سورة الأعراف
[ من الآية (148) إلى الآية (154) ]
{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}
قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من حليّهم عجلًا جسدًا... (148).
قرأ حمزة والكسائي (من حليّهم) بكسر الحاء والتشديد، وقرأ الحضرمي (من حليهم) بفتح الحاء وسكون اللام خفيفة، وقرأ الباقون (من حليّهم) بضم الحاء، مشددًا.
قال أبو منصور: من قرأ (من حليهم) فهو واحد، ويجمع: حليًّا وحليّا، والأصل فيهما الضم، لأنه جمع على (فعول).
ومن كسر الحاء فلإتباعه الكسرة التي في اللام والياء). [معاني القراءات وعللها: 1/423]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله [تعالى]: {من حليهم عجلا جسدا} [148].
قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء واللام.
والباقون بالضم على اصل الكلمة وذلك أن الحُلي جمع حُلْي مثل حُقوٍ وحقي ووزن حُليً: فعول والأصل: حلوى فلما اجتمعت واو وياء والسابق ساكن قلبوا من الواو ياء وأدغموا كما تقول: شويت اللحم شيا، وكويته كيا، وهذه عشري لا عشروك، وهؤلاء زيدي، فذهبت النون للإضافة، وقلبوا من الواو ياء وأدغموا.
وأما من كسر فقال {حليهم} فإنه استثقل الضمة مع الياء كما تستثقل مع الكسرة فكسر الحاء لمجاورة اللام، وثمله {عتيا} {وجثيا} {وبكيا}.
وقرأ يعقوب الحضرمي: {من حليهم عجلا جسدا} بفتح الحاء وجزم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/207]
اللام، جعله واحدًا. والجسد: الذي لا يتكلم إلا تسمع قوله: {ألا يرجع إليهم قولا} وذلك أن بني إسرائيل قالوا لموسى {اجعل لنا إلها} أي: صنمًا نعبده كما أن لقوم فرعون أصنامًا عمد السامري – فكان مطاعا في قومه – إلى حلي عنده وعندهم فجعله عجلاً وفوهه فكان يصوت إذا خرقته الريح فذلك قوله: {[له] خوار}.
وقال آخرون: بل تناول من أثر حافر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم ترابًا فلما اتخذ العجل ألقاه في جوفه فكان ينخره.
وقال آخرون: بل تناول من أثر حافر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم ترابًا فلما اتخذ العجل ألقاه في جوفه فكان ينخره.
وقال آخرون: إنما خار مرة واحدة ثم لم يعد.
واسم فرس جبريل عليه السلام: حيزوم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الحاء وكسرها من قوله تعالى: من حليهم [الأعراف/ 148].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم من حليهم بضم الحاء.
وقرأ حمزة والكسائي: من حليهم بكسر الحاء، وكلّهم شدّد الياء.
الواحد من الحليّ: حلي، وجمعه: حليّ، ومثله: ثدي وثديّ، ومن الواو: حقو وحقيّ قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/80]
يسهّد من نوم العشيّ سليمها... لحلي النّساء في يديه قعاقع
قال: لحلي النساء على أحد أمرين: إمّا على حدّ قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا وقوله: قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس أو يكون على حدّ قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34 - النحل/ 18] فيريد به الكثرة، [أمّا فعول فإنّه يكون مفردا، ويكون جمعا. فإذا كان مفردا. جاء على ضربين: أحدهما أن يكون مصدرا وهو العام الكثير، مثل:
القعود والدخول والمضيّ.
وقد جاء اسما في قولهم: الأتيّ والسّدوس.
[الحجة للقراء السبعة: 4/81]
وإذا كان جمعا كان على ضربين: أحدهما أن يكون جمعا للثلاثة مثل: كعب وكعوب، والآخر أن يكون لما زاد على الثلاثة نحو: شاهد وشهود، وحاضر وحضور؛ فإذا كان جمعا للثلاثة، فالثلاثة المجموع بها على ضربين: صحيح ومعتل، ومن المعتل: المجموع على فعول ما كان لامه حرف علة وذلك نحو: ثدي وثدي، وحقو وحقيّ، مما كان من الياء نحو قولهم: حليّ في جمع حلي، فواو فعول قلبت ياء لوقوعها قبل الياء التي هي لام، كما أبدلت واو مفعول من مرميّ لذلك، وأبدلت من ضمة عين فعول كسرة، كما أبدلت ضمّة عين مفعول في: مرميّ، وإن كانت اللام واوا أبدلت منها الياء وذلك نحو: حقو وحقيّ]، وقال الشاعر:
بريحانة من بطن حلية نوّرت... لها أرج ما حولها غير مسنت
فإن كان هذا المكان سمّي بواحد حلي، كتمرة، وتمر، كان حلي جمعا، ويكون قوله: لحلي النساء جمعا قد أضيف إلى جمع.
[الحجة للقراء السبعة: 4/82]
وقال: أو من ينشأ في الحلية [الزخرف/ 18]، وقال:
وتستخرجون حلية تلبسونها [فاطر/ 12]، فيجوز أن تكون الحلية إنّما كسرت مع علامة التأنيث، وفتح بلا هاء فقال:
حلي، كما قالوا: البرك للصدر، والبركة قال:
ولوح ذراعين في بركة وقالوا: كان زياد أشعر بركا. فأمّا وجه قول من ضمّ من حليهم؛ فإنّ حليا لا يخلو من أن يكون جمعا على حدّ نخل وتمر، أو مفردا فيكون: حلي وحليّ، كقولهم: كعب وكعوب وفلس وفلوس، إلّا أنّه لما جمع أبدل من الواو الياء؛ لإدغامها في الياء وأبدل من الضمة كسرة كما أبدلت في مرميّ ومخشيّ، ونحو ذلك. فأمّا الحاء التي هي فاء في الحلي، فإنّها بقيت مضمومة كما كانت مضمومة في: كعوب وفلوس، ويجوز أن يكون جمعا كتمر، وجمع على فعول كما جمع صفا على صفيّ في نحو:
مواقع الطّير على الصّفيّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/83]
وممّا يحتمل أن تكون الضمة أبدلت فيه كسرة قولهم:
بكيت، والمحتزن البكيّ فالبكيّ يجوز أن يكون فعيلا، ويكون باك وبكيّ، كعالم وعليم، وشاهد وشهيد، فالكسرة من العين على هذا كسرة فعيل، ويجوز أن يكون فعولا، أبدلت الواو منها ياء، وأبدلت من ضمّتها الكسرة كقولهم: أدحيّ النّعام، وآريّ الدابة هما فاعول، إلّا أنّ اللام من أدحيّ واو قلبت ياء، ومن آريّ ياء والكسرة في البناء مبدلة ضمة.
ووجه قول حمزة والكسائي في كسرهما الحاء من حليهم، هو أنّ المكسر من المجموع قد غيّر عمّا كان الواحد عليه في اللفظ والمعنى، كما أن الاسم المضاف إليه كذلك، ألا ترى أنّ الاسم المكسر في الجمع يدلّ بالتكسير
[الحجة للقراء السبعة: 4/84]
على الكثرة، وأن الفاء قد غيّر في التكسير كما أن الاسم المضاف إليه كذلك؟ وذلك أنّه بالنّسب صار صفة، وكان قبل اسما، وقد تغيّر في اللفظ بما لحقه من الزيادة؛ فلمّا تغيّر الاسم تغييرين وهو: إبدال الواو ياء وإبدال الضمة كسرة كما غيّر في الإضافة تغييرين، قوي هذا التغيير على تغيير الفاء، كما قوي النسب للتغييرين على حذف الياء من نحو: حنفي، وجدلي في النسب إلى حنيفة، وجديلة، وكذلك حليّ وعصيّ.
فإن قلت: فهلّا لزم هذا التغيير في الجمع هاهنا، كما لزم في النسب؟.
قيل: إنّ النسب قد جاء منه ما لم يغيّر، وترك على أصله، وذلك قولهم في الإضافة إلى سليقة: سليقي، وإلى عميرة كلب: عميري، فجاء غير مغيّر مع التغييرين اللاحقين للاسم في النسب؛ فكذلك جاء حليّ على الأصل مع هذين التغييرين اللاحقين للاسم.
وأما نحو: عصيّ وقنيّ فقد لحقه مع هذين التغييرين اللذين ذكرنا تغيير ثالث، وهو إبدال الواو ياء، وكذلك ما كان
[الحجة للقراء السبعة: 4/85]
من ذلك جمعا، الآخر منه واو، فإنّه يلزم بدل الواو منه ياء نحو عصيّ وحقي ودليّ؛ فهذا مستمر، إلّا أن يشذّ منه شيء، فيجيء على الأصل نحو ما حكاه من قولهم: إنّكم لتنظرون في نحو كثير، ونحو ما أنشده أحمد بن يحيى:
وأصبحت من أدنى حموّتها حما فجاءت الواو في الحموّة مصححة، وكان القياس أن تنقلب ياء من حيث كان جمعا. فأمّا إلحاق تاء التأنيث له فعلى حدّ عمومة وخيوطة، وليس لحاق هذه التاء ممّا يمنع القلب، ألا ترى أن الذي يوجب القلب فيه هو أنّه جمع، وما كان من هذا النحو واحدا كالمضيّ والصّلي، مصدر صلي فإنّ الفاء منه، لا تكسر كما كسر في الجموع، لأنّ الواحد لم يتغيّر فيه المعنى كما تغيّر في الجمع.
وحكى أبو عمر عن أبي زيد آوى إليه إويّا، وممّا يؤكد
[الحجة للقراء السبعة: 4/86]
كسر الفاء في هذا النحو من الجمع قولهم: قسيّ في جمع قوس، ألا ترى أنّا لا نعلم أحدا يسكن إلى روايته حكى فيه غير الكسر في الفاء؛ فهذا ممّا يدل على تمكن الكسرة في هذا الباب الذي هو الجمع، وربما أبدلت اللّامات إذا كانت واوات من الأسماء، وليس ذلك على حدّ الإبدال في عصيّ وحقيّ، لو كان على هذا الحدّ للزم هذا الضرب من الآحاد كما لزم الجموع، وإنّما ألزمت الآحاد التغيير، كما لزمت أدل وأحق وأجر، وذلك أنّه لما قرب من الطّرف أبدلت كما أبدل هذا الضرب، وعلى هذا قالوا: مسنيّة، ومعدي، ومن ذلك قولهم: العتوّ قال تعالى: وعتوا عتوا كبيرا [الفرقان/ 21]؛ فصحّحت، وأبدلت في قوله: أيهم أشد على الرحمن عتيا [مريم/ 69]، وقد بلغت من الكبر عتيا [مريم/ 8]؛ فهذا مصدر، ولو كان اسما على حد: شاهد، وشهود، للزم فيه البدل كقولهم: الجثيّ في جمع جاث لأنّه من يجثو، ولكنّه أبدل على حدّ مسني ومعديّ، وقالوا: أنا أجوؤك وأنبؤك، وهو منحدر من الجبل، فأتبعوا الحركة الحركة، فإن لم يكن في الكلمة تغييران، فهذا التغيير في الجمع على ما قرأه حمزة والكسائي أقوى.
[الحجة للقراء السبعة: 4/87]
وأمّا قولهم في جمع: الفتى فتوّ؛ فهو على قول أبي الحسن من باب نحوّ وحموّة، لأنّه يرى أنّه من الواو وفي قول غيره أذهب في باب الشذوذ.
ألا ترى أنّه إذا قلب ما كان من الواو إلى الياء نحو:
حقي وعصي، فالذي من الياء أجدر أن يترك على ما هو عليه، فإذا أبدل منها الواو في الجمع مع أنّها من الياء كان على خلاف ما جاء عليه الجمهور والكثرة). [الحجة للقراء السبعة: 4/88]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا}
قرأ حمزة والكسائيّ {من حليهم} بكسر الحاء
وقرأ الباقون بالضّمّ وحجتهم أن الضّم هو الأصل وفيه علم الجمع وذلك أن الحليّ جمع حلي مثل حقو وحقي والأصل حلوي مثل قلب وقلوب فلمّا سبقت الواو الياء قلب الواو ياء فأدغمت في الياء فصارت حلي بضم الحاء واللام فاجتمعت ضمتان وبعدهما ياء مشدّدة فكان ذلك أشد ثقلا فكسرت اللّام لمجيء الياء فصارت حلي بضم الحاء وكسر اللّام
وحجّة من كسر الحاء هي أنه استثقل ضمة الحاء بعد كسر اللّام وبعدها ياء فكسر الحاء لمجاورة كسرة اللّام وأخرى أنهم قد أجمعوا على قوله من عصيهم فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه). [حجة القراءات: 296]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (44- قوله: {من حليهم} قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء، وقرأ الباقون بالضم.
وحجة من ضم الحاء أنه جمع «حليا» على «فعول»، ككعب وكعوب وأصله «حلوي» فأرادوا إدغام الواو في الياء للتخفيف فأبدلوا من ضمة اللام
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
كسرة، ليصح انقلاب الواو إلى الياء، وليصح الإدغام، كما فعلوا في «مرمى» وبابه، فبقيت الحاء مضمومة على أصلها، فصار «حلي» كما ترى.
45- وحجة من كسر الحاء أنه لما كسر اللام، وأتى بعدها ياء مشددة، أتبع الحاء ما بعدها من الكسرة والياء، فكسرها، ليعمل اللسان عملًا واحدً في الكسرتين، والياء بعدها، والضم هو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن عليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/478]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {مِنْ حُلِيِّهِمْ} [آية/ 148] بفتح الحاء وسكون اللام وتخفيف الياء:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه واحد الحُلي، يقال حلي وحلي، كما يقال فلس وفلوس وكعب وكعوب ودهر ودهور، والحلي وإن كان واحداً فالمراد به الجمع؛ لأنه مضاف إلى الجمع، كما قال تعالى {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} أراد أسماعهم، قال الشاعر:
39- في حلقكم عظم وقد شجينا
أراد حلوقكم.
وقرأ حمزة والكسائي {حِلِيِّهِمْ} مكسورة الحاء واللام، مشددة الياء.
والوجه أنه جمع حلي على حلي بضم الحاء، كما قيل كعب وكعوب، والأصل: حلوى على فعول، فاجتمع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون، فأبدلت ضمة ما قبل الواو كسرة، فانقلبت الواو ياء، فأدغمت الياء في الياء، فبقي حلي، ثم إنهم لما جمعوا عليه هذين التغييرين المذكورين من إبدال الضمة كسرة وقلب الواو ياء، اجترئ عليه فغير أيضًا تغييراً آخر، وهو إبدال
[الموضح: 555]
ضمة الأول من الكلمة وهو الحاء كسرة إتباعًا لكسرة ما بعده وهو اللام من حلي، فبقي حلي بكسر الحاء.
وقرأ الباقون {حُلِيِّهِمْ} بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء.
والوجه أنه هو الأصل في جمع حلي على ما تقدم؛ لأنه فعول بضم الفاء، فأصله أن يكون حليًا بالضم ككعوب وفلوس على ما بينا). [الموضح: 556]
قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لئن لم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا... (149).
قرأ حمزة والكسائي (لئن لم ترحمنا ربّنا وتغفر لنا) بالتاء فيهما جميعًا، و(ربّنا) نصبًا، وقرأ الباقون بالياء، و(ربّنا) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطبة، ونصبه (ربّنا)
[معاني القراءات وعللها: 1/423]
على الدعاء، يا ربّنا، ومن قرأ بالياء فهو على الخبر، و(ربّنا) فاعل، على أن يقع بفعلها يرحمنا). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا} [149].
قرأ حمزة والكسائي {ترحمنا} بالتاء خطاب لله تعالى. {ربنا} بالنصب على النداء المضاف، تقديره: يا ربنا، واحتجا بحرف أبي {ربنا لئن لم ترحمنا}.
وقرأ الباقون: {لئن لم يرحمنا} بالياء و{ربنا} بالرفع على الخبر. والله تعالى هو الفاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا [الأعراف/ 149]، وفي الرفع والنصب من قوله تعالى: ربنا*.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا بالياء والرفع، وقرأ حمزة والكسائي لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا بالتاء ونصب ربنا.
القول في ذلك أنّ من قرأ: لئن لم يرحمنا ربنا جعل الفعل للغيبة، وارتفع ربنا به، وكذلك: ويغفر لنا فيه ضمير ربنا وهو مثل يرحمنا في الإسناد إلى الغيبة.
ومن قرأ: لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا جعل تغفر لنا
[الحجة للقراء السبعة: 4/88]
للخطاب، وفيه ضمير الخطاب وربنا* نداء. والذي كان في قراءة من قدمنا قوله فاعلا، وحذف حرف التنبيه معه لأنّ عامة ما في التنزيل من ذلك، يحذف حرف التنبيه منه، كقوله:
ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة.. ربنا ليضلوا.. ربنا اطمس [يونس/ 88]، ربنا إني أسكنت من ذريتي [إبراهيم/ 37]، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك [آل عمران/ 194] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/89]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين}
قرأ حمزة والكسائيّ (لئن لم ترحمنا) بالتّاء على الخطاب {ربنا} بالنّصب على النداء أي يا ربنا (وتغفر لنا) بالتّاء وحجتهما أن في حرف أبي قالوا (ربنا لئن لم ترحمنا وتغفر لنا)
[حجة القراءات: 296]
وقرأ الباقون {لئن لم يرحمنا} بالياء {ربنا} بالرّفع على الخبر {ويغفر} بالياء أيضا وحجتهم هي أنه لما تبين لهم الضلال بعبادتهم العجل قال بعضهم لبعض لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ما جنيناه على أنفسنا لنكونن من الخاسرين فجرى الكلام على لفظ الخبر من بعضهم لبعض). [حجة القراءات: 297]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (43- قوله: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا} قرأ ذلك حمزة والكسائي بالتاء في الفعلين، على الخطاب لله جل ذكره، وفيه معنى الاستغاثة والتضرع والابتهال في السؤال والدعاء، وبنصب «ربنا» على النداء، وهو أيضًا أبلغ في الدعاء بالعبودية، وقرأوا «ربنا» بالرفع، لأنه الفاعل، ولولا أن الجماعة على الياء والرفع لاخترت القراءة بالتاء والنصب، لما ذكرت من صحة معناه في الاستكانة والتضرع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {لَئِن لَّمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا وتَغْفِرْ} [آية/ 149] بالتاء من {تَرْحَمْنَا} و{تَغْفِرْ}، ونصب {رَبَّنَا}:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن الفعل للمخاطبة، والمخاطب به هو الله تعالى، و{رَبَّنَا} منادى، وحذف يا من {رَبَّنَا} كما حذفت منه في كثير من المواضع في التنزيل، كقوله {رَبَّنَا إنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ... رَبَّنَا لِيُضِلُّوا...رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ}، {رَبَّنَا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}، {رَبَّنَا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}، وحذف حرف النداء من المنادى المضاف جائز، كما جاز من الأسماء الأعلام.
وقرأ الباقون {يَرْحَمْنَا رَبُّنَا ويَغْفِرْ} بالياء فيهما، والرف في {رَبُّنَا}.
[الموضح: 556]
والوجه أن الفعل مسند إلى الرب تعالى، و{رَبُّنَا} مرتفع به، والكلام محمول على الغيبة لا على (المخاطبة)، وفي {يَغْفِرْ} ضمير يعود إلى {ربّنا} ). [الموضح: 557]
قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (من بعدي أعجلتم... (150).
فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وقال أبو منصور: قد مر الجواب في جواز هذه الياءات محركة ومسكنة بما يغني عن إعادة القول فيه). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال ابن أمّ... (150)
ها هنا وفي طه.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص ويعقوب (قال ابن أمّ) نصبا، وقرأ الباقون (ابن أمّ) خفضًا.
قال أبو منصور: من فتح (ابن أمّ) فلأنها اسمان، جعلا اسمًا واحدًا، مثل: لفيته كفة كفة، وخمسة عشر.
ومن قال: (ابن أمّ) أضاف (ابن) إلى (أمّ)، وحذف ياء الإضافة؛ لأن كسرة الميم دلت على حذفها). [معاني القراءات وعللها: 1/425]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى: {قال ابن أم} [150].
قرأ أهل الكوفة إلا حفصًا، وابن عامر {أم} بكسر الميم على الإضافة من غير ياء.
والاختيار كسر الميم – وإن تثبت الياء – لأن الياء إنما تسقط من المنادي نحو يا قوم ويا عباد ويا رب، لا من المضاف إليه. فالصواب يا ابن أخي
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
ويا ابن أمي، قال الشاعر:
يا ابن أمي ويا شقيق نفسي = أنت خليتني لدهر كنود
وقرأ الباقون: {يا ابن أم} بفتح الميم فلهم حجتان: إحداهما: أنهم جعلوا الاسمين اسمًا واحدًا فبنيا على الفتح كما تقول: هو جاري بيت بيت، ولقيته كفة كفة، وعندي خمسة عشر، وإنما فعلوا ذلك لكثرة الاستعمال، وكذلك يا ابن عم ولا يستعملون ذلك في غيرها.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/209]
والحجة الثانية: أنهم أرادوا الندبة يا بن أماه ويا بن عماه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الميم وفتحها من قوله جلّ وعزّ: قال ابن أم [الأعراف/ 150].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم قال ابن أم نصبا، وفي طه [94] مثلها.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: قال ابن أم بكسر الميم، فأما الهمزة فمضمومة.
[قال أبو علي] من قال: يا ابن أمّ؛ فقال سيبويه: قالوا: يا ابن أمّ، ويا ابن عمّ؛ فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد لأن هذا أكثر في كلامهم من يا ابن أبي، ويا غلام غلامي.
قال أبو علي: جعلوهما بمنزلة اسم واحد، ولم يرفضوا
[الحجة للقراء السبعة: 4/89]
الأصل الذي هو إضافة الأول إلى الثاني كما رفضوا الأصل في خطايا، والتصحيح للعين، في: قال، وباع وخاف. ونحو ذلك مما يرفض فيه الأصل؛ فلا يستعمل، ألا ترى قول أبي زبيد:
يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي... أنت خلّيتني لأمر شديد
فهذا بمنزلة القصوى الذي استعمل فيه الأصل الذي رفض في غيره، فكذلك قولهم: يا ابن أمي.
ومن قال: يا ابن أمّ، فبنى الاسمين على الفتح، والفتحة في: ابن، ليست النصبة التي كانت تكون في الاسم المضاف المنادى، ولكن بني على الحركة التي كانت تكون للإعراب، كما أنّ قولهم: لا رجل كذلك، وكما أن:
مكانك، إذا أردت به الأمر لا تكون الفتحة فيه الفتحة التي كانت فيه وهو ظرف، ولكنّه على حدّ الفتحة التي كانت في رويدك.
[الحجة للقراء السبعة: 4/90]
فإن قلت: لم لا نقول: إنها نصبة؟، فالمراد يا ابن أمّا، فحذف الألف كما حذفت ياء الإضافة في غلامي [في النداء].
قيل: ليس مثله، ألا ترى أنّ من حذف الياء من: يا غلام، أثبتها في يا غلام غلامي؟ فلو كانت الألف مقدرة في:
يا ابن أمّ، لم يكن يحذف، كما لم يحذف في قوله:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي فالألف لا تحذف حيث تحذف الياء، ألا ترى أن من قال ذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64]، والليل إذا يسر [الفجر/ 4]، فحذف الياء من الفواصل، وما أشبه الفواصل من الكلام التام، لم يكن عنده في نحو قوله: والليل إذا
[الحجة للقراء السبعة: 4/91]
يغشى والنهار إذا تجلى [الليل/ 1]، إلّا الإثبات.
فإن قلت: فقد حذفت الألف في نحو:
رهط مرجوم، ورهط ابن المعلّ وهو يريد المعلّى، وقد أنشد أبو الحسن:
فلست بمدرك ما فات مني... بلهف ولا بليت ولا لو أنّي
يريد بلهفى فحذف الألف.
فالقول: إن ذلك في الشعر ولا يجوز في الاختيار وحال السّعة؛ فلا ينبغي أن يحمل قوله: يابن أم على هذا.
وقياس من أجاز ذلك أن تكون فتحة الابن نصبة، والفتحة في أمّ ليست كالتي في عشر من خمسة عشر، ولكن مثل الفتحة التي في الميم من: يا بنت عمّا.
وحجة من قال: يا بن أم لا تأخذ أن سيبويه قال: وقد
[الحجة للقراء السبعة: 4/92]
قالوا أيضا: يا بن أمّ ويا بن عمّ، كأنهم جعلوا الأول والآخر اسما واحدا ثم أضافوه كقولك: يا أحد عشر أقبلوا. قال وإن شئت قلت: حذفوا هذه الياء لكثرة هذا في كلامهم وعلى ذا قال الشاعر:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي). [الحجة للقراء السبعة: 4/93]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد: [فَلا تَشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ]، وقرأ أيضًا: [فَلا يَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءُ].
قال أبو الفتح: الذي رويناه عن قطرب في هذا أن قراءة مجاهد: [فَلا تَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ] رفع -كما ترى- بفعلهم، فالظاهر أن انصرافه إلى الأعداء، ومحصوله: يا رب، با تُشْمِتْ أنت بي الأعداء، كقراءة الجماعة.
فأما مع النصب فإنه كأنه قال: لا تَشْمَتْ بي أنت يا رب، وجاز هذا كما قال سبحانه: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ونحوه مما يجري هذا المجرى، ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلًا نصب به الأعداء، فكأنه قال: لا تُشْمِتْ بي الأعداء، كقراءة الجماعة). [المحتسب: 1/259]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ابن أم إن القوم استضعفوني}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص {قال ابن أم} بفتح الميم جعلوا الاسمين اسما واحدًا نحو خمسة عشر ففتحوا ابن أم وابن عم لكثرة استعمالهم هذا الاسم
واعلم أن النداء كلام محتمل الحذف فجعلوا ابن وأم شيئا واحدًا وقال آخرون إنّهم أرادوا الندبة ب ابن أمّاه قالوا والعرب تقول يا بن عماه والأصل يا بن أمّي ثمّ قلبت الياء ألفا فصارت يا بن أما ثمّ حذفت الألف لأن الفتحة تنوب عنها
وقرأ أهل الشّام والكوفة {قال ابن أم} بالكسر وكذلك في طه والأصل يا بن أمّي بإثبات الياء ثمّ حذفوا الياء لأن الكسرة نابت عن الياء وحجتهم قوله {يا قوم لا أسألكم} فإن قيل لم حذفت الياء من قولك يا بن أم والمنادى ها هنا الابن لا الأم وهو مثل قولك يا غلام غلامي وها هنا لم تجوز حذف الياء وإنّما سقطت الياء من المنادى من نحو يا قوم ويا عباد
[حجة القراءات: 297]
الجواب عنه إنّما جاز حذف الياء من الأم تشبيها بياء الإضافة في قول القائل يا غلام وذلك أنا جعلنا الاسمين اسما واحدًا فتنزلا منزلة اسم واحد كأنّك تنادي واحدًا لأنّك إذا قلت يا بن أم كأنّك قلت يا أخ فهو بمنزلة قولك يا غلام ويا قوم). [حجة القراءات: 298]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (46- قوله: {ابن أم} وفي طه: {يا ابن أم} «94» قرأهما ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بكسر الميم، وقرأ الباقون بالفتح.
وحجة من فتح أنه جعل الاسمين اسمًا واحدًا لكثرة الاستعمال بمنزلة خمسة عشر، وبناه على الفتح، فالفتحة في «ابن أم» كفتحة التاء في خمسة عشر، وقد قيل: إن من فتح أراد، يا ابن أمي، ثم أبدل من كسرة الميم فتحة، فانقلبت الياء ألفًا، ثم حذفت استخفافًا لكثرة الاستعمال، ولأن الفتحة تدل على الألف، وفيه بعد؛ لأن ياء الإضافة لا تحذف في غير المنادى، ولا يحذف ما هو عوض منها إلا في النداء، وليس «أم» بمنادى، فإنما يجوز هذا على قول من قال: مررت بغلام يا هذا، يريد: بغلامي، ثم حذف الياء لدلالة الكسرة عليها، وهذا قليل جائز، والإثبات أكثر، وقد أجازوا: مررت بالقاض، وجاءني القاض، من غير ياء؛ لأن الياء قد كانت محذوفة للتنوين قبل دخول الألف واللام، فلما دخلتا حذف التنوين وبقيت الياء على حذفها، فليس قولك: جاءني غلام، ومررت بغلام، مثل ما فيه الألف واللام في جواز حذف الياء، وقد حذفت الياء، وهي لام الفعل في نحو: {يوم يأت} «هود 105» و{نبغ} «الكهف 64» وحذفت، وهي للإضافة في نحو: {ألا تتبعن} «طه 93» {إن ترن}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/478]
«الكهف 39»، وقرأ بذلك القراء، فحذف الياء من غير المنادى مترجح في القوة والضعف، لا سيما وقد دخل «يا بن أم» تغيير بعد تغيير، ثم حذف، فلذلك أبعدوا في جوازه.
47- وحجة من كسر أنه لما لم يدخل الكلام تغيير، قبل حذف الياء، استخف حذف الياء، لدلالة الكسرة عليها، ولكثرة الاستعمال، فهو نداء مضاف بمنزلة قولك: يا غلام غلام، فالفتح هو الاختيار، على تأويل الوجه الأول من البناء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/479]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {قَالَ ابْنَ أُمَّ} [آية/ 150] بفتح الميم:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- ص- ويعقوب، وكذلك في طه.
والوجه أنهما اسمان جعلا اسمًا واحداً، وبنيا على الفتح كبناء خمسة عشر؛ لكثرته في كلامهم، وكما قالوا: لقيته كفة كفة، وهو جاري بيت بيت، والفتحة في {ابْنَ} فتحة بناء، وليست بنصب، كما في الاسم المضاف إذا نودي، قال سيبويه:
إنما بني هذا؛ لأنه أكثر في كلامهم من يا ابن أبي ويا غلام غلامي.
أشار إلى أن كثرة استعمالهم له دعتهم إلى أن طلبوا في الخفة، فجعلوا الاسمي اسمًا واحداً.
ويجوز أن يكون أصله يا ابن أُما بالألف المبدلة عن الياء، فحذفوا اللف، والابن على هذا مضاف، وفتحته نصب بحرف النداء.
[الموضح: 557]
وقرأ الباقون {يَا بْنَ أُمّ} بكسر الميم.
والوجه أن {ابْنَ} منصوب على أنه منادى مضاف، و{أُمَّ} أصله أمي، بالإضافة إلى ياء المتكلم، فحذفوا هذه الياء لكثرته في كلامهم، ويجوز أن تكون فتحة {ابْنَ} فتحة بناء كالوجه الأول، و{ابْنَ} مع {أُمَّ} كالشيء الواحد، إلا أنهم أضافوه إلى الياء ثم حذفوا الياء). [الموضح: 558]
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}
قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين