قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((فبما نقضهم ميثاقهم) [155] معناه: «فبنقضهم ميثاقهم لعناهم» فحذف الجواب لمعرفة المخاطبين به وليس فيه وقف تام إلى قوله: (وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما) [161] إلا أن بعض المفسرين قال: (إلا اتباع الظن) [157] وقف تام ثم ابتدأ: (يقينا. بل رفعه الله إليه) [157، 158] فهذا على معنيين: إن نصبت (يقينا) بـ«رفعه» كان خطأ لأن (بل) أداة لا ينصب ما بعدها ما قبلها، وإن نصبت (يقينًا) بجواب لقسم محذوف كأنه قال: «يقينا لنرفعنه» فحذف الجواب واكتفى منه بقوله: (بل رفعه الله إليه) كان هذا وجهًا جائزًا، فالهاء على مذهب هذا المفسر تعود على عيسى ابن مريم، والأظهر في الهاء عند المفسرين والنحويين أن تكون تعود على «الظن» كأنه قال: «وما قتلوا ظنهم يقينا». والوقف على (بل رفعه الله إليه) حسن. ومثله: (وكان الله عزيزا حكيما).
ومثله: (يكون عليهم شهيدا) [159].)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/608 - 609]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (وليس من قوله: {فبما نقضهم ميثاقهم} إلى قوله: {عذابًا أليمًا} تمام والجواب محذوف، وتقديره عند الأخفش: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم، فحذف لعناهم لعلم المخاطبين بذلك. ورؤوس الآي فيما بين ذلك كافية.
وقال قائل: الوقف على قوله: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم} ثم يبتدئ: {رسول الله} قال: لأنهم لم يقروا أنه رسول الله، فينتصب (رسول الله) من هذا الوجه الأول بـ (أعني). والوقف عندي على (رسول الله) وهو كاف. وينتصب على البدل من (عيسى) عليه السلام وهو قول أحمد بن موسى.
{شبه لهم} كاف. ومثله {إلا اتباع الظن}. وقال بعض المفسرين: هو تام. وقال النحويون: التمام {ما لهم به من علم} لأن الاستثناء ليس من الأول وقال قائل التمام: {وما قتلوه} وهو قول أحمد بن موسى اللؤلؤي، والتقدير في ما بعده (يقينًا ليرفعنه الله) فحذف القسم واكتفى منه بقوله: {بل رفعه الله إليه}، وقيل: المعنى (يقينًا أنهم لم يقتلوه). وعلى هذا القول تكون الهاء في (وما قتلوه) تعود على (عيسى عليه السلام) وليس ذلك بالوجه. وقيل: تعود على الذي شبه لهم. والأولى أن تعود على الظن بتقدير وما قتلوا ظنهم يقينًا أنه عيسى أو غيره. والوقف على قوله: {يقينًا} الاختيار وهو رأس الآية. و(يقينًا) نعت لمصدر محذوف، وتقديره: وما علموه علما يقينًا.
{بل رفعه الله إليه} كاف. ومثله {عزيزًا حكيمًا} ومثله {يكون عليهم شهيدًا})[المكتفى: 230-232]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({غلف- 155- ط}. {قليلاً- 155- ص} للآية والوصل للعطف. {عظيمًا- 156- لا} لأن الجار العامل في {وقولهم} قد سبق {رسول الله – 157- ج} لأن ما النفي يبتدأ به ولكن الواو قد تصلح للحال لقوله: {وقولهم}. {شبه لهم- 157- ط}. {منه – 157- ط}.
{الظن- 157- ج} لاحتمال الاستئناف والحال. {يقينا- 157- لا} لتقرير نفي القتل بإثبات الرفع. {إليه – 158- ط}. {قبل موته – 159- ج} [لأن قوله:] {ويوم القيامة} ظرف كونه [شهيدًا لا ظرف إيمانهم، فيكون الواو للاستئناف مع اتحاد المقصود].
{شهيدًا – 159- ج} وإن كان رأس الآية لأن قوله: {فبظلم} راجع إلى قوله: {فبما نقضهم]، {وقولهم} وخبر الكل: {حرمنا}.)[علل الوقوف: 2/438-440]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (غلف (جائز)
قليلا (كاف) ومثله عظيمًا والوقف على ابن مريم وقف بيان ويبتدئ رسول الله على أنه منصوب بإضمار أعني لأنهم لم يقروا بأنَّ عيسى بن مريم رسول الله فلو وصلنا عيسى بن مريم بقوله رسول الله لذهب فهم السامع إلى أنَّه من تتمة كلام اليهود الذين حكى الله عنهم وليس الأمر كذلك وهذا التعليل يرقيه إلى التمام لأنَّه أدل على المراد وهو من باب صرف الكلام لما يصلح له ووصله بما بعده أولى فإنَّ رسول الله عطف بيان أو بدل أو صفة لعيسى كما أنَّ عيسى بدل من المسيح وأيضًا فإنَّ قولهم رسول الله هو على سبيل الاستهزاء منهم به كقول فرعون إنَّ رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وهذا غاية في بيان هذا الوقف لمن تدبر ولله الحمد.
ولكن شبه لهم (حسن) ووقف نافع على لفي شك منه أي وما قتلوا الذي شبه لهم يقينًا أنَّه عيسى بل قتلوه على شك ومنهم من وقف على ما لهم به من علم وجعل الاستثناء منقطعًا ووقف على قتلوه وجعل الضمير لعيسى وابتدأ يقينًا وجعل يقينًا متعلقًا بما بعده أي يقينًا لم يقتلوه فيقينًا نعت لمصدر محذوف فهو تقرير لنفي القتل وليس قتلوه بوقف إن نصب يقينًا برفعه لما فيه أن ما بعد بل يعمل فيما قبلها وذلك ضعيف وقيل الضمير في قتلوه يعود على العلم أي ما قتلوا العلم يقينًا على حد قولهم قتلت العلم يقينًا والرأي يقينًا بل كان قتلهم عن ظن وتخمين وقيل يعود على الظن فكأنه قيل وما صح ظنهم وما تحققوه يقينًا فهو كالتهكم بهم والذي نعتقده أنَّ المشبه هو الملك الذي كان في زمان عيسى لما رفعه الله إليه وفقدوه أخرج لهم شخصًا وقال لهم هذا عيسى فقتله وصلبه ولا يجوز أن يعتقد أنَّ الله ألقى شبه عيسى على واحد منهم كما قال وهب بن منبه لما هموا بقتل عيسى وكان معه في البيت عشرة قال أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل ويدخل الجنة فكل واحد منهم بادر فألقى شبهه على العشرة ورفع عيسى فلما جاء الذين قصدوا القتل وشبه عليهم فقالوا ليخرج عيسى وإلاَّ قتلناكم كلكم فخرج واحد منهم فقتل وصلب وقيل إنَّ اليهود لما هموا بقتله دخل عيسى بيتًا فأمر الله جبريل أن يرفعه من طاق فيه إلى السماء فأمر ملك اليهود رجلاً بإخراجه فدخل عليه البيت فلم يجده فألقى الله شبه عيسى على ذلك الرجل فلما خرج ظنوا أنَّه عيسى فقتلوه وصلبوه ثم قالوا إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا وإن كان صاحبنا فأين عيسى
واختلفوا فأنزل الله تعالى وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وهذا وأمثاله من السفسطة وتناسخ الأرواح الذي لا تقول به أهل السنة.
وما قتلوه (تام) إن جعل يقينًا متعلقًا بما بعده كما تقدم أي بل رفعه الله إليه يقينًا وإلاَّ فليس بوقف.
بل رفعه الله إليه (كاف) ومثله حكيما.
قبل موته (جائز) لأنَّ قوله ويوم القيامة ظرف كونه شهيد إلاَّ ظرف إيمانهم قالوا وللاستئناف والضمير في به وفي موته لعيسى وقيل إنه في به لعيسى وفي موته للكتابي قالوا وليس بموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ويعلم أنّه نبي ولكن ذلك عند المعاينة والغرغرة فهو إيمان لا ينفعه.
شهيدا (كاف))[منار الهدى: 111-112]
- التفسير