قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): (والوقف على قوله: (ولكن الشياطين كفروا) [102] حسن غير تام لأن قوله: (يعلمون الناس السحر) حال من (الشياطين) كأنه قال: «معلمين الناس السحر» أي: «لكن الشياطين كفروا في حال تعليمهم الناس السحر».
وفي قوله: (وما أنزل على الملكين) وجهان: يجوز أن تكون (ما) منصوبة على النسق على (السحر) أي: «ويعلمونهم ما أنزل على الملكين» ويجوز أن تكون جحدًا، فإذا كانت جحدًا كان الوقف على (السحر) أحسن منه إذا كانت منسوقة على (السحر) لأنها إذا نسقت على (السحر) كانت متعلقة به من جهة اللفظ والمعنى. وإذا كانت جحدًا كانت متعلقة به من جهة المعنى لا من جهة اللفظ. ويجوز أن تكون منصوبة بالنسق على قوله: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين – وأما أنزل على الملكين).
والوقف على قوله: (فلا تكفر) حسن غير تام لأن قوله: (فيتعلمون منهما) نسق على قوله: (يعلمون الناس السحر فيتعلمون) ويجوز أن يكون منسوقًا على قوله: (إنما نحن فتنة «فيأبون فيتعلمون» والوقف على قوله: (ولا ينفعهم) حسن. والوقف على قوله: (لو كانوا يعلمون) [103] تام).[إيضاح الوقف والابتداء: 1/525-527]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (وقال نافع وأحمد بن جعفر الدينوري: {وما كفر سليمان} تام وهو حسن وليس بتام ولا كاف. {على ملك سليمان} أحسن منه. وكذلك {ولكن الشياطين كفروا}، {يعلمون الناس السحر} كاف إذا جعلت (ما) جحدًا، وليس بالوجه الجيد، والاختيار أن تكون اسمًا ناقصًا بمعنى، الذي فتكون معطوفة على أحد شيئين إما على ما في قوله: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} أو على (السحر) في قوله: {يعلمون الناس السحر} فلا يقطع من ذلك. {هاروت وماروت} كاف.
وقال نافع: (ببابل) تام. وليس كذلك، لأن الاسمين بدل من (الملكين). {فلا تكفر} كاف. وقوله: {فيتعلمون} مستأنف. والتقدير عند سيبويه: فهم يتعلمون. وقال مثله: {كن فيكون} {ولا ينفعهم} كاف. ومثله (من خلاق). {يعلمون} الأول كاف. و(يعلمون) الثاني تام. لأنه آخر القصة).[المكتفى: 169-170]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({أوتوا الكتاب- 101 – ق} قد قيل وليس بصحيح، لبيان أن كتاب الله مفعول. {نبذ} لا بدل ما قبله.
{لا يعلمون- 101- ز} قد يجوز للآية، والوصل للعطف على {نبذ} ولا تمام سوء اختيارهم في النبذ والاتباع.
{على ملك سليمان – 102- ج} لأن الواو قد تصلح حالاً لبيان نزاهة سليمان ورد ما افتروا عليه (السحر- 102- ق) قد قيل على جعل {ما) نافية، ولا يصح لمناقضته ما في السياق من إثبات السحر، بل {ما} خبرية معطوفة على قوله: {السحر}،على أنها وأن كانت نافية يحتمل كون الواو حالاً على تقدير: {يعلمون الناس السحر} غير منزل، فلا يفصل، وفي الآية ثماني ما آت أولها خبرية، ثم نافية، ثم خبرية على التعاقب إلى الآخر.
{وماروت- 102- ط}. {فلا تكفر- 102- ط}.
{وزوجه – 102 – ط}. {بإذن الله – 102- ط}. {ولا ينفعهم – 102- ط}. [{من خلاق- وقف]. {أنفسهم- 102- ط}.
{خير- 103- ط}).[علل الوقوف: 1/220-226]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (مصدق لما معهم ليس بوقف لأن جواب لما منتظر
أوتوا الكتاب (جائز) إن جعل مغعولاً أوتوا الواو والثاني الكتاب وليس بوقف إن جعل الكتاب مفعولاً أول وكتاب الله مفعول نبذ كما أعربه السهيلي ووراء منصوب على الظرفية كذا في السمين
وراء ظهورهم ليس بوقف لأن كأنهم لا يعلمون جملة حالية وصاحبها فريق والعامل فيها نبذ والتقدير مشبهين للجهال
لا يعلمون (كاف) ومثله على ملك سليمان
والوقف على وما كفر سليمان قال نافع وجماعة (تام) وقال أبو عمرو ليس بتام ولا كاف بل حسن وعلى كل قول فيه البداءة بلكن وهي كلمة استدراك يستدرك بها الإثبات بعد النفي أو النفي بعد الإثبات وواقعة بين كلامين متغايرين فما بعدها متعلق بما قبلها استدراكًا وعطفًا
ولكن الشياطين كفروا (حسن) على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل ما بعده في موضع نصب على الحال أو خبر لكن
السحر (كاف) إن جعلت ما نافية ثم يبتدئ وما أنزل على الملكين أي لم ينزل عليهما سحر ولا باطل وإنما أنزل عليهما الأحكام وأمرا بنصرة الحق وإبطال الباطل وليس بوقف إن جعلت ما بمعنى الذي أي ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر والذي أنزل على الملكين بفتح اللام ومن قرأ بفتحها وقف على الملكين ويبتدئ ببابل هاروت وماروت والذي قرأ بكسر اللام أراد بهما داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام
(قوله) هاروت وماروت هما في موضع خفض عطف بيان في الأول والثاني عطف عليه أو بدلان من الملكين وبابل قال ابن مسعود هي في سواد الكوفة وهما لا ينصرفان للعلمية والعجمة أو العلمية والتأنيث
والوقف على هاروت وماروت (تام) سواء جعلت ما نافية أو بمعنى الذي وبابل لا ينصرف أيضًا وهو في موضع خفض للعلمية والتأنيث لأنه اسم بقعة وقرأ الزهري والضحاك هاروت وماروت برفعهما خبر مبتدأ محذوف فعلى هذه القراءة يوقف على بابل أو مرفوعان بالابتداء وببابل الخبر أي هاروت وماروت ببابل فعلى هذه القراءة بهذا التقدير يكون الوقف على الملكين وهذا الوقف أبعد من الأول لبعد وجهه عند أهل التفسير ونصبهما بإضمار أعني فيكون الوقف على بابل كافيًا ونصبهما بدلاً من الشياطين على قراءة نصب النون وعلى هذه القراءة لا يفصل بين المبدل والمبدل منه بالوقف (قوله) وما كفر سليمان رد على الشياطين لأنهم زعموا أن سليمان استولى على الملك بالسحر الذي ادعوه عليه فعلى هذا يكون قوله وما كفر سليمان ردًا على اليهود والسبب الذي من أجله أضافت اليهود السحر إلى سليمان بزعمهم فأنزل الله براءته وما ذاك إلاَّ أن سليمان كان جمع كتب السحرة تحت كرسيه لئلاَّ يعمل به فلما مات ووجدت الكتب قالت الشياطين بهذا كان ملكه وشاع في اليهود أن سليمان كان ساحرًا فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرسالة خاصموه بتلك الكتب وادعوا أنه كان ساحرًا فأنزل الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين الآية فأنزل الله براءته
حتى يقولا ليس بوقف لفصله بين القول والمقول وحتى هنا حرف جر وتكون حرف عطف وتكون حرف ابتداء نقع بعدها الجمل كقوله
فما زالت القتلى تمج داءها = بدجلة حتى ماء دجلة أشكل
والغاية معنى لا يفارقها في هذه الأحوال الثلاثة إما في القوة أو الضعف أو غيرها
فلا تكفر (كاف) إن جعل ما بعده معطوفًا على يعلمون الناس السحر وعلى المعنى أي فلا تكفر فيأتون فيتعلمون وقيل عطف على محل ولكن الشياطين كفروا لأن موضعه رفع أو على خبر مبتدأ محذوف أي فهم يتعلمون وزوجه وبإذن الله ولا ينفعهم كلها حسان
لمن اشتراه ليس بوقف لأنه قوله ماله جواب القسم فإن اللام في لمن اشتراه موطئة للقسم ومن شرطية في محل رفع بالابتداء وماله في الآخرة من خلاق جواب القسم
من خلاق (حسن) وكذا يعلمون الأول واتقوا ليس بوقف لأن جواب لو بعد
و يعلمون الثاني (تام) لأنه آخر القصة).[منار الهدى: 45-46]
- تفسير