(26) من فقه الابتلاء
مما ينبغي أن يُفقه في شأن الابتلاء أن العبد لا اختيار له في نوع البلاء الذي يُبتلى به، بل الله تعالى هو الذي يبتلي عباده بما يشاء ومتى يشاء وكيف يشاء، والعبد لا يستطيع أن يدفع البلاء عن نفسه، ولا يكشف الضر عنها ، إنما مردّ ذلك إلى الله جل وعلا، كما قال الله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم}.
وهذا اليقين يفيد العبد التسليم لله تعالى والخضوع له، والرضا بقضائه وقدره، واتّباع هداه فيما يخصّ البلاء الذي ابتلي به؛ فمن فعل ذلك فقد ضمن الله تعالى له أن تكون عاقبته حسنة؛ فيرفع الله عنه البلاء متى شاء، وكيف يشاء، لا اختيار للعبد في كل ذلك.
فالعبد بما يبذله من الأسباب إنما يتعرض لنفحات الله، فإن فعل ما يهدي الله إليه من الأسباب النافعة كان موعوداً بأن تكون عاقبته خيراً.
وأما من ضاق ذرعاً بالبلاء وتبرّم به، وحاول أن يرفع ذلك البلاء عن نفسه بما حرّم الله؛ فهو في عناء وشقاء؛ فإنه لا يرفع البلاء إلا الله، وإنما يُطلب من العبد اتباع هدى الله.
فإذا ابتلي العبد ببلاء فليكن أول ما يعتني به هو التعرف على هدى الله في هذا البلاء خاصة، وما الذي يُحبّ الله من عبده أن يفعله؟
فلا تخلو حال من أحوال العبد من هدى لله يحب أن يُتبع.
وهذا الهدى من طلبه بصدق وجده، وله طرق تدل عليه وتبيّنه، أهمها وأولها صدق الإنابة إلى الله تعالى قال الله تعالى: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} وقال:{الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}.
فمتى أناب العبد إلى الله فهو موعود بالهداية.
ومتى قام اليقين بقلب المؤمن المُبتلى بأنه على طريق الهدى أثمر له نوراً وفرقاناً يميز به بين ما يجب عليه أن يفعله وما يجب عليه أن يجتنبه، واضمحلَّ عنه كثير من كيد الشيطان وتثبيطه وتحزينه وتيئيسه، وحل محلَّ ذلك السكينة والطمأنينة والرضا بالله بل الفرح بفضله والاستبشار بنعمته وهدايته، {أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم}.