سورة النحل
[ من الآية (125) إلى الآية (128) ]
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}
قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)}
قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن سيرين: [وَإِنْ عَقَّبْتُمْ فَعَقِّبُوا].
قال أبو الفتح: معناه إن تتبعتم فتتبعوا بقدر الحق الذي لكم، ولا تزيدوا عليه. قال لبيد:
حتى تَهَجَّرَ في الرواحِ وهاجَهُ ... طلبُ المعقِّب حقَّه المظلوم
أي هاجه طلبا مثل طلب المعقب حقه المظلوم، أي عاذَه ومنعَه المظلومُ، فـ"حَقَّه" على هذا فِعْلٌ: حَقَّه يَحُقُّه، أي لَوَاهُ حقَّه. ويجوز: طلبَ المعقِّب حقه، فتنصب "حقه" بنفس الطلب مع نصب "طلب" كما تنصبه، أي الحق مع رفعه، أي الطلب. والمظلوم صفة المعقب على معناه دون لفظه، أي أن طلب المعقب المظلوم حقه في الموضعين جميعا). [المحتسب: 2/13]
قوله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تك في ضيقٍ (127)
قرأ ابن كثير وحده (ولا تك في ضيقٍ) بكسر الضاد، ومثله في النمل، وكذلك روى أبو عبيد عن إسماعيل عن نافع، وخلف عن المسيبي عن نافع، وقرأ الباقون (في ضيق) بفتح الضاد في السورتين.
قال الفراء: الضّيق: ما ضاق عنه صدرك.
والضّيّق: يكون في الذي يتسع ويضيق، مثل: الدار، والثوب.
قال الفراء: وإذا رأيت الضّيق قد وقع في موضع الضّيق كان على أمرين: أحدهما: أن يكون جمعا للضيقة؟ قال الأعشى:
كشف الضّيقة عنا وفسح
[معاني القراءات وعللها: 2/84]
والآخر: أن وراد به: (ضيّق) فيخفف، قال: ضيّق، كما يقال: هيّن وهين.
قال أبو منصور: وعلى تفسير الفراء لا يجوز القراءة بالكسر.
وقد قال غير الفراء: يقال في صدر فلان ضيق وضيق، وروى أبو عبيدة عن أبي عمرو: والضّيق: الشيء الضّيّق، والضّيق: المصدر، والضّيق: الشك، والضيقة، مثل الضيق، وأنشد:
بضيقة بين النجم والدبران
قال الزجاج: من قال: ضيق، فهو بمعنى: ضيّق، فخفف وقيل: ضيق.
وجائز أن يكون الضّيق بمعنى: ضيّق). [معاني القراءات وعللها: 2/85]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {ولا تك في ضيق} [127].
قرأ ابن كثير وإسماعيل عن نافع {في ضيق} بكسر الضاد.
وقرأ الباقون بالفتح، فمن فتح أراد: ضيف فخفف مثل ميت وميت وهين وهين. ومن كسر يجوز أن يجعله لغتين. ويجوز أن يكون الضيق اسمًا، والضيق مصدرًا. والاختيار أن تقول: الضيق في المكان والمنزل والضيق في غير ذلك. فإذا كان الأمر كذلك فالاختيار {فلا تك في ضيق} لأنه لم يرد تعالى ضيق المعيشة ولا ضيق المنزل. والعلة في (النمل) كالعلة في (النحل).
فإن قيل: لم سقطت النون في قوله: {ولا تك}؟
فالجواب في ذلك: أن الأصل: ولا تكون فاستثقلوا الضمة على الواو فنقلوها إل الكاف فالتقى ساكنان الواو والنون فحذفوا الواو لالتقاء الساكنين فصار لا تكن، والموضع الذي حذفت النون مع الواو، فلأن النون يضارع حروف المد واللين، وكثر استعمال كان يكون فحذفوها لذلك، ألا ترى أنك تقول: لم يكونا، والأصل: لم يكونان فأسقطوا النون للجزم فشبهوا لم يك في حذف النون بلم يكونا فأعرف ذلك.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/361]
قال ابن مجاهد: رواية إسماعيل عن نافع {ولا تك في ضيق} غلط، يعني: أن الرواية الصحيحة عن نافع {ضيق} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/362]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الضاد وكسرها من قوله عز وجل: في ضيق [127].
فقرأ ابن كثير: (في ضيق) كسرا، وكذلك روى أبو عبيد عن إسماعيل بن جعفر عن نافع، وخلف عن المسيبي عن نافع وهو غلط في روايتهما جميعا.
[الحجة للقراء السبعة: 5/79]
وقرأ الباقون: في ضيق وكذلك في النمل [70] من كسر هذه كسر تلك، ومن فتح هذه فتح تلك.
وقال أبو عبيدة: في ضيق: تخفيف ضيّق، يقال: أمر ضيّق وضيق.
قال أبو الحسن: الضّيق والضّيق: لغتان في المصدر، وأما المثقلة فيكون فيها التخفيف، فيكون ضيق مثل ميت، وينبغي أن يحمل على أن ضيقا مصدر، لأنك إن حملته على أنه مخفف من ضيق، فقد أقمت الصفة مقام الموصوف من غير ضرورة، والمعنى: لا تك في ضيق. أي: لا يضق صدرك من مكرهم، كما قال: وضائق به صدرك [هود/ 12] وليس المراد: لا تكن في أمر ضيّق، فمن فتح ضيقا، كان في معنى من كسر، وهما لغتان كما قال أبو الحسن). [الحجة للقراء السبعة: 5/80]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تك في ضيق ممّا يمكرون}
قرأ ابن كثير {ولا تك في ضيق} بكسر الضّاد وفي النّمل مثله وقرأ الباقون بالفتح
[حجة القراءات: 395]
قال أبو عبيد ضيق تخفيف ضيق يقال أمر ضيق وضيق والأصل ضييق فيعل ثمّ حذفوا الياء فصار ضيق على وزن فيل مثل هين وهين قال الأخفش الضّيق والضيق لغتان وقال أبو عمرو الضّيق بالفتح الغم والضيق بالكسر الشدّة قوم الضّيق بالفتح مصدر والضيق اسم ووزنه على هذا القول فعل لم يحذف منه شيء). [حجة القراءات: 396]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {في ضيق} قرأ ابن كثير بكسر الضاد، وفتح الباقون، ومثله في النمل، وهما لغتان في المصدر عند الأخفش يقول ضاق يضيق ضيقًا، وقال أبو عبيدة: ضيق، بالفتح مخفف من «ضيق» كـ «ميْت» من «ميَت» ويلزمه أن يكون قد حذف الموصوف، وأن يكون التقدير في أمر «ضيق»، ثم خفف، وحذف الموصوف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/41]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {ضِيْقٍ} [آية/ 127] بكسر الضاد:
قرأها ابن كثير وحده، وكذلك في النمل.
وقرأ الباقون {ضَيْق} بفتح الضاد في السورتين.
والوجه أنهما لغتان، وقال الفراء: الضيق بالفتح يكون في المصدر، والضيق في الكسر فيما يتسع ويضيق كالثوب ونحوه.
وقيل: الضيق بالفتح جمع ضيقةٍ، والضيق بالكسر المصدر.
وقيل: الضيق بالفتح بمعنى الضيِّق كالميْت والميِّت، وأراد ههنا: الأمر الضيِّق، والضِيقُ: المصدر). [الموضح: 746]
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين