نزول قول الله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)}
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {سَيَقولُ السُفَهاءُ مِنَ الناسِ} الآية.
نزلت في تحويل القبلة.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن جعفر قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة فأنزل الله تعالى: {قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ في السَماءِ} إلى آخر الآية فقال السفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قال الله تعالى: {قُل للهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ} إلى آخر الآية رواه البخاري عن عبد الله بن رجاء). [أسباب النزول:38 - 39]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {وَما كانَ اللهُ لِيُضيعَ إِيمانَكُم}
قال ابن عباس في رواية الكلبي: كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أسعد بن زرارة وأبو أمامة أحد بني النجار والبراء بن معرور أحد بني سلمة وأناس آخرون جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله: {وَما كانَ الله ُلِيُضيعَ إِيمانَكُم} الآية
ثم قال: {قَد نَرى تَقَلُبَ وَجهِكَ في السَماءِ}
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: ((وددت أن الله تعالى صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها)) وكان يريد الكعبة لأنها قبلة إبراهيم فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئًا فسل ربك أن يحولك عنها إلى قبلة إبراهيم ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأله فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا
عبد الوهاب بن عيسى قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال: حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرًا نحو بيت المقدس ثم علم الله عز وجل هوى نبيه صلى الله عليه وسلم فنزلت: {قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ في السَماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلَةً تَرضاها} الآية رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي الأحوص ورواه البخاري عن أبي نعيم عن زهير كلاهما عن أبي إسحاق). [أسباب النزول:39 - 40]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( قوله تعالى {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب} [الآية: 142]
أسند الواحدي من طريق أبي إسحاق عن البراء قال لما قدم رسول الله المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فأنزل الله عز وجل {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} فقال السفهاء من الناس وهم اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز وجل {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء}.
أخرجه البخاري عن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عنه وأخرج أيضا من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق نحوه وقال فيه ثم علم الله هوى نبيه فنزلت قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها وقال أخرجاه من طرق عن أبي إسحاق وهو كما قال ومن طرقه عند البخاري من رواية زهير عن أبي إسحاق بلفظ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت الحديث
وذكر مقاتل في تفسيره قال فلما صرفت القبلة إلى الكعبة قال مشركو مكة قد تردد على محمد أمره واشتاق إلى مولد آبائه وقد توجه إليكم فهو راجع إلى دينكم فكان ذلك سفها منهم فأنزل الله تعالى سيقول السفهاء من الناس الآية
وأخرج الطبري من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس قال لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة وذلك في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله المدينة أتى رسول الله رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ونافع بن أبي نافع وفي رواية له ورافع بن أبي رافع والحجاج ابن عمرو حليف كعب بن الأشرف والربيع أبي الحقيق وكنانة بن أبي الحقيق فقالوا يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك وإنما يريدون فتنته
عن دينه فأنزل الله فيهم سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم إلى قوله على عقبيه
وقيل أراد بالسفهاء أهل الكتاب حكاه الطبري قال وقال آخرون قاله المنافقون استهزاء ثم أسند من طريق أسباط عن السدي قال لما وجه النبي قبل المسجد الحرام اختلف الناس فكانوا أصنافا فقال المنافقون ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها فأنزل الله عز وجل في المنافقين سيقول السفهاء من الناس الآية
وحكى الماوردي عن الزجاج قال ذلك كفار قريش
قلت وحكاه يحيى بن سلام عن تفسير الحسن البصري ونبه على أن هذه الآية سابقة على ما قبلها في التأليف وهي بعدها في التنزيل). [العجاب في بيان الأسباب:386 - 1/389]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}[ 143]
قال مقاتل وذلك أن اليهود منهم مرحب وربيعة ورافع قالوا لمعاذ ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا فإن قبلتنا قبلة الأنبياء ولقد علم أنا عدل بين الناس فأنزل الله تعالى{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا} يعني عدلا وقد ثبت في حديث أبي سعيد الخدري هذا التفسير مرفوعا دون السبب
وأسنده الطبري عن جماعة من الصحابة). [العجاب في بيان الأسباب:389 - 1/390]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} [143]
أخرج الطبري من طريق سنيد بن داود عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قلت لعطاء فقال يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره قال ابن جريج بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا مرة ها هنا ومرة هاهنا
قال الطبري معناه ليعلم الرسول والمؤمنون وأضاف ذلك إليه وفقا لخطابهم وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة قال كان في القبلة الأولى بلاء وتمحيص فصلى النبي قدومه إلى المدينة إلى بيت المقدس ثم وجهه الله إلى الكعبة
واسند الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس معناه نميز أهل اليقين من أهل الشك
قال وقال آخرون كانوا ينكرون أن يكون الله يعلم الشيء قبل كونه ولو قيل لهم أن قوما من أهل القبلة سيرتدون إذا حولت القبلة لقالوا
إن ذلك باطل فلما حولت القبلة وكفر من كفر من أجل ذلك قال الله وما جعلت ذلك إلا لأعلم ما عندكم أيها المنكرون علمي بما هو كائن من الشيء قبل وقوعه وحاصله أن المعنى إلا لنبين لكم أنا نعلم ما كان قبل أن يكون
وقال المارودي اختلفوا في سبب الصلاة إلى بيت المقدس فقال الطبري إنه
كان ليأتلف أهل الكتاب وقال الزجاج إن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس فأحب أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه). [العجاب في بيان الأسباب:390 - 1/392]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [143]
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية الكلبي يعني عن أبي صالح عنه كان رجال من أصحاب رسول الله من المسلمين قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أبو أمامة أسعد بن زرارة أحد بني النجار والبراء بن معرور أحد بني سلمة في أناس آخرين جاءت عشائرهم فقالوا يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا فأنزل الله عز وجل وما كان الله ليضيع إيمانكم
قلت وذكره مقاتل في تفسيره بتمامه بنحوه وأوله أن حيي بن أخطب وأصحابه قالوا أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس كانت هدى أو ضلالة فقالوا إنما الهدى ما أمر الله به والضلالة ما نهى عنه قالوا فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا وقد كان مات فذكره
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والطبري من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال لما وجه رسول الله إلى الكعبة قالوا يا رسول الله أرأيت الذين ماتوا وهو يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم
وأخرج الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أول ما نسخ من القرآن القبلة وذلك أن رسول الله لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا فكان الله عز وجل قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى قوله فولوا وجوهكم شطره فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز وجل قل لله المشرق والمغرب وأنزل الله عز وجل فأينما تولوا فثم وجه الله
و أخرج الطبري من طرق عن قتادة قال: قال أناس لما صرفت القبلة نحو الكعبة كيف بأعمالنا التي كنا نعمل قبل فنزلت
ومن طريق أسباط بن نصر عن السدي لما توجه رسول الله قبل المسجد الحرام قال المسلمون ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس هل قبل الله منا ومنهم أو لا فنزلت
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: قال ناس لما حولت القبلة إلى البيت الحرام كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى فنزلت
ومن طريق داود بن أبي عاصم نحوه لكن قال هلك أصحابنا ومن طريق العوفي عن ابن عباس أشفق المسلمون على من صلى منهم إلى غير الكعبة أن لا تقبل منهم
قال الطبري اتفقوا على أن الإيمان في هذه الآية الصلاة
و نقل يحيى بن سلام عن الحسن البصري أنه قال معنى الآية محفوظ لكم إيمانكم عند الله حيث أقررتم بالصلاة إلى بيت المقدس إذ فرضها عليكم). [العجاب في بيان الأسباب:392 - 1/395]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ):(قوله تعالى {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها}
قال الواحدي بعد ما نقله عن الكلبي في الذي قبله إلى قوله: {ليضيع إيمانكم..} قال: ثم قال {قد نرى تقلب وجهك في السماء..} وذلك أن النبي قال لجبريل عليه السلام ((وددت أن الله عز وجل صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها))، وكان يريد الكعبة لأنها قبلة إبراهيم عليه السلام فقال له جبريل إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا فسل ربك أن يحولك إلى قبلة إبراهيم عليه السلام ثم ارتفع جبريل فجعل رسول الله يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأله فأنزل الله عز وجل {قد نرى تقلب وجهك في السماء..} الآية.
قلت: وجدت هذا السبب بهذا السياق في تفسير مقاتل بن سليمان، فيحتمل أن يكون مراده بقوله "قال ثم قال.." إلى آخره، غير ابن الكلبي -وهو مقاتل- فيكون ظاهره الإدراج على كلام ابن الكلبي عن ابن عباس. ويحتمل أن يكونا تواردا والذي أورده الطبري عن ابن عباس هو ما أخرجه من طريق علي بن أبي طلحة عنه: "أن رسول الله لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، وكان رسول الله يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعوا وينظر إلى السماء؛ فنزلت".
وقد جمع محمد بن إسحاق في روايته الأمور الثلاثة فقال: حدثني إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق عن البراء: "كان رسول الله يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله تعالى{قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى قوله عما تعملون..}. قال: "فقال رجال من المسلمين وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن تصرف القبلة وكيف بصلاتنا إلى بيت المقدس؟؛ فأنزل الله{وما كان الله ليضيع إيمانكم..}. قال: قال السفهاء من الناس وهم أهل الكتاب{ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها..}؛ فأنزل الله{سيقول السفهاء من الناس} الآية".
ومن طريق سنيد ثم من رواية ابن جريج عن مجاهد قال: "قالت اليهود أيخالفنا محمد ويتبع قبلتنا فكان النبي يدعو الله أن يحوله عن قبلتهم؛ فنزلت الآية؛ فانقطع قول يهود".
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: "لما أنزل الله عز وجل {فأينما تولوا فثم وجه الله..} واستقبل النبي بيت المقدس فبلغه أن اليهود تقول والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم؛ فكره رسول الله ذلك، وجعل يرجع بوجهه إلى السماء فقال الله تعالى {قد نرى تقلب وجهك في السماء..} الآية".
ومن طريق أسباط عن السدي قال: (كان الناس يصلون إلى بيت المقدس فلما قدم النبي المدينة صلى كذلك إلى ثمانية عشر شهرا من مهاجره، وكان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينتظر ما يؤمر به وكان يحب أن يصلي إلى الكعبة فأنزل الله عز وجل {قد نرى تقلب وجهك في السماء..}).
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس: (إن النبي كان يقلب وجهه في الصلاة وهو يصلي نحو بيت المقدس وكان يهوى قبلة البيت الحرام فولاه الله قبلة كان يهواها).
وقال ابن ظفر: قيل: "كان النبي إذا قام لصلاة الليل بالمدينة قلب وجهه في السماء قبل دخوله في الصلاة ؛ يود لو صرف عن المسجد الأقصى إلى البيت الحرام محبة لموافقة إبراهيم، وكراهة لموافقة اليهود فنزلت"). [العجاب في بيان الأسباب: 1/395-398]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)} حتى آية 145 إلى قوله: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)}
قال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن خالد عن أبي إسحاق عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله، فأنزل الله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام}. فقال رجل من المسلمين: وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة وكيف بصلاتنا قبل بيت المقدس، فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم}. وقال السفهاء من الناس:
ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله {سيقول السفهاء من الناس} إلى آخر الآية.
له طرق نحوه.
وفي الصحيحين عن البراء: مات على القبلة قبل أن تحول الرجال، وقتلوا فلم ندر ما نقول لهم؟ فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} ). [لباب النقول:26 - 27]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} الآية 142.
قال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن البراء قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فقال رجال من المسلمين: وددنا لو علمنا علم من مات قبل أن نصرف إلى القبلة فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} وقال السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} إلى آخر الآية ا.هـ منقولا من لباب النقول في أسباب النزول للحافظ السيوطي ومن تفسير الحافظ ابن كثير). [الصحيح المسند في أسباب النزول:24 - 25]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية 143.
قال الإمام البخاري رحمه الله في التفسير ج9 ص237 حدثنا أبو نعيم سمع زهيرا عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا. وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
الحديث أخرجه البخاري أيضا في كتاب الإيمان ج1 ص103 وقال الحافظ في الفتح ج1 ص104 وللمصنف في التفسير من طريق الثوري عن أبي إسحاق سمعت البراء فأمن ما يخشى من تدليس أبي إسحاق. وأخرجه أبو داود الطيالسي ج1 ص85 وابن سعد قسم 2 المجلد 1 ص5 وابن جرير من حديث البراء وابن عباس ج2 ص17.
قال الإمام الترمذي رحمه الله ج4 ص70: حدثنا هناد وأبو عامر قالا: نا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما وجه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الكعبة قالوا يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} الآية 143 هذا حديث حسن صحيح.
وفي رواية سماك عن عكرمة اضطراب، لكنه شاهد لما قبله كما ترى. الحديث أخرجه أبو داود ج4 ص354 والطيالسي ج2 ص12، والحاكم ج2 ص 269 وقال: صحيح الإسناد وسكت عليه الذهبي). [الصحيح المسند في أسباب النزول:25 - 26]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ..} الآية.
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه [ج2/ ص48]: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله عز وجل: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فتوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فصلى مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل ثم خرج بعدما صلى فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه توجه نحو الكعبة فتحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة.
وأخرجه مسلم [ج5/ ص9] والآية التي نزلت عند مسلم {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}.
الحديث أخرجه الترمذي [ج4/ ص79] وقال: حسن صحيح وابن ماجه [رقم 1010] وفيه سبب نزول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} والإمام أحمد [ج4/ ص247] والدارقطني [ج1/ ص274] وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير وابن سعد في الطبقات [مجلد 4 قسم 2]، وعندهما زيادة: "و{قال السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} فأنزل الله: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
وقال الإمام مسلم رحمه الله [ج5/ ص10]: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة ألا إن القبلة قد حولت فمالوا كما هم نحو القبلة. وكذا أخرجه ابن سعد [قسم 2 من المجلد الأول ص4]). [الصحيح المسند في أسباب النزول: 26-27]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين