وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَكَذَلِكَ زين} بِنصب الزاي {لكثير من الْمُشْركين قتل} بِنصب اللَّام (أولدهم) خفضا {شركاؤهم} رفعا). [السبعة في القراءات: 270]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): ( (وكذلك زين) بضم الزاي (قتل) رفع (أولادهم) نصب (شركائهم) جر شامي). [الغاية في القراءات العشر: 250]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ( (زين) [137]: بضم الزاي، (قتل) [137]:رفع، (أولادهم) [137]: نصب، (شركائهم) [137]: جر: دمشقي). [المنتهى: 2/691]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قرأ ابن عامر (زين) بضم الزاي وكسر الياء (قتل) بالرفع (أولادهم)بالنصب (شركائهم) بالخفض، وقرأ الباقون (زين)، بفتح الزاي والياء و(قتل) بالنصب (أولادهم) بالخفض (شركاؤهم) بالرفع). [التبصرة: 210]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (ابن عامر: {وكذلك زين} (137): بضم الزاي، وكسر الياء. {قتل}: برفع اللام. {أولادهم}: بنصب الدال.
{شركائهم}: بخفض الهمزة.
والباقون: بفتح الزاي والياء، ونصب اللام، وخفض الدال، ورفع الهمزة). [التيسير في القراءات السبع: 283]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(ابن عامر: (وكذلك زين) بضم الزّاي وكسر الياء (قتل) برفع اللّام (أولادهم) بنصب الدّال (شركائهم) بخفض الهمزة، والباقون بفتح الزّاي والياء ونصب اللّام وخفض الدّال ورفع الهمزة). [تحبير التيسير: 365]
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (وَكَذَلِكَ زُيِّنَ) على ما لم يسم فاعله (قَتْلُ) رفع (أَوْلَادَهُمْ) نصب (شُرَكَائِهُمْ) جر دمشقي غير أبي الحارث، وهكذا إلا أن (أَوْلَادِهِمْ) جر (شُرَكَاؤُهُمْ) رفع الحسن، وابن مقسم، الباقون على تسمية الفاعل (أَوْلَادِهِمْ) جر (شُرَكَاؤُهُمْ) رفع، وهو الاختيار لوجود الفاعلين). [الكامل في القراءات العشر: 548] قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): ([137]- {زَيَّنَ} مبني للمفعول، {قَتْلَ} رفع، {أَوْلادِهِمْ} نصب، {شُرَكَاؤُهُمْ} جر: ابن عامر). [الإقناع: 2/644]
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (670 - وَزَيَّنَ فِي ضَمٍّ وَكَسْرٍ وَرَفْعُ قَتْـ = ـلَ أَوْلاَدِهِمْ بِالنَّصْبِ شَامِيُّهُمْ تَلاَ
671 - وَيُخْفَضُ عَنْهُ الرَّفْعُ فِي شُرَكَاؤُهُمْ = وَفِي مُصْحَفِ الشَّامِينَ بِالْيَاءِ مُثِّلاَ
672 - وَمَفْعُولُهُ بَيْنَ المُضَافَيْنِ فَاصِل = وَلَمْ يُلْفَ غَيْرُ الظُرْفِ فِي الشِّعْرِ فَيْصَلاَ
673 - كَلِلَّهِ دَرُّ الْيَوْمَ مَنْ لاَمَهَا فَلاَ = تَلُمْ مِنْ سُلِيمِي النَّحْوِ إِلاَّ مُجَهِّلاَ
674 - وَمَعْ رَسْمِهِ زَجَّ الْقَلُوصَ أَبِي مَزَا = دَةَ اْلأَخْفَشُ النَّحْوِيُّ أَنْشَدَ مُجْمِلاَ). [الشاطبية: 53]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): ([670] وزين في ضمٌ وكسرٍ ورفع قتـ = ل أولادهم بالنصب (شاميهم) تلا
[671] ويخفض عنه الرفع في شركاؤهم = وفي مصحف الشامين بالياء مثلا
[672] ومفعوله بين المضافين فاصلٌ = ولم يلف غير الظرف في الشعر فيصلا
[673] كلله در اليوم من لامها فلا = تلم من مليمي النحو إلا مجهلا
[674] ومع رسمه زج القلوص أبي مزا = دة الأخفش النحوي أنشد مجملا
تقدير هذه القراءة: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم. وكذلك هو مرسوم في مصحف الشام {شركائهم} بالياء.
وفيها فصلٌ بين المضاف والمضاف إليه، بـ(أولادهم)، وهو المفعول.
[فتح الوصيد: 2/912]
وقد اشتد نكير النحاة البصريين على ابن عامر، وسلك المتأخرون مسلكهم في الطعن والرد حتى قال بعضهم: «إن ذلك لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر، لكان سمجًا مردودا كما سمج ورد:
زج القلوص أبي مزادة.
فكيف به في الكلام المنثور، فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته».
قال: «والذي حمله على ذلك، أن رأى في بعض المصاحف {شركائهم} مكتوبة بالياء. ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء، لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم، لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب».
وقال أبو علي: «وهذا قبيحٌ قليلٌ في الاستعمال. ولو عدل عنها- يعني ابن عامر- إلى غيرها كان أولى ... لأنهم إذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعه في الظرف، وإنما جاز في الشعر نحو:
[فتح الوصيد: 2/913]
كما خط الكتاب بكف - يومًا- = يهودي يقارب أو يزيل
فأن لا يجوز في المفعول به الذي لم يتسع فيه بالفصل أجدر».
ثم قال: «ووجه ذلك- على ضعفه وقلته - أنه جاء في الشعر مثله:
قال الطرماح:
يطفن بحوزي المراتع لم يرع = بواديه من قرع القسي الكنائن».
قال: «وزعموا أن أبا الحسن أنشد:
زج القلوص أبي مزاده».
وإذا ثبتت القراءة عن إمام من أئمة القراءة، فما وجه الطعن فيها ؟
وأما الخط، فما اعتمدت الأمة عليه إلا مع النقل.
وقد جاءت التفرقة بين المضافين في الكلام والشعر.
وقد حكى ابن الأنباري عن العرب: هو غلام - إن شاء الله - أخيك.
وأنشد الأخفش والفراء:
فزججتها بمزجة = زج القلوص أبي مزاده
ومثله قول الشاعر:
تمر على ما تستمر وقد شفت = غلائل عبد القيس منا صدورها
وأنشد الكسائي هذا البيت:
[فتح الوصيد: 2/914]
تنفي يداها الحصى في كل هاجرةٍ = نفي الدراهم تنقاد الصياريف
وقال عمرو بن قمئة:
لما رأت ساتيدما استعبرت = لله در اليوم من لامها
وقال ذو الرمة:
كأن أصوات من إيغالهن بنا = أواخر الميس أصوات الفراريج
يريد: أصوات أواخر الميس.
وقال أبو الطيب:
بعثت إليه من لساني حديقةٍ = سقاها الحجى سقي الرياض السحائب
والمعنى، أن شركاء هم -وهم الشياطين -، لما زينوا لهم قتل أولادهم، كانوا قاتلين لهم في المعنى
وفي ما أوردته، شرح الأبيات كلها.
وأما قراءة الجماعة، فـ {شركاؤهم}: فاعل (زين)، و{قتل}: مفعوله. و{أولدهم}: مفعول {قتل}، والفاعل محذوف؛ والتقدير: قتلهم أولادهم. والمصدر يضاف مرة إلى فاعله، ومرة إلى مفعوله). [فتح الوصيد: 2/915]
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [670] وزين في ضم وكسر ورفع قتـ = ـل أولادهم بالنصب شاميهم تلا
[671] ويخفض عنه الرفع في شركاؤهم = وفي مصحف الشامين بالياء مثلا
[كنز المعاني: 2/226]
ب: (تلا): قرأ، (مثل): كتب.
ح: (زين): مبتدأ، في (ضم وكسر): حال، أي: كائنًا في ضم الزاي وكسر الياء، و (رفعٌ): عطف على المبتدأ، (أولادهم): عطف أيضًا بحذف حرف العطف، (شاميهم): مبتدأ ثانٍ، وضمير الجمع للقراء، (تلا): خبره، أي: تلاه، والجملة: خبر الأول مع ما عطف عليه، ويجوز نصب (زين) وما عطف عليه على مفعول (تلا)، ضمير (عنه): لابن عامر، (في شركاؤهم): حال، أي: كائنًا في شركائهم و(بالياء): متعلق بـ (مُثلا)، (في مصحف): حال.
ص: يعني: قرأ ابن عامر: (وكذلك زُين لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركائهم) [137] بضم الزاي وكسر الياء في {زُين} على بناء المجهول، ورفع {قتل} على أنه مفعول {زُين} أُقيم مقام الفاعل، ونصب {أولادهم} على أنه مفعول القتل، وجر (شركائهم) على إضافة القتل إليه، وإن وقع الفصل بين المضاف والمضاف إليه، إلا أنه صح النقل في ذلك عند ابن عامر، وقد رسم في المصحف الإمام الذي بُعث إلى الشام (شركائهم) بالياء، وهذا يقوي رواية جر (شركائهم)، والباقون: بفتح الزاي والياء على بناء الفاعل، ونصب {قتل} على مفعوله، وبرفع (شركائهم) على الفاعل، وجر {أولادهم} على إضافة القتل إليه.
[كنز المعاني: 2/227]
[672] ومفعوله بين المضافين فاصلٌ = ولم يلف غير الظرف في الشعر فيصلا
[673] كلله در اليوم من لامها فلا = تلم من مليمي النحو إلا مجهلا
ب: (الفيصل): الفصل: (المليم): الذي يأتي بما يُلام عليه، (المجهل): اسم فاعل من التجهيل، وهو نسبة الشخص إلى الجهل.
ح: (بين المضافين): ظرف (فاصل)، (يلف): متعد إلى مفعولين، (غير الظرف): مفعوله الأول أقيم مقام الفاعل، (فيصلًا): مفعوله الثان، (في الشعر): حال، (كلله): نصب المحل على الحال، أو رفعه بدلًا من (غيرُ الظرف).
ص: لما اشتد نكيرُ النحاة على ابن عامر بأنه لم يقع الفصل بين المضاف والمضاف إليه إلا بالظرف، وذلك في ضرورة الشعر، فكيف يجوز في منثور الكلام، بل في القرآن المعجز الفصل بغير الظرف؟! كما قال الزمخشري - رحمه الله -: (قراءة ابن عامر بالفصل بينهما بغير الظرف شيء لو كان في مكان الضرورات – وهو الشعر – لكان سمجًا مردودًا، فكيف به في الكلام المنثور؟ فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته؟! والذي حمله على ذلك: أنه رأى في بعض المصاحف (شركائهم) مكتوبًا بالياء، ولو قرئ بجر الأولاد والشركاء – لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم – لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب.
[كنز المعاني: 2/228]
أشار الناظم - رحمه الله – إلى ذلك بأن مفعوله – أي: مفعول القتل أو مفعول ابن عامر لأن أدنى ملابسة تكفي في الإضافة – وقع بين المضاف والمضاف إليه في قراءته، والحال: أنه لم يوجد فصلٌ بين المضاف والمضاف إليه، إلا بالظرف في ضرورة الشعر، وقد يتسع في الظرف ما لا يُتسع في غيره، كجواز تقديم خبر (إن) على اسمها إذا كان ظرفًا نحو: {إن
[كنز المعاني: 2/229]
في هذا لبلاغًا} [الأنبياء: 106]، ومثل ذلك قول الشاعر:
لما رأت ساتيدما استعبرت = لله درٌّ اليوم من لامها
فصل بين (در) و (من لامها) بـ (اليوم) .
فقال: لا تلم النحاة الذين استكرهوا قراءة ابن عامر لما فيه من مخالفة القياس واستعمال الفصحاء، إلا الذين جهلوا ابن عامر، ونسبوه إلى الجهل، لأن الذين لم يجهلوه وضعفوا قراءته لمخالفة القياس لا نكير عليهم، إذ لا خلاف في أن المشهورة أقوى، وأما الذين جهلوه فيستحقون اللوم، لأن ابن عامر لم يقرأ بالتشهي، بل بالنقل الصحيح المتواتر، فكيف يلام أو يرمى بنقصٍ ويرام؟ّ! ولأن شهادتهم بالنفي، وشهادة ابن عامر بالإثبات، وربما وقعت له شواهد في أشعار العرب ولم تنقل إلينا، لأن أكثرها قد انمحى بتطاول الزمان، كما قال أبو عمرو بن العلاء: (ما انتهى إليكم مما قالته العربُ إلا أقله).
[كنز المعاني: 2/230]
[674] ومع رسمه زج القلوص أبي مزا = ده الأخفش النحوي أنشد مجملا
ب: (الرسم): الرقم، (الأخفش): هو سعيد بن مسعدة، ويكنى بأبي الحسن صاحب الخليل وسيبويه.
ح: (الأخفش): مبتدأ، (أنشد): خبره، (زج القلوص): نصب المحل على أنه مفعول (أنشد)، (مجملًا): حال من ضمير (أنشد).
ص: يعني مع أن رسم المصحف {شركائهم} بالياء يشهد لصحة قراءة ابن عامر يشهد لها أيضًا ما أنشد الأخفش من قول الشاعر:
فزججتها بمزجةٍ = زج القلوص أبي مزادة
مع أنه فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، أي: زج أبي مزادة القلوص، وقد أمكنه أن يقول: زج القلوص أبو مزادة.
وأبي الناظم - رحمه الله – هاء (أبي مزاده) وإن وقع في الوصل على
[كنز المعاني: 2/231]
إرادة الحكاية بما تلفظ به الشاعر، وكذلك قول الطرماح:
يطفن بحوزي المراتع لم يرع = بواديه من قرع القسي الكنائن
ويروى عن ابن ذكوان أن الكسائي سأله عن هذه القراءة متعجبًا، فنزع الكسائي بهذا البيت.
تنفي يداها الحصي في كل هاجرةٍ = نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
وتعجب الكسائي لموافقة القراءة ما بلغه من جوازه لغةً.
وعن ابن الأنباري: أنه جاء عن العرب: هو غلامُ – إن شاء الله -
[كنز المعاني: 2/232]
أخيك، وهذا كله مثل قراءة ابن عامر، وإذا جاز الفصل بـ (إن شاء الله) مع كونه جملة شرطية، فلأن يجوز بالمفعول وحده أولى، والسر فيه أن المفعول لما كان مؤخرًا رتبةً فكأنه لم يتقدم على المضاف إليه الذي هو الفاعل حقيقة). [كنز المعاني: 2/233]
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (670- وَزَيَّنَ فِي ضَمٍّ وَكَسْرٍ وَرَفْعُ قَتْـ،.. ـلَ أَوْلادِهِمْ بِالنَّصْبِ شَامِيُّهُمْ تَلا
671- وَيُخْفَضُ عَنْهُ الرَّفْعُ فِي شُرَكَاؤُهُمْ،.. وَفِي مُصْحَفِ الشَّامِينَ بِاليَاءِ مُثِّلا
يعني: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} قراءة الجماعة على أن شركاؤهم فاعل زين والمفعول قتل
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/146]
المضاف إلى أولادهم وقراءة ابن عامر على أن زين فعل لم يسم فاعله، وقتل بالرفع على أنه أقيم مقام الفاعل، وأولادهم بالنصب مفعول قتل؛ لأنه مصدر وشركائهم بالجر على إضافة قتل إليه؛ أي: قتل شركائهم أولادهم كقولك عرف ضرب زيد عمرًا أضيف المصدر إلى الفاعل فانجر وبقي المفعول منصوبا، لكن في قراءة ابن عامر زيادة على هذا، وهو تقديم المفعول على الفاعل المجرور بالإضافة، وسيأتي توجيه ذلك فقوله: وزين مبتدأ، وفي ضم وكسر في موضع الحال؛ أي: كائنا في ضم الزاي وكسر الياء، ورفع قتل عطف على: وزين أولادهم كذلك على حذف حرف العطف وبالنصب في موضع الحال؛ أي: منصوبا وشاميهم تلا جملة من مبتدأ ثان وخبر هي خبر وزين وما بعده؛ أي: تلا على هذه الصورة أو يكون وزين وما بعده مفعولا لقوله: تلا مقدما عليه؛ أي: ابن عامر تلا ذلك وكان التعبير على هذا التقدير يقتضي أن يقول: وقتل بالرفع فلم يزن له فقلب اللفظ لأمن الإلباس؛ لأن من تلا قتل بالرفع فقد تلا الرفع، وقيل: ورفع قتل مبتدأ خبره محذوف؛ أي: وله رفع قتل، وله أولادهم بالنصب، وقوله: وفي مصحف الشامين حذف منه ياء النسبة المشددة، وهذا سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في باب التكبير في قوله: وفيه عن المكين أراد أن مصحف أهل الشام الذي أرسله عثمان -رضي الله عنه- إليهم رسم فيه "شركائهم" بالياء، فدل ذلك على أنه مخفوض فهو شاهد لقراءته كذلك، ولكن لا دلالة فيه على نصب أولادهم، فهو الذي استنكر من قراءته، فيحتمل أن يكون أولادهم مجرورا بإضافة المصدر إلى مفعوله وشركائهم صفة له، قال أبو عمرو الداني: في مصاحف أهل الشام: "أولادهم شركائهم" بالياء، وفي سائر المصاحف: "شركاؤهم" بالواو، قال
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/147]
أبو البرهسم في سورة الأنعام: في إمام أهل الشام وأهل الحجاز: أولادهم شركائهم، وفي إمام أهل العراق: "شركاؤهم"، قلت: ولم ترسم كذلك إلا باعتبار قراءتين فالمضموم عليه قراءة معظم القراء، ويحتمل أيضا قراءة أبي عبد الرحمن السلمي على إسناد زين إلى القتل كما فعل ابن عامر، ولكنه خفض الأولاد بالإضافة، ورفع شركاؤهم على إضمار فعل كأنه قيل من زينه فقال: شركاؤهم فهو مثل ما يأتي في سورة النور: "يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا" بفتح الياء ثم قال رجال؛ أي: يسبحه رجال، وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر، وأما خفض شركائهم فيحتمل قراءة ابن عامر ويحتمل أن يكون نعتا للأولاد، وعلى قراءة أبي عبد الرحمن السلمي السابقة وهذا أوجه من القراءة لا استبعاد فيه لفظا ولا معنى، قال الزجاج: وقد رويت شركائهم بالياء في بعض المصاحف، ولكن لا يجوز إلا على أن يكون شركاؤهم من نعت أولادهم؛ لأن نعت أولادهم شركاؤهم في أموالهم، وقال ابن النحاس: فيها أربع قراءات فذكر ما ذكرناه، ونسب قراءة السلمي إلى الحسن أيضا، ونسب القراءة الرابعة إلى أهل الشام، فقال: وحكى غير أبي عبيد عن أهل الشام أنهم قرءوا "زين" بالضم، "قتل" بالرفع، وخفض "أولادهم" "شركائهم" بالخفض أيضا على أن يبدل شركائهم من أولادهم؛ لأنهم شركاؤهم في النسب والميراث، وذكر الفراء القراءتين الأوليين برفع شركائهم ثم قال: وفي بعض مصاحف أهل الشام شركائهم بالياء فإن تكن مثبتة عن الأولين، فينبغي أن يقرأ زين ويكون الشركاء هم الأولاد؛ لأنهم منهم في النسب والميراث، فإن كانوا يقرءون زين
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/148]
بفتح فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون: أتيتها عشايا، ويقولون في تثنية حمراء: حمرايان فهذا وجه أن يكونوا أرادوا: "زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم"؛ يعني: بياء مضمومة؛ لأن شركائهم فاعل زين كما هو في القراءة العامة، قال: وإن شئت جعلت زين فعلا إذا فتحته لا يلبس ثم يخفض الشركاء باتباع الأولاد قلت: يعني: تقدير الكلام زين مزين فقد اتجه شركائهم بالجر أن يكون نعتا للأولاد سواء قريء زين بالفتح أو بالضم وتفسير الشركاء على قراءة الجماعة هم خدم الأصنام أو الشياطين زينوا للكفرة أن يقتلوا أولادهم بالوأد وبالنحر للآلهة، وعلى قراءة ابن عامر يكون الشركاء هم القاتلين؛ لأنهم لما زينوا للمشركين قتل أولادهم صاروا كأنهم كانوا هم القاتلين في المعنى والله أعلم.
672- وَمَفْعُولُهُ بَيْنَ المُضَافَيْنِ فَاصِل،.. وَلَمْ يُلْفَ غَيْرُ الظَرْفِ فِي الشِّعْرِ فَيْصَلا
يعني: أن المفعول في قراءة ابن عامر وهو "أولادهم" الذي هو مفعول القتل وقع فاصلا بين المضاف والمضاف إليه؛ لأن قتل مضاف إلى شركائهم، وأكثر النحاة على أن الفصل بين المضافين لا يجوز إلا بالظرف في الشعر خاصة: فهذا معنى قوله: ولم يلف؛ أي: لم يوجد غير الظرف فيصلا بين المضاف والمضاف إليه وأما في كلام غير الشعر فلم يوجد الفصل بالظرف فكيف بغيره ذكر الناظم -رحمه الله- ما اعترض به على قراءة ابن عامر ثم مثل بالظرف فقال:
673- كَلِلَّهِ دَرُّ اليَوْمَ مَنْ لامَهَا فَلا،.. تَلُمْ مِنْ سُلِيمِي النَّحْوِ إِلا مُجَهِّلا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/149]
أراد: بيتا أنشده سيبويه وغيره وهو لعمرو بن قميئة:
لما رأت ساتيذ ما استعبرت،.. لله در -اليوم- من لامها
يريد: لله در من لامها اليوم، أنشد سيبويه أيضا لأبي حية النميري:
كما خط الكتاب بكف يوما،.. يهودي،..،....،.....
أي بكف يهودي يوما، وأنشد لدرنا بنت عتبة:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له
أي أخوا من لا أخا له في الحرب قال: وقال ذو الرمة:
كأن أصوات من إيغالهن بنا،.. أواخر الميس أصوات الفراريخ
أي كأن أصوات أواخر الميس، وكل هذه الأبيات فصل فيها بالظرف الصريح وبالجار والمجرور بين المضاف والمضاف إليه، ولا يجوز ذلك في غير الشعر، قال سيبويه في قوله:
يا سارق -الليلة- أهل الدار
بخفض الليلة على التجوز ونصب أهل على المفعولية ولا يجوز يا سارق الليلة أهل الدار إلا في شعر؛ كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور ثم وقال مما جاء في الشعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة فذكر الأبيات المتقدمة وغيرها ثم قال وهذا قبيح ويجوز في الشعر على هذا:
مررت بخير وأفضل من ثم
قال أبو الفتح ابن جني: الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف، وحرف الجر كثير، لكنه من ضرورة الشاعر، وقوله: مليم هو اسم فاعل من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه؛ أي: من مليم أهل النحو وهو اسم جنس هكذا وقع في روايتنا بلفظ المفرد، ولو كان بلفظ الجمع كان أحسن؛
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/150]
أي: من مليمي النحو ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين وتقع كذلك في بعض النسخ وهو الأجود وحذفها إنما جاء من الكاتب؛ لأن الناظم أملى، فخفيت الياء على الكاتب؛ لأنها ساقطة في اللفظ؛ أي: الذين تعرضوا لإنكار قراءة ابن عامر هذه من النحاة على قسمين؛ منهم من ضعفها ومنهم من جهل قارئها، وكلهم قد أتى بما يلام عليه؛ لأنه أنكر قراءة قد صحت عن إمام من أئمة المسلمين، لكن من نفى ذلك ولم يجه فأمره أقرب؛ إذ لم يبلغ علة أكثر من ذلك، ومن جهل فقد تعدى طوره فبين أمره ولمه وجهله بما قد خفي عنه؛ فإن هذه القراءة قد نقلها ابن عامر عمن قرأها عليه، ولم يقرأها من تلقاء نفسه، وسيأتي توجيهها، قال أبو عبيد: وكان عبد الله بن عامر وأهل الشام يقرءونها "زين" بضم الزاي، "قُتِلَ"، بالرفع، "أولادهم" بالنصب، "شُرَكَائِهِمْ" بالخفض ويتأولونه "قتل شركائهم أولادهم"، فيفرقون بين الفعل وفاعله، قال أبو عبيد: ولا أحب هذه القراءة؛ لما فيها من الاستكراه، والقراءة عندنا هي الأولى؛ لصحتها في العربية مع إجماع أهل الحرمين والبصرتين بالعراق عليها، وقال أبو علي: فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول والمفعول به مفعول المصدر، وهذا قبيح قليل في الاستعمال، ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى؛ ألا ترى أنه إذا لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام وحال السعة مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها مواقع لا يقع فيها غيرها نحو: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ}.
ثلاثون للهجر حولا كميلا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/151]
ولا تلحني فيها فإني لحبها،.. أخاك مصاب القلب جم بلابله
ألا ترى أنه قد فصل بين أن واسمها بما يتعلق بخبرها ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف في الكلام، وإنما جاء في الشعر فأن لا يجوز في المفعول به الذي لم يتسع فيه بالفصل به أجدر، وقال الزمخشري: وأما قراءة ابن عامر بالفصل بينهما بغير الظرف فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجا مردودا، فكيف به في الكلام المنثور، فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته.
قال: والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف "شركائهم" مكتوبا بالياء ولو قريء بجر الأولاد والشركاء؛ لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب.
قلت: فإلى هذا الكلام وشبهه أشار الناظم يلوم قائله، ثم ذكر وجه هذه القراءة فقال:
674- وَمَعْ رَسْمِهِ زَجَّ القَلُوصَ أَبِي مَزَا،.. دَةَ الأَخْفَشُ النَّحْوِيُّ أَنْشَدَ مُجْمِلا
أي ومع كون الرسم شاهدا لقراءة ابن عامر وهو جر "شركائهم"، وأما نصب الأولاد فليس فيه إلا النقل المحض؛ لأن الرسم كما يحتمل نصب الأولاد يحتمل أيضا جرها كما سبق، وهو الذي رجحه أهل النحو على القول باتباع هذا الرسم؛ أي: مع شهادة هذا البيت الذي ورد أيضا بالفصل بين المضافين بالمفعول به، وهو ما أنشده الأخفش، ولعله أبو الحسن سعد بن مسعدة النحوي صاحب الخليل وسيبويه:
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/152]
فزججتها بمزجة،.. زج القلوص أبي مزادة
أي زج أبي مزادة القلوص فالقلوص مفعول، ويروى: فزججتها متمكنا، ويروى: فتدافعت، قال الفراء في كتاب المعاني بعد إنشاده لهذا البيت: وهذا مما كان يقوله: نحويُّو أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية، وقال في موضع آخر: ونحويُّو أهل المدينة ينشدون هذا البيت والصواب: زج القلوص بالخفض، وقال أبو العلاء أحمد بن سليم المعري "في كتاب شرح الجمل": واختار قوم أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمصدر كما يفصل بينهما بالظرف، قال: وليس ذلك ببعيد، وقد حكي أن بعض القراء قرأ: "فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ" على تقدير مخلف رسله وعده، قال: وزعموا أن عيسى ابن عمر أنشد هذا البيت:
فزججته متعرضا،.. زج القلوص أبي مزاح
قال: هكذا الرواية عنه، وقد روي أبي مزادة، قال أبو علي الفارسي: وجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال له: أنه قد جاء في الشعر الفصل على حد ما قرأه، قال الطرماح:
يطفن بحوزي المراتع لم ترع،.. بواديه من قرع القسي الكنائن
قال: وزعموا أن أبا الحسن أنشد:
"زج القلوص أبي مزادة"
فهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر، قال ابن جني في بيت الطرماح: لم نجد فيه بدا من الفصل؛ لأن القوافي مجرورة، قال: في زج القلوص فصل
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/153]
بينهما بالمفعول به هذا مع قدرته على أن يقول:
زج القلوص أبو مزادة
كقولك سرني أكل الخبز زيد قال: وفي هذا البيت عندي دليل على قوة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم، وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول؛ ألا تراه ارتكب هنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها؟؛ لا لشيء غير الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول، قال أبو الحسن الحوفي: احتج ابن الأنباري لهذه القراءة فقال: قد جاء عن العرب: هو غلام إن شاء الله أخيك ففرق بـ: "إن شاء الله"، ويروى أن عبد الله بن ذكوان قال: سألني الكسائي عن هذا الحرف وما بلغه من قرائتنا فرأيته كأنه أعجبه، ونزع بهذا البيت:
تنفى يداها الحصى في كل هاجرة،.. نفي الدراهم تنقاد الصياريف
فنصب الدراهم ورواه غيره بخفض الدراهم، ورفع تنقاد على الصحة قلت: وإنما أعجب الكسائي؛ لأنه وافق عنده ما بلغه من جوازه لغة، ومثله ما أنشده غيره:
فداسهم دوس الحصاد الدائس
أي دوس الدائس الحصاد، وفي شعر أبي الطيب:
سقاها الحجى سقي الرياض السحائب
أي سقي السحائب الرياض.
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/154]
قال أبو الحسن بن خروف: يجوز الفصل بين المصدر والمضاف إليه بالمفعول؛ لكونه في غير محله فهو في نية التأخير، ولا يجوز بالفاعل؛ لكونه في محله، وعليه قراءة ابن عامر.
قلت: وقد أنشد الشيخ أبو العلاء المعري في شرحه بيتا فيه الفصل بالفاعل وبالجار والمجرور معا وهو:
تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت،.. غلائل عبد القيس منها صدورها
أي شفت عبد القيس غلائل صدورها منها.
وجاء الفصل أيضا بالمنادى المضاف أنشد ابن جني في كتاب الخصائص:
كأن برذون أبا عصام،.. زيد حمار دق باللجام
قال؛ أي: كأن برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام.
قلت: ووجدت في شعر أسند إلى الفرس معاوية يخاطب به عمرو بن العاص رحمهما الله تعالى:
نجوت وقد بل المرادي سيفه،.. من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
أي من ابن أبي طالب شيخ الأباطح، ففصل بين مضاف ومضاف إليه وهو صفة لذلك المضاف والمضاف إليه، وابن أبي طالب هو: علي -رضي الله عنه-.
ولا يعد فيما استبعده أهل النحو من جهة المعنى، وذلك أنه قد عهد تقدم المفعول على الفاعل المرفوع لفظا، فاستمرت له هذه المرتبة مع الفاعل المرفوع تقديرا، فإن المصدر لو كان منونا لجاز تقدم المفعول على فاعله نحو أعجبني ضرب عمرا زيد، فكذا في الإضافة، وقد ثبت جواز الفصل
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/155]
بين حرف الجر ومجروره مع شدة الاتصال بينهما أكثر من شدته بين المضاف والمضاف إليه في نحو قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ}.
فإن قالوا: ما زائدة فكأنها ساقطة في اللفظ؛ لسقوطها في المعنى.
قلت: والمفعول المقدم هو في غير موضعه معنى، فكأنه مؤخر لفظا، ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام المنثور مثله؛ لأنه نافٍ، ومن أسند هذه القراءة مثبت والإثبات مرجح على النفي بإجماع، ولو نقل لي هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر لرجع عن قوله: فما باله لا يكتفي بناقلي القراءة عن التابعين عن الصحابة -رضي الله عنهم- أجمعين ثم الذي حكاه ابن الأنباري فيه الفصل في غير الشعر بجملة مستقلة مركبة من فعل، وفاعل مع حرف شرط مما يقوي ما ذكرناه أنهم التزموا أن الفصل بالجار والمجرور لم يأت إلا في الشعر، وقد روت الرواة في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الفصل بهما وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "فهل أنتم تاركو لي صاحبي"، و"تاركوا لي أمرائي"؛ أي تاركوا صاحبي لي وتاركوا أمرائي لي فلم يبق لهم تعلق بأنه لم يأت في الكلام المنثور فصل بالمفعول ولا بالظرف ونحوه والله أعلم.
قال أبو القاسم الكرماني في لباب التفاسير: قراءة ابن عامر وإن ضعفت في العربية؛ للإحالة بين المضاف والمضاف إليه فقويت في الرواية عالية، وفي كتاب الخصائص لابن جني بأن ما يرد عن العربي مخالفا للجمهور إذا اتفق شيء من ذلك نظر في حال العربي، وفيما جاء به
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/156]
فإن كان فصيحا، وكان ما أورده مما يقبله القياس فإن الأولى أن يحسن الظن به، وقد يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها، أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن أبي الحجاج عن أبي خليفة الفضل ابن الحباب قال: قال ابن عون عن ابن سيرين: قال عمر بن الخطا رضي الله عنه: كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه، فجاء الإسلام، فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس والروم، ولهيت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب في الأمصار راجعوا رواية الشعر، فلم يئوبوا إلى ديوان مدون ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من هلك من العرب بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك وذهب عنهم كثيره. قال: وحدثنا أبو بكر عن أبي خليفة قال: قال يونس بن حبيب: قال أبو عمرو بن العلاء: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرٌ؛ لجاءكم علم وشعر كثير. قال أبو الفتح: إذا كان الأمر كذلك لم يقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ ما وجد طريق إلى تقبل ما يورده إذا كان القياس يعاضده.
قلت: وقد بينا وجه القياس في هذه القراءة، وقد حان نقلها من طريق صحيح وبالله التوفيق.
وقول الناظم رحمه الله: أبي مزادة الأخفش بفتح الهاء من مزادة؛ أراد أن يأتي بلفظ الشاعر، فأبقى الهاء ساكنة فلقيها سكون اللام في الأخفش فلزم تحريكها، ففتحها على حد قوله سبحانه: "الم الله".
في أول آل عمران، ولو أبدل الهاء تاء على الأصل وفتحها لكان له وجه؛ لأنه واصل وشاعرها أبدلها هاء للوقف، ولكن كان يفوت لفظ الحكاية، وكان بعض الشيوخ يجيزوا قراءته بالتاء، ولم نسمعه من الشيخ أبي الحسن -رحمه الله- إلا بالهاء، واتفق أني رأيت الشيخ الشاطبي -رحمه الله- في المنام، وسألته عنه أهو بالتاء أو بالهاء، فقال: بالهاء والله أعلم). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/157]
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (670 - وزيّن في ضمّ وكسر ورفع قت = ل أولادهم بالنّصب شاميّهم تلا
671 - ويخفض عنه الرّفع في شركاؤهم = وفي مصحف الشّامين بالياء مثّلا
672 - ومفعوله بين المضافين فاصل = ولم يلف غير الظّرف في الشّعر فيصلا
673 - كلله درّ اليوم من لامها فلا = تلم من مليمي النحو إلّا مجهّلا
[الوافي في شرح الشاطبية: 266]
674 - ومع رسمه زجّ القلوص أبي مزا = دة الاخفش النّحويّ أنشد مجملا
تلا ابن عامر: وكذلك زين بضم الزاي وكسر الياء ورفع لام قَتْلَ ونصب دال أَوْلادِهِمْ وخفض رفع همزة شُرَكاؤُهُمْ فتكون قراءة الباقين بفتح الزاي والياء ونصب لام قَتْلَ وخفض دال أَوْلادِهِمْ ورفع همزة شُرَكاؤُهُمْ ثم أفاد الناظم أن شُرَكاؤُهُمْ مرسوم بالياء في المصحف الذي بعثه الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى الشام، وتوجيه قراءة ابن عامر: أن زين فعل ماضي مبني للمفعول وقَتْلَ نائب الفاعل وأَوْلادِهِمْ بالنصب مفعول المصدر، وهو، وقَتْلَ مضاف وشُرَكاؤُهُمْ مضاف إليه وفصل مفعول المصدر وهو أَوْلادِهِمْ بين المضاف والمضاف إليه.
وقد خاض بعض نحاة البصرة في قراءة ابن عامر لما فيها من الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول. وقالوا: لا يصح الفصل بين المضاف والمضاف إليه إلا بالظرف، ويكون ذلك في الشعر خاصة، ولا يكون في الكلام المنثور فضلا عن كلام الله تعالى. وقد نقل الناظم كلام النحاة في قوله: (ولم يلف غير الظرف في الشعر فيصلا) ومثل له بقوله: (كلله در اليوم من لامها) فقوله: (درّ) مضاف إلى الاسم الموصول وهو (من). وفصل بينهما باليوم وهو ظرف والتقدير: لله در من لامها اليوم. وفي قوله: (فلا تلم من مليمي النحو إلا مجهلا) إشارة إلى أن النحاة الذين انكروا هذه القراءة فريقان: فريق أنكرها لمخالفتها القياس وفصيح الكلام، وفريق أنكرها وجهل القارئ بها وهو ابن عامر- أي: نسبه للجهل- وكلا الفريقين آت بما يلام عليه لإنكاره قراءة متواترة وإن كان الفريق الأول أحسن حالا من الفريق الثاني. فقوله: (فلا تلم من مليمي النحو إلا مجهلا) معناه: لا تذم من هذين الفريقين إلا الفريق الثاني؛ لأنه تعدى طوره بطعنه في إمام من أئمة المسلمين أجمعت الأمة على جلالة قدرة وكمال ضبطه. وقوله: (ومع رسمه زجّ القلوص إلخ) معناه: أنه يعضد قراءة ابن عامر أمران: الأول: أن شُرَكاؤُهُمْ رسم في المصحف الشامي بالياء. الثاني: ما أنشده الأخفش عن بعض العرب (فزججتها) أي ضربتها بمزجة (زجّ القلوص أبي مزادة)، والشاهد فيه أن (زجّ) مصدر وهو مضاف إلى أبي مزادة و(القلوص) مفعول المصدر. وقد فصل بين المضاف والمضاف إليه، و(القلوص) الشابة من الإبل. وقوله:
[الوافي في شرح الشاطبية: 267]
(أنشد مجملا) رأي محسنا وهو حال من فاعل أنشد وهو الأخفش. وأقول: قراءة ابن عامر ثابتة بطريق التواتر وهو طريق قطعي. والقراءة إذا ثبتت بطريق التواتر لا تحتاج إلى ما يسندها من كلام العرب؛ بل تكون هي حجة يرجع إليها ويستشهد بها). [الوافي في شرح الشاطبية: 268]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (وَاخْتَلَفُوا) فِي: زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ فَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّ الزَّايِ وَكَسْرِ الْيَاءِ مِنْ (زُيِّنَ) وَرَفْعِ لَامِ (قَتْلُ)، وَنَصْبِ دَالِ (أَوْلَادَهُمْ) وَخَفْضِ هَمْزَةِ (شُرَكَائِهِمْ) بِإِضَافَةِ (قَتْلُ) إِلَيْهِ، وَهُوَ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَ الْمُضَافِ، وَهُوَ (قَتْلُ) وَبَيْنَ (شُرَكَائِهِمْ)، وَهُوَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ بِالْمَفْعُولِ، وَهُوَ (أَوْلَادَهُمْ)، وَجُمْهُورُ نُحَاةِ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَتُكُلِّمَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ (شُرَكَائِهِمْ) مَكْتُوبًا بِالْيَاءِ، وَلَوْ قَرَأَ بِجَرِّ (الْأَوْلَادِ وَالشُّرَكَاءِ) لِأَنَّ الْأَوْلَادَ شُرَكَاؤُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ لَوَجَدَ فِي ذَلِكَ مَنْدُوحَةً.
(قُلْتُ): وَالْحَقُّ فِي غَيْرِ مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالرَّأْيِ وَالتَّشَهِّي وَهَلْ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ الْقِرَاءَةُ بِمَا يَجِدُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ؟ بَلِ الصَّوَابُ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا الْفَصْلِ، وَهُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَفَاعِلِهِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ بِالْمَفْعُولِ فِي الْفَصِيحِ الشَّائِعِ الذَّائِعِ اخْتِيَارًا، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ دَلِيلًا هَذِهِ الْقِرَاءَةُ الصَحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي بَلَغَتِ التَّوَاتُرَ كَيْفَ وَقَارِئُهَا ابْنُ عَامِرٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنِ الصَّحَابَةِ كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عَرَبِيٌّ صَرِيحٌ مِنْ صَمِيمِ الْعَرَبِ فَكَلَامُهُ حَجَّةٌ وَقَوْلُهُ دَلِيلٌ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ اللَّحْنُ وَيُتَكَلَّمَ بِهِ فَكَيْفَ، وَقَدْ قَرَأَ بِمَا تَلَقَّى وَتَلَقَّنَ، وَرَوَى وَسَمِعَ وَرَأَى إِذْ كَانَتْ كَذَلِكَ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ الْمُجْمَعِ عَلَى اتِّبَاعِهِ وَأَنَا
[النشر في القراءات العشر: 2/263]
رَأَيْتُهَا فِيهِ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ قَارِئَهَا لَمْ يَكُنْ خَامِلًا، وَلَا غَيْرَ مُتَّبَعٍ، وَلَا فِي طَرَفٍ مِنَ الْأَطْرَافِ لَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ إِذَا خَرَجَ عَنِ الصَّوَابِ، فَقَدْ كَانَ فِي مِثْلِ دِمَشْقَ الَّتِي هِيَ إِذْ ذَاكَ دَارُ الْخِلَافَةِ، وَفِيهِ الْمُلْكُ وَالْمَأْتَى إِلَيْهَا مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ فِي زَمَنِ خَلِيفَةٍ هُوَ أَعْدَلُ الْخُلَفَاءِ وَأَفْضَلُهُمْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ الْإِمَامُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَدُ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُتَّبَعِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَهَذَا الْإِمَامُ الْقَارِئُ أَعْنِي ابْنَ عَامِرٍ مُقَلَّدٌ فِي هَذَا الزَّمَنِ الصَّالِحِ قَضَاءَ دِمَشْقَ وَمَشْيَخَتَهَا، وَإِمَامَةَ جَامِعِهَا الْأَعْظَمِ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ أَحَدِ عَجَائِبِ الدُّنْيَا، وَالْوُفُودُ بِهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِمَحَلِّ الْخِلَافَةِ وَدَارِ الْإِمَارَةِ، هَذَا وَدَارُ الْخِلَافَةِ فِي الْحَقِيقَةِ حِينَئِذٍ بَعْضُ هَذَا الْجَامِعِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا سِوَى بَابٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ وَلَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ هَذَا الْإِمَامِ أَنَّهُ كَانَ فِي حَلْقَتِهِ أَرْبَعُمِائَةِ عَرِيفٍ يَقُومُونَ عَنْهُ بِالْقِرَاءَةِ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ وَتَبَايُنِ لُغَاتِهِمْ وَشِدَّةِ وَرَعِهِمْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ شَيْئًا مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَلَا طَعَنَ فِيهَا، وَلَا أَشَارَ إِلَيْهَا بِضَعْفٍ وَلَقَدْ كَانَ النَّاسُ بِدِمَشْقَ وَسَائِرِ بِلَادِ الشَّامِ حَتَّى الْجَزِيرَةِ الْفُرَاتِيَّةِ وَأَعْمَالِهَا لَا يَأْخُذُونَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ، وَلَا زَالَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إِلَى حُدُودِ الْخَمْسِمِائَةِ. وَأَوَّلُ مَنْ نَعْلَمُهُ أَنْكَرَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، وَغَيْرَهَا مِنَ الْقِرَاءَةِ الصَّحِيحَةِ وَرَكِبَ هَذَا الْمَحْذُورَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ، وَقَدْ عُدَّ ذَلِكَ مِنْ سَقَطَاتِ ابْنِ جَرِيرٍ حَتَّى قَالَ السَّخَاوِيُّ: قَالَ لِي شَيْخُنَا أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ: إِيَّاكَ وَطَعْنَ ابْنِ جَرِيرٍ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ، وَلِلَّهِ دَرُّ إِمَامِ النُّحَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ فِي كَافِيَتِهِ الشَّافِيَةِ:
وَحُجَّتِي قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرِ فَكَمْ لَهَا مَنْ عَاضِدٍ وَنَاصِرِ
وَهَذَا الْفَصْلُ الَّذِي وَرَدَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ فَصِيحِ كَلَامِهِمْ جَيِّدٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا. أَمَّا وُرُودُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَقَدْ وَرَدَ فِي أَشْعَارِهِمْ كَثِيرًا، أَنْشَدَ مِنْ ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَثَعْلَبٌ، وَغَيْرُهُمْ مَا لَا يُنْكَرُ، مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ كِتَابُنَا عَنِ الْمَقْصُودِ، وَقَدْ صَحَّ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[النشر في القراءات العشر: 2/264]
" فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي " فَفَصَلَ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ بَيْنَ اسْمِ الْفَاعِلِ وَمَفْعُولِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَنْوِيِّ، فَفَصْلُ الْمَصْدَرِ بِخُلُوِّهِ مِنَ الضَّمِيرِ - أَوْلَى بِالْجَوَازِ، وَقُرِئَ (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ).
وَأَمَّا قُوَّتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا): كَوْنُ الْفَاصِلِ فَضْلَةً فَإِنَّهُ لِذَلِكَ صَالِحٌ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ.
(الثَّانِي): أَنَّهُ غَيْرُ أَجْنَبِيٍّ مَعْنًى لِأَنَّهُ مَعْمُولٌ لِلْمُضَافِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ.
(الثَّالِثُ): أَنَّ الْفَاصِلَ مُقَدَّرُ التَّأْخِيرِ لِأَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مُقَدَّمُ التَّقْدِيمِ لِأَنَّهُ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى حَتَّى إِنَّ الْعَرَبَ لَوْ لَمْ تَسْتَعْمِلْ مِثْلَ هَذَا الْفَصْلِ لَاقْتَضَى الْقِيَاسُ اسْتِعْمَالَهُ لِأَنَّهُمْ قَدْ فَصَلُوا فِي الشِّعْرِ بِالْأَجْنَبِيِّ كَثِيرًا فَاسْتَحَقَّ بِغَيْرِ أَجْنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَزِيَّةٌ فَيُحْكَمُ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا، وَإِذَا كَانُوا قَدْ فَصَلُوا بَيْنَ الْمُضَافَيْنِ بِالْجُمْلَةِ فِي قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ: هُوَ غُلَامُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - أَخِيكَ، فَالْفَصْلُ بِالْمُفْرَدِ أَسْهَلُ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ قَدْ كَانُوا يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا، وَلَا يَرَوْنَ غَيْرَهَا، قَالَ ابْنُ ذَكْوَانَ: (شُرَكَائِهِمْ) بِيَاءٍ ثَابِتَةٍ فِي الْكِتَابِ وَالْقِرَاءَةِ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ يَعْنِي ابْنَ تَمِيمٍ شَيْخَهُ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ قَاضِي الْجُنْدِ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فِي مُصْحَفِي وَكَانَ قَدِيمًا (شُرَكَائِهِمْ) فَمَحَى أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَاءَ وَجَعَلَ مَكَانَ الْيَاءِ وَاوًا، وَقَالَ أَيُّوبُ: ثُمَّ قَرَأْتُ عَلَى يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ شُرَكَاؤُهُمْ فَرَدَّ عَلَى يَحْيَى (شُرَكَائِهِمْ) فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ فِي مُصْحَفِي بِالْيَاءِ فَحُكَّتْ وَجُعِلَتْ وَاوًا فَقَالَ يَحْيَى: أَنْتَ رَجْلٌ مَحَوْتَ الصَّوَابَ وَكَتَبْتَ الْخَطَأَ فَرَدَدْتُهَا فِي الْمُصْحَفِ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ زَيَّنَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْيَاءِ قَتْلَ بِنَصْبِ اللَّامِ أَوْلَادِهِمْ بِخَفْضِ الدَّالِ شُرَكَاؤُهُمْ بِرَفْعِ الْهَمْزَةِ). [النشر في القراءات العشر: 2/265]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (قرأ ابن عامر {زين لكثير } [137] بضم الزاي وكسر الياء، {قتل} [137] بالرفع، و{أولادهم} [137] بالنصب و{شركاؤهم} [137] بالخفض، والباقون بفتح الزاي والياء ونصب اللام وخفض الدال ورفع الهمزة). [تقريب النشر في القراءات العشر: 514]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (621 - زيّن ضمّ اكسر وقتل الرّفع كر = أولاد نصب شركائهم بجر
622 - رفعٍ كدًا .... .... .... .... = .... .... .... .... .... ). [طيبة النشر: 74]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (زيّن ضمّ اكسر وقتل الرّفع (ك) ر = أولاد نصب شركائهم بجر
يعني قوله تعالى: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم قرأ ابن عامر بضم الزاي وكسر الياء على ما لم يسم فاعله قتل بالرفع على أنه نائب فاعل زين، ووجه قراءة ابن عامر من حيث فصل بين المضافين بالمفعول الذي هو أولادهم، وقد ورد الفصل في مثل ذلك بالمفعول في الفصيح من كلام العرب اختيارا، ولم يكن ذلك مخصوصا بضرورة الشعر كما ذكر بعضهم، ولا يلتفت إلى قول الزمخشري وغيره في تضعيفه كما بين ذلك في كتاب النشر والله تعالى أعلم قوله: (بجر) أي بجر رفع شركائهم فتبين للباقين فتح الزاي والياء ونصب قتل وخفض شركائهم كما سيأتي في البيت الآتي). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 229]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (ص:
زيّن ضمّ اكسر وقتل الرّفع (ك) ر = أولاد نصب شركائهم بجرّ
رفع (ك) دا أنّث يكن (ل) ى خلف (م) ا = (ص) بـ (ث) ق وميتة (ك) سا (ث) نا (د) ما
ش: أي: قرأ ذو كاف (كر) ابن عامر: وكذلك زيّن [الأنعام: 137] بضم الزاي وكسر الياء، وقتل بالرفع [و] أولادهم بالنصب [و] شركائهم
[شرح طيبة النشر للنويري: 2/317]
بالجر.
والباقون زيّن بفتح الزاي والياء وقتل بالنصب، وأولدهم بالجر وشركاؤهم بالرفع.
وقرأ ذو ميم (ما) ابن ذكوان وصاد (صب) أبو بكر وثاء (ثق) [أبو جعفر] وإن لم تكن ميتة [الأنعام: 139] بتاء التأنيث، والباقون بياء التذكير.
واختلف عن [ذي] لام (لى) هشام: فروى عنه غير الداجوني [التأنيث].
وروى زيد عن الداجوني من جميع طرقه: التذكير، ولم يرو الجماعة عن الداجوني غيره.
وروى الشذائي عنه التأنيث؛ كالجماعة، وكلاهما صحيح عن الداجوني إلا أن التذكير أشهر عنه.
وقرأ ذو كاف (كسا) ابن عامر وثاء (ثنا) [أبو جعفر] ودال (دما) ابن كثير ميتة [الأنعام: 139] بالرفع، والباقون بالنصب، وفهم من الإطلاق.
فصار ابن كثير وإن يكن [ميتة] بالتذكير والرفع، وابن ذكوان وهشام- في أحد وجهيه- وأبو جعفر بالتأنيث والرفع، وأبو بكر بالتأنيث والنصب، والباقون بالتذكير والنصب.
وجه قراءة الجماعة: أن زيّن [الأنعام: 137] [فعل] ماض [مبني للفاعل، وشركآؤهم فاعله، وقتل مفعوله؛ وهو مصدر مقدر بالفعل فيعمل] وأولدهم مفعوله، جر بإضافته إليه بعد حذف فاعله، أي: قتلهم؛ كقوله تعالى: من دعآء الخير [فصلت: 49]، والأصل: زين لكثير من المشركين
[شرح طيبة النشر للنويري: 2/318]
شركاؤهم أن قتلوا أولادهم.
ووجه قراءة ابن عامر: أن زيّن مبني للمفعول ونائبه قتل وأولادهم مفعول المصدر وشركاؤهم فاعله [جر بإضافته إليه ففيه حذف فاعل الفعل]، والفصل بين المتضايفين بالمفعول.
وقد أنكر جماعة هذه القراءة؛ متمسكين بأنه لا يفصل بين المتضايفين إلا بالظرف في الشعر خاصة على أنه أيضا مخالف للقواعد، وهو أن المتضايفين لشدة افتقارهما صارا كالكلمة الواحدة، وينزل الثاني منزلة التنوين بجامع التتميم، ولا يفصل بين حروف الكلمة، ولا بينها، وبين التنوين اتفاقا.
ثم اغتفروا [فصلهما] في الشعر؛ لضرورة الوزن؛ ففصلوا بظرف الزمان لمناسبة الذوات، والأحداث؛ بافتقارهما طليه، وعمومه بخلاف المكان وحملوا الفصل بالجار والمجرور عليه؛ لتقديره به.
والحق: أن الفصل وقع في سبع مسائل: ثلاثة منها جائزة في النظم والنثر:
الأولى من الثلاثة: الفصل إما بظرف وهم يسلمونه، وإما بمفعوله كقراءة ابن عامر، ومما جاء موافقا لها قول الشاعر:
... ... ... ... = فسقناهم سوق البغاث الأجادل
وقوله:
فزججتها بمزجّة = زجّ القلوص أبي مزاده
[شرح طيبة النشر للنويري: 2/319]
وقوله:
تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة = نفي الدّنانير تنقاد الصّياريف
وقوله:
يطفن بحوزى المراتع لم يرع = بواديه من قرع القسيّ الكنائن
أي: من قرع الكنائن القسيّ.
وقوله:
يفركن حبّ السّنبل الكنافج = بالقاع فرك القطن المحالج
أي فرك المحالج القطن.
وقوله:
بعثت إليها من لساني رسالة = سقاها الحجا سقى الرّياض السّحائب
[شرح طيبة النشر للنويري: 2/320]
والجواب عن دليلهم: أن الشيء إذا شبه بالشيء لا يجب أن يعطى حكمه من كل وجه؛ ألا ترى إلى تخلفه في جواز الوقف على المضاف بخلاف الكلمة، وامتناع حذف المضاف إليه عند الوقف عليه بخلاف التنوين.
وهذا المختصر لا يحتمل الإطالة لا سيما في هذه المسألة؛ فإن المتأخرين قد أشفوا فيها الغليل؛ فجزاهم الله خيرا أجمعين.
[و] وجه التأنيث مع الرفع: جعل «كان» تامة؛ فرفع ميتة [الأنعام: 139]؛ لأنها فاعل، وأنث فعلها لتأنيث لفظها.
ووجهه مع النصب: جعلها ناقصة مضمرا اسمها على المعنى، أي: وإن تكن وإلا أن تكون، وأنث فعلها؛ لأن لفظ جمع التكسير [مؤنث، ونصب ميتة خبرها]، ويحتمل الحال على التمام.
ووجه التذكير مع الرفع جعلها تامة، ولم تؤنث؛ لأن فاعلها مجازي التأنيث [بمعنى «ميت»، أي: وإن يكن الذي في بطونها، وإلا أن يكون الموجود، وميتة بالنصب خبرها] ). [شرح طيبة النشر للنويري: 2/321] (م)
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (واختلف في {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الآية: 137] فابن عامر زين بضم الزاي وكسر الياء بالبناء للمفعول "قتل" برفع اللام على النيابة عن الفاعل "أولادهم" بالنصب على المفعول بالمصدر "شركائهم" بالخفض على إضافة المصدر إليه فاعلا، وهي قراءة متواترة صحيحة وقارئها ابن عامر أعلى القراء السبعة سندا وأقدمهم هجرة، من كبار التابعين الذين أخذوا عن الصحابة كعثمان بن عفان وأبي الدرداء ومعاوية وفضالة بن عبيد، وهو مع ذلك عربي صريح من صميم العرب، وكلامه حجة وقوله دليل؛ لأنه كان قبل أن يوجد اللحن، فكيف وقد قرأ بما تلقى وتلقن وسمع ورأى، إذ هي كذلك في المصحف الشامي، وقد قال بعض الحفاظ: إنه كان في حلقته بدمشق أربعمائة عريف يقومون عليه بالقراءة، قال: ولم يبلغنا عن أحد من السلف أنه أنكر شيئا على ابن عامر من قراءته ولا طعن فيها، وحاصل كلام الطاعنين كالزمخشري أنه لا يفصل بين المتضايفين إلا بالظرف في الشعر؛ لأنهما كالكلمة الواحدة أو أشبها الجار والمجرور، ولا يفصل بين حروف الكلمة ولا بين الجار ومجروره ا. هـ. وهو كلام غير معول عليه، وإن صدر عن أئمة أكابر؛ لأنه طعن في المتواتر، [إتحاف فضلاء البشر: 2/32]
وقد انتصر لهذه القراءة من يقابلهم، وأوردوا من لسان العرب ما يشهد لصحتها نثرا ونظما بل نقل بعض الأئمة الفصل بالجملة فضلا عن المفرد في قولهم غلام إن شاء الله أخيك وقرئ شاذا "مُخْلِفَ وَعْدَه رُسُلَه" بنصب وعده وخفض رسله، وصح قوله -صلى الله عليه وسلم: "فهل أنتم تاركو إلي صاحبي"، ففصل بالجار والمجرور، وقال في التسهيل: ويفصل في السعة بالقسم مطلقا وبالمفعول إن كان المضاف مصدرا نحو: أعجبني دق الثوب القصار، وقال صاحب المغرب: يجوز فصل المصدر المضاف إلى فاعله بمفعوله لتقدير التأخير، وأما في الشعر فكثير بالظرف وغيره منها قوله:
فسقناهم سوق البغال الأداجل
وقوله:
سقاها الحجى سقي الرياض السحائب
وقوله:
لله در اليوم من لامها
[إتحاف فضلاء البشر: 2/33]
وقوله:
فزججتها بمزجة... زج القلوص أبي مزاده
وقد علم بذلك خطأ من قال: إن ذلك قبيح أو خطأ أو نحوه، وأما من زعم أنه لم يقع في الكلام المنثور مثله فلا يعول عليه؛ لأنه ناف ومن أسند هذه القراءة مثبت وهو مقدم على النفي اتفاقا، ولو نقل إلى هذا الزاعم عن بعض العرب ولو أمة أو راعيا أنه استعمله في النثر لرجع إليه، فكيف وفيمن أثبت تابعي عن الصحابة عمن لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم- فقد بطل قولهم وثبتت قراءته سالمة من المعارض، ولله الحمد.
وقرأ الباقون "زَين" بفتح الزاي والياء مبنيا للفاعل ونصب "قتل" به "أولادهم" بالخفض على الإضافة "شركاؤهم" بالرفع على الفاعلية بزين، وهي واضحة أي: زين لكثير من المشركين شركاؤهم إن قتلوا أولادهم بنحرهم لآلهتهم، أو بالوأد خوف العار والعيلة). [إتحاف فضلاء البشر: 2/34]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركآؤهم} [137] قرأ الشامي بضم زاي {زين} وكسر يائه ورفع لام {قتل} ونصب دال {أولادهم} وخفض همزة {شركآئهم} والباقون بفتح الزاي والياء، ونصب لام {قتل} وكسر دال {أولادهم} ورفع همزة {شركآؤهم}.
وتكلم غير واحد من المفسرين والنحويين كابن عطية ومكي بن أبي طالبي والبيضاوي وابن جني والنحس والفارسي والزمخشري في قراءة الشامي
[غيث النفع: 593]
وضعفوها للفصل بين المضاف وهو {قتل} والمضاف إليه وهو {شركآئهم} بالمفعول وهو {أولادهم} وزعموا أن ذلك لا يجوز في النثر، وهو زعم فاسد لأن ما نفوه أثبته غيرهم.
قال الحافظ السيوطي في جميع الجوامع له: «مسألة: لا يفصل بين المتضايفين اختيارًا، إلا بمفعول وظرفه على الصحيح، وجوزه الكوفيون مطلقًا».
قال في شرحه همع الهوامع تبعًا لابن مالك وغيره: «وحسنه كون الفاصل فضلة، فإنه يصح بذلك لعدم الاعتداد، وكونه غير أجنبي من المضاف، أي: لأنه معموله،
[غيث النفع: 595]
ومقدر التأخير، أي: لأن المضاف إليه فاعل في المعنى» انتهى مع زيادة شيء للإيضاح.
والمثبت مقدم على النافي، لا سيما في لغة العرب، لاتساعها وكثرة التكلم بها.
روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «كان الشعر علم قوم، فلما جاء الإسلام اشتغلوا عنه بالجهاد والغزو، فلما تمهدت الأمصار هلك من هلك، راجعوه فوجدوا أقله، وذهب عنهم أكثره».
وروى عن أبي عمرو بن العلاء قال: «ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير».
قال أبو الفتح بن جني في خصائصه بعد أن نقل هذا: «فإذا كان الأمر كذلك لم يقطع على الفصيح – يسمع منه ما يخالف الجمهور - بالخطأ» انتهى.
وأشدهم عليه الزمخشري، ونصه:
«وأما قراءة ابن عامر فشيء لو كان في مكان الضرورة، وهو الشعر، لكان سمجًا مردودًا، كما رد (زج القلوص أبي مزادة) فكيف به في الكلام المنثور، فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته، والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض
[غيث النفع: 596]
المصاحف {شركآئهم} مكتوبًا بالياء، ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب» انتهى.
فانظر رحمك الله إلى هذا الكلام ما أبشعه وأسمجه وأقبحه، وما اشتمل عليه من الغلظة والفظاظة وسوء الأدب، فحكم على قراءة متواترة تلقاها سيد من سادات التابعين عن أعيان الصحابة، وهم تلقوها من أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرد والسماجة، ولا جراءة أ عظم من هذه الجراءة.
والحامل له على ذلك أنه يرى رأيًا فاسدًا واضح البطلان، وهو أن القراءات كلها آحاد، ولا متواتر فيها، ولذلك يطلق عنان القلم في تخطئة القراء في بعض المواضع، ولا يبالي بما يقول، وما زعم أنه سمج مردود وهو فصيح شائع ذائع.
وأدلة ذلك من الشعر كثيرة، ذكرها إمام النحاة أبو عبد الله محمد بن مالك في شرح الكافية، عند قوله فيها بعد ما ذكر جواز الفصل:
وحجتي قراءة ابن عامر = وكم لها من عاضد وناصر
فلا نطيل بها.
[غيث النفع: 597]
وأما أدلة ذلك من النثر فقراءة من قرأ {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} [إبراهيم: 47] بنصب (وعده) وجر (رسله).
وما روى منه في الصحيح كثير، كقوله صلى الله عليه وسلم: «فهل أنتم تاركو لي صاحبي».
وما حكاه ابن الأنباري عن العرب أنهم يفصلون بين المضاف والمضاف إليه بالجملة فيقولون: هذا غلام إن شاء الله ابن أخيك، وكان الأنباري صدوقًا دينًا ثقة حافظًا.
قال أبو علي القالي: «كان أبو بكر بن الأنباري يحفظ في ما ذكر ثلاثمائة ألف شاهد في القرآن الكريم».
[غيث النفع: 598]
وقيل: إنه كن يحفظ مائة وعشرين تفسيرًا للقرآن الكريم بأسانيدها.
وما حكاه الكسائي من قوله: هذا غلام والله زيد بجر زيد بإضافة الغلام إليه، والفصل بينهما بالقسم.
فإن قلت: لقائل أن يقول القراءة شاذة والأحاديث مروية بالمعاني، وما ذكره ابن الأنباري والكسائي ليس كمسألتنا.
قلت: لا خلاف بينهم – كما نقله السيوطي – أن القراءة الشاذة تثبت بها الحجة في العربية.
ولو نقل لهذا المجترئ الحائد عن طريق الهدى ناقل – لم يبلغ في الرتبة أدنى القراء، بل ولا عشر معشاره – كلامًا ولو عن راع أو أمة من العرب لرجع إليه، وبنى قواعده عليه، والقرآن المتواتر الذي نقله ما لا يعد من العدول الفضلاء الأكابر، عن مثلهم، يحكم عليه بالرد والسماجة!.
أما الأحاديث فالأصل نقلها بلفظها، وادعاء أنها منقولة بالمعنى دعوى لا تثبت إلا بدليل، ومن مارس الأحاديث ورأى تثبت الصحابة والآخذين عنهم، رضي الله عنهم جميعًا، وتحريهم في النقل – حتى إ نهم إذا شكوا في لفظ أتوا بجميع الألفاظ المشكوك فيها، أو تركوا روايته بالكلية – علم علم يقين أنهم لا ينقلون الأحاديث إلا بألفاظها.
الفصل بالجملة فبالمفرد أولى، وهذا كله على جهة التنزل وإرخاء العنان، وإلا فالذي نقوله ولا نلتفت لسواه، أن القراءة المشهورة فضلاً عن المتواترة، كهذه، لا تحتاج إلى دليل، بل هي أقوى دليل، ومتى احتاج من هو في ضوء الشمس إلى ضوء النجوم.
[غيث النفع: 599]
وقد بنى النحويون قواعدهم على كلام تلقوه من العرب لم يبلغ في الصحة مبلغ القراءة الشاذة، ولا قاربها، وقبلوا من ذلك ما خرج عن القياس، كقولهم (استحوذ) وقياسه (استحاذ) كما تقول استقام واستجاب، وكقولهم: لدن غدوة بالنصب، والقياس الجر، وهو في العربية كثير، ليس هذا محل تتبعه.
والشامي هذا رحمه الله ممن يحتج بكلامه، لأنه من صميم العرب وفصائحهم، وكان قبل أن يوجد اللحن ويتكلم به، لأنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم - على قول – وسنة إحدى وعشرين – على قول آخر – فكيف بما تلقاه ورواه عن كبار الصحابة رضي الله عنهم، كابي الدرداء وواثلة بن الأٍقع، ومعاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهم.
بل نقل تلميذه الذماري أنه قرأ على عثمان بن عفان رضي الله عنه، فهو أعلى القراء السبعة سندًا.
وكان رحمه الله مشهورًا بالثقة والأمانة وكمال الدين والعلم، أفنى عمره في القراءة والإقراء، وأجمع علماء الأمصار على قبول نقله، والثقة به فيه.
وقد أخذ البخاري عن هشام بن عمار، وهو قد أخذ عن أصحاب أصحابه.
قال المحقق: «ولقد بلغنا عن هذا الإمام أنه كان في حلقته أربعمائة عريف يقومون عنه بالقراءة، ولم يبلغنا عن أحد من السلف على اختلاف مذاهبهم، وتباين لغاتهم، وشدة ورعهم، أنه أنكر على ابن عامر شيئًا من قراءته، ولا طعن فيها، ولا أشار إليها بضعف» اهـ.
ويكفي في فضله وجلالته أنه أفضل الخلفاء بعد الصحابة، المجمع على ورعه وفضله وعدالته، وهو عمر بن عبد العزيز جمع له بين الإمامة والقضاء ومشيخة الإقراء،
[غيث النفع: 600]
بمسجد دمشق، أحد عجائب الدنيا، وهي يومئذ دار الملك والخلافة، ومعدن للتابعين، ومحل محط رجال ال علماء من كل قطر.
وأعظم من هذا كله إجماع الصحابة على كتب {شركآئهم} في مصحف الشام بالياء، وقد نقل غير واحد من الثقات المتقدمين والمتأخرين أنهم رأوه فيه كذلك، بل نقل العلامة القسطلاني عن بعض الثقات أنه رآه في مصحف الحجاز كذلك.
فإن قلت: لو كان مصحف الحجاز كذلك لقرءوا كقراءته، لأن أهل كل قطر قراءتهم تابعة لرسم مصحفهم، ولم يثبت عن أحد من أهل الحجاز أنه قرأ كقراءة الشامي.
قلت: لا يلزم موافقة التلاوة للرسم، لأن الرسم سنة متبعة قد توافقه التلاوة، وقد لا توافقه، انظر كيف كتبوا {وجيئ} [الفجر: 23] بالألف قبل الياء، و{لأ أذبحنه} [النمل: 21] و{ولأ أوضعوا} [التوبة: 47] بألف بعد {لا} ومثل هذا كثير، والقراءة
[غيث النفع: 601]
بخلاف ما رسم، ولذلك حكم وأسرار، تدل على كثرة علم الصحابة ودقة نظرهم، تطلب من مظانها.
سمعت شيخنا رحمه الله تعالى يقول: ولو لم يكن للصحابة رضي الله عنهم من الفضائل إلا رسمهم المصحف، لكان ذلك كافيًا.
وقوله (والذي حمله على ذلك) إلى آخره يقتضي أن هذا السيد الجليل يقلد في قراءته المصحف، ولو لم يثبت عنده بذلك رواية، وحاشاه من ذلك، فإن هذا لا يستحله مسلم، فضلاً عن سيد من سادات التابعين، لأنه خرق للإجماع.
قال الشيخ العارف بالله سيدي محمد بن الحاج في المدخل: «لا يجوز لأحد أن يقرأ بما في المصحف إلا بعد أن يتعلم القراءة على وجهها، أو يتعلم مرسوم المصحف، وما يخالف منه القراءة، فإن فعل غير ذلك فقد خالف ما أجمعت عليه الأمة».
وقوله (ولو قرأ ... إلخ) هذا أفحش وأقبح من ما قبله، لأنه يقتضي جواز القراءة بما تقتضيه العربية مع صحة المعنى، ولو لم ينقل، وهو محرم بالإجماع.
قال المحقق في نشره: «وأما ما وافق العربية والرسم، مع صحة المعنى، ولو لم ينقل ألبتة، فهذا رده أحق، ومنعه أشد، ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر، وقد ذكر جواز ذلك عن أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقرئ النحوي، وكان
[غيث النفع: 602]
بعد الثلاثمائة، قال الإمام أبو طاهر بن أبي هاشم في كتابه البيان: وقد نبغ نابغ في عصرنا فزعم أن كل من صح عنده وجد في العربية بحرف من القرآن يوافق المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها، فابتدع بدعة ضل بها عن قصد السبيل، قلت: وقد عقد له بسبب ذلك مجلس ببغداد حضره الفقهاء والقراء، وأجمعوا على منعه، وأوقف للضرب فتاب ورجع، وكتب عليه بذلك محضر، كما ذكره الحافظ أبو بكر بن الخطيب في تاريخ بغداد» اهـ.
وأدلة هذا من أقوال الصحابة والتابعين وأئمة القراء كثيرة، تركناها خوف الإطالة، والله أسأل أن يعامل الجميع بفضله ولطفه، آمين). [غيث النفع: 603]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}
{زَيَّنَ لِكَثِيرٍ}
- أدغم النون في اللام أبو عمرو ويعقوب، وعنهما الإظهار.
[معجم القراءات: 2/551]
{زَيَّنَ ... قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}
- قرأ الجمهور (زين ... قتل أولادهم شركاؤهم).
زين: مبني للفاعل.
شركاؤهم: فاعله.
قتل أولادهم: مفعول به، و(أولادهم) مجرور بالإضافة، من إضافة المصدر إلى المفعول، أي: زين لكثير من المشركين شركاؤهم أن أقتلوا أولادكم بنحرهم للآلهة، أو بالوأد خوف العار والعيلة.
ولا يستجيز الطبري غير هذه القراءة، وهي عند القرطبي أصح القراءات، وكذا عند أبي جعفر النحاس.
- وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وأبو عبد الملك قاضي الجند، وعلي بن أبي طالب في رواية (زين.. قتل أولادهم شركاؤهم).
زين: مبني للمفعول.
قتل: نائب عن الفاعل لـ (زين).
[معجم القراءات: 2/552]
وأولادهم: على الجر بالإضافة.
شركاؤهم: مرفوع على إضمار فعل تقديره: زينه شركاؤهم.
وهذا تخريج سيبويه.
وقيل: (شركاؤهم) فاعل بالمصدر (قتل).
قال العكبري: (وفيه وجهان: أحدهما أنه مرفوع بفعل محذوف، كأنه قال: من زينه؟ فقال: شركاؤهم، أي زينه شركاؤهم، والقتل.. مضاف إلى المفعول.
والثاني: أن يرتفع شركاؤهم بالقتل؛ لأن الشركاء تثير بينهم القتل قبله، ويمكن أن يقع القتل منهم حقيقة).
وقال مكي: (ورفع (شركاء) حملًا على المعنى، كأنه قيل: من زينه لهم؟ قيل: شركاؤهم، وأضيفت (الشركاء) إليهم؛ لأنهم [هم] استخرقوها، وجعلوها شركاء لله تعالى عن ذلك، فباستخراقهم لها أضيفت إليهم).
- وقرأت فرقة، ونسبها مكي في المشكل إلى ابن عامر، (زين.. قتل أولادهم شركائهم).
زين: مبني للمفعول.
قتل: بالرفع، نائب عن الفاعل.
أولادهم: بالجر على الإضافة.
شركائهم: بالجر على البدل من الأولاد.
وعلى هذه القراءة فالشركاء هم الموءودون؛ لأنهم شركاء في النسب والمواريث.
[معجم القراءات: 2/553]
قال العكبري: (ويقرأ كذلك إلا أنه بجر أولادهم على الإضافة، وشركائهم بالجر أيضًا على البدل من الأولاد؛ لأن أولادهم شركاؤهم في دينهم وعيشهم وغيرهما).
- وقرأ ابن عامر وأهل الشام (زين.. قتل أولادهم شركائهم).
وذكر الفراء أنها كذلك في بعض مصاحف أهل الشام: (شركايهم).
زين: مبني للمفعول.
قتل: برفع اللام على النيابة عن الفاعل.
أولادهم: بالنصب على المفعول بالمصدر (قتل).
شركائهم: بالخفض على إضافة المصدر إليه فاعلًا.
وبذلك تكون قراءة ابن عامر على الفصل بين المصدر المضاف إلى الفاعل وما بعده بالمفعول وهو (أولادهم).
قال أبو حيان: (وهي مسألة مختلف في جوازها، فجمهور البصريين يمنعونها: متقدموهم ومتأخروهم، ولا يجيزون ذلك إلا في ضرورة الشعر.
وبعض النحويين أجازها، وهو الصحيح؛ لوجودها في هذه القراءة المتواترة المنسوبة إلى العربي الصريح المحض ابن عامر، الآخذ
[معجم القراءات: 2/554]
القرآن عن عثمان بن عفان قبل أن يظهر اللحن في لسان العرب، ولوجودها أيضًا في لسان العرب في عدة أبيات ... ولا التفات إلى قول ابن عطية: (وهذه قراءة ضعيفة في استعمال العرب، وذلك أنه أضاف الفعل إلى الفاعل وهو الشركاء، ثم فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، ورؤساء العربية لا يجيزون الفصل بالظروف في مثل هذا إلا في الشعر كقوله:
كما خط الكتاب بكف يومًا = يهودي يقارب أو يزيل
فكيف بالمفعول في أفصح كلام؟
ولكن وجهها على ضعفها أنها وردت شاذة في بيت أنشده أبو الحسن الأخفش:
فزججتها بمزجةٍ = زج القلوص أبي مزادة
وفي بيت الطرماح:
يطفن بجوزي المراتع لم يرع = بواديه من قرع القسي الكنائن
انتهى كلام ابن عطية.
ولا التفات أيضًا إلى قول الزمخشري: إن الفصل بينهما يعني بين المضاف والمضاف إليه فشيء لو كان في مكان الضرورات، وهو الشعر، لكان سمجًا مردودًا، فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته.
والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف (شركايهم) مكتوبًا بالياء، ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب انتهى).
[معجم القراءات: 2/555]
[قال أبو حيان]: وأعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءةً متواترة، موجود نظيرها في لسان العرب في غير ما بيت، وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقًا وغربًا، وقد اعتمد المسلمون على نقلهم لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم.
ولا التفات أيضًا لقول أبي علي الفارسي: هذا قبيح قليل الاستعمال، ولو عدل عنها -يعني ابن عامر- كان أولى؛ لأنهم لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف، وإنما أجازوه في الشعر. انتهى.
[قال أبو حيان]: -وإذا كانوا قد فصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالجملة في قول بعض العرب: هو غلام -إن شاء الله- أخيك، فالفصل بالمفرد أسهل، وقد جاء الفصل في اسم الفاعل في الاختيار. قرأ بعض السلف: (مخلف وعده رسله) بنصب (وعده) وخفض (رسله).
وقد استعمل أبو الطيب الفصل بين المصدر المضاف إلى الفاعل بالمفعول اتباعًا لما ورد عن العرب فقال:
بعثت إليه من لساني حديقة = سقاها الحيا سقي الرياض السحائب....)
انتهى كلام أبي حيان، وهو كلام طويل فيه بيان جيد للمسألة وأسلوب الخلاف فيها.
وقال العكبري في هذه القراءة: (وهو بعيد، إنما يجيء في ضرورة الشعر) أي الفصل بالمفعول بين المصدر ومعموله.
[معجم القراءات: 2/556]
وقال النحاس: (فأما ما حكاه أبو عبيد عن ابن عامر وأهل الشام فلا يجوز في كلام ولا شعر، وإنما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه في الشعر بالظرف؛ لأنه لا يفصل، فأما الأسماء غير الظرف فلحن).
وقال البيضاوي (وهو ضعيف في العربية..).
قال الشهاب: (تبع فيه الزمخشري وهو من سقطاته، وسوء أدبه على الله، الذي يخشى فيه الكفر كما قال في الانتصاف.
والقراءات السبعة [كذا] لابد فيها من نقل صحيح أو متواتر فيما عدا الأداء على المشهور، وأي مسلم يقدم على أن يقرأ كلام الله برأيه، ويتبع رسم المصحف من غير سماع خصوصًا هؤلاء الأئمة الأعلام الواقفين على دقائق الكلام، وهو يظن أن القرآن يقرأ بالرأي كما ذهب إليه بعض الجهلة مع أنه ليس بصحيح؛ لأنهم فرقوا بين المضاف الذي يعمل وغيره، فإن الثاني يفصل فيه بالظرف، والأول إذا كان مصدرًا ونحوه يفصل بمعموله مطلقًا؛ لأن إضافته في نية الانفصال، ومعموله مؤخر رتبة، ففصله كلافصل: فلذا ساغ فيه، ولم يخص بالشعر كغيره، كما صرح به ابن مالك.
وخطأ الزمخشري لعدم فرقه بينهما، وظنه أنه ضرورة مطلقًا.
وأما ادعاء حذف المضاف إليه من الأول، والمضاف من الثاني كما ذهب إليه السكاكي فتكلف نحن في غنى عنه، وكلام الله أحق أن تجري عليه القواعد، وترجع إليه، لا أن يرجع إلى غيره.
والعجب ممن أثبت تلك القواعد برواية واحد عن جاهلي من العرب، فإذا جاء إلى النظم توقف في الإثبات به ...).
[معجم القراءات: 2/557]
وقال مكي في الكشف: (وهذه القراءة فيها ضعف، للتفريق بين المضاف والمضاف إليه؛ لأنه إنما يجوز مثل هذا التفريق في الشعر، وأكثر ما يجوز في الشعر مع الظروف، لاتساعهم في الظروف وهو في المفعول في الشعر بعيد، فإجازته في القرآن أبعد).
- وقرأ بعض أهل الشام، ورويت عن ابن عامر (زين.. قتل أولادهم شركائهم) كالقراءة المتقدمة من حيث الفصل، غير أن الفعل: زين: بكسر الزاي وسكون الياء.
جاء في حاشية الجمل:
(زين: بكسر الزاي، بعدها ياء ساكنة على أنه فعل ماضٍ مبني للمفعول على حد: قيل، وبيع.
وقتل: مرفوع على ما لم يسم فاعله.
وأولادهم: بالنصب.
وشركائهم: بالخفض.
والتوجيه واضح مما تقدم...، غاية ما في الباب أنه أخذ من (زان) الثلاثي، وبني للمفعول فأعل ... اهـ. من السمين) انتهى.
{وَلِيَلْبِسُوا}
- قرأ إبراهيم النخعي (ليلبسوا) بفتح الباء، وقيل: هي لغة.
وذكر بعضهم أنه بمعنى الخلط.
- وقراءة الجمهور (ليلبسوا) بكسرها، من لبست عليه الأمر، وبمعنى لبس الثياب.
قال ابن جني: (المشهور في هذا لبست الثوب ألبسه، ولبست عليهم الأمر ألبسه، فإما أن تكون هذه لغة لم تتأد إلينا لبست عليهم
[معجم القراءات: 2/558]
الأمر ألبسه في معنى لبسته ألبسه، وإما أن تكون غير هذا، وهو أن يراد به شدة المخالطة في دينهم..).
وقال العكبري: (بكسر الباء، من لبست الأمر بفتح الباء في الماضي إذا شبهته.
ويقرأ في الشاذ بفتح الباء، قيل: إنها لغة، وقيل جعل الدين لهم كاللباس عليهم).
{عَلَيْهِمْ}
- تقدمت القراءة فيه بضم الهاء عن حمزة وغيره، انظر سورة الفاتحة الآية/7.
{شَاءَ}
- تقدمت القراءة فيه في الآية/20 من سورة البقرة.
{فَعَلُوهُ}
- قراءة ابن كثير في الوصل (ما فعلوهو..) بوصل الهاء بواو). [معجم القراءات: 2/559]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين