العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 07:49 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (93) إلى الآية (94) ]
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقول جلّ وعزّ: (لقد تقطّع بينكم... (94).
قرأ نافع وحفص والكسائي (بينكم) نصبًا، وقرأ الباقون (بينكم) رفعًا.
قال أبو منصور: وروى أبو حاتم لأبي عمرو بن العلاء قال: من قرأ (بينكم) لم يجز إلا بموصول كقولك: لقد تقطع ما بينكم.
ولا يجوز حذف الموصول وبقاء الصلة، لا تجيز العرب (إن قام زيد) بمعنى: أن الذي قام زيد.
وروى أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي أنه قال: من قرأ (بينكم) فمعناه: لقد تقطع الذي كان بينكم.
قال أبو إسحاق: المعنى لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم.
[معاني القراءات وعللها: 1/371]
ومن قرأ (لقد تقطّع بينكم) بالرفع فمعناه: لقد تقطع وصلكم، والبين في كلام العرب يكون وصلاً، ويكون فراقًا.
وأجود القراءتين الرفع.
وقال الفراء: في قراءة عبد الله (لقد تقطّع ما بينكم) قال: وهو وجه الكلام إذا جعل الفعل لـ (بين) ترك نصبا، كما قالوا: أتاني دونك من الرجال. فترك نصبًا، وهو في موضع رفع؛ لأنه صفة، فإذا قالوا: هذا دونٌ من الرجال، رفعوه، وهو في موضع الرفع، وكذلك يقول: بين الرجلين بين بعيد، وبون بعيد، إذا أفردته أجريته بالعربية). [معاني القراءات وعللها: 1/372]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {لقد تقطع بينكم} [94].
قرأ نافع والكسائي وحفص عن عاصم {بينكم} بالنصب جعلوه ظرفًا. وفي حرف عبد الله تصديقه {لقد تقطع ما بينكم} وقرأ الباقون: {بينكم}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/164]
بالضم أي: وصلكم، جعلوه اسمًا كما يقال: جاءني رجل دونك، وهذا رجل دون أي: خسيس.
قال الشاعر:
كأن رماحهم أشطان بئر = بعيد بين جاليها جرور
يقال: بينهما بون بعيد، وبين بعيد، والبين: مصدر بان يبين بينًا، والبين بالكسر قدر مد البصر من الأرض وأنشد:
بسرو حمير أبوال البغال به = أني تسديت وهنًا ذلك البينا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع النّون ونصبها من قوله: عزّ وجل:
[الحجة للقراء السبعة: 3/356]
لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم. في رواية أبي بكر، وابن عامر وحمزة: لقد تقطع بينكم رفعا.
وقرأ نافع والكسائيّ بينكم نصبا. وكذلك روى حفص عن عاصم بالنّصب أيضا.
[قال أبو علي]: البين مصدر بان يبين إذا فارق، قال:
بان الخليط برامتين فودّعوا... أو كلّما ظعنوا لبين تجزع
وقال أبو زيد: بان الحيّ بينونة وبينا: إذا ظعنوا، وتباينوا تباينا: إذا كانوا جمعا، فتفرقوا. قال: والبين: ما ينتهي إليه بصرك من حائط وغيره.
واستعمل هذا الاسم على ضربين: أحدهما أن يكون اسما متصرفا كالافتراق. والآخر: أن يكون ظرفا. فالمرفوع في
[الحجة للقراء السبعة: 3/357]
قراءة من قرأ لقد تقطع بينكم هو الذي كان ظرفا ثم استعمل اسما.
والدليل على جواز كونه اسما قوله: ومن بيننا وبينك حجاب [فصلت/ 5]، و: هذا فراق بيني وبينك [الكهف/ 78]، فلما استعمل اسما في هذه المواضع. جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو تقطع* في قول من رفع. ويدلّ على أن هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفا أنّه لا يخلو من أن يكون الذي هو ظرف اتسع فيه، أو يكون الذي هو مصدر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم، لأن التقدير يصير: لقد تقطّع افتراقكم. وهذا، مع بعده عن القصد، خلاف المعنى المراد، ألا ترى أنّ المراد: لقد تقطّع وصلكم وما كنتم تتألفون عليه.
فإن قلت: كيف جاز أن يكون بمعنى الوصل، وأصله الافتراق والتباين، وعلى هذا قالوا:
بان الخليط....
إذا فارق،
وفي الحديث «ما بان من الحيّ فهو ميتة».
قيل: إنه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين في نحو:
[الحجة للقراء السبعة: 3/358]
بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة، صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة على خلاف الفرقة، فلهذا جاء: لقد تقطع بينكم بمعنى: لقد تقطّع وصلكم.
ومثل بين في أنه يجري في الكلام ظرفا، ثم يستعمل اسما: «وسط» الساكن العين، ألا ترى أنّك تقول: جلست وسط القوم، فتجعله ظرفا، لا يكون إلّا كذلك، ثم استعملوه اسما في نحو قول القتّال:
من وسط جمع بني قريط بعد ما... هتفت ربيعة يا بني جوّاب
وقال آخر:
أتته بمجلوم كأنّ جبينه... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا
فجعله مبتدأ وأخبر عنه، كما جرّه الآخر بالحرف الجارّ.
وحكى سيبويه: هو أحمر بين العينين.
فأمّا من قال: لقد تقطع بينكم بالنصب ففيه مذهبان:
[الحجة للقراء السبعة: 3/359]
أحدهما: أنه أضمر الفاعل في الفعل ودلّ عليه مما تقدّم في قوله: وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء [الأنعام/ 94]، ألا ترى أن هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر؟ وذلك أن المضمر هو الوصل كأنّه قال: لقد تقطّع وصلكم بينكم.
وقد حكى سيبويه: أنّهم قالوا: إذا كان غدا فائتني، فأضمر ما كانوا فيه من بلاء أو رخاء، لدلالة الحال عليه، فصار دلالة الحال عليه بمنزلة جري الذكر وتقدّمه.
والمذهب الآخر: انتصاب البين في قوله: لقد تقطع بينكم على شيء يقوله أبو الحسن، وهو أنه يذهب إلى أن قوله: لقد تقطع بينكم إذا نصب يكون معناه معنى المرفوع، فلمّا جرى في كلامهم منصوبا ظرفا، تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام وكذلك يقول في قوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]، وكذلك يقول في قوله: وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك [الجن/ 11]، فدون في موضع
[الحجة للقراء السبعة: 3/360]
رفع عنده، وإن كان منصوب اللفظ، ألا ترى أنك تقول: منا الصّالح ومنّا الطّالح فترفع). [الحجة للقراء السبعة: 3/361]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لقد تقطع بينكم}
قرأ نافع والكسائيّ وحفص {لقد تقطع بينكم} بالفتح أي لقد تقطع ما بينكم كذا قال أهل الكوفة واستدلّوا عليه بقراءة عبد الله لأن في قراءته (لقد تقطع ما بينكم) ف ما عندهم موصولة وبين صلة وحذفوا الموصول وهو ما وبقيت الصّلة وهي بينكم
[حجة القراءات: 261]
وعند أهل البصرة غير جائز هذا لأن الصّلة والموصول اسم واحد ومحال أن يحذف صدر الاسم ويبقى آخر الاسم ولكن التّقدير لقد تقطع الأمر بينكم والسّبب بينكم لأن الأمر والسّبب ليسا ممّا يحتاج إلى صلة ف بين إذا نصب على الظّرف عند أهل البصرة والكوفة وإنّما اختلفوا في تقدير الكلام). [حجة القراءات: 262]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (45- قوله: {لقد تقطع بينكم} قرأه نافع والكسائي وحفص بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من رفع أنه جعل «البين» اسمًا غير ظرف، فأسند الفعل إليه، فرفعه به، ويقوي جعل «بين» اسما دخول حرف الجر عليه، في قوله: {ومن بيننا وبينك حجابٌ} «فصلت 5»، و{هذا فراق بيني وبينك} «الكهف 78» ولا يحسن أن يكون مصدرًا، وترفعه بالفعل، لأنه يصير المعنى، لقد تقطع افتراقكم، وإذا انقطع افتراقهم لم يفترقوا، فيحول المعنى، وينقلب المراد، وإنما تم على أنهم تفرقوا، وأصل «بين» أن تبين عن الافتراق، وقد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/440]
استعملت في هذا الموضع وغيره، إذا ارتفعت، بمعنى الوصل، والمعنى: لقد تقطع وصلكم، وإذا تقطع وصلهم افترقوا، وهو المعنى المقصود إليه، وإنما استعملت بضد ما بنيت عليه، بمعنى الوصل؛ لأنها تستعمل كثيرًا مع السببين المتلابسين، بمعنى الوصل، تقول: بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة، فلما استعملت في هذه المواضع بمعنى الوصل جاز استعمالها في الآية كذلك.
46- وحجة من نصب أنه جعله ظرفًا، والتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم. ودل على حذف الوصل قوله: {وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء}، فدل هذا على التقاطع والتهاجر بينهم وبين شركائهم، إذ تبرؤوا منهم، ولم يكونوا معهم، وتقاطعهم لهم هو ترك وصلهم لهم، فحسن إضمار الوصل بعد «تقطع» لدلالة الكلام عليه، وفي حرف ابن مسعود ما يدل على النصب فيه قرأ: «لقد تقطع ما بينكم» وهذا لا يجوز فيه إلا النصب، لأنك ذكرت التقطع، وهو ما كأنه قال: لقد تقطع الوصل بينكم، ويجوز أن تكون القراءة بالنصب كالقراءة بالرفع، على أن «بينا» اسم، لكنه لما كثر استعماله ظرفًا منصوبًا جرى في إعرابه، في حال كونه غير ظرف على ذلك، ففتحن وهو في موضع رفع، هو مذهب الأخفش، فالقراءتان على هذا بمعنى واحد، فاقرأ بأيهما شئت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/441]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [آية/ 94] نصب:-
قرأها نافع والكسائي و-ص- عن عاصم.
والوجه أن {بَيْنَكُمْ} ظرف، والفاعل ضمير، والتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم، فأضمر الوصل لدلالة ما قبله من الكلام عليه.
ويجوز أن يكون على مذهب أبي الحسن، وذلك أن يكون {بَيْنَكُمْ} وإن كان منصوب اللفظ فإنه مرفوع الموضع؛ لأنه لما جرى في كلامهم ظرفًا تركوه على نصبه، وإن كان في موضع رفع، كما قال {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} فقوله {دُونَ ذَلِكَ} في موضع رفع، وإن كان منصوب اللفظ، وقرأ الباقون {بَيْنَكُمْ} رفع.
والوجه أنه وإن كان في الأصل ظرفًا، فإنه استعمل ههنا اسمًا، وأخرج عن كونه ظرفًا، ولهذا جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو {تُقَطَّعَ}، والمعنى: لقد تقطع وصلكم، وإنما جاز أن يعني به الوصل؛ لأن الوصل مما يكون بين الاثنين فجعل بينا لما كان يقع في البين). [الموضح: 487]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #27  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 07:50 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (95) إلى الآية (99) ]
{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)}

قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجاعل اللّيل سكنًا... (96).
قرأ الكوفيون: (وجعل اللّيل سكنًا) نصبا، وقرأ الباقون: (وجاعل اللّيل سكنًا) بالخفض.
قال أبو منصور: من قرأ (وجعل اللّيل) نصبه بالفعل؛ لأنه مفعول به، ونصب (سكنًا) لأنه مفعول ثان.
ومن قرأ (وجاعل اللّيل) خفض الليل للإضافة إليه.
[معاني القراءات وعللها: 1/372]
وأما انتصاب قوله: (والشمس والقمر حسبانًا) على قراءة من قرأ (وجاعل الليل) فإنه عطف الشمس والقمر على موضع النصب في قوله (وجاعل الليل) لأن معناه: وجاعل الليل، وكذلك نصب (سكنًا).
وقال الفراء: (الليل) في موضع فصبٍ في المعنى، فرد الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما بقوله: (سكنًا) قال: وإذا لم يفرق بينهما بشيء آثروا الخفض، وقد يجوز النصب وإن لم يحل بينهما بشيء أنشدونا:
وبينا نحن ننظره أتانا... معلق شكوةً وزناد راعٍ
فعطف (زناد) على (شكوة)؛ لأن معناها النصب، كأنه قال: معلقًا شكوةً). [معاني القراءات وعللها: 1/373]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا} [96].
قرأ أهل الكوفة {وجعل الليل} فعلاً ماضيًا.
وقرأ الباقون {وجعل الليل} جعلوه اسم الفاعل مثل ضارب وفالق، ورد فاعل على فاعل أحسن من رد فعل على فاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله [عز وجل]: وجاعل الليل سكنا [الأنعام/ 96].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وجاعل الليل سكنا بألف.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: وجعل الليل سكنا بغير ألف.
وجه قول من قال: جاعل* أن قبله اسم فاعل: إن الله فالق الحب والنوى... فالق الإصباح وجاعل، ليكون فاعل المعطوف مثل، فاعل المعطوف عليه، ألا ترى أنّ حكم الاسم أن يعطف على اسم مثله، لأن الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم.
وقد رأيتهم راعوا هذه المشاكلة في كلامهم، وذلك نحو ما جاء في قوله: يدخل من يشاء في رحمته، والظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان/ 31]، وقوله: وكلا ضربنا له الأمثال [الفرقان/ 39]، وفريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة [الأعراف/ 30]، نصبوا كلّ هذه الأسماء التي اشتغل عنها الفعل، ليكون القارئ بنصبها كالعاطف جملة من فعل
[الحجة للقراء السبعة: 3/361]
وفاعل على جملة من فعل وفاعل، وكما أن الفعل بالفعل أشبه من المبتدأ بالفعل، كذلك الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم، وإذا كان كذلك كان جاعل الليل أولى من جعل، ويقوي ذلك قولهم:
للبس عباءة وتقرّ عيني...
وقوله:
ولولا رجال من رزام أعزّة... وآل سبيع أو أسوءك علقما
ومن قرأ: وجعل فلأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضيّ، فلما كان (فاعل) بمنزلة (فعل) في المعنى عطف عليه فعل لموافقته إياه في المعنى، ويدلّك على أنه بمنزلة (فعل)
[الحجة للقراء السبعة: 3/362]
أنه نزل منزلته فيما عطف عليه، وهو قوله: والشمس والقمر حسبانا [الأنعام/ 96] ألا ترى أنه لما كان المعنى فعل، حمل المعطوف على ذلك، فنصب الشمس والقمر على فعل كما كان فاعل كفعل. ويقوي ذلك قولهم: هذا معطي زيد درهما أمس. فالدرهم محمول على أعطى، لأن اسم الفاعل، إذا كان لما مضى، لم يعمل عمل الفعل، فإنما جعل معط بمنزلة أعطى فكذلك جعل: فالق الإصباح [الأنعام/ 96] بمنزلة فلق، لأنّ اسم الفاعل لما مضى، فعطف عليه فعل، لمّا كان بمنزلته فأما قول الشاعر:
قعودا لدى الأبواب طلّاب حاجة... عوان من الحاجات أو حاجة بكرا
فليس يوافق الآية لأنّ طلاب جمع اسم فاعل، الذي يراد به الحال، وإنّما حذف التنوين مستخفّا، وحمل حاجة على اسم الفاعل الذي للحال، واسم الفاعل في الآية لما مضى). [الحجة للقراء السبعة: 3/363]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنا والشّمس والقمر حسبانا}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {وجعل اللّيل سكنا} بغير ألف
وقرأ الباقون (وجاعل اللّيل) بالألف وكسر اللّيل وحجتهم قوله {فالق الإصباح} فأجروا (جاعل اللّيل) على لفظ ما تقدمه إذ أتى في سياقه ونصبوا {والشّمس والقمر} على تأويل وجعل الشّمس والقمر حسبانا قال الزّجاج لأن في {جاعل} معنى جعل وبه نصب {سكنا} قال أبو عمرو ونصب {الشّمس والقمر} على الإتباع لما قلت {سكنا} أتبعت النصب النصب
وحجّة من قرأ {وجعل اللّيل سكنا} هي أن الأفعال الّتي عطفت عليه جاءت بلفظ الماضي وهو قوله بعدها {وهو الّذي جعل لكم النّجوم} {وهو الّذي أنشأكم} {وهو الّذي أنزل} فلأن تكون معطوفة على شبهها ويكون ما تقدمها جرى بلفظها أولى). [حجة القراءات: 262]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (47- قوله: {وجعل الليل سكنًا} قرأ الكوفيون «وجعل الليل» بغير ألف، ونصبوا «الليل» بالفعل، وحملوا «جعل» على معنى «فالق» في الموضعين؛ لأنه بمعنى «فلق» لأنه أمر قد كان فحمل «جعل» على المعنى وأيضًا فإن بعده أفعالًا ماضية، فحمل عليها، وهو قوله: {جعل لكم النجوم} «97» وقله: {أنزل من السماء ما} «99» وكذلك ما بعده: فحمل أول الكلام على آخره في «فعل»، لتكرر ذلك، ويقوي ذلك إجماعهم على نصب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/441]
«الشمس» وما بعده على إضمار «فعل» ولم يحملوه على فاعل، فيخفضوه، فأجري ما قبله عليه، للمشاكلة لما بعده، وقرأ الباقون «جاعل» على العطف على «فاعل» الذي قبله، وخفض «الليل» فشاكلوا بينه وبين ما قبله في اللفظ، كما شاكل من قرأ «جعل» بينه وبين ما بعده في المعنى، ويقوي ذلك أن حكم الأسماء أن تعطف عليها أسماء مثلها، فكان عطف «فاعل» على «فاعل» أولى من عطف «فعل» على «اسم»، والقراءتان بمعنى واحد، فجاء على تقوية ما قبله، و«جعل» يقويه ما بعده، فاقرأ بأيهما شئت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/442]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [آية/ 96] بغير ألف، فعلاً ماضيًا، {اللَّيْلَ} نصب:
قرأها الكوفيون.
والوجه أن الذي عطف هذا عليه اسم فاعل بمعنى المضي، وهو قوله تعالى {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}، والمعنى: فلق الإصباح وجعل الليل سكنا، فهو في التقدير: عطف فعل ماض على فعل ماض.
وقرأ الباقون {وَجَاعَلَ اللَّيْلَ} بالألف على فاعل، {اللَّيْلَ} خفض.
والوجه أن ما قبله اسم فاعل، فعطف اسم فاعل على اسم فاعل، وهو قوله {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} وما قبله أيضا اسم فاعل، وهو قوله {إِنَّ الله فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} وهذا أقرب إلى التناسب؛ لأنه عطف اسم على اسم مثله). [الموضح: 488]

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فمستقرٌّ ومستودعٌ... (98).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (فمستقرٌّ ومستودعٌ) بكسر القاف وقرأ الباقون بفتحها.
[معاني القراءات وعللها: 1/373]
قال أبو منصور: من قرأ (فمستقرٌّ) بفتح القاف عنى به: الرحم، وهو موضع استقرار الولد، فيه ما يولد، وقوله (ومستودع): صلب الرجل، مستودع للمني الذي خلق الولد منه.
ومن قرأ (فمستقرٌّ) بكسر القاف عنى به: الولد القار في الرحم إلى وقت الولد). [معاني القراءات وعللها: 1/374]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {فمستقر ومستودع} [98].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {فمستقر} بالكسر.
وقرأ الباقون بالفتح. فمن كسر جعل الفعل له؛ لأنه يقال: قر الشيء يقر واستقر يستقر بمعنى واحد {ومستودع} مفتوح لا غير. وإنما ارتفاع؛ لأن تقديره: فمنكم مستقر ولكم مستودع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر القاف وفتحها من قوله تعالى: فمستقر [الأنعام/ 98].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فمستقر بكسر القاف.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائيّ: فمستقر بفتح القاف.
قال سيبويه: قالوا: قرّ في مكانه واستقرّ، كما قالوا: جلب الجرح وأجلب، يريد بهما شيئا واحدا. فكما بني هذا على فعلت، بني هذا على استفعلت، فمن كسر القاف كان المستقرّ بمعنى القارّ.
وإذا كان كذلك وجب أن يكون خبره المضمر منكم، أي: منكم مستقرّ، كقولك: بعضكم مستقرّ، أي: مستقرّ في الأرحام، وقال: يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق [الزمر/ 6]، كما قال: وقد خلقكم أطوارا [نوح/ 14].
ومن فتح مستقر* فليس على أنه مفعول به. ألا ترى أنّ استقرّ لا يتعدى؟، وإذا لم يتعدّ لم يكن منه اسم
[الحجة للقراء السبعة: 3/364]
مفعول به، وإذا لم يكن مفعولا به كان اسم مكان، فالمستقرّ بمنزلة المقرّ كما أن المستقرّ بمنزلة القارّ، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون خبره المضمر منكم، كما جاز ذلك في قول من كسر القاف، فإذا لم يجز ذلك جعلت الخبر المضمر لكم، فيكون التقدير: لكم مقرّ.
وأما المستودع فإن استودع فعل يتعدى إلى مفعولين، تقول: استودعت زيدا، وأودعت زيدا ألفا، فاستودع مثل أودع كما أن استجاب بمنزلة أجاب والمستودع يجوز أن يكون الإنسان الذي استودع ذلك المكان ويجوز أن يكون المكان نفسه، فمن قرأ: فمستقر بفتح القاف، جعل المستودع مكانا ليكون مثل المعطوف عليه، أي: فلكم مكان استقرار ومكان استيداع.
ومن قرأ: فمستقر فالمعنى: منكم مستقرّ في الأرحام، ومنكم مستودع في الأصلاب، فالمستودع اسم المفعول به فيكون مثل المستقرّ في أنه اسم لغير المكان فعلى هذا يوجّه). [الحجة للقراء السبعة: 3/365]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وهو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {فمستقر} بكسر القاف جعلا الفعل
[حجة القراءات: 262]
له أي فمنكم مستقر ومنكم مستودع تقول قر الشّيء يقر واستقر يستقرّ بمعنى واحد وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال فمستقر في الرّحم يعني الولد ومستودع في أصلاب الرّجال كما تقول هذا ولد مستقر في رحم أمه وأنا مستقر في مكان كذا وعن الحسن البصريّ قال مستقر في القبر ومستودع في الدّنيا يوشك أن يلحق بصاحبه قال الزّجاج وجائز أن يكون فمستقر أي فمنكم مستقر في الأحياء ومنكم مستودع في الثرى فجعل أبو عمرو المستقر فاعلا والمستودع مفعولا
وقرأ الباقون {فمستقر} بالفتح وحجتهم إجماع الجميع على فتح الدّال في مستودع على معنى أن الله استودعه فكذلك مستقر موجه إلى أن الله استقره في مقره فهو مستقر كما هو مستودع في مستودعه وقوله {ويعلم مستقرها ومستودعها} يشهد للفتح
والوجهان يتداخلان لأن الله إذا أقره استقر ولا شكّ أنه لا يستقرّ حتّى يقره فهو مفعول وفاعل
قال الزّجاج أما رفع فمستقر ومستودع فعلى معنى لكم مستقر ولكم مستودع أي فلكم في الأرحام مستقر ولكم في الأصلاب مستودع وجائز أن يكون مستقر في الدّنيا ومستودع في الأصلاب لم يخلق بعد). [حجة القراءات: 263]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (48- قوله: {فمستقر} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر القاف، جعلاه اسمًا غير ظرف، على معنى: فمستقر في الأرحام، بمعنى قار في الأرحام، لأن «قر واستقر» بمعنى لا يتعديان، ورفعه بالابتداء، والخبر محذوف، لأن «قر واستقر» بمعنى لا يتعديان، ورفعه بالابتداء، والخبر محذوف، أي: فمنكم مستقر، أي: فمنكم قار في الأرحام، أي: بعضكم قار في الأرحام، وبعضكم مستودع في الأصلاب، وقيل: في القبور، وهذا المستودع، في قراءة من كسر القاف، هو الإنسان بعينه، فتعطف اسمًا على اسم، كما قال: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق} «الزمر 6» وقرأ الباقون بفتح القاف، جعلوه اسم مكان، ورفعه أيضًا بالابتداء، والخبر محذوف كالأول، والتقدير: فلكم مستقر، أي: مقر، أي مكان تقرون فيه، وتسكنون فيه، ويكون «مستودع» أيضًا اسم مكان، على معنى: فلكم استقرار مكان استيداع، «فمستقر» في قراءة من فتح القاف، ليس هو الإنسان، إنما ه اسم لمكان الإنسان، والمعنى: فلكم مستقر في الأرحام مستودع في الأصلاب، على معنى: استقرار ومكان استيداع، فتعطف مكانًا على مكان، وهو الاختيار، لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/442]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {فَمُسْتَقَرٌّ} [آية/ 98] بكسر القاف:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب إلا رويسا.
والوجه أنه أراد منكم مستقر في الأرحام، وهو اسم الفاعل من استقر، {وَمُسْتَوْدَعٌ} بفتح الدال لا غير، أي ومنكم مستودع في الأصلاب، فالمستودع اسم المفعول به.
[الموضح: 488]
وقرأ الباقون {فَمُسْتَقَرٌّ} بفتح القاف، وكلهم فتح الدال من {مُسْتَوْدَعٌ}.
والوجه في: مستقر بالفتح أن المراد فلكم مستقر، أي موضع استقرار، ومستودع أي موضع استيداع، وكلاهما للموضع، فالمعطوف مثل المعطوف عليه). [الموضح: 489]

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجنّاتٍ من أعنابٍ... (99).
روى الأعشى عن أبي بكر (وجنّاتٌ) رفعًا، وقرأ الباقون (وجنّاتٍ) كسرًا.
قال أبو منصور: من قرأ (وجنّاتٌ) عطفها على قوله: (ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانية وجناتٌ)، ومن قرأ (وجنّاتٍ من أعنابٍ فهو في موضع النصب، معطوف على قوله (فأخرجنا منه خضرًا... وجناتٍ من أعنابٍ)، والقراءة عليه.
[معاني القراءات وعللها: 1/374]
والجنة: البستان. وكل نبتٍ يتكاثف ويستر بعضه بعضًا فهو جنّة، من جننت الشيء، إذا سترته). [معاني القراءات وعللها: 1/375]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه... (99)
قرأ حمزة والكسائي (إلى ثمره) و(ليأكلوا من ثمره) و(كلوا من ثمره) بضم الثاء والميم.
وقرأ الباقون بفتحهما.
وافترقوا في الكهف: فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي (وكان له ثمرٌ) و(أحيط بثمره) بضمتين، وقرأ أبو عمرو في الكهف (وكان له ثمر) و(أحيط بثمره) بضم الثاء وسكون الميم، وقرأ عاصم: (وكان له ثمرٌ) و(أحيط بثمره) بفتحتين.
وقرأ الحضرمي (وكان له ثمرٌ) بفتحتين، و(أحيط بثمره) بضمتين.
قال أبو منصور: من قرأ ثمرًا وثمرًا فمعناهما واحد، هما جمع ثمرة ومن قرأ (إلى ثمره) فهو جمع الثمرة، وتجمع ثمار. والثمر: اسم للجنس، وأثمار الشجر: عقده أول ما يعقد، فهو مثمر، قبل النضج، فإذا
[معاني القراءات وعللها: 1/375]
قيل: ثامر، فمعناه: النضج). [معاني القراءات وعللها: 1/376]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} [99].
قرأ حمزة والكسائي {ثمره} بضم الثاء ولاميم.
وقرأ الباقون بالفتح فثمرة وثمر مثل شجرة وشجر، الواحدة بالهاء والجمع بحذف الهاء، وثمر: جمع ثمار وثمر مثل حمار وحمر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الثاء، والميم من قوله: انظروا إلى ثمره [الأنعام/ 99]، ومن ثمره [الأنعام/ 141]، و ليأكلوا من ثمره [يس/ 35]، في الفتح فيها والضم.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم بالفتح في ذلك كلّه.
وقرأ حمزة والكسائيّ بالضم في ذلك.
وجه قول من فتح فقال: من ثمره:
أن سيبويه يرى: أن الثّمر جمع ثمرة، ونظيره فيما قال: بقرة وبقر وشجرة وشجر، وجزرة وجزر، ويدل على أن واحد الثمر ثمرة قوله: ومن ثمرات النخيل والأعناب [النحل/ 67]، وقد كسّروه على فعال فقالوا ثمار، كما قالوا:
أكمة وإكام، وجذبة وجذاب، ورقبة ورقاب.
وأما قول حمزة والكسائيّ: من ثمره*، فإنه يحتمل وجهين: الأبين أن يكون جمع ثمرة على ثمر، كما جمعوا
[الحجة للقراء السبعة: 3/366]
خشبة على خشب في قوله: كأنهم خشب مسندة [المنافقون/ 4] وكذلك أكمه وأكم، في نحو قوله:
نحن الفوارس يوم ديسقة ال... مغشو الكماة غوارب الأكم
ونظيره من المعتل: ساحة وسوح، وقارة وقور، ولابة ولوب، وناقة ونوق. قال أبو عمر: أنشدنا الأصمعيّ لرجل من هذيل.
وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما... أو يسرحوه بها واغبرّت السوح
والآخر أن يكون جمع ثمارا على ثمر فيكون: ثمر جمع الجمع، وجمعوه على فعل، كما جمعوه على فعائل في
[الحجة للقراء السبعة: 3/367]
قولهم: جمال وجمائل قال:
وقرّبن بالزّرق الجمائل بعد ما... تقوّب عن غربان أوراكها الخطر
ولم أعلم سيبويه ذكر تكسيره على فعل، وإن كان قد حكى تكسيره على فعائل، ولا يمتنع في القياس، ألا ترى أن فعلا جمع للكثير كما أن فعائل جمع له، وجمعوه بالألف والتّاء أيضا في قول من قرأ: كأنه جمالات صفر [المرسلات/ 33].
وأنشد بعض البغداديين:
أحبّ كلب في كلابات الناس... إليّ نبحا كلب أمّ العبّاس
فأما قول الشاعر:
كنّا بها إذ الحياة حيّ فليس حيّ بجمع حياة: كبدنة وبدن، وقارة وقور، إنما الحيّ مصدر كالعيّ، ولو كان جمعا على فعل لجاز في فائه
[الحجة للقراء السبعة: 3/368]
الضمّ والكسر، كما قالوا: قرن ألوى، وقرون ليّ وليّ.
قال: اختلفوا في سورة الكهف، فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائيّ، وكان له ثمر [الكهف/ 34]، وأحيط بثمره [الكهف/ 42] بضمتين.
وقرأ أبو عمرو: بثمره بضمّة واحدة وأسكن الميم.
وقرأ عاصم: وكان له ثمر، وأحيط بثمره، بفتح الثاء والميم فيهما.
أمّا حمزة والكسائيّ فقراءتهما في ذلك كقراءتهما فيما تقدّم، وابن كثير ونافع وابن عامر أخذوا بذلك في هذا الموضع لأن اللفظتين جميعا للجمع، ألا ترى أن الثمر جمع كما كان الثمر كذلك.
ووافقهم أبو عمرو في الأخذ بالجمع الذي هو: فعل، إلّا أنه خفّف العين، كما خفف في بدنه وبدن، قال: والبدن جعلناها لكم [الحج/ 36] وكما قالوا: الأكم، في جمع أكمة في قوله:
ترى الأكم منه سجّدا للحوافر وعلى هذا قالوا: أسد وأسد. وقد فسّر الثّمر في سورة الكهف أنّه من تثمير المال.
[الحجة للقراء السبعة: 3/369]
وروي عن مجاهد: وكان له ثمر قال: ذهب وورق.
قال أبو علي: وكأنّ الذهب والورق، قيل له ثمر على التفاؤل، لأن الثمر نماء في ذي الثمر، ولا يمتنع أن يكون الثّمر جمع ثمرة، كما قدّمنا، ويدلّ على ذلك أن عاصما قرأ:
وكان له ثمر في الموضعين في الكهف. وكأنّ الثمر الذي هو الجنا أشبه في التفسير من الذهب والورق لأنّه أشدّ مشاكلة بالمذكور معه. ألا ترى أنه قال: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل...
وفجرنا خلالهما نهرا، وكان له ثمر، فقال لصاحبه [الكهف/ 32، 34] فالثمر الذي هو الجنا أشبه بالنخيل والأعناب، من الذهب والورق منهما وأشدّ مشاكلة، ويقوّي ذلك قوله في الأخرى في وصف جنّة: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب... له فيها من كل الثمرات [البقرة/ 266].
فكما أنّ الثمرات في هذه لا تكون إلّا الجنا، كذلك في الأخرى يكون إياه. ويقوي أن الثمر ليس بالذهب والورق هنا قوله: وأحيط بثمره، والإحاطة به إهلاك له، واستئصال بالآفة التي حلت بها كما حلّت بالأخرى في قوله: فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت [البقرة/ 266]، وكما قال: فأصبحت كالصريم [القلم/ 20]
[الحجة للقراء السبعة: 3/370]
أي: سوداء كسواد الليل بالاحتراق، ويقوي ذلك قوله فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها [الكهف/ 42]، والإنفاق في الأمر العام إنّما يكون من الورق لا من الشجر.
قال: وقرأ عاصم: وكان له ثمر وأحيط بثمره بفتح الثاء والميم فيهما لأنّ ثمر* جمع، كما أنّ ثمر كذلك.
ويدلّك على أن الثّمر ونحوه جمع قوله: وينشئ السحاب الثقال [الرعد/ 12]، وقوله: كأنهم أعجاز نخل خاوية [الحاقة/ 7]. وإنما جاء التأنيث لمعنى الجمع، كما جاء التذكير في نحو: من الشجر الأخضر [يس/ 80]، وأعجاز نخل منقعر [القمر/ 20]، على تذكير اللفظ، وإن كان المعنى الجمع.
وقد يجوز أن يكون ثمر* جمع ثمر، لأن سيبويه قد حكى: ثمر، وجاز أن يكون ثمر جمع على ثمر كما جمع فعل على فعل وذلك قولهم: نمر ونمر قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/371]
فيه عياييل أسود ونمر والأول الوجه لأنه الأكثر كما رأيت). [الحجة للقراء السبعة: 3/372]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج: [قَنْوَان] بالفتح.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون قَنْوَان هذا اسمًا للجمع غير مكسر، بمنزلة رَكْب عند سيبويه والجامل والباقر؛ وذلك أن فَعْلان ليس من أمثلة الجمع.
[المحتسب: 1/223]
وقرأت على أبي علي في بعض كتب أبي زيد قوله:
خلع الملوك وسار تحت لوائه ... شَجَرُ العُرا وعُرَاعِرُ الأقوام
وقال أبو زيد: عُراعِر جمع عُرْعُرة، فقلت لأبي علي: كيف يكون هذا وأوله مضموم؟ فقال -يعني أبو زيد: إنه اسم للجمع يفيد مفاد التكسير). [المحتسب: 1/224]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبا متراكبا ومن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب} {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه}
[حجة القراءات: 263]
قرأ الأعشى عن أبي بكر {وجنات} قال الفراء ولو رفعت الجنات تتبع القنوان كان صوابا
وقرأ الباقون {جنّات} نصب نسق على قوله {خضرًا} أي فأخرجنا من الماء خضرًا وجنات من اعناب
قرأ حمزة والكسائيّ {انظروا إلى ثمره} بضم الثّاء والميم أراد جمع الجمع تقول ثمرة وثمار وثمر كما تقول أكمة وإكام وأكم
وقرأ الباقون {ثمرة} بفتح الثّاء والميم جمع ثمرة مثل بقر وبقرة وشجرة وشجر). [حجة القراءات: 264]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (49- قوله: {إلى ثمره} قرأ حمزة والكسائي بضم الثاء والميم، في موضعين ههنا، وفي موضع في يس، جعلاه جمع «ثمرة» كخشبة وخشُب، ويجوز أن يكون جمع «ثمار» كحمار وحُمر، وثمار جمع ثمرة كأكمة وإكام، فهو جمع جمع الجمع على هذا، وقرأ الباقون بفتح الثاء والميم، جعلوه جمع تمرة كبقرة وبقر، ما بين واحدة وجمه الهاء، والقراءتان حسنتان، وقد شرحنا هذا في الكهف بأشبع من هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/443]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ} [آية/ 99] مضمومة الثاء والميم:-
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ}، وفي الكهف {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} و{أُحِيطَ بِثَمَرِهِ}، وفي يس {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} كل ذلك بضمتين.
والوجه أنه يجوز أن يكون جمع ثمرة على ثمر، كما قيل خشبة وخشب، ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمار ككتاب وكتب، وثمار جمع ثمرة، فثمر على هذا جمع الجمع.
وقرأ عاصم ويعقوب {ثَمَرِ} و{ثَمَرِهِ} كه بفتح الثاء والميم فيهن، إلا في رواية -يس- في {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} فإنه ضم الثاء والميم.
والوجه في الفتحتين أن الثمر جمع ثمرة كبقر في جمع بقرة وشجر في
[الموضح: 489]
جمع شجرة، وما كان من هذا النوع من الجمع أعني ما بين واحده وجمعه الهاء، فإن أكثر النحويين يسمونه جنس وليس بجمع.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر في الأنعام ويس بالفتحتين وفي الكهف بالضمتين، وكذلك أبو عمرو إلا أنه يسكن الميم في الكهف في الحرفيين.
والوجه أنهم أرادوا الأخذ باللغتين جميعًا، فالحكم واحد في المواضع، فاللفظان جميعًا للجمع، وأما تسكين أبي عمرو الميم فإنه تخفيف؛ لأن فعلا بضم العين قد يخفف العين منه، كما قالوا في بدن بدن وأسد أسد). [الموضح: 490]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #28  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:37 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (100) إلى الآية (103) ]
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ... (100).
قرأ نافع (وخرّقوا له) مشددًا، وقرأ الباقون (وخرقوا) خفيفًا.
قال أبو منصور: التخفيف هو الوجه، يقال: خرق فلان الكذب، واخترقه. وخلقه، واختلقه. وخرصه، واخترصه، إذا افتراه، ومن شدد فقرأ (وخرّقوا) فالمعنى: أنهم أبدأوا في ذلك وأعادوا، لأن التشديد للكثرة. والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 1/376]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {وخرقوا له بنين وبنات} [100].
قرأ نافع وحده {وخرقوا} بتشديد الراء.
والباقون يخففون. فخرقوا واخترقوا وخلقوا واختلقوا وبشكوا وابتشكوا وكذبوا بمعنى واحد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الراء وتخفيفها في قوله تعالى: وخرقوا له [الأنعام/ 100].
[فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ: وخرقوا له بنين وبنات، خفيفة].
وقرأ نافع وحده وخرقوا له مشددة الراء.
[قال أبو علي: قال] أبو عبيدة: وخرقوا له بنين وبنات أي: جعلوا له وأشركوه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/372]
اخترق واختلق، وابتشك سواء. وقال أحمد بن يحيى: خرّق واخترق. وقال أبو الحسن: الخفيفة أعجب إليّ، لأنها أكثر وبها أقرأ.
وقيل: إن المعنى أن المشركين ادّعوا الملائكة: بنات الله، والنّصارى: المسيح، واليهود: عزيرا.
ومن شدّد، فكأنه ذهب إلى التكثير). [الحجة للقراء السبعة: 3/373]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن يعمر: [وخَلْقَهم] بجزم اللام.
قال أبو الفتح: أي وخَلْق الجن، يعني ما يَخْلُقونه: ما يأفكون فيه ويتكذَّبونه. يقول: جعلوا له الجن شركاء، وأفعالهم شركاء أفعاله أو شركاء له إذا عَني بذلك الأصنام ونحوها). [المحتسب: 1/224]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عمر وابن عباس رضي الله عنهما: [وحَرَّفُوا له] بالحاء والفاء.
وقال أبو الفتح: هذا شاهد بكذبهم، ومثله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} وأصله من الانحراف؛ أي: الانعدال عن القصد، وكلاهما من حرْفِ الشيء؛ لأنه زائل عن المقابلة والمعادلة، وهو أيضًا معنى قراءة الجماعة: {وَخَرَقُوا} بالخاء والقاف، ومعنى الجميع: كَذبوا). [المحتسب: 1/224]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم}
قرأ نافع {وخرقوا} بالتّشديد أي مرّة بعد مرّة مثل قتل وقتل
وقرأ الباقون {وخرقوا} بالتّخفيف ومعنى خرقوا واخترقوا واختلقوا كذبوا). [حجة القراءات: 264]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (50- قوله: {وخرقوا} قرأه نافع بالتشديد، على التكثير، لأن المشركين ادعوا أن لله بنات، وهم الملائكة، والنصارى ادعت أن المسيح ابن الله، واليهود ادعت أن عزيرًا ابن الله، فكثير ذلك من كفرهم، فشدد الفعل لمطابقة المعنى تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وقرأ الباقون بالتخفيف؛ لأن التخفيف يدل على القليل والكثير، ومعنى خرق واخترق واختلق سواء، أي أحدث). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/443]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ} [آية/ 100] بتشديد الراء:-
قرأها نافع وحده.
والوجه أن ذهب بها إلى التكثير؛ لأن الفاعلين لهذا الفعل كثير، فإن المشركين قالوا الملائكة بنات الله، واليهود قالوا عزير ابن الله، والنصارى قالوا المسيح ابن الله.
وقرأ الباقون {وَخَرَقُوا} بالتخفيف.
والوجه أن فعل يحتمل الكثرة وغيرها، فيجوز أن يحمل على الكثرة، فيكون المعنى كالمعنى الأول؛ ولأنهم يقولون: خرق فلان الكذب واخترقه وخلقه واختلقه إذا افتراه، ولفظ الفعل مطلقا يدل على القليل والكثير، ثم إن فعل مشددًا يختص بالكثرة، وقد مضى مثله). [الموضح: 490]

قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم: [وَلَم يَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ] بالياء.
قال أبو الفتح: يحتمل التذكير هنا ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون في [يكن] ضمير اسم الله؛ أي: لم يكن الله له صاحبة، وتكون الجملة التي هي [له صاحبة] خبر كان.
والثاني: أن يكون في "يكن" ضمير الشأن والحديث على شريطة التفسير، وتكون الجملة بعده تفسيرًا له وخبرًا، كقولك: كان زيد قائم؛ أي: كان الحديث والشأن زيد قائم.
[المحتسب: 1/224]
والثالث: أن تكون "صاحبة" اسم "كان"، وجاز التذكير هنا للفصل بين الفاعل والفعل بالظرف الذي هو الخبر؛ كقولنا: كان في الدار هند.
ومثل ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: حضر القاضيَ اليوم امرأةٌ.
وأنا أرى أن تذكير "كان" مع تأنيث اسمها أسهل من تذكير الأفعال سواها وسوى أخواتها مع فاعليها.
وكان في الدار هند أسوغ من قام في الداره هند؛ وذلك أنه إنما احتيج إلى تأنيث الفعل عند تأنيث فاعله؛ لأن الفعل انطبع بالفاعل حتى اكتسى لفظه من تأنيثه، فقيل: قامت هند وانطلقت جُمْل، من حيث كان الفعل والفاعل يجريان مجرى الجزء الواحد، وإنما كان ذلك كذلك لأن كل واحد منهما لا يستغني عن صاحبه، فأنث الفعل إيذانًا بأن الفاعل الموقع بعده مؤنث، وليس كذلك حديث كان وأخواتها؛ لأنه ليست "كان" مع اسمها كالجزء الواحد، من قِبَل أنك لو حذفت "كان" لاستقل ما بعدها برأسه، فقلت في قولك: كان أخوك جالسًا: أخوك جالس، فلما أن قام ما بعدها برأسه، ولم يحتج إليها؛ لم يتصل به اتصال الفاعل بفعله، نحو: قام جفعر وجلس بِشر.
ألا تراك لو حذفت الفعل هنا لانفرد الفاعل جزءًا برأسه، فلم يستقل بنفسه استقلال الجملة بعد "كان" بنفسها؟ فلما لم تَقْوَ حاجته إلى "كان" قوة حاجة الفاعل إلى الفعل انحطت رتبته في حاجته إلى "كان"، فامتاز منها امتيازًا قد أحطنا به، فساغ لذلك ألا يلزم تأنيث "كان" لاسمها إذا كان مونثًا تأنيث الفعل لفاعله إذا كان مؤنثًا، ولم يذكر أحد من أصحابنا هذا، فافهمه؛ فإن هذه حاله). [المحتسب: 1/225]

قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}

قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #29  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:39 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (104) إلى الآية (108) ]
{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}

قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وليقولوا درست ولنبيّنه لقومٍ يعلمون (105).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (دارست) بألف.
وقرأ ابن عامر ويعقوب (درست) بسكون التاء، وقرأ الباقون، (درست) بغير ألف مع فتح التاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/376]
قال أبو منصور: من قرأ (دارست) بألف فتأويله: جادلت اليهود وجادلوك.
كذلك قال ابن عباس، وبه قرأ مجاهد، وفسره: قرأت على اليهود وقرأوا عليك.
ومن قرأ (درست) بسكون التاء فالمعنى: تقادمت، أي: هذا الذي تتلوه علينا قد تطاول ومر بنا وامتحي أثره من قلوبنا، كما تدرس الآثار.
ومن قرأ (درست) بفتح التاء بغير ألف فالمعنى: أنك تعلمت من يهود، على الخطاب للنبي صلى الله عليه، أرادوا: أنك قرأت كتب أهل الكتاب.
وكله جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/377]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- قوله تعالى: {وليقولوا درست} [105].
قرأ ابن كثير وأبو عمروو {درست} بألف على معنى قارأت وعالمت على فاعلت.
وقرأ ابن عامر {درست} على معنى إمحت وذهبت.
وقرأ الباقون {درست} أي: قرأت وتعلمت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله عزّ وجلّ: دارست [الأنعام/ 105].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: دارست بألف.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائيّ درست ساكنة السين بغير ألف.
وقرأ ابن عامر درست مفتوحة السين ساكنة التاء بغير ألف.
قال أبو زيد: درست، أدرس، دراسة، وهي القراءة قال: وإنما يقال ذلك إذا قرأت على غيرك، قال الأصمعي: أنشدني ابن ميادة:
[الحجة للقراء السبعة: 3/373]
يكفيك من بعض ازديار الآفاق... سمراء ممّا درس ابن مخراق
قال: درس يدرس، مثل داس يدوس، وقال بعضهم: سمراء: ناقته، ودرسها: رياضتها، قال: ودرس السورة من هذا. أي يدرسها لتخفّ على لسانه.
وجه من قرأ: دارست. أي: دارست أهل الكتاب وذاكرتهم، ويقوي ذلك: إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون [الفرقان/ 4].
فإن قيل: ليس في المصحف ألف، فإن الألف قد تحذف في المصحف في نحو هذا، ويقوي ذلك قوله: وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [الفرقان/ 5].
ووجه درست في حجّة هذه القراءة: أن أبيّا، وابن مسعود فيما زعموا قرآ درس وأسندا الفعل فيه إلى الغيبة، كما أسندا إلى الخطاب وهو فعل، من:
درست، كما أنّ دارست فاعلت منه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/374]
وقراءة ابن عامر درست مفتوحة السين ساكنة التاء فهو من الدّروس الذي هو: تعفّي الأثر، وامّحاء الرّسم.
قال أبو عبيدة: درست: امّحت، فأما اللام في قوله: وليقولوا درست فعلى ضربين: من قال: درست فالمعنى في: ليقولوا لكراهة أن يقولوا، ولأن لا يقولوا: درست. أي: فصّلت الآيات وأحكمت لئلا يقولوا إنّها أخبار وقد تقدّمت وطال العهد بها، وباد من كان يعرفها، كما قالوا: أساطير الأولين [الفرقان/ 5].
لأنّ تلك الأخبار، لا تخلو من خلل، فإذا سلم الكتاب منه لم يكن لطاعن موضع طعن. وأما من قرأ: دارست، ودرست فاللام على قولهم كالتي في قوله: ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8]، ولم يلتقطوه لذلك، كما لم تفصّل الآيات ليقولوا: درست، ودارست ولكن لمّا قالوا ذلك أطلق هذا عليه في الاتساع). [الحجة للقراء السبعة: 3/375]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف وقتادة، ورُويت عن الحسن: [دُرِسَتْ]، ابن مسعود وأُبي: [دَرَسَ]. ابن مسعود أيضًا: [دَرسْن].
[المحتسب: 1/225]
قال أبو الفتح: أما [دُرِسَتْ] ففيه ضمير الآيات، معناه: وليقولوا درستَها أنت يا محمد، كالقراءة العامة [دراسْتَ].
ويجوز أن يكون [دُرِسَتْ] أي: عفت وتنوسيت؛ لقراءة ابن مسعود: [دَرَسْن] أي: عفون، فيكون كقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}، ونحو ذلك.
وأما [دَرَس] ففيه ضمير النبي -صلى الله عليه وسلم- وشاهد هذا: دارسْتَ؛ أي: فإذا جئتهم بهذه القصص والأنباء قالوا: شيء قرأه أو قارأه فأَتى به، وليس من عند الله؛ أي: يفعل هذا بهم لتقوى أثرة التكليف عليهم زيادة في الابتلاء لهم؛ كالحج والغزو وتكليف المشاق المستحق عليها الثواب، وإن شئت كان معناه فإذا هم يقولون كذا، كقوله: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} أي: فإذا هو عدو لهم). [المحتسب: 1/226]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وليقولوا درست}
قرأ أبو عمرو وابن كثير (دارست) بالألف أي ذاكرت أهل الكتاب وعن ابن عبّاس قارأت وتعلمت
وقرأ ابن عامر {درست} بفتح السّين وتسكين التّاء أي درست
[حجة القراءات: 264]
هذه الأخبار الّتي تتلوها علينا أي مضت وامحت
وقرأ أهل المدينة وأهل الكوفة {درست} بسكون السّين وفتح التّاء أي قرأت أنت وتعلمت أي درست أنت يا محمّد كتب الأوّلين وتعلمت من اليهود والنّصارى وحجتهم قراءة عبد الله (وليقولوا درس) دلّ على أن الفعل له وحده). [حجة القراءات: 265]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (51- قوله: {درست} قرأ أبو عمرو وابن كثير «دارست» بألف، كفاعلت، وقرأ ابن عامر «درستْ» بإسكان من غير ألف وفتح السين، كخرجتْ، وقرأ الباقون «درسْت» بفتح التاء وإسكان الشين من غير ألف، كخرجت.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/443]
وحجة من قرأ بألفأنه حمله على معنى: «يقولون دارت أهل الكتاب ودارسوك» أي: ذاكرتهم وذاكروك، ودل على هذا المعنى قوله عنهم: {وأعانه عليه قوم آخرون} «الفرقان 4» أي: يقولون أعان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن وذاكروه فيه، وهذا كله قول المشركين في النبي عليه السلام وفي القرآن، ومثله قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} «النحل 24» ومثله قوله عنهم: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} «الفرقان 5».
52- وحجة من قرأ بإسكان التاء أنه أسند الفعل إلى الآيات، فأخبر عنهم أنهم يقولون: عفت وامحت وتقادمت، ودل على ذلك قوله: {قالوا أساطير الأولين}، أي: هو شيء قديم قد عفا وامحى رسمه لقدمه.
53- وحجة من فتح التاء من غير ألف، أنه أضاف الفعل إلى النبي، فأخبر عنهم أنهم يقولون: درس محمد الكتب، كتب الأولين، فأتى بهذا القرآن منها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/444]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ} [آية/ 105] بالألف مفتوحة التاء:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو.
والوجه أنك دارست أهل الكتاب وذاكرتهم وقرأت عليهم وقرأوا عليك، وهو من المفاعلة التي تكون بين اثنين.
وقرأ ابن عامر ويعقوب {دَرَسْتَ} بغير ألف، مفتوحة السين، ساكنة التاء.
والوجه أنه من الدروس، وهو عفو الأثر وانمحاء الرسوم، والمعنى: إن هذا الذي يتلوه قد تطاول ومر بنا وانمحى أثره كما تدرس الآثار.
وقرأ نافع والكوفيون {دَرَسْتَ} بغير ألف، ساكنة السين، مفتوحة التاء.
والوجه أن المراد قرأت على أهل الكتاب فتعلمت منهم). [الموضح: 491]

قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)}

قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}

قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ... (108).
قرأ يعقوب (عدوًا) بضم العين والدال وتشديد الواو، وقرأ الباقون (عدوًا) بفتح العين وسكون الدال.
قال أبو منصور: من قرأ (عدوًا) و(عدوًا) فمعناهما واحد، يقال: عدا فلان عدوًا وعدوًا وعدًا، إذا جاوز الحدّ في الظلم.
[معاني القراءات وعللها: 1/377]
انتصب قوله (عدوًا) و(عدوًا) على المصدر.
وإن شئت على إرادة اللام، ويكون نصبه على الحال.
المعنى: فيسبّوا اللّه عادين. فأقام المصدر مقام الفاعلين.
وقرئ (فيسبّوا اللّه عدوًا) بفتح العين وتشديد الواو، وهي شاذة، ومعناه: فيسبوا الله أعداء. وانتصابه على الحال لا غير، يقال: هم عدو لي، أي: أعداء.
قال الله تبارك وتعالى: (فإنّهم عدوٌّ لي إلّا ربّ العالمين (77) ). [معاني القراءات وعللها: 1/378]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وسلام يعقوب وعبد الله بن يزيد: {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عُدُوًّا}، ورُوي عنهم أيضًا: [بَغْيًا وعُدُوًّا].
قال أبو الفتح: العَدْوُ والعُدُوُّ جميعًا: الظلم والتعدي للحق، ومثلهما العدوان والعداء، قال الراعي:
كتبوا الدُّهَيْمَ على العَداء لمسرِف ... عادٍ يريدُ خيانةً وغُلُولا
ومثله الاعتداء، قال أبو نُخَيْلَة:
ويعتدى ويعتدى ويعتدى ... وهو بعين الأسد المسوَّد
[المحتسب: 1/226]
ومثل العُدُوِّ والعَدْوِ من التعدي الرُّكوب والرَّكب، قال:
أو رَكب البراذين
يريد: ركوب). [المحتسب: 1/227]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {فَيَسُبُّوا الله عَدْوًا} [آية/ 108] بضم العين والدال وتشديد الواو:-
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه مصدر من عدا عليه إذا جار عليه يعدو عدوًا، وانتصابه على المصدر، أي يعدو عليه عدوا أو يسبوه سبًا؛ لأن السب ههنا عدوان لا محالة.
ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال أي يسبوا الله عادين.
[الموضح: 491]
وقرأ الباقون {عَدْوًا} بفتح العين وسكون الدال وتخفيف الواو.
وهو مثل القراءة الأولى؛ لأن عدوا مصدر عدا يعدو أيضًا، فهما سواء في المعنى، وانتصابه على ما ذكرناه في القراءة الأولى). [الموضح: 492]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #30  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:41 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (109) إلى الآية (111) ]
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}

قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما يشعركم أنّها... (109).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (إنّها) بكسر الألف، وروى نصير عن الكسائي (إنّها) بكسر الألف، وكذلك روى الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، ولم يحفظ يحيى عن أبي بكر في هذا كسرًا ولا فتحًا، وقال ابن مجاهد: قرأت على
[معاني القراءات وعللها: 1/378]
أصحاب البزار عن يحيى عن أبي بكر بالفتح والكسر جميعا، وقرأ حفص عن عاصم (أنّها) بالفتح، وقرأ الباقون (أنّها) بفتح الألف.
قال أبو منصور: من قرأ (إنّها) بالكسر فهو استئناف، المعنى: قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم، أي: ما يدريكم.
ثم استأنف فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون، يعني الآيات.
ومن قرأ (أنها) بالفتح فإن الخليل قال: معناها، لعلّ المعنى لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، قال الخليل: وهذا كقولك: أئت السوق، أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلك.
وقال بعضهم: إنما هي (أنّ) التي على أصل الباب، وجعل (لا) لغوًا، والمعنى: ويشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون.
والقول هو الأول والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 1/379]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إذا جاءت لا يؤمنون (109).
قرأ ابن عامر وحمزة (إذا جاءت لا تؤمنون) وقرأ الباقون (إذا جاءت لا يؤمنون) بالياء.
[معاني القراءات وعللها: 1/379]
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهي تاء المخاطبة، ومن قرأ بالياء فللغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/380]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {وما يشعركم} [109].
قرأ أبو عمرو وحده باختلاس الحركة وهي الضمة في الراء كأنه يجزمها تخفيفًا مثل {يأمركم} و{ينصركم}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
والباقون يشبعون الضمة على الأصل {يشعركم}). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {أنها إذا جاءت} [109].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {إنها} بالكسر على أن الكلام قد تم، وقال يحيى عن ابن بكر: لا أحفظ عن عاصم في {أنهاْ شيئًا وروى غيره: {إنها} بالكسر.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: {أنها} بالنصب، فقال الخليل: تقديره: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون فـــ «أن» المفتوحة بمعنى «لعل»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى {لا يؤمنون} [109].
قرأ ابن عامر وحمزة بالتاء على الخطاب في الكاف والميم في {يشعركم}.
وقرأ الباقون بالياء لقوله: {ونقلب أفئدتهم} إخبار عن غيب، ولم يقل أفئدتكم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]: وما يشعركم إنها [الأنعام/ 109].
فقرأ ابن كثير: وما يشعركم إنها مكسورة الألف، قرأ
[الحجة للقراء السبعة: 3/375]
أبو عمرو بالكسر أيضا، غير أنّ أبا عمرو كان يختلس حركة الراء من يشعركم.
وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائيّ- وأحسب ابن عامر- أنها* بالفتح.
وأما أبو بكر بن عياش: فقال يحيى عنه: لم نحفظ عن عاصم كيف قرأ: أفتحا أم كسرا ؟.
وقال حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم إنها* مكسورة، أخبرني به موسى بن إسحاق عن هارون بن حاتم عن حسين الجعفي بذلك. وحدثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام محمد بن يزيد قال: سمعت أبا يوسف الأعشى: قرأها على أبي بكر: إنها* كسرا، [لا يؤمنون بالياء]. وكذلك روى داود الأودي أنه سمع عاصما يقرؤها إنها* كسرا.
قال سيبويه: سألته: يعني الخليل عن قوله عز وجل: وما يشعركم إنها إذا جاءت لا يؤمنون ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال: لا يحسن ذلك
[الحجة للقراء السبعة: 3/376]
في هذا الموضع، إنما قال: وما يشعركم؟ ثم ابتدأ فأوجب فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون. ولو قال: وما يشعركم أنها كان ذلك عنه عذرا لهم، وأهل المدينة يقولون: أنها* فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلّك، فكأنه قال: لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون.
قوله: وما يشعركم ما* فيه استفهام، وفاعل يشعركم ضمير ما*، ولا يجوز أن يكون نفيا، لأن الفعل فيه يبقى بلا فاعل.
فإن قلت: يكون نفيا ويكون فاعل يشعركم ضمير اسم الله تعالى: قيل: ذلك لا يصحّ، لأن التقدير يصير: وما يشعركم الله انتفاء إيمانهم، وهذا لا يستقيم.
ألا ترى أن الله تعالى قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون بقوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/ 111]، فالمعنى: ما يدريكم إيمانهم إذا جاءت، فحذف المفعول، وحذف المفعول كثير والتقدير: ما يدريكم إيمانهم إذا
[الحجة للقراء السبعة: 3/377]
جاءت: أي: هم لا يؤمنون، مع مجيء الآية إياهم.
فأما يشعركم، فإنك تقول: شعرت بالشيء كما تقول: دريت به، وقال: دريته، فيجوز أن يكون شعرت مثله في أنه يتعدّى مرة بحرف، ومرّة بلا حرف كدريت، فمن عدّاه بالحرف جاز أن يكون أنّ في قول من لم يجعله بمعنى: لعلّ، في موضع جر، لأن الكلام لما طال صار كالبدل منه وجاز أن يكون في موضع نصب.
فأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: فالتقدير فيها: وما يشعركم إيمانهم. فحذف المفعول، أي: لو جاءت الآية التي اقترحوها لم يؤمنوا، ثم قال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون [الأنعام/ 109]، كما قال: ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/ 111] [أي: إلّا أن يشاء إجبارهم على الإيمان].
ولو فتح أنّ، وجعلها التي في نحو: بلغني أن زيدا منطلق، لكان عذرا لمن أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون، لأنه إذا قال القائل: إنّ زيدا لا يؤمن، فقلت: ما يدريك أنه لا يؤمن، فالمعنى أنه: يؤمن، وإذا كان كذلك كان عذرا لمن نفى الإيمان عنه.
فأما وجه قراءة من فتح أنّ، فإن في فتحها تأويلين:
أحدهما: أن يكون بمعنى لعلّ كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/378]
قلت لشيبان ادن من لقائه... أنّا نغدّي القوم من شوائه
أي: لعلنا. وقال آخر:
أريني جوادا مات هزلا لأنني... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا
وقال الفرزدق:
هل انتم عائجون بنا لأنّا... نرى العرصات أو أثر الخيام
[الحجة للقراء السبعة: 3/379]
فالمعنى: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، وهذا ما فسّره الخليل في قوله: ائت السوق أنّك تشتري لنا شيئا، أي: لعلّك، وقال عديّ بن زيد:
أعاذل ما يدريك أن منيّتي... إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
وفسّر على: لعل منيّتي. ويدل على صحة ذلك وجودته في المعنى: أنه قد جاء في التنزيل لعل بعد العلم، وذلك قوله: وما يدريك لعله يزكى [عبس/ 3]، وما يدريك لعل الساعة قريب [الشورى/ 17]، فكما جاء لعلّ بعد العلم، كذلك يكون أنها إذا جاءت بمنزلة: لعلّها إذا جاءت.
والتأويل الآخر لم يذهب إليه الخليل وسيبويه، وهو أن يكون أنّها في قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون أنّ الشديدة التي تقع بعد الأفعال التي هي عبارات عن ثبات الشيء وتقرّره نحو: علمت، وتبينت، وتيقنت، على أن تكون لا زائدة فيكون التقدير: وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون.
والمعنى على هذا أنها: لو جاءت لم يؤمنوا. ومثل
[الحجة للقراء السبعة: 3/380]
لا هذه في أنها تكون في تأويل: زائدة، وفي أخرى: غير زائدة. قول الشاعر:
أبا جوده لا البخل واستعجلت به... نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله
ينشد: أبا جوده لا البخل، ولا البخل، فمن نصب البخل جعلها زائدة، كأنه قال: أبا جوده البخل، ومن قال: لا البخل، أضاف «لا» إلى البخل.
ومثل هذه الآية في أنّ لا فيها زائدة قوله: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [الأنبياء/ 95] فهذه تحتمل تأويلين: تكون لا في أحدهما زيادة، وأنّ في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ الذي هو: حرام* والمعنى: وحرام على قرية أنهم لا يرجعون، أي: أنّهم يرجعون، والتقدير: وحرام على قرية مهلكة رجوعهم إلى أهلهم كما قال: فلا يستطيعون توصية، ولا إلى أهلهم يرجعون [يس/ 50]، فلا* على هذا التأويل زيادتها كزيادتها في قوله: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد/ 29]، وكزيادتها في قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 3/381]
أفعنك لا برق كأنّ وميضه... غاب تسنّمه ضرام مثقب
والوجه الآخر: أن تكون لا غير زائدة، ولكنها متصلة بأهلكنا، كأنه قال: وحرام على قرية أهلكناها بأنّهم لا يرجعون، أي: أهلكناهم بالاصطلام والاستئصال بأنّهم إنما لا يرجعون إلى أهليهم للاستئصال الواقع بهم والإبادة لهم.
وخبر المبتدأ على هذا محذوف تقديره: وحرام على قرية أهلكناها بالاستئصال بقاؤهم أو حياتهم، ونحو ذلك، مما يكون في الكلام دلالة عليه، فهذه في أحد التأويلين مثل قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنت تريد به يؤمنون.
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: لا يؤمنون.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ: لا يؤمنون بالياء. وروى حفص عن عاصم، وحسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بالياء أيضا.
وقرأ ابن عامر وحمزة: لا تؤمنون بالتاء.
وجه القراءة بالياء: أن قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها [الأنعام/ 109] إنّما يراد به قوم
[الحجة للقراء السبعة: 3/382]
مخصوصون. يدلّك على ذلك قوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى [الأنعام/ 111]، وليس كل الناس بهذا الوصف فالمعنى: وما يشعركم أيها المؤمنون، لعلّهم إذا جاءت الآية التي اقترحوها لم يؤمنوا، قال: وجه الياء في قوله: لا يؤمنون أنّ المراد بمن نفى عنه الإيمان، هم الغيب المقسمون، والوجه على هذا: لا يؤمنون، أي: لا يؤمن هؤلاء الغيب المقسمون، وليس الخطاب للمؤمنين فيكون قوله: لا تؤمنون بالتاء.
ووجه القراءة بالتاء: أنه انصراف من الغيبة إلى الخطاب، والمراد بالمخاطبين في يؤمنون هم الغيب المقسمون الذي أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون مثل قوله الحمد لله [الفاتحة/ 1]، ثم قال: إياك نعبد ونحو ذلك مما يصرف إلى الخطاب بعد الغيبة). [الحجة للقراء السبعة: 3/383]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل إنّما الآيات عند الله وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر {وما يشعركم أنّها إذا جاءت} بكسر الألف قال اليزيدي الخبر متناه عند قوله {وما يشعركم} أي ما يدريكم ثمّ ابتدأ الخبر عنهم إنّهم لا يؤمنون إذا جاءتهم وكسروا الألف على الاستئناف قال سيبويهٍ سألت الخليل عن قوله {وما يشعركم أنّها إذا جاءت} ما منعها أن تكون كقولك وما يدريك أنه لا يفعل فقال لا يحسن ذلك في هذا الموضع إنّما قال {وما يشعركم} ثمّ ابتدأ فأوجب فقال {أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} لو قال {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} كان عذرا لهم وحجتهم قوله بعدها {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} إلى قوله {ما كانوا ليؤمنوا} فأوجب لهم الكفر وقال {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرّة} أي إن الآية إن جاءتهم لم يؤمنوا
[حجة القراءات: 265]
كما لم يؤمنوا أول مرّة
وقرأ الباقون {أنّها إذا جاءت} بالفتح قال الخليل إن معناها لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون قال وهذا كقولهم إيت السّوق أنّك تشتري لنا شيئا أي لعلّك أنشد أبو عبيدة:
أريني جوادا مات هزلا لأنني ... أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدا
يريد لعلني أرى ما ترين
يروى في التّفسير أنهم اقترحوا الآيات وقالوا {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} إلى قوله {حتّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} فأنزل الله {قل إنّما الآيات عند الله وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} أي لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون على رجاء المؤمنين وقال آخرون بل المعنى وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون فتكون لا مؤكدة للجحد كما قال {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} بمعنى وحرام عليهم أن يرجعوا قال الفراء سأل الكفّار رسول الله صلى الله عليه أن يأتيهم بالآية الّتي نزلت في الشّعراء {إن نشأ ننزل عليهم من السّماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} وقال المؤمنون يا رسول الله سل ربك أن ينزلها حتّى يؤمنوا فأنزل الله {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} أي إذا
[حجة القراءات: 266]
جاءت يؤمنون ولا صلة كقوله {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} أي أن تسجد
قرأ حمزة وابن عامر (إذا جاءت لا تؤمنون) بالتّاء وحجتهما قوله {وما يشعركم} قال مجاهد قوله {وما يشعركم} خطاب للمشركين الّذين أقسموا فقال جلّ وعز وما يدريكم أنكم تؤمنون وقرأ الباقون بالياء إخبارًا عنهم وحجتهم قوله {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} ولم يقل أفئدتكم). [حجة القراءات: 267]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (54- قوله: {أنها إذا جاءت} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة، وقرأ الباقون بالفتح، وعن أبي بكر الوجهان.
وحجة من فتح الهمزة أنه جعل «أن» بمنزلة «لعل» لغة فيها، على قول الخليل، حكى عن العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئًا، أي: لعلك. ويجوز أن يعمل فيها «يشعركم» فيفتح على المفعول به؛ لأن معنى شعرت به دريت، فهو في اليقين كعلمت، وتكون «لا» في قوله: {لا يؤمنون} زائدة، والتقدير: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية إذا جاءتهم يؤمنون، أي: إنهم لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية التي اقترحوا بها وهذا المعنى، إنما يصح على قراءة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/444]
من قرأ «يؤمنون» بالياء ويكون «يشعركم» خطابًا للمؤمنين، والضمير «يؤمنون» للكفار في القراءة بالياء، ومن قرأ «تؤمنون» بالتاء، فالخطاب في «يشعركم» للكفار، ويقوي هذا المعنى قوله بعد ذلك: {ما كان ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} «111» و«ما» في الآية استفهام، وفي «يشعركم» ضمير «ما»، والمعنى: وأي شيء يدريكم أيها المؤمنون إيمانهم إذا جاءتهم الآية، أي: لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية، ولا يحسن أن تكون «ما» نافية؛ لأنه يصير التقدير: وليس يدريكم الله أنهم لا يؤمنون، وهذا متناقض؛ لأنه تعالى قد أدرانا أنهم لا يؤمنون بقوله: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} إلى قوله: {يجهلون}.
55- وحجة من كسر «أن» أنه استأنف بها الكلام بعد «يشعركم»، والتقدير: وما يشعركم إيمانهم، فالمفعول محذوف، ثم استأنف مخبرًا عنهم بما علم فيهم، فقال: {إنها إذا جاءت لا يؤمنون} ولا يحسن فتح «إن» على إعمال «يشعركم» فيها و«لا» غير زائدة؛ لأن ذلك يكون عذرًا لهم، ويصير المعنى: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية {إذا جاءتهم لا يؤمنون} أي: لعلهم يؤمنون إذا جاءتهم، فيكون تأخير «الآية» عنهم عذرًا لهم، في ترك الإيمان، وهذا لا يجوز لأن الله قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية، وأن ذلك بمشيئته وإرادته، فإن جعلت «لا» زائدة حسن عمل «يشعركم» في «أن»؛ لأن التقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، أي: لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية التي اقترحوا بها، وهذا كله إنما يصح على قراءة من قرأ «يؤمنون» بالباء، فأما من قرأ بها، وهذا كله إنما يصح على قراءة من قرأ «يؤمنون» بالباء، فأما من قرأ تؤمنون بالتاء فالخطاب في «يشعركم» للكفار المقترحين الآية، وقد تقدم ذكر الاختلاس والإسكان في «يشعركم» والحجة في ذلك، والاختيار الفتح لأن عليه الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/445]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (56- قوله: {لا يؤمنون} قرأه حمزة وابن عامر بالتاء، على الخروج من الغيبة إلى الخطاب، كما قال: {الحمد لله رب العالمين}، ثم قال: {إياك نعبد}، والمراد به القوم الذين اقترحوا الآية دون المؤمنين، على معنى: لعلها إذا جاءتكم الآية التي اقترحتموها لا تؤمنون، أي على معنى: وما يشعركم أيها الكفار المقترحون بالآية أنها إذا جاءتكم تؤمنون، فـ «لا» زائدة على هذا التقدير، إذا أعملت «يشعركم» في «أنها»، والضمير في «تؤمنون» للكفار في القراءتين جميعًا، والخطاب في «يشعركم» للمؤمنين، إذا قرأ بالياء في يؤمنون، وهو للكفار، إذا قرأت تؤمنون بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، ردوه على لفظ الغيبة المتقدمة في قوله: {وأقسموا بالله} وما بعده بلفظ الغيبة، فجرى «يؤمنون» على ذلك للمشاكلة والمطابقة، وارتباط بعض الكلام ببعض، وأيضا فإن بعده لفظ غيبة في قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به} إلى قوله: {يجهلون} «111» كله بلفظ الغيبة، فحمل «يؤمنون» في لفظ على ما قبله وما بعده، فاتسق الكلام كله على نظام واحد، وذلك أفصح وأقوى، وهو الاختيار، مع أن أكثر القراء على الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/446]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا} [آية/ 109] بكسر الألف:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم -ياش- ويعقوب.
والوجه أن الكلام استئناف، فلذلك جاء بإن؛ لأن إن حرف ابتداء، ومعناه على الابتداء، وهو على هذا خطاب للمشركين، والمراد قل يا محمد إنما الآيات عند الله، وما يشعركم أي وما يدريكم أيها المشركون أن الآيات عند الله، ثم استأنف فقال إنها أي إن الآيات إذا جاءتهم لا يؤمنون.
وقرأ الباقون {أَنَّهَا} بفتح الألف.
والوجه أن المعنى لعلها، فقد جاء أن بمعنى لعل، كقوله:
31- قلت لشيبان ادن من لقائه = أنا نفدي القوم من شوائه
أي لعلنا.
[الموضح: 492]
ويجوز أن تكون أن في قوله {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ} هي الشديدة التي تقع بعد أفعال الاستقرار، نحو: علمت وتيقنت وأمثالهما، وهي المعروفة في كلام العرب، ثم تكون {لا} زائدة، والتقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون). [الموضح: 493]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {لا تُؤْمِنُونَ} [آية/ 109] بالتاء:-
قرأها ابن عامر وحمزة.
والوجه أن رجوع عن الغيبة إلى الخطاب عند من جعل {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} للمؤمنين، فأما من جعل الخطاب فيه للمشركين، فالكلام كله خطاب، وليس برجوع عن الغيبة إلى الخطاب، والمعنى: وما يشعركم أيها الكفار أنها إذا جاءت تؤمنون، أو على الاستئناف كما سبق.
وقرأ الباقون {لا يُؤْمِنُونَ} بالياء.
والوجه أنهم هم الغيب المقسمون في قوله تعالي {وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}، والمراد: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآيات إذا جاءت يؤمن هؤلاء المقسمون، وهم الكفار). [الموضح: 493]

قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وسلام ويعقوب وعبد لله بن يزيد والأعمش والهمذاني: [وَيَذَرْهُم] بالياء وجزم الراء.
قال أبو الفتح: قد تقدم ذكر إسكان المرفوع تخفيفًا، وعليه قراءة مَن قرأ أيضًا: [وَمَا يُشْعِرْكُم] بإسكان الراء، وكأن [يشعرْكم] أعذر من [يَذَرْهُم]؛ لأن فيه خروجًا من كسر إلى ضم، وهو في [يَذَرْهُم] خروج من فتح إلى ضم). [المحتسب: 1/227]

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلًا... (111)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (كلّ شيءٍ قبلًا) بالضم، وفي الكهف (العذاب قبلًا) بكسر القاف، قرأ نافع وابن عامر (قبلًا) و(قبلًا) مكسورتين، وقرأهما الكوفيون مضمومتين.
قال أبو منصور: من قرأ (قبلًا) بالضم فله معنيان:
أحدهما: أن (قبلًا) جمع قبيل، وهم الجماعة ليسوا بني أبٍ واحد، المعنى: وحشرنا عليهم كل شيء (قبلًا) قبيلا، والقبيلة - بالهاء -: بنو أبٍ واحد، وجمعها: القبائل.
والوجه الثاني: قبلا جمع قبيل، وهو الكفيل، فيكون المعنى: لو حشر عليهم كل شيء فكفل لهم بصحة ما تقول ما كانوا ليؤمنوا.
ومن قرأ (قبلا) بكسر القاف فمعناه: عيانا ومعاينةً، يقال: كلمته قبلا ومقابلة، أي عيانا.
قال الفراء: وقد يكون قبلا: من قبل وجوههم، كما تقول: أتيتك قبلاً، ولم آتك دبرًا). [معاني القراءات وعللها: 1/380]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- [و] قوله تعالى: {وحشرنا عليهم كل شيء قبلا} [111].
قرأ نافع وابن عامر {قبلا} بكسر القاف وفتح الباء.
والباقون بضمهما). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ القاف وكسرها من قوله تعالى: كل شيء قبلا [الأنعام/ 111].
فقرأ نافع وابن عامر: كل شيء قبلا، والعذاب قبلا [الكهف/ 55] بكسر القاف فيهما، وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/383]
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: كل شيء قبلا والعذاب قبلا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كل شيء قبلا مضمومة القاف، والعذاب قبلا مكسورة القاف.
قال أبو زيد: يقال: لقيت فلانا قبلا، ومقابلة، وقبلا، وقبلا، وقبليّا، وقبيلا، وكلّه واحد وهو المواجهة، فالمعنى في القراءتين على ما قاله أبو زيد واحد وإن اختلفت الألفاظ.
وقال أبو عبيدة: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا جماعة قبيل أي: أصناف، أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] أي معاينة.
فوجه قراءة نافع وابن عامر كل شيء قبلا والعذاب قبلا: أن المعنى: لو حشرنا عليهم كلّ شيء معاينة، أو أتاهم العذاب معاينة، لم يؤمنوا. كأنّهم من شدّة عنادهم وتركهم الإذعان، والانقياد للحق يشكّون في المشاهدات التي لا شكّ فيها.
ومثل قوله: أو يأتيهم العذاب قبلا أي: معاينة، قوله:
فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم، قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم [الأحقاف/ 24]،
[الحجة للقراء السبعة: 3/384]
وقوله: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم [الطور/ 44].
وقراءة عاصم. وحمزة، والكسائي: كل شيء قبلا، يحتمل ثلاثة أضرب:
يجوز أن يكون قبلا جمع قبيل، الذي يعنى به الكفيل، ويجوز أن يكون جمع قبيل الذي يعنى به الصنف، كما فسّره أبو عبيدة، ويجوز أن يكون قبلا بمعنى قبل، كما فسّره أبو زيد. فليس بالسهل أن يحمل على القبيل الذي هو الكفيل لأنهم إذا لم يؤمنوا مع إنزال الملائكة إليهم، وأن يكلّمهم الموتى، مع أن ذلك مما يبهر ظهوره، ويضطرّ مشاهدته، فأن لا يؤمنوا بالكفالة التي هي قول لا يبهر ولا يضطرّ، ويجوز أن لا يصدّق، أجدر.
فإن قلت: إن موضع الآية الباهرة في قول من حمل قبلا على أنه جمع قبيل الذي هو الكفيل، هو حشر كلّ شيء. وفي الأشياء المحشورة ما ينطق وما لا ينطق، فإذا نطق بالكفالة من لا ينطق، كان ذلك موضع بهر الآية فهو قول.
وأمّا إذا حملت قوله: قبلا على أنّه جمع القبيل الذي هو الصنف، كما قال أبو عبيدة، فإنّ موضع إبانة الآية حشر جميع الأشياء جنسا جنسا، وجميع الأشياء ليس في العرف أن تجتمع
[الحجة للقراء السبعة: 3/385]
وتنحشر إلى موضع، فموضع ما يبهر هو اجتماعها، مع أنّ ذلك ليس في العرف.
وإن حملت قوله: قبلا على أنّه بمعنى، قبل، أي:
مواجهة، كما فسره أبو زيد، فإن قبلا حال من المفعول به، والمعنى: حشرناه مواجهة ومعاينة، وهو في المعنى كقراءة نافع وابن عامر قبلا*: معاينة.
فأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] فمعناه: مواجهة، ولا يجوز أن يكون القبيل الذي يراد به الكفيل، ولا يمتنع أن يكون جمع قبيل الذي هو الصنف، فيكون المعنى: أو يأتيهم العذاب صنفا صنفا، فمما جاء القبل فيه بمعنى المقابلة قوله: إن كان قميصه قد من قبل [يوسف/ 26] ألا ترى أنه قد قوبل به قوله: قد من دبر [يوسف/ 27].
فأما قوله: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا [الإسراء/ 92] فلا يخلو من أن يكون بمعنى الكفيل، أو يكون معناه معاينة، كما حكاه أبو زيد. فإذا حملته على المعاينة كان القبيل مصدرا كالنذير والنكير، وهو في موضع حال من المفعول به، ولو أراد به الكفيل لكان خليقا أن يجمع على: فعلاء كما قالوا: كفلاء، لأنّه في الأصل صفة، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء.
ويدلّ على أن المراد بالقبيل: المعاينة لا الكفيل قوله: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا
[الحجة للقراء السبعة: 3/386]
[الفرقان/ 21] وكما اقترح ذلك غيرهم في قوله: أرنا الله جهرة [البقرة/ 55].
وأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا [الأنعام/ 111]. فعلى الأضرب الثلاثة التي مضى ذكرها.
وقراءتهما: العذاب قبلا [الكهف/ 55]، فعلى المعاينة كما قال أبو زيد وأبو عبيدة). [الحجة للقراء السبعة: 3/387]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وحشرنا عليهم كل شيء قبلا}
قرأ نافع وابن عامر {قبلا} بكسر القاف أي عيانًا كما تقول لقته قبلا
وقرأ الباقون {قبلا} بضمّتين جمع قبيل والمعنى وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا أي جماعة جماعة قال الزّجاج ويجوز أن يكون قبلا جمع قبيل ومعناه الكفيل ليكون المعنى لو حشرنا عليهم كل شيء فتكفل لهم بصحّة ما يقول ما كانوا ليؤمنوا
وقال الفراء ويجوز أن يكون {قبلا} من قبل وجوههم أي
[حجة القراءات: 267]
ما يقابلهم والمعنى لو حشرنا عليهم كل شيء فقابلهم). [حجة القراءات: 268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {قبلا} قرأه نافع وابن عامر بكسر القاف، وفتح الباء وقرأ الباقون بضمهما.
وحجة من قرأ بالضم أنه جعله جمع «قبيل» كرغيف ورغف، فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا، أي: صفًا صفًا، أي: لو عاينوا ذلك ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ويجوز أن يكون جمع «قبيل» الذي هو الكفيل، على معنى: وحشرنا عليهم كل شيء كفيلا، أي: يتكفل لهم ما يريدون، ويضمنه لهم ليؤمنوا، وفي كفالة مالا غفل آية عظيمة لهم ما آمنوا إلا أن يشاء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/446]
الله، ويجوز أن يكون معنى «قبلا» مواجهة، أي: يعاينونه ويواجهونه: حكى أبو زيد: لقيت فلانًا قبلا ومقابلة، وقبلا وقُبلا، كله بمعنى المواجهة، فيكون الضم كالكسر في المعنى، وتستوي القراءتان، ويدل على أن القراءة بالضم بمعنى المقابلة قوله: {إن كان قميصه قد من قبل} «يوسف 26» فهذا من المقابلة لا غير، ألا ترى أن بعده {من دبر} فالدبر ضد القبل.
58- وحجة من قرأ بالكسر أنه جعله بمعنى المواجهة والمعاينة، أي: وحشرنا عليهم كل شيء يواجهونه ويعاينونه ما آمنوا إلا أن يشاء الله، وعلى هذه العلل والحجج يجري مجرى حجج الحرف الذي في الكهف غير أن معنى الكفيل لا يحسن في الكهف، وكذلك قوله تعالى: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} «الإسراء 92» معناه: معاينة ومواجهة، ولا يحسن فيه معنى الكفيل؛ لأنه كان يلزم أن يجمع على «فعلا» لأنه في الأصل صفة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/447]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} [آية/ 111] بكسر القاف وفتح الباء:-
قرأها نافع وابن عامر، وكذلك في الكهف {الْعَذَابُ قُبُلًا}.
والوجه أن المراد معاينه، أي لو حشرنا عليهم كل شيء معاينة فشهدوا بنبوتك لم يؤمنوا، كأنهم من شدة عنادهم شكوا في المشاهدات التي لا شك فيها، وكذلك ما في الكهف {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} أي مقابله ومعاينة.
وقرأ الكوفيون {قُبُلًا} بضم القاف والباء في السورتين.
فيجوز أن يكون جمع قبيل وهو الصنف، أي لو حشرنا عليهم كل شيء صنفًا لم يؤمنوا، واجتماع جميع الأشياء ليس في العرف.
ويجوز أن يكون جمع قبيل وهو الضمين، أي وحشرنا عليهم كل شيء فكفلوا لهم بأن ما تقوله حق.
ويجوز أن يكون {قُبُلًا} بمعني قبل وهو المقابلة، فيكون مثل القراءة الأولى.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {قُبُلًا} بضم القاف في الأنعام و{قِبَلًا} بكسر القاف في الكهف.
والوجه أنهم أرادوا الأخذ باللغتين). [الموضح: 494]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #31  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:42 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (112) إلى الآية (113) ]
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)}

قوله تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وابن شرف: [ولْتَصْغَى، ولَيَرْضَوْه، ولْيَقْتَرِفُوا] بجزم اللام في جميع ذلك.
قال أبو الفتح: هذه اللام هي الجارة؛ أعني: لام كي، وهو معطوفة على الغرور من قول الله تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} أي: للغرور [وَلِأَنْ تصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ]، إلا أن إسكان هذه اللام شاذ في الاستعمال على قوته في القياس؛ وذلك لأن هذا الإسكان إنما كثر عنهم في لام الأمر نحو قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا}، وإنما أُسكنت تخفيفًا لثقل الكسرة فيها، وفرقوا بينها وبين لام كي بأن لم يسكنوها، فكأنهم إنما اختاروا
[المحتسب: 1/227]
السكون للام الأمر، والتحريك للام كي من حيث كانت لام كي نائبة في أكثر الأمر عن أن، وهي أيضًا في جواب كان سيفعل إذا قلت: ما كان ليفعل، محذوفة مع اللام ألبتة، فلما نابت عنها قووها بإقرار حركتها فيها؛ لأن الحرف المتحرك أقوى من الساكن، والأقوى أشبه بأن ينوب عن غيره من الأضعف.
نعم، وقد رأيناهم إذا أسكنوا بعض الحروف أنابوه عن حركته وعاقبوا بينه وبينها، وذلك نحو: الجواري والغواشي، صارت الياء في موضع الرفع والجر معاقِبة لضمتها وكسرتها في قولك: هؤلاء الجواري ومررت بالجواري، فكأن لام كي على هذا إذا أُسكنت معاقبة لأن، وكالمعاقِبة أيضًا لكسرتها؛ فلذلك أقروها على كسرتها، ولم يجمعوا عليها منابها في أكثر الأمر عن أن وقد ابْتُزَّت حركة نفسها أيضًا.
وأيضًا فإن الأمر موضع إيجاز واستغناء، ألا تراهم قالوا: صه ومه، فأنابوهما عن الفعل المتصرف، وكذلك حاءِ وعاءِ وهاءِ). [المحتسب: 1/228]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #32  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:43 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (114) إلى الآية (117) ]
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}

قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: إنه منزل من ربك [الأنعام/ 114] مشدّدة الزاي، وخفّفها الباقون، وأبو بكر عن عاصم أيضا.
حجّة التشديد: تنزيل الكتاب من الله [الجاثية/ 2]، وحجة التخفيف: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم [النحل/ 64] و: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه [النساء/ 166] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/387]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يعلمون أنه منزل من ربك بالحقّ}
قرأ ابن عامر وحفص {أنه منزل من ربك} بالتّشديد من نزل ينزل جمعا بين اللغتين لأنّه قد تقدم قوله {وهو الّذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} ولم يقل وهو الّذي نزل). [حجة القراءات: 268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (61- قوله: {منزل} قرأ ابن عامر وحفص بالتشديد، جعلاه من «نزّل»، وهما لغتان بمعنى واحد، يقال: نزّل وأنزل، لكن التشديد معنى التكرير، وقرأ الباقون بالتخفيف، جعلوه من «أنزل»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/448]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} [آية/ 114] بتشديد الزاي:-
قرأها ابن عامر وعاصم -ص-، وقرأ الباقون {مُنَزَلٌ} بالتخفيف.
وقد سبق الكلام في مثلهما، وأن نزل وأنزل واحد، نحو فرحته وأفرحته ونجيته وأنجيته، وقد فرق بعض الناس بين أنزل ونزل بأن التنزيل لما ينزل شيئا بعد شيء، والإنزال لما يكون جملة أو تفصيلاً، ولم يرضه الحذاق من أهل العربية.
وحجة القراءة الأولى {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} و{نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} ونحوهما.
وحجة الأخرى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ} و{لَكِنِ الله يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} ونحوهما). [الموضح: 495]

قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وتمّت كلمت ربّك... (115).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو - هنا (كلمات ربّك) جماعة، وفي يونس (كلمت ربّك) في موضعين، وفي المؤمن: (حقّت كلمت ربّك)
[معاني القراءات وعللها: 1/380]
وقرأ نافع وابن عامر هذه الأربعة المواضع على الجمع، وقرأهن الباقون على التوحيد، لم يختلفوا في غير هذه الأربعة.
قال أبو منصور: الكلمة تنوب عن الكلمات:، تقول العرب: قال فلان في كلمته أي: في قصيدته، والقرآن كله كلمة الله، وكلم الله، وكلام الله، وكلمات الله، وكله صحيح من كلام العرب). [معاني القراءات وعللها: 1/381]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {وتمت كلمت ربك} [115].
قرأ أهل الكوفة {كلمت} على التوحيد.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
وقرأ الباقون {كلمت} بالجمع.
فمن قرأ بالجمع لم يقف إلا على التاء، ومن قرأ بالتوحيد جاز أن يقف بالتاء والهاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التوحيد والجمع في قوله: وتمت كلمات ربك [الأنعام/ 115]، في أربعة مواضع:
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وتمت كلمات ربك جماعا، وفي يونس حقت عليهم كلمت ربك في الموضعين [33 - 96]، وفي حم* المؤمن [6] كلمة ربك*. على واحدة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/387]
وقرأ نافع وابن عامر هذه المواضع الأربعة كلّها كلمات* جماعة.
وقرأهنّ عاصم وحمزة والكسائيّ بالتوحيد كلمة*، ولم يختلفوا في غير هذه المواضع الأربعة.
الكلمة والكلمات- والله أعلم- ما جاء من وعد، ووعيد، وثواب، وعقاب، فلا تبديل فيه ولا تغيير له، كما قال: ما يبدل القول لدي [ق/ 29]، وقال: لا مبدل لكلماته [الكهف/ 27]. فكأنّ التقدير، وتمّت ذوات الكلمات، ولا يجوز أن يعنى بالكلمات الشرائع هنا، كما عني بقوله: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [البقرة/ 124]، وقوله: وصدقت بكلمات ربها [التحريم/ 12]، لأنه قد قال: لا مبدل لكلماته، والشرائع يجوز فيها النسخ والتبديل.
وصدقا، وعدلا مصدران ينتصبان على الحال من الكلمة، تقدير ذلك: صادقة وعادلة، وقد قدّمنا شيئا من القول فيما تقدم من هذا الكتاب.
ووجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وتمت كلمات ربك جماعا، وفي سورة يونس حقت عليهم كلمت ربك في الموضعين، وفي حم* المؤمن: حقت كلمة ربك على
[الحجة للقراء السبعة: 3/388]
واحد. وقرأ نافع وابن عامر هذه المواضع كلّها: كلمات* جماعة. وجه جميع ذلك: أنّه لما كان جمعا كان في المعنى جمعا.
ووجه الإفراد أنهم قد قالوا: الكلمة، يعنون الكثرة كقولهم: قال زهير في كلمته، يعني: قصيدته، وقال قسّ في كلمته، يعني: خطبته، فقد وقع المفرد على الكثرة، فلما كان كذلك أغنى عن الجمع، وممّا جاء على ذلك قوله: وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا [الأعراف/ 137]، فإنما هو، والله أعلم، قوله: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض... إلى آخر الآية [القصص/ 5]. فسمي هذا القصص كلّه كلمة.
وقال مجاهد [في قوله]: وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها [الفتح/ 26]، قال: لا إله إلّا الله. فإذا وقعت الكلمة على الكثرة، جاز أن يستغنى بها عن لفظ الجميع، وجاز أن يجمع على المعنى من حيث كان في المعنى جمعا.
وأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي بالتوحيد، فهو على ما ذكرنا من أنّ الكلمة قد جاءت يراد بها الكثرة والجمع،
[الحجة للقراء السبعة: 3/389]
ويؤكد ذلك أمر آخر وهو أن المضاف قد يقع على الكثرة في نحو قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/390]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {وتمت كلمة ربك} على التّوحيد وحجتهم إجماع الجميع على التّوحيد في قوله {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل} {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنّم} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون (كلمات ربكم) على الجمع وحجتهم في ذلك أنّها مكتوبة بالتّاء فدلّ ذلك على الجمع وعلى أن الألف الّتي قبل التّاء اختصرت في المحصف وأخرى أن الكلمات جاءت بعدها بلفظ الجمع فقال {لا مبدل لكلماته} وفيها إجماع فكان الجمع في الأول أشبه بالصّواب للتوفيق بينهما إذ كانا بمعنى واحد). [حجة القراءات: 268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (59- قوله: {وتمت كلمة ربك} قرأه الكوفيون بالتوحيد، وجمع الباقون، وقرأ نافع وابن عامر «كلمات» بالجمع في موضعين في يونس الأول «33» والآخر في موضع في غافر «6» وقرأهن الباقون بالتوحيد.
وحجة من جمع أن معنى «الكلمات» في هذا هو ما جاء من عند الله من وعد ووعيد وثواب وعقاب، وأخبار عما كان، وعما يكون، وذلك كثير، فجمع «الكلمات» لكثرة ذلك، وقد أجمعوا على الجمع في قوله: {لا تبديل لكلمات الله} «يونس 64»، {ولا مبدل لكلمات الله} «الأنعام 34» ولا يحسن أن يراد بالكلمات، في هذه المواضع، الشرائع كما قال: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/447]
بكلماتٍ} «البقرة 124» وقال: {وصدقت بكلمات ربها} «التحريم 12» لأن الشرائع قد تنسخ، ولا يحسن أن تُخبر عنها أنها لا تبدل، وإنما تتم ولا تتغير، فإنما المراد بالكلمات، في هذه المواضع، الأشياء التي لا يدخلها نسخ.
60- وحجة من قرأ بالتوحيد أن الواحد في مثل هذا يدل على الجمع، أجمعوا على التوحيد في قوله: {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل} «الأعراف 137» وقال تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى} «الفتح 26» وهي كلمة: لا إله إلا الله، في قول أكثر المفسرين، فلما كان لفظ الواحد يدل على الجمع، وكان أخف، قرئ بالتوحيد، إذ هي على معنى قراءة من قرأ بالجمع، وهو أخف، والاختيار الجمع؛ لأنه الأصل، وبه يرتفع الإشكال وعليه أكثر القراء في الأنعام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/448]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44- {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [آية/ 115] بغير ألف:-
قرأها الكوفيون ويعقوب، وكذلك في يونس في الموضعين {كَلِمَةُ رَبِّكَ} وفي المؤمن {كَلِمَةُ} الكل على التوحيد.
والوجه أن الكلمة قد جاءت في كلامهم، ويراد بها الكثرة، فإنهم يذكرون
[الموضح: 495]
الكلمة ويريدون بها القصيدة والخطبة، يقال قال زهير في كلمته، وقال قس في كلمته، فمحصول ذلك أنه يراد بالكلمة ما يراد بالكلمات.
وقرأ نافع وابن عامر {كَلِمات} جمعًا في الأربعة الأحرف.
والوجه أن المراد ما جاء في كلامه تعالى في وعد ووعيد وثواب وعقاب فهي ضروب، فلهذا جمعت، فأراد أن لا تبديل فيها ولا تغيير.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو في الأنعام {كَلِمَات} جمعًا، والباقي على التوحيد.
ولم يختلفوا في غير هذه الأربعة.
أراد أن يأخذا باللفظين لما كانا في معنى واحد). [الموضح: 496]

قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)}

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله... (117)
روى نصير عن الكسائي (من يضلّ عن سبيله) بضم الياء وفتح الضاد، وقرأ الباقون، (من يضلّ) بفتح الياء وكسر الضاد.
قال أبو منصور: من قرأ (من يضلّ عن سبيله) فموضع (من) رفع بالابتداء، ولفظها لفظ الاستفهام، المعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله.
وهو مثل قوله: (لنعلم أيّ الحزبين أحصى).
ومن قرأ (من يضلّ عن سبيله) فهو بهذا المعنى أيضًا، إلا أن الفعل خرج مخرج ما لم يسم فاعله، يقال: ضل فلان يضل ضلالاً، وأضله الله، أي: لم يهده). [معاني القراءات وعللها: 1/381]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِه] بضم الياء.
قال أبو الفتح: لا يجوز أن تكون [مَنْ] في موضع جر بإضافة "أعلم" إليها، لا فيمن ضم ياء يُضل، ولا فيمن فتحها؛ من حيث كانت "أعلم" أفعل، وأفعل هذه متى أضيفت إلى شيء فهو بعضه، كقولنا: زيد أفضل عشيرته؛ لأنه واحد منهم، ولا نقول: زيد أفضل إخوته؛ لأنه ليس منهم، لا نقول أيضًا: النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل بني تميم على هذا؛ لأنه ليس منهم؛ لكن تقول: محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل بني هاشم؛ لأنه منهم، والله يتعالى علوًّا عظيمًا أن يكون بعضَ المضلين أو بعض الضالين.
فأما قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} فليس من هذا؛ إنما تأويل ذلك -والله أعلم- وجده ضالًّا، كقوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}، وذلك مشروح في موضعه، فقوله أيضًا: [أَعْلَمُ مَنْ يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ] أي: يُجيرُه عن الحق ويصد عنه.
[المحتسب: 1/228]
كما أن قراءة مَن قرأ: [أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ]: مَنْ يجور عنه، ألا ترى إلى قوله قبل ذلك: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فلا محالة أنه -سبحانه- أراد بمن يضل عن سبيله، فحذف الباء وأوصل "أعلم" هذه بنفسها، أو أضمر فعلًا واصلًا تدل هذه الظاهرة عليه، حتى كأنه قال: يعلم، أو علم مَن يُضِلُّ عن سبيله. يؤكد ذلك ظهور الباء بعده معه في قوله: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وقوله بعده: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} .
وقد يجوز أن تكون [مَنْ] هذه مرفوعة بالابتداء، و[يُضل] بعدها خبر عنها، و"أعلم" هذه معلقة عن الجملة، حتى كأنه قال: إن ربك هو أعلم أيُّهم يُضِلُّ عن سبيله، كقوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}.
فأما الجر فمدفوع من حيث ذكرنا، وإذا كان ذلك كذلك علمت أن "مَن" في قول الطائي:
غدوتُ بهم أَمَدَّ ذَوِيَّ ظِلًّا ... وأكثَرَ مَنْ ورَائِي ماءَ وادِي
لا يجوز أن تكون "مَنْ" في موضع جر بإضافة أكثر إليه؛ إذ ليس واحدًا ممن وراءه، فهو إذن منصوب الموضع لا محالة بأكثر أو بما دل عليه أكثر؛ أي كَثَرتُهم: كنتُ أكثرَهم ماء واد.
ولا يجوز فيه الرفع الذي جاز مع العلم؛ لأن كثرت ليس من الأفعال التي يجوز تعليقها؛ إنما تلك ما كان من الأفعال داخلًا على المبتدأ وخبره، وأظنني قد ذكرت نحو هذا في صدر هذا الكتاب). [المحتسب: 1/229]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #33  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:47 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (118) إلى الآية (121) ]

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}

قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)}


قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم... (119).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) مضمومتين، وقرأ نافع وحفص عن عاصم ويعقوب (فصّل لكم ما حرّم عليكم) مفتوحتين، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي (وقد فصّل لكم) بفتح الفاء (ما حرّم عليكم) بضم الحاء.
قال أبو منصور: من قرأ (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) فمعناه بالفتح: قد فصل لكم الحرام من الحلال، أي: ميّز وبيّن.
وموضع (ما) نصب.
ومن قرأ (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) فهو على ما لم يسم فاعله، والمعنى واحد؛ لأن الله هو المفصل المحرّم). [معاني القراءات وعللها: 1/382]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإنّ كثيرًا ليضلّون بأهوائهم... (119).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ليضلّون)، وفي يونس (ليضلّون عن سبيلك)، وفي إبراهيم (أندادًا ليضلّوا)، وفي الحج (ثاني عطفه ليضلّ) فتح الياء.
وفي لقمان (ليضلّ عن سبيل اللّه)، وفي الزمر (ليضلّ) بفتح الياء في الستة المواضع، وقرأ نافع
[معاني القراءات وعللها: 1/382]
وابن عامر ها هنا، وفي يونس بفتح الياء، وفي الباقي بضم الياء، وقرأ الحضرمي في لقمان بضم الياء، وفتح الباقي.
وضمّهن الكوفيون كلهن.
قال أبو منصور: من قرأ بفتح الياء فمعناه: الذي يضل بنفسه.
ومن قرأ (يضل) فمعناه الذي يضله الله، والذي يضل الناس عن القرى، ويقال: ضللت الطريق أضله، وضللته أضله، وضل فلان الشيء يضله إذا جعله في مكان ثم لم يهتد له، وأضلّ الشيء إذا ضيعه). [معاني القراءات وعللها: 1/383]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} [119].
قرأ نافع وحفص عن عاصم بفتح الفاء والحاء.
وقرأها أهل الكوفة {فصل} بالفتح و{حرم} بالضم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالضم جميعًا.
فمن فتح جعل الفعل لله، وقد تقدم اسمه جل ذكره قبل الآية. ومن ضم لم يُسم الفاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {وإن كثيرًا ليضلون} [119].
قرأ أهل الكوفة بالضم.
وقرأ الباقون بالفتح.
فمن فتح الياء جعل الفعل لهم، وشاهده قوله تعالى: {قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا}.
ومن ضم الياء فتقديره: ليضلون غيرهم، وكأنه أبلغ؛ لأن كل من أضل غيره وكذب غيره فقد كذب هو وضل. والدليل على ذلك اتفاق القراء على قوله: {ليضل الناس} [144] لأنه قد أضل غيره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الفاء والحاء من قوله عز وجل: وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ونصبهما.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: وقد فصل لكم ما حرم عليكم. مرفوعتان جميعا.
وقرأ نافع، وعاصم في رواية حفص: وقد فصل لكم ما حرم عليكم بنصبهما جميعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: وقد فصل بفتح الفاء، ما حرم عليكم بضم الحاء.
حجة من ضمّ الحاء من حرم* و [الفاء من] فصل* قوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير [المائدة/ 3]: فهذا تفصيل هذا العام المجمل بقوله: حرم* فكما أن الاتفاق هاهنا على حرمت.. الميتة كذلك يكون الذي أجمل فيه في قوله: وقد حرم عليكم على ما فصّل، وكما وجب حرم بضم الحاء لقوله: حرمت عليكم الميتة، كذلك ضمّ فصل* لأنّ هذا المفصّل هو ذلك المحرّم الذي قد أجمل في هذه الآية ذكره. وقال: وهو الذي أنزل إليكم الكتاب
[الحجة للقراء السبعة: 3/390]
مفصلا [الأنعام/ 114]؛ فمفصلا يدل على فصّل.
وحجة نافع وعاصم في إحدى الروايتين عنه في: فصل لكم ما حرم عليكم قوله: قد فصلنا الآيات [الأنعام/ 97] وحجّتهما في حرم* قوله: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم [الأنعام/ 151]، الذين يشهدون أن الله حرم هذا [الأنعام/ 150].
ويدلّ على الفتح قوله: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ينبغي أن يكون الفعل مبنيا للفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى.
ووجه قراءة عاصم في إحدى الروايتين وحمزة والكسائيّ وقد فصل لكم ما حرم بضم الحاء وفتح الفاء قوله: قد فصلنا الآيات.
ووجه حرم* قوله: حرمت عليكم الميتة [المائدة/ 3]، وهو تفصيل المحرّم في قوله: ما حرم عليكم* ومعنى وقد فصل لكم ما حرم عليكم هو ما فصّله في قوله: حرمت عليكم الميتة والدم الآية... [المائدة/ 3] ومعنى إلا ما اضطررتم إليه [الأنعام/ 119]. إلّا ما أباحه عند الضرورة من الميتة وغيرها من المحرّمات بقوله: فمن اضطر غير باغ ولا عاد [البقرة/ 173]، وقوله: فمن اضطر
[الحجة للقراء السبعة: 3/391]
في مخمصة غير متجانف لإثم، فإن الله غفور رحيم [المائدة/ 3] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/392]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها في قوله [جلّ وعزّ]: وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119] في ستة مواضع.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ليضلون، هاهنا. وفي يونس [88]: ربنا ليضلوا عن سبيلك وفي سورة إبراهيم [30]: أندادا ليضلوا وفي سورة الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، وفي لقمان [6]: ليضل عن سبيل الله بغير علم، وفي الزّمر [8] أندادا ليضل عن سبيله بفتح الياء في هذه المواضع الستة.
وقرأ نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم بغير علم وفي يونس ربنا ليضلوا بفتح الياء فيهما، وفي الأربعة التي بعد هذين الموضعين يضمان الياء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في الستة المواضع بضم الياء.
قال أبو زيد: أبرمت الرّجل إبراما، وأضللته إضلالا حتى برم برما وضلّ ضلالة. قال: وتقول: ضللت الطريق، والدّار أضلّها ضلالا، وأضللت الفرس والناقة والصبيّ إضلالا، وكذلك كلّ ما ضلّ عنك فذهب.
[الحجة للقراء السبعة: 3/392]
وإذا كان الحيوان مقيما فأخطأت مكانه، فهو بمنزلة ما لا يبرح. مثل الدار والطريق؛ فهو كقولك: ضللت ضلالة.
وقال أبو عبيدة في قوله: فإنما يضل عليها [يونس/ 108]؛ فإنما ضلاله لنفسه وهداه لنفسه.
وقال أبو عبيدة في قوله: أن تضل إحداهما [البقرة/ 282] أي: تنسى، يقال: ضللت أي: نسيت قال: فعلتها إذا وأنا من الضالين [الشعراء/ 20] أي: نسيت، وضللت وجه الأمر.
وقال أبو الحسن في قوله: في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [طه/ 52] تقديره: ولا يضلّ عن ربي، ففاعل يضل* على تقدير أبي الحسن (كتاب) المتقدم ذكره، وكان الأصل: لا يضلّ عن ربّي، لأن الضلال يتعدى بعن، يدلّك على ذلك قوله: وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]. فلما حذف عن، وصل الفعل إلى المفعول به.
[الحجة للقراء السبعة: 3/393]
قال أبو علي: يقال: ضلّ زيد عن قصد الطريق، وأضلّه غيره عنه، وقال: ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]، وقال: أضل أعمالهم [محمد/ 1]، فهذا كقوله: فأحبط الله أعمالهم [الأحزاب/ 19] وكقوله: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة... إلى قوله لم يجده شيئا [النور/ 39]، وكقوله: لا يقدرون على شىء مما كسبوا [البقرة/ 264] أي: على جزاء شيء مما كسبوا من الخير لبطوله بالإحباط.
وقال: أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا [غافر/ 74]، فهذا في الآلهة التي كانوا يعبدونها كقوله: فزيلنا بينهم [يونس/ 28]، فزيّلنا: إنما هو فعّلنا من زال يزيل.
وقولهم: زلته فلم ينزل، وفي غير الآلهة قوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]. وقوله: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون [الروم/ 14].
وأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم [الأنعام/ 119] أي: يضلّون باتّباع أهوائهم، كما قال: واتبع هواه [الأعراف/ 176]. أي: يضلّون في أنفسهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/394]
من غير أن يضلّوا غيرهم من أتباعهم بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه، وغير ذلك مما يتبعونه، ويأخذون به ممّا لا شيء يوجبه من شرع ولا عقل؛ نحو السائبة والبحيرة، وغير ذلك ممّا كان يفعله أهل الجاهلية.
وأما قراءتهما في سورة يونس [88]: ربنا ليضلوا عن سبيلك، فالذي قاله أبو الحسن أن اللام في ليضلوا* إنما هو لما يؤول إليه الأمر؛ فالمعنى إنك آتيت فرعون وملأه زينة ليضلّوا عن سبيلك، فلا يؤمنوا، فقوله: فلا يؤمنوا [يونس/ 88] عطف على النصب الحادث مع اللام في ليضلوا* وما بين ذلك من قوله: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم [يونس/ 88]، اعتراض بين (آتيت) وما يتّصل به، كما كان قوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] كذلك. وهذا الضّرب من الاعتراض كثير، وقد جاء بين الصّلة والموصول في قوله: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة [يونس/ 27].
فالمعنى: ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينة فضلّوا، كما أن معنى: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8]. أي: فكان كذلك، فالفتح في قوله: ليضلوا* أحسن لهذا المعنى، لأنهم هم ضلّوا وطغوا لما أوتوه من الزينة والأموال.
[الحجة للقراء السبعة: 3/395]
وقراءتهما في إبراهيم [10]: وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله أي لم ينتفعوا بما اتخذوا من الأنداد، إلّا ليزيغوا عن الطريق المستقيم الذي نصبت الأدلة عليه، فقوله: ليضلوا* فتح الياء فيه حسن لذلك.
وقوله في الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، أي: يجادل في الله بغير علم مستكبرا ثاني عطفه، ولاويا عنقه، ليضلّ عن سبيل الله، ويذهب عنه، لا أنّ له على ذلك حجّة أو لديه فيه بيان. ومثل ذلك في هذا المعنى إذا فريق منهم بربهم يشركون، ليكفروا [الروم/ 33] فيمن جعل اللام الجارّة، أي: أشركوا ليكفروا بما بيناه لهم، لا لأن لهم على ذلك حجّة ولا بيانا.
وفي لقمان [6]: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، أي: يذهب عنه، وقيل في لهو الحديث: أنه سماع الغناء، روينا ذلك عن الكندي عن المؤمّل عن ابن عليّة عن ليث عن مجاهد.
وفي الزّمر [8]: وجعل لله أندادا، ليضل عن سبيله وقد تقدم القول فيه.
قال: وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في المواضع الستة بضم الياء. ومن حجة من ضمّ الياء في هذه المواضع أنه يدلّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/396]
على أنّ الموصوف بذلك يكون في الضلال أذهب، ومن الهدى أبعد، ألا ترى أن كلّ مضلّ ضالّ، وليس كلّ ضالّ مضلا، لأن الضالّ قد يكون ضلاله مقصورا عليه نفسه لا يتعداه إلى سواه، والمضلّ أكثر استحقاقا للذم، وأغلظ حالا من الضال، لتحمّله إثم من أضلّه، كما قال: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم [النحل/ 25]. وقوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/ 13]. والمواضع التي فتح فيها الياء من فتح، يسوغ فيها تقدير الإضلال ويستقيم. فقوله: وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119]. على تقدير: ليضلّون أشياعهم؛ فحذف المفعول به، وحذف المفعول به كثير. ويقوي ذلك قوله: وما أضلنا إلا المجرمون [الشعراء/ 99] وقال: ربنا هؤلاء أضلونا [الأعراف/ 38]، وكذلك في يونس [88] ربنا ليضلوا عن سبيلك أي: ليضلّوا أشياعهم، ألا ترى أن في قصّتهم وأضلهم السامري [طه/ 85]، وكذلك أندادا ليضلوا [إبراهيم/ 30] أي ليضلّوا أشياعهم، وكذلك في المواضع الأخر، هذا التقدير سائغ فيها، وغير ممتنع من هذا التقدير.
فأما قراءة نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/397]
[الأنعام/ 119]، وفي يونس: ربنا ليضلوا عن سبيلك فحجتهما في فتح الياء حجة ابن كثير وأبي عمرو وقد تقدم القول فيه. وحجتهما في الأربعة المواضع: حجة عاصم وحمزة والكسائي). [الحجة للقراء السبعة: 3/398]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عطية العَوْفِي: [وقدْ فَصَلَ لكم] خفيفة.
قال أبو الفتح: هو من قولك: قد فَصَلَ إليكم وخرج نحوكم). [المحتسب: 1/227]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما لكم ألا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلّا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم}
قرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائيّ {وقد فصل}
[حجة القراءات: 268]
بفتح الفاء والصّاد وحجتهم ظهور اسم الله في قوله {وما لكم ألا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه} فلمّا قرب اسم الله من الفعل قرؤوا فصل لقرب اسمه منه فكان معناه وقد فصل الله لكم ثمّ قرؤوا {ما حرم} بترك تسمية الفاعل بدلالة ما جاء في القرآن من التّحريم بترك تسمية الفاعل في قوله {حرمت عليكم الميتة والدّم} و{وحرم عليكم صيد البر} جرى الكلام فيها بترك تسمية الفاعل فأجروا ما اختلفوا فيه من ذلك بلفظ ما اتّفقوا عليه وأخرى أن الكلام أتى عقيبه بترك تسمية الفاعل وهو قوله {إلّا ما اضطررتم إليه} فألحق قول {حرم} ليكون لفظا المستثنى والمستثنى منه متفقين
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {وقد فصل} بضم الفاء {ما حرم} بضم الحاء على ما لم يسم فاعله وحجتهم قوله {ثمّ فصلت من لدن حكيم خبير} وهذه أحسن أعنى {فصل} و{حرم} ليأتلف اللفظان على نظام واحد إذ كان المفصل هو المحرم ولا ضرورة تدعو إلى المخالفة بين اللّفظين
وقرأ نافع وحفص {فصل} بفتح الفاء و{حرم} بالفتح أي بين الله لكم ما حرمه عليكم
قرأ عاصم حمزة والكسائيّ {وإن كثيرا ليضلون} بضم الياء وحجتهم في وصفهم بالإضلال أن الّذين أخبر الله عنهم بذلك قد ثبت لهم أنهم ضالون بما تقدم من وصفه جلّ وعز إيّاهم بالكفر به قبل أن يصفهم بالإضلال فلا معنى إذا لوصفهم بالضلال وقد تقدم أنهم
[حجة القراءات: 269]
ضالون فكان وصفهم بأنّهم يضلون النّاس يأتي بفائدة غير ما تقدم من وصفهم في الكلام الأول فهم الآن ضالون بشركهم ويضلون غيرهم بما جاؤوا به
جاء في التّفسير أنّها نزلت في قوم من المشركين قالوا للمسلمين تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله قالوا فإذا قرئ {ليضلون} بفتح الياء لم يكن في الكلام فائدة غير أنهم ضالون فقط وقد علم ضلالتهم بما تقدم من وصفهم فكأنّه كرر كلامين ومعناه واحد
وقرأ أهل الحجاز والشّام والبصرة {ليضلون} أي ليضلون هم وحجتهم قوله {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} وقوله {وأولئك هم الضالون} وصفهم بالضلال لا بالإضلال). [حجة القراءات: 270]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (62- قوله: {وقد فصَّل لكم ما حرم عليكم} قرأه نافع والكوفيون «فصل» بالفتح، وضم الباقون، وكسروا الصاد، وقرأ نافع وحفص «حرم» بالفتح، فمن فتح أضاف الفعلين لله جل ذكره، لتقدم ذكره في قوله: {مما ذكر اسم الله عليه}، وقد أجمعوا على الفتح في قوله: {قد فصلنا الآيات} «الأنعام 97» و{ما حرم ربكم عليكم} «الأنعام 151» و{أن الله حرم هذا} «الأنعام 150» فحمل الفعلان على نظام واحد، لأن المفضل هو المحرم في المعنى، وقرأ البانون بضم الحاء والفاء، وكسر الراء والصاد، بنوا الفعلين على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/448]
ما لم يسم فاعله، كما قال: {حُرمت عليكم الميتة} «المائدة 3» وقال: {أنزل إليكم الكتاب مفصلا} «الأنعام 114» فهو من «فصل»، ولما ضم الأول ضم الثاني، لأنه هو في المعنى، فأما من ضم «حرم» وفتح «فصل» فإنه بنى «فصل» للفاعل، ففتحه لتقدم ذكره، ولقوله: {قد فصلنا الآيات} وحمل «حرم» على قوله {حرمت عليكم الميتة} فضمه، والاختيار فتح الأول والثاني، لأن الجماعة عليه، ولصحة معناه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (63- قوله: {وإن كثيرًا ليضلون} قرأ الكوفيون «ليضلون» هنا، و{ربنا ليضلوا عن سبيلك} في «يونس 88» بضم الياء «ليضلوا»، وقرأ الباقون بالفتح، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء في إبراهيم وفي الحج وفي لقمان وفي الزمر، وقرأهن الباقون بالضم.
وحجة من فتح في جميعها أنه جعله فعلًا ثلاثيًا غير متعدّ، يقال: ضل فلان يضل في نفسه، لا يدل على إضلاله غيره، فلا يتعدى ألبتة، لأنه ثلاثي.
64- وحجة من ضم الياء أنه جعله فعلًا رباعيًا، متعديًا إلى مفعول محذوف، والمعنى: ليضلون الناس، فهو أبلغ في ذمهم لأنهم لا يضلون الناس إلا وهم ضالون في أنفسهم، وليس إذا ضلوا في أنفسهم يضلون أحدًا بذلك الضلال، فالضم يتضمن معناه ومعنى الفتح، فهو أبلغ، ولا يتضمن الفتح معنى الضم، والضم أقوى وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45- {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ} [آية/ 119] بضم الفاء:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر.
والوجه أن الفعل وإن كان مسندًا إلى المفعول به، فإنه معلوم أن الذي
[الموضح: 496]
فصله هو الله تعالى، والمعنى: بين لكم المحرم عليكم، وهو المذكور في قوله سبحانه {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} فكما أن المذكور هناك على ما لم يسم فاعله، كذلك هذا، لأن هذا إشارة إلى ذاك، وهذا المحرم هو ذاك المفصل قد أجمل في هذه الآية ذكره.
وقرأ الباقون {فَصَّل} بالفتح.
والوجه أنه قد تقدم ذكر الله تعالى في قوله {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ} فينبغي أن يكون الفعل مبنيًا للفاعل، لتقدم ذكر اسم الله تعالى). [الموضح: 497]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [آية/ 119] بفتح الحاء:-
قرأها نافع و-ص- عن عاصم ويعقوب.
والوجه أن الذي حرم المحرمات هو الله تعالى، فإذا جاء على إسناد الفعل إليه فلا كلام فيه، ثم إن ذكره تعالى قد تقدم كما بيناه، وقد وافق أيضا لفظ {فَصَّلَ} عند من قرأ بالفتح، ويؤيده قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}.
وقرأ الباقون {حُرَّمَ} بضم الحاء.
[الموضح: 497]
والوجه أنه إشارة إلى قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...} وهذا المحرم هو مجمل ذاك التفصيل، وكلاهما على ما لم يسم فاعله). [الموضح: 498]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ} [آية/ 119] بضم الياء:-
قرأها الكوفيون، وكذلك في يونس {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا} وفي إبراهيم {أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا} وفي الحج ولقمان والزمر {لِيُضِلَّ} بضم الياء في الأحرف الستة.
والوجه أن المراد: وإن كثيرا منهم ليضلون أشياعهم وأتباعهم، فحذف المفعول به، وكذلك في سائر المواضع على حذف المفعول به، والإضلال أكثر استحقاقًا للذم من الضلال؛ لأن لا يضل غيره إلا وهو ضال، ثم إن المضل يتحمل إثمه وإثم من أضله، كما قال تعالى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء في الستة الأحرف.
والمعنى في هذا الموضع: أنهم يضلون في أنفسهم باتباع أهوائهم من غير أن يضلوا غيرهم، وضلالهم إنما هو بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه
[الموضح: 498]
وغير ذلك مما يأخذون به مما لا يوجبه شرع ولا عقل نحو السائبة والبحيرة وغير ذلك.
وأما {لِيُضِلُّوا} في يونس بفتح الياء، فمعناه إنك أتيت فرعون وملأه زينة وأموالا ليضلوا عن سبيلك فلا يؤمنوا، واللام لام العاقبة، ولم يؤتهم الله الزينة والأموال ليضلوا، ولكن لما كانت عاقبهم الضلال صاروا كأنهم أوتوا ذلك ليضلوا، والمعنى آتيت فرعون، وملأه زينة وأموالا فضلوا.
وأما فتح الياء من قوله في إبراهيم {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا} فاللام أيضا لام العاقبة، فإنهم لم يجعلوا لله أندادا للضلال، ولكن آلت عاقبتهم إلى الضلال باتخاذهم الأنداد، فكأنهم اتخذوها للضلال، وقيل اللام لام كي، والمعنى: جعلوا لله الأنداد عن علم منهم بأنه ضلال، فقد فعلوا ذلك ليضلوا.
[الموضح: 499]
وأما في الحج ولقمان {لِيَضِلِّ} بفتح الياء، فيجوز أن يحمل على أن اللام لام العاقبة كما ذكرنا، وقيل معناه: ليذهب عن سبيل الله لا أن له على ذلك حجة وبيانًا.
وأما ما في الزمر فهو كما في يونس.
وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب -ح- بالفتح في الأنعام ويونس، وبالضم في الباقي، و-يس- عن يعقوب {لِيُضِلِّ} بالضم في لقمان، والباقي بالفتح.
قد تقدم من القول في الوجهين ما فيه كفاية). [الموضح: 500]

قوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}

قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #34  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:48 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (122) إلى الآية (124) ]
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}

قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أومن كان ميتًا فأحييناه... (122).
قرأ نافع والحضرمي (أومن كان ميّتًا) مشددًا، وخفف الباقون.
قال أبو منصور: المعنى في الميت والميّت واحد، وأراد بالميّت والميت: الكافر الضّال، وقوله: (فأحييناه) معناه: فهديناه). [معاني القراءات وعللها: 1/383]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (43- وقوله تعالى: {أو من كان ميتًا فأحييناه} [122].
قرأ نافع وحده {ميتا} بالتشديد، والأصل ميوت على (فيعل) عند
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
البصريين. فقلبوا من الواو ياءً وأدغموا الياء في الياء.
وقرأ الباقون {ميتًا} بالتخفيف خفف من ثقل كراهية التشديد، يقال: هين لين وهين لين. والميت هاهنا -: الكافر فأحييناه بالإيمان). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/169]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ نافع وحده أو من كان ميتا مشدّدة. [الأنعام/ 122].
وقرأ الباقون: ميتا بالتخفيف.
أبو عبيدة الميتة* مخففة، وهو تخفيف: ميّتة، بالتشديد ومعناهما واحد ثقّل أو خفّف قال ابن الرّعلاء الغساني:
ليس من مات فاستراح بميت... إنّما الميت ميّت الأحياء
إنّما الميت من يعيش كئيبا... كاسفا باله، قليل الرّجاء
وقد وصف الكفار بأنهم أموات في قوله: أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون [النحل/ 21]، وكذلك قوله:
أومن كان ميتا فأحييناه أي: صادفناه حيّا بالإسلام من بعد الكفر، كالكافر المصرّ على كفره!؟.
[الحجة للقراء السبعة: 3/398]
فأما قوله: وجعلنا له نورا يمشي به في الناس [الأنعام/ 122]، فيحتمل أمرين: أحدهما أن يراد به النور المذكور في قوله: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم [الحديد/ 12]، وقوله يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم [الحديد/ 13]، ويجوز أن يراد بالنور: الحكمة التي يؤتاها المسلم بإسلامه، لأنه إذا جعل الكافر لكفره في الظلمات، فالمؤمن بخلافه.
والتخفيف مثل التشديد، والمحذوف من الياءين الثانية المنقلبة عن الواو، وأعلّت بالحذف كما أعلّت بالقلب). [الحجة للقراء السبعة: 3/399]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أو من كان ميتا فأحييناه}
قرأ نافع {أو من كان ميتا} بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف وقد ذكره فيما تقدم). [حجة القراءات: 270]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا} [آية/ 122] بالتشديد:-
قرأها نافع ويعقوب.
والوجه أنه هو الأصل؛ لأنه فيعل من الموت، وأصله: ميوت، فاجتمع الياء والواو، وسبق إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فبقي ميت، وهو مثل سيد وهين.
وقرأ الباقون {مَيْتًا} بالتخفيف، وهو مخفف من المشد، وتخفيفه أن تحذف الياء الأخيرة المنقلبة عن الواو، أعلوها بالحذف كما أعلوها بالقلب، والمخفف والمشدد سواء في المعنى، وقد مضى مثله). [الموضح: 500]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}

قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته}
قرأ ابن كثير وحفص {الله أعلم حيث يجعل رسالته} على واحد
وقرأ الباقون على الجمع وحجتهم أن الله جلّ وعز ذكر الرّسل
[حجة القراءات: 270]
قبله فقال {حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} وما بعده يجب أن يكون الجمع ليأتلف اللّفظ والمعنى ومن قرأ بالتّوحيد اجتزأ بالواحد عن الجميع). [حجة القراءات: 271]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (65- قوله: {رسالته} قرأ ابن كثير وحفص بالتوحيد، وفتح التاء؛ لأنه مفعول به، وقرأ الباقون بالجمع، وكسر التاء، وقد تقدَّم الكلام على ذلك في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
المائدة، والاختيار الجمع؛ لأن عليه أكثر القراء، ولأنه أدل على المعنى، لكثرة رسائل الله جل ذكره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/450]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [آية/ 124] على الوحدة:-
قرأها ابن كثير و-ص- عن عاصم.
وقرأ الباقون {رِسَالاتِهِ} على الجمع.
والمعنى فيهما واحد، وقد سبق مثله). [الموضح: 501]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #35  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:50 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (125) إلى الآية (127) ]

{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}

قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ضيّقًا حرجًا كأنّما يصّعّد... (125).
[معاني القراءات وعللها: 1/383]
قرأ ابن كثير وحده (ضيقًا) خفيفا، وفي الفرقان مثله، وكذلك روى عقبة بن سنان عن أبي عمرو.
وشددهما الباقون.
قال أبو منصور: الضّيق والضّيّق واحد، والأصل التشديد، ويكون الضّيق في غير هذا الموضع بمعنى: الشك، قال الله تعالى: (ولا تكن في ضيقٍ ممّا يمكرون)، وروى أبو عبيدة عن أبي عمرو: الضّيق: الشك، بفتح الياء، وقوله (حرجًا) قرأ نافع وأبو بكر (حرجًا) بكسر الراء، وقرأ الباقون (حرجًا).
وقال يونس: الحرج والحرج لغتان معناهما: الضّيّق.
قال أبو إسحاق: من قال (حرج) فهو بمنزلة قولك: رجل دنف بكسر النون، ومن قال (حرج) فهو بمنزلة: رجل دنف. أي: ذو دنفٍ، وكذلك قليبٌ حرج، أي: ذو حرج وضيق.
ويقال للشجر المشجر الذي لا تصل إليه الراعية لتضايقه وتكاثفه: حرج وحرجة، شبّه الله صدر الكافر بها، المعنى: أنه لا تصل إليه الحكمة). [معاني القراءات وعللها: 1/384]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كأنّما يصّعّد في السّماء... (125).
قرأ ابن كثير (كأنّما يصعد) خفيفة، وقرأ أبو بكر عن عاصم (يصّاعد) مشددا بألف، وقرأ الباقون (يصّعّد) بالتشديد بلا ألف.
قال أبو منصور: من قرأ (يصعد) فهو من صعد يصعد.
ومن قرأ (يصّاعد) أو (يصّعّد) فالأصل يتصاعد ويتصعّد، إلا أن التاء أدغمت منهما في الصاد فشددت.
المعنى: أن قلب الكافر كأنه (يصّعّد) في السماء نتوءًا عن الإسلام والحكمة، لا يعلق به شيء منهما، وقيل معناه: أنه كأنه كلّف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه). [معاني القراءات وعللها: 1/385]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (44- وقوله تعالى: {ضيقا حرجا} [125].
قرأ ابن كثير {ضيقا} خفيفًا.
وقرأ الباقون {ضيقًا} مشددًا، وكذلك في (الفرقان).
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر {حرجا} بكسر الراء.
وقرأ الباقون بالفتح، فقال قوم: الحرج والحرج؛ لغتان مثل الدنف والدنف. وقال آخرون: الحرج: الاسم. والحرج المصدر. فالحرج: الضيق. والحرج في اللغة الضيق، ومعنى ضيقًا حرجًا: الحرج أشد الضيق، كأنه قال: ضيقًا جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/169]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (45- وقوله تعالى: {كأنما يصعد في السماء} [125].
قرأ ابن كثير {يصعد} خفيفًا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {يصعد} بالألف وتشديد الصاد أراد: يتصاعد فأدغم.
وقرأ الباقون {يصعد} بتشديد الصاد والعين من غير ألف، أرادوا: يتصعد فأدغموا التاء في الصاد، ومعناهن واحد، كله من الصعود). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/169]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الياء وتخفيفها من قوله عز وجل: ضيقا [الأنعام/ 125].
فقرأ ابن كثير وحده: ضيقا* ساكنة الياء، وفي الفرقان [13] مكانا ضيقا خفيفتين.
وقرأ الباقون التي في سورة الأنعام: ضيقا مشدّدة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/399]
وكذلك روى حجّاج بن محمد الأعور عن عقبة بن سنان عن أبي عمرو ضيقا* خفيفا. أخبرني بذلك أبو بكر محمد بن عبد الله المقري، قال: حدثنا عبد الرزّاق بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن جبير مقرئ أنطاكيّة، قال: حدثنا حجّاج الأعور، عن عقبة، عن أبي عمرو أنّه قرأ: ضيقا* خفيفا.
الضّيق والضّيّق: مثل: الميت والميّت، في أن المحذوف مثل المتمّ في المعنى، والياء مثل الواو في الحذف، وإن لم يعتلّ بالقلب، كما اعتلّت الواو به، وأتبعت الياء الواو في هذا كما أتبعتها في قولهم: اتّسر. قالوا في اتسار الجزور:
اتّسروها، فجعلت بمنزلة اتعد). [الحجة للقراء السبعة: 3/400]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح الراء وكسرها من قوله عزّ وجلّ: حرجا [الأنعام/ 125].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: حرجا مفتوحة الراء.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: حرجا* مكسورة الراء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/400]
وروى حفص عن عاصم حرجا مثل أبي عمرو.
قال أبو زيد: حرج عليه السحور، يحرج حرجا: إذا أصبح قبل أن يتسحّر، وحرم عليه حرما، وهما واحد، وحرمت على المرأة الصلاة تحرم حرما، وحرجت عليها الصلاة تحرج حرجا، وهما واحد.
وقال أبو زيد: حرج فلان يحرج حرجا، إذا هاب أن يتقدم على الأمر، أو قاتل فصبر وهو كاره.
من فتح الراء كان وصفا بالمصدر، مثل: قمن وحرى، ودنف، ونحو ذلك من المصادر التي يوصف بها، ولا يكون كبطل، لأن اسم الفاعل في الأمر العامّ من فعل إنما يجيء على فعل. ومن قرأ: حرجا* فهو مثل دنف، وفرق، ومعنى الكلمة فيما فسّر أبو زيد: الضّيق والكراهة). [الحجة للقراء السبعة: 3/401]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في تشديد العين وتخفيفها، وإدخال الألف وإخراجها من قوله عزّ وجلّ: كأنما يصعد في السماء [الأنعام/ 125].
فقرأ ابن كثير وحده: كأنما يصعد في السماء. ساكنة الصاد بغير ألف خفيفة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/401]
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي:
يصعد مشدّدة العين بغير ألف.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: يصاعد بألف مشدّدة الصاد.
وروى حفص عن عاصم مشدّدة بغير ألف يصعد مثل حمزة.
قراءة ابن كثير يصعد في السماء من الصعود، والمعنى أنه في نفوره من الإسلام وثقله عليه بمنزلة من تكلّف ما لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يستطاع.
ومن قال: يصّعّد أراد: يتصعّد، فأدغم، ومعنى يتصعّد:
أنه كأنه يتكلف ما يثقل عليه وكأنه يتكلف شيئا بعد شيء، كقولهم: يتفوّق ويتجرّع ونحو ذلك مما يتعاطى فيه الفعل شيئا بعد شيء، ويصّاعد مثل: يتصعّد في المعنى مثل:
ضاعف وضعّف وناعم ونعّم.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون فاعل يشرح صدره الضمير، العائد إلى من* كأنّ المهديّ يشرح صدر نفسه؟
[الحجة للقراء السبعة: 3/402]
فإن ذلك صحيح في المعنى، والأشبه أن يكون الضمير الذي فيه عائدا إلى اسم الله عزّ وجلّ لقوله: أفمن شرح الله صدره للإسلام [الزمر/ 22]، وقوله: ألم نشرح لك صدرك [الانشراح/ 1] وكذلك يكون الضمير الذي في قوله يشرح صدره لاسم الله تعالى، والمعنى أنّ الفعل مسند إلى اسم الله تعالى في اللفظ، وفي المعنى: للمنشرح صدره، وإنّما نسبه إلى ضمير اسم الله لأنّه بقوته كان وتوفيقه كما قال: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال/ 17]، ويدلّك على أن المعنى لفاعل الإيمان إسناد هذا الفعل إلى الكافر في قوله: ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله [النحل/ 106]، فكما أسند الفعل إلى فاعل الكفر كذلك يكون إسناده في المعنى إلى فاعل الإيمان. ومعنى شرح الصدر: اتساعه للإيمان أو الكفر وانقياده له، وسهولته عليه، يدلّك على ذلك وصف خلاف المؤمن بخلاف الشرح الذي هو اتساع وهو قوله: ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا [الأنعام/ 125] كأنما يفعل ما يعجز عنه، ولا يستطيعه لثقله عليه وتكاؤده له.
فأما قوله: كأنما يصاعد في السماء: فمن قال: يصّاعد
[الحجة للقراء السبعة: 3/403]
ويصّعّد، فهو من المشقّة وصعوبة الشيء ومن ذلك قوله: يسلكه عذابا صعدا [الجن/ 17]. وقوله: سأرهقه صعودا [المدثر/ 17]. أي: سأغشّيه عذابا صعودا، أي عقوبة صعودا أي: شاقا. ومن ذلك قول عمر: «ما تصعّدني شيء كما تصعّدتني خطبة النكاح»، أي: ما شق عليّ شيء مشقّتها، وكأنّ ذلك لما يتكلفه الخطيب في مدحه وإطرائه للمملك، وربما لم يكن كذلك، فتحتاج إلى تطلّب المخلص، فلذلك شقّ. ومن ذلك قول الشاعر:
وإن سيادة الأقوام فاعلم... لها صعداء مطلبها شديد
فكأنّ معنى يصعد... يتكلّف
مشقة في ارتقاء
[الحجة للقراء السبعة: 3/404]
صعدا، وعلى هذا قالوا: عقبة عنوت وعنتوت، وعقبة كئود، ولا تكون السماء في هذا القول المظلّة للأرض، ولكن كما قال سيبويه: القيدود: الطويل في غير سماء، يريد به في غير ارتفاع صعدا، وعلى هذا قوله: قد نرى تقلب وجهك في السماء [البقرة/ 144].
فأما قوله: يجعل صدره ضيقا حرجا فعلى تأويلين:
أحدهما: التسمية في قوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف/ 19]، أي: سمّوهم بذلك، فكذلك يسمى القلب ضيّقا بمحاولة الإيمان وحرجا عنه.
والآخر: الحكم كقولهم: اجعل البصرة بغداد، وجعلت حسني قبيحا، أي: حكمت بذلك، ولا يكون هذا من الجعل الذي يراد به الخلق، ولا الذي يراد به الإلقاء كقولك: جعلت متاعك بعضه على بعض، وقوله: .. ويجعل الخبيث بعضه على بعض [الأنفال/ 37]). [الحجة للقراء السبعة: 3/405]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنّما يصعد في السّماء}
قرأ ابن كثير {ضيقا} خفيفا وقرأ الباقون بالتّشديد والأصل ضييق على وزن فيعل ابن كثير حذف الياء الثّانية والباقون أدغموا الياء ولم يحذفوا من الكلمة شيئا ومثله هين وهين
قرأ نافع وأبو بكر {حرجا} بكسر الرّاء وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان مثل الدنف الدنف وحجّة من فتح قوله {وما جعل عليكم في الدّين من حرج} فإن قال قائل لم قال الله {صدره ضيقا} مثقلًا الجواب إن الحرج أشد الضّيق فكأنّه قال ضيق جدا
قرأ ابن كثير {كأنّما يصعد} خفيفا من صعد يصعد وحجته قوله {إليه يصعد الكلم الطّيب} وقرأ أبو بكر (يصاعد) الأصل يتصاعد فأدغم التّاء في الصّاد لقربها من الصّاد
وقرأ الباقون {يصعد} الأصل يتصعّد فأدغموا التّاء في الصّاد ومعنى يصعد ويصاعد ويصعد كله واحد). [حجة القراءات: 271]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (66- قوله: {ضيقًا} قرأ ابن كثير بالتخفيف، هنا، وفي الفرقان على حذف إحدى الياءين استخفافًا واستثقالًا لياء مشددة مكسورة، والمحذوفة هي الثانية؛ لأن بها وقع الاستثقال، ولأنها قد غيرت، فهو بمنزلة «ميت»، وقرأ الباقون بالتشديد للياء؛ لأنه الأصل، كميت، واصله ياءان أدغمت الأولى في الثانية، فالأولى زائدة، والثانية عين الفعل أصلية؛ لأنه من «ضاق يضيق» مثل «كال يكيل»، وهو الاختيار، لأنه الأصل، ولأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/450]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (67- قوله: {حرجا} قرأ نافع وأبو بكر بكسر الراء، جعلاه اسم فاعل كفرق وحذر، ومعناه الضيق، كرر المعنى، وحسن ذلك لاختلاف اللفظ، فالمعنى: يجعل صدره ضيقًا، إنما يقال: فلان حرج أي آثم، وقرأ الباقون بفتح الراء، جعلوه مصدرًا وصف به، كـ «دنف وقمن»، قال أبو زيد: حرج عليه السحور يحرج حرجًا، إذا أصبح قبل أن يتسحر، وحكى أبو زيد: حرج فلان يحرج حرجًا، إذا هاب أن يتقدم على الأمر، أو قاتل فصبر وهو كاره، وقيل: من فتح جعله جمع حرجة، وهو ما التف من الشجر، وقد اختلف في فتح الراء وكسرها عند عمر بن الخطاب، فسأل ابن الخطاب رجلًا من
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/450]
كنانة راعيًا فقال: ما الحرجة عندكم؟ قال: الحرجة الشجرة تكون بين الأشجار، لا تصل إليه راعية ولا وحشية ولا شيء، فقال عمر: كذلك قلب المنافق، لا يصل إليه شيء من الخير، فيكون المعنى أن الله جل ذكره وصف صدر الكافر بشدة الضيق، عن وصول الموعظة إليه، ودخول الإيمان فيه، فشبهه في امتناع وصول المواعظ إليه بالجرحة، وهي الشجرة التي لا يوصل إليها لرعي ولا لغيره فهذا يدل على الفتح، وهو الاختيار لصحة معناه، لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/451]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (68- قوله: {كأنما يصَّعد} قرأه ابن كثير بإسكان الصاد، مخففا الصعود، وهو الطلوع، شبه الله جل ذكره الكافر في نفوره عن الإيمان، وثقله عليه بمنزلة من تكلّف ما لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يُطاق، وقرأ أبو بكر بالتشديد وبألف، بناه على مستقبل «تصاعد» فأدغم التاء في الصاد، واصله «تتصاعد» فهو على مثل الأول غير أنه فيه معنى فعل شيء بعد شيء، وذلك أثقل على فاعله، فهو بمعنى يتعاطى، معناه: يريد أن يفعل ما لا يطيقه، وقرأ الباقون بالتشديد، من غير ألف، وهو كالذي قبله، معناه: يتكلف ما لا يطيق شيئًا بعد شيء، كقولك: يتجرع ويتفرق). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/451]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (50- {صَدْرَهُ ضَيِّقًا} [آية/ 125] بالتخفيف:-
قرأها ابن كثير وحده، وكذلك في الفرقان {مَكَانًا ضَيِّقًا} مخففة.
الضيق والضيق مخففًا ومشددًا واحد، مثل الميت والميت، والأصل التشديد على ما تقدم في الميت، إلا أن الضيق الياءان فيه أصليان، وليس أحدهما واو كالميت، إلا أن الياء جيل مثل الواو في الحذف وإن لم يعتل بالقلب كما اعتلت الواو به، إلا أن الياء أتبعت الواو في ذلك كما أتبعتها في اتسر من اليسر أو من الإيسار، جعلت بمنزلة اتعد من الوعد.
وقرأ الباقون {ضَيِّقًا} بالتشديد، وهو الأصل). [الموضح: 501]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (51- {حَرَجًا} [آية/ 125] بكسر الراء:-
قرأها نافع وعاصم -ياش-.
[الموضح: 501]
والوجه أنه اسم الفاعل من خرج يحرج حرجًا فهو حرج، قاله أبو زيد، وهو إذا هاب أن يتقدم على الأمر، ومثله دنف يدنف دنفا فهو دنف؛ لأن اسم الفاعل من فعل بكسر العين في الأكثر إنما هو على فعل بكسر العين، والمعنى: يجعل صدره ضيقًا مبالغًا في الضيق، وقيل آثمًا، وقيل شاكًا.
وقرأ الباقون {حَرَجًا} بفتح الراء.
وهو المصدر من حرج حرجًا، وهو مصدر وصف به كدنف وقمن وحرى). [الموضح: 502]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (52- {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [آية/ 125] بسكون الصاد: -
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أنه مضارع صعد، والمعنى: أنه في ثقل الإسلام عليه وتجافيه عنه، كأنه كلف أن يصعد في السماء، وصعود السماء غير مستطاع، فهو بمنزلة من طلب ما لا يستطيعه.
وقرأ الباقون {يَصَّعَّدُ} بتشديد الصاد والعين، إلا عاصمًا في رواية ياش-. فإنه قرأ {يَصَّاعَدُ} بالألف مشددة الصاد.
ووجه {يَصَّعَّدُ} أن الأصل يتصعد، فأدغمت التاء في الصاد، والمعنى أنه لثقل الإسلام عليه فكأنه يتكلف الصعود شيئًا بعد شيء، كقولهم يترقي ويترجع ونحو ذلك.
[الموضح: 502]
وأما {يَصَّاعَدُ} فهو مثل يتصعد في المعنى، وهو من باب تضاعف وتضعف). [الموضح: 503]

قوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)}

قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #36  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:32 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (128) إلى الآية (131) ]
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ... (128).
قرأ عاصم في رواية حفص عنه (ويوم يحشرهم) ها هنا وفي كل القرآن إلا في موضعين: عند العشرين من الأنعام، وقبل الثلاثين
[معاني القراءات وعللها: 1/385]
من يونس، فإنه قرأهما بالنون.
وقرأ الحضرمي ثلاثة مواضع بالياء: عند العشرين من الأنعام (ويوم يحشرهم جميعًا ثم يقول) وفي الفرقان (ويوم يحشرهم فيقول) بالياء، وفي سبأ (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة).
وسائر القرآن بالنون.
وقرأ الباقون بالنون في كل القرآن إلا ابن كثير فإنه قرأ في الفرقان (ويوم يحشرهم) بالياء.
قال أبو منصور: المعنى واحد في (نحشرهم ويحشرهم)، الله الحاشر لا شريك له). [معاني القراءات وعللها: 1/386]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [قوله: ويوم بحشرهم [الأنعام/ 128].
حفص عن عاصم ويوم يحشرهم بالياء.
وقرأ الباقون بالنون.
أما الياء فلقوله: لهم دار السلام عند ربهم [الأنعام/ 127]، ويوم يحشرهم، والنون كالياء في المعنى، والذي يتعلق به اليوم: هو القول المضمر. ويقوي النون قوله:
وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47]، وقوله: ونحشره يوم القيامة أعمى [طه/ 124] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/406]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (69- قوله: {ويوم يحشرهم} قرأه حفص بالياء، ردَّه في الغيب على قوله: {لهم دار السلام عند ربهم} «127» وهو الثاني في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/451]
هذه السورة ومثله الثاني في يونس وفي الفرقان: {يوم نحشرهم} ومثله في سبأ، ووافقه ابن كثير على الياء في الفرقان، وقرأ الباقون بالنون في الأربعة على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، فأتى بلفظ الإخبار بعد لفظ الغيبة، وهو كثير، كما قال: {والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي} «العنكبوت 23» ودليله قوله: {وحشرناهم} «47» وقوله: {ونحشره يوم القيامة أعمى} «طه 124»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/452]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (53- {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} [آية/ 128] بالياء:-
قرأها عاصم -ص- ويعقوب -ح-، وقرأ الباقون {نَحْشُرُهُمْ} بالنون، وكذلك -يس- عن يعقوب.
والمعنى فيها واحد، فالله سبحانه حاشرهم، وقد تقدم مثله). [الموضح: 503]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}

قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)}

قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #37  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:33 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (132) إلى الآية (135) ]
{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}

قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون (132).
في ثلاثة مواضع قرأهن ابن عامر بالتاء، وقرأ حفص والحضرمي ونافع هنا بالياء، وآخر هود وآخر النمل بالتاء، وقرأهن الباقون ثلاثتهن بالياء). [معاني القراءات وعللها: 1/390]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (49- وقوله تعالى: {بغافل عما يعملون} [132].
قرأ ابن عامر وحده بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء، وقد ذكرته بعلته في (البقرة) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/170]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما ربك بغافل عمّا يعملون}
[حجة القراءات: 271]
قرأ ابن عامر {وما ربك بغافل عمّا تعملون} بالتّاء على الخطاب وقرأ الباقون بالياء وحجتهم قوله قبلها ذلك {أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} ). [حجة القراءات: 272]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (70- قوله: {عما يعملون} قرأه ابن عامر بالتاء، حمله على الخطاب الذي بعده، وهو قوله: {إن يشأ يذهبكم} «133» وما بعده: {كما أنشأكم}، وقرأ الباقون بالياء، حملوه على الغيبة التي قبله، وهو قوله: {ولكل درجات مما عملوا} وقوله قبل ذلك: {أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون} «131»، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/452]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (54- {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آية/ 132] بالتاء:-
قرأها ابن عامر وحده.
والمعنى: قل لهم {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، ويجوز أن يكون المراد الغائبين والمخاطبين جميعا، فغلب الخطاب على الغيبة؛ لأنهما إذا اجتمعا فالغلبة للخطاب.
وقرأ الباقون {يَعْمَلُونَ} بالياء.
والوجه أن ما قبله على الغيبة، فإجراؤه على الغيبة أولى، وذاك قوله {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} ). [الموضح: 503]

قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133)}

قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)}

قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (اعملوا على مكانتكم... (135)
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (مكاناتكم) جماعا في كل القرآن.
وقرأ الباقون (على مكانتكم).
قال أبو منصور: المكانة والمكان يكونان موضعا لكينونة الشيء فيه.
وأخبرني المنذري عن أبي جعفر الغساني عن سلمة عن أبي عبيدة
[معاني القراءات وعللها: 1/386]
في قوله (اعملوا على مكانتكم)، أي: حيالكم وناحيتكم.
قال: وأخبرني أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: يقال له في قلبي منزلة، مثل قولك له في قلبي محلة وموضعة وموقعة ومكانة ومجلسة). [معاني القراءات وعللها: 1/387]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من تكون له عاقبة الدّار... (135).
قرأ حمزة والكسائي (من يكون له) بالياء ها هنا وفي القصص.
وقرأهما الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فلتأنيث العاقبة، ومن قرأ بالياء فلأن العاقبة معناها: العقب، وهو مذكر، وكذلك ما كان من المصادر المؤنثة، يجوز تذكير فعلها، مثل: الرحمة، والعافية، وما أشبههما). [معاني القراءات وعللها: 1/387]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (46- وقوله تعالى: {اعملوا على مكانتكم} [135].
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر {مكانتكم} بالجمع في كل القرآن وقرأ الباقون {مكانتكم} ومعناه: تمكنكم وأمركم وحالكم، أي أثبتوا على ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/169]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (47- وقوله تعالى: {من تكون له عاقبة الدار} [135].
قرأ حمزة والكسائي بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
فمن قرأ بالتاء فلتأنيث العاقبة.
ومن قرأها بالياء فلأن تأنيثها غير حقيقي؛ ولأنك فصلت بين العاقبة وفعلها بـ "له» وكذلك اختلافهم في (القصص) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/170]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في: الجمع والتوحيد في قوله تعالى: على مكانتكم [الأنعام/ 135].
فقرأ الجميع: على مكانتكم على الواحد، واختلف عن عاصم؛ فروى أبو بكر علي مكاناتكم جماع في كلّ القرآن.
وروى حفص عن عاصم، وشيبان النحوي عن عاصم: مكانتكم واحدة في كلّ القرآن. حدثني موسى بن إسحاق قال: حدّثنا هارون بن حاتم قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن عاصم أنه قرأ: على مكانتكم واحدة،
وكذلك قرأ الباقون على التوحيد أيضا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/406]
قال أبو زيد: يقال: رجل مكين عند السلطان من قوم مكناء، وقد مكن مكانة، وقال أبو عبيدة: على مكانتكم، أي: على حيالكم [وناحيتكم]، وما جاء في التنزيل من قوله: إنك اليوم لدينا مكين أمين [يوسف/ 54]، وقوله:
مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم [الأنعام/ 6]؛ يدلّ على أن المكانة: المنزلة والتّمكّن، كأنه: اعملوا على قدر منزلتكم، وتمكّنكم من دنياكم، فإنّكم لن تضرّونا بذلك شيئا، كما قال: لن يضروكم إلا أذى [آل عمران/ 111]، ومثل هذا قوله: وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون [هود/ 21].
ووجه الإفراد: أنه مصدر، والمصادر في أكثر الأمر مفردة.
ووجه الجمع أنها قد تجمع كقولهم: الحلوم والأحلام.
قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/407]
فأمّا إذا جلسوا بالعشيّ... فأحلام عاد وأيد هضم
والأمر العام على الوجه الأول). [الحجة للقراء السبعة: 3/408]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ]: من تكون له عاقبة الدار [الأنعام/ 135]، هاهنا وفي القصص [الآية/ 37].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر من تكون له* بالتاء. وكذلك قراءتهم في سورة القصص.
وقرأ حمزة والكسائيّ: يكون له* في الموضعين بالياء.
العاقبة: مصدر كالعافية، وتأنيثه غير حقيقي، فمن أنّث فكقوله: وأخذت الذين ظلموا الصيحة [هود/ 94]، ومن ذكّر فكقوله: وأخذ الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67].
وكقوله: قد جاءتكم موعظة من ربكم [يونس/ 57]، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى [البقرة/ 275]، وكلا الأمرين حسن كثير). [الحجة للقراء السبعة: 3/408]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار}
قرأ أبو بكر (اعملوا على مكاناتكم) على الجمع في كل القرآن
وقرأ الباقون {على مكانتكم} أي على تمكنكم وأمركم وحالكم والتوحيد هو الاختيار لأن الواحد ينوب عن الجمع ولا ينوب الجمع عن الواحد قوله {مكانتكم} وزنه مفعلة من الكون والميم زائدة والألف منقلبة عن الواو من كان يكون مفعلة وقال قوم وزنه فعال مثل ذهاب والألف زائدة والميم أصليّة والدّليل على ذلك أن فعالا تجمعه على أفعلة تقول أمكنة ولو كان مفعلا لم يجمع على أفعلة
قرأ حمزة والكسائيّ {من يكون} بالياء وكذلك في القصص لأن تأنيثهما غير حقيقيّ العاقبة والآخر واحد وحجتهما قوله {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم} وقوله {ثمّ كان عاقبة الّذين}
وقرأ الباقون {من تكون} بالتّاء لتأنيث العاقبة). [حجة القراءات: 272]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (71- قوله: {مكانتكم} قرأه أبو بكر بالجمع، حيث وقع، جعله جمع مكانة، وهي الحالة التي هم عليها، فلما كانوا على أحوال مختلفة من أمر دنياهم جمع، لاختلاف الأنواع وهو مصدر، فالمعنى: اعملوا على أحوالكم التي أنتم عليها، فيلس يضرنا ذلك، وفي الكلام معنى التهدد والوعيد بمنزلة قوله: {كلوا وتمتعوا قليلًا} «المرسلات 46» وقرأ الباقون بالتوحيد، لأنه مصدر يدل على القليل والكثير من صنفه، من غير جمع ولا تثنية، وأصل المصدر أن لا يثنى ولا يُجمع، لأن فائدته فائدة الفعل، إذ الفعل منه أخذ، فكما لا يجمع الفعل كذلك لا يُجمع المصدر، إلا أن تختلف أنواعه، فيشابه المفعول، فيجوز
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/452]
جمعه، وأصله أن لا يجمع، يقال: مكن الرجل مكانه، فكأنه قال: اعملوا على حالكم وأمركم في دنياكم، على التهدد والوعيد، والتوحيد أحب إلي، لأن الجماعة عليه، ولأنه أخف، وهو الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/453]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (72- قوله: {من تكون له عاقبة الدار} قرأه حمزة والكسائي بالياء، ومثله في القصص، ذكر الفعل لمّا فرّق بين المؤنث وفعله، ولأن العاقبة تأنيثها غير حقيقي، ولأنها لا ذكر لها من لفظها، وقرأهما الباقون بالتاء، على تأنيث لفظ العاقبة، وهما سواء في النظر، وقد قال الله جل ذكره: {فمن جاءه موعظة} «البقرة 275»، وقال: {قد جاءتكم موعظة} «يونس 57» وقال: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة} «هود 67»، وقال: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} «هود 94» فالقراءتان متعادلتان، والتأنيث هو الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/453]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (55- {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [آية/ 135] بالجمع:-
قرأها عاصم وحده -ياش- في كل القرآن.
والوجه أن جمع مكانة، وهي مصدر من مكن يمكن مكانة عند السلطان، والمصادر قد تجمع على إرادة اختلاف الأنواع، وقد جمع الحلم والعلم على الأحلام والحلوم والعلوم، وقد جمع الشغل على الأشغال، ومثل ذلك كثير.
ويجوز أن يكون مفعلة من الكون، فيكون إما مصدرًا بمعنى الكينونة، أو موضعا كما يقال مكان ومكانة ومنزل ومنزلة، فجمع على المكانات، ولا غرابة في جمعه إذا كان غير مصدر.
وقرأ الباقون {مَكَانَتِكُمْ} على الوحدة.
والوجه أن من جعله مصدرًا فالأولى أن لا يجمعه؛ لأن المصادر تفرد ولا تجمع في الأمر العام، ومن جعله اسما غير مصدر كان وإن كان واحدا يؤدي معنى الجمع؛ لأنه لما أضيف إلى الجمع علم أنه جمع، والمعنى ليعمل كل واحد منكم على مكانته). [الموضح: 504]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (56- {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} [آية/ 135] بالياء: -
قرأها حمزة والكسائي.
[الموضح: 504]
والوجه أن تأنيثه غير حقيقي، فلهذا يمر كقوله تعالى {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} ثم إنه قد فصل بين الفعل وبين فاعله بقوله {لَهُ} فحسن التذكير، وقد مضى مثله.
وقرأ الباقون بالتاء فوقها نقطتان ههنا وفي القصص.
والوجه أن التاء لتأنيث اللفظ، فالعاقبة مصدر مؤنث لمكان تاء التأنيث فيه، وإذا كان مؤنث اللفظ أنث فعله، كقوله تعالى {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} ). [الموضح: 505]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #38  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:35 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (136) إلى الآية (137) ]
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هذا للّه بزعمهم... (136).
قرأ الكسائي وحده (بزعمهم) بضم الزاي في الحرفين.
[معاني القراءات وعللها: 1/387]
وقرأ الباقون (بزعمهم).
قال أبو منصور: وهما لغتان: زعم وزعم). [معاني القراءات وعللها: 1/388]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (48- وقوله تعالى: {هذا لله بزعمهم} [136].
قرأ الكسائي وحده {بزعمهم}.
وقرأ الباقون بالفتح. وفيه لغة ثالثة لم يقرأ بها أحد (زعم) بكسر الزاي.
وأخبرني ابن مجاهد رحمه الله عن السمري عن الفراء قال: الفَتك والفُتك ثلاث لغات بمعنى، وكذلك الزعم والزعم والزعم بمعنى). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/170]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الزاي في قوله تعالى: بزعمهم [الأنعام/ 136] وضمّها.
فقرأ الكسائيّ وحده بزعمهم* مضمومة الزاي.
وقرأ الباقون: بزعمهم مفتوحة الزاي.
القول فيه أنهما لغتان.
وقرأ ابن عامر وحده: وما ربك بغافل عما تعملون [النمل/ 93] بالتاء، وقرأ الباقون بالياء). [الحجة للقراء السبعة: 3/409]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هذا لله بزعمهم}
قرأ الكسائي {بزعمهم} بضم الزّاي وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان). [حجة القراءات: 273]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (73- قوله: {بزعمهم} قرأه الكسائي بضم الزاي، وفتح الباقون، وهما لغتان مشهورتان، وقد قيل: من فتحه جعله مصدرًا، ومن ضمه جعله اسمًا كالنَّصَب والنَّصْب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/453]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ... (137).
قرأ ابن عامر وحده ((وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركائهم بضم الزاي، ورفع اللام من (قتل)، ونصب الدال (أولادهم)، (شركائهم) خفضا بالياء.
وقرأ الباقون (زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) بفتح الزاي، واللام من (قتل)، ورفع الشركاء، وكسر الدال.
قال أبو منصور: أما قراءة ابن عامر فهي متروكة؛ لأنها لا تجوز إلا على التقديم والتأخير الذي قاله الشاعر، كان غير جيد ولا حسن.
[معاني القراءات وعللها: 1/388]
والمعنى على قراءته: زيّن لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم.
وأنشد الفراء في مثله:
فزججتها متمكنًا... زجّ القلوص أبي مزاده
أراد: أبي مزادة القلوص.
قال أبو منصور: وهذا عند الفصحاء رديٌّ جدًّا، ولا يجوز عندي القراءة بها.
وأما قراءة العامة التي اجتمع عليها القراء فهي الجيدة البالغة بفتح الزاي، واللام من قتل، والرفع في (شركاؤهم)، فزين: فعل ماضٍ و(شركاؤهم) فاعلون، و(قتل) منصوب بالفعل.
والرفع في قوله (شركاؤهم) على تكرير الفعل، والمعنى: زينه شركاؤهم، فأضمره). [معاني القراءات وعللها: 1/389]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (50- وقوله تعالى: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركآءهم} [137].
فالأولاد في موضع نصب. وشركاؤهم: يرتفعون بفعلهم، وفعلهم التزيين. والتقدير: وكذلك زين شركاؤهم أن قتل كثير من المشركين أولادهم فهذه قراءة الناس كلهم إلا أهل الشام فإنهم قرأوا: {وكذلك زين} بضم الزاي {قتل} بالرفع {أولادهم} بالنصب {شركائهم} بالخفض على تقدير: قتل شركائهم أولادهم ففرقوا بين المضاف والمضاف إليه كما قال الشاعر:
فزجحتها متمكنا = زج القلوص أبي مزاده
أراد: زج أبي مزادة القلوص). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/171]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ]، وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم [الأنعام/ 137].
فقرأ ابن عامر وحده وكذلك زين* برفع الزاي لكثير من المشركين قتل برفع اللام، أولادهم* بنصب الدال، شركايهم* بياء.
وقرأ الباقون: زين بفتح الزاي لكثير من المشركين قتل بنصب اللام، أولادهم خفض شركاؤهم رفع.
[الحجة للقراء السبعة: 3/409]
الشركاء على قول العامة فاعل زين وهو مثل: لا ينفع نفسا إيمانها [الأنعام/ 158]، لمّا تقدم ذكر المشركين كنّى عنهم في قوله: شركاؤهم كما أنه لما تقدم ذكر النفس وإبراهيم في قوله لا ينفع نفسا إيمانها وإذ ابتلى إبراهيم ربه [البقرة/ 124] كنّى عن الاسمين المتقدم ذكرهما. وقتل أولادهم مفعول زين، وفاعل زين شركاؤهم، ولا يجوز أن يكون الشركاء فاعل المصدر الذي هو القتل كقوله: ولولا دفاع الله الناس [البقرة/ 251]، لأنّ زين حينئذ يبقى بلا فاعل، ولأن الشركاء ليسوا قاتلين، إنما هم مزيّنون القتل للمشركين، وأضيف المصدر الذي هو القتل إلى المفعولين الذين هم الأولاد، كقوله: لا يسأم الإنسان من دعاء الخير [فصلت/ 49] ونحو ذلك مما يحذف معه الفاعلون والمعنى: قتلهم أولادهم، فحذف المضاف إليه الذي هو الفاعل، كما حذف ضمير الإنسان في قوله من دعاء الخير. والمعنى: من دعائه الخير. وأما قول ابن عامر: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم، فإن الفعل المبنيّ للمفعول به، أسند إلى القتل فاعمل المصدر عمل الفعل، وأضافه إلى الفاعل، ونظير ذلك قوله: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض فاسم الله فاعل، كما أنّ الشركاء فاعلون، والمصدر مضاف إلى الشركاء الذين هم فاعلون، والمعنى: قتل شركائهم أولادهم، ففصل بين المضاف والمضاف إليه، بالمفعول به،
[الحجة للقراء السبعة: 3/410]
والمفعول به مفعول المصدر، وهذا قبيح قليل في الاستعمال، ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى، ألا ترى أنه لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام وحال السعة، مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها مواقع لا يقع فيها غيرها نحو: إن فيها قوما جبارين [المائدة/ 22].
ونحو:
.. للهجر حولا كميلا ونحو قوله:
فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله
[الحجة للقراء السبعة: 3/411]
ألا ترى أنه قد فصل بين أنّ واسمها بما يتعلق بخبرها، ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك، ألا ترى أنهم لا يجيزون: إن زيدا عمرا ضارب، إذا نصبت زيدا بضارب، فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام، مع اتساعهم في الظرف في الكلام، وإنما جاز في الشعر كقوله:
كما خطّ الكتاب بكفّ يوما... يهوديّ...
كان لا يجوز في المفعول به الذي لم يتّسع فيه بالفصل، به أجدر.
ووجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال أنه قد جاء في الشعر الفصل على حدّ ما قرأه، قال الطّرمّاح:
[الحجة للقراء السبعة: 3/412]
يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع... بواديه من قرع القسيّ الكنائن
وزعموا أن أبا الحسن أنشد:
زجّ القلوص أبي مزادة
وهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر، ألا ترى أنه قد فصل فيهما بين المصدر والمضاف إليهما، كما فصل ابن عامر بين المصدر، وما حكمه أن يكون مضافا إليه؟ وذكر سيبويه في هذه الآية قراءة أخرى، وهي: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم، وحمل الشركاء فيها على فعل مضمر غير هذا الظاهر.
[كأنه لما قيل: وكذلك زين لكثير من المشركين].
قيل: من زيّنه؟؛ فقال: زيّنه شركاؤهم. قال: ومثل ذلك قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/413]
ليبك يزيد ضارع لخصومة... ومختبط ممّا تطيح الطوائح
كأنّه لما قال: ليبك يزيد، دلّ على أن له باكيا، فقال: يبكيه ضارع، ومثل هذه الآية على هذه القراءة قوله: يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال [النور/ 36]، كأنّه لما قال:
يسبح* فدلّ على يسبح فقيل له: من يسبحه؟ قال: يسبّحه رجال). [الحجة للقراء السبعة: 3/414]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن السلمي: [وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ].
قال أبو الفتح: يحتمل رفع شركاء تأويلين:
أحدهما: وهو الوجه؛ أن يكون مرفوعًا بفعل مضمر دل عليه قوله: [زُين]؛ كأنه لما قال: زُين لكثير من المشركين قتلُ أولادهم، قيل: مَن زينه لهم؟ فقيل: زينه لهم شركاؤهم، فارتفع الشركاء بفعل مضمر دل عليه [زُين]، فهو إذن كقولك: أُكل اللحمُ زيدٌ، ورُكِبَ
[المحتسب: 1/229]
الفرسُ جعفرٌ، وترفع زيدًا وجعفرًا بفعل مضمر دل عليه هذا الظاهر، وإياك وأن تقول: أنه ارتفع بهذا الظاهر؛ لأنه هو الفاعل في المعنى لأمرين:
أحدهما: أن الفعل لا يرفع إلا الواحد فاعلًا أو مفعولًا أقيم مقام الفاعل، وقد رفع هذا الفعل ما أقيم مقام فاعله وهو [قَتْلُ أَوْلادِهِمْ]، فلا سبيل له إلى رفع اسم آخر على أنه هو الفاعل في المعنى؛ لأنك إذ انصرفت بالفعل نحو إسنادك إياه إلى المفعول لم يجز أن تتراجع عنه فتسنده إلى الفاعل؛ إذ كان لكل واحد منهما فعل يخصه دون صاحبه، كقولك: ضَرَب وضُرِب، وقَتَل وقُتِلَ، وهذا واضح.
والآخر: أن الفاعل عندنا ليس المراد به أن يكون فاعلًا في المعنى دون ترتيب اللفظ، وأن يكون اسمًا ذكرته بعد فعل وأسندته ونسبته إلى الفاعل؛ كقام زيد وقعد عمرو. ولو كان الفاعل الصناعي هو الفاعل المعنوي للزمك أن تقول: مررت برجلٌ يقرأ، فترفعه لأنه قد كان يفعل شيئًا وهو القراءة، وأن تقول: رأيت رجلٌ يحدث، فترفعه بحديثه، وأن تقولم في رفع زيد من قولك: زيد قام: إنه مرفوع بفعله؛ لأنه الفاعل في المعنى؛ لكن طريق الرفع في [شركاؤهم] هو ما أَريتك من إضمار الفعل له لترفعه به، ونحوه ما أنشده صاحب الكتاب من قول الشاعر:
لِيُبْك يزيد ضارِعٌ لخصومة ... ومُخْتبِطٌ مما تُطيح الطوائح
كأنه لما قال: ليبك يزيد، قيل: مَن يبكيه؟ فقال: ليبكه ضارع لخصومة، والحمل على المعنى كثير جدًّا، وقد أفردنا له فصلًا في جملة شجاعة العربية من كتابنا الموسوم بالخصائص.
فهذا هو الوجه المختار في رفع الشركاء وشاهده في المعنى قراءة الكافة: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}، ألا ترى أن الشركاء هم المزيِّنون لا محالة؟
وأما الوجه الآخر: فأجازه قطرب؛ وهو أن يكون الشركاء ارتفعوا في صلة المصدر الذي هو القتل بفعلهم، وكأنه: وكذلك زُين لكثير من المشركين أنْ قَتَلَ شركاؤهم أولادَهم، وشبهه بقوله: حُبِّبَ إليَّ ركوبُ الفرس زيدٌ؛ أي: أن ركب الفرسَ زيدٌ. هذا -لعمري- ونحوه صحيح المعنى، فأما الآية فليست منه، بدلالة القراءة المجتمع عليها، وأن المعنى أن المزيِّن هم الشركاء، وأن القاتل هم المشركون، وهذا واضح). [المحتسب: 1/230]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم: [وَلِيَلْبَسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ] بفتح الباء.
قال أبو الفتح: المشهور في هذا لَبِست الثوب أَلْبَسه، ولَبَست عليهم الأمر أَلْبِسُه.
فأما أن تكون هذه لغة لم تتأد إلينا: لبِست عليهم الأمر ألبَسه، في معنى لبَسته ألبِسه.
وإما أن تكون غير هذا؛ وهو أن يراد به شدة المخالطة لهم في دينهم، فالاعتراض فيه بينه وبينهم ليشكُّوا فيه ولا يتمكنوا من التفرد به، كما أن لابس الثوب شديد المماسة له والالتباس به، فيقول على هذا: لبِست إليك طاعتَك، واشتملْتُ الثقة بك؛ أي: خالطت هذه الأشياء وماسستها؛ تحققًا بها وملابسة لها، وعليه قول القُلاخ السعدي:
نكسوهُم مخشونَةً لِبَاسًا
يعني: السيوف. وقد مر به لفظًا ألبتة شاعرنا فقال:
وإنا إذا ما الموت صرَّح في الوغى ... لَبِسنا إلى حاجاتنا الضرب والطعنا
فإما أن يكون هذا الشاعر نظر إلى هذه القراءة، وإما أن يكون أراد المراد بها فسلك سنة قارئها، فاعرف ذلك ولا تقل ما يقوله من ضعفت نحيزته، ورَكَّت طريقته: هذا شاعر مُحْدث، وبالأمس كان معنا، فكيف يجوز أن يحتج به في كتاب الله جل وعز؟ فإن المعاني لا يرفعها تقدُّم، ولا يُزري بها تأخر. فأما الألفاظ فلعمري إن هذا الموضع معتبرٌ فيها، وأما المعاني ففائتة بأَنفسها إلى مغرسها، وإذا جاز لأبي العباس أن يحتج بأبي تمام في اللغة كان الاحتجاج في المعاني بالمولَّد الآخر أشبه). [المحتسب: 1/231]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم}
قرأ ابن عامر (وكذلك زين) بضم الزّاي {قتل} بالرّفع أولادهم نصب {شركائهم} بالخ {زين} على ما لم يسم فاعله {قتل} اسم ما لم يسم فاعله {أولادهم} نصب بوقو الفعل عليهم {شركائهم} جر بالإضافة على تقدير قتل شركائهم أولادهم ففرق بين المضاف والمضاف إليه وحجته قول الشّاعر:
فزججتها متمكنًا ... زج القلوص ابي مزاده
أراد زج أبي مزادة القلوص وأهل الكوفة يجوزون الفرق بين المضاف والمضاف إليه
وقرأ الباقون {وكذلك زين} بفتح الزّاي {قتل} نصب أولادهم جر {شركاؤهم} رفع وهم الفاعلون والتّقدير وكذلك زين شركاؤهم أن قتل كثير من المشركين أولادهم
[حجة القراءات: 273]
قال الزّجاج {شركاؤهم} ارتفعوا بتزيينهم ويقال إن هؤلاء المزينين كانوا يخدمون الأوثان وقيل شركاؤهم شياطينهم). [حجة القراءات: 274]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (74- وقوله: {زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} قرأ ابن عامر «زين» بضم الزاي، على ما لم يسم فاعله «قتل» بالرفع، على أنه مفعول لم يسم فاعله «أولادهم» بالنصب أعمل فيه القتل، «شركائهم» بالخفض على إضافة القتل إليهم، لأنهم الفاعلون، فأضاف الفعل إلى فاعله، على ما يجب في الأصل لكنه فرَّق بين المضاف والمضاف إليه، فقدم المفعول، وتركه منصوبًا على حاله، إذ كان متأخرًا في المعنى، وأخر المضاف، وتركه مخفوضًا، على حاله،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/453]
إذ كان متقدمًا بعد القتل، وهذه القراءة فيها ضعف، للتفريق بين المضاف والمضاف إليه لأنه إنما يجوز مثل هذا التفريق في الشعر، وأكثر ما يجوز في الشعر مع الظروف لاتساعهم في الظروف، وهو في المفعول به في الشعر بعيد، فإجازته في القرآن أبعد، وقرأ الباقون بفتح الزاي على ما يسمى فاعله، ونصبوا «قتل» بـ «زين» وخفضوا «الأولاد» لإضافة «قتل» إليهم، أضافوه إلى المفعول، ورفعوا «الشركاء» بفعلهم التزيين، فهو الأصل، والمصدر يضاف إلى المفعول به، أو إلى الفاعل، بفعلهم التزيين، فهو الأصل، والمصدر يضاف إلى المفعول به، أو إلى الفاعل، وأصله أن يضاف إلى الفاعل؛ لأنه هو أحدثه، ولأنه لا يُستغنى عنه، ويستغنى عن المفعول، وإنما جاز أن يضاف إلى المفعول كما جاز أن يقوم المفعول مقام الفاعل، ولا يحسن أن يرتفع «الشركاء» بالقتل؛ لأنه يبقى «زين» بغير فاعل، و«الشركاء» ليسوا قاتلين، إنما هم مزينون، إنما القاتلون المشركون، زين لهم شركاؤهم الذين يعبدونهم قتلهم أولادهم، فالمعنى: قتلهم أولادهم، ثم حذف المضاف إليه، وهو الفاعل، وأقيم «الأولاد» وهم مفعول بهم، مقام الفاعل، كما قال تعالى: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} «فصلت 49»، أي: من دعائه الخير، فالهاء فاعلة «الدعاء»، فحذفت وأقيم «الخير» مقامها، فخفض بالإضافة، فهذه القراءة هي الاختيار، لصحة الإعراب فيها ولأن عليها الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/454]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (58- {وَكَذَلِكَ زُيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَائِهِمْ}: بضم الزاي {قَتْلَ} رفعًا، {أَوْلادَهُمْ} نصبًا، {شُرَكَائِهِمْ} خفضًا. [آية/ 137]:
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 505]
والوجه أنه بنى الفعل للمفعول، وأسنده إلى القتل، وأعمل القتل الذي هو مصدر عمل الفعل، وأضافه إلى الشركاء، وهو فاعل، ونصب الأولاد؛ لأنه مفعول به، وفصل بالأولاد بين المضاف والمضاف إليه، والتقدير: زين لهم قتل شركائهم أولادهم، فقدم وأخر، وهو قبيح، قليل في الاستعمال؛
[الموضح: 506]
للفصل بين المضاف والمضاف إليه، ومثله لم يجيء في حال السعة، بل جاء في الشعر، قال:
32- كما خط الكتاب بكف -يومًا- = يهودي يقارب أو يزيل
أراد بكف يهودي يومًا، ففصل بالظرف بين المضاف والمضاف إليه.
ومثل الآية سواء في اللفظ قول الشاعر:
33- فزججتها متمكنًا = زج -القلوص- أبي مزاده
أراد زج أبي مزادة القلوص، فقدم وأخر وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول به، كما في الآية.
وقرأ الباقون {زَيَّنَ} بفتح الزاي والياء، {قَتْلَ} بنصب اللام {أَوْلادِهِمْ} بالخفض {شُرَكَاؤُهُمْ} بالرفع.
[الموضح: 507]
والوجه أن الشركاء على هذا فاعل {زَيَّنَ}، {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ} منصوب بأنه مفعول {زَيَّنَ}، والتقدير: زين لكثير من المشركين شركاؤهم قتل أولادهم، فأخر الفاعل وقدم المفعول به، وهذا هو الأشهر.
ويجوز أن يكون زين فعل الشيطان، والمعنى كما زين الشيطان للكفار عبادة الأصنام وبخس حق الله وتوفير ما جعلوه للأصنام، فكذلك زين لكثير منهم وأد البنات وقتل البنين للنذور، فقوله على هذا {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} على إعمال المصدر عمل الفعل، و{شُرَكَاؤُهُمْ} فاعل المصدر الذي هو القتل و{أَوْلادِهِمْ} مفعول به أضاف المصدر إليه، والتقدير: أن قتل شركاؤهم أولادهم، كما تقول: عجبت من ضرب عمرو زيد، أي من أن ضرب عمرًا زيد، أضفت المصدر إلى المفعول به، كما تضيفه إلى الفاعل، والشركاء على ما قيل قوم كانوا يخدمون الأصنام). [الموضح: 508]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #39  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:37 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (138) إلى الآية (140) ]

{وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أُبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير والأعمش وعكرمة وعمرو بن دينار: [حَرْثٌ حِرْج]، وقراءة الناس: {حِجْرٌ} .
قال أبو الفتح: قد قدمنا في كتابنا الخصائص صدرًا صالحًا من تقلب الأصل الواحد والمادة الواحدة إلى صور مختلفة يَخْطِمها كلها معنى واحد، ووسمناه بباب الاشتقاق الأكبر،
[المحتسب: 1/231]
نحو: ك ل م، ك م ل، م ل ك، م ك ل، ل ك م، ل م ك، وإنها مع التأمل لها ولين مَعطِف الفكر إليها آئلة إلى موضع واحد ومترامية نحو غرض غير مختلف، كذلك أيضًا يقال: ح ج ر، ج ر ح، ح ر ج، ر ج ح، ج ح ر. وأما ر ح ج فمهمل فيما علمنا، فالتقاء معانيها كلها إلى الشدة والضيق والاجتماع، من ذلك الحِجْر وما تصرف منه، نحو: انحجر، واستحجر الطين، والحُجرة وبقيته، وكله إلى التماسك في الضيق. ومنه الحرَج: الضيق، والحِرْج مثله، والْحَرجَةُ: ما التف من الشجر فلم يكن دخوله، ومنه الْحُجر وبابه لضيقه، ومنه الْجَرْح لمخالطة الحديد للحم وتلاحمه عليه، ومنه رجح الميزان؛ لأنه مال أحد شقيه نحو الأرض؛ فقرب منها، وضاق ما كان واسعًا بينه وبينها.
فإن قلت: فإنه إذا مال أحدهما إلى الأرض فقد بعُد الآخر منها، قيل: كلامنا على الراجح، والراجح هو الداني إلى الإرض. فأما الآخر فلا يقال له: راجح، فليزم ما ألزمته، وإذا ثبت ذلك -وقد ثبت- فكذلك قوله تعالى: [حَرثٌ حِرْج] في معنى {حِجْر}، معناه عندهم: أنها ممنوعة محجورة أن يَطْعَمَها إلا من يشاءون أن يُطعموه إيَّاها بزعمهم). [المحتسب: 1/232]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (57- {بِزُعْمِهِمْ} [آية/ 139] مضمومة الزاي:-
قرأها الكسائي وحده، وكذلك الحرف الآخر، وقرأ الباقون {بِزَعْمِهِمْ} مفتوحة الزاي في الحرفين.
والوجه أن الزعم والزعم لغتان). [الموضح: 505]

قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جل وعزّ: (وإن يكن ميتةً... (139).
قرأ ابن كثير (وإن تكن ميتةٌ) بالياء والرفع في (ميتةٌ).
وقرأ ابن عامر (وإن تكن) بالتاء (ميتةٌ) رفعًا أيضًا، وروى الأعشى عن أبي بكر (وإن يكن) بالياء (ميتةً) نصبا مثل رواية حفص.
وفي رواية يحيى بن آدم (وإن تكن ميتةً) بالتاء والفتح في (ميتةً).
وقرأ الباقون (وإن يكن ميتةً) نصبا.
[معاني القراءات وعللها: 1/390]
قال أبو منصور: من قرأ (وإن يكن) بالياء، والرفع في (ميتةٌ) فالتذكير على المعنى، كأنه أريد بالميتة شيء من الميتات.
وقد قيل: إن التذكير لأن (كان) مكتفية ها هنا.
ومن قرأ (وإن تكن ميتة) بالتاء فهو جيد بالغ؛ لأن الميتة مؤنثة.
ومن قرأ (وإن يكن ميتة) جعل (يكن) للفظ (ما)، ونصب (ميتةً)؛ لأنه خبر كان). [معاني القراءات وعللها: 1/391]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (51- وقوله تعالى: {إن يكن ميتة} [139].
قرأ ابن عامر {تكن} بالتاء {ميتة} بالرفع.
وقرأ ابن كثير {يكن} بالياء و{ميتة} بالرفع أيضًا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {تكن} بالتاء {ميتة} بالنصب.
وقرأ الباقون {يكن} بالياء و{ميتة} نصبًا. فمن نصب جعلها خبر
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/171]
«كان» والاسم المضمر في «ما» في قوله: {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام} فلذلك ذكر الفعل للفظ «ما» ومن أنث الفعل ونصبه رده على معنى «ما»، أو على الأنعام ومن رفع {ميتة} جعل «تكن» تحدث وتقع، أيك إلا أن تقع ميتة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ]: [وإن يكن ميتة في الرفع والنصب] [الأنعام/ 139].
فقرأ ابن كثير: وإن يكن بالياء ميتة* رفعا خفيفا.
وقرأ ابن عامر: وإن تكن بالتاء، ميتة* رفعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر [وإن تكن] بالتاء، ميتة نصبا، وروى حفص عنه بالياء ميتة نصبا.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائيّ: يكن بالياء، ميتة نصبا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/414]
قراءة ابن كثير: وإن يكن بالياء، ميتة* رفعا، أنه لم يلحق الفعل علامة التأنيث لمّا كان الفاعل المسند إليه تأنيثه غير حقيقي، ولم يجعل في يكن شيئا.
والمعنى: وإن وقع ميتة، أو حدث ميتة.
وألحق ابن عامر الفعل علامة التأنيث، لما كان الفاعل في اللفظ مؤنثا، وأسند الفعل إلى الميتة، كما فعل ذلك ابن كثير.
وأما قراءة أبي عمرو ومن تبعه وإن يكن ميتة فإنه ذكّر الفعل لأنه مسند إلى ضمير ما تقدم في قوله: ما في بطون هذه الأنعام [الأنعام/ 139]، وهو مذكّر، وانتصب الميتة لما كان الفعل مسندا إلى الضمير، ولم يسنده إلى الميتة، كما فعل ابن كثير وابن عامر.
وأما قراءة عاصم في رواية أبي بكر، تكن* بالتاء.
ميتة فإنّه أنّث، وإن كان المتقدم مذكرا لأنه حمله على المعنى، وما في بطون الأنعام حوران فحمل على المعنى كما قالوا: ما جاءت حاجتك، فأنث الضمير لمّا كان في المعنى حاجة.
ورواية حفص يكن بالياء، ميتة على لفظ المتقدم الذي هو مذكر). [الحجة للقراء السبعة: 3/415]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف والأعرج وقتادة وسفيان بن حسين: [خالِصَةً].
وقرأ: [خالصًا] سعيد بن جبير.
وقرأ: [خالِصُه] ابن عباس بخلاف والزهري والأعمش وأبو طالوت.
وقرأ: [خالِصٌ] ابن عباس وابن مسعود والأعمش بخلاف.
قال أبو الفتح: أما قراءة العامة: {خَالِصَةٌ} فتقديره: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لنا؛ أي: خالص لنا، فأنث للمبالغة في الخلوص، كقولك: زيد خالِصَتِي، كقولك: صَفِيِّي وثقتي؛ أي: المبالغ في الصفاء والثقة عندي، ومنه قولهم: فلان خاصَّتي من بين الجماعة؛ أي: خاصِّي الذي يخصني، والتاء فيه للمبالغة وليكون أيضًا بلفظ المصدر، نحو: العاقبة والعافية، والمصدر إلى الجنسية، فهي أعم وأوكد.
ويدلك على إرادة اسم الفاعل هنا -أي: خالص- قراءة سعيد بن جبير [خَالِصًا]، وعليه
[المحتسب: 1/232]
القراءة الأخرى: [خَالِصٌ لذكورنا]، والقراءة الأخرى: [خالِصُه لِذكورنا]، ألا تراه اسم فاعل وإن كان مضافًا؟ لكن الكلام في نصب خَالِصًا وخالِصةً، وفيه جوابان:
أحدهما: أن يكون حالًا من الضمير في الظرف الجاري صلة على "ما"، كقولنا: الذي في الدار قائمًا زيد.
والآخر: أن يكون حالًا من "ما" على مذهب أبي الحسن في إجازته تقديم الحال على العامل فيها إذا كان معنى بعد أن يتقدم صاحب الحال عليها، كقولنا: زيد قائمًا في الدار.
واحتج في ذلك بقول الله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، فيجوز على هذا في العربية لا في القراءة؛ لأنها سنة لا تُخالَف [وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ].
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون [خالصًا] "وخالصةً" حالًا من الضمير في لنا؟ قيل: هذا غير جائز؛ وذلك أنه تَقدَّم على العامل فيه وهو معنى وعلى صاحب الحال، وهذا ليس على ما بَيَّنَا.
ولا يجوز أن يكون "خالصةً" حالًا من الأنعام؛ لأن المعنى ليس عليه، ولعزَّة الحال من المضاف إليه). [المحتسب: 1/233]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء}
قرأ ابن عامر (وإن تكن) بالتّاء {ميتة} رفع وتكن بمعنى الحدوث والوقوع أي وإن تقع أو تحدث ميتة
وقرأ ابن كثير {وإن يكن} بالياء {ميتة} رفع جعل أيضا يكن بمعنى الوقوع إلّا أنه ذكر الفعل لأن تأنيث الميتة غير حقيقيّ فلذلك ذكر الفعل
وقرأ أبو بكر وإن تكن بالتّاء ميتة نصب المعنى وإن تكن تلك الحمول الّتي في البطون ميتة ويجوز أن ترد على الأنعام أو على معنى ما ولك أن ترجع عن لفظ ما ومن إلى معناهما ومن معناهما إلى لفظهما لأن لفظهما واحد ومعناهما الجمع والتأنيث وقد جاء في التّنزيل حرف قد حمله على اللّفظ ثمّ رجع إلى المعنى ثمّ حمله ثانيًا على اللّفظ وهو قوله {ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحا يدخله جنّات} فوحد وحمله على اللّفظ ثمّ قال {خالدين فيها أبدا} فجمع على المعنى ثمّ قال {قد أحسن الله له رزقا} فرجع بعد الجمع إلى التّوحيد وحمله أيضا على التّوحيد وكذلك قوله هنا {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا} على معنى ما {ومحرم} مذكّر بعد مؤنث على لفظ ما فهو حرف ثان وهو حسن
[حجة القراءات: 274]
وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة الكسائي وحفص {وإن يكن} بالياء {ميتة} نصب جعلوها خبر كان والاسم المضمر في {يكن} ردّوه على لفظ ما المعنى وإن يكن في في البطون ميتة وإن يكن الّذي في البطون ميتة قال أبو عمرو الوجه {يكن} بالياء لقوله {فهم فيه} ولم يقل فيها). [حجة القراءات: 275]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (75- قوله: {وإن يكن ميتة} قرأ أبو بكر وابن عامر «وإن تكن» بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، وقرأ ابن كثير وابن عامر «ميتة» بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب.
وحجة من قرأ بالتاء ورفع «الميتة»، وهو ابن عامر، أنه أنَّث لتأنيث لفظ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/454]
«الميتة» وجعل «كان» بمعنى «حدث ووقع» تامة، لا تحتاج إلى خبر، فرفع «ميتة» بفعلها.
76- وحجة من قرأ بالياء ورفع «ميتة» وهو ابن كثير، أنه ذكر لما كان تأنيث «الميتة» غير حقيقي، ولأن «ميتة وميتا» بمعنى، وجعل «كان» تامة غير محتاجة إلى خبر، بمعنى «حدث ووقع»، فرفع «ميتة» بها كالأول.
77- وحجة من قرأ بالياء والنصب، وعليه أكثر القراء، وهو الاختيار أنه ذكر الفعل لتذكير «ما» في قوله: {ما في بطون} لأن الفعل لـ «ما» وجعل «كان» ناقصة، تحتاج إلى خبر، فأضمر فيها اسمها، وهو ضمير «ما» في قوله: {وقالوا ما في بطون} ونصب «ميتة» على خبر «كان» والتقدير: وإن يكن ما في بطون الأنعام ميتة فهم في أكله شركاء.
78- وحجة من قرأ بالتاء ونصب «ميتة» وهو أبو بكر أنه أنَّث، لتأنيث معنى «ما» لأنها هي «الميتة» في المعنى، فـ «ما» في المعنى مؤنثة، ألا ترى أن الخبر عنها مؤنث، في قوله: {خالصة}، فلما كانت «كان» تدخل على الابتداء والخبر، وهو الابتداء أنَّث لفظ الفعل حملًا على معنى «ما»، وصيّر ما في كان اسم كان و«ميتة» خبرها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/455]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (59- {وَإِنْ تَكُنْ} [آية/ 139] بالتاء:-
قرأها ابن عامر وعاصم ياش -.
والوجه أنه ألحق الفعل علامة التأنيث؛ لأن الفاعل مؤنث في اللفظ، وهو قوله {مَيْتَةً} لمكان تاء التأنيث الذي فيه والفعل (مسند) إلى الميتة.
وقرأ الباقون {وَإِنْ يَكُنْ} بالياء.
والوجه أنه لما كان تأنيث الفاعل الذي أسند إليه الفعل غير حقيقي، وهو
[الموضح: 508]
الميتة، استحسنوا تذكيره فذكروه). [الموضح: 509]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (60- {مَيْتَةً} [آية/ 139] بالرفع:-
قرأها ابن كثير وابن عامر.
والوجه أن كان ههنا تامة بمعنى وقع أو حدث، فيكون التقدير: وإن يقع أو يحدث ميتة.
وقرأ الباقون {مَيْتَةً} بالنصب.
والوجه أن كان فيه ناقصة، وهي التي تفتقر إلى الاسم والخبر، والاسم مضمر، وهو الذي يرجع إلى {ما} من قوله في بطون الأنعام، وهو مذكر، هذا إذا قرئ {يَكُنْ} بالياء، فأما من قرأ {تَكُنْ} بالتاء مع نصب الميتة، فإنه أنث الضمير العائد إلى ما في بطون الأنعام؛ لأن ما في بطون الأنعام أولاد أو حيران، أو نحوها، فحمل على المعنى، فأنث الضمير لهذا، وأما نصب الميتة فمن أجل أنها خبر كان). [الموضح: 509]

قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قد خسر الّذين قتلوا أولادهم... (140).
قرأ ابن كثير وابن عامر (قتّلوا أولادهم) مشددا، وخففه الباقون.
قال أبو منصور: التشديد في (قتّلوا) للتكثير، والتخفيف فصيح جيد). [معاني القراءات وعللها: 1/391]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (52- وقوله تعالى: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم} [140].
قرأ ابن عامر وابن كثير {قتلوا} بالتشديد.
وقرأ الباقون مخففًا. فمن شدد أراد تكرير الفعل مرة، بعد مرة كما يقال: رجل قتال: إذا قتل عودًا بعد بدء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد في التاء في قوله [جلّ وعزّ]: قد خسر الذين قتلوا أولادهم [الأنعام/ 140].
فقرأ ابن كثير وابن عامر قتلوا* مشددة التاء.
وقرأ الباقون قتلوا خفيفة التاء.
التشديد للتكثير مثل: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]، والتخفيف يدلّ على الكثرة). [الحجة للقراء السبعة: 3/416]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قد خسر الّذين قتلوا}
قرأ ابن كثير وابن عامر {قد خسر الّذين قتلوا} بالتّشديد أي مرّة بعد مرّة كما يقال رجل قتال إذا كثر منه القتل وقرأ الباقون {قتلوا} بالتّخفيف). [حجة القراءات: 275]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (79- قوله: {قتلوا} قرأه ابن كثير وابن عامر بالتشديد، وخفف الباقون وقد تقدم ذكر علته، وفي التشديد معنى التكرير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/455]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (61- {قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ} [آية/ 140] بتشديد التاء:-
قرأها ابن كثير وابن عامر.
[الموضح: 509]
والوجه أن الفعل مراد به التكثير، فلذلك جاء مشددًا مثل قوله {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ}.
وقرأ الباقون {قَتَلُوا} بالتخفيف.
والوجه أن الفعل المخفف قد يصلح للكثرة كما يصلح للقلة، وقد مضى مثله). [الموضح: 510]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #40  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:40 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (141) إلى الآية (144) ]
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وآتوا حقّه يوم حصاده... (141).
قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب (يوم حصاده) بفتح الحاء، وقرأ الباقون (حصاده) بالكسر.
[معاني القراءات وعللها: 1/391]
قال أبو منصور: هما لغتان: الحصاد والحصاد، والجداد والجداد). [معاني القراءات وعللها: 1/392]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (53- وقوله تعالى: {وءاتوا حقه يوم حصاده} [141].
قرأ ابن عامر وأبو عمرو وعاصم {حصاده} بفتح الحاء وقرأ الباقون بكسر الحاء، وهما لغتان فصيحتان الحصاد والحصاد والجذاذ والجذاذ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الحاء وكسرها من قوله عزّ وجلّ: يوم حصاده [الأنعام/ 141].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، والكسائيّ حصاده بكسر الحاء.
وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر حصاده مفتوحة الحاء.
قال سيبويه: جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال: فعال وذلك الصّرام، والجرام، والجذاذ،
[الحجة للقراء السبعة: 3/416]
والقطاع، والحصاد، وربّما دخلت اللغة في بعض هذا، فكان فيه فعال، وفعال. فقد تبيّنت مما قال: أن الحصاد والحصاد لغتان، فأما قول النابغة:
يمدّه كلّ واد مزبد لجب... فيه ركام من الينبوت والحصد
فإن محمّد بن السّريّ روى فيه: الحصد، وذكر أن بعضهم رواه: الخضد، وفسّر الخضد: ما تكسّر من الشجر.
قلل أبو علي: ويجوز أن يكون الحصد الذي يفسره ابن السرّي: الحصاد حذف الألف منه، كما يقصر الممدود، وكأن المحصود سمّي الحصاد باسم المصدر، كالخلق، والصيد، وضرب الأمير، ونسج اليمن، ونحو ذلك، ويدلّك على ذلك قول الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/417]
له زجل كحفيف الحصا... د صادف بالليل ريحا دبورا
والحفيف إنما يكون للمحصود، ومثل ذلك قول العجّاج:
هذّ الحصاد بغروب المنجل). [الحجة للقراء السبعة: 3/418]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وآتوا حقه يوم حصاده}
قرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر {يوم حصاده} بفتح الحاء وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان مثل الصرام والصرام قال الفراء بالكسر حجازية وأهل نجد وتميم بالفتح). [حجة القراءات: 275]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (80- قوله: {يوم حصاده} قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم بفتح الحاء وكسرها الباقون، وهما لغتان مشهورتان، والكسر عند سيبويه هو الأصل، وهو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/456]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (62- {يَوْمَ حَصَادِهِ} [آية/ 141] بفتح الحاء:-
قرأها أبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب، وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي {حَصَادِهِ} بكسر الحاء.
والوجه أنهما لغتان الحصاد والحصاد بالفتح والكسر، ومثله الجداد والجداد والصرام والصرام والقطاع والقطاع). [الموضح: 510]

قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة على -عليه السلام- والأعرج وعمرو بن عبيد: [خُطُؤات] بالهمز مثقلًا، وقرأ: [خَطَوات] أبو السمال.
قال أبو الفتح: أما [خُطُؤات] بالهمز فواحدها خُطْأَة؛ بمعنى الخَطَأ، أثبت ذلك أحمد بن يحيى.
وأما [خَطَوات] فجمع خَطْوة، وهي الفَعْلَة الواحدة من خَطوت، كغزوت غزوة، ودعوت دعوة. والمعنى: لا تتبعوا خَطوات الشيطان؛ أي: آثاره، لا تقتدوا به، وتقديره على هذا حذف المضاف؛ أي: لا تتبعوا مواضع خَطوات الشيطان.
وإن شئت أجريته على ظاهره من غير تقدير حذف كقولك: لا تتبع أفعال المشركين
[المحتسب: 1/233]
ولا تأْتَم بأديان الكافرين. ومن قرأ: {خُطُوات} بلا همز فأمره واضح، وهو جمع خُطْوة، وهي ذَرْع ما بين القدمين، وهذا واضح). [المحتسب: 1/234]

قوله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومن المعز اثنين... (143).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (ومن المعز) بفتح العين.
وقرأ الباقون بسكونها.
قال أبو منصور: هما لغتان، وكذلك الشّعر والشّعر، والنهر والنهر، وكذلك الضأن والضأن، غير أن القراءة "الضان " بتخفيف الهمزة). [معاني القراءات وعللها: 1/392]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (54- وقوله تعالى: {ومن المعز اثنين} [143].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {من المعز} بفتح العين.
وقرأ الباقون بإسكان العين، وهما لغتان، والأصل: الإسكان، وإنما جاز الفتح؛ لأن فيها حرفًا من حروف الحلق وهي العين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح العين وإسكانها من المعز [الأنعام/ 143].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، من المعز بفتح العين.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائيّ من المعز ساكنة العين.
من قرأ: المعز فإن المعز جمع، يدلّ على ذلك قوله: ومن المعز اثنين ومن الضأن اثنين ولو كان واحدا لم يسغ فيه هذا، فأما انتصاب اثنين فمحمول على أنشأ، التقدير:
[الحجة للقراء السبعة: 3/418]
أنشأ ثمانية أزواج، أنشأ من كذا اثنين.
فأمّا المعز في جمع ماعز، فهو: مثل خادم، وخدم، وطالب، وطلب، وحارس، وحرس، وحكى أحمد بن يحيى:
رائح وروح، وقال أبو الحسن: هو جمع على غير واحد، وكذلك المعزى، وحكى أبو زيد: الأمعوز، وأنشد:
كالتيس في أمعوزه المتربّل وقال: المعيز، كالكليب والضئين، قال:
ويمنحها بنو شمجى بن جرم... معيزهم حنانك ذا الحنان
فأما من قال: المعز بإسكان العين: فهو على هذا جمع أيضا، كما كان في قول من فتح العين جمعا أيضا، وجمع ماعز عليه، كما قالوا: صاحب وصحب وتاجر وتجر، وراكب وركب.
وأبو الحسن يرى هذا الجمع مستمرا فيردّه في التصغير إلى
[الحجة للقراء السبعة: 3/419]
الواحد فيقول في تحقير ركب: رويكبون، وفي تجر:
تويجرون، وسيبويه يراه اسما من أسماء الجمع، وأنشد أبو عثمان في الاحتجاج لقول سيبويه:
بنيته بعصبة من ماليا... أخشى ركيبا أو رجيلا غاديا
فتحقيره له على لفظه من غير أن يردّه إلى الواحد الذي هو فاعل، ويلحق الواو والنون أو الياء، يدل على أنه اسم للجمع. وأنشد أبو زيد:
وأين ركيب واضعون رحالهم... إلى أهل [بعل من مقامة أهودا]
وقال أبو عثمان: البقرة عند العرب: نعجة، والظبية عندهم ما عزة، والدليل على أن ذلك كما ذكره قول ذي الرمة:
[الحجة للقراء السبعة: 3/420]
إذا ما علاها راكب الصّيف لم يزل... يرى نعجة في مرتع ويثيرها
مولّعة خنساء ليست بنعجة... يدمن أجواف المياه وقيرها
فقوله: لم يزل يرى نعجة يريد به بقرة ألا ترى أنّه قال: مولّعة خنساء، والخنس والتوليع: إنما يكونان في البقر دون الظباء، وقوله: ليست بنعجة، معناه: أنه ليست بنعجة أهلية، يدلك على ذلك أنه لا يخلو من أن يريد أنه ليست بنعجة أهلية، أو ليست بنعجة، فلا يجوز أن يحمل على أنها ليست بنعجة، لأنك إن حملته على هذا، نفيت ما أوجبه من قوله: لم يزل يرى نعجة، فإذا لم يجز ذلك، علمت أنه يريد بقوله: ليست بنعجة، ليست بنعجة أهلية.
والدّلالة على أنّ الظبية ما عزة قول أبي ذؤيب.
[الحجة للقراء السبعة: 3/421]
وعادية تلقي الثياب كأنّها... تيوس ظباء محصها وانبتارها
وقوله: تيوس ظباء، كقوله: تيوس معز، ولو كانت عندهم ضائنة، ولم تكن ماعزة لقال: كأنّها كباش ظباء.
ويدلّ على أن نعجة في قوله: ليست بنعجة، يريد به النعجة الأهلية قوله:
يدمن أجواف المياه وقيرها والوقير: الشاء يكون فيها كلب وحمار فيما روي عن الأصمعي). [الحجة للقراء السبعة: 3/422]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة طلحة: [الضَّأَن] بفتح الهمزة.
قال أبو الفتح: الضَّأْنُ جمعٌ، واحدته ضائِن وضائنة، وصرَّفوا فعله فقالوا: ضَئِنَت العَنْز ضَأَنًا، إذا أشبهت الضأن. وأما الضَّأَن بفتح الهمزة في هذه القراءة، فمذهب أصحابنا فيه وفي مثله مما جاء في فَعْل وفَعَل وثانيه حرف حلق؛ كالنهْر والنهَر، والصخْر والصخَر، والنعْل والنعَل، وجميع الباب، أنها لغات كغيرها مما ليس الثاني فيه حرفًا حلقيًّا، كالنشْز والنشَز، والقص والقصَص.
ومذهب البغداديين أن التحريك في الثاني من هذا النحو إنما هو لأجل حرف الحلق، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى من هذا الكتاب وغيره، ويؤنسني بصحة ما قالوه أني أسمع ذلك فاشيًا في لغة عُقيل، حتى لسمعت بعضهم يومًا قال: نَحَوَه، يريد: نَحْوه. فلو كانت الفتحة في الحاء هنا أصلًا معتزمة غير إتباع لكونها حرفًا حلقيًّا لوجب إعلال اللام التي هو واو ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، كغَضَاة وشَجَاة، فكان يقال: نحاة، وهذا واضح، غير أن لأصحابنا ألا يقبلوا من اللغة إلا ما رُوي عن فصيح موثوق بعربيته، ولست أُثبت هذه الفصاحة المشروطة لمن سمعت منه هذه اللفظة؛ أعني: نَحَوَه). [المحتسب: 1/234]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن المعز اثنين}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (من المعز) بفتح العين وقرأ الباقون ساكنة العين وهما لغتان
والأصل تسكين العين لأنّه جمع ماعز مثل تاجر وتجر وصاحب وصحب وحجتهم إجماع الجميع على تسكين الهمزة في الضّأن وهو جمع ضائن كماعز والهمزة والعين من حروف
[حجة القراءات: 275]
الحلق فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه واعلم أنه إنّما جاز فيهما الفتح وإن كان الأصل الإسكان لأن فيها حرفا من حروف الحلق والعرب تفتح إذا كان فيها حرف من حروف الحلق وذلك نحو النّهر والنّهر والزهر والزهر والظعن والظعن وإنّما جاز فتحها لأن الحركات ثلاث ضمة وفتحة وكسرة فالفتحة من الألف فهي من حيّز حروف الحلق هذا قول سيبويهٍ فإن قال قائل هلا فتحت الهمزة من الضّأن إذ كانت من حروف الحلق كما فتحت العين من المعز الجواب أن الهمزة أثقل من العين لأنّها تخرج من أقصى الحلق وتحريكها أثقل من تحريك العين وكذلك فرق بينهما). [حجة القراءات: 276]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (81- قوله: {ومن المعز} قرأ نافع وأهل الكوفة بإسكان العين، وفتحها الباقون، وهما لغتان في جمع «ماعز» وقيل: من فتح جعله جمع «ماعز» كحارس وحرس، وخادم وخدم، كما أن الضأن جمع ضائن، فعامل المشاكلة في اللفظين، ومن أسكن جعله جمع «ماعز» أيضًا كصاحب وصحب، فهو عند سيبويه اسم للجمع، يصغره على لفظه، وهو عند الأخفش جمع، يرده في التصغير إلى واحده، ثم يجمعه، فهو في القراءتين جمع «ماعز» على «فاعل» و«فاعل» يأتي جمعه على «فعْل» وعلى «فعَل» على ما مثلنا وذكرنا، فالقراءتان متساويتان، ولا يحسن أن يكون المعنى واحد؛ لأن بعده اثنين). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/456]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (63- {وَمِنَ الْمَعَزِ} [آية/ 143] بفتح العين:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
[الموضح: 510]
والوجه أنه جمع ماعز، مثل حرس جمع حارس، وخدم جمع خادم، وطلب جمع طالب.
وقرأ الباقون {وَمِنَ الْمَعْزِ} ساكنة العين.
وهو أيضا جمع ماعز كصاحب وصحب، وتاجر وتجر، وراكب وركب.
ومما يدل على أن المعز جمع قوله تعالى {وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ}، ولو كان واحدة لم يجز فيه هذا؛ لأن الواحد لا يجوز أن يكون منه الاثنان). [الموضح: 511]

قوله تعالى: {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #41  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:42 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (145) إلى الآية (147) ]
{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)}

قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلّا أن يكون ميتةً... (145).
قرأ ابن كثير وحمزة (إلّا أن تكون) بالتاء (ميتةً) نصبا، وقرأ ابن عامر (إلا أن تكون) بالتاء (ميتةٌ) رفعا، وقرأ الباقون (إلّا أن يكون ميتةً) نصبا.
قال الأزهري: من قرأ (إلّا أن تكون ميتةٌ) بالتاء والرفع جعل (تكون) فعلا للميتة، واكتفى بـ (تكون) بلا فعل هكذا.
[معاني القراءات وعللها: 1/392]
قال الفراء: وكذلك (يكون) في كل الاستثناء، لا يحتاج إلى فعل، ألا ترى أنك تقول: ذهب الناس إلا أن يكون أخاك وأخوك.
قال: وإنما استغنت (كان) و(يكون) عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعلٍ يكون للاسم، وهذه تسمّى (كان) المكتفية.
ومن نصب (ميتةً) فالمعنى: إلا أن يكون المحرّم ميتة.
ومن قرأ (إلا أن تكون ميتة) فللتأنيث للميتة). [معاني القراءات وعللها: 1/393]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (55- وقوله تعالى: {إلا أن يكون ميتة} [145].
قرأ ابن عامر بالتاء والرفع.
وقرأ ابن كثير وحمزة بالتاء والنصب.
وقرأ الباقون بالياء والنصب. وقد فسرت وجه التأنيث والتذكير والنصب قبل هذا. فأما الرفع هاهنا فردئ وإن كان جائزًا في العربية؛ لأن بعده {دما مسفوحا} بالنصب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: إلا أن يكون ميتة [الأنعام/ 145].
فقرأ ابن كثير وحمزة: إلا أن تكون* بالتاء، ميتة نصبا.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، والكسائيّ: إلا أن يكون بالياء، ميتة نصبا، وقد روى نصر بن علي عن أبيه قال: سمعت أبا عمرو يقرأ: إلا أن يكون وإلا أن تكون* بالياء والتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/422]
وقرأ ابن عامر وحده: إلا أن تكون* بالتاء، ميتة* رفعا.
قول ابن كثير وحمزة محمول على المعنى، كأنّه قال: إلّا أن تكون العين أو النفس أو الجثّة ميتة، ألا ترى أن المحرّم لا يخلو من جواز العبارة عنه بأحد هذه الأشياء؟، وليس قوله:
إلا أن يكون كقولك: ما جاءني القوم لا يكون زيدا، وليس زيدا، في أن الضمير الذي يتضمّنه في الاستثناء، لا يظهر ولا يدخل الفعل علامة تأنيث، لأنّ الفعل إنما يكون عاريا من علامة ومن أن يظهر معه الضمير، إذا لم يدخل عليه أن، وأمّا إذا دخله أن فعلى حكم سائر الأفعال.
وقول أبي عمرو ومن معه: إلا أن يكون ميتة نصبا، فإنه جعل فيه ضميرا مما تقدّم، وهو أقيس من الأول، كأنّه قال: إلّا أن يكون الموجود ميتة، ويجوز أن يكون أضمر مؤنثا، كما أضمره ابن كثير وحمزة، إلّا أنه ذكر الفعل لمّا تقدّم.
ويؤكد ذلك ما روي عن أبي عمرو من أنه قرأ بالتاء والياء، وقول ابن عامر على: إلّا أن تقع ميتة، أو تحدث
[الحجة للقراء السبعة: 3/423]
ميتة، فألحق علامة التأنيث الفعل كما لحق في نحو: قد جاءتكم موعظة من ربكم [يونس/ 57] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/424]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحا}
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم والكسائيّ {إلّا أن يكون} بالياء {ميتة} نصب هذا هو الوجه لأن الاسم المضمر في {يكون} مذكّر وهو قوله {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرما} ولم يقل محرمة قال الزّجاج تقديره إلّا أن يكون المأكول ميتة أو ذلك الشّيء ميتة
وقرأ ابن عامر {إلّا أن تكون} بالتّاء {ميتة} رفع {يكون} في هذه القراءة بمعنى االحدوث والوقوع المعنى إلّا أن تقع ميتة
وقرأ ابن كثير وحمزة {إلّا أن تكون} بالتّاء {ميتة} نصب). [حجة القراءات: 276]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (82- قوله: {إلا أن يكون ميتة} قرأه ابن كثير وحمزة وابن عامر بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، وكلهم نصب «ميتة» إلا ابن عامر، فإنه رفع.
وحجة من قرأ بالتاء أنه حمله على المعنى؛ لأن المحرم لابد أن يكون عينًا أو نفسًا أو جثة، وهذه كلها مؤنثة، فأنَّث لذلك، وفي «كان» اسمها وهو العين أو النفس أو الجثة، و«ميتة» الخبر.
83- وحجة من قرأ بالياء أنه حمل الكلام على اللفظ؛ لأن لا «أجد» يدل على نفي الموجود، والتقدير: قل يا محمد لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا على طاعم يطعمه، إلا أن يكون الموجود ميتة أو كذا أو كذا، فإنه رجس.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/456]
84- وحجة من نصب «ميتة» أنه أضمر في «كان» اسمها، لتقدم ما يدل عليه، ونصب «ميتة» على الخبر.
85- وحجة من رفع «ميتة» «أنه» جعل «كان» بمعنى «حدث ووقع» تامة لا تحتاج إلى خبر، فرفع «ميتة» بـ «كان» وحمل التأنيث على لفظ «ميتة»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/457]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (64- {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} بالتاء، ورفع الميتة [آية/ 145]:-
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أنه على ما سبق مثله من أن كان هي التامة التي تفيد معنى الحدوث والوقوع، والمعنى: إلا أن تحدث أو تقع ميتة، وتأنيث الفعل للفظ الميتة.
وقرأ ابن كثير وحمزة {تَكُونَ} بالتاء {مَيْتَةً} بالنصب.
والوجه أنه محمول على المعنى، والتقدير: إلا أن تكون العين أو النفس أو الجثة ميتة؛ لأن المحرم الذي تقدم ذكره لا يخلو من جواز أن يعبر عنه بأحد هذه الأشياء.
[الموضح: 511]
وقرأ الباقون {إِلَّا أَنْ يَكُونَ} بالياء {مَيْتَةً} بالنصب.
والوجه أن الضمير من {يَكُونَ} يعود إلى ما تقدم، وهو قوله {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ} إلا أن يكون ذلك المحرم ميتة، ويجوز أن يكون التقدير: إلا أن يكون الموجود ميتة). [الموضح: 512]

قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)}

قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #42  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:43 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (148) إلى الآية (150) ]
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)}

قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)}

قوله تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)}

قوله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #43  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:44 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (151) إلى الآية (153) ]
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}

قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)}

قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لعلّكم تذكّرون (152) ونظائره.
قرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (تذّكّرون)
[معاني القراءات وعللها: 1/393]
(أفلا تذّكّرون)، و(ليذّكّروا)، مشددات حيث كن.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في مريم (أولا يذكر الإنسان) خفيفا، وشدد سائرهن، إلا أن حفصا خالف أبا بكر في التاء فقرأ ما كان بالتاء مخففا في كل القرآن، وشدد أبو بكر.
وقرأ حمزة والكسائي (تذكرون) ما كان بالتاء مخففا، مثل حفص في كل القرآن، وخففا (ليذكروا) في السورتين، وشددا سائر ما في القرآن، وانفرد حمزة وحده بتخفيف (لمن أراد أن يذكر) ما تابعه أحد على التخفيف، وروى أبان عن عاصم (يذكرون) تخفيفا مثل رواية حفص.
واتفقوا على تخفيف قوله (وما يذكرون إلّا أن يشاء اللّه) وافترقوا في التاء والياء، فقرأ نافع وحده (وما تذكرون) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من شدّد الذال والكاف في (تذّكّرون) أو (يذّكّرون) فالأصل تتذكرون، ويتذكرون، فأدغمت التاء في الذال، وشددت.
ومن قرأ (تذكّرون) بتخفيف الذال وتشديد الكاف فالأصل أيضًا تتذكرون، فحذفت إحدى التاءين استخفافا.
ومن قرأ (يذكر) فهو من ذكر يذكر). [معاني القراءات وعللها: 1/394]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (56- وقوله تعالى: {تذكرون} [152].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {تذكرون} بالتشديد وكذلك {يذكرون} و{يذكر} بتشديد الذال والكاف على معنى يتذكرون فأدغم التاء في الذال.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر كذلك إلا قوله في (مريم): {أولا يذكر الإنسان} فإنهم خففوه جعلوه من ذكر يذكر لا من تذكر يتذكر، وذكرت وتذكرت بمعنى واحد.
وقرأ حمزة والكسائي {يذكرون} مشددًا و{تذكرون} مخففًا في كل القرآن، أراد: تتذكرون فحذف إحدى التاءين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/173]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في تشديد الذّال وتخفيفها من قوله تعالى: يذكرون* [الأنعام/ 152].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يذكرون*، وتذكرون*، ويذكر الإنسان [مريم/ 67]، وأن يذكر [الفرقان/ 62]، وليذكروا [الإسراء/ 41 - الفرقان/ 50]، مشددا ذلك كله.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: كلّ ذلك بالتشديد إلّا قوله: أولا يذكر الإنسان [مريم/ 67]، فإنهم خفّفوها.
وروى عليّ بن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم: تذكرون خفيفة الذال في كل القرآن، وكذلك روى حفص عن عاصم.
وقرأ حمزة والكسائيّ: يذكرون* مشدّدا إذا كان بالياء، وتذكرون مخففا إذا كان بالتاء.
واختلفوا في سورة الفرقان في قوله: لمن أراد أن يذكر [الآية/ 62]، فقرأ حمزة وحده: أن يذكر* مخفّفة، وقرأ الكسائي: أن يذكر مشدّدة، واتفقا على تخفيف الذّال في
[الحجة للقراء السبعة: 3/424]
بني إسرائيل [41] والفرقان [50] في قوله: ليذكروا خفيفة، وشدّدها الباقون.
واتّفقوا على تخفيف ذال قوله: وما يذكرون ورفع الكاف في المدثر [56].
فقرأ نافع: وما تذكرون بالتاء ورفع الكاف. وقرأ الباقون بالياء.
قال سيبويه قالوا: ذكرته ذكرا، كحفظته حفظا، وقالوا:
ذكرا مثل: شربا، وذكر: فعل متعد إلى مفعول واحد، قال:
فاذكروني أذكركم [البقرة/ 152]، واذكروا نعمة الله عليكم [الأحزاب/ 9]، فإذا ضاعفت العين تعدى إلى مفعولين نحو: ذكّرت زيدا أمره، قال:
يذكّرنيك حنين العجول... ونوح الحمامة تدعو هديلا
ونقله بالهمزة في القياس كتضعيف العين، وتقول: ذكّرته
[الحجة للقراء السبعة: 3/425]
فتذكّر تفعّل، لأن تذكّر مطاوع فعّل، كما أن تفاعل مطاوع فاعل، قال: إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا [الأعراف/ 201]، وقد تعدّى تفعّلت، قال:
تذكّرت أرضا بها أهلها... أخوالها فيها وأعمامها
وأنشد أبو زيد:
تذكّرت ليلى لات حين ادّكارها... وقد حني الأصلاب ضلّا بتضلال
فقال: ادّكارها، كما قال: وتبتل إليه تبتيلا [المزمل/ 8]، ونحو ذلك مما لا يجيء المصدر فيه على فعله، وجاء المصدر على ذكرى بألف التأنيث، كما جاء على فعلى، نحو: الدعوى والعدوى، وتترى فيمن لم يصرف، وعلى فعلى نحو: شورى، وقالوا في الجمع: الذّكر فجعلوه بمنزلة سدرة وسدر، كما جعلوا العلى مثل الظلم، وقالوا: الدكر، بالدال، حكاه سيبويه، والقياس: الذّكر بالذال المعجمة،
[الحجة للقراء السبعة: 3/426]
وكذلك روي بيت ابن مقبل:
من بعض ما يعتري قلبي من الدّكر لما كثر تصرف الكلمة بالدّال، نحو ادكر [يوسف/ 45]، وهل من مدكر [القمر/ 15]، وقال:
وبدّلت شوقا بها وادّكارا أشبهت تقوى، وتقيّة، وتقاة، وهذا أتقى من هذا، وفي التنزيل: وادكر بعد أمة [يوسف/ 45]، وفيه: فهل من مدكر، ويجوز في القياس أن يكون ادّكرت متعديا مثل: شويته، واشتويته، وحفرته واحتفرته، وعرّوته، واعتريته، وفي التنزيل: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا [هود/ 54]، وكذلك: عرّه، واعترّه، ويقوي ذلك قول الشاعر:
تذكرت ليلى لات حين ادّكارها فأضاف المصدر إلى المفعول به.
فأما قوله: واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض
[الحجة للقراء السبعة: 3/427]
[الأنفال/ 26]، فمن الذكر الذي يكون عن النسيان، والمعنى: قابلوا أحوالكم التي أنتم عليها الآن، بتلك الحال المتقدمة ليتبيّن لكم موضع النعمة فتشكروا عليه، وهذا قريب من قوله: واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم [الأعراف/ 86]، فقوله: ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون [الأنعام/ 152].
أي: ذلك الذي تقدم ذكره في ذكر مال اليتيم، وأن لا يقرب إلّا بالتي هي أحسن، وإيفاء الكيل، واجتناب البخس، والتطفيف فيهما، وتحرّي الحقّ على مقدار الطاقة والاجتهاد، ولذلك أتبع بقوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها [الأنعام/ 152]، والقول بالقسط والحقّ، ولو كان المقول فيه، والمشهود له، والمحكوم له، ذا قربى، والوفاء بالعهد، لينجز ما وعد عليه من قوله: ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما [الفتح/ 10].
هذا كلّه مما وصّى به، ليتذكروه، ويأخذوا به، ولا يطرحوه، فيتذكرون، هو الوجه والمعنى عليه، لأنه أمر نافذ بأخذ بعد أخذ، ووقت بعد وقت، فهو من باب التفوّق والتجرّع، وكذلك التذكّر من قوله: أولا يذكر الإنسان أنا
[الحجة للقراء السبعة: 3/428]
خلقناه من قبل [مريم/ 67]، إنما هو حضّ على الشكر على خلقه وإحيائه وتعريضه للنعيم الدائم والخلود فيه.
فأما قوله: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر [الفرقان/ 62] أي أن يتفكّر، فيتبيّن شكر الله، وموضع النعمة، وإتقان الصنعة، فيستدلّ منه على التوحيد، فيستوجب بذلك المنزلة الرفيعة، وقوله تعالى: ولقد صرفناه بينهم ليذكروا [الفرقان/ 50]، أي: صرفنا هذا الماء المنزل بينهم في مراعيهم ومزارعهم وشربهم، ليتفكروا في ذلك في مكان النعمة به.
قال أحمد: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع وابن عامر كلّ ذلك بالتشديد إلّا قوله: أو لا يذكر الإنسان [مريم/ 67]، فإنّهم خفّفوها، كأنهم ذهبوا في تخفيف ذلك، إلى أنّ إيجاده وإنشاءه هو دفعة واحدة، فحضّ على ذكر تلك النعمة، فلم يلزم عندهم أن يكون على لفظ التكثير، وما يحدث مرّة بعد مرّة، والباقون كأنهم ذهبوا إلى أنّه ينبغي أن يتذكّر ذلك مرّة بعد مرّة، وإن كان دفعة كما يتذكر الأشياء الأخر
[الحجة للقراء السبعة: 3/429]
المتكرّرة، ليكون شكره للنعمة بمكان ذلك متتابعا. كما يكون ذلك في الحال المتكررة.
قال: أحمد وروى نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم تذكرون خفيفة الذّال في كلّ القرآن، وكذلك روى حفص عن عاصم.
والقول في ذلك أن التخفيف مثل التشديد في المعنى، إنما هو تتذكرون فحذف لاجتماع المتقاربة بالحذف كما خفّفه غيره بالإدغام، ويمكن أن يقال: إنّ الحذف أولى لأنه أخفّ في اللفظ، والدلالة على المعنى قائمة.
قال أحمد: وقرأ حمزة والكسائيّ يذكرون* مشدّدا إذا كان بالياء، يتذكّرون، مخففا إذا كان بالتاء، هذا مثل رواية أبان وحفص عن عاصم.
فأما تشديد حمزة والكسائي يذكرون*، إذا كان بالياء، وتخفيفها إذا كان بالتاء، فإنهما ثقّلا يذكرون* بالياء، لأنه لم تجتمع المتقاربة مع الياء، كما اجتمعت مع التاء، ألا ترى أن الياء ليست بمقاربة للتاء، كما أن التاء مثل له في
[الحجة للقراء السبعة: 3/430]
يتذكّرون، فلما لم تجتمع المقاربة ولا الأمثال مع الياء، إنّما ولم يحذفا، وحذفا في: يتذكرون* لاجتماع التاءين، وكون الدال معهما مقاربة لهما. وهذا اعتبار حسن، وهو كاعتبار عاصم في رواية أبان وحفص عنه.
فأمّا اختلافهم في سورة الفرقان في قوله: لمن أراد أن يذكر [الفرقان/ 62]، وقرأ حمزة وحده أن يذكر* مخفّفة، وقرأ الكسائي: أن يذكر مشدّدة، والتشديد على أن يتذكر نعم الله تعالى ويذكّر ليدرك العلم بقدرته، ويستدل على توحيده كما قال: أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق [الروم/ 8]، أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء [الأعراف/ 185] وتخفيف حمزة على أنّه يذكر ما نسيه في أحد هذين الوقتين في الوقت الآخر، وهو فيما زعموا قراءة الأعمش، ويجوز أن يكون على: يذكر تنزيه الله وتسبيحه، أي: يذكر ما ندب إليه من قوله عزّ من قائل: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا [الأحزاب/ 41]، ويجوز أن يكون على: أراد أن يذكر نعم الله
[الحجة للقراء السبعة: 3/431]
عليه، فيشكر لها، كما قال: اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم [المائدة/ 11]، واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه [المائدة/ 7]، أي: تلقّوها بالشكر.
قال أحمد: واتفقا على تخفيف الدال في بني إسرائيل وفي الفرقان في قوله: ليذكروا* خفيفة، وشدّدها الباقون.
أما في بني إسرائيل فقوله: ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا، وما يزيدهم إلا نفورا [الإسراء/ 41]، فمعنى صرفنا في هذا القرآن: صرّفنا ضروب القول فيه من الأمثال وغيرها مما يوجب الاعتبار به والتفكّر فيه، كما قال: ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون [القصص/ 51]، وقال:
وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون [طه/ 113]. وقال:
وما يزيدهم إلا نفورا أي وما يزيدهم تصريف القول إلّا نفورا، أضمر الفاعل لدلالة ما تقدّم عليه، كما قال: فلما جاءهم نذير ما زادهم [فاطر/ 42]، أي: ما زادهم مجيئه إلّا نفورا، ومعنى: ما زادهم إلا نفورا أراد: زادهم نفورا عند مجيئه، فنسب ذلك إلى السورة، والنذير. أو الآية على الاتساع لمّا ازدادوا هم عند ذلك نفورا وعنادا، كما قال: رب إنهن أضللن كثيرا من الناس [إبراهيم/ 36]، وإنما ضلّ الناس، ولم تضلّهم الأصنام، وكذلك: فزادتهم رجسا إلى رجسهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/432]
[التوبة/ 125]. وأما ما في الفرقان مما اتّفق حمزة والكسائيّ على تخفيفه، وشدّدهما غيرهما فقوله: ولقد صرفناه بينهم [الفرقان/ 50]، أي: الماء المنزل من السماء سقيا لهم وغيثا، ليذكروا موضع النعمة فيشكروه، ويتقبّلوه بالشكر، فأبى أكثر الناس الشكر لمكانه، وكفروا بالنعمة به، وقد يقال: إن كفر النعمة به قولهم: مطرنا بنوء كذا، وكذلك قوله: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون [الواقعة/ 82] فكأنّه على هذا تجعلون شكر رزقكم التكذيب، ومثل ذلك ما أنشده أبو زيد:
فكان ما ربحت تحت الغيثرة... وفي الزّحام أن وضعت عشره
قال [أحمد] واتفقوا على تخفيف ذال قوله: وما يذكرون ورفع الكاف في المدّثر [56]. فقرأ نافع: وما تذكرون بالتاء ورفع الكاف. وقرأ الباقون بالياء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/433]
وروي عن الحسن في قوله: كلا إنها تذكرة [المدثر/ 54]، قال: القرآن، فأما قوله: فمن شاء ذكره [المدثر/ 55]، فتقديره أن ذلك ميسّر له كما قال: ولقد يسرنا القرآن للذكر [القمر/ 17]، أي: لأن يحفظ ويدرس، فيؤمن عليه التحريف والتبديل الذي جاز على غيره من الكتب لتيسيره للحفظ، ودرس الكثرة له وخروجه بذلك عن الحدّ الذي يجوز معه التبديل له، والتغيير، وقال: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر/ 9]، فأما قوله: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [المزمل/ 5]، فليس على ثقل الحفظ له، واعتياصه،
ولكن كما قال الحسن: إنّهم ليهذّونه هذّا، ولكن العمل به ثقيل.
ويجوز أن يكون المراد به ثقيل على من عانده، فردّه ولم ينقد له، كما قال: وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون [القلم/ 51]، وقوله:
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر [الحج/ 72]، وكقوله: ثم عبس وبسر. ثم أدبر واستكبر. فقال إن هذا إلا سحر يؤثر. إن هذا إلا قول البشر [المدثر/ 22 - 25].
فأما وجه الياء فلأن قبله ما يدل عليه الياء، وهو قوله:
كلا بل لا يخافون الآخرة [المدثر/ 53]، وما يذكرون
[الحجة للقراء السبعة: 3/434]
[المدثر/ 56] ووجه آخر، وهو: أنه يجوز أن يكون فاعل يذكرون قوله: فمن شاء ذكره [المدثر/ 55]، وقوله: فمن شاء ذكره، لا يخلو من أن يكون صلة أو جزاء، وكيف كان لم يمتنع أن يكون فاعل هذا الفعل.
ووجه التاء أنه يجوز أن يعنى به الغيب، والمخاطبون، فغلّب الخطاب ويجوز أن يكون على: قل لهم: وما تذكرون مثل: وما تشاءون). [الحجة للقراء السبعة: 3/435]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكرون} {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه} 152 و153
[حجة القراءات: 276]
قرأ حمزة والكسائيّ {وأن هذا صراطي} بالكسر على الاستئناف وذلك أن الكلام متناه عند انقضاء الآية نكسر {إن} للابتداء بها وحجتهما في أن المراد من الكلام هو الاستئناف قوله في هذه السّورة {وهذا صراط ربك مستقيمًا} 126 على الابتداء بالخبر عن صفة الصّراط
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم {وأن هذا} بفتح الألف وتشديد النّون وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال على معنى وصّاكم به وبأن هذا صراطي مستقيمًا وقال آخرون بل نسق على قوله {أتل ما حرم ربكم} أي أتل ما حرم ربكم وأتل أن هذا صراطي مستقيمًا
وقرأ ابن عامر {وأن هذا} بفتح الألف وتخفيف النّون عطف على قوله {ألا تشركوا به شيئا} و{إن هذا} عطف {إن} على {إن} ). [حجة القراءات: 277] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (86- قوله: {تذكرون} قرأه حفص وحمزة والكسائي بالتخفيف في «الذال»، على حذف إحدى التاءين استخفافًا، وذلك إذا كان أصله «تتذكرون» وذلك حيث وقع، وقرأ الباقون بالتشديد في «الذال» على إدغام التاء الثانية من «تتذكرون» في الذال، وفي التشديد معنى تكرير التذكر، كأنه تذكر بعد تذكر، ليتفهم من خوطب بذلك، وعلته كالعلة في «تظاهرون» وقد مضى ذكرها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/457]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (65- {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [آية/ 152] بتحفيف الذال:-
قرأها حمزة والكسائي و-ص- عن عاصم في كل القرآن إذا كان بالتاء، وإذا كان بالياء شددوها، كقوله {لِقَوْمٍ تَذَّكَّرُونَ}.
والوجه أن المعنى في التخفيف والتشديد واحد، إلا أن الصنعة فيهما تختلف، وكلاهما تخفيف من حيث الصناعة، فبعضهم يخفف بالإدغام لاجتماع المتقاربة، فشدد وقال {تَذَّكَّرُونَ}، ومنهم من خفف بالحذف فقال {تَذَكَّرُونَ} بلا تشديد.
والأصل فيهما جميعًا: تتذكرون، والحذف أولى؛ لأنه أخف في اللفظ، وهو أن الأصل تتذكرون على ما سبق، فحذفت التاء الثانية لاجتماع المتقاربة، والثانية أولى بالحذف؛ لأنها المتكررة، وأنها هي التي تدغم، والأولى إنما جاءت للمضارعة فهي بالتبقية أولى.
وقرأ الباقون {تَذَّكَّرُونَ} بتشديد الذال في كل القرآن، إلا أن يكون فعلاً ماضيًا كقوله {تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} فإنها مخففة لا غيره.
[الموضح: 512]
والوجه ما تقدم، وهو اجتماع الحروف المتقاربة، فأرادوا التخفيف بالإدغام، وهو أن ادعموا التاء الثانية في الدال، لئلا يجتمع في اللفظ حروف متقاربة، وهي تاءان وذال، والذال مقاربة التاء، فخفف بالإدغام.
وأما تخفيف من خفف إذا كان {تَذَكَّرُونَ} بالتاء، وتشديده إذا كان بالياء؛ فلأنه لم تجتمع المتقاربة مع الياء، كما اجتمعت مع التاء؛ لأن الياء ليست بمقاربة التاء، فلما لم تجتمع التاءان لم يخفف بحذف أحدهما، وأدغم التاء في الذال لتقاربهما.
وأما تخفيفهم للكلمة إذا كانت فعلاً ماضيًا، فلأن الماضي لا يجتمع فيه تاءان، ولا يجوز تسكين التاء؛ لأنه أول، فلا يحصل الإدغام، فلهذا لا سبيل إلى التشديد). [الموضح: 513]

قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه... (153).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم (وأنّ هذا) بتشديد النون وفتح الألف، وقرأ ابن عامر ويعقوب (وأن هذا) بفتح الألف وسكون النون، وقرأ حمزة والكسائي (وإنّ) بكسر الألف وتشديد النون.
وقرأ ابن عامر والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (صراطي) بفتح الياء، وأرسلها الباقون.
قال أبو منصور: من قرأ (وأنّ هذا) بفتح الألف فلأنه عطف على قوله (أن لا تشركوا به شيئا.. وأنّ هذا) وهذا في موضع النصب؛ لأنه اسم (أنّ)، و(صراطي) خبره، ونصب (مستقيما) على الحال.
ومن قرأ (وأن هذا) بفتح الألف والتخفيف فهذا في موضع الرفع لأن (أن) إذا خففت منعت عملها، و(أن) رفع (هذا) بالابتداء، ومرافعه (صراطي).
ومن قرأ (وإنّ هذا) فكسر الألف وشدد فعلى الاستئناف). [معاني القراءات وعللها: 1/395]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (57- وقوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما} [153].
قرأ حمزة والكسائي {وإن هذا} بالكسر على الاستئناف.
وقرأ الباقون {وأن هذا} بالفتح على معنى ذلكم وصاكم به وبـــ «أن»، فيكون على هذا التأويل نصبًا وخفضًا.
وقرأ ابن عامر {وأن هذا} بفتح الألف وسكون النون {صراطي} بفتح الياء.
والباقون يسكنون الياء، وهو الاختيار؛ لأنها لم يستقبلها همزة، ولأن الكلمة قد طالت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/173]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها وتخفيف النون وتشديدها [وتحريك الياء وإسكانها] من قوله تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما [الأنعام/ 153].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وأن هذا صراطي مستقيما، مفتوحة الألف مشدّدة النون، صراطي ساكنة الياء.
وقرأ ابن عامر: وأن هذا مفتوحة الألف ساكنة النون، صراطي مفتوحة الياء.
وقرأ حمزة والكسائي وإن* مكسورة الألف مشددة النون، صراطي ساكنة الياء.
وقرأ ابن كثير وابن عامر: سراطي بالسين.
[الحجة للقراء السبعة: 3/435]
وقرأ حمزة بين الصاد والزاي، واختلف عنه وقد ذكر.
وقرأ الباقون بالصّاد.
من فتح أن* فقياسه قول سيبويه: أنه حمله على فاتبعوه لأنّه قال في قوله: لإيلاف قريش [قريش/ 1]، وقوله: وأن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاتقون [المؤمنون/ 52]، وقوله: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا [الجن/ 18]، أن المعنى: لهذا فليعبدوا، ولأن هذه أمّتكم، ولأن المساجد لله فلا تدعوا، فكذلك لأن هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه.
ومن خفّف فقال: وأن هذا صراطي فإنّ المخففة في قوله يتعلّق بما يتعلّق به المشدد، وموضع هذا* رفع بالابتداء، وخبره: صراطي وفي أن* ضمير القصة، والحديث، وعلى هذه الشريطة يخفّف، وليست المفتوحة كالمكسورة إذا خففت، وعلى هذا قول الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/436]
في فتية كسيوف الهند قد علموا... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل
والفاء التي في قوله: فاتبعوه، مثل الفاء التي في قوله: بزيد فامرر.
ومن كسر إن* استأنف بها، والفاء في قوله فاتبعوه على قوله عاطفة جملة على جملة، وعلى القول الأول زيادة). [الحجة للقراء السبعة: 3/437]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكرون} {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه} 152 و153
[حجة القراءات: 276]
قرأ حمزة والكسائيّ {وأن هذا صراطي} بالكسر على الاستئناف وذلك أن الكلام متناه عند انقضاء الآية نكسر {إن} للابتداء بها وحجتهما في أن المراد من الكلام هو الاستئناف قوله في هذه السّورة {وهذا صراط ربك مستقيمًا} 126 على الابتداء بالخبر عن صفة الصّراط
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم {وأن هذا} بفتح الألف وتشديد النّون وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال على معنى وصّاكم به وبأن هذا صراطي مستقيمًا وقال آخرون بل نسق على قوله {أتل ما حرم ربكم} أي أتل ما حرم ربكم وأتل أن هذا صراطي مستقيمًا
وقرأ ابن عامر {وأن هذا} بفتح الألف وتخفيف النّون عطف على قوله {ألا تشركوا به شيئا} و{إن هذا} عطف {إن} على {إن} ). [حجة القراءات: 277] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (87- قوله: {وأن هذا صراطي} قرأه حمزة والكسائي بكسر الهمزة، وفتحها الباقون، وكلهم شدد إلا ابن عامر، فإنه خففها مع فتح الهمزة.
وحجة من فتح أنه حمله على إضمار اللام، فـ «أن» في موضع نصب لحذف الخافض، والتقدير: ولأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه، أي: اتبعوه لأنه مستقيم، والفاء في «اتبعوه» بمنزلتها في قولك: يزيد فامرر.
88- وحجة من كسر «أن» أنه جعلها مبتدأة مستأنفة، فكسرها لذلك، فالفاء في هذه القراءة عاطفة جملة على جملة، بخلافها في القراءة الأخرى.
89- وحجة من خفف «أن» أنه جعلها «أن» المخففة من الثقيلة، وفتحها على إضمار اللام كما تقدم، ويكون هذا، في قراءة من خفف «أن»، في موضع رفع بالابتداء، ومع «أن» ضمير القصة، وعلى هذه الشريطة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/457]
تخفيف المفتوحة بخلاف تخفيف المكسورة التي تضمر معها الهاء، وهي اسمها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/458]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (66- {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي} [آية/ 153] بتشديد النون من {أَنَّ} وفتح الألف:-
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم.
والوجه أنه محمول على قوله {فَاتَّبِعُوهُ} ومتصل به، والتقدير: فاتبعوه لكونه صراطًا مستقيمًا، واللام الجارة مقدرة، والمعنى: ولأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه، فموضع أن نصب بأن مفعول له، وقيل: بل هو معطوف على قوله {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}، فقوله {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} متلو أيضأ، كأنه قال: واتل أن هذا صراطي.
[الموضح: 513]
وقرأ ابن عامر ويعقوب {وَأَنَّ هَذَا} بسكون النون وفتح الألف.
والوجه أن {أَنَّ} ههنا مخففة من الثقيلة، وهي في حكم المشددة، وما ذكرناه في المشددة من الأحكام فإنه لازم له، إلا أن ههنا شيئا آخر، وهو ضمير القصة والحديث، والتقدير: وأنه أو وأنها على معنى وأن الأمر أو الحديث أو القصة هذا صراطي مستقيمًا، فموض {هَذَا} رفع بالابتداء، وخبره صراطي، والمبتدأ والخبر في موضع رفع بأنهما خبر أن والأمر المضمر الذي هو الحديث أو القصة، وإنما يخفف أن على هذا الشرط، وهو أن يضمر الشأن أو القصة بعده، قال الأعشى:
34- في فتية كسيوف الهند قد علموا = أن هالك كل من يحفى وينتعل
أي أن الأمر أو الشان هالك كل من يحفى وينتعل وقرأ حمزة والكسائي {أَنَّ} بكسر الألف وتشديد النون.
والوجه أنه على الاستئناف؛ لأن إن يقطع ما قبله مما بعده، فالكلام من قوله {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} مستأنف، والفاء في قوله {فَاتَّبِعُوهُ} على هذا لعطف جملة على جملة، وفي الوجه الأول زائد مثل قولك: بزيد فامرر). [الموضح: 514]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (67- {صِراطِيَ} [آية/ 153] بفتح الياء:-
قرأها ابن عامر وحده، والباقون {صِرَاطِي} بسكون الياء.
وقد مضى في مثل هذه الياء ما فيه كفاية فيما سبق من هذا الكتاب). [الموضح: 515]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #44  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:47 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (154) إلى الآية (157) ]
{ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)}

قوله تعالى: {ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن يعمر: [تَمَامًا عَلَى الَّذي أَحْسَنُ].
قال أبو الفتح: هذا مستضعف الإعراب عندنا؛ لحذفك المبتدأ العائد على الذي؛ لأن تقديره: تمامًا على الذي هو أحسن، وحذْف "هو" من هنا ضعيف؛ وذلك أنه إنما يُحذف من صلة الذي الهاء المنصوبة بالفعل الذي هو صلتها، نحو: مررت بالذي ضربتَ؛ أي: ضربتَه، وأكرمتَ الذي أهنتَ؛ أي: أهنتَه، فالهاء ضمير المفعول، ومن المفعول بُدٌّ، وطال الاسم بصلته، فحذفت الهاء لذلك، وليس المبتدأ بنيِّف ولا فضلة فيحذف تحفيفًا، لاسيما وهو عائد الموصول،
[المحتسب: 1/234]
وأن هذا قد جاء نحوه عنهم؛ حكى سيبويه عن الخليل: "ما أنا بالذي قائل لك شيئًا سوءًا" أي: بالذي هو قائل، وقال:
لم أرَ مثل الفتيان في غبن الـ ... أيام ينسَون ما عواقبها
أي: ينسون الذي هو عواقبها.
ويجوز أن يكون "ينسون" معلقة كما علقوا نقيضتها التي هي يعلمون، وتكون "ما" استفهامًا وعواقبها خبر "ما"، كقولك: قد علمت مَن أبوك وعرفت أيُّهم أخوك؟، وعلى الوجه الأول حمله أصحابنا). [المحتسب: 1/235]

قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)}

قوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156)}

قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم: [مِمَّنْ كَذَبَ بِآياتِ اللهِ] خفيفة الذال.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون دخول الباء هنا حملًا على المعنى؛ وذلك لأنه في معنى مَكَرَ بها، وكفر بها، وما أكثر هذا النحو في هذه اللغة، وقد ذكرناه فيما مضى، ومنه قوله:
ألم يأْتيك والأنباءُ تَنمي ... بما لاقت لبون بني زياد
زاد الباء في بما لاقت لما كان معناه ألم تسمع بما لاقت لبونهم، وفيه ما أنشدَناه أبو علي: أم كيف ينفعُ ما تعطى العَلوقُ به ... رئْمانَ أنف إذا ما ضُنَّ باللبِن
ألحق الباء في به لما كان تعطى في معنى تسمح به، ألا تراه قال في آخر البيت: إذا ما ضُنَّ باللبن؟ فالضن نقيضُ السماحة والبذل). [المحتسب: 1/235]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #45  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:49 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (158) إلى الآية (159) ]
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)}

قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هل ينظرون إلّا أن تأتيهم الملائكة... (158).
قرأ حمزة والكسائي (إلا أن يأتيهم الملائكة) بالياء، والباقون بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فلتقديم فعل الجماعة، ومن قرأ بالتاء فلتأنيث الملائكة). [معاني القراءات وعللها: 1/396]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (61- وقوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة} [158].
قرأ حمزة والكسائي بالياء.
والباقون بالتاء، والأمر واحد؛ لأنك تريد جماعة الملائكة، يذكر ويؤنث). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/174]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: تأتيهم الملائكة [الأنعام/ 158].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: تأتيهم بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائيّ: يأتيهم* بالياء.
وقد تقدّم هذا النحو في غير موضع). [الحجة للقراء السبعة: 3/437]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة زهير الفُرْقُبي: [يَوْمُ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ] بالرفع.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون ارتفاع اليوم بالابتداء، والجملة التي هي قوله تعالى: {لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} خبر عنه، والعائد من الجملة محذوف لطول الكلام والعلم به، وإذا كانوا قد قالوا: السمن مَنَوان بدرهم، فحذفوا وهم يريدون "منه" مع قصر الكلام؛ كان حذف العائد هنا لطول الكلام أسوغ، وتقديره: لا ينفع فيه نفسًا إيمانها، ومثله قولهم: البُرُّ الكْرُّ بستين؛ أي: الكُرُّ منه.
وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يكون على حذف العائد؛ أي: إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا منهم، وله نظائر كثيرة؛ لكنا نحذف الإطالة إذ كان هذا كتابًا مختصرًا ليقرب على القراء ولا يلطُف عنهم، وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة في قراءة السبعة، فأغمضه وأطاله حتى منع كثيرًا ممن يدَّعي العربية -فضلًا على القَرَأة- منه، وأجفاهم عنه). [المحتسب: 1/236]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي العالية: [لا تَنْفع نفسًا إيمانُها] بالتاء فيما يروى عنه، قال ابن مجاهد: وهذا غلط.
قال أبو الفتح: ليس ينبغي أن يُطْلَق على شيء له وجه في العربية قائم -وإن كان غيره أقوى منه- أنه غلط، وعلى الجملة فقد كثر عنهم تأنيث فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته
[المحتسب: 1/236]
إلى مؤنث، وكان المضاف بعض المضاف إليه أو منه أو به. وأنشدنا أبو علي لابن مقبل:
قد صرَّح السيرُ عن كُتْمَان وابتُذِلت ... وقعُ المحاجن بالْمَهرية الذُّقُن
فأنث "الوقع" وإن كان مذكرًا لَمَّا كان مضافًا إلى "المحاجن"، وهي مؤنثة؛ إذ كان الوقع منها. وكذلك قول ذي الرمة:
مشَيْن كما اهتزَّت رماح تسفهت ... أعاليَهَا مرُّ الرياح النواسِم
فأنث "الْمَر" لإضافته إلى الرياح وهي مونثة؛ إذ كان "الْمَر" من الرياح، ونظائر ذلك كثيرة جدًّا لا وجه للإطالة بذكرها، فهذا وجه يشهد لتأنيث الإيمان؛ إذ كان من النفس وبها.
وإن شئت حملته على تأنيث المذكر لَمَّا كان يعبر عنه بالمؤنث، ألا ترى إلى قول الله سبحانه: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، فتأنيث الْمِثل لأنه في المعنى حَسَنة.
فإن قلت: فهلَّا حملته على حذف الموصوف، فكأنه قال: فله عشر حسنات أمثالها، قيل: حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه قبلُ ليس بمستحسن في القياس، وأكثر مأتاه إنما هو في الشعر؛ ولذلك ضعف حمل [دانيةً] من قوله: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} على أنه وصف جنة؛ أي: وجنةً دانيةً عليهم ظلالها، عطفًا على جنة من قوله: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} وجَنةً دَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا؛ لما فيه من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه حتى عطفوها على قوله: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} ودانيةً عليهم ظلالها، فكانت حالًا معطوفة على حال قبلها، فلهذا يضعف أن يكون تقدير الآية على: فله عشر حسنات أمثالها؛ بل تكون أمثالها غير صفة لكنه محمول على المعنى؛ إذ كن حسنات كما ترى.
وعليه أيضًا قوله تعالى: [تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ]؛ لما كان ذلك البعض سيارة في المعنى.
[المحتسب: 1/237]
وحكى الأصمعي عن أبي عمرو قال: سمعت رجلًا من اليمن يقول: فلان لَغُوب، جاءته كتابي فاحتقرها، قال: فقلت له: أتقول جاءته كتابي؟ فقال: نعم، أليس بصحيفة؟ فلا تعجب إلا من هذا الأعرابي الجافي وهو يعلل هذا التعليل في تأنيث المذكر، وليس في شعر منظوم فيُحتمل ذلك له، إنما هو في كلام منثور، فكذلك يكون تأنيث الإيمان، ألا تراه طاعة في المعنى؟ فكأنه قال: لا تنفع نفسًا طاعتها، والشواهد كثيرة؛ لكن الطريق التي نحن عليها مختصرة قليلة قصيرة). [المحتسب: 1/238]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هل ينظرون إلّا أن تأتيهم الملائكة}
قرأ حمزة والكسائيّ (هل ينظرون إلّا أن يأتيهم الملائكة) بالياء ذهب إلى جمع الملائكة وقد ذكرت الحجّة في آل عمران
وقرأ الباقون بالتّاء ذهبوا إلى جماعة الملائكة وحجتهم قوله {تحمله الملائكة} وقوله {وإذ قالت الملائكة} واعلم أن فعل
[حجة القراءات: 277]
الجموع إذا تقدم يذكر ويؤنث تذكره إذا قدرت الجمع وتؤنثه إذا أردت الجماعة). [حجة القراءات: 278]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (90- قوله: {إلا أن تأتيهم} قرأ حمزة والكسائي بالياء لتذكير معنى الملائكة، وقرأ الباقون بالتاء، على تأنيث لفظ الملائكة، وهو في العلة مثل {فنادته الملائكة} «آل عمران 39»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/458]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (68- {إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} [آية/ 158] بالياء:-
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في النحل، وقرأ الباقون {تَأْتِيَهُمُ} بالتاء في السورتين.
وقد تقدم من القول في نحوه ما فيه غنية عن الإعادة). [الموضح: 515]

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ الّذين فارقوا دينهم... (159).
قرأ حمزة والكسائي (فارقوا) بألف، وفي الروم بألف أيضًا.
وقرأ الأعشى عن أبي بكر هنا (فارقوا) بالألف، وفي الروم بغير ألف، وقرأ الباقون (فرّقوا) بغير ألف في السورتين.
قال أبو منصور: من قرأ (فارقوا دينهم) ففيه قولان:
أحدهما: أنهم تركوا دينهم وفارقوه فلم يدوموا عليه.
والقول الثاني: أن (فارقوا) و(فرّقوا) بمعنى واحد، كما يقال: ضعّف وضاعف، وعالى وعلّى، وصاعر وصعّر، ومعناهما: اختلافهم في دينهم وتفرقهم فيه، ويقوى هذا القول قوله (وكانوا شيعًا)، أي: فرقا شتى). [معاني القراءات وعللها: 1/396]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (58- وقوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم} [159].
قرأ حمزة والكسائي {فرقوا} بالألف، ذهبا إلى قراءة علي بن أبي طالب قرأها كذلك وقال: فارقوه.
وقرأ الباقون {فرقوا} وحجتهم {وكانوا شيعًا} أي: صاروا أحزابًا وفرقًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/173]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الراء وتخفيفها، وإدخال الألف وإخراجها من قوله تعالى: فرقوا دينهم [الأنعام/ 159].
فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم:
[الحجة للقراء السبعة: 3/437]
فرقوا دينهم مشدّدة وكذلك في الروم [32].
وقرأ حمزة والكسائيّ ب فارقوا بألف، وكذلك في الروم.
من قال: فرقوا فتقديره: يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، كما قال: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض [البقرة/ 18]، فهم خلاف المسلمين الذين وصفوا بالإيمان به كلّه، في قوله: وتؤمنون بالكتاب كله [آل عمران/ 119].
وقال: إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض [النساء/ 150].
ويجوز أن يكون المعنى في قوله: [يريدون أن يفرّقوا بين دين الله ودين رسله: لا يؤمنون بجميعه] كمن وصف بذلك في قوله: وتؤمنون بالكتاب كله [آل عمران/ 119].
ومن قرأ: فارقوا فالمعنى: باينوه، وخرجوا عنه. وإلى معنى: فرّقوا، يؤول، ألا ترى أنّهم لمّا آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه فارقوه كلّه، فخرجوا عنه ولم يتبعوه.
وأما قوله: يومئذ يتفرقون [الروم/ 14] فالمعنى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/438]
يصيرون فرقة فرقة من قوله: فريق في الجنة وفريق في السعير [الشورى/ 7] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/439]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة النخعي وأبي صالح مولى ابن هانئ، ويُروى أيضًا عن الأعمش ويحيى: [الَّذِينَ فَرَقُوا دِينَهُمْ] بالتخفيف.
قال أبو الفتح: أما [فَرَقُوا] بالتخفيف فتأويله أنهم مازُوه عن غيره من سائر الأديان، هذا ظاهر [فرَقوا] بالتخفيف. وقد يحتمل أن يكون معناه معنى القراءة بالتثقيل؛ أي: فرَّقوه، وعضَّوْه أعضاء، فخالفوا بين بعضه وبعض؛ وذلك أن فَعَل بالتخفيف يكون فيها معنى التثقيل، ووجه هذا أن الفعل عندنا موضوع على اغتراق جنسه، ألا ترى أن معنى "قام زيد": كان منه القيام، و"قعد": كان منه القعود؟ والقيام -كما نعلم- والقعود جنسان، فالفعل إذن على اغتراق جنسه، يدل على ذلك عمله في جميع أجزاء ذلك الجنس من مفرده ومثناه ومجموعه، ونكرته ومعرفته، وما كان في معناه، وذلك قوله: قمت قومة وقومتين وألفَ قومة، وقمت قيامًا وقيامًا طويلًا، وجلست جلوسًا وجلوسًا قصيرًا، وقمت القيام الذي تعلم. وقال:
لعمري لقد أحْبَبْتُكَ الحبَّ كُلَّه
وقالوا: قعد القرفصاء، وعَدَا البَشَكَى، ووثب الْحَجَزى، فعمل الفعل في جميع أجزاء
[المحتسب: 1/238]
المصادر من لفظه ومن غير لفظه كما كان معناه، يدل على أن وضعه لاغتراق جنسه؛ إذ الفعل لا يعمل من المصادر إلا فيما كان عليه دليل، ألا تراك لا تقول: قمت قعودًا، ولا خرجت دخولًا؛ لأنه لا دليل في الفعل على ذلك؟ وهذا واضح مُتَنَاهٍ في البيان.
وإذا كان كذلك عُلم منه وبه أن جميع الأفعال ماضيها وحاضرها ومتلقاها مجاز لا حقيقة، ألا تراك تقول: قمت قومة، وقمت على ما مضى، دال على الجنس؟ فوضعك القومة الواحدة موضع جنس القيام، وهو فيما مضى وما هو حاضر وفيما هو متلقى مستقبل، من أذهب شيء في كونه مجازًا.
ولذلك ما كان شيخنا أبو علي يقول: إن قولنا: قام زيد في كونه مجازًا بمنزلة قول القائل: خرجت فإذا الأسد، يريد بذلك: أن الأسد هنا لاغتراق الجنس؛ وإنما وجد ببابه أسدًا واحدًا، فأطلقه على جميع جنسه الذي لا يحيط به إلا خالقه جل وعز.
فهذا كقولك: قام زيد في وضعه إياه على البعض وإن كان مفادُ "قام" الاغتراقَ للكل؛ إذ كان قيام زيد جزءًا مما لا يحاط به، ولا يحاط الوهم إلا على كلَا ولَا على قصوره.
وهذا موضع يسمعه الناس مني ويتناقلونه دائمًا عني، فيُكبرونه ويكثرون العجب به، فإذا أوضحته لم يسأل عنه استحياء، وكان يستغفر الله لاسيحاشه كان منه.
وكشفت هذا الموضع يومًا لبعض من كان له مذهب في المشاغبة -عفا الله عنا وعنه- فتوقف فيه، ثم قال: أوكذلك أفعال القديم عندك؟ فقلت: هذا موضع لا تعلُّق له بذكر القدم والحدوث؛ وإنما هو طريق مسلوكة يتعاقبها القديم والمحدَث تعاقبًا واحدًا، ألا تراك تقول: خلق الله كذا؟ أفتظن أن هذا ينتظم كل خلق في الوهم؟ فإن قلت: نعم، لزمك أن يكون هو الخالق لأفعال العباد، ومذهبك نافٍ لهذا عندك، فلما بلغ الموضعُ بنا إلى هذا أَمسك، ثم مضى فقرأ شيئًا من كلام شيخنا فعاد معترفًا بما قلت له منه، غير أننا أُعلمنا بذلك أن العلل عنده مروية غير مدرية، وليست بحقائق ولا عقلية). [المحتسب: 1/239]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الّذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء}
قرأ حمزة والكسائيّ (إن الّذين فارقوا) بالأل وفي الرّوم أيضا ومعنى (فارقوا) أي زايلوا وقد روي أن رجلا قرأ عند عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه {إن الّذين فرقوا} دينهم فقال عليّ لا والله ما فرقوه ولكن فارقوه ثمّ قرأ (إن الّذين فارقوا دينهم) أي تركوا دينهم الحق الّذي أمرهم الله باتباعه ودعاهم إليه
وقرأ الباقون {فرقوا دينهم} من التّفريق تقول فرقت المال تفريقا وحجتهم قوله بعد {وكانوا شيعًا} أي صاروا أحزابا وفرقا قال عبد الوارث وتصديقها قوله {كل حزب بما لديهم فرحون} يدلك على أنهم صاروا أحزابا وفرقا والمعنيان متقاربان لأنهم إذا فرقوا الدّين فقد فارقوه). [حجة القراءات: 278]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (91- قوله: {فرقَّوا} قرأه حمزة والكسائي بألف، من المفارقة والفراق، على معنى أنهم تركوا دينهم وفارقوه، ومثله في الروم، وقرأهما الباقون بتشديد الراء، من غير ألف، من التفريق، والتفريق على معنى أنهم فرقوه، فأمنوا ببعض، وكفروا ببعض، ففرقوا إيمانهم ودينهم، وقد قال عنهم: {يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله} «النساء 150» {ويقولون نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ} «النساء 150»، فالقراءتان متقاربتان، لأن من فارق الإيمان فقد بان منه، وقد روى أبو هريرة أن النبي عليه السلام كان يقرأ «فارقوا» بألف، وكذلك قرأ علي بن أبي طالب، وكان يقول: ما فرقوه ولكن فارقوه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/458]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (69- {فَارَّقُوا دِينَهُمْ} [آية/ 159] بالألف:-
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في الروم، والمعنى باينوا دينهم وخرجوا عنه؛ لأنهم حين آمنوا ببعضه وكفروا بالبعض فقد فارقوا الكل، ويجوز أن يكون {فَارَّقُوا} بمعني فرقوا، كما يقال ضاعفته وضعفته، وصاغر وصغر.
وقرأ الباقون {فَرَّقُوا دِينَهُمْ} بتشديد الراء في السورتين، والمعنى أنهم بددوا دينهم وجزءوه بأن آمنوا ببعض وكفروا ببعض، كما قال تعالى
[الموضح: 515]
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} فهم لم يكونوا كالمؤمنين الذي قال الله تعالى فيهم {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} ). [الموضح: 516]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #46  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:51 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (160) إلى الآية (163) ]
{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}


قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فله عشر أمثالها... (160).
قرأ الحضرمي وحده (عشرٌ أمثالها) منونا بالرفع، وقرأ الباقون (عشر أمثالها) مضافا.
قال أبو منصور: من قرأ (عشرٌ) أراد: فله حسنات عشرٌ أمثال الحسنة التي جاء بها، ومن قرأ (عشر أمثالها) أراد: فله عشر أمثال تلك الحسنة، والمعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/397]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (70- {فَلَهُ عَشْرُ} منونة {أَمْثَالِهَا} رفع [آية/ 160]:-
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أن المراد: فله حسنات عشر أمثال الحسنات التي جاء بها، فقوله {أَمْثَالِهَا} صفة لقوله {عَشْرُ}، و{عَشْرُ} مبتدأ و{لَهُ} خبره، و{أَمْثَالِهَا} وإن كانت مضافة إلى معرفة فإنها نكرة، فلهذا جاز أن تكون صفة لعشر؛ لأن مثلاً وغيرًا وشبهًا لا تتعرف وإن كانت مضافات إلى المعارف، لأن واحدًا منها لا يقع على مخصوص.
وقرأ الباقون {عَشْرُ أَمْثَالِهَا} بإضافة {عَشْرُ} إلى الأمثال، وإنما قال {عَشْرُ} أمثالها، ولم يقل عشرة أمثالها، لأنها مضافة إلى المؤنث؛ ولأن أمثال الحسنات حسنات، فلذلك أنث العشر، فكأنه قال عشر حسنات، وهذا كما تقول: ذهبت بعض أصابعه، لأن بعض الأصابع أصبع، وهي مؤنثة، قال:
35- إذا بعض السنين تعرفتنا = كفى الأيتام فقد أبي اليتيم
[الموضح: 516]
لأن بعض السنين سنة). [الموضح: 517]

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ... (161)
فتح الياء نافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/397]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله. جلّ وعزّ: (دينًا قيمًا... (161).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والحضرمي (دينًا قيّمًا) مفتوحة القاف مشددة الياء، وقرأ الباقون (قيمًا) بكسر القاف خفيفة الياء.
[معاني القراءات وعللها: 1/397]
قال أبو منصور: من قرأ (قيّمًا) فالمعنى: دينا مستقيما، ومن قرأ (قيمًا) فهو مصدر كالصغر والكبر، وإنما قال (قيمًا) ولم يقل: قوما كما قال الله جلّ وعزّ (لا يبغون عنها حولًا) لأن (قيم) بني على قام قيما، فلما اعتل (قام) وكان في الأصل قوم أو قوم قرّ له قيما.
وأما (حول) فإنه لم يكن على (فعل)، قد اعتل فترك على أصله ونصب قوله (دينًا قيمًا) على المعنى؛ لأنه لما قال جلّ وعزّ (هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ) دل على عرفني (دينًا قيمًا) ). [معاني القراءات وعللها: 1/398]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (59- وقوله تعالى: {دينا قيما} [161].
قرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع {قيما} مشددًا فحجتهم {وذلك دين القيمة}.
وقرأ الباقون {قيما} بكسر القاف والتخفيف جمع قيمة وقيم ثمل حيلة وحيل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/174]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عزّ وجلّ دينا قيما [الأنعام/ 161].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: دينا قيما مفتوحة القاف مشدّدة الياء.
وقرأ عاصم وابن عامر، وحمزة والكسائي دينا قيما مكسورة القاف خفيفة الياء..
حجة من قرأ: دينا قيما قوله: وذلك دين القيمة [البينة/ 5]، كأنه دين الملة القيّمة، فعلى هذا يكون وصفا للدّين، إذا كانت نكرة كما كان وصفا للملّة، لأنّ الملّة هي الدين، وزعموا أنه في قراءة أبيّ وهذا صراطي... دينا قيما.
قال أبو الحسن: قال أهل المدينة: دينا قيما وهي حسنة، ولم نسمعها من العرب، قال: وهي في معنى المستقيم.
فأما قيما* فهو مصدر كالشّيع، ولم يصحّح كما صحّح عوض، وحول، وقد كان القياس، ولكنه شذّ عن القياس، كما شذّ أشياء من نحوه عن القياس نحو: ثيرة،
[الحجة للقراء السبعة: 3/439]
ونحو قولهم: جياد في جمع جواد، وكان القياس الواو، كما قالوا: طويل وطوال، قال الأعشى:
جيادك في الصّيف في نعمة... تصان الجلال وتنطى الشعيرا
فأما انتصاب دينا، فيحتمل نصبه ثلاثة أضرب:
أحدها: أنه لما قال: قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم [الأنعام/ 161]، استغني بجري ذكر الفعل عن ذكره فقال: دينا قيما، أي: هداني دينا قيما، كما قال: اهدنا الصراط المستقيم. وإن شئت نصبته على: اعرفوا، لأن هدايتهم إليه تعريف، فحمله على: اعرفوا دينا قيما. وإن شئت حملته على الاتّباع كأنه قال: اتّبعوا دينا قيما، والزموه، كما قال: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم [الزمر/ 55] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/440]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({دينا قيمًا}
قرأ ابن عامر وأهل الكوفة {دينا قيمًا} بكسر القاف أي مستقيمًا
[حجة القراءات: 278]
ما
قال الزّجاج قيم مصدر كالصغر والكبر إلّا أنه لم يقل قوما مثل {لا يبغون عنها حولا} لأن قيمًا من قولك قام قياما والأصل قوم فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار قام فلمّا اعتل الفعل اعتللمصدر فقيل قيم
وقرأ الباقون بالتّشديد وحجتهم قوله {وذلك دين القيمة} و{فيها كتب قيمة} قال الفراء في هذه الكلمة لغات للعرب تقول هذا قيام أهله وقوام أهله وقيم أهله وقيم أهله). [حجة القراءات: 279]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (92- قوله: {دينًا قيمًا} قرأه الكوفيون وابن عامر بكسر القاف، والتخفيف، وفتح الياء، وقرأ الباقون بفتح القاف، وكسر الياء، والتشديد.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/458]
وحجة من كسر القاف وخفف أنه جعله مصدرًا كالشبع، وكان القياس ألا يعله كما يعل «عوضًا» و«حولا» فعلته خارجة عن القياس، وأصل الياء فيه واو، وقد فعلوا ذلك في «ثيرة وجياد» جمع ثور وجواد، فأعلوا، فكان القياس أن لا يُعل كما قالوا: طوال، فلم يعلوا، وقد ذكرنا، نصب «دينا» في تفسير مشكل الإعراب.
93- وحجة من قرأ بفتح القاف مشددا، مكسور الياء، أنه جعله صفة للذين وهو «فيعل» من «قام» بالأمر، فأصله «قيوم» ثم أدغمت الياء في الواو كميت، ومعنى «قيم» مستقيم، أي: دينًا مستقيمًا لا عوج فيه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/459]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (71- {دِينًا قِيَمًا} [آية/ 161] فتح القاف وكسر الياء مشددة:-
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب.
والوجه أن المعنى: دينا مستقيما، والقيم هو المستقيم، قال الله تعالي {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي دين الملة القيمة، وهو فعل من قام.
وقرأ الباقون {قِيَمًا} بكسر القاف وفتح الياء مخففة.
والوجه أنه مصدر كالشبع وكالصغار والكبر، وهو صفة للدين، وكما وصف بالمصدر في قوله رجل زور وصوم، والقياس تصحيحه كما صح عوض وحول، فيقتضي القياس في هذا أيضًا أن يقال قوم، ولكنه شذ عن القياس، ومما يتمسك به فيه أن يقال إنه لما كان مصدرًا من قام، وأصل قام قوم، فأعل بقلبه ألفًا، أعل المصدر أيضًا بإعلال الفعل كالقيام.
وانتصاب قوله {دِينًا} على أنه بدل من موضع {إِلَى صِرَاطٍ}، كأنه قال: هداني دينًا قيمًا، وهو بدل من المفعول به، ويجوز أن يكون على إضمار فعل ناصب، كأنه قال: اعرفوا أو اتبعوا دينًا قيمًا). [الموضح: 517]

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومحياي... (162).
أرسل الياء في (محياي) نافع، وفتحها الباقون، وروى ورشٌ عن نافع أنه فتح الياء من (محياي) بعدما أسكنها). [معاني القراءات وعللها: 1/398]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومماتي للّه... (162).
فتح نافع وحده، وأرسلها الباقون.
[معاني القراءات وعللها: 1/398]
قال أبو منصور: أما ما روي عن نافع أنه أرسل الياء من (محياي) فهو غير سائغ في اللغة، ولا جائز عند النحويين؛ لأن هذه الياء يسكن إذا تحرك ما قبلها، فإذا سكن ما قبلها لم يجز إسكانها، والقراءة هي التي اجتمع القراء عليها، ورجع نافع إليها (محياي)، ولا يجوز عندي غيرها.
وأما قوله (ومماتي) بسكون الياء فهو جائز؛ لأن التاء قبل الياء متحرك، وإن فتحت الياء جاز، وهما لغتان). [معاني القراءات وعللها: 1/399]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (60- قوله تعالى: {ومحياي ومماتي لله} [162].
قرأ نافع وحده {ومحيايْ} ساكنًا جمع بين ساكنين، وإنما صلح، لأن الألف حرف لين، كما قرأ أبو عمرو {واللاي يئسن} وقرأ الباقون {ومحياي} مثل هداي، وهو الاختيار، ففتح الياء على أصلها؛ لئلا يلتقي ساكنان). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/174]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ: محياي [الأنعام/ 162]، محرّكة الياء ومماتي ساكنة الياء غير نافع، فإنه أسكن الياء في محياي ونصبها في مماتي.
إسكان الياء في محياي شاذّ عن القياس والاستعمال، فشذوذه عن القياس أن فيه التقاء ساكنين، لا يلتقيان على هذا الحد في محياي، وأما شذوذه عن الاستعمال، فإنك لا تكاد
[الحجة للقراء السبعة: 3/440]
تجده في نثر ولا نظم، ووجهها مع ما وصفنا، وبعض البغداديين، قد حكى أنه سمع، أو حكي له:
التقت حلقتا البطان بإسكان الألف مع سكون لام المعرفة، وحكى غيره: له ثلثا المال، وليس هذا مثل قوله:
حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38] لأن هذا في المنفصل مثل دابّة في المتصل، ومثل هذا ما جوّزه يونس في قوله: اضربان زيدا، واضربنان زيدا، وسيبويه ينكر هذا من قول يونس). [الحجة للقراء السبعة: 3/441]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}
قرأ نافع {ومحياي} ساكنة الياء {ومماتي لله} بفتح الياء
وقرأ الباقون ومحياي بفتح الياء {ومماتي} ساكنة الياء وقد بيّنت في سورة البقرة). [حجة القراءات: 279]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (72- {وَمَحْيَايْ} [آية/ 162] بإسكان الياء مرسلاً:-
قرأها نافع وحده.
وهو شاذ من وجهين:
أحدهما: من حيث القياس؛ لأن فيه التقاء الساكنين على غير حده في كلامهم، والقياس يرده.
والثاني: من حيث الاستعمال؛ وذلك أنه لم يسمع في كلامهم لا في نظم ولا في نثر، على أن بعضهم قد حكى أنه روي: التقت خلقتا البطان، بإثبات الألف مع سكون لام التعريف، وحكي أيضًا: له ثلثا المال، ومثل هذه الحكايات مردودة، وما جوزه يونس من قولهم:
اضربان زيدًا، أو اضربنان زيدا، فمردود عند سيبويه.
[الموضح: 518]
ويمكن أن يقال: إن نافعة في {مَحْيَايْ} قد أجرى الوصل مجرى الوقف، وفي الوقف لا ينكر اجتماع الساكنين.
وقرأ الباقون {مَحْيَايَ} بفتح الياء.
والوجه أنه هو الأصل؛ لأن الأصل في ياءات الإضافة أن تكون متحركة؛ لأنها اسم على حرف واحد، كالتاء في قمت، والكاف في غلامك، وكون الحركة فتحة لأجل الخفة، ثم تسكن هذه الياء تخفيفًا، واستثقالاً للحركة عليها.
فأما الأصل فهو الحركة كما ذكرنا، وكذلك الكلام في جميع نظائره). [الموضح: 519]

قوله تعالى: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #47  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:52 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (164) إلى الآية (165) ]
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)}

قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة