة الثلاثة جعلوا كتب العلم حال التنازع بين الزوجين في نصيب الرجل، وخلافا للشافعي الذي يقسم الكتاب الذي يقرأ فيه بينهما.
وذكر ابن عبد السلام في قواعد الأحكام في تعارض الظاهرين أن الزوجين إذا اختلفا في متاع البيت وكان الزوج فقيها فنازعته في كتب الفقه، أو مقرئا فنازعته في كتب القراءة، أو طبيبا فنازعته في كتب الطب، أو محدثا فنازعته في كتب الحديث،
[463]
فإن الشافعي رحمه الله يسوي بينهما نظرا إلى الظاهر المستفاد من اليد.وبعض العلماء يخص كل واحد منهما بما يليق به نظرا إلى الظاهر المستفاد من العادة الغالبة، وهذا مذهب ظاهر متجه.
فإن كل واحد يجد في نفسه ظنا لا يمكنه دفعه عن نفسه بأن ما يختص بالأزواج المذكورين لهم وما يختص بالنساء لهن، وما أبعد المشاركة بين الفقيه وزوجته في حقيهما.
وقد عقد السمناني الحنفي في كتابه روضة القضاة بابا في اختلاف الزوجين في متاع البيت، وذكر فيه لأهل العلم سبعة أقوال، قال: (فقال أبو حنيفة: ما كان للرجل فهو للرجل، وما كان للنساء فهو للنساء، وما كان مشكلا فهو للباقي منهما، وفي الموت والطلاق سواء. وأما في قول أبي يوسف تعطي المرأة جهاز مثلها، والباقي للزوج في الطلاق والموت. وأما في قول محمد بن الحسن ما كان للرجال فهو للرجل، وما كان للنساء فهو للمرأة، وما كان مشكلا فهو للرجل أو ورثته، والطلاق والموت سواء.
والرابع: قول زفر أنه ما كان للرجال فهو للرجال، وما كان للنساء فهو للمرأة، وما كان مشكلا فهو بينهما نصفان.والخامس قول مالك أن المتاع كله بينهما
نصفان، وهو قول الشافعي، والموت والطلاق سواء، وقد روي عن زفر مثله ذكره في اختلاف زفر.
والسادس قول ابن أبي ليلى أن المتاع كله للزوج إلا الثياب التي على بدن المرأة فإنها أحق بها.
والسابع أن المتاع كله للمرأة لأن البت لها، وهو قول الحسن البصري).
التنازع في المصحف بين الشريكين:
جاء في الفتاوى الهندية: (وفي مختصر خواهر زاده ولا تقسم القوس والسرج ولا المصحف، كذا في التتارخانية). وجاء في موضع من الهندية أيضا: (لا
[464]
تقسم الكتب بين الورثة، ولكن ينتفع كل واحد بالمهايأة، ولو أراد واحد من الورثة أن يقسم بالأوراق ليس له ذلك، ولا يسمع هذا الكلام منه، ولا تقسم بوجه من الوجوه، ولو كان صندوق قرآن ليس له ذلك أيضا، وإن تراضوا جميعا فالقاضي لا يأمر بذلك، ولو كان المصحف لواحد وسهم من ثلاثة وثلاثين سهما منه للآخر فإنه يعطي يوما من ثلاثة وثلاثين يوما حتى ينتفع، ولو كان كتابا ذا مجلدات كثيرة كشرح المبسوط فإنه لا يقسم أيضا، ولا سبيل إلى القسمة في ذلك، وكذا في كل جنس مختلف، ولا يأمر الحاكم بذلك، ولو تراضيا أن تقوم الكتب ويأخذ كل واحد بعضها بالقيمة بالتراضي يجوز وإلا فلا، كذا في جواهر الفتاوى).
لكن البهوتي من أصحابنا الحنابلة قد ذكر في شرحه على الإقناع أن الشريك في الكتاب يجبر شريكه على البيع إذا طلب شريكه ذلك ليتخلص الطالب من ضرر الشركة فإن أبى الممتنع البيع "بيع" أي باعه الحاكم عليهما، لأنه حق عليه كما بيع الرهن إذا امتنع الراهن، وقسم الثمن بينهما بحسب الملك، لأنه عوضه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله.
التنازع بين مكتري الدار ومالكها:
جاء في الإقناع وشرحه أنه إذا تنازع رب البيت والمكتري في المكتب فهي للمكتري، لأن العادة أن الإنسان يكري داره فارغة).
[465]


رد مع اقتباس
  #55  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:48 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

التيامن في تناول المصحف | غير مصنف



قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (صرح بعض الفقهاء بأن شرف المصحف يقتضي تناوله باليمين تشريفا له وتكريما، والظاهر أن هذا محل وفاق بين أهل العلم، وأنه مراد لمن لم يصرح.

قال الغزالي: (أحوجك من أعطاك اليدين إلى أعمال بعضها شريف كأخذ المصحف، وبعضها خسيس كإزالة النجاسة، فإذا أخذت المصحف باليسار وأزلت النجاسة باليمين فقد خصصت الشريف بما هو خسيس، فغضضت من حقه، وظلمته وعدلت عن العدل).
وقال ابن مفلح في الآداب: (وتناول الشيء من يد غيره باليمين ذكره ابن عقيل من المستحبات، وكذلك ذكره القاضي والشيخ عبد القادر، وقال: وإذا أراد أن يتناول إنسان توقيعا أو كتابا فليقصد يمينه). واستدل بحديث أبي هريرة عند أحمد وغيره: " ليأكل أحدكم بيمينه" الحديث.
[476]
فإذا قالوا باستحباب أخذ التوقيع أو الكتاب باليمين فلأن يقال بالوجوب في أخذ كتاب الله تعالى باليمين من طريق الأولى، والله أعلم بالصواب.
تتمة:
وذكر ابن الحاج في المدخل وهو بصدد الكلام عن طائفة من البدع والمحدثات بدعة تتعلق بدعوة تذكر عند مناولة المصحف حيث قال: (ومثل ذلك قولهم حين مناولتهم المصحف والكتاب لفظة حاشاك).
وقد مر في مسألة الدعاء عند أخذ المصحف طرف من هذا).
[477]


رد مع اقتباس
  #56  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:50 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

جحد شيء من المصحف | غير مصنف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (أخرج عبد الرزاق في مصنفه بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( من كفر بحرف من القرآن فقد كفر به أجمع، ومن حلف بالقرآن فعليه بكل آية يمين).
وقال أبو عبيد في كتابه فضائل القرآن بعد أن ساق باب الزوائد من الحروف التي خولف بها الخط في القرآن، وباب ذكر ما رفع من القرآن بعد نزوله، ولم يثبت في المصاحف، قال أبو عبيد:
(هذه حروف التي ذكرناها في هذين البابين من الزوائد لم يروها العلماء ولم يجعلوا من جحدها كافرا، إنما تقرأ في الصلاة ونحكم بالكفر على الجاحد لهذا الذي بين اللوحين خاصة، وهو ما ثبت في الإمام الذي نسخه عثمان بإجماع من المهاجرين والأنصار، وإسقاط لما سواه، ثم أطبقت عليه الأمة، فلم يختلف في شيء منه يعرفه جاهلهم كما يعرفه عالمهم، وتوارثه القرون بعضها عن بعض، ويتعلمه الولدان في المكتب، وكانت هذه إحدى مناقب عثمان العظام، وقد كان بعض أهل الزيغ طعن فيه ثم تبين للناس ضلالهم في ذلك.
وقال النووي في التبيان وعنه ابن مفلح في الآداب: (أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته. وأجمعوا على أن من جحد منه حرفا مما أجمع عليه، أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر.
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله:"اعلم أن من استخف بالقرآن أو بالمصحف، أو بشيء منه أو سبهما، أو جحد حرفا منه، أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفي ما أثبته وهو عالم بذلك، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين، وكذلك إن جحد التوراة والإنجيل، أو كتب الله المنزلة، أو كفر بها أو سبها، أو استخف بها فهو كافر. قال: وقد أجمع المسلمون على أن القرآن المتلو في جميع الأقطار، المكتوب في المصحف، الذي بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول: (الحمد لله رب العالمين). إلى آخر: (قل أعوذ برب الناس) كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع وأجمع عليه أنه ليس بقرآن عامدا لكل هذا فهو كافر". وقال أبو عثمان بن الحداد: "جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد بحرف من القرآن كفر، وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة ابن شنبوذ المقريء أحد أئمة المقرئين المتصدرين بها مع ابن مجاهد لقراءته وإقرائه بشواذ من الحروف مما ليس في
[486]
المصحف، وعقدوا عليه للرجوع عنه والتوبة منه، [وكتبوا فيه] سجلا أشهد فيه على نفسه في مجلس الوزير أبي علي بن مقلة سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة") انتهى كلام القاضي عياض).
[487]


رد مع اقتباس
  #57  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:53 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

جلد المصحف | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (الكلام على جلد المصحف يتناول ماهية الجلد ومادته، وبيان حرمته، وحكم مسه حال الحدث أو الكفر، والفرق بين حكم الجلد المتصل بالمصحف والمنفصل عنه، والمنسوب إليه بعد الانفصال، وما انقطعت نسبته عنه، وحكم جلد المصحف وزخرفته.
ماهية جلد المصحف:
من أهل العلم من لا يفرق بين جلد المصحف وبين غلافه في الماهية، ومنهم من يميز بينهما ويعتبر الغلاف شيئا منفصلا عن المصحف كالخريطة مثلا على ما مر بيانه في الكلام على ثوب المصحف.
وقد مر في مسألة تجليد المصحف أن المراد بجلد المصحف على المشهور هو غلافه المتصل به المشرز عليه ليصونه ويحفظه ويكون بمثابة الدفتين له،
ويتصل به يتبعه حتى في البيع، ويأخذ حكمه عند جمهور الفقهاء، ومن هنا قال غير واحد من فقهاء الحنفية: ( وغلافه ما يكون متجافيا عنه دون ما هو متصل به كالجلد المشرز هو الصحيح).
قال العيني: (واختلف المشايخ فيه فقال بعضهم هو الجلد الذي عليه. وقال بعضهم هو الكم وقال بعضهم هو الخريطة التي يعني الكيس الذي يوضع فيه
[488]
المصحف وهو الصحيح، أشار إليه بقوله: وغلافه "ما يكون متجافيا عنه" أي متباعدا عن المصحف وهو الكيس، وأصل مادته من الجفائف بالمد من جفا يجفو، وأصل معناه البعد والرفع، ومنه: ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع)، أي بعدت عن مضاجعهم "دون ماهو متصل به" أي المصحف "كالجلد المشرز" أي اللصوق به، فيقال مصحف مشرز أي مضموم مشرز أجزاؤه، أي مسدو بعضها من الشيرازة وليست بعربية، وفي العباب مصحف مشرز أي مضموم الكراريس والأجزاء بعضها إلى بعض مضموم الطرفين، فإن لم يضم طرفاه فهو مشرش بشينين وليس مشرز مشتق من الشيرازة وهو فارسية، والشيراز الذي يؤكل المستجد من اللبن، وأصله شراز بالتشديد قلبت أحد الرائين ياء آخر الحروف كما في قيراط وديباج أصلها قيراط وديباج بالتشديد).
ومال الحصكفي إلى التفريق بين الجلد والغلاف، واعتبر أن الغلاف هو المتجافي عن المصحف لا المشرز به. قال ابن عابدين في حاشيته على الدر: ("قوله غير مشرز" أي غير مخيط به، وهو تفسير للمتجافي، قال في المغرب مصحف مشرز أجزاءه مشدود بعضها إلى بعض من الشيرازة وليست بعربية. أ.ه. فالمراد بالغلاف ما كان منفصلا كالخريطة وهي الكيس نحوها، لأن المتصل بالمصحف منه حتى يدخل في بيعه بلا ذكر. وقيل المراد به الجلد المشرز، وصححه في المحيط والكافي، وصحح الأول في الهداية وكثير من الكتب، وزاد السراج أن عليه الفتوى، وفي البحر أنه أقرب إلى التعظيم).
والظاهر من كلام فقهاء بقية المذاهب أن المراد بجلد المصحف وغلافه شيء واحد.
[489]
مادة جلد المصحف:
لا خلاف بين أهل العلم في أنه ينبغي أن يكون جلد المصحف طاهرا في عينه محترما في مادته خاليا من كل ما هو مظنة ابتذال وامتهان، وأن يكون نظيفا وخاليا عن أي تصاوير أو كتابات غير لائقة بالمصحف.
ثم اختلفوا في تذهيب الجلد ونقشه بالنقدين على ما مر في مسألة تحلية المصحف.
حكم الجلد:
جمهور الفقهاء على أن لجلد المصحف المتصل به حكمه في الحرمة، وأنه لا يحل للمحدث أن يمسه، وأن جلد المصحف إنما اكتسب هذه الحرمة بسبب مجاورته للمصحف. وذهب فريق من الفقهاء إلى القول بأن حكم المصحف لا يثبت لجلده، وإن كان متصلا به، وهو الذي حكاه غير واحد من أهل العلم عن الإمام أبي حنيفة، وهو اختيار الخراسانيين من أصحابه، وحكاه الدرامي الشافعي وجها، وشذذه النووي، وهو مقتضى اختيار أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي في فنونه، وهو ظاهر كلام ابن حمدان في الرعاية حيث قال غير واحد من الأصحاب: (وظاهر الرعاية لا يحرم عليه مس الجلد، فإنه قال: لا يمس المحدث مصحفا، وقيل ولا جلده).
[490]
جلد المصحف المنفصل عنه:
صرح بعض الفقهاء بأن حرمة المصحف تثبت لجلده، حتى وإن كان منفصلا عنه، وهو الذي صرح به القرافي، وذكره العدوي في حاشيته على الخرشي مقابلا للظاهر، ونقل الزركشي عن عصارة المختصر للغزالي التصريح بتحريم مس جلد المصحف حتى وإن كان منفصلا عنه.
وقال ابن العماد أنه الأصح، زاد في شرح الروض، وظاهر أن محله إذا لم تنقطع نسبته عن المصحف، فإن انقطعت كأن جعل جلد كتاب لم يحرم مسه قطعا أ.ه.
جلد المصحف الجامع معه غيره:
بحث جمع من فقهاء الشافعية حكم مس جلد المصحف الجامع للمصحف وغيره، وكذا حكم مس الكعب واللسان المنطبق على جهة المصحف. قال الهيتمي في التحفة إثر كلامه على حرمة مس جلد المصحف المتصل به حال الحدث قال:
( ويؤخذ منه أنه لو جلد مع المصحف غيره حرم مس الجلد الجامع لهما من سائر جهاته، لأن وجود غيره معه لا يمنع نسبة الجلد إليه، وبتسليم أنه منسوب إليهما فتغليب المصحف متعين نظير ما يأتي في تفسير وقرآن استويا، فإن قلت وجود غيره معه فيه يمنع إعداده له، قلت الإعداد إنما هو قيد في غيره مما يأتي ليتضح قياسه عليه، وأما هو فكالجزء كما تقرر فلا يشترط فيه إعداده).
وعبارة الرملي في النهاية: (ولو حمل مصحفا مع كتاب في جلد واحد فحكمه حكم المصحف مع المتاع في التفصيل، وأما مس الجلد فيحرم مع مس الساتر للمصحف دون ما عداه كما أفتى به الوالد رحمه الله).
[491]
وقال الشبراملسي في حاشيته على النهاية: ("قوله مس الجلد" مثل الجلد اللسان والكعب أي فيحرم كل منهما ما حاذى المصحف، وفي سم على حج ويبقى الكلام في الكعب فهل يحرم مسه مطلقا أو الجزء منه المحاذي للمصحف؟ وهل اللسان المتصل بجهة غير المصحف إذا انطبق في جهة المصحف كذلك؟ فيه نظر أ.ه. قلت: ولا يبعد تخصيص الحرمة بالجزء المحاذي للمصحف.
"فرع" جمع مصحف وكتاب في جلد واحد.قال م ر: ففي حمله تفصيل حمل المصحف في أمتعة، وأما مسه فهو حرام إن كان من جهة المصحف لا من جهة الأخرى أ.ه. أفاد بحثا أن كعب الجلد يلحق منه بالمصحف ما جاوره).
وقد يأتي في مسألتي كعب المصحف ولسانه مزيد بيان...)
[492]


رد مع اقتباس
  #58  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:55 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

الجلوس على المصحف أو على شيء فيه مصحف | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا خلاف بين أهل العلم في حرمة الجلوس على المصحف مباشرة لما فيه من ابتذال المصحف وامتهانه ، وأن من فعل ذلك استخفافا بالمصحف يكون كافرا. وقد مضى في مسألة الاستخفاف بالمصحف بأبسط من هذا.
أما إن كان الجلوس على شيء فيه مصحف كصندوق مثلا فقد اختلف أهل العلم في جوازه، لأن الحاجة قد تدعوا إليه. فقد جاء في الفتاوى البزازية ما نصه: (وضع القرطاس الذي عليه اسم الله تعالى تحت الطنفسة لا بأس به، لأنه يجوز النوم والقعود على سطح بيت فيه المصاحف. وقال القاضي: ويكره إلا في موضع وهو الركوب على جوالق فيه مصحف للضرورة، والأول أوسع).
وجاء في الفتاوى الهندية ما نصه: (إذا كان للرجل جوالق وفيها دراهم مكتوب فيها شيء من القرآن، أو كان في الجوالق كتب الفقه أو كتب التفسير أو المصحف فجلس عليها أو نام فإن كان من قصده الحفظ فلا بأس به كذا في الذخيرة).
وجاء في حاشية الشرواني على التحفة ما نصه: (فائدة وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خرج أو غيره وركب عليه هل يجوز أم لا؟ فأجبت عنه بأن
[493]
الظاهر أنه إن كان على وجه يعد إزراء به، كأن وضعه تحته بينه وبين البرذعة، أو كان ملاقيا لا على الخرج مثلا من غير حائل بين المصحف وبين الخرج، وعد ذلك إزراء له ككون الفخذ صار موضوعا عليه حرم، وإلا فلا، فتنبه له فإنه يقع كثيرا).
والظاهر أن الخلاف المار في مسألة توسد المصحف يجري هنا؛ بل لو قال قائل بمنع الجلوس على شيء فيه مصحف حال الاختبار لما أبعد.
تنبيه:
روي: " من جلس فوق عالم بغير إذنه فكأنما جلس على المصحف". قال في الفتاوى الحديثية، وعنه كشف الخفا نقلا عن السيوطي لا أصل له).
[494]


رد مع اقتباس
  #59  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:57 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

الجماع في بيت فيه مصحف | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (المتتبع لأقوال أهل العلم يلحظ أن مسألة الجماع في بيت فيه مصحف محل خلاف بينهم لما يقتضيه تعظيم المصحف وإكرامه من الاحتياط له عن كل ما من شأنه حصول الابتذال للمصحف أو امتهانه ولو صورة، وإن من أهل العلم من كان يحمله تعظيم المصحف على عدم النوم في بيت فيه مصحف حذرا من حصول حدث منه لم يشعر به.
ومن أهل العلم من فرق بين المصحف المستور وغير المستور لما في الستر من المبالغة في الصيانة بخلاف المكشوف نظير ما قالوه في مسألة دخول الخلاء بشيء فيه مكتوب القرآن كالحرز مثلا، ومن أهل العلم من سهل في مسألة الجماع في بيت فيه مصحف مطلقا لعدم قصد الامتهان، ولما روي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم من التسهيل في وضع المصحف على فراش الجماع، ولأن بيوت المسلمين لا تخلوا من وجود مصحف، وقد لا تكون تلك البيوت واسعة بالضرورة مما يجعل القول بالمنع محرجا، وبخاصة أن المنع لا يستند إلى دليل سمعي، وهناك طرفا من النصوص المأثورة عن أهل العلم في هذا الشأن.
أخرج عبد الرزاق في المصنف، وأبو عبيد في فضائل القرآن، وابن أبي داود في المصاحف، واللفظ لعبد الرزاق بسنده عن ابن جريج عن عطاء:
[495]
أن رجلا قال لابن عباس: أضع المصحف على فراش أجامع عليه، وأحتلم فيه، وأعرق عليه؟ قال: نعم.
ولفظ أبي عبيد قال: ( حدثني يحي بن سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أأضع المصحف على الثوب الذي أجامع عليه؟ قال: نعم).
وأخرج ابن أبي داود بسنده عن عبيد بن عمير قال: أرسل إلى عائشة قال: أرأيت المقرمة التي يجامع عليها، أقرأ عليها المصحف؟ قالت: وما يمنعه؟ قالت: إن رأيت شيئا فاغسله، وإن شئت فحكه، وإن رأيت "أو إن رابك" فارششه. قال أبو بكر:"هذا أراه أن عبيد الله أرسل إلى عائشة". فهذان الأثران يشعران بعدم الحرج في وجود المصحف في بيت الجماع، لكن قد ذكر القرطبي في التذكار ما يدل على تحرج بعض السلف من مجرد النوم في بيت فيه مصحف قال: (قال بعض السلف:"ما دخلت بيتا منذ ثلاثين سنة وفيه مصحف إلا وأنا على وضوء". وكان بعضهم إذا كان في بيت فيه المصحف لم ينم تلك الليلة مخافة أن يخرج منه ريح في بيت فيه مصحف). ولا يخفى ما في مثل هذا المذهب من التضييق من غير حجة.
وقد قال السرخسي: (وهذا يبين لك الجواب في مسألة أخرى وهو أن الرجل إذا كان له خاتم مكتوب عليه اسم من اسماء الله تعالى، فإن جواب العلماء أنه يكره له أن يدخل الخلاء والخاتم في إصبعه، أو يأتي أهله معه؛ بل الواجب عليه أن ينزعه من أصبعه تعظيما لاسم الله تعالى، وفيما ذكره ها هنا دليل على أنه لا يكره أن يدخل
[496]
الخلاء أو يأتي أهله وهو متختم بذلك الخاتم، ولكن جواب العلماء على ما بيناه).
وقال في الفتاوى الخانية: (ولا بأس بالخلوة والمجامعة في بيت فيه مصحف، لأن بيوت المسلمين لا تخلوا عن ذلك).
وجاء في الفتاوى الهندية: (ويجوز قربان المرأة في بيت فيه مصحف مستور كذا في القنية).
وعبارة الدر: (لا بأس بالجماع في بيت فيه مصحف للبلوى قيده في القنية بكونه مستورا، وإن حمل ما فيها على الأولوية زال التنافي ط).


رد مع اقتباس
  #60  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:59 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

جمع قراءات شتى وروايات مختلفة في مصحف واحد | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (عقد أبو عمرو الداني في المحكم بابا في جامع القول في النقط، وعلى ما يبنى من الوصل والوقف، وما يستعمل له من الألوان، وما يكره من جمع قراءات شتى وروايات مختلفة في مصحف واحد، وما يتصل بذلك من المعاني اللطيفة، والنكت الخفية. ثم مضى في تفصيل جزئيات هذا الباب إلى أن قال: (وأكره من ذلك وأقبح منه ما استعمله ناس من القراء، وجهلة من النقاط في جمع قراءات شتى، وحروف مختلفة في مصحف واحد، وجعلهم لكل قراءة وحرف لونا من الألوان المخالفة للسواد كالحمرة والخضرة والصفرة واللازورد، وتنبيههم على ذلك في أول المصحف، ودلالتهم عليه هناك لكي تعرف القراءات، وتميز الحروف، إذ ذلك من أعظم التخليط وأشد التغيير المرسوم. ومن الدلالة على كراهة ذلك والمنع منه سوى ما قدمناه من الأخبار على ابن مسعود والحسن وغيرهما ما حدثناه خلف بن إبراهيم بن محمد قال: نا أحمد بن محمد قال: نا علي ابن عبد العزيز قال: نا القاسم بن سلام قال: نا هشيم عن أبي بشر بن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ: (عباد الرحمن)، قال سعيد: فقلت لابن عباس: إن في مصحفي" عند الرحمن". فقال: أمحها واكتبها "عباد الرحمن". ألا ترى ابن عباس رحمه الله قد أمر سعيد بن جبير بمحو إحدى القراءتين وإثبات الثانية، مع علمه بصحة القراءتين في ذلك، وأنهما منزلتان من عند الله تعالى، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما جميعا، وأقرأ
[498]
بهما أصحابه، غير أن التي أمره بإثباتها منهما كانت اختياره إما لكثرة القارئين بها من الصحابة، وإما لشيء صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أمر شاهده من علية الصحابة. فلو كان جمع القراءات وإثبات الروايات والوجوه واللغات في مصحف واحد جائزا لأمر ابن عباس سعيد بإثباتهما معا في مصحفه بنقطة يجعلها فوق الحرف الذي بعد العين، وضمة أمام الدال دون ألف مرسومة بينهما، إذ قد تسقط من الرسم في نحو ذلك كثيرا لخفتها، وتترك النقطة التي فوق ذلك الحرف، والفتحة التي على الدال، فتجتمع بذلك
القراءتان في الكلمة المتقدمة ، ولم يأمره بتغيير إحداهما ومحوها وإثبات الثانية خاصة، فبان بذلك صحة ما قلناه، وما ذهب إليه العلماء من كراهة ذلك، لأجل التخليط على القارئين، والتغيير للمرسوم، على أن أبا الحسين بن المنادي قد أشار إلى اجازة ذلك فقال في كتابه في النقط: "وإذا نقطت ما يقرأ على الوجهين فأكثر فارسم في رقعة غير ملصة بالمصحف أسماء الألوان، وأسماء القراء ليعرف ذلك الذي يقرأ فيه، ولتكن الأصباغ صوافي لامعات، والأقلام بين الشدة واللين". قال: " وإن شئت أن تجعل النقط مدورا فلا بأس بذلك، وإن جعلت بعضه مدورا ، وبعضه بشكل الشعر فغير ضائر بعد أن تعطي الحروف ذوات الاختلاف حقوقها". قال: " وكان بعض الكتاب لا يغير رسم المصحف الأول، وإذا مر بحرف يعلم أن النقط والشكل لا يضبطه كتب ما يريد من القراءات المختلفة تعليقا بألوان مختلفة، وهذا كله موجود في المصاحف".
قال أبو عمرو: وترك استعمال شكل الشعر، وهو الشكل الذي في الكتب الذي اخترعه الخليل في المصاحف الجامعة من الأمهات وغيرها أولى وأحق اقتداء بمن ابتدأ النقط من التابعين ، واتباعا للأئمة السالفين).
[499]


رد مع اقتباس
  #61  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 09:03 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

جمع المصحف | غير مصنف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (الكلام على مسألة جمع المصحف يتناول جملة من القضايا نعرض لذكر خمس عشرة قضية منها:
إحداها: ماهية الجمع المنشود.
الثانية: سبب ترك جمع المصحف في عهد النبوة.
الثالثة: أول من جمع المصحف.
الرابعة: تاريخ هذا الجمع والباعث عليه.
الخامسة: حكم هذا الجمع المذكور والدليل عليه.
السادسة: كيفية الجمع المذكور، والاحتيطات المتبعة لهذه الغاية.
السابعة: تسمية المصحف وكيف تمت.
الثامنة: مآل هذا المصحف بعد جمعه.
التاسعة: جمع المصحف الإمام في عهد عثمان، والفرق بين هذا الجمع وبين جمع المصحف الأول.
العاشرة: تاريخ جمع المصحف الإمام، والتوفيق بين الروايات المتعارضة في ذلك.
الحادية عشرة: الأسباب الحاملة على جمع المصحف الإمام.
الثانية عشرة: الكيفية التي تم بها هذا الجمع، وذكر الهيئة المكلفة بذلك.
الثالثة عشرة: موقف الصحابة من جمع المصحف الإمام وجمع الناس عليه وإتلاف ما سواه.
[500]
الرابعة عشرة: عدد نسخ المصحف الإمام، وذكر الأقطار التي وجه بتلك النسخ إليها.
الخامسة عشر: مصير نسخ المصحف الإمام.
ماهية جمع المصحف:
قد مرت الإشارة في غير موضع من هذا البحث إلى أن القرآن لم ينزل على النبي جملة واحدة، وإنما نزل عليه منجما في بضع وعشرين سنة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الشيء من القرآن دعا بعض الكاتبين من أصحابه فأملاه عليهم فكتبوه فيما كان يتيسر لهم من أوعية الكتابة في تلك الآونة كالرقاع والعسب واللخاف والأكتاف والأقتاب ، ثم إن هذا المكتوب في تلك الأوعية كان يجمع في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كمل نزول القرآن وانقطع الوحي بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن بتمامه مدونا، إلا أن هذا التدوين في الأوعية المذكورة قد لا يتأتى ترتيبه إلا بعسر ومشقة نظرا للتباين بين تلك الأوعية من حيث الحجم والتناسق فضلا عما تشكله تلك الأدوات من كم يخشى معه فقدان جزء من القرآن، ولا سيما عند نقله من مكان إلى مكان، وقد يكون الخطب في فوات شيء من القرآن أعظم إذا تناقص حفاظه وقل مع الزمن عدد متقنيه. ومن هنا عمد الصحابة إلى كتابة القرآن في صحف مجتمعة يضمها لوحان حرصا منهم على صيانة القرآن وتيسير تلاوته مجتمعا، وحتى يكون تتبعه ميسورا فتنسد بذلك كل ثغرة يمكن أن يلج منها المبطلون.
وقد تواتر أن هذا الجمع من الصحابة للقرآن يعني أن مابين دفتي المصحف هو القرآن كله من غير زيادة ولا نقص، وقد نقل غير واحد ممن صنف في علوم
[501]
القرآن كالزركشي في برهانه، والسيوطي في إتقانه، والزرقاني في المناهل. قول الحارث المحاسبي في كتابه فهم السنن: (كتابة القرآن ليست محدثة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان "مجتمعا"، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منه شيء). إلى آخر كلام المحاسبي.
سبب ترك جمع المصحف في عهد النبوة:
قال المحاسبي: (فإن قيل: كيف لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قيل: لأن الله تعالى قد أمنه من النسيان بقوله: (سنقرئك فلا تنسى، إلا ما شاء الله) أن يرفع حكمه بالنسخ، فحين وقع الخوف من نسيان الخلق حدث ما لم يكن، فأحدث بضبطه ما لم يحتج إليه قبل ذلك). وقال الزركشي: (وإنما ترك جمعه في مصحف واحد لأن النسخ كان يرد على بعض، فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعض لأدى إلى الاختلاف واختلاط الدين، فحفظه الله في القلوب إلى انقضاء زمان النسخ، ثم وفق لجمعه الخلفاء الراشدون).
[502]
وقال الزركشي أيضا: (وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف لئلا يفضي إلى تغييره كل الوقت، فلهذا تأخرت في كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم، فكتب أبو بكر والصحابة بعده، ثم نسخ عثمان المصاحف التي بعث بها إلى الأمصار).
أول من جمع المصحف:
أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن قال: (حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي قال: " رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن").
وأخرجه ابن أبي داود في المصاحف قال: (حدثنا أحمد بن الحسين بن حفص قال: حدثنا خلاد قال: حدثنا سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي قال: "رحمة الله على أبي بكر، كان أعظم الناس أجرا في جمع المصاحف وهو أول من جمع بين اللوحين"). وأخرجه من طرق خمس عن السدي عن عبد خير عن علي رضي الله عنه.
قال ابن كثير في الفضائل: (هذا إسناد صحيح). وحسنه الحافظ بن حجر في الفتح.وأخرج أبو عبيد في الفضائل أيضا، وابن أبي داود في المصاحف، واللفظ لأبي عبيد قال: (حدثنا المطلب بن زياد عن السدي عن عبد خير قال: "أول من جمع القرآن بين اللوحين أبو بكر").
وذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل بسنده عن ابن شهاب قال: (لما أصيب المسلمون باليمامة خاف أبو بكر أن يهلك طائفة من أهل القرآن، وإنما كان في العسب والرقاع، فأمر الناس فأتوه بما كان عندهم، فأمر به فكتب في الورق). إلى أن
[503]
قال: (فأبو بكر أول من جمع القرآن). وأخرج ابن أبي داود في المصاحف قال: (حدثنا هارون بن إسحاق قال: حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه: أن أبا بكر هو الذي جمع القرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يقول ختمه).
وأخرج ابن أبي داود أيضا في المصاحف قال: (حدثنا أبو الطاهر قال: أخبرنا
ابن وهب، وأخبرني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: (لما استحر القتل؟ بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: "اقعدوا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه").
الجمع المنسوب إلى علي وعمر رضي الله عنهما:
فإن قيل قد أخرج البلاذري في أنساب الأشراف، وابن أبي داود في المصاحف، وابن كثير في فضائل القرآن، والحافظ في الفتح: أن عمر رضي الله عنه هو أول من جمع القرآن. أجيب بأن الروايات الواردة في أولية أبي بكر أصح، لما في الروايات المخالفة من انقطاع على ما صرح به غير واحد من أهل العلم.
قال الحافظ في الفتح بعد رواية موسى بن عقبة في المغازي، وأن أبا بكر أول من جمع القرآن في الصحف، قال الحافظ: (وهذا كله أصح مما وقع في رواية عمارة
[504]
ابن غزية: أن زيد بن ثابت قال: "فأمرني أبو بكر فكتبت في قطع الأديم والعسب، فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده"، وإنما كان في الأديم والعسب أولا قبل أن يجمع في عهد أبي بكر، ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة).
وقال ابن كثير في فضائل القرآن: (حدثنا يزيد بن مبارك، عن فضالة عن الحسن: أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال: "إنا لله" ، ثم أمر بالقرآن فجمع، فكان أول من جمعه في المصحف.
وهذا منقطع فإن الحسن لم يدرك عمر، ومعناه أنه أشار بجمعه فجمع، ولهذا كان مهيمنا على حفظه وجمعه).
وهكذا يجاب بنحو مما مر عن الروايات التي تنسب الجمع الأول إلى علي رضي الله عنه، فقد قال الحافظ في الفتح: (وأما ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق ابن سيرين قال: قال علي: " لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت أن لا آخذ علي ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن" فجمعه...فإسناده ضعيف لانقطاعه، وعلى تقدير أن يكون محفوظا فمراده بجمعه حفظه في صدره.
قال: والذي وقع في بعض طرقه: "حتى جمعته بين اللوحين" وهم من راويه.
قلت: وما تقدم من رواية عبد خير عن علي أصح فهو المعتمد)".
[505]
تاريخ جمع المصحف الأول والباعث عليه:
مضت الإشارة في غير موضع من هذا البحث إلى التاريخ الذي تم فيه جمع المصحف الأول، وأن ذلك كان في عهد الصديق رضي الله عنه إثر مقتل عدد كبير من القراء في موقعة اليمامة، والتي جرت بين جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد وبين المرتدين بزعامة مسيلمة الكذاب وأصحابه من بني حنيفة في أرض اليمامة، وكان ذلك في ربيع الأول سنة 12 ه، وقد قتل من القراء يومئذ قريب من خمسمائة رضي الله عنهم، فشعر أبو بكر وعمر وبقية الصحابة رضي الله عنهم بالخوف على القرآن أن يضيع منه شيء بموت حفاظه، فعزموا على جمع مدونا في صحف بين لوحين ليظاهر المسطور ما هو محفوظ في الصدور.
فقد أخرج أئمة المحدثين وكتاب السير جملة من الآثار التي تروي قصة الجمع هذا، والبواعث عليه، وتسمي الأشخاص الذين أشاروا أو أمروا به، والأشخاص
[506]
الذين وكلت إليهم مهمة تنفيذه، والتدابير التي اتخذت لضبطه وإتقانه، منها ما أخرجه أبو عبيد والإمام أحمد والبخاري والنسائي وابن أبي داود في المصاحف وغيرهم من طريق الزهري عن عبيد بن السباق: أن زيد بن ثابت الأنصاري حدثه قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عنده عمر، فقال أبو بكر: "إن عمر أتاني فقال: إن القتل استحر بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها، فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن"
قال: فقلت له: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال لي: "هو- والله – خير". فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري له، ورأيت فيه الذي رأى عمر. قال: قال زيد: وقال أبو بكر:"إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه". قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي من ذلك. فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: "هو- والله – خير". فلم يزل يراجعني في ذلك أبو بكر وعمر حتى شرح الله صدري للذي شرح صدورهما، فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب ومن اللخاف، ومن صدور الرجال، فوجدت
[507]
آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم...)إلى آخره حتى ختم السورة). وهذا لفظ أبي عبيد، وقد مضى لفظ البخاري في غير موضع من هذا البحث.
قال أبو عبد الله المحاسبي: (فأما قوله: "وجدت آخر براءة مع خزيمة بن ثابت ولم أجدها مع غيره" يعني ممن كانوا في طبقة خزيمة ممن لم يجمع القرآن. وأما أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل فبغير شك جمعوا القرآن والدلائل عليه متظاهرة). قال: (ولهذا المعنى لم يجمعوا السنن في كتاب إذا لم يكن ضبطها كما ضبط القرآن).حكى ذلك عنه الزركشي في البرهان، ولا يخفى ما في عبارته من غموض ولا سيما تعليله مما أحسبه خطأ من ناسخ أو طابع.
حكم جمع المصحف والدليل عليه:
تكررت الإشارة في غير موضع من هذا البحث إلى حكم جمع المصحف، بيد أني أوثر أن أذكر هنا كلاما للحافظ ابن حجر ذكره في الفتح وضمنه أكثر النقول عن أهل في هذا الشأن حيث قال: (وقد تسول لبعض الروافض أنه يتوجه الاعتراض على أب بكر بما فعله من جمع القرآن في المصحف، فقال: كيف جاز أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؟ الجواب: أنه لم يفعل ذلك إلا بطريق
[508]
الاجتهاد السائغ الناشيء عن النصح منه لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابة القرآن، ونهى أن يكتب معه غيره، فلم يأمر أبو بكر إلا بكتابة ما كان مكتوبا، ولذلك توقف عن كتابة الآية من آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبة، مع أنه كان يستحضرها هو ومن ذكر معه، وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر من ذلك جزم بأنه يعد في فضائله، وينوه بعظيم مناقبه لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها"، فما جمع القرآن أحد بعده إلا كان له مثل أجره إلى يوم القيامة.
وقد كان لأبي بكر من الاعتناء بقراءة القرآن ما اختار معه أن يرد على ابن الدغنة جواره ويرضى بجوار الله ورسوله، وقد تقدمت القصة مبسوطة في فضائله. وقد أعلم الله تعالى في القرآن بأنه مجموع في الصحف في قوله: (يتلوا صحفا مطهرة)، وكان القرآن مكتوبا في الصحف، لكن كانت مفرقة فجمعها أبو بكر في مكان واحد، ثم كانت بعده محفوظة إلى أن أمر عثمان بالنسخ منها، فنسخ منها عدة مصاحف، وأرسل بها إلى الأمصار كما سيأتي بيان ذلك).
قال الحافظ: (وفي رواية عمارة بن غزية: فقال لي أبو بكر: "إن هذا دعاني
[509]
إلى أمر، وأنت كاتب الوحي، فإن تك معه اتبعتكما، وإن توافقني لا أفعل" فاقتضى قول عمر فنفرت من ذلك، فقال عمر: " كلمه وما عليكما لو فعلتما". قال: فنظرنا فقلنا: لا شيء والله، ما علينا..
قال ابن بطال: إنما نفر أبو بكر أولا ثم زيد بن ثابت ثانيا لأنهما لم يجدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، فكرها أن يحلا أنفسهما محل من يزيد احتياطه للدين على احتياط الرسول، فلما نبههما عمر على فائدة ذلك، وأنه خشية أن يتغير الحال في المستقبل إذا لم يجمع القرآن فيصير إلى حالة الخفاء بعد الشهرة، رجعا إليه. قال: ودل ذلك على أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تجرد عن القرآن- وكذا تركه- لا يدل على وجوب ولا تحريم انتهى. وليس ذلك من الزيادة على احتياط الرسول؛بل هو مستمد من القواعد التي مهدها الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الباقلاني: كان الذي فعله أبو بكر من ذلك فرض كفاية بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تكتبوا عني شيئا من القرآن"، مع قوله تعالى: (إنا علينا جمعه وقرآنه)، وقوله: (إن هذا لفي الصحف الأولى)، وقوله: (رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة). قال فكل أمر يرجع لإحصائه وحفظه فهو واجب على الكفاية، وكان ذلك من النصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم. قال: وقد فهم عمر أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم جمعه لا دلالة فيه على المنع، ورجع إليه أبو بكر لما رأى وجه الإصابة في ذلك، وأنه ليس في المنقول ولا في المعقول ما ينافيه، وما يترتب على ترك جمعه من ضياع بعضه، ثم تابعهما زيد بن ثابت وسائر الصحابة على تصويب ذلك). وقد مضى النقل عن علي رضي الله عنه في تصويب صنيع أبي
[510]
بكر هذا، وترحمه عليه أن كان أول من جمع القرآن بين لوحين. كما وقد مر عند الكلام على ماهية الجمع على قول أبي عبد الله الحارث المحاسبي في هذا الشأن على ما نقله عنه الزركشي وغيره.
كيفية الجمع المذكور والاحتياطات المتبعة لهذه الغاية:
قد مضى في غير موضع من هذا البحث ذكر قصة جمع القرآن الذي قام به زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه بأمر من الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد تضمنت تلك القصة، المروي عن زيد من طريق كل من ابنه خارجة بن زيد، وسالم بن عبد الله، وعبيد بن السباق، وفيها أن زيدا رضي الله عنه قام بتتبع القرآن من أوعيته المختلفة، ومن صدور الرجال؛ بل كان التعويل على الحفظ أعظم، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد أوصى باتخاذ كافة التدابير الكفيلة بالتوثق في مسألة الجمع، وقد مضى طرف من ذلك في الحاشية الرابعة عشرة من هذا البحث، وقد فصل الحافظ بن حجر في الفتح في بيان تلك التدابير عند شرحه لأثر زيد في قصة الجمع حيث قال ما نصه: (قوله "فتتبعت القرآن أجمعه" أي من الأشياء التي عندي وعند غيري).
قال الحافظ: (وعند ابن أبي داود أيضا في المصاحف من طريق يحي بن عبد الرحمن بن حاطب قال: "قام عمر فقال: من تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به. وكانوا يكتبون ذلك في المصحف والألواح والعسب". قال: "وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان" وهذا يدل على أن زيدا لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا، مع كون زيد كان يحفظه، وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط، وعند ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن
[511]
أبيه: " أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدوا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه" ، ورجاله ثقات مع انقطاعه، وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن. وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ.
قوله "وصدور الرجال"أي حيث لا أجد ذلك مكتوبا، أو الواو بمعنى مع، أي أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدر). ثم مضى الحافظ بن حجر في ذكر الخلاف في اسم الذي وجدت معه خواتيم التوبة، وهل كان أبا خزيمة أم خزيمة الأنصاري على ما مر تفصيله عند ذكر نص قصة الجمع بتمامه، إلى أن قال في معرض شرحه للأثر المذكور، ووجدان خاتمة التوبة مع أبي خزيمة، قال: ("لم أجدها مع أحد غيره" أي مكتوبة لما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا يكون تواترت عند من لم يتلقها من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة، ولعلهم لما وجدها زيد عند أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد). وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار، والوقوف عند ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم . قال الخطابي: هذا مما يخفى معناه، ويوهم أنه كان يكتفي في إثبات الآية بخبر الشخص الواحد، وليس كذلك، فقد اجتمع في هذه الآية زيد بن ثابت وأبو خزيمة وعمر. وحكى ابن التين عن الداودي قال: لم يتفرد بها أبو خزيمة؛ بل شاركه زيد بن ثابت، فعلى هذا تثبت برجلين أ.ه. وكأنه ظن أن قولهم لا يثبت القرآن بخبر الواحد أي الشخص الواحد، وليس كما ظن؛ بل المراد بخبر الواحد خلاف الخبر المتواتر، فلو بلغت رواة الخبر عددا كثيرا وفقد شيئا من شروط المتواتر لم يخرج عن كونه خبر الواحد، والحق أن المراد بالنفي نفي وجودها مكتوبة لا نفي كونها محفوظة. وقد وقع عند ابن أبي داود من رواية يحي بن عبد الرحمن بن حاطب:" فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني رأيتكم تركتم آيتين فلم تكتبوهما. قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد جاءكم رسول الله من أنفسكم) إلى آخر السورة. فقال عثمان: وأنا أشهد،
[512]
فكيف ترى أن تجعلهما؟ قال: أختم بهما آخر ما نزل من القرآن". ومن طريق أبي العالية: "أنهم لما جمعوا القرآن في خلافة أبي بكر كان الذي يملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا من براءة إلى قوله: (لا يفقهون) ظنوا أن هذا آخر ما نزل منها، فقال أبي بن كعب: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آيتين بعدهن: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) إلى آخر السورة").
تسمية المصحف وكيف تمت:
مضى في مسألة اسم المصحف من هذا البحث أن بعض الأحاديث قد وردت فيها تسمية القرآن باسم " المصحف"، كقوله عليه السلام: "لا تسافروا بالمصحف إلى أرض العدو"، وكقوله: "لا تمس المصحف إلا وانت طاهر"، وقد مضى تخريجهما.
وذكر الكاتبون في تاريخ المصحف: (أنه لما جمع أبو بكر القرآن قال: سموه. فقال بعضهم: سموه إنجيلا، فكرهوه. وقال بعضهم: سموه السفر، فكرهوه من يهود.فقال ابن مسعود: رأيت للحبشة كتابا يدعونه المصحف،فسموه به). وقد مر ذلك كله مفصلا في اسم المصحف، فليراجعه من رامه.
مآل مصحف أبي بكر:
ذكرت الروايات المتعلقة بجمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق أن القرآن لما جمع في الصحف بقيت تلك الصحف عند أبي بكر مدة حياته، ثم عند عمر بن الخطاب مدة حياته، ثم عند حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها، وإنما كانت عند حفصة رضي الله عنها بعد وفاة أبيها لأنه أوصى بذلك إليها لمكانتها من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكونها كاتبة قارئة يمكنها أن تصون تلك الصحف وتحافظ عليها، حتى طلب منها الصحف الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه لما شرع في كتابة المصحف الإمام، فأعطته إياها لعلمها بأن له طلب ذلك منها، ولكونه رضي الله عنه قد تعهد لها
[513]
برد تلك الصحف إليها بعد أن يفرغ من نقل مضامينها في المصحف الإمام، وقد وفى رضي الله عنه بتعهده هذا فرد الصحف إلى حفصة رضي الله عنها، حتى إذا كان مروان بن الحكم أميرا للمدينة في عهد معاوية، أرسل إلى أم المؤمنين رضي الله عنها يسألها الصحف ليمزقها، وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضا، فمنعته إياها، حتى إذا توفيت حفصة رضي الله عنها، أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر ساعة رجعوا من جنازة حفصة بعزيمة: ليرسلنها. فأرسل بها ابن عمر إلى مروان فمزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف لما نسخ عثمان. ذكر نحوا من ذلك أو عبيد القاسم بن سلام في كتابه فضائل القرآن، ثم قال: (قال أبو عبيد: لم يسمع في شيء من الحديث أن مروان هو الذي مزق الصحف إلا في هذا الحديث) يعني حديث ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر، وقد مر في مسألتي إحراق المصحف وتمزيقه بأبسط من هذا.
جمع المصحف في عهد عثمان، والفرق بينه وبين الجمع الأول:
تعددت مصاحف الصحابة، ولا سيما بعد الجمع الأول، واشتملت تلك المصاحف على ضروب من الرسم واختلاف في الترتيب وعدد السور، بالإضافة إلى تضمن بعض المصاحف لزيادات تفسيرية ربما سببت شيئا من اللبس عندما يقرأ فيها غير أصحابها، الأمر الذي يفضي إلى قدر من الاختلاف بين الناس ولو بعد حين، لذا بات من الضروري توحيد تلك المصاحف وجمع الناس على مصحف واحد يحصل الاتفاق بينهم على رسمه وترتيبه وعدة سوره وآياته، ويتم تجريده عما ليس بقرآن ليكون للناس إماما يعتمدون عليه ويعولون في مصاحفهم المستقبلية عليه، وهذا هو الذي تم في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وأجمع عليه الصحابة في عصره، وقد مرت الإشارة إليه في غير موضع من هذا البحث..
[514]
ويمكن استجلاء الفرق بين جمع القرآن في عهد أبي بكر وبين جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنهما بأن يقال إن جمع أبي بكر كان هو الجمع الحقيقي، حيث ضم ما كان في أوعية متفرقة متفاوتة الحجم في وعاء واحد أو في صحف متماثلة يجمعهما لوحان وتضمهما دفتان، في حين كان الجمع في عهد عثمان بمثابة الترتيب للمصحف الأول وفقا لما جرت عليه العرضة الأخيرة، ثم تم إتلاف ما سواه، فهو إذا توحيد للمصاحف التي كانت متباينة، وجمع للناس على إمام لا تختلف نسخه ولا يحصل بعده تباين في المصاحف، فتتحقق بذلك وحدة المسلمين، وتنسد كل ثغرة قد يلج الاختلاف على الأمة منها وقد حكى الزركشي وغيره كلاما لأبي عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي حول جمع كل من أبي بكر وعثمان للقرآن، والفرق بين هذين الجمعين، أورده هنا بنصه إتماما للفائدة.. قال الزركشي: (قال الإمام أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي في كتابه "فهم السنن" : "كتابة القرآن ليست محدثة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه فيها القرآن منتشر، فجمعها جامع، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء.
فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال؟ قيل: لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز، ونظم معروف، وقد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان تزويد ما ليس منه مأمونا، وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه.
فإن قيل: كيف لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قيل: لأن الله تعالى كان قد أمنه من
[515]
النسيان بقوله: (سنقرئك فلا تنسى، إلا ما شاء الله) أن يرفع حكمه بالنسخ، فحين وقع الخوف من نسيان الخلق حدث ما لم يكن، فأحدث بضبطه ما لم يحتج إليه قبل ذلك.
وفي قول زيد بن ثابت: [فجمعته من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال]ما أوهم بعض الناس أن أحدا لم يجمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن من قال أنه جمع القرآن أبي بن كعب وزيد ليس بمحفوظ. وليس الأمر على ما أوهم، وإنما طلب القرآن متفرقا ليعارض بالمجتمع عند من بقي ممن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف، ولا يشكو في أنه جمع عن ملإ منهم.
فأما قوله: [وجدت آخر براءة مع خزيمة بن ثابت، ولم أجدها]يعني ممن كانوا في طبقة خزيمة ممن لم يجمع القرآن. وأما أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل فبغير شك جمعوا القرآن، والدلائل عليه متظاهرة- قال- ولهذا المعنى لم يجمعوا السنن في كتاب إذا لم يكن ضبطها كما ضبط القرآن – قال- ومن الدليل على ذلك أن تلك المصاحف التي كتب منها القرآن كانت عند الصديق لتكون إماما، ولم تفارق الصديق في حياته، ولا عمر أيامه، ثم كانت عند حفصة لا تمكن منها. ولما احتيج إلى جمع الناس على قراءة واحدة، وقع الاختيار عليها في أيام عثمان ، فأخذ ذلك الإمام ونسخ في المصاحف التي بعث بها إلى الكوفة، وكان الناس متروكين على قراءة ما يحفظون من قراءتهم المختلفة، حتى خيف الفساد، فجمعوا على القراءة التي نحن عليها. قال: والمشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان رضي الله عنه وليس كذلك، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات والقرآن، وأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن،
[516]
فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق. روي عن علي أنه قال: [رحم الله أبا بكر الصديق هو أول من جمع بين اللوحين]، ولم يحتج الصحابة في أيام أبي بكر وعمر إلى جمعه على وجه ما جمعه عثمان، لأنه لم يحدث في أيامهما من الخلاف فيه ما حدث في زمن عثمان، ولقد وفق لأمر عظيم، ورفع الاختلاف، وجمع الكلمة، وأراح الأمة).
تاريخ جمع المصحف الإمام والتوفيق بين الروايات المتعارضة في ذلك:
ذكر أهل العلم في تاريخ كتابة المصحف الإمام ثلاثة أقوال:
أحدها: أن كتابته كانت سنة ثلاث وعشرين للهجرة.
والقول الثاني: أن ذلك كان سنة خمس وعشرين.
والقول الثالث: أن كتابة المصحف الإمام كانت سنة ثلاثين للهجرة، وقد عده بعض أهل العلم غفلة من قائله.
فقد أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف قال: (حدثنا عمي "يعني يعقوب بن سفيان" قال: حدثنا أبو رجاء قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: "أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة، وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون قراءة أبي، وقراءة عبد الله. يقول الرجل: والله ما نقيتم قراءتك. فأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله لما جاء به". وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرة، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلا رجلا، فناشدهم لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: "من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب
[517]
رسول الله زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟قالوا سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد، وليكتب زيد" فكتب زيد وكتب مصاحف ففرقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب محمد يقول: قد أحسن).
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف أيضا قال: (حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا يحي –يعني ابن يعلي بن الحارث- قال: حدثنا أبي قال: حدثنا غيلان عن أبي اسحاق عن مصعب بن سعد قال: سمع عثمان قراءة أبي وعبد الله ومعاذ، فخطب الناس ثم قال: "إنما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة، وقد اختلفتم في القرآن، عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاني به"، فجعل الرجل يأتيه باللوح والكتف والعسب فيه الكتاب، فمن أتاه بشيء قال: "أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟". ثم قال: "أي الناس أفصح؟ قالوا: سعيد ابن العاص. ثم قال: أي الناس أكتب؟ قالوا: زيد بن ثابت. قال: فليكتب زيد، وليمل سعيد". قال: وكتب مصاحف فقسمها في الأمصار، فما رأيت أحدا عاب ذلك عليه).
التوفيق بين الروايات:
قال الحافظ في الفتح بعد أن ساق روايتي ابن أبي داود السالفتين: ( وكانت هذه القصة سنة خمس وعشرين في السنة الثالثة أو الثانية من خلافة عثمان).ثم ذكر قول عثمان في أحدى الروايتين: ("إنما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة"، وقوله في الرواية الثانية: "منذ ثلاث عشرة سنة" فيجمع بينهما بإلغاء الكسر في هذه وجبره في الأولى، فيكون ذلك بعد مضي سنة واحدة من خلافته، فيكون ذلك في أواخر سنة أربع وعشرين، وأوائل سنة خمس وعشرين، وهو الوقت الذي ذكر أهل التاريخ أن أرمينية فتحت فيه، وذلك في أول ولاية الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة من قبل عثمان، وغفل بعض من أدركناه فزعم أن ذلك كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر لذلك مستندا). أ.ه كلام الحافظ بن حجر.
[518]
الأسباب الحاملة على جمع المصاحف الإمام:
تعددت الروايات في البواعث على جمع المصحف الإمام، فقد أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن، والبخاري في صحيحه، وابن أبي داود في المصاحف، واللفظ لأبي عبيد قال: (قال عبد الرحمن"يعني ابن مهدي" حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان كان يغازي أهل الشام مع أهل العراق في فتح أرمينية وأذربيجان، فأفزعه اختلافهم في القرآن، فقال لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلفت اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها عليك، فأرسلت حفصة بالصحف إلى عثمان، فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت وإلى عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فأمرهم أن ينسخوا الصحف في المصاحف، ثم قال للرهط القرشيين الثلاثة: " ما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم". قال: ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف بعث عثمان في كل أفق بمصحف من تلك المصاحف التي نسخوها ، ثم أمر بما سوى ذلك من القراءة في كل صحيفة أو مصحف أن يمزق أو يحرق. وقد ذكر ابن أبي داود في المصاحف في سبب فزع حذيفة جملة آثار.، ومنها اختلاف أهل الكوفة والبصرة في القراءة، فمنهم من يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري، ومنهم من يقرأ بقراءة عبد الله بن مسعود؛ بل قد يشتد الخلاف بين الناس في البلد الواحد، فمن هذه الآثار ما أخرجه ابن أبي داود بسنده عن يزيد بن معاوية وأبي الشعثاء المحاربي، ومرة في كراهية حذيفة رضي الله عنه : " كره أن يقال قراءة أبي موسى
[519]
وقراءة ابن مسعود".
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف أيضا قال: (حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا إسماعيل قال: أيوب عن أبي قلابة قال: لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين. قال أيوب: لا أعلمه إلا قال حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيبا فقال: "أنتم عندي تختلفون فيه فتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد فيه اختلافا، وأشد لحنا، اجتمعوا يا أصحاب محمد واكتبوا للناس إماما".
قال أبو قلابة: فحدثني مالك بن أنس[قال أبو بكر: هذا مالك بن أنس جد مالك بن أنس] قال: كنت فيمن أملي عليهم، فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها ويدعون موضعها حتى يجيء أو يرسل إليه، فلما فرغ من المصحف كتب إلى أهل الأمصار أني قد صنعت كذا، محوت ما عندي فامحوا ما عندكم).
وقد مر ذكر روايتي مصعب بن سعد في هذا الشأن عند الكلام عن تاريخ الجمع.
الكيفية التي تم بها الجمع، وذكر الهيئة المكلفة بذلك:
تضمن الآثار السالف ذكرها وصفا للكيفية التي تمت بها كتابة المصحف الإمام والتدابير المتخذة لهذه الغاية كالرجوع إلى الصحف التي جمعت في عهد الصديق والتعويل في الكتابة على صحابي جليل كتب الوحي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بل لعله كان الكاتب الأول للوحي، ووقع عليه الاختيار في الجمع الأول في عهد الصديق رضي الله عنه، ثم وقع عليه الاختيار ثانية في عهد عثمان، ذلك زيد بن ثابت إمعانا منهم رضي الله عنهم في الاحتياط لكتاب الله عزوجل،ولما كان للإملاء أثر بالغ في دقة المكتوب أختير لهذه المهمة أفصح الناس في تلك الآونة، وأشبههم لهجة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكان سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، وقد أدرك سعيد بن العاص هذا
[520]
من حياة النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين. قال ابن سعد: (وعدوه لذلك في الصحابة). وذكر ذلك الحافظ في الفتح، وقد ضم إلى هذين الصحابيين الجليلين طائفة من الكتاب فيهم عبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن هشام على ما في رواية أنس في الصحيح، وفيهم أيضا أبي بن كعب وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس، ومنهم مالك بن أبي عامر جد الإمام مالك بن أنس، وكثير بن أفلح على ما ذكره ابن أبي داود في المصاحف، وعنه الحافظ في الفتح، فهؤلاء تسعة ما بين كاتب ومملي، وذكر ابن أبي داود في بعض الروايات أن عدة الذين تولوا كتابة المصحف اثنا عشر رجلا.
وذكر أبو عمرو الداني في المقنع أسماء ثلاثة آخرين تتم بهم العدة هم عبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس بن مالك القشيري، وصعصعة بن صوحان. وقد استشكل البعض هذا الاختلاف بين الروايات في عدة هيئة الكتبة للمصحف الإمام فيجاب عنه بأن ابتداء الأمر كان لزيد وسعيد للمعنى المذكور فيهما في رواية مصعب، ثم احتاجوا إلى من يساعد في الكتابة بحسب الحاجة إلى عدد المصاحف التي ترسل إلى الآفاق، فأضافوا إلى زيد من ذكر، ثم استظهروا بأبي بن كعب في الإملاء. ذكر ذلك الحافظ بن حجر في الفتح.
[521]
الحرف الذي كتب به المصحف الإمام:
وقد بين الحافظ بن حجر في موضع من الفتح الراجح من الأقوال في الحرف الذي كتب به المصحف الإمام من بين الحروف السبعة فقال: (قال أبو شامة: وقد اختلف السلف في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف الذي بأيدي الناس اليوم أوليس فيه إلا حرف واحد منها؟ مال ابن الباقلاني إلى الأول، وصرح الطبري وجماعة بالثاني وهو المعتمد.
وقد أخرج أبي داود في المصاحف عن أبي الطاهر بن أبي السرح قال: سألت ابن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل هي الأحرف السبعة؟ قال: لا، وإنما الأحرف السبعة مثل هلم وتعال وأقبل، أي ذلك أجزأك. قال: وقال لي ابن وهب مثله).
والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها كما وقع في المصحف المكي: (تجري من تحتها الأنهار)في آخر سورة براءة، وفي غيره بحذف "من"، وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار من عدة واوات ثابتة في بعضها دون بعض، وعدة هاءات، وعدة لامات ونحو ذلك... وهو محمول على أنه نزل بالأمرين معا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته لشخصين، أو أعلم بذلك شخصا واحدا وأمره بإثباتهما على الوجهين، وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به توسعة على الناس وتسهيلا، فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان وكفر بعضهم بعضا، اختاروا الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي.
[522]
قال الطبري: (وصار ما اتفق عليه الصحابة من الاقتصار كمن اقتصر مما خير فيه على خصلة واحدة، لأن أمرهم بالقراءة على الأوجه المذكورة لم يكن على سبيل الإيجاب؛ بل على سبيل الرخصة. قلت ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب: "فاقرءوا ما تيسر منه").
وقد قرر الطبري ذلك تقريرا وأطنب فيه،ووهى من قال بخلافه، ووافقه على ذلك جماعة منهم أبو العباس ابن عمار في "شرح الهداية"، وقال: (أصح ما عليه الحذاق أن الذي يقرأ الآن بعض الحروف السبعة المأذون في قراءتها لا كلها، وضابطه ما وافق رسم المصحف، فأما ما خالفه مثل: "أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج"، ومثل إذا جاء فتح الله والنصر"، فهو من تلك القرآت التي تركت إن صح السند بها، ولا يكفي حة سندها في إثبات كونها قرآنا، ولا سيما والكثير منها مما يحتمل أن يكون من التأويل الذي قرن بالتنزيل فصار يظن أنه منه.
وقال البغوي في "شرح السنة": المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه، فأمر عثمان بنسخه في المصاحف وجمع الناس عليه، وأذهب ما سوى ذلك قطعا لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم.
[523]
وقال أبو شامة: ظن قوم أن القرآت السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل). انتهى المقصود من كلام الحافظ بن حجر. وقد بسط الزركشي في البرهان القول في هذه المسألة فليراجعه من رامه.
موقف الصحابة من جمع المصحف الإمام وجمع الناس عليه وإتلاف ما سواه:
وقد ذكر غير واحد من أهل العلم كابن كثير أن كتابة المصحف الإمام معدودة في مناقب عثمان رضي الله عنه، ومدعومة بموافقة الصحابة على ذلك واستحسانهم إياه.. قال ابن كثير: (وهذا أيضا من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء،وهو جمع الناس على قراءة واحدة لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة، وإنما روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف، وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام، ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق حتى قال علي بن أبي طالب: "لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا". فاتفق الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على أن ذلك من مصالح الدين، وهم الخلفاء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي".
[524]
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح وهو بصدد الكلام عن سبب ما قيل عن كراهة ابن مسعود لأمر عثمان بإتلاف المصاحف المخالفة للمصحف الإمام، وعن عدم إشراك ابن مسعود في مسألة الجمع هذا، قال: (والعذر لعثمان في ذلك أنه فعله بالمدينة وعبد الله بالكوفة، ولم يؤخر ما عزم عليه من ذلك إلى أن يرسل إليه ويحضر، وأيضا فإن عثمان إنما أراد نسخ الصحف التي كانت جمعت في عهد أبي بكر وأن يجعلها مصحفا واحدا، وكان الذي نسخ ذلك في عهد أبي بكر هو زيد بن ثابت كما تقدم،لكونه كاتب الوحي ، فكانت له أولية ليست لغيره).
وقد مضى في إتلاف المصاحف وحرقها وجه إتلاف عثمان رضي الله عنه ما خالف المصحف الإمام، وإقرار الصحابة رضي الله عنهم له في ذلك، لذا يحسن الاكتفاء هنا بما ذكره الحافظ في الفتح بهذا الصدد حيث قال: (قوله"وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق" في رواية "أن يخرق" بالخاء المعجمة، وللمروزي بالمهملة، ورواه الأصيلي بالوجهين والمعجمة أثبت. وفي رواية الإسماعيلي أن تمحى أو تحرق، وقد وقع في رواية شعيب عند أبي داود والطبراني وغيرهما: "وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به". قال: فذلك زمان حرقت المصاحف بالعراق بالنار.
وفي رواية سويد بن غفلة عن علي قال: " لا تقولوا لعثمان في إحراق المصاحف إلا خيرا". وفي رواية بكير بن الأشج: " فأمر بجمع المصاحف فأحرقها، ثم بث في الأجناد التي كتب". ومن طريق مصعب بن سعد قال: "أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك- أو قال- لم ينكر ذلك منهم أحد". وفي رواية أبي قلابة: "فلما فرغ عثمان من المصحف كتب إلى أهل الأمصار: إني قد صنعت كذا وكذا، ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم". والمحو أعم من أن يكون بالغسل أو التحريق، وأكثر الروايات صريح في التحريق فهو الذي وقع، ويحتمل وقوع كل منهما بحسب ما رأى من كان بيده شيء من ذلك، وقد جزم
[525]
عياض بأنهم غسلوها بالماء ثم أحرقوها مبالغة في إذهابها).
عدد نسخ المصحف الإمام، وذكر الأقطار التي وجه بتلك النسخ إليها:
إختلفت الروايات في عدة نسخ المصحف الإمام، فمن قائل بأنها أربع، ومن قائل بأنها خمس، ومن قائل بأنها سبع، والأكثر على أنها أربع..
فقد أخرج ابن أبي داود في المصاحف قال: (حدثنا علي بن محمد الثقفي، حدثنا المنجاب بن الحارث قال: حدثني قبيصة بن عقبة قال: سمعت حمزة الزيات يقول: كتب عثمان أربعة مصاحف، فبعث بمصحف منها إلى الكوفة، فوضع عند رجل من مراد فبقي حتى كتبت مصحفي عليه. وحمزة القائل كتبت مصحفي عليه).
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف أيضا قال: (سمعت أبا حاتم السجستاني قال: لما كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا).
وقال أبو عمرو الداني في المقنع: (أكثر العلماء على أن عثمان بن عفان رضي الله عنه
[526]
لما كتب المصحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كل ناحية من النواحي بواحدة منهن، فوجه إلى الكوفة إحداهن، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، وأمسك عند نفسه واحدة. وقد قيل إنه جعله سبع نسخ، ووجه من ذلك أيضا نسخة إلى مكة، ونسخة إلى اليمن، ونسخة إلى البحرين، والأول أصح وعليه الأئمة).
وذكر الحافظ في الفتح أن النسخ كانت خمسا، نسخة مكة، ونسخة المدينة، ونسخة البصرة،و نسخة الكوفة، ونسخة الشام. قال: (ويقال أنه وجه بسبعة هذه الخمسة، ومصحفا إلى اليمن، ومصحفا إلى البحرين، لكن لم نسمع لهذين المصحفين خبرا). ومع أكثر الروايات قد ذكرت أن عثمان رضي الله عنه قد أرسل إلى كل أفق بنسخة إلا أنه لم يقع لي فيها أنه وجه إلى القطر المصري بشيء منها مع أن فتح مصر قد سبق جمع الناس على المصحف الإمام بزمن.
مصير نسخ المصحف الإمام
أخرج ابن أبي داود في المصاحف قال: (حدثنا أبو الطاهر، حدثنا ابن وهب قال: "سألت مالكا عن مصحف عثمان رضي الله عنه فقال لي: ذهب").
وذكر ابن قتيبة في غير موضع من كتبه أن المصحف الإمام بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وهو في حجره- ورثه عنه ابنه خالد، وعن خالد أبناؤه، وقد درجوا. قال: وقد قال لي بعض المشايخ من أهل الشام إن ذلك المصحف الآن في أرض طوس.
[527]
وقال ابن كثير في الفضائل إثر حكايته لرواية ابن وهب عن مالك: (يحتمل أنه سأله عن المصحف الذي كتبه بيده، ويحتمل أن يكون سأله عن المصحف الذي تركه في المدينة، والله أعلم).
وقال ابن كثير أيضا عن مصير نسخ المصحف الإمام: (وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد كان قديما بمدينة طبرية، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثماني عشرة وخمسمائة، وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم.....زاده الله تشريفا وتعظيما وتكريما).
وقال الشاطبي في قصيدته الرائية الموسومة بعقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد في علم الرسم والمطبوعة بمطبعة الحجر الكستلية بمصر ضمن مجموع قصائد في علوم القرآن:
وقال مصحف عثمان تغيب لم......نجد له بين أشياخ الهدى خبرا
أبو عبيد أولوا بعض الخزائن لي.....استخرجوه فأبصرت الدما أثرا
[528]
ورده ولد النحاس معتمدا.....ما قبله وأباه منصف نظرا
إذ لم يقل مالك لاحت مهالكه....ما لا يفوت فيرجى طال أو قصرا
وفي كلام السمهودي الذي كان نزيل دار الهجرة في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر نوع جمع بين الروايات المتضاربة في شأن مآل المصحف الإمام، أسوقه هنا بتمامه ليطلع عليه القاريء اطلاع المتأمل، ثم يقارنه بما قبله وبما بعده ليخرج بأقرب النتائج وأحراها بالصواب...قال السمهودي وهو بصدد الكلام عن القراءة في المصحف بالمسجد: قال: وقد روى ابن شبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: إن أول من جمع القرآن في مصحف وكتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم ةضعه في المسجد فأمر به يقرأ كل غداة . وعن محرز بن ثابت مولى سلمة بن عبد الملك عن أبيه قال: كنت في حرس الحجاج بن يوسف، فكتب الحجاج المصاحف ثم بعث بها إلى الأمصار، وبعث بمصحف إلى المدينة، فكره ذلك آل عثمان، فقيل لهم: أخرجوا مصحف عثمان يقرأ. فقالوا: أصيب المصحف يوم قتل عثمان. قال محرز: وبلغني أن مصحف عثمان صار إلى خالد بن عمرو بن عثمان، قال فلما استخلف المهدي بعث بمصحف إلى المدينة، فهو الذي يقرأ في اليوم، وعزل مصحف الحجاج فهو في الصندوق الذي دون المنبر..انتهى.
بعث المصاحف إلى المساجد:
وقال ابن زبالة: (حدثني مالك بن أنس قال: أرسل الحجاج بن يوسف إلى أمهات القرى بمصاحف، فأرسل إلى المدينة بمصحف منها كبير، وهو
[529]
أول من أرسل بالمصاحف إلى القرى، وكان هذا المصحف في صندوق عن يمين الاسطوانة التي عملت علما لمقام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يفتح في يوم الجمعة والخميس ويقرأ فيه إذا صليت الصبح، فبعث المهدي بمصاحف لها أثمان فجعلت في صندوق، ونحى عنها مصحف الحجاج ، فوضعت عن يسار السارية، ووضعت منابر لها كانت اقرأ عليه، وحمل مصحف الحجاج في صندوقه عند الاسطوانة التي عن يمين المنبر). انتهى.
قلت" والقائل هو السمهودي"، ولا ذكر لهذا المصحف الموجود اليوم بالقبة التي بوسط المسجد المنسوب لعثمان رضي الله عنه في كلام أحد من متقدمي المؤرخين؛بل فيما قدمناه ما يقتضي أنه لم يكن بالمسجد حينئذ؛ بل ولا ذكر له في كلام ابن النجار وهو أول من أرخ من المتأخرين، وقد ترجم لذكر المصاحف التي كانت في المسجد، ثم ذكر ما قدمناه عن ابن زبالة ثم قال: (وأكثر ذلك دثر على طول الزمان وتفرقت أوراقه. قال: وهو مجموع في يومنا هذا في جلال في المقصورة- أي المحترقة- إلى جانب باب مروان). ثم ذكر أن بالمسجد عدة مصاحف بخطوط ملاح موقوفة مخزونة في خزائن ساج بين يدي المقصورة خلف مقام النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (وهناك كرسي كبير فيه مصحف مقفل عليه نفذ به من مصر، وهو عند الاسطوانة التي في صف مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى جانبه مصحفان على كرسيين يقرأ الناس فيهما، وليس في المسجد ظاهر سواهما). ولم أر نسبة المصحف الموجود اليوم لعثمان رضي الله عنه إلا في كلام المطري ومن بعده عنده ذكر سلامة القبة التي بوسط المسجد من الحريق كما قدمناه، نعم ذكر ابن جبير في رحلته ما حاصله أن أمام مقام النبي صلى الله عليه وسلم- وقد عبر عنه بالروضة الصغيرة- صندوقا، وأن بين المقام
[530]
وبين الحجرة – أي بجانب المقام من جهة المشرق- محمل كبير عليه المصحف كبير في غشاء مقفل عليه، وهو أحد المصاحف الأربعة التي وجه بها عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى البلاد . انتهى.
وهذا المصحف الذي أشارؤ إليه ينطبق في الوصف على المصحف الذي ذكر ابن النجار أنه نفذ به من مصر، ولم يصفه بما ذكره ابن جبير من نسبته لعثمان، مع أن ابن جبير مصرح بأنه من المصاحف التي بعث بها عثمان إلى الآفاق، لا أنه الذي قتل وهو في حجره. وقد قال ابن قتيبة: (كان مصحف عثمان الذي قتل وهو في حجره عند ابنه خالد، ثم صار مع أولاده وقد درجوا). قال: (وقال لي بعض مشايخ أهل الشام: إنه بأرض طوس).
وقال الشاطبي ما حاصله: (إن مالكا رحمه الله قال: إنما يكتب المصحف على الكتابة الأولى لا على ما استحدثه الناس). قال: (وقال: إن مصحف عثمان رضي الله عنه تغيب فلم يجد له خبرا بين الأشياخ).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه في القراءات: (رأيت المصحف الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، استخرج أي من بعض خزائن الأمراء، وهو المصحف الذي كان في حجره حين أصيب، ورأيت آثار دمه في مواضع منه). ورده أبو جعفر النحاس بما تقدم من كلام مالك. قال الشاطبي: ( وأباه المنصفون، لأنه ليس في قول مالك " تغيب" ما يدل على عدم المصحف بالكلية بحيث لا يوجد، لأن ما تغيب يرجى ظهوره.
قلت" والقائل هو السمهودي" : فيحتمل أنه بعد ظهوره نقل إلى المدينة وجعل في المسجد النبوي، لكن يوهن هذا الاحتمال أن بالقاهرة مصحفا عليه أثر الدم عند قوله تعالى: (فسيكفيكهم الله) الآية، كما هو بالمصحف الشريف الموجود اليوم بالمدينة، ويذكرون أنه المصحف العثماني، وكذلك بمكة، والمصحف الإمام الذي قتل عثمان رضي الله عنه وهو بين يديه لم يكن إلا واحد، والذي يظهر أن بعضهم وضع خلوقا
[531]
على تلك الآية تشبيها بالمصحف الإمام، ولعل هذه المصاحف التي قدمنا ذكرها مما بعث به عثمان رضي الله عنه إلى الآفاق كما هو مقتضى كلام ابن جبير في المصحف الموجود بالمدينة، وفي الصحيح من حديث أنس في قصة كتابة عثمان رضي الله عنه للقرآن من الصحف التي كانت عند حفصة: "وأنه أمر بذلك زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وأنه أرسل إلى كل أفق بمصحف كما نسخوا"... ثم ذكر السمهودي عدة المصاحف التي أرل بها عثمان إلى الآفاق نقلا عن ابن أبي داود في كتاب المصاحف، وابن حجر في الفتح على ما مضى بيانه في غير موضع من هذا البحث.
ثم قال السمهودي: وليس معنا في أمر المصحف الموجود اليوم سوى مجرد احتمال، والله أعلم أ.ه كلام السمهودي.
[532]
وقال الدكتور صبحي الصالح بعد أن ساق نص ابن كثير المتقدم آنفا: (ويميل بعض الباحثين إلى أن هذا المصحف أمسى زمنا ما في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينجراد، ثم نقل إلى انجلترة، بينما يرى آخرون أن هذا المصحف بقي في مسجد دمشق حتى احترق فيه سنة 1310 ه). وأحال على خطط الشام لمحمد كرد علي.
وحكى الدكتور الصالح رحمه الله أن الدكتور يوسف العشي ذكر له أن القاضي عبد المحسن الأسطواني أخبره بِأنه قد رأى المصحف الشامي قبل احتراقه، وكان محفوظا بالمقصورة وله بيت خشب.
وفي مقال للدكتور خالد محمد نعيم نشرته جريدة المدينة المنورة حول مصحف عثمان رضي الله عنه، والذي كان موجودا في أوائل القرن العشرين الميلادي في مكتبة بطرسبورج "لينجراد" وكيف وصل إليها ثم كيف نقلت هذه النسخة من (بطرسبورج) إلى (أوفا) ثم إلى (طشقند). وأن هذا المصحف لم يكن ضمن محفوظات مكتبة بطرسبورج إبان الحريق الذي حل بها في منتصف فبراير 1988، وأن النسخة الأصلية لمصحف عثمان قد تم نقلها عام 1923م، أم 1924م من مكتبة بطرسبورج- لينجراد سابقا- إلى "طشقند" عاصمة أوزبكستان الإسلامية، وأن هناك نسخة أخرى قد أخذت عن النسخة الأصلية المذكورة بواسطة رجال" جمعة الآثار" في سان بطرسبورج- لينجراد- في 26 مايو 1904م 1322ه، وهذه النسخة الفريدة كتب عليها مدير الجمعية إمضاءه لا عتمادها وأن هناك أيضا خمسين نسخة طبق الأصل " مصورة" عن المخطوطة الأصلية لمصحف عثمان محفوظة عند أنا يعيشون الآن في قلب عالمنا العربي في المغرب، وفي ليبيا وغيرهم في العالم الإسلامي في الهند
[533]
وباكستان. وقد فصل الكاتب في المقال المذكور تفصيلا يحسن الرجوع إليه، ويجدر بالقاريء الأريب الوقوف عليه، ولإن كان الرحالة ابن بطوطة المتوفي سنة 777ه قد ذكر أنه رأى في مسجد علي بن أبي طالب بالبصرة المصحف الكريم الذي كان عثمان رضي الله عنه يقرأ فيه لما قتل، وأن هذا المصحف قد سلب من المسجد المذكور ونقل إلى سمرقند، ومنها إلى الروسيا وأودع في مكتبة بطرسبورج على ما ذكره محمد أمين الخانجي، أو أن المصحف المذكور قد وجد في مدينة طوس في القرن الثالث الهجري، أي قبل وجود ابن بطوطة بثلاثة قرون ونيف حسب رواية ابن قتيبة، إلا أن لفيفا من المؤرخين كالنويري وابن تغري بردي قد ذكروا أن السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري من سلاطين المماليك المتوفي سنة 676ه كان على علاقة طيبة مع الملك "بركة خان" الذي كان أبوه "جوجي" ابن "جنكيز خان"، وكان بركة خانا يميل إلى المسلمين ميلا زائدا ويعظم أهل العلم، وكان يود السلطان الملك الظاهر، ويعظم رسله، ومما يذكر أن السلطان الملك الظاهر بيبرس رسم بتجهيز الهدايا إلى الملك " بركة خان" بعد تحريره رسالة قرئت عليه، وكانت الهدايا عبارة عن ختمة- أي مصحف كامل- ذكر أنها من خط عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذكر أنها من المصاحف العثمانية، وأن الروس حين استولوا على مدينة سمرقند في عام 1285 ه قد حملوا هذا المصحف إلى مدينة بطرسبورج.
وقد قال الشيخ صبحي الصالح في كتابه علوم القرآن: (وإن الباحث ليتسائل أين أصبحت المصاحف العثمانية الآن؟ ولن يظفر بجواب شاف على هذا السؤال، فإن الزركشة والنقوش الفاصلة بين السور أو المبينة لأعشار القرآن تنفي أن تكون المصاحف الأثرية في دار الكتب بالقاهرة عثمانية، لأن المصاحف العثمانية كانت مجردة من كل هذا).
[534]
وقد مر في الحاشية الخامسة والعشرين من هذا البحث ذكر التاريخ الذي بقيت عليه المصاحف مجردة، وفي عهد من بدأ بتنقيط المصاحف وتشكيلها..)
[535]


رد مع اقتباس
  #62  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 10:06 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

ورق المصحف | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (صرح جمع من أهل العلم بأن لورق المصحف حكمه . وأنه يثبت له من الحرمة ما يثبت للمصحف الكامل وأنه لا يجوز له استعمال ورق المصحف بل وكل مكتوب شرعى فى غرض دنيوى فلا يجوز اتخاذه غلافا لشئ ما أو جعله وقاية له أو لف شئ فيه أو التروح به أو أن يوضع بين أوراق المصحف شئ من الأشياء ولو كان هذا الموضوع قطعة من كسوة الكعبة أو ذهبا أو فضة أوغيرهما من النقود لما فى ذلك من الامتهان لورق المصحف وقد مر نظير ذلك فى غير موضع من هذا البحث .
وقد صرح أهل العلم أيضا بوجوب صيانة أوراق المصحف وإن كانت بالية وذلك بأن تدفن فى مكان طاهر .
فقد أخرج أبو عبيد فى فضائل القرآن أثرا بهذا المعنى حيث قال : [حدثنا هشيم عن إبراهيم [أنه كان يكره أن يكتب المصحف بذهب , قال : وكانوا يأمرون بورق المصحف إذا بلى , أن يدفن ] وقد مضى فى مسائل إتلاف المصاحف وإحراقها ودفنها كلام أهل العلم فى كون ذلك مسبوقا بغسلها ومحوها وإحراقها وما هو الأولى من ذلك بما أغنى عن إعادته هنا) .

{751}


رد مع اقتباس
  #63  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 10:08 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

الوزن بالمصحف | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (يحرم الوزن بالمصحف بأن يتخذ كالصنجة فى الميزان لما فى ذلك من الامتهان للمصحف ولكونه استعمالا للمصحف فى غير ما وضع له). {752}


رد مع اقتباس
  #64  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 10:14 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

الوصية بالمصحف | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا تخلو الوصية بالمصحف من أن تكون لمسلم أو أن تكون لكافر , فإن كانت لكافر لم تصح على الإطلاق , لأن الوصية نوع تمليك والكافر ليس أهلا لامتلاك المصحف وذهب بعض أهل العلم إلى القول بتقييد عدم صحة الوصية بالمصحف لكافر بما لو بقى على كفره إلى موت الموصى وأما إن كانت الوصية لمسلم ولم يكن الموصى له وارثا للموصى فالظاهر من كلام أهل العلم أن الوصية تصح له إن كانت مطلقة وأن ذلك محل وفاق بينهم لأن الوصية بالمصحف أمر اعتياض عنه فلا تعد من عقود المعاوضة ولا دليل فيها على الرغبة عن المصحف بل لو قال قائل بأن الوصية بالشئ دليل تعظيمه ومزيد العناية به لما أبعد .
فإن تضمنت الوصية بالمصحف بيعه أو احتملت دخول غير المصحف).
{753}
معه فهذا هو الذى قد جرى فيه الخلاف بين أهل العلم وكذا لو تضمنت الوصية ما يقتضى بيع المصحف وقد مضى فى هذا البحث مفصلا , وقال فى الفروع [ولا يباع فى دين , ولو وصى ببيعه لم يبع , نص عليهما] وقد ذكر الجصاص فى مختصر اختلاف العلماء للطحاوى مسألة الوصية بوقف المصحف حيث جاء فيه ما نصه [ قال أبو حنيفة : لا تصح بذلك , وهو ميراث . وقال مالك , ومحمد , والشافعى : تجوز من الثلث .
قال أبو جعفر : روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنكم تظلمون خالدا , إنه احتبس أدرعه وأعتده حبسا فى سبيل الله تعالى وروى عنه أيضا : " فى الجمل الذى جعله أبو طليق حبيسا فى سبيل الله وأجاز له الركوب فيه "
{754}
وإذا جاز أن يفعل ذلك فى صحته , جازت الوصية به .[وعن دخول المصحف فى الوصية فيما لو أوصى بجميع ما ورثه عن أبيه قال صالح بن الإمام أحمد فى مسائل أبيه برواية صالح [وسألته عن رجل أوصى فقال : ادفعوا إلى فلانة جميع ما ورثته عن أبى من متاع البيت وهو من الثلث , هل يدخل فيه المصحف والصفد , والصوف وثياب البدن ؟
قال أبى : كل شئ ورثه عن أبيه يفعل به كما قال , ويكون ذلك فى ثلثه إذا لم يكن له وارث ] . وذكر الخلال فى كتاب الوقوف من جامعه نحوا من رواية صالح عن حنبل عن الإمام أحمد , قال الخلال [ وأخبرنى عبيد الله بن حنبل قال حدثنى أبى قال : سمعت عمى قال فى رجل أوصى قال : ادفعوا إلى فلان جميع ما ورثته عن أبى من متاع البيت ؟ هل يدخل فيه المصحف والصوف وثياب البيت ؟ فقال عمى : كل شئ ورثه عن أبيه ليفعل به كما قال ويكون ذلك من ثلثه إذا لم يكن أوصى لوارث ].
{755}


رد مع اقتباس
  #65  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 10:39 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

وضع المصحف على بطن الميت أو عند رأس المحتضر | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (صرح جمع من أهل العلم بأنه ينبغى أن يصان المصحف عن أن يوضع على بطن الميت ولو على سبيل التثقيل إلى حين الغسل بل صرح بعضهم بكراهة وضع المصحف على بطن الميت مطلقا وهو الذى جزم به الهيتمى وحكى التحريم احتمالا للأذرعى , قال فى التحفة :( ويكره وضع المصحف قال الأذراعى والتحريم محتمل ) أهـ ويتعين الجزم به إن مس بل أو قرب مما فيه قذر ولو طاهرا أو جعل على كيفية تنافى تعظيمه وألحق به الأسنوى كتب الحديث والعلم المحترم وأقره الشبراملسى فى حاشيته على النهاية وقال الشروانى فى حاشيته على التحفة ["وقوله أو قرب مما فيه قذر ... إلخ " محل تأمل لما مر من أن المذهب كراهة إدخاله الخلاء لا حرمته نعم إن كان القرب على وجه يغلب على الظن تأديته إلى مماسة القذر فلا بعد فيه بصرى وقد تكلم فريق من أهل العلم على مسألة إنفاذ وصية من وصى بوضع مصحفه أو كتبه أو شئ منها بين أكفانه , أو دفنها معه , فقالوا بمنع إنفاذ مثل هذه الوصية لما يترتب على إنفاذها من امتهان للمصحف والمكتوب الشرعى , بل قد يؤوول الأمر إلى تنجيس المصحف وما ألحق به . ومن هنا أفتى بعض أهل العلم بوجوب نبش القبر إذا دفن فيه مع الميت مصحف فيتعين نبش القبر حينئذ

{765}
لإخراج المصحف واسنقاذه قال الونشريسى المالكى فى كتابه المعيار : [وسئل بعض الشيوخ عمن أوصى أن تدفن إجازته معه]فأجاب : بأنها لا تنفذ , وإن قيل : إن الميت لا ينجس بالموت إلا أنه قد ينفجر فيتلوث ما فيها من الآيات والأسماء . واستحسنوا أن توضع فى القبر ساعة ثم تزال كقضية القطيفة يعنون فى مطلق الوضع لأن القطيفة لم تخرج بعد . وكان الشامى فقيها متزهدا فى طبقة ابن عبد السلام ممن قرأ معه البودرى فلما حضرته الوفاة أوصى أن تدفن إجازته معه , وكأنه رأى أن الميت لا ينجس بالموت .
وحكى ابن بشكوال أن محمد بن يحى بن الحذا عهد أن يدخل فى أكفانه كتابه المعروف بالإبناه على أسماء الله , فنشر ورقه وجعل بين القميص والأكفان نفعه الله بذلك .
قلت فى تنفيذ هذه الوصية مع توقع ما ذكر من الانفجار فتتلوث أسماء الله الحسنى نظر ظاهر . وذكر الونشريسى أيضا أنه سئل ابن زيادة الله عمن أوصى أن تجعل بين

{766}
أكفانه ختمة أو جزء منه أو جزء من أحاديث نبوية أو أدعية حسنة هل تنفذ وصيته أم لا؟ وإذا لم تنفذ وقد عمل ذلك فهل ينبش ذلك ويخرج أم لا ؟ فأجاب لا أرى تنفيذ وصيته , وتجل أسماء الله عن الصديد والنجاسة فإن فات فأمر الأدعية خفيف , والختمة يجب أن تنبش وتخرج إذا طمع بالمنفعة بها وأمن من كشف جسده ومضرته أو الاطلاع على عورته .
قلت : قال الأبى فى إكمال الإكمال : وكان الشامى فقيها متزهدا فى طبقة ابن عبد السلام ممن قرأ معه البودرى , فلما حضرته الوفاة أوصى أن تدفن إجازته معه , وكأنه رأى ان الميت لا ينجس بالموت , لأنه قد ينفجر فيتلوث ما فيها من الآيات والأسماء واستحسنوا أن توضع فى القبر ساعة ثم تزال , انتهى . البرزلى حكى شيخنا عن بعض أشياخه أنها تجعل بين أكفانه بعد الغسل وتخرج إذا أرادوا دفنه , وحكى عن غيره أنها تجعل عند رأسه فوق جسده بحيث لا يخاطلها شئ ويجعل ما بينهما من التراب بحيث لا يصل إليه شئ من رطوبات الميت , وفى بعض التواريخ أن أبا ذر أو غيره من فقهاء الأندلس أوصى أن يدفن معه جزء ألفه فى الأحاديث وأنه فعل ذلك به , وكذا آخر أوصى أن يدفن خاتم فيه مكتوب "لاإله إلا الله , محمد رسول الله ",وفعل ذلك به , وهذا عندى قريب , لأنه قصده التلقين والبركة , وقد أجاز فى رواية ابن القاسم الاستنجاء به وكتب آيات للكفار ومبايعتهم بالدنانير والدراهم التى فيها اسم الله , وهذا أخف , ومثل ذلك حفيظة تكون عند رأسه تليه من فوقه لا بأس بذلك عندى وكتب النقاش حجارة فوق القبر فيها اسم الله تعالى وآيات القرآن والتذكير والشهادتين لا يضر كون ذلك مجاورا للقبر وجرى عرف الناس فى الأمصار عليه , انتهى . قلت قوله وجرى عرف الناس فى الأمصار عليه فيه إشارة لقول الحاكم فى المستدرك بعد تصحيح أحاديث النهى عن البناء والكتب وليس عليها العمل لأن أئمة المسلمين شرقا وغربا مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذه الخلف عن السلف , وهذا لا يسلم له لأن أئمة المسلمين لم يفتوا بالجواز , ولا أوصوا أن يفعل ذلك بقبورهم , بل تجد أكثرهم يفتى بالمنع ويكتب ذلك فى تصنيفه , وغاية ما يقال لهم يشاهدون ذلك ولا ينكرون , من أين لنا أنهم يرون ذلك ولا ينكرون وهم ينصون فى كتبهم
{767}
وفتاويهم على المنع , وإن سلم أنه عمل فلا يعارض تلك الأحاديث لإمكان الجمع بأن يحمل ما فى الأحاديث على البناء المشرف كما كانت الجاهلية تفعل , وتصحيح أحاديث النهى عن الكتب خلاف قول ابن العربى. ولما لم تصح أحاديث النهى عن الكتب تسامح الناس فيه حتى فشا وعم الأرض وليس فيه فائدة إلا التعليم لئلا يندثر القبر , وسمع ابن القاسم أكره البناء على القبر وجعل البلاطة المكتوبة , فقد نص مالك فى هذه الرواية على منع الكتب وإن سلم ما ذكره الحاكم من العمل فإنما يجوز ذلك على وجه لا تطئوه الأقدام كالكتب فى الحجر المنصوب عند رأس الميت وأما على صفح القبر فلا لأن فيه تعريضا للمشى عليها .
[من أوصى أن تدفن معه نسخة من كتاب الله أو نسخة من البخارى]
وسئل سيدى قاسم العقبانى عمن أوصى أن تدفن معه نسخة من كتاب الله أو نسخة من البخارى .
فأجاب : الوصية بدفن نسخة من كتاب الله أو نسخة من البخارى لا تنفذ فكيف يصح أن يعمد إلى كتاب الله العزيز أو ستة الآف من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدفن فى التراب هذا لا يصح , ولعل مولانا الكريم يتلافى برحمته هذا الموصى بقوة خوفه من موالاه , والله الموفق بفضله .
وقد نص غير واحد من أهل العلم على تحريم كتابة شئ من القرآن أو الذكر الشرعى على بدن الميت أو أكفانه للمحاذير السالف ذكرها ولعدم الدليل الصحيح على إباحة ذلك والقول بالمنع هو اختيار جمهور أهل العلم وقد أفتى به ابن الصلاح وابن البزاز والهيتيمى والونشريسى والبلبانى الحنبلى قال البلبانى :" أفتى ابن الصلاح من الشافعية بتحريم كتابة قرآن على كفن خوف تنجيس بتفسح الميت . وقواعدنا معشر الحنابلة تقضيه , أى : تحريم الكتابة على الكفن لما يترتب عليه من التنجيس المؤدى لآمتهان القرآن وقد جرى بسط الكلام على مسألة الكتابة على بدن الميت وأكفانه {768}]
فى موضعها من مصنف أفردته فى أحكام الكتابة والكتب فليطالعه فيه من رامه . هذا كله فيما يتعلق بمسألة صيانة المصحف والقرآن عن أن يوضع على بدن الميت أو أكفانه أو قبره , وأما ما يتعلق بوضع المصحف عند رأس المحتضر فقد ذكر الألبانى فى أحكام الجنائز من البدع قبل الوفاة وضع المصحف عند رأس المحتضر) . {769}


رد مع اقتباس
  #66  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 10:42 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

وضع المصحف على فراش الجماع | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (أخرج عبد الرزاق فى المصنف , وأبو عبيد فى فضائل القرآن وابن أبى داود فى المصاحف , واللفظ لأبى عبيد قال : [حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج , عن عطاء , قال [جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أأضع المصحف على الثوب الذى أجامع عليه ؟ قال : نعم ]وأخرج أبو بكر ابن أبى داود فى المصاحف قال : [حدثنا إسحاق بن شاهين حدثنا خالد عن داود عن العباس عن عبيد بن عمير قال : [أرسل إلى عائشة قال قال أرأيت المقرمة التى يجامع عليها أقرأ عليها المصحف ؟ قالت وما يمنعه ؟ قالت إن رأيت شيئا فاغسله وإن شئت فحكه وإن رأيت [أو قالت وإن رابك فارششه. ] وإن شئت فحكه وإن رأيت [قال أبو بكر هذا أراه أن عبيد الله أرسل إلى عائشة].
حدثنا زياد بن أيوب , حدثنا عباد قال : أخبرنا داود عن عبد الله بن عبيد [ أنه أرسل إلى عائشة أيقرأ الرجل المصحف على المقرمة التى يجامع عليها ؟ فقالت وما بأسه ؟ إذا رأيت شيئا فاغسله وإن شئت فاحككه وإن رابك فارششه ] وقد روى أنه عليه السلام نزع الوسادة من تحته ووضع عليها التوراة . {770}


رد مع اقتباس
  #67  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 10:47 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

وضع المصحف على نجاسة | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لما كانت مراعة حرمة المصحف واجبة وصيانته عن مظان الامتهان متعينة تكلم أهل العلم عن مسألة وضع المصحف على شئ نجس أو متنجس فجزموا بالتحريم إن كانت النجاسة متعدية وسرايتها إلى المصحف محتملة ثم اختلفوا فى حكم وضع المصحف على ما نجاسته جافة وسرايتها إلى المصحف مأمونة وكذا ما لو كانت النجاسة معفوا عنها , فقد صرح غير واحد من أهل العلم بتحريم وضع المصحف على ذلك كله ما يتضمنه الوضع المذكور من صورة امتهان للمصحف ولتنافيه مع مقتضيات الصيانة اللازمة له والتعظيم الواجب ونحوه , وقد قال ابن مفلح فى آدابه [ فإن علق شيئا من القرآن ونحوه على حيوان ولم أجد لأحد فى هذه المسألة كلاما , وينبغى أن يقال : إن كان الحيوان طاهرا كره ذلك . وفى التحريم نظر , لأنه فعل غير مأثور ولما فيه من الامتهان وملابسة الأنجاس والأقذار . والصبيان ونحوهم لهم من يصونهم ويمنعهم من ذلك بخلاف الحيوان نجسا كالكلب ونحوه فلا إشكال فى التحريم والله أعلم وقد يقال : سمة الإمام سائمة الزكاة بكتاب الله يؤخذ منه جواز ذلك والحاجة تزول بكتابة ذلك زكاة ] فإذا كان هذا الاحتياط مطلوبا لما فيه شئ من القرآن كالحروز مثلا فلأن يحتاط للمصحف من طريق الأولى .
قال الشبراملسى فى حاشيته على النهاية [ لو وضع القرآن على نجس جاف يحرم

{771}

مع أنه لا ينجس تدبر أ هـ على أن من أهل العلم من سهل فى متنجس بمعفو عنه وإن لم يظهر لى وجه هذا التسهيل أو عمدة هذا التفريق .
قال الهيتمى فى الفتاوى الحديثية [ ويجوز وضعه على متنجس معفو عنه أخذا من أقوال النووى فى مجموعه وتبيانه يحرم كتب القرآن أو اسم الله تعالى أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم أو كل اسم معظم كما هو ظاهر بنجس أو متنجس لم يعف عنه أو وضعه على نجس أو متنجس كذلك ] وعبارته فى التحفة [ ويحرم مسه ككل اسم معظم بمتنجس بغير معفو عنه وجزم بعضهم بأنه لا فرق تعظيما ]
قال الشروانى فى حاشيته على التحفة [ "قوله بأنه لا فرق " أى بين المعفو عنه وغيره عبارة البجيرمى على المنهج قوله ومسه بعضو نجس وفى حاشيته شرح الروض ولو بمعفو عنه ع ش وقال سم . بغير معفو عنه وعبارة الحلبى أى ولو بمعفو عنه حيث كان عينا لا أثرا أو يحتمل الأخذ بالإطلاق ثم رأيت فى شرح الإرشاد الصغير ومسه بعضو متنجس برطب مطلقا وبجاف غير معفو عنه انتهى أ . هـ ] {772}


رد مع اقتباس
  #68  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 11:24 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

وضع المصحف على الوجه والعينين والتمسح به | غير مصنف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (
لأهل العلم فى مسألة وضع المصحف على الوجه والعينين والتمسح به أقوال أربعة :

أحدها : الاستحباب - وثانيها : الإباحة
وثالثها : الكراهة – ورابعها : التوقف
فأما الاستحباب : فوجهه ما أخرجه الدرامى فى سننه حيث قال [ أنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبى مليكة [أن عكرمة بن أبى جهل رضى الله عنه كان يضع المصحف على وجهه , ويقول هذا كتاب ربى هذا كتاب ربى ]
ووصف النووى إسناده بالصحة قال محقق التبيان [ ورجاله ثقات إلا أنه منقطع بين ابن أبى مليكة وعكرمة فإنه لم يدركه ]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فى مختصر الفتاوى المصرية [ وقد سئل أحمد عن تقبيله ؟ فقال ما سمعت فيه شيئا , ولكن روى عن عكرمة ابن أبى جهل [ : أنه كان يفتح المصحف ويضع وجهه عليه ويقول كلام ربى كلام ربى ]
فقد احتج الإمام أحمد بأثر عكرمة وهذا يدل على ثبوته عنده . وذكر ابن مفلح فى الآداب أثر عكرمة هذا قال رواه جماعة منهم الدارمى وأبو بكر عبد العبد العزيز وصرح فى الفروع بأن أحمد قد رواه وحكى ابن مفلح وغيره من أصحابنا {773}
الحنابلة فى المسألة عن الإمام أحمد أربع روايات , الاستحباب والإباحة لأثر السابق , والكراهة لعدم التوقيف , والرواية الرابعة التوقف قال القاضى فى الجامع الكبير إنما توقف عن ذلك وإن كان فيه رفعة وإكرام لأن ما طريقه القرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله وإن كان فيه تعظيم إلا بتوقيف , ألا ترى [ أن عمر لما رأى الحجر قال لا تضر ولا تنفع ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك وكذلك [معاوية لما طاف فقبل الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس , فقال : ليس فى البيت شئ مهجور , فقال إنما هى السنة فأنكر عليه الزيادة على فعل النبى صلى الله عليه وسلم .
وذكر بعض فقهاء الحنفية فى مسح الوجه بالمصحف أثرا عن ذى النورين عثمان رضى الله عنه بيد أنهم أوردوه غفلا عن أى عزو أو إسناد , فجاء النص عندهم على هذا النحو [ وكان عثمان رضى الله عنه يقبل المصحف ويمسحه على وجهه ]
وأما وجه الإباحة فينطوى فى وجه الاستحباب السالف ذكره والسلامة من المعارض .
وأما وجه الكراهة فلعدم التوقيف ولما فى القول بالمنع من سد ذرائع البدع وهو الذى حكاه القاضى عليش عن فقهاء المالكية وأقره وقد مضى فى مسألة تقبيل المصحف من هذا البحث طرف من ذلك فليعاود والله أعلم بالصواب) . {774}


رد مع اقتباس
  #69  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 11:24 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

وضع المصحف فى المسجد | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (
جمهور أهل العلم من السلف والخلف على القول بجواز وضع المصاحف فى المساجد للقراءة فيها بل صرح بعضهم باستحباب ذلك لما فيه من الإعانة على تعمير المساجد بذكر الله وقراءة القرآن وقد وضع الصحابة المصحف الإمام فى صندوق بجوار الاسطوانة فى الروضة المكرمة فى المسجد النبوى والتى كان عليه السلام يصلى عندها والمعروفة باسطوانة المهاجرين , وقد أخرج الإمام أحمد فى {775}

مسنده والبخارى ومسلم فى صحيحهما , وابن ماجة فى سننه عن يزيد ابن أبى عبيد قال : [كنت آتى مع سلمة بن الكوع فيصلى عند الأسطوانة التى عند المصحف]. وفى لفظ [يصلى وراء الصندوق ] وفى لفظ [فيعمد إلى الأسطوانة دون المصحف] قال الحافظ فى الفتح [" التى عند المصحف " هذا دال على أنه كان للمصحف موضع خاص به , ووقع عند مسلم بلفظ [يصلى وراء الصندوق ] وكأنه كان للمصحف يوضع فيه .
رأى الإمام مالك فى بدعية وضع المصاحف فى المساجد :
حكى غير واحد من فقهاء المالكية كابن رشد والطرطوشى والشاطبى وابن الحاج والونشريسى والعدوى قالوا : [ قال مالك " لم تكن القراءة فى المصحف فى المسجد من أمر الناس القديم , وأول من أحدثه الحجاج وقال : وأكره أن يقرأ فى المصحف ] {776} قال ابن الرشد فى البيان [ عن قول الأمام مالك إن أول من جعل مصحفا يريد أول من رتب القراءة فى المصحف إثر صلاة الصبح بالمسجد مثلما يصنع عندنا إلى اليوم ]
ونقله الشاطبى فى الاعتصام وقال [وهذه محدثة – أعنى وضعه فى المسجد لأن القراءة فى المسجد مشروع فى الجملة معمول به إلا أن تخصيص المسجد بالقراءة على ذلك الوجه المحدث ومثله وضع المصاحف فى زماننا للقراءة يوم الجمعة وتحبيسها على ذلك القصد ] وقال ابن الحاج فى المدخل وهو بصدد الكلام عن البدع المحدثة فى المساجد [وأول من أحث هذه البدعة فى المسجد الحجاج أعنى القراءة فى المصحف ولم يكن ذلك من عمل من مضى فإن قال قائل قد أرسل عثمان رضى الله عنه المصاحف إلى الأمصار توضع فى الجوامع فالجواب إن ذلك إنما كان لتجميع الناس على ما أثبت فى المصحف الذى أجمع عليه خاصة ليذهب التنازع فى القرآن ويرجع لهذا المصحف إذا اختلف فى شئ من القرآن ويترك ما عداه لأنه إمام المصاحف وقد أمن الاختلاف فيه والحمد لله فلا يكتب مصحف ويجعل فى المسجد ]
مناقشة رأى الإمام مالك:
وقد ناقش رأى الإمام مالك البدر الزركشى وتابعه الجراعى الحنبلى فى كتابيهما فى أحكام المساجد وكذا كان صنيع الهيتمى فى فتاويه حيث قال [وأما ما رأه مالك رضى الله عنه من كراهة القراءة فى المصحف فى المسجد وأنه بدعة أحدثها الحجاج وأن يقاموا إذا اجتمعوا للقراءة يوم الخميس أو غيره فهو رأى انفرد به ومن ثم {777} قال الزركشى هذا استحسان لا دلي عليه والذى عليه السلف والخلف استحباب ذلك لما فيه من تعميرها بالذكر وقراءة القرآن ] وقد مر نص الزركشى فى هذا الشأن بتمامه قريبا لكن دعوى انفراد الإمام مالك بما ذهب إليه دعوى فيها نظر فقد نقل ابن مفلح فى الآداب عن يحى ابن معين وأحمد بن حنبل ما يدل على موافقتهما لقول مالك حال الاجتماع للقراءة من المصحف قال ابن مفلح [ قال أبو العباس الفضل بن مهران سألت يحى بن معين وأحمد بن حنبل قلت : إن عندنا قوما يجتمعون فيدعون ويقرؤون القرآن ويذكرون الله تعالى فما ترى فيهم , قال : فأما يحى بم معين فقال يقرأ فى المصحف ويدعو بعد صلاة ويذكر الله فى نفسه . قلت فأخ لى يفعل هذا ؟ قال أنهه , قلت لا يقبل , قال : عظه , قلت لا يقبل . أهجره ؟ قال نعم .
ثم أتيت أحمد حكيت له نحو هذا الكلام فقال لى أحمد أيضا يقرأ فى المصحف ويذكر الله تعالى فى نفسه . ويطلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت فأنهاه ؟ قال نعم , قلت فإن لم يقبل , قال بلى إن شاء الله تعالى فإن هذا محدث , الاجتماع والذى تصف فإن لم يفعل أهجره , فتبسم وسكت ] .
نعم قد يقال تفرد مالك رحمه الله فى أصل المسألة أعنى وضع المصاحف فى المساجد ليقرأ فيها وإنما وافق أحمد وابن معين مالكا فى هيئة مخصوصة واجتماع للقراءة من المصحف . والله أعلم بالصواب) . {778}


رد مع اقتباس
  #70  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 11:25 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

وضع المصحف فى المقبرة وحمله إليها | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبى عن الرجل يحمل معه المصحف إلى القبر يقرأ عليه ؟ قال هذه بدعة . قلت لأبى : وإن كان يحفظ القرآن يقرأ قال : لا .

وقد ذكر هذه الرواية ابن مفلح فى فروعه بلفظ : سأله عبد الله : يحمل مصحفا إلى القبر فيقرأ عليه ؟ قال : بدعة وقال أبو العباس ابن تيمية : وأما جعل المصحف عند القبور لم يقصد قراءة القرآن هناك وتلاوته فبدعة منكرة لم يفعله أحد من السلف , بل هى تدخل فى معنى اتخاذ فى معنى اتخاذ القبور مساجد ذكر ذلك فى موضع من كتبه وقال فى موضع آخر [ وأما جعله عند القبر , وإيقاد القناديل هناك فهو منهى عنه , ولو جعل للقراءة هناك , فكيف إذا يقرأ فيه ؟ والناس قد تنازعوا فى القراءة عند القبر وجعل المصحف عند القبر ليقرأ فيه بدعة منكرة لم يفعلها السلف , بل يدخلها فى معنى {779} اتخاذ المساجد على القبور ولا نزاع فى النهى عن اتخاذها مساجد ومعلوم أن المساجد بنيت للصلاة والدعاء والذكر والقراءة ]
ونقل فى الفروع عن شيخ الإسلام نحوا مما مر ولم ينقل عن غيره خلافه وقد مضى فى مسألة إدخال المصحف للقبر والمقبرة طرف من هذا فليعاود ). {780}


رد مع اقتباس
  #71  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 11:25 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

وضع المصحف مع النعال | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (
لا يخلو وضع المصحف مع النعال من أن يكون مباشرا لها أو أن يكون بينهما حائل ثم لايخلو من أن يكون هذا الحائل فوق النعال وتحت المصحف أو أن يكون على العكس من ذلك كما ريخلو هذا الحائل الفاصل بين المصحف وبين النعال من أن يكون ملاصقا لهما أو متجافيا عنهما ولكل حال من هذه الأحوال حظ من النظر والظاهر أنه لا خلاف بين أهل العلم فى منع مباشرة النعال للمصحف بل قد صرح بعض الشافعية بأنه لا يجوز وضع المصحف على نعل نظيف لم يلبس لأن به نوع استهانة وقلة احترام .

ونقله بعض المالكية نقل المقر له قال الزرقانى قال العز : يمنع من عمل حرفة خسيسة بمسجد كخياطة نعل ولا شك أن المصحف أعظم حرمة من المسجد وصرح العدوى على الخرشى بحرمة وضع المصحف على خف أو نعل ولو تحققت طهارتهما لحرمة القرآن .
كون الوضع غير مباشر :
قال العبادى الشافعى فى حاشيته على التحفة [ " مسألة " وقع السؤال عن خزانتين من خشب إحاهما فوق الأخرى كما فى خزائن مجاورى الجامع الأزهر وضع المصحف فى السفلى فهل يجوز وضع النعال ونحوها فى العليا فأجاب م ر بالجواز لأن ذلك لا يعد إخلالا بحرمة المصحف , قال بل يجوز فى الخزانة الواحدة أن {781} يوضع المصحف فى رفها الأسفل ونحو النعال فى رف آخر فوقه ]
ونقله الشبراملسى فى حاشيته على النهاية ثم قال : [ قلت : وينبغى أن مثل ذلك فى الجواز ما لو وضع النعل فى الخزانة وفوقه حائل كفروة ثم وضع عليه النعل فوقه فمحل نظر , ولا يبعد الحرمة لأن ذلك يعد إهانة للمصحف ] {782}


رد مع اقتباس
  #72  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 11:27 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

الوطء على المصحف | غير مصنف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (مر فى مسألة " وضع الرجل على المصحف على المصحف " الكلام على هذه القضية مفصلا مما أغنى عن إعادته هنا ). {783}


رد مع اقتباس
  #73  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 11:27 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

وقف المصحف | غير مصنف



قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (
جمهور أهل العلم على القول بصحة وقف المصحف وجواز تسبيله وتحبيسه على المسلمين لغرض القراءة فيه خلافا لأبى حنيفة بناء على أصله فى عدم صحة وقف المنقول وغير المنقول , وخلافا لأبى يوسف فى منع وقف المنقول خاصة على ما سيأتى بيانه والقول بنفى صحة وقف المصحف هو مقتضى قول الإمام مالك فى الموقوف منها على المساجد خاصة وقد مر فى مسألة " وضع المصحف فى المسجد " ذكر مذهب الإمام مالك فى هذا الشأن مفصلا وعده ذلك بدعة معدودة فى المحدثات .

وقد ذهب إلى القول بصحة وقف المصاحف محمد بن الحسن الشيبانى صاحب أبى حنيفة وهو الذى عليه جمهور الحنفية وهو مذهب أصحابنا الحنابلة بل صرح بعضهم بأن القول بصحته رواية واحدة وهو مقتضى كلام فقهاء الشافعية {784} وتصريهم بمنع وقف المصحف على الكافر .
النصوص فى وقف المصحف :-
وهاك نصوص الفقهاء فى مسألة وقف المصاحف :
أولا : النقول عن الأحناف :-
ذكر فى كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن وشرحه للسرخسى أنه إذا أوصى الميت أن يجعل مصحفه حبيسا يقرأ فيه القرآن فهذا جائز قال [ وإذا أوصى الميت أن يجعل فرسه حبيسا فى سبيل الله . أو سلاحه فى سبيل الله , أو يجعل مصحفه حبيسا يقرأ فيه القرآن , أو دار يسكنها الغزاة , أو يؤاجر , فيكون أجرها فى سبيل الله أو أرض تزرع فتكون غلتها فى سبيل الله أو غير ذلك مما يتقرب به العبد إلى ربه , وكذا حبس الفأس والقدوم والمزاد والطنجير والشفرة فهذا كله جائز . وجاء فى مختصر اختلاف العلماء لأبى جعفر الطحاوى فى الوصية بوقف المصحف ما نصه [ قال أبو حنيفة : لا تصح بذلك , وهو ميراث وقال مالك , ومحمد , والشافعى : تجوز من الثلث ] .
قال أبو جعفر : روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ " إنكم تظلمون خالدا , إنه احتبس أدرعه وأعتده حبسا فى سبيل الله تعالى " ]
وروى عنه أيضا : {785}
" فى الجمل الذى جعله أبو طليق حبيسا فى سبيل الله وأجاز له الركوب فيه " . {786}
وإذا جاز أن يفعل ذلك فى صحته , جازت الوصية به ] وذكر فى الفتاوى البزازية فى وقف المصاحف تبعا الجواز إجماعا للحنيفة قال : فإن كان وقفها مقصودا لم يجز عندهم وإن متعارفا وهو قول أبى يوسف وقال محمد رحمه الله يجوز وإليه ذهب عامة المشايخ وقال فى موضع من البزازية [ يصح فى الأصح إثبات وقف المصحف على مسجد محلة بشهادة من أهل تلك المحلة وذلك المسجد ومقابل الأصح لا تقبل شهادتهم لمكان تهمة جلبهم لأنفسهم بها نفعا وجاء فى افتاوى الهندية [ وإذا أوصى بمصاحف توقف فى المسجد يقرأ فيها قال محمد رحمه الله تعالى الوصية جائزة وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى الوصية باطلة كذا فى المحيط ]
وقال موضع آخر من الهندية [ فى الجامع الكسائى إذا جعلت امرأة مصحفا حبيسا فى سبيل وتحرق المصحف وبقيت الفضة التى عليه دفع ذلك إلى القاضى حتى يبيعه ويشترى به مصحفا مستقلا فيجعله حبيسا ]
ثانيا : نصوص المالكية : -
ذكر ابن رشد فى كتابه " البيان والتحصيل " قول الإمام مالك فىالإنكار على من وقف المصاحف على المساجد ليقرأ فيها فى أوقات معلومة قال : [ إن أول من جعل مصحفا الحجاج بن يوسف] وقد عقب ابن رشد على عبارة الإمام مالك السالفة الذكر فقال : [ قوله " إن أول من جعل مصحفا " يريد أول من رتب القراءة فى المصحف إثر صلاة الصبح بالمسجد مثلما يصنع عندنا إلى اليوم ] . وقال الطرطوشى فى كتابه " الحوادث والبدع " : [ قال مالك : ولم تكن القراءة فى المصحف فى المسجد من أمر {787}
الناس القديم وأول من أحدثه الحجاج ] قال : [وأكره أن يقرأ فى المصحف ]
وقال الشاطبى فى الاعتصام وهو بصدد الكلام عن البدع الإضافية والفرق بينها وبين البدع الحقيقة قال : [وبحسب ذلك الاختلاف يختلف الوزر , ومثاله جعل المصاحف فى المساجد للقراءة آخر صلاة الصبح بدعة قال مالك : أول من جعل المصحف مصحفا الحججاج بن يوسف يريد أنه أول من رتب القراءة فى المصحف إثر صلاة الصبح فى المسجد . قال ابن رشد : مثل ما يصنع عندنا إلى اليوم . فهذه محدثة – أعنى وضعه لمسجد – لأن القراءة فى المسجد مشروع فى الجملة معمول به , إلا أن تخصيص المسجد بالقراءة على ذلك الوجه المحدث ومثله وضع المصاحف فى زماننا للقراءة يوم الجمعة وتحبيسها على ذلك القصد ]
وقد صرح غير واحد من فقهاء المالكية بأن المعتمد عندهم صحة وقف المنقول بما فى ذلك غير واحد من فقهاء المالكية بأن المعتمد عندهم صحة وقف المنقول بما فى ذلك الكتب والمصاحف , فقد جاء فى كتاب " الذخيرة " للقرافى ما نصه [ والثالث السلاح والدروع وفيها أربعة أقوال : الجواز فى كتاب " الذخيرة " للقرافى ما نصه [ والثالث السلاح والدروع وفيها أربعة أقوال : الجواز فى الكتاب وقاله ( ش) وأحمد لأن كل عين يصح الانتفاع بها مع بقاء عينها صح وقفها لأنه موف بحكمة الوقف ] ثم مضى فى ذكر المذاهب فى وقف المنقولات مقرونة بحجج تلك المذاهب والأجوبة عنها , وقال الدسوقى فى حاشيته على الشرح الكبير للدردير إثر قول الأخير عطفا على ما يصح وقفه من المنقولات – [وكذا الثياب على المذهب ] قال الدسوقى : [(وقوله وكذا الثياب )] أى والكتب يصح وقفها على المذهب فهى مما فيه الخلاف وذلك لأن الخلاف عندنا جار فى كل منقول وإن كان المعتمد {788}
صحة وقفه خلافا للحنفية فإنهم يمنعون وقفه كالمرجوح عندنا ] وجاء فى كتاب " منح الجليل " للقاضى محمد عليش تعقيبا على قول خليل فى صحة وقف المملوك قال : [(مملوك ) من أرض أو دار أو حانوت أو قنطرة أو مسجد أو رباط أو مصحف أو كتاب أو رقيق أو دابة أو عرض أو غيرهما ]
ثالثا : النقول عن فقهاء الشافعية : -
جاء فى مختصر المزنى مع الأم [ قال الشافعى : ويجوز الحبس فى الرقيق والماشية إذا عرفت بعينها قياس على النخل والدور والأرضين ]
وجاء فى الحاوى الكبير للماوردى [ يجوز وقف العقار , والدور , والأرض , والرقيق , والماشية , والسلاح , وكل عين تبقى بقاء متصلا ويمكن الانتفاع بها ]
وذكر الغزالى فى الإحياء وقف المصاحف كفارة لمعصية مسها حال الحدث , قال : [ويكفر مس المصحف محدثا بإكرام المصحف وكثرة قراءة القرآن منه وكثرة قراءة القرآن منه وكثرة تقبيله بأن يكتب مصحفا ويجعله وقفا ] وقد جزم الهيتمى فى موضع من التحفة بعدم صحة الوقف من المسلم على ذمى ولو كان مما لا يملكه الكافر من نحو المصحف لما فى هذا الوقف من المعصية فظاهره صحة وقف المصحف على المسلم قولا واحدا عند الشافعية وقد بحث الشروانى فى حاشيته على التحفة ودخول القارئ فى الأسباع الموقوفة والمقرئ من مصحف الوقف فى عموم الوقف على القراء وجاء فى موضع من الحاشية أيضا [ " فرع " فى فتاوى السيوطى " مسئلة " رجل وقف مصحف على من يقرأ فيه كل يوم حزبا ويدعو له وجعل له على ذلك {789}]
معلما ولم يقرأ شيئا ثم أراد التوبة فما طريقه ؟ الجواب . طريقه أن يحسب الأيام التى لم يقرأ فيها ويقرأ عن كل يوم حزبا ويدعو عقب كل حزب للواقف حتى يوفى ذلك انتهى وظاهر ما نقله الشارح ابن عبد السلام وعن المصنف خلاف ذلك فليحرر أ هـ سم ]
وعن إخراج المصحف الموقوف من مكان الوقف جاء فى حاشية الشروانى على التحفة أيضا [فلو جرت العادة بالانتفاع بجملته كالمصحف جاز إخراجه وعلى الناظر تعهده فى طلب رده أو نقله إلى من ينتفع به وعدم قصره على واحد دون غيره , ومثل المصحف كتب اللغة التى يحتاج من يطالع كتابه إلى مراجعة مواضع متفرقة فيها لأنه لا يتأتى مقصوده بأخذ كراسة مثلا أ هـ ع ش ]
فكلام الماوردى ومن بعده من فقهاء الشافعية يفيد جواز وقف المصحف عندهم قولا واحدا وإن لم أقف على تصريح منهم بذلك والله أعلم بالصواب .
رابعا : نقول فقهاء الحنابلة : -
جاء فى كتاب " الوقوف " لأبى بكر الخلال ما نصه [م8 – قرأت على الحسين بن / عبد الله التميمى عن الحسن بن الحسن أخبرنا أبو داود السجستانى قال : قلت لأحمد بن حنبل بطرطوس : مصاحف توقف فثم رجل يقول : لا يقرأ فيها لا يجوز الحبس إلا سلاح أو كراع فقال أبو عبد الله : الأرض هو الكراع .
م9 – أخبرنا حامد بن أحمد بن داود أنه سمع الحسن بن محمد بن الحارث : أن عبد الله سئل عن هذه الأجزاء التى تقرأ فى المساجد تكره ذلك ؟ فقال : لا .
م10 – أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبى عن امرأة أوصت فى مرضها لامرأة مسماة مصحفا لها أن تقرأ فيه ما دامت حية فإذا هى ماتت المرأة التى أو صى لها أن تقرأ فيه دفع إلى المسلمين يقرؤون فيه تكون هذه وصية جائزة ؟ قال {790}
أبى : هى جائزة أن تكون لهذه المرأة ما دامت حية فإذا ماتت دفع إلى قوم لا بأس بهم يقرؤون فيه أو يدغفع فى مسجد الجامع أو فى موضع حريز ولا يخلو أن يقرأ فيه .
م11 – أخبرنى محمد بن الحسين أن الفضل بن زياد حدثهم قال : كتبت إلى أبى عبد الله أسأله عن رجل دفع إلى أجزاء فيها القرآن فقال : أن أبى توفى وأوصى إلى أن أصير هذه الأجزاء فى موضع يقرأ فيها فأخذت الأجزاء فلم تزل عندى [ فلم ] أخرجها إلى المسجد فتوفى الرجل الذى دفعه إلى وبقيت الأجزاء عندى هل يكون لى أن أدفهعا إى ورثته أو كيف أصنع فيها ؟ فأتانى الجواب : يجعله فى المسجد يقرأ فيه لأن هذا قد صيرها فى السبيل .
م12 – أخبرنى محمد بن أبى هارون أن إسحاق بن إبراهيم حدثهم قال : سألت أبا عبد الله عن رجل أو صى بمصحف أن يخرج إلى الثغر وله قرابة فقراء ؟ فقال : ينفذ كما اوصى إذا هو خرج من الثلث ] وقد مر فى مسألة " الوصية بالمصحف " من هذا البحث نحو مما ها هنا من مسائل الإمام أحمد براوية ابنه صالح قال ابن مفلح فى الفروع : [ قال القاضى : ويجوز وقفه وهبته والوصية به واحتج بنصوص أحمد ]
وقال ابن مفلح فى النكت على المحرر [ قال القاضى أبو الحسين : تصح هبته ووقفه رواية واحدة , لأنه ليس من هذه الأشياء ما يعود بنقصه , وكذا ذكر {791}
القاضى أبو يعلى ] وقال ابن مفلح فى الفروع أيضا [ وفى الوسيلة يصح وقف المصحف رواية واحدة ] وجزم فى افى الإقناع وشرحه بجواز وقف المصحف لأنه لا اعتياض فى ذلك عنه ). {792}


رد مع اقتباس
  #74  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 11:28 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

يمن وبركة المصاحف | غير مصنف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (
لا ريب فى كون المصحف ذا يمن وبركة بما حواه بين دفتيه من كلام الله عز وجل الهادى للتى هى أقوم , والنور المنزل , والشفاء من الريب , من نظر فيه رشد , ومن تدبر نظمه هدى إلى صراط مستقيم , وهو عهد الله إلى خلقه يتعين عليهم ويلزمهم الاعتناء بعهده , كما ورد فى الأثر [ إنى لأستحى أن لا أنظر كل يوم فى عهد ربى عزوجل مرة ] . وقد مر فى مسألة " النظر فى المصحف " مفصلا , بيد أن اليمن المذكور , والربكة المتوخاة لا يتحققان بمجرد تعليق المصاحف أو وضعها فى مكان ما إذا ليعمل به ويتدبر وقد مضى فى غير موضع من هذا البحث الكلام على مسائل " التبرك بالمصاحف وتعليقها على سبيل التحرز بها , وحكم هجرها وترك تعهدها " مما أغنى عن إعادته هنا) . {793}


رد مع اقتباس
  #75  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 11:28 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

اليمين بالمصحف | غير مصنف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (
جرت عادة بعض الناس على أن يقسم بالمصحف أو يقسم عليه أو أن يطلب من غيره فعل ذلك على سبيل التأكيد والتوثق من الصدق فى المقسم عليه والأمن من الخيانة فيه أو الكذب فى شأنه , وقد فصل الفقهاء فى ذلك وبينوا حكمه , وذكروا ما يلحق به ويجرى مجراه على مامضى بسطه فى مسألة " الحلف بالمصحف والحلف عليه " فى موضعها من هذا البحث , فليطالعها من رامها) .{794}


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة