ما ورد في نزول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) )
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِنَّما الخَمرُ} الآية.
أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر المطوعي قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال: حدثنا أحمد بن علي الموصلي قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا الحسن أبو موسى قال: حدثنا زهير قال: حدثنا سماك بن حرب قال: حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أتيت على نفر من المهاجرين والأنصار فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمرًا وذلك قبل أن تحرم الخمر فأتيتهم في حش والحش: البستان فإذا رأس جزور مشوي عندهم ودن من خمر فأكلت وشربت معهم وذكرت الأنصار والمهاجرين فقلت: المهاجرون خير من الأنصار فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به فجدع أنفي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله في يعني نفسه شأن الخمر: {إِنَّما الخَمرُ وَالمَيسرُ} الآية. رواه مسلم عن أبي خيثمة.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا خلف بن الوليد قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عمر بن الخطاب قال:
[أسباب النزول: 200]
اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا فنزلت الآية التي في البقرة: {يَسأَلونَكَ عَنِ الخَمرِ وَالمَيسِرِ} فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا من الخمر بيانًا شافيًا فنزلت الآية التي في النساء: {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقرَبوا الصَلاةَ وَأَنتُم سُكارى} فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة ينادي لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا فنزلت هذه الآية: {إِنَّما الخَمرُ وَالمَيسِرُ} فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ: {فَهَل أَنتُم مُّنتَهونَ} قال عمر: انتهينا انتهينا وكانت تحدث أشياء يكرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب شرب الخمر قبل تحريمها منها قصة علي بن أبي طالب مع حمزة رضي الله عنهما وهي ما أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو بكر بن أبي خالد قال: حدثنا يوسف بن موسى المروزي قال: حدثنا عمر بن صالح قال: أخبرنا عنبسة قال: أخبرنا يوسف عن ابن شهاب قال: أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفًا من الخمس ولما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلاً صواغًا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي فبينما أنا أجمع لشارفي متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار أقبلت فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر
[أسباب النزول: 201]
وقلت: من فعل هذا؟ فقالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في البيت في شرب من الأنصار غنت قينة فقالت في غنائها:
أَلا يا حَمزُ لِّلشَرفِ النَواءِ = وَهُنَّ مُعَقَلاتٌ بِالفِناءِ
ضع السِكينُ في اللَّباتِ مِنها = فَضَرَجَهُنَّ حَمزَةُ بِالدِماءِ
وأَطعِم مِن شَرائِحِها كَبابًا = مُلَهوَجَةً عَلى وَهجِ الصِلاءِ
فَأَنتَ أَبا عَمارةٍ المُرَجى = لِكَشفِ الضُرِ عَنا وَالبَلاءِ
فوثب إلى السيف فاجتب أسنمتها وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما قال علي: فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة قال: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتيت له فقال: ((ما لك؟)) فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي فاجتب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب.
قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه ثم انطلق يمشي فاتبعت أثره أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي هو فيه فاستأذن فأذن له فإذا هم شرب فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبته ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال: وهل أنتم إلا عبيد أبي فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فنكص على عقبيه القهقرى
[أسباب النزول: 202]
فخرج وخرجنا رواه البخاري عن أحمد بن صالح وكانت هذه القصة من الأسباب الموجبة لنزول تحريم الخمر). [أسباب النزول: 203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)}
روى أحمد عن أبي هريرة قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فأنزل الله: {يسألونك عن الخمر والميسر} الآية فقال الناس: ما حرم علينا إنما قال: إثم كبير وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين أم أصحابه في المغرب فخلط في قراءته فأنزل الله آية أشد منها: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} ثم نزلت آية أشد من ذلك: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} إلى قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} قالوا: انتهينا ربنا فقال الناس: يا رسول الله قتلوا في سبيل الله وماتوا على فراشهم وكانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} إلى آخر الآية
وروى النسائي والبيهقي عن ابن عباس قال: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر في وجهه ورأسه ولحيته فيقول: صنع بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن فيقول: والله لو كان بي رؤوفا رحيما ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله هذه
[لباب النقول: 109]
الآية: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} الآية فقال ناس من المتكفلين: هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل يوم أحد فأنزل الله: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية). [لباب النقول: 110]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [الآيتان: 90-91].
ابن جرير [7 /34] حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال حدثنا حجاج بن المنهال قال: حدثنا ربيعة بن كلثوم عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا حتى إذا ثملوا عبث بعضهم ببعض فلما أن صحوا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن والله لو كان بي رءوفا رحيما ما فعل بي هذا حتى وقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل الله تعالى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فقال ناس من المتكلفين هي رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر وقتل فلان يوم أحد فأنزل الله {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية.
الحديث أخرجه الحاكم [4 /142] والبيهقي [8 /286] وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد: 7 /18]: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
أما سند ابن جرير فرجاله رجال الصحيح إلا الحسين بن علي الصدائي وهو ثقة.
وسيأتي إن شاء الله حديث سعد في سورة العنكبوت). [الصحيح المسند في أسباب النزول: 101]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين