العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:25 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 253 إلى 257]

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعضٍ مّنهم مّن كلّم اللّه ورفع بعضهم درجاتٍ وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم مّن بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم مّن آمن ومنهم مّن كفر ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكنّ اللّه يفعل ما يريد}
قال: {مّنهم مّن كلّم اللّه} أي: كلمه الله [فلفظ الجلالة] في ذا الموضع رفعٌ.
وقال: {ورفع بعضهم درجاتٍ} أي: رفع الله بعضهم درجات). [معاني القرآن: 1/148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم اللّه ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكنّ اللّه يفعل ما يريد}
{الرّسل} صفة لتلك كقولك أولئك الرسل فضلنا بعضهم على بعض إلا أنه قيل تلك للجماعة، وخبر الابتداء (فضلنا بعضهم على بعض).
ومعنى: {منهم من كلّم اللّه} أي: من كلّمه اللّه.
{تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم اللّه ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكنّ اللّه يفعل ما يريد}
والهاء حذقت من الصلة لطول الاسم، وهو موسى - صلى الله عليه وسلم - أسمعه الله كلامه من غير وحي أتاه به عن اللّه ملك.
وقوله عزّ وجلّ: {وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات}أي: أعطيناه والبينات الحجج التي تدل على إثبات نبوته - صلى الله عليه وسلم - من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى والإنباء بما غاب عنه.
وقوله عزّ وجلّ: {ورفع بعضهم درجات}.
جاء في التفسير: أنه يعنى به محمد - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى الناس كافة، وليس شيء من الآيات التي أعطيها الأنبياء إلا والذي أعطى محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر منه، لأنه - صلى الله عليه وسلم -
كلمته الشجرة،
وأطعم " من كفّ التمر خلقا كثيرا،
وأمرّ يده على شاة أم معبد فدرت، وحلبت بعد جفاف،
ومنها انشقاق القمر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الآيات في الأرض ورآها في السماء، والذي جاء في آيات النبي كثير.

فأما انشقاق القمر وصحته فقد روينا فيه أحاديث:
حدثني إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن المنهال، قال حدثنا يزيد ابن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس قال: سأل أهل مكة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - آية فأراهم انشقاق القمر فرقتين.
وحدثني مسدّد يرفعه إلى أنس أيضا مثل ذلك.
ونحن نذكر جميع ما روى في هذا الباب في مكانه إن شاء الله، ولكنا ذكرنا ههنا جملة من الآيات لنبين بها فضل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما أتى به من الآيات.
ومن أعظم الآيات القرآن الذي أتى به العرب وهم أعلم قوم بالكلام.
لهم الأشعار ولهم السجع والخطابة، وكل ذلك معروف في كلامها، فقيل لهم ائتوا بعشر سور فعجزوا عن ذلك، وقيل لهم ائتوا بسورة ولم يشترط عليهم فيها أن تكون كالبقرة وآل عمران وإنما قيل لهم ائتوا بسورة فعجزوا عن ذلك.
فهذا معنى {ورفع بعضهم درجات}.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم} يعني: من بعد الرسل: {من بعد ما جاءتهم البيّنات} أي: من بعد ما وضحت لهم البراهين، فلو شاء الله ما أمر بالقتال بعد وضوح الحجة،
ويجوز أن يكون {ولو شاء اللّه ما اقتتلوا} أي: لو شاء اللّه أن يضطرهم أن يكونوا مؤمنين غير مختلفين لفعل ذلك كما قال: {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى}).
[معاني القرآن: 1/333-335]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله}
قال مجاهد: يقول كلم موسى.
ثم قال جل وعز: {ورفع بعضهم درجات}
قال مجاهد: أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة.
ثم قال تعالى: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات}أي: الحجج الواضحة {وأيدناه} أي: قويناه بروح القدس.
قال الضحاك: جبريل صلى الله عليه وسلم).
[معاني القرآن: 1/256-258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات}
فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى لو شاء الله ما أمرنا بالقتال بعد وضوح الحجة وإظهار البراهين

2- وقيل لو شاء الله أن يضطرهم إلى الإيمان لفعل كما قال ولو شاء الله لجمعهم على الهدى). [معاني القرآن: 1/258-259]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خلّةٌ}: مصدر الخليل، وتقول: فلان خلّتى: أي خليلي، قال أوفى بن مطر المازنيّ:
ألا أبلغا خلني جابراً... بأن خليلك لم يقتل
يقال: فلان خلّتي: أي خليلي). [مجاز القرآن: 1/78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} والخلة: المودة والمحبة والخليل مشتق من ذلك). [غريب القرآن وتفسيره: 96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا خلّةٌ} أي: ولا صداقة تنفع يومئذ. ومنه الخليل). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة والكافرون هم الظّالمون}
أي: أنفقوا في الجهاد وليعن بعضكم بعضا عليه.
وقوله عزّ وجلّ: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة} يعني: يوم القيامة " والخلّة " الصداقة،
ويجوز {لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة}، {لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة}، على الرفع بتنوين والنصب (بغير تنوين)،
ويجوز {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} بنصب الأول بغير تنوين وعطف الثاني على موضع الأول، لأن موضعه نصب، إلا أن التنوين حذف لعلة قد ذكرناها، ويكون دخول " لا " مع حروف العطف مؤكدا، لأنك إذا عطفت على موضع ما بعد " لا " عطفته بتنوين.

تقول: لا رجل وغلاما لك.
قال الشاعر:
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه... إذا هو بالمجد ارتدى أو تأزّرا.
ومعنى {والكافرون هم الظّالمون} أي: هم الذين وضعوا الأمر غير موضعه وهذا أصل الظلم في اللغة). [معاني القرآن: 1/335-336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة}
قوله: {أنفقوا} تصدقوا والخلة الصداقة). [معاني القرآن: 1/259]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا خلة} أي: لا صداقة تنفع يومئذ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الخُلَّـــةٌ}: المــــودة). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {القيّوم}: القائم وهو الدائم الذي لا يزول، وهو فيعول.
{سنةٌ} السّنة: النّعاس، والوسنة: النّعاس أيضاً. قال عدي بن الرّقاع:
وسنان أقصده النّعاس فرنّقت... في عينه سنةٌ وليس بنائم
{ولا يئوده}: ولا يثقله، تقول: لقد آداني هذا الأمر، وما أداك فهو لي آئدٌ، قال الكميت:
علينا كالنّهاء مضاعفات... من الماذيّ لم تؤد المتونا
تقول: ما أثقلك فهو لي مثقل). [مجاز القرآن: 1/78-79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ لّه ما في السّماوات وما في الأرض من ذا الّذي يشفع عنده إلاّ بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيءٍ مّن علمه إلاّ بما شاء وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}
قال: {لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ} تقول "وسن" يوسن" "سنّة" و"وسناً"
وقال: {ولا يؤوده حفظهما} لأنه من "آده" "يؤوده" "أوداً" وتفسيره: لا يثقله). [معاني القرآن: 1/148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({القيوم}: القائم وهو الدائم.
{سنة}:السنة النعاس والوسنان من ذلك.
{يؤده}: يثقله، أدني الشيء يؤودني أودا). [غريب القرآن وتفسيره: 96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ):(السّنة): النّعاس من غير نوم.
قال ابن الرّقاع:

وسنان أقصده النّعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
فأعلمك أنه وسنان، أي: ناعس، وهو غير نائم. وفرق اللّه سبحانه بين السّنة والنوم، يدلّك على ذلك.
{ولا يؤده حفظهما} أي لا يثقله. يقال: آده الشيء يؤوده وآده يئيده، والوأد: الثّقل). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السّماوات وما في الأرض من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بما شاء وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العليّ العظيم}
يروى عن ابن عباس رحمة الله عليه أنّه قال: أشرف آية في القرآن آية الكرسي.
وإعراب {لا إله إلا هو} النصب بغير تنوين في {إله} المعنى: لا إله لكل مخلوق إلا هو، وهو محمول على موضع الابتداء المعنى ما إله للخلق إلا هو، وإن قلت في الكلام لا إله إلا الله جاز،
أما القرآن فلا يقرأ فيه إلا بما قد قرأت القراء به، وثبتت به الرواية الصحيحة، ولو قيل في الكلام لا رجل عندك إلا زيدا جاز، ولا إله إلا اللّه جاز ولكن الأجود ما في القرآن، وهو أجود أيضا في الكلام.

قال اللّه عزّ وجلّ: {إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلّا اللّه يستكبرون} فإذا نصبت بعد إلا فإنما نصبت على الاستثناء.
وقوله عزّ وجلّ: {الحيّ القيّوم}
معنى {الحيّ}: الدائم البقاء،
ومعنى {القيّوم}: القائم بتدبير سائر أمر خلقه
ويجوز القائم، ومعناهما واحد.
فهو الله عزّ وجلّ قائم بتدبير أمر الخلق في إنشائهم ورزقهم وعلمه بأمكنتهم وهو قوله عزّ وجلّ: {وما من دابّة في الأرض إلّا على اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها}.
ومعنى: {لا تأخذه سنة} أي: لا يأخذه نعاس.
{ولا نوم} وتأويله أنه لا يغفل عن تدبير أمر الخلق.
ومعنى {من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه} أي: لا يشفع عنده إلا بما أمر به من دعاء بعض المسلمين لبعض ومن تعظيم المسلمين أمر الأنبياء والدعاء لهم، وما علمنا من شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان المشركون يزعمون أنّ الأصنام تشفع لهم، والدليل على ذلك قولهم: {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} وذلك قولهم: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه}، فأنبأ اللّه عزّ وجلّ أن الشفاعة ليست إلا ما أعلم من شفاعة بعض المؤمنين لبعض في الدعاء وشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومعنى {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}أي: يعلم الغيب الذي تقدمهم والغيب الذي يأتي من بعدهم.
ومعنى {ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بما شاء} أي: لا يعلمون الغيب لا مما تقدمهم ولا مما يكون من بعدهم.
ومعنى {إلّا بما شاء}: إلا بما أنبأ به ليكون دليلا على تثبيت نبوتهم.
وقوله عزّ وجلّ: {وسع كرسيّه السّماوات والأرض} قيل فيه غير قول:
1-قال ابن عباس: كرسيه علمه
ويروى عن عطاء أنه
قال: ما السّماوات والأرض في الكرسي إلا حلقة في فلاة، وهذا القول بين لأن الذي نعرفه من الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه.
فهذا يدل أن الكرسي عظيم، عليه السّماوات والأرضون، والكرسيّ في اللغة والكراسة إنما هو الشيء الذي ثبت ولزم بعضه بعضا، والكرسي ما تلبّد بعضه على بعض في آذان الغنم ومعاطن الإبل.
2- وقال قوم: {كرسيّه} قدرته التي بها يمسك السّماوات والأرض.
قالوا: وهذا قولك اجعل لهذا الحائط كرسيا، أي اجعل له ما يعمده ويمسكه، وهذا قريب من قول ابن عباس رحمه اللّه لأن علمه الذي وسع السموات والأرض لا يخرج من هذا.
واللّه أعلم بحقيقة الكرسي، إلا أن جملته أنه أمر عظيم من أمره - جلّ وعزّ.
ومعنى {ولا يئوده حفظهما}أي: لا يثقله، فجائز أن تكون الهاء للّه عزّ وجلّ، وجائز أن تكون للكرسي، وإذا كانت للكرسي فهو من أمر اللّه). [معاني القرآن: 1/336-338]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {الله لا إله إلا هو}أي: لا إله للخلق إلا هو.
{الحي القيوم} أي: القائم بخلقه المدبر لهم.
وروي عن ابن عباس القيوم الذي لا يزول.
وقرأ عمر بن الخطاب رحمة الله عليه (القيام).
وقرأ علقمة (الحي القيم).
قال ابن كيسان: القيوم فيعول من القيام وليس بفعول لأنه ليس في الكلام فعول من ذوات الواو ولو كان ذلك لقيل قووم، والقيام فيعال أصله القيوام، وأصل القيوم القيووم وأصل القيم في قول البصرين القيوم.
وقال الكوفيون الأصل القويم.
قال ابن كيسان: ولو كان كذا في الأصل لم يجز فيه التغير كما لا يجوز في طويل وسويق.
وقوله جل وعز: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
قال الحسن وقتادة: نعسة.
وأنشد أهل اللغة:
وسنان اقصده النعاس فرنقت = في عينه سنة وليس بنائم
والمعنى: لا يفصل عن تدبير أمر الخلق.
قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} لما قالوا الأصنام شفعاؤنا عند الله فأعلم الله أن المؤمنين إنما يصلون على الأنبياء ويدعون للمؤمنين كما أمروا وأذن لهم
ثم قال تعالى: {يعلم ما بين أيديهم} أي: ما تقدمهم من الغيب {وما خلفهم} ما يكون بعدهم
{ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} لا يعلمون من ذلك شيئا إلا ما أراد أن يطلعهم عليه أو يبلغه أنبياؤه تثبيتا لنبوتهم
ثم قال تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض}
وحكى يعقوب الحضرمي وسع كرسيه السموات والأرض ابتداء وخبر
وروى سفيان وهشيم عن مطرف عن جعفر عن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {وسع كرسيه السموات والأرض} قال: علمه ألا ترى إلى قوله: {ولا يؤوده حفظهما}
وقد استشهد لهذا القول ببيت لا يعرف وهو ولا يكرسيء علم الله مخلوق
أي: لا يعلم علم الله مخلوق وهو أيضا لحن لأن الكرسي غير مهموز
وقيل كرسيه قدرته التي يمسك بها السموات والأرض كما تقول اجعل لهذا الحائط كرسيا أي ما يعمده وهذا قريب من قول ابن عباس.
وقال أبو هريرة: الكرسي بين يدي العرش.
وفي الحديث ((ما السموات والأرض في جوف الكرسي إلا كحلقة في أرض فلاة))
والله جل وعز أعلم بما أراد غير أن الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد عليه وقد ثبت ولزم بعضه بعضا ومنه الكراسة والكرسي ما تلبد بعضه على بعض
وقال الحسن: الكرسي هو العرش.
ومال محمد ابن جرير إلى قول ابن عباس وزعم أنه يدل على صحته ظاهر القرآن وذلك قوله عز وجل: {ولا يؤوده حفظهما}
وقال جل وعز إخبارا: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما} فأخبر أن علمه وسع كل شيء وكذا وسع كرسيه السموات والأرض والضمير الذي في حفظهما للسموات والأرض
ثم قال تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}
قال الحسن وقتادة: لا يثقل عليه.
قال أبو إسحاق:
فجائز أن تكون: الهاء لله عز وجل
وجائز أن تكون: للكرسي وإذا كانت للكرسي هو من أمر الله).
[معاني القرآن: 1/259-266]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((السنة) النعاس من غير نوم، (وسنة) أصله (وسنة)، والوسنة من الوسن، يريد الغفوة التي تلبس المرء قبل النوم، نقلت حركة الواو على السين، تقول، ضربني الوسن، تريد الغفوة.
{يؤوده} يثقله. والأود: الثقل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْقَيُّومُ}: الدائم.
{سِنَةٌ}
: نعاس.
{لاَ يَؤُودُهُ}: لا يثقله). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا انفصام لها} أي: لا تكسر، وقال الكميت:
فهم الآخذون من ثقة الامر... بتقواهم وعرىً لا إنفصام لها)
{بالطّاغوت}: الطّاغوت: الأصنام، والطواغيت من الجن والإنس شياطينهم. {العروة الوثقى} شبّه بالعرى التي يتمسك بها). [مجاز القرآن: 1/79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميعٌ عليمٌ}
قال: {قد تّبيّن الرّشد من الغيّ} وإن شئت {الرّشد من الغيّ} مضمومة ومفتوحة). [معاني القرآن: 1/149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الطاغوت}: الأصنام والطواغيت من الجن والإنس شياطينهم
{العروة الوثقى}: شبهت بالعروة التي يتمسك بها). [غريب القرآن وتفسيره: 96-97]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): {لا انفصام لها} أي: لا انكسار. يقال: فصمت القدح، إذا كسرته وقصمته). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميع عليم}
(إكراه) نصب بغير تنوين، ويجوز الرفع " لا إكراه " ولا يقرا به إلا أن تثبت رواية صحيحة وقالوا في (لا إكراه في الدّين) ثلاثة أقوال:
1- قال بعضهم إن هذه نسخها أمر الحرب في قوله جلّ وعزّ: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}
2- وقيل إن هذه الآية نزلت بسبب أهل الكتاب في أنّ لا يكرهوا بعد أن يؤدوا الجزية، فأما مشركو العرب فلا يقبل منهم جزية وليس في أمرهم إلا القتل أو الإسلام.

3- وقيل معنى {لا إكراه في الدّين} أي: لا تقولوا فيه لمن دخل بعد حرب أنه دخل مكرها، لأنه إذا رضي بعد الحرب وصح إسلامه فليس بمكره.
ومعنى {فمن يكفر بالطّاغوت}: قيل الطاغوت مردة أهل الكتاب، وقيل إن الطاغوت الشيطان، وجملته أن من يكفر به، وصدق باللّه وما أمر به فقد استمسك بالعروة الوثقى، أي: فقد عقد لنفسه عقدا وثيقا لا تحله حجة.
وقوله عزّ وجلّ: {لا انفصام لها}: لا انقطاع لها.
يقال فصمت الشيء أفصمه فصما أي قطعته.
ومعنى {واللّه سميع عليم} أي: يسمع ما يعقد على نفسه الإنسان من أمر الإيمان، ويعلم نيته في ذلك). [معاني القرآن: 1/338-339]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا إكراه في الدين}
حدثنا أحمد بن محمد بن سلمة يعنى الطحاوي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {لا إكراه في الدين} قال: كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش ولد لتهودنه فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصا،ر فقالت: الأنصار يا رسول الله أبناؤنا، فأنزل الله: {لا إكراه في الدين}.
قال سعيد ابن جبير: فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل الإسلام.
قال أبو جعفر: أي وأقام.
وقال الشعبي: هي في أهل الكتاب خاصة لا يكرهون إذا أدوا الجزية.
وقال سليمان بن موسى: نسخها جاهد الكفار والمنافقين وتأولها عمر على أنه لا يكره المملوك على الإسلام.
وقيل لا يقال لمن أسلم من أهل الحرب أسلمت مكرها لأنه إذا ثبت على الإسلام فليس بمكره). [معاني القرآن: 1/266-268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فمن يكفر بالطاغوت}
روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: الطاغوت الشيطان والجبت السحر.
وقال الشعبي وعكرمة والضحاك: الطاغوت الشيطان.
وقال الحسن: الطاغوت الشياطين.
وحدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا محمد بن مالك عن يزيد عن يزيد عن محمد بن سلمة عن خصيف قال: الجبت الكاهن والطاغوت الشيطان.
وقال الشعبي وعكرمة والضحاك: الطاغوت الشيطان.
وقال مجاهد في قوله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت}هو كعب بن الأشرف.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة وأصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي عن معناه من غير اشتقاق كما قيل اللآل من اللؤلؤ.
قال سيبويه وأما الطاغوت فهو اسم واحد مؤنث يقع على الجمع
فعلى قول سيبويه: إذا جمع فعله ذهب به إلى الشياطين وإذا وحده ذهب به إلى الشيطان.
قال أبو جعفر: ومن حسن ما قيل في الطاغوت أنه من طغى على الله وأصله طغووت مثل جبروت من طغى إذا تجاوز حده ثم تقلب اللام فتجعل عينا وتقلب العين فتجعل لاما كجبذ وجذب ثم تقلب الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فتقول طاغوت.
والمعنى: فمن يجد ربوبية كل معبود من دون الله ويصدق بالله.
وأصل الجبت في اللغة: الذي لا خير فيه.
وقال قطرب: أصله الجبس وهو الثقيل الذي لا خير فيه.
وقال أبو عبيدة: الجبت والطاغوت كل ما عبد من دون الله.
قال أبو جعفر: وهذا غير خارج مما قلنا وخالف محمد بن يزيد سيبويه في قوله هو اسم واحد فقال الصواب عندي أنه جماعة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {فقد استمسك بالعروة الوثقى} أي: الإيمان.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس بالعروة الوثقى لا إله إلا الله.
ثم قال تعالى: {لا انفصام لها}
قال مجاهد: أي لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أي لا يزيل عنهم اسم الإيمان حتى يكفروا
يقال فصمت الشيء أي قطعته). [معاني القرآن: 1/268-272]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا انفصام لها} أي: لا انكسار لها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الطَّاغُـــوتِ}: الشيطـــان). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أولياؤهم الطّاغوت} في موضع جميعٍ لقوله: {يخرجونهم}، والعرب تفعل هذا، قال:
في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
وقال العباس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم... فقد برئت من الإحن الصّدور). [مجاز القرآن: 1/79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم مّن الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم مّن النّور إلى الظّلمات أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
[قال] {والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت} جماعة في المعنى وهو في اللفظ واحد وقد جمع فقالوا "الطواغيت". وأما قوله:
{يخرجهم مّن الظّلمات إلى النّور} فيقول: "يحكم بأنّهم كذاك" كما تقول: "قد أخرجك الله من ذا الأمر" ولم تكن فيه قط.
وتقول: "أخرجني فلان من الكتبة" ولم تكن فيها قط. أي: لم يجعلني من أهلها ولا فيها).
[معاني القرآن: 1/149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
يقال قد توليت فلانا، ووليت فلانا ولاية، والولاية بالكسر اسم لكل ما يتولى، ومعنى ولى على ضروب، فاللّه - ولي المؤمنين في حجاجهم وهدايتهم، وإقامة البرهان لهم لأنه يزيدهم بإيمانهم هداية، كما قال عزّ وجلّ: {والّذين اهتدوا زادهم هدى}.
ووليهم أيضا في نصرهم وإظهار دينهم على دين مخالفيهم،
ووليهم أيضا بتولي قولهم ومجازاتهم بحسن أعمالهم.

وقوله عزّ وجلّ: {يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} أي: يخرجهم من ظلمات الجهالة إلى نور الهدى لأن أمر الضلالة مظلم غير بين، وأمر الهدى واضح كبيان النور.
وقد قال قوم {يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} يحكم لهم بأنهم خارجون من الظلمات إلى النور، وهذا ليس قول أهل التفسير، ولا قول أكثر أهل اللغة.
إنما قاله الأخفش وحده.
والدليل على أنه يزيدهم هدى ما ذكرناه من الآية.
وقوله عزّ وجلّ: {فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانا}.
ومعنى {والّذين كفروا أولياؤهم الطاغوت}أي: الذين يتولون أمرهم هم الطاغوت.
وقد فسرنا الطاغوت.
و {الطاغوت} ههنا واحد في معنى جماعة، وهذا جائز في اللغة إذا كان في الكلام دليل على الجماعة.
قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأمّا عظامها... فبيض وأمّا جلدها فصليب
جلدها في معنى جلودها). [معاني القرآن: 1/339-340]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}
قال الضحاك: الظلمات الكفر والنور الإيمان ومثل الكفر بالظلمات والإيمان بالنور.
قرئ على أحمد بن شعيب عن محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر قال سمعت منصورا يحدث رجل عن عبدة بن أبي لبابة في هذه الآية {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} إلى قوله: {هم فيها خالدون} قال: هم أناس كانوا آمنوا بعيسى فلما جاء محمد كفروا به قال وكان ناس قد كفروا بعيسى فلما جاء محمد آمنوا به فنزلت هذه الآية فيهم.
قال أبو عبد الرحمن رواه جرير عن منصور عن مجاهد.
فإن قيل: ما معنى {يخرجونهم من النور إلى الظلمات} ولم يكونوا في نور قط؟
فالجواب: أنه يقال رأيت فلانا خارج الدار وإن لم يكن خرج منها وأخرجته من الدار جعلته في خارجها وكذا أخرجه من النور جعله خارجا منه وإن لم يكن كان فيه
وقيل هذا تمثيل لما صرفوا عنه كانوا بمنزلة من أخرج منه كما يقال لم أخرجتني من ملتك.
وقيل لما ولدوا على الفطرة وهي أخذ الميثاق وما فطروا عليه من معرفة الله جل وعز: {ثم كفروا} كانوا قد أخرجوا من النور.
قال الأخفش: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} يحكم بأنهم كذلك تقول قد أخرجكم الله من هذا الأمر ولم تكونوا فيه قط
قال أبو إسحاق: ليس هذا بشيء إنما هو يزيدهم بإيمانهم هدى وهو وليهم في حجاجهم وهدايتهم وفي نصرهم على عدوهم ويتولى ثوابهم). [معاني القرآن: 1/273-275]


رد مع اقتباس
  #27  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 258 إلى 262]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم...}
وإدخال العرب (إلى) في هذا الموضع على جهة التعجّب؛ كما تقول للرجل: أما ترى إلى هذا! والمعنى - والله أعلم -: هل رأيت مثل هذا أو رأيت هكذا! والدليل على ذلك أنه قال: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} فكأنه قال: هل رأيت كمثل الذي حاجّ إبراهيم في ربه {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} وهذا في جهته بمنزلة ما أخبرتك به في مالك وما منعك.
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون للّه} ثم قال تبارك وتعالى: {قل من ربّ السموات السّبع وربّ العرش العظيم. سيقولون لله} فجعل اللام جوابا وليست في أوّل الكلام. وذلك أنك إذا قلت: من صاحب هذه الدار؟ فقال لك القائل: هي لزيد، فقد أجابك بما تريد. فقوله: زيدٌ ولزيدٍ سواء في المعنى. فقال: أنشدني بعض بني عامر:

فأعلم أنني سأكون رمساً * إذا سار النواجع لا يسير
فقال السائرون لمن حفرتم * فقال المخبرون لهم: وزير
ومثله في الكلام أن يقول لك الرجل: كيف أصبحت؟ فتقول أنت: صالح، بالرفع، ولو أجبته على نفس كلمته لقلت: صالحا. فكفاك إخبارك عن حالك من أن تلزم كلمته.
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن
رسول الله} وإذا نصبت أردت: ولكن كان رسول الله، وإذا رفعت أخبرت، فكفاك الخبر مما قبله. وقوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} رفع وهو أوجه من النصب، لأنه لو نصب لكان على: ولكن أحسبهم أحياء؛ فطرح الشكّ من هذا الموضع أجود.
ولو كان نصبا كان صوابا كما تقول: لا تظننه كاذبا، بل اظننه صادقا.
وقال الله تبارك وتعالى: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوّي بنانه} إن شئت جعلت نصب قادرين من هذا التأويل، كأنه في مثله من الكلام قول القائل: أتحسب أن لن أزورك؟ بل سريعا إن شاء الله، كأنه قال: بلى فاحسبني زائرك. وإن كان الفعل قد وقع على (أن لن نجمع) فإنه في التأويل واقع على الأسماء. وأنشدني بعض بني فقعس:

أجدّك لن ترى بثعيلبات * ولا بيدان ناجيةً ذمولا
ولا متداركٍ والشمس طفلٌ * ببعض نواشغ الوادي حمولا
فقال: ولا متداركٍ، فدلّ ذلك على أنه أراد ما أنت براءٍ بثعيلبات كذا ولا بمتداركٍ.
وقد يقول بعض النحويّين: إنا نصبنا (قادرين) على أنها صرفت عن نقدر، وليس ذلك بشيء، ولكنه قد يكون فيه وجه آخر سوى ما فسّرت لك: يكون خارجا من (نجمع) كأنه في الكلام قول القائل: أتحسب أن لن أضربك؟ بلى قادرا على قتلك، كأنه قال: بلى أضربك قادراً على أكثر من ضربك).
[معاني القرآن: 1/170-171]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فبهت}: انقطع وذهبت حجته، و"بهت" أكثر الكلام، و"بهت" إن شئت). [مجاز القرآن: 1/79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
قال: {فبهت الّذي كفر} أي: بهته إبراهيم و{بهت} أجود وأكثر). [معاني القرآن: 1/149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فبهت الذي كفر}: انقطع وذهبت حجته. والباهت: الناظر الذي لا يحير شيئا). [غريب القرآن وتفسيره: 97]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك} أي حاجّة لأن آتاه اللّه الملك، فأعجب بنفسه وملكه فقال: {أنا أحيي وأميت} أي: أعفو عمن استحق القتل فأحييه، و«أميت»: أقتل من أريد قتله فيموت.
{فبهت الّذي كفر} أي: انقطعت حجته). [تفسير غريب القرآن:93-94]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
هذه كلمة يوقف بها المخاطب على أمر يعجب منه، ولفظها لفظ استفهام، تقول في الكلام: ألم تر إلى فلان صنع كذا وصنع كذا.
وهذا مما أعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة على أهل الكتاب ومشركي العرب لأنه نبأ لا يجوز أن يعلمه إلا من وقف عليه بقراءة كتاب أو تعليم معلم، أو بوحي من اللّه عزّ وجلّ.
فقد علمت العرب الذين نشأ بينهم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمّيّ، وأنه لم يعلم التوراة والإنجيل وأخبار من مضى من الأنبياء، فلم يبق وجه تعلم منه هذه الأحاديث إلا الوحي.
وقوله عزّ وجلّ: {أن آتاه اللّه الملك} أي: آتى الكافر الملك، وهذا هو الذي عليه أهل التفسير وعليه يصح المعنى، وقال قوم إن الذي آتاه - الله الملك إبراهيم عليه السلام وقالوا: اللّه عزّ وجلّ لا يملك الكفار وإنما قالوا هذا لذكره عزّ وجلّ: {آتاه الملك} واللّه قال: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء} فتأويل إيتاء اللّه الكافر الملك ضرب من امتحانه الذي يمتحن الله به خلقه، وهو أعلم بوجه الحكمة فيه.
والدليل على أن الكافر هو الذي كان ملّك إنّه قال: {أنا أحيي وأميت} وأنه دعا برجلين فقتل أحدهما وأطلق الآخر، فلولا أنه كان ملكا وإبراهيم عليه السلام غير ملك لم يتهيأ له أن يقتل وإبراهيم الملك، وهو النبي عليه السلام.
وأمّا معنى احتجاجه على إبراهيم بأنه يحيى ويميت، وترك إبراهيم مناقضته في الإحياء والإماتة، فمن أبلغ ما يقطع به الخصوم ترك الإطالة والاحتجاج بالحجة المسكتة لأن إبراهيم لما قال له: {فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب} كان جوابه على حسب ما أجاب في المسألة الأولى أن يقول: فأنا أفعل ذلك فتبيّن عجزه وكان في هذا إسكات الكافر فقال اللّه عز وجل: {فبهت الّذي كفر} وتأويله انقطع وسكت متحيّرا، يقال: بهت الرجل يبهت بهتا إذا انقطع وتحير، ويقال بهذا المعنى " بهت الرجل يبهت "، ويقال بهت الرجل أبهته بهتانا إذا قابلته بكذب). [معاني القرآن: 1/340-341]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قوله جل وعز: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}
وهذه ألف التوقيف وفي الكلام معنى التعجب أي اعجبوا له.
قال ابن عباس ومجاهد: هو نمروذ بن كنعان.
قال سفيان: فدعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر.
قال سفيان: فبهت الذي كفر فسكت فلم يجبه بشيء.
وقرئ {فبهت الذي كفر} أي: فبهت إبراهيم الذي كفر). [معاني القرآن: 1/275-276]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{فبهت الذي كفر} أي: تحير). [ياقوتة الصراط: 181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فبهت الذي كفر} أي: انقطعت حجته.
(العروش) السقوف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَبُهِتَ}: انقطع في حجته). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {كم لبثت} وقد جرى الكلام بالإدغام للثاء؛ لقيت التاء وهي مجزومة.
وفي قراءة عبد الله (اتّختّم العجل) (وإني عتّ بربي وربكم) فأدغمت الذال أيضا عند التاء، وذلك أنهما متناسبتان في قرب المخرج، والثاء والذال مخرجهما ثقيل، فأنزل الإدغام بهما لثقلهما؛ ألا ترى أن مخرجهما من طرف اللسان.
وكذلك الظاء تشاركهن في الثقل. فما أتاك من هذه الثلاثة الأحرف فأدغم. وليس تركك الإدغام بخطأ، إنما هو استثقال.
والطاء والدال يدغمان عند التاء أيضا إذا أسكنتا؛ كقوله: {أحطت بما لم تحط به} تخرج الطاء في اللفظ تاء، وهو أقرب إلى التاء من الأحرف الأول، تجد ذلك إذا امتجنت مخرجيهما).
[معاني القرآن: 1/172]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {لم يتسنّه} جاء التفسير: لم يتغير [بمرور السنين عليه، مأخوذ من السنة]، وتكون الهاء من أصله [من قولك: بعته مسانهة، تثبت وصلا ووقفا. ومن وصله بغير هاء جعله من المساناة؛ لأن لام سنة تعتقب عليها الهاء والواو]، وتكون زائدةً صلةً بمنزلة قوله: {فبهداهم اقتده} فمن جعل الهاء زائدة جعل فعّلت منه تسنيت؛ ألا ترى أنك تجمع السنة سنوات فيكون تفعّلت على صحة، ومن قال في [تصغير] السنة سنينة وإن كان ذلك قليلا جاز أن يكون تسنيت تفعّلت أبدلت النون بالياء لمّا كثرت النونات، كما قالوا تظنّيت وأصله الظن.
وقد قالوا هو مأخوذ من قوله: {من حمإٍ مسنون} يريد: متغيّر. فإن يكن كذلك فهو أيضا مما أبدلت نونه ياء.
ونرى أن معناه مأخوذ من السنة؛ أي لم تغيّره السنون. والله أعلم.
حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفراء، قال حدثني سفيان بن عيينة رفعه إلى زيد
ابن ثابت قال: كتب في حجر ننشزها ولم يتسن وانظر إلى زيد بن ثابت فنقط على الشين والزاي أربعا وكتب {يتسنه} بالهاء.
وإن شئت قرأتها في الوصل على وجهين:
1-تثبت الهاء وتجزمها،
2- وإن شئت حذفتها؛ أنشدني بعضهم:

فليست بسنهاء ولا رجّبيّة * ولكن عرايا في السنين الجوائح
والرجّبيّة: التي تكاد تسقط فيعمد حولها بالحجارة. والسنهاء: النخلة القديمة. فهذه قوّة لمن أظهر الهاء إذا وصل). [معاني القرآن: 1/172-173]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولنجعلك آيةً للنّاس} إنما أدخلت فيه الواو لنيّة فعل بعدها مضمر؛ كأنه قال: ولنجعلك آية فعلنا ذلك. وهو كثير في القرآن.
وقوله: {آيةً للنّاس} حين بعث أسود اللحية والرأس وبنو بنيه شيب، فكان آية لذلك).
[معاني القرآن: 1/173]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ننشزها} قرأها زيد بن ثابت كذلك، والإنشاز نقلها إلى موضعها.
وقرأها ابن عباس "ننشرها". إنشارها: إحياؤها. واحتجّ بقوله: {ثم إذا شاء أنشره}.
وقرأ الحسن - فيما بلغنا - {ننشرها} ذهب إلى النشر والطيّ.
والوجه أن تقول: أنشر الله الموتى فنشروا إذا حيوا، كما قال الأعشى:

* يا عجبا للميت الناشر *
وسمعت بعض بني الحارث يقول: كان به جرب فنشر، أي: عاد وحيي. وقوله: "فلما تبين له قال أعلم أنّ الله على كل شيء قدير" جزمها ابن عبّاس، وهي في قراءة أبيّ وعبد الله جميعا: "قيل له اعلم" واحتجّ ابن عباس فقال: أهو خير من إبراهيم وأفقه؟ فقد قيل له: {واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}.
والعامّة تقرأ: "أعلم أن الله" وهو وجه حسن؛ لأن المعنى كقول الرجل عند القدرة تتبين له من أمر الله: (أشهد أن لا إله إلا الله) والوجه الآخر أيضا بيّن).
[معاني القرآن: 1/173-174]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خاويةٌ}: لا أنيس بها، {على عروشها} على بيوتها وأبنيتها.
{لم يتسنّه}: لم تأت عليه السنون فيتغير، وهذا في قول من قال للسنة: (سنية) مصغرة، وليست من الأسن المتغير، ولو كانت منها لكانت ولم يتأسن.
{ننشرها}: نجييها ومن قال: (ننشزها) قال: ننشز بعضها إلى بعض) ). [مجاز القرآن: 1/80]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يومٍ قال بل لّبثت مائة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحماً فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
قال: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} الكاف زائدة والمعنى - والله أعلم - {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} والكاف زائدة.
وفي كتاب الله {ليس كمثله شيءٌ} يقول: "ليس كهو" لأنّ الله ليس له مثل.

وقال: {لم يتسنّه} فتثبت الهاء للسكوت وإذا وصلت حذفتها مثل (إخشه).
وأثبتها بعضهم في الوصل فقال: {لم يتسنّه وانظر} فجعل الهاء من الأصل وذلك في المعنى: لم تمرر عليه السنون "فـ" السّنة" منهم من يجعلها من الواو فيقول: "سنيّةٌ" ومنهم من يجعلها من الهاء فيقول: "سنيهةٌ" يجعل الذي ذهب منها هاء كأنه أبدلها من الواو كما قالوا: "أسنتوا": إذا أصابتهم السنون. أبدل التاء من الهاء ويقولون: "بعته مساناةً" و"مسانهةً". ويكون: {لم يتسنّه} أن تكون هذه الهاء للسكوت.
ويحمل قول الذين وصلوا بالهاء على الوقف الخفي وبالهاء نقرأ في الوصل.

وقال: {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها} من "نشرت" التي هي "ضدّ "طويت"
وقال بعضهم {ننشزها} لأنه قد تجتمع "فعلت" و"أفعلت" كثيراً في معنى واحد تقول: "صددت" و"أصددت" وقد قال: {ثمّ إذا شاء أنشره} وقال بعضهم {ننشرها} أي: نرفعها. تقول: "نشز هذا" و"أنشزته".

وقال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} إذا عنى نفسه.
وقال بعضهم {قال اعلم} جزم على الأمر كما يقول: "اعلم أنّه قد كان كذا وكذا" كأنه يقول ذاك لغيره وإنما ينبه نفسه والجزم أجود في المعنى إلا أنه أقل في القراءة والرفع قراءة العامة وبه نقرأ).
[معاني القرآن: 1/150-151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({خاوية على عروشها}: الخاوية التي لا أنيس بها والعروش البيوت والأبنية.
{لم يتسنه}: لم تأت عليه السنون فتغيره.
{كيف ننشزها}: من قرأها بالزاي، فهي " نرفع" بعضها إلى بعض. ومن قرأها بالراء فهو نحييها يقال أنشر الله الموتى فنشروا). [غريب القرآن وتفسيره:97-98]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أو كالّذي مرّ على قريةٍ} أي: هل رأيت [أحدا كالذي حاج إبراهيم في ربه]، أو كالذي مر على قرية ؟! على طريق التعجب {وهي خاويةٌ} أي خراب.
و{عروشها} سقوفها. وأصل ذلك أن تسقط السقوف ثم تسقط الحيطان عليها.
{ثمّ بعثه اللّه}، أي: أحياه.
{لم يتسنّه}: لم يتغير بممر السنين عليه. واللفظ مأخوذ من السّنة.
يقال: سانهت النّخلة، إذا حملت عاما، وحالت عاما. قال الشاعر:
وليست بسنهاء ولا رجيبة، ولكن عرايا في السنين الجوائح
وكأن «سنة» من المنقوص: وأصلها: «ستهة».
فمن ذهب إلى هذا قرأها - في الوصل والوقف - بالهاء: «يتسنّه».

قال أبو عمرو الشّيباني: «لم يتسنّه»: لم يتغير، من قوله: من حمإٍ مسنونٍ، فأبدلوا النون من «يتسنّن» هاء.
كما قالوا: تظنّيت وقصّيت أظفاري، وخرجنا نتلعّى. أي نأخذ اللّعاع. وهو: بقل ناعم.

{ولنجعلك آيةً للنّاس} أي: دليلا للناس، وعلما على قدرتنا.
وأضمر «فعلنا ذلك».
كيف ننشرها بالراء، أي: نحييها. يقال: أنظر اللّه لميت فنشر. وقال: {ثمّ إذا شاء أنشره} [عبس: 22].
ومن قرأ {ننشزها} بالزاي، أراد: نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه. ومنه يقال: نشز الشيء، ونشزت المرأة على زوجها.
وقرأ الحسن: «ننشرها». كأنه من النّشر عن الطّيّ. أو على أنه يجوز «أنشر اللّه الميت ونشره»: إذا أحياه. ولم أسمع به [في «فعل» و«أفعل»]). [تفسير غريب القرآن:94-96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أو كالّذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحما فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
هذا الكلام معطوف على معنى الكلام الأول، والمعنى - واللّه أعلم - أرأيت كالذي مرّ على قرية، والقرية في اللغة: سميت قرية لاجتماع الناس فيها، يقال قريت الماء في الحوض إذا جمعته.
وقوله عزّ وجلّ: {وهي خاوية على عروشها}.
معنى {خاوية}: خالية -
و {عروشها} - قال أبو عبيدة: هي الخيام وهي بيوت الأعراب، وقال غير أبي عبيدة: معنى {وهي خاوية على عروشها}: بقيت حيطانها لا سقوف لها.

ويقال خوت الدار والمدينة تخوي خواء - ممدود - إذا خلت من أهلها، ويقال فيها: " خويت " والكلام هو الأول - ويقال للمرأة إذا خلا جوفها بعد الولادة وللرجل إذا خلا جوفه من الطعام - قد خوي ويخوى خوى - مقصور - وقد يقال فيه خوى يخوي - والأول في هذا أجود.
وقوله عزّ وجلّ: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} معناه: من أين يحيي هذه اللّه بعد موتها.
وقيل في التفسير إنه كان مؤمنا وقد قيل إنه كان كافرا، ولا ينكر أن يكون مؤمنا أحبّ أن يزداد بصيرة في إيمانه فيقول: ليت شعري كيف تبعث الأموات كما قال إبراهيم عليه السلام: {ربّ أرني كيف تحي الموتى}.
وقوله عزّ وجلّ: {فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه}معناه: ثم أحياه لأنه لا يبعث ولا يتصرف إلا وهو حي.
وقوله عزّ وجلّ: {كم لبثت}.
يقرأ بتبيين الثاء، وبإدغام الثاء في التاء، وإنما أدغمت لقرب المخرجين.
ومعنى {قال لبثت يوما أو بعض يوم}: أنه كان أميت في صدر النهار ثم بعث بعد مائة سنة في آخر النهار، فظن أنّ مقدار لبثه ما بين أول النهار وآخره، فأعلمه اللّه أنه قد لبث مائة عام وأراه علامة ذلك ببلى عظام حماره، وأراه طعامه وشرابه غير متغير وأراه كيف ينشز العظام، وكيف تكتسى اللحم.
فقال: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه}.
يجوز بإثبات الهاء وبإسقاط الهاء في الكلام، ومعناه لم تغيره السنون، فمن قال في السنة سانهت فالهاء من أصل الكلمة، ومن قال في السّنة سانيت فالهاء زيدت لبيان الحركة، ووجه القراءة على كل حال إثباتها والوقوف عليها بغير وصل فمن جعله سانيت ووصلها إن شاء أو وقفها على من جعله من سانهت، فأما من قال: إنه من تغير من أسن الطعام يأسن فخطأ.
وقد قال بعض النحويين: إنه جائز أن يكون من (التغيير) من قولك من حمإ مسنون وكان الأصل عنده " لم يتسنن " ولكنه أبدل من النون ياء كما قال:
تقضي البازي إذا البازي كسر
يريد تقضض، وهذا ليس من ذاك لأن " مسنون " إنما هو مصبوب على سنة الطريق.
وقوله عزّ وجلّ: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها}.
يقرأ (ننشزها) بالزاي، وننشرها، وننشرها بالراء، فمن قرأ {ننشزها} كان معناه نجعلها بعد بلاها وهجودها ناشزه ينشز بعضها إلى بعض، أي يرتفع.
والنشز في اللغة: ما ارتفع عن الأرض، ومن قرأ (ننشرها)، و (ننشرها)، فهو من أنشر اللّه الموتى ونشرهم - وقد يقال نشرهم اللّه أي بعثهم، كما قال: (وإليه النّشور).
وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير} معناه: فلما تبين له كيف إحياء الموتى.
قال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير}، فإن كان كلما قيل أنه كان مؤمنا، فتأويل ذكره: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير} ليس لأنه لم يكن يعلم قبل ما شاهد ولكن تأويله: أني قد علمت ما كنت أعلمه غيبا - مشاهدة، ومن قرأ {اعلم أن اللّه على كل شي قدير} فتأويله إذا جزم أنه يقبل على نفسه فيقول: " اعلم أيها الإنسان أن اللّه على كل شيء قدير " - والرفع على الإخبار). [معاني القرآن: 1/342-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {أو كالذي مر على قرية خاوية على عروشها}
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال: يقال هو عزير والقرية بيت المقدس.
{فأماته الله مائة عام} فكان أول شيء حيي منه رأسه فجعل ينظر إلى كل ما يخلق منه وإلى حماره.
قال سعيد عن قتادة: وذكر لنا أنه عزير أتى على بيت المقدس بعد ما خربه بختنصر قال فقال أنى تعمر هذه بعد خربها
ثم قال تعالى: {فأماته الله مائة عام}
ذكر لنا أنه مات ضحى وبعث قبل غيبوبة الشمس بعد مائة عام فقال لبثت يوما أو بعض يوم
وقال كعب: هو عزير.
قال مجاهد: هو رجل من بني إسرائيل.
قال عبد الله بن عبيد بن عمير: هو أرميا وكان نبيا.
والخاوية الخالية
وقال الكسائي: يقال خوت خويا وخواء وخواية.
والعروش السقوف أي ساقطة على سقوفها
قال أبو عبيدة: ويقال خوت عروشها بيوتها والعروش الخيام وهي بيوت الأعراب.
قال الكسائي والفراء: الكاف في قوله: {أو كالذي} عطف على معنى الكلام أي هل رأيت كالذي حاج إبراهيم: {أو كالذي مر على قرية}
وقيل: هي زائدة كما قال ليس كمثله شيء). [معاني القرآن: 1/277-279]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لم يتسنه}
قال عكرمة وقتادة: لم يتغير.
وقال مجاهد: لم ينتن.
قال بعض أهل اللغة: لم يتسن من قولهم آسن الماء إذا أنتن.
وقال أبو عمر الشيباني: لم يتسنه لم يتغير.
من قوله تعالى: {من حمأ مسنون} ثم أبدل من إحدى النونين ياء كما قيل تقصيت وتظنيت وقصيت أظافري.
قال أبو جعفر: والقولان خطأ لو كان من قولهم أسن الماء إذا انتن لكان يتأسن.
قال أبو إسحاق: وليس مسنون لأن مسنونا مصبوب على سنة الأرض.
قال أبو جعفر: والصحيح أنه من السنة أي لم تغيره السنون). [معاني القرآن: 1/279-280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولنجعلك آية للناس}
قال سفيان عن الأعمش قال: رجع إلى بنيه شيوخا وهو شاب.
قال الكسائي: لا يكون الملام إلا بإضمار فعل.
والمعنى عنده: فعلنا هذا لنجعلك دليلا للناس وعلما على قدرتنا ومثله وحفظا). [معاني القرآن: 1/281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وانظر إلى العظام كيف ننشرها}أي: نحييها
و{ننشزها}
بالزاي معجمة، أي: نركب بعض
العظام على بعض ونرفع بعضها إلى بعض.
والنشز والنشز ما ارتفع عن الأرض.
ومن قرأ قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.
فقال قتادة: في قراءته أنه جعل ينظر كيف يوصل بعض عظامه إلى بعض لأن أول ما خلق منه رأسه وقيل له انظر فقال عن ذلك هذا
وروى طاووس عن ابن عباس {قال اعلم} على الأمر.
وإنما قيل له ذلك
قال هارون في قراءة عبد الله قيل اعلم على وجه الأمر.
وقد يجوز أن يكون خاطب نفسه بهذا). [معاني القرآن: 1/281-283]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لم يتسنه} لم يتغير.
{ننشرها} بالراء: نحييها، ومن قرأ بالزاي: فمعناه: كيف نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (العُرُوشِ): الأبنية.
{يَتَسَنَّهْ}: لم يتغير، لم يأت عليه السنون. {نُنشِرُهَا}: نخرجها من القبور.{نُنشِزُهَا}: نرفعها). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فصرهنّ إليك} ضمّ الصاد العامّة.
وكان أصحاب عبد الله يكسرون الصاد.
وهما لغتان:
فأمّا الضمّ فكثير،
وأما الكسر ففي هذيل وسليم. وأنشدني الكسائيّ عن بعض بني سليم:

وفرعٍ يصير الجيد وحفٍ كأنه * على الليت قنوان الكروم الدوالح
ويفسّر معناه: قطّعهن، ويقال: وجّههن.
ولم نجد قطّعهنّ معروفة من هذين الوجهين، ولكني أرى - والله أعلم - أنها إن كانت من ذلك أنها من صريت تصري، قدّمت ياؤها كما قالوا: عثت وعثيت، وقال الشاعر:

صرت نظرة لو صادفت جوز دارع * غدا والعواصي من دم الجوف تنعر
والعرب تقول: بات يصري في حوضه إذا استقى ثم قطع واستقى؛ فلعله من ذلك . وقال الشاعر:
يقولون إن الشأم يقتل أهله * فمن لي إن لم آته بخلود
تعرّب آبائي فهلاّ صراهم * من الموت أن لم يذهبوا وجدودي). [معاني القرآن: 1/174]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فصرهنّ إليك} : فمن جعل من صرت تصور، ضمّ، قال: (صرهنّ إليك) ضمّهن إليك، ثم اقطعهن.
{ثمّ أجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً} : فمن جعل من (صرت قطّعت وفرّقت) قال: خذ أربعة من الطير إليك فصرهن إليك، أي: قطعهن ثم ضع على كل جبل منهن جزءاً قالت خنساء:
لظلت الشّمّ منها وهي تنصار
الشّمّ: الجبال، تنصار: تقطع وتصدع وتفلق؛ وأنشد بعضهم بيت أبي ذؤيب:
فانصرن من فزعٍ وسدّ فروجه... غبرٌ ضوارٍ وافيان وأجدع
صرنا به الحكم: أي فصّلنا به الحكم. وقال المعلّي بن جمال العبديّ.
وجاءت خلعة دهسٌ صفايا... يصور عنوقها أحوى زنيم
ولون الدّهاس: لون الرمل كأنه تراب رملٍ أدهس.
خلعة:
خيار شائه؛ صفايا: غزارٌ، ويقال للنخلة: صفيّة أي كثيرة الحمل).
[مجاز القرآن: 1/80-81]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن لّيطمئنّ قلبي قال فخذ أربعةً مّن الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ مّنهنّ جزءًا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعياً واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}
أما قوله: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى} فلم يكن ذلك شكا منه ولم يرد به رؤية القلب وإنما أراد به رؤية العين.
وقوله الله عز وجل له {أولم تؤمن} يقول: "ألست قد صدقت" أي: أنت كذاك. قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا = وأندى العالمين بطون راح
وقوله: {لّيطمئنّ قلبي} أي: قلبي ينازعني إلى النظر فإذا نظرت اطمأن قلبي.
قال: {فخذ أربعةً مّن الطّير فصرهنّ إليك} أي: قطّعهنّ وتقول منها: "صار" "يصور".
وقال بعضهم {فصرهنّ} فجعلها من "صار" "يصير" وقال: {إليك} لأنه يريد: "خذ أربعةً إليك فصرهنّ").
[معاني القرآن: 1/151-152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فصرهن إليك}: ضمهن إليك وأملهن، والأصور المائل العنق،
وقال بعضهم: قطعهن. وقد قرئت بكسر الصاد والمعنى واحد).
[غريب القرآن وتفسيره: 98]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} بالنظر. كأن قلبه كان معلقا بأن يرى ذلك. فإذا رآه اطمأن وسكن، وذهبت عنه محبة الرؤية.
{فصرهنّ إليك} أي: فضمّهن إليك.
يقال: صرت الشيء فانصار، أي: أملته فمال.
وفيه لغة أخرى: «صرته» بكسر الصاد.

{ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً} أي: ربعا من كل طائر.
فأضمر «فقطعهن»، واكتفى بقوله: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ} عن قوله: فقطعهن. لأنه يدل عليه. وهذا كما تقول: خذ هذا الثوب، واجعل على كل رمح عندك منه علما.
{ثمّ ادعهنّ يأتينك سعياً} يقال: عدوا. ويقال: مشيا على أرجلهن ولا يقال للطائر إذا طار: سعى). [تفسير غريب القرآن:96-97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعة من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}
{وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعة من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}
موضع " إذ " نصب، المعنى اذكر هذه القصة - وقوله (ربّ أرني).
أصله أرإني، ولكن المجمع عليه في كلام العرب والقراءة طرح الهمزة، ويجوز (أرني). وقد فسرنا إلقاء هذه الكسرة فيما سلف من الكتاب.
وموضع {كيف} نصب بقوله: {تحي الموتى} أي: بأي حال تحي الموتى وإبراهيم عليه السلام لم يكن شاكا ولكنه لم يكن شاهد إحياء ميّت، ولا يعلم كيف تجتمع العظام المتفرقة البالية، المستحيلة، من أمكنة متباينة فأحب علم ذلك مشاهدة.
ويروى في التفسير: أنه كان مرّ بجيفة على شاطئ البحر والحيتان تخرج من البحر فتنتف من لحم الجيفة، والطير تحط عليها وتنسر منها، ودوابّ الأرض تأكل منها، ففكر كيف يجتمع ما تفرق من تلك الجيفة فحلّ في حيتان البحر وطير السماء ودواب الأرض ثم يعود ذلك حيا، فسأل اللّه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحي الموتى، وأمره اللّه أن يأخذ أربعة من الطير، وهو قوله عز وجل: {فصرهنّ إليك} وتقرأ فصرهنّ إليك - بالضم والكسر -.
قال أهل اللغة: معنى صرهنّ: أملهن إليك، وأجمعهن إليك، قال ذلك أكثرهم،
وقال بعضهم: صرهن إليك اقطعهن، فأما نظير صرهن أملهن وأجمعهن فقول الشاعر:

وجاءت خلعة دهس صفايا... يصور عنوقها أحوى زنيم
المعنى: أن هذه الغنم يعطف عنوقها هذا الكبش الأحوى.
ومن قال صرت: قطعت، فالمعنى فخذ أربعة من الطير فصرهن أي قطعهنّ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
المعنى: اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا.
ففعل ذلك إبراهيم عليه السلام ثم دعاهن فنظر إلى الريش يسعى بعضه إلى بعض، وكذلك العظام واللحم.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}.
{عزيز} أي: لا يمتنع عليه ما يريد - {حكيم} فيما يدبر، لا يفعل إلا ما فيه الحكمة.
فشاهد إبراهيم عليه السلام ما كان يعلمه غيبا رأي عين، وعلم كيف يفعل اللّه ذلك، فلما قص اللّه ما فيه البرهان والدلالة على أمر توحيده.
وما آتاه الرسل من البيّنات حثّ على الجهاد، وأعلن أن من عانده بعد هذه البراهين فقد ركب من الضلال أمرا عظيما وأن من جاهد من كفر بعد هذا البرهان فله - في جهاده ونفقته فيه - الثواب العظيم، وأن الله عزّ وجلّ وعد في الجنّة عشر أمثالها من الجهاد.
ووعد في الجهاد أن يضاعف الواحد بسبع مائة مرة لما في إقامة الحق من التوحيد، وما في الكفر من عظم الفساد فقال:
{مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع عليم}. [معاني القرآن: 1/344-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}
فيه قولان:
أحدهما: إن المعنى ليطمأن قلبي للمشاهدة كأن نفسه طالبته برؤية ذلك فإذا رآه اطمان والإنسان قد يعلم الشيء من جهة ثم يطلب أن يعلمه من غيرها، وهذا القول مذهب الجلة من العلماء وهو مذهب ابن عباس والحسن
قال الحسن: ولا يكون الخبر عند ابن آدم كالعيان.
والقول الآخر: أن المعنى ولكن ليطمئن قلبي بأني إذا سألتك أجبتني، كما روى عن سفيان عن قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال: أولم تؤمن بالخلة قال توقن بالخلة.
وروى أبو الهيثم عن سعيد بن جبير ولكن ليطمئن قلبي ليزداد). [معاني القرآن: 1/283-284]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {قال فخذ أربعة من الطير}
حدثنا عبد الباقي بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز الأموي قال حدثنا أبي قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن هبيرة السبيني عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس في قول الله جل وعز: {فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك} قال: هو الحمام والطاووس والكركي والديك.
وروى الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: أخذ الديك والطاووس والغراب والحمامة.
قال مجاهد: فصرهن انتفهن بريشهن ولحومهن.
قال أبو عبيدة: صرت قطعت وصرت جمعت.
وحكى أبو عبيدة صرت عنقه أصورها وصرتها أصيرها أملتها وقد صور
يقرأ بالضم والكسر وأكثر القراء على الضم
قال الكسائي من ضمها: جعلها من صرت الشيء أملته وضممته إلي قال وصر وجهك إلي أي أقبل به .
والمعنى على هذه القراءة: فضمهن إليك وقطعهن ثم حذف وقطعهن لأنه قد دل عليه ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
ومن قرأ (فصرهن) بالكسر ففيه قولان:
أحدهما: أنه بمعنى الأول.
والآخر: أن أبا مالك والضحاك قالا فقطعهن.
قال أبو حاتم: هو من صار إذا قطع قال ويكون حينئذ على التقديم والتأخير كأنه قال فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن.
قال غيره: ومنه قيل للقطيع من بقر الوحش صوار وصوار، أي: انقطعت فانفردت ولذلك قيل لقطع المسك أصورة كما قال: إذا تقوم يضوغ المسك أصورة
قال أبو جعفر: وأولى ما قيل في معنى فصرهن وصرهن إنهما بمعنى القطع على التقديم والتأخير أي فخذ إليك أربعة من الطير فصرهن.
ولم يوجد التفريق صحيحا عن أحد من المتقدمين
{ثم ادعهن }
قال ابن عباس: تعالين بإذن الله فطار لحم ذا إلى لحم ذا سعيا أي عدوا على أرجأهن ولا يقال للطائر إذا طار سعى.
{واعلم أن الله عزيز} أي: لا يمتنع عليه ما يريد.
{حكيم} فيما يدبر.
فلما قص ما فيه البراهين حث على الجهاد وأعلم أن من جاهد بعد هذا البرهان الذي لا يأتي به إلا نبي فله في جهاده الثواب العظيم، فقال تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} إلى قوله: {واسع عليم}أي: جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم أين يضعه). [معاني القرآن: 1/285-289]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فصرهن إليك} أي: ضمهن وأملهن، والكسر لغة.
{يأتينك سعيا} أي: عدوا على أرجلهن، ولا يقال للطائر سعى، إذا طار). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَصُرْهُنَّ}: ضمهن). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع عليم} أي: جواد لا ينقصه ما يتفضّل به من السعة، عليم حيث يضعه). [معاني القرآن: 1/346-347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ({مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} إلى قوله: {واسع عليم} أي: جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم أين يضعه). [معاني القرآن: 1/289]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}


رد مع اقتباس
  #28  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:29 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 263 إلى 271]

{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}

تفسير قوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {صفوانٌ} الصفوان: جماع، ويقال للواحدة: (صفوانة) في معنى الصّفاة،
والصّفا: للجميع، وهي الحجارة الملس.

{صلداً} والصّلد: التي لا تنبت شيئاً أبداً من الأرضين، والرؤوس، وقال رؤبة:
برّاق أصلاد الجبين الأجله
وهو الأجلح). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلداً لاّ يقدرون على شيءٍ مّمّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
قال: {كمثل صفوان} والواحدة "صفوانةٌ".
ومنهم من يجعل "الصّفوان" واحدا فيجعله: الحجر.
ومن جعله جميعا جعله: الحجارة مثل: "التمرة" و"التمر".
وقد قالوا "الكذّان": الكذّانة" وهو شبه الحجر من الطين).
[معاني القرآن: 1/152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({صفوان}: جماع واحده صفوانه وهي الصخرة الملساء التي لا يثبت عليها شيء.
ويقال إنه واحد وجمعه صفوان يكسر الصاد.

{صلدا}: والصلدة التي لا تنبت شيئا). [غريب القرآن وتفسيره:98-99]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (و({صّفوان}: الحجر. و(الوابل): أشدّ المطر.
و{الصّلد}: الأملس).
[تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
فالمن: أن تمنّ بما أعطيت وتعتدّ به كأنك إنما تقصد به الاعتداد والأذى أن توبخ المعطي.
فأعلم الله عزّ وجلّ أن المن والأذى يبطلان الصدقة كما تبطل نفقة المنافق الذي إنما يعطي وهو لا يريد بذلك العطاء ما عند اللّه، إنما يعطي ليوهم أنه مؤمن، وقال عزّ وجلّ: {فمثله كمثل صفوان} والصفوان: الحجر الأملس وكذلك الصفا.
وقوله عزّ وجلّ: {عليه تراب فأصابه وابلا}والوابل: المطر العظيم القطر - فإذا أصاب هذا المطر الحجر الذي عليه تراب لم يبق عليه من التراب شيء، وكذلك تبطل نفقة المنافق ونفقة المنّان والمؤذي.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه لا يهدي القوم الكافرين} أي: لا يجعلهم بكفرهم مهتدين، وقيل لا يجعل جزاءهم على الكفر أن يهديهم). [معاني القرآن: 1/347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}أي: لا تمتنوا بما أعطيتم وتعتدوا به وكأنكم تقصدون ذلك.
والأذى: أن يوبخ المعطى.
فاعلم أن هذين يبطلان الصدقة كما تبطل صدقة المنافق الذي يعطي رياء ليوهم أنه مؤمن). [معاني القرآن: 1/289-290]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فمثله}أي: فمثل نفقته {كمثل صفوان} وهو: الحجر الأملس والوابل المطر العظيم القطر.
{فتركه صلدا}
قال قتادة: ليس عليه شيء.
والمعنى: لم يقدروا على كسبهم وقت حاجتهم ومحق فأذهب كما أذهب المطر التراب على الصفا ولم يوافق في الصفا مثبتا).[معاني القرآن: 1/290-290]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {صفوان}: جبل أملس). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): {وابل}: مطر شديد). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والصلد: الأقرع الذي لا نبات فيه). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((والصفوان) جمع صفوانة: وهي الصخرة الملساء التي لا تنبت شيئا.
(والوابل الخفيف مطر.
(والطل) الخفيف.
(والصلد) الأملس).
[تفسير المشكل من غريب القرآن:43-44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({صَفْوَانٍ}: حجر.
{صَلْداً}: لا ينبت شيئاً.
{الوَابِلٌ}: ما عظم قطره من المطر). [العمدة في غريب القرآن:93-94]

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بربوةٍ} ربوة: ارتفاع من المسيل). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتاً مّن أنفسهم كمثل جنّةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ واللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} وقال بعضهم {بربوة} و{بربوة} و{برباوة} و{برباوة} كلٌّ من لغات العرب وهو كله من الرابية وفعله: "ربا" "يربو".
قال: {فآتت أكلها ضعفين} وقال: {مختلفاً أكله} و"الأكل": هو: ما يؤكل. و"الأكل" هو الفعل الذي يكون منك. تقول: "أكلت أكلاً" و"أكلت أكلةً واحدةً" وإذا عنيت الطعام قلت: "أكلةً واحدةً"، قال:
ما أكلةٌ أكلتها بغنيمةٍ = ولا جوعةٌ أن جعتها بغرام
ففتح الألف لأنه يعني الفعل. ويدلك عليه "ولا جوعةٌ" وإن شئت ضممت "الأكلة" وعنيت به الطعام.
و[قال: {فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ}]
وتقول في "الوابل" وهو: المطر الشديد: "وبلت السماء و"أوبلت" مثل "مطرت" و"أمطرت"، و"طلّت" و"أطلّت" من "الطلّ"، و"غاثت" و"أغاثت" من "الغيث". وتقول: "وبلت الأرض" فهي "موبولةٌ" مثل "وثئت رجله" [و] لا يكون "وبلت" وقوله: {أخذاً وبيلا} من ذا يعني: شديدا). [معاني القرآن: 1/152-153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وتثبيتا من أنفسهم}: يثبتون أين يضعون أموالهم.
وقال آخرون تصديقا ويقينا من أنفسهم.

{جنة بربوة}: الربوة كلما ارتفع عن مسيل الماء.
{الوابل}: ما عظم من المطر.
{والطل}: ما صغر ويقال وبلت الأرض وطلت). [غريب القرآن وتفسيره: 99]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وتثبيتاً من أنفسهم} أي: تحقيقا من أنفسهم.
(الربوة): الارتفاع. يقال: ربوة، وربوة أيضا.
(أكلها): ثمرها.
(الطّل): أضعف المطر). [تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم ضرب الله لمن ينفق يريد ما عند الله ولا يمن ولا يؤذي مثلا فقال:
{ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنّة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطلّ واللّه بما تعملون بصير}أي: ليطلب مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم، أي ينفقونها مقرين أنها مما يثيب اللّه عليها.
{كمثل جنّة بربوة} بفتح الراء وبربوة. بالضم - وبربوة - بالكسر - وبرباوة، وهذا وجه رابع.
والربوة: ما ارتفع من الأرض.
والجنة: البستان، وكل ما نبت وكثف وكثر، وستر بعضه بعضا فهو جنة - والموضع المرتفع إذا كان له ما يرويه من الماء فهو أكثر ريعا من المستفل، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن نفقة هؤلاء المؤمنين تزكو كما يزكو نبت هذه الجنة التي هي في مكان مرتفع.

{أصابها وابل} وهو: المطر العظيم القطر.
{فآتت أكله} أي: ثمرها، ويقرأ أكلها والمعنى واحد.
{ضعفين} أي: مثلين.
{فإن لم يصبها وابل فطلّ}.
و(الطّلّ) المطر الدائم الصّغار القطر الذي لا يكاد يسيل منه المثاعب.
ومعنى {واللّه بما تعملون بصير} أي: عليم، وإذا علمه جازى عليه والذي ارتفع عليه (فطلّ) أنه على معنى فإن لم يصبها وابل فالذي يصيبها طلّ). [معاني القرآن: 1/347-348]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم}أي: وينفقونها مقرين ثابتين أنها مما يثيب الله عليه
قال الحسن: إذا أراد أن ينفق تثبت فان كان الله أمضى وإلا أمسك.
وقال قتادة: تثبيتا أي احتسابا.
وقال مجاهد: يتثبتون أين يضعون أموالهم أي زكواتهم.
وقال الشعبي: تصديقا ويقينا.
قال أبو جعفر: ولو كان كما قال مجاهد لكان وتثبيتا من تثبت كتكرمت تكرما.
وقول قتادة واحتسابا لا يعرف إلا أن يراد به أن أنفسهم تثبتهم محتسبة وهذا بعيد.
وقول الشعبي حسن أي تثبيتا من أنفسهم لهم على إنفاق ذلك في طاعة الله جل وعز يقال ثبت فلانا في هذا الأمر أي صححت عزمة وقويت فيه رأيه أثبته تثبيتا أي أنفسهم موقنة مصدقة بوعد الله على تثبتهم في ذلك). [معاني القرآن: 1/291-292]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كمثل جنة بربوة}
قال مجاهد: هي الأرض المرتفعة المستوية أضعفت في ثمرها.
قال قتادة: بربوة يقول بنشز من الأرض قال وهذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن يقول ليس لخيره خلف كما أنه ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان أن أصابها وابل وهو المطر الشديد وإن أصابها طل.
قال مجاهد: هو الندى.
وقيل مطر صغير في القدر يدوم.
قال محمد بن يزيد: أي فالطل يكفيها). [معاني القرآن: 1/292-293]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطل: المطر الخفيف). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وتثبيتا من أنفسهم} أي: تصديقا وتحقيقا.
الربوة: كل ما ارتفع من مسيل الماء، والضم والفتح والكسر في الراء لغات.
{أكلها} ثمرها.
والطل: كل ما صغر من نقط المطر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الرَّبْوَةٍ}: ما ارتفع من الأرض.
{الطَّلٌّ}: ما صغر من القطر). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ مّن نّخيلٍ وأعنابٍ...}
ثم قال بعد ذلك {وأصابه الكبر} ثم قال {فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} فيقول القائل: فهل يجوز في الكلام أن يقول: أتودّ أنّ تصيب مالا فضاع، والمعنى: فيضيع؟ قلت: نعم ذلك جائز في وددت؛ لأن العرب تلقاها مرّة بـ (أن) ومرّة بـ (لو) فيقولون: لوددت لو ذهبت عنا، [و] وددت أن تذهب عنا، فلمّا صلحت بلو وبأن ومعناهما جميعا الاستقبال استجازوا أن يردّوا فعل بتأويل لو، على يفعل مع أن،
فلذلك قال: فأصابها، وهي في مذهبه بمنزلة لو؛ إذ ضارعت إن بمعنى الجزاء فوضعت في مواضعها، وأجيبت إن بجواب لو، ولو بجواب إن؛ قال الله تبارك وتعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمةٌ مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} والمعنى - والله أعلم -: وإن أعجبتكم؛ ثم قال{ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا [من بعده يكفرون]} فأجيبت لئن بإجابة لو ومعناهما مستقبل.
ولذلك قال في قراءة أبيّ "ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلوا" ردّه على تأويل: ودّوا أن تفعلوا. فإذا رفعت (فيميلون) رددت على تأويل لو؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {ودّوا لو تدهن فيدهنون} وقال أيضا {وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} وربما جمعت العرب بينهما جميعا؛ قال الله تبارك وتعالى: {وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا} وهو مثل جمع العرب بين ما وإن وهما جحد؛ قال الشاعر:

قد يكسب المال الهدان الجافي * بغير لا عصفٍ ولا اصطراف
وقال آخر:
ما إن رأينا مثلهن لمعشر* سود الرءوس فوالج وفيول
وذلك لاختلاف اللفظين يجعل أحدهما لغوا. ومثله قول الشاعر:
من النفر اللاء الذين إذا هم * تهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا
ألا ترى أنه قال: اللاء الذين، ومعناهما الذين، استجيز جمعهما لاختلاف لفظهما، ولو اتفقا لم يجز.
لا يجوز ما ما قام زيد، ولا مررت بالذين الذين يطوفون. وأمّا قول الشاعر:

كماما امرؤٌ في معشرٍ غير رهطه * ضعيف الكلام شخصه متضائل
فإنما استجازوا الجمع بين ما وبين [ما] لأن الأولى وصلت بالكاف، - كأنها كانت هي والكاف اسماً واحدا - ولم توصل الثانية، واستحسن الجمع بينهما. وهو في قول الله {كلاّ لا وزر} كانت لا موصولةً، وجاءت الأخرى مفردة فحسن اقترانهما
فإذا قال القائل: (ما ما قلت بحسنٍ) جاز ذلك على غير عيب؛ لأنه
يجعل ما الأولى جحدا والثانية في مذهب الذي. [وكذلك لو قال: من من عندك؟ جاز؛ لأنه جعل من الأول استفهاما، والثاني على مذهب الذي]. فإذا اختلف معنى الحرفين جاز الجمع بينهما.
وأمّا قول الشاعر:
* كم نعمةٍ كانت لهاكم كم وكم *
إنما هذا تكرير حرف، لو وقعت على الأوّل أجزأك من الثاني. وهو كقولك للرجل: نعم نعم، تكررها، أو قولك: اعجل اعجل، تشديدا للمعنى. وليس هذا من البابين الأولين في شيء. وقال الشاعر:
هلاّ سألت جموع كنـ * دة يوم ولّوا أين أينا
وأمّا قوله: (لم أره منذ يوم يوم) فإنه ينوى بالثاني غير اليوم الأوّل، إنما هو في المعنى: لم أره منذ يوم تعلم. وأمّا قوله:
نحمي حقيقتنا وبعـ * ض القوم يسقط بين بينا
فإنه أراد: يسقط هو لا بين هؤلاء ولا بين هؤلاء. فكان اجتماعهما في هذا الموضع بمنزلة قولهم: هو جاري بيت بيت، ولقيته كفّة كفّة؛ لأن الكفّتين واحدة منك وواحدة منه. وكذلك هو جاري بيت بيت منها: بيتي وبيته لصيقان.
قال: كيف قال قوله: {فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ...}
وهذا الأمر قد مضى؟ قيل: أضمرت (كان) فصلح الكلام. ومثله أن تقول: قد أعتقت عبدين، فإن لم أعتق اثنين فواحدا بقيمتهما، والمعنى إلاّ أكن؛ لأنه ماض فلا بدّ من إضمار كان؛ لأن الكلام جزاء. ومثله قول الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ * ولم تجدي من أن تقرّى بها بدّا). [معاني القرآن: 1/175-178]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إعصارٌ} الإعصار: ريح عاصف، تهبّ من الأرض إلى السماء، كأنه عمود فيه نار). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ مّن نّخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
قال: {له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} وقال في موضع آخر {ذرّيّةً ضعافاً} وكلٌّ سواء لأنك تقول: "ظريفٌ" و"ظرافٌ" و"ظرفاء" وهكذا جمع "فعيل"). [معاني القرآن: 1/153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): (والإعصار: ريح عاصف تهب ثم تستدير كأنها عمود من الأرض إلى السماء). [غريب القرآن وتفسيره: 99-100]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإعصار: ريح شديدة تعصف وترفع ترابا إلى السماء كأنه عمود. قال الشاعر:
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
أي: لاقيت ما هو أشد منك). [تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل ثناؤه: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّة ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
هذا مثل ضربه اللّه لهم للآخرة وأعلمهم أن حاجتهم إلى الأعمال الصالحة كحاجة هذا الكبير الذي له ذرية ضعفاء، فإن احترقت جنته وهو كبير وله ذرية ضعفاء انقطع به، وكذلك من لم يكن له في الآخرة عمل يوصله إلى الجنة فحسرته في الآخرة - مع عظيم الحسرة فيها - كحسرة هذا الكبير المنقطع به في الدنيا.
ومعنى: {فأصابها إعصار فيه نار}الإعصار: الريح التي تهب، من الأرض كالعمود إلى نحو السماء وهي التي تسميها الناس الزوبعة، وهي ريح شديدة، لا يقال إنها إعصار حتى تهبّ بشدة، قال الشاعر:
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
ومعنى {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات} أي: كهذا البيان الذي قد تبين الصّدقة والجهاد وقصة إبراهيم – عليه السلام - والذي مرّ على قرية، وجميع ما سلف من الآيات، أي: كمثل بيان هذه الأقاصيص {يبين اللّه لكم الآيات}، أي: العلامات والدّلالات التي تحتاجون إليها في أمر توحيده، وإثبات رسالات رسله وثوابه وعقابه. {لعلّكم تتفكّرون}). [معاني القرآن: 1/348-349]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {أيود أحدكم أن تكون له جنة} إلى قوله: {فاحترقت}
قال ابن ملكية عن عبيد بن عمير سألهم عمر عن هذه الآية وذكرها فقالوا: الله أعلم فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم قال فقال ابن عباس: إن في نفسي منها شيئا فقال: قل ولا تحقر نفسك قال: ضرب مثلا للعمل قال: أي العمل قال فقال عمر: هذا رجل كان يعمل بطاعة الله فبعث إليه الشيطان فعمل بالمعاصي فأحرق الأعمال.
وروي عن ابن عباس بغير هذا الإسناد هذا مثل ضربه الله للمرائين بالأعمال يبطلها الله يوم القيامة أحوج ما كانوا إليها كمثل رجل كانت له جنة وكبر وله أطفال لا ينفعونه فأصاب الجنة إعصار ريح عاصف فيها سموم شديدة فاحترقت ففقدها أحوج ما كان إليها.
وروي عن ابن عباس أنه قال: الإعصار الريح الشديدة.
قال أبو جعفر: والإعصار هي التي يسميها الناس الزوبعة). [معاني القرآن: 1/294-295]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والإعصار: الريح). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (و"الإعصار": الريح الشديدة، تعصف وتستدير وترتفع إلى السماء بتراب كأنه عمود). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (الإِعْصَار: ريح تهب فتصير مثل العمود). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه...}
فتحت (أن) بعد إلاّ وهي في مذهب جزاء. وإنما فتحتها لأن إلا قد وقعت عليها بمعنى خفضٍ يصلح. فإذا رأيت (أن) في الجزاء قد أصابها معنى خفضٍ أو نصب أو رفع انفتحت. فهذا من ذلك.
والمعنى - والله أعلم - ولستم بآخذيه إلا على إغماض، أو بإغماض، أو عن إغماضٍ، صفة غير معلومة. ويدلك على أنه جزاء أنك تجد المعنى: أو أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه.
ومثله قوله: {إلا أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} ومثله {إلاّ أن يعفون} هذا كلّه جزاء، وقوله: {ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}
ألا ترى أن المعنى: لا تقل إني فاعل إلا ومعها إن شاء الله؛ فلمّا قطعتها (إلا) عن معنى الابتداء، مع ما فيها من نيّة الخافض فتحت. ولو لم تكن فيها (إلاّ) تركت على كسرتها؛ من ذلك أن تقول: أحسن إن قبل منك . فإن أدخلت (إلاّ) قلت: أحسن إلا ألاّ يقبل منك. فمثله
قوله: {وأن تعفوا أقرب للتقوى}، {وأن تصوموا خير لكم} هو جزاء، المعنى: إن تصوموا فهو خير لكم. فلما أن صارت (أن) مرفوعة بـ (خير) صار لها ما يرافعها إن فتحت وخرجت من حدّ الجزاء. والناصب كذلك.
ومثله من الجزاء الذي إذا وقع عليه خافض أو رافع أو ناصب ذهب عنه الجزم قولك: اضربه من كان، ولا آتيك ما عشت. فمن وما في موضع جزاء، والفعل فيهما مرفوع في المعنى؛ لأنّ كان والفعل الذي قبله قد وقعا على (من) و(ما) فتغيّر عن الجزم ولم يخرج من تأويل الجزاء؛ قال الشاعر:
فلست مقاتلا أبداً قريشا * مصيبا رغم ذلك من أصابا
في تأويل رفع لوقوع مصيب على من.
ومثله قول الله عزّ وجلّ: {وللّه على الناس حجّ البيت من استطاع} إن جعلت (من) مردودة على خفض (الناس) فهو من هذا، و(استطاع) في موضع رفع، وإن نويت الاستئناف بمن كانت جزاء، وكان الفعل بعدها جزما، واكتفيت بما جاء قبله من جوابه.
وكذلك تقول في الكلام: أيّهم يقم فاضرب، فإن قدّمت الضرب
فأوقعته على أي قلت اضرب أيّهم يقوم؛ قال بعض العرب: فأيّهم ما أخذها ركب على أيهم يريد. ومنه قول الشاعر:
فإني لآتيكم تشكّر ما مضى * من الأمر واستيجاب ما كان في غد
لأنه لا يجوز لو لم يكن جزاء أن تقول: كان في غد؛ لأن (كان) إنما خلقت للماضي إلاّ في الجزاء فإنها تصلح للمستقبل. كأنه قال: استيجاب أي شيء كان في غد.
ومثل إن في الجزاء في انصرافها عن الكسر إلى الفتح إذا أصابها رافع قول العرب: (قلت إنك قائم) فإنّ مكسورة بعد القول في كل تصرّفه. فإذا وضعت مكان القول شيئا في معناه مما قد يحدث خفضا أو رفعا أو نصبا فتحت أنّ، فقلت: ناديت أنك قائم، ودعوت، وصحت وهتفت. وذلك أنك تقول: ناديت زيدا، ودعوت زيدا، وناديت بزيد، (وهتفت بزيد) فتجد هذه الحروف تنفرد بزيد وحده؛ والقول لا يصلح فيه أن تقول: قلت زيدا، ولا قلت بزيد. فنفذت الحكاية في القول ولم تنفذ في النداء؛ لاكتفائه بالأسماء. إلا أن يضطرّ شاعر إلى كسر إنّ في النداء وأشباهه، فيجوز له؛ كقوله:
إني سأبدي لك فيما أبدي * لي شجنان شجنٌ بنجد
* وشجن لي ببلاد الهند *
لو ظهرت إنّ في هذا الموضع لكان الوجه فتحها.
وفي القياس أن تكسر؛ لأن رفع الشجنين دليل على إرادة القول، ويلزم من فتح أنّ لو ظهرت أن تقول: لي شجنين شجنا بنجد.

فإذا رأيت القول قد وقع على شيء في المعنى كانت أنّ مفتوحة. من ذلك أن تقول: قلت لك ما قلت أنك ظالم؛ لأنّ ما في موضع نصب. وكذلك قلت: زيد صالح أنه صالح؛ لأن قولك (قلت زيد قائم) في موضع نصب.
فلو أردت أن تكون أنّ مردودة على الكلمة التي قبلها كسرت فقلت: قلت ما قلت: إن أباك قائم، (وهي الكلمة التي قبلها) وإذا فتحت فهي سواها. قول الله تبارك وتعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه أنّا} وإنا، قد قرئ بهما. فمن فتح نوى أن يجعل أنّ في موضع خفض، ويجعلها تفسيراً للطعام وسببه؛ كأنه قال: إلى صبّنا الماء وإنباتنا ما أنبتنا.
ومن كسر نوى الانقطاع من النظر عن إنّا؛ كأنه قال: فلينظر الإنسان إلى طعامه، ثم أخبر بالاستئناف).
[معاني القرآن: 1/178-181]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تيممّوا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تعمدوا له، قال خفاف بن ندبة:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها... فعمداً على عينٍ تيمّمت مالكا
{إلاّ أن تغمضوا فيه}: ترخّص لنفسك). [مجاز القرآن: 1/82-83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} يقول: تصدقوا من طيبات ما تكسبون: الذهب والفضة، {وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تقصدون للرديء والحشف من التمر، وما لا تأخذونه أنتم إلّا بالإغماض فيه. أي بأن تترخّصوا). [تفسير غريب القرآن:97-98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله تبارك اسمه: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميد} فالمعنى: أنفقوا من جيّد ما كسبتموه من تجارة، ومن ورق وعين، وكذلك من جيّد الثمار، ومعنى {أنفقوا}: تصدقوا وكان قوم أتوا في الصدقة برديء الثمار.
ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر السعاة إلا يخرص الجعرور ومعى الفارة وذلك أنها من رديء النخل، فأمر ألا تخرص عليهم لئلا يعتلوا به في الصدقة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}أي: لا تقصدوا إلى رديء المال، والثمار فتتصدقوا به، وأنتم (تعلمون أنكم) لا تأخذونه إلا بالإغماض فيه.
ومعنى {ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه}: يقول: أنتم لا تأخذونه إلا بوكس، فكيف تعطونه في الصدقة.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميد}أي: لم يأمركم بأن تتصدقوا من عوز، ولكنه لاختباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه.
يقال قد غني زيد يغنى غنى - مقصور - إذا استغنى، وقد وقد غني القوم إذا نزلوا في مكان يقيهم، والمكان الذي ينزلون فيه مغنى، وقد غنّى فلان غناء إذا بالغ في التطريب في الإنشاد حتى يستغنى الشعر أن يزاد في نغمته، وقد غنيت المرأة غنيانا.
قال قيس بن الخطيم:
أجدّ بعمرة غنيانها... فتهجر أم شأننا شأنها
غنيانها: غناها.
والغواني: النساء، قيل إنهن سمين غواني لأنهن غنين بجمالهن. وقيل بأزواجهن).
[معاني القرآن: 1/349-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم}أي: تصدقوا بالجيد
وحدثنا أحمد بن محمد بن سلامة قال حدثنا بكار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن السدي عن أبي مالك عن البراء قال: كانوا يجيئون في الصدقات بأردأ تمرهم وأردأ طعامهم فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} إلى قوله: {إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو كان لكم فأعطاكم لم تأخذوه إلا وأنتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم
قال أبو إسحاق في قوله تعالى {واعلموا أن الله غني حميد} أي: لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه). [معاني القرآن: 1/295-297]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطيبات: الحلال، في كل القرآن). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا تيمموا الخبيث} أي: لا تقصدوا له فتصدقوا به، وهو الذي من التمر والمال.
{تغمضوا فيه} تترخصوا فيه.، يقول عز وجل: لا تتصدقوا بما لا تأخذوه إلا برخص لو أعطاكموه أحد. وقيل: معناه إلا تتصدقوا بما لا تأخذونه إلا برخص حتى تغطوا أعينكم من كراهيتكم له لرداءته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَيَمَّمُـــواْ}: تقصـــدوا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مّغفرةً مّنه وفضلاً واللّه واسعٌ عليمٌ}
قال: {الشّيطان يعدكم الفقر} وقال بعضهم {الفقر} مثل: "الضعف" و"الضعف" وجعل "يعد" متعدياً إلى مفعولين). [معاني القرآن: 1/153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا واللّه واسع عليم}
يقال الفقر والفقر جميعا، والمعنى: أنه يحملكم على أن تؤدوا في الصدقة رديء المال يخوفكم الفقر بإعطاء الجيد - ومعنى {يعدكم الفقر}: يعدكم بالفقر ولكن الباء حذفت. وأفضى الفعل فنصب كما قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
ويقال وعدته أعده وعدا و عدة وموعدا وموعدة وموعودا وموعودة.
ومعنى {ويأمركم بالفحشاء}أي: بأن لا تتصدقوا فتتقاطعوا.
ومعنى{واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا}أي: يعدكم أن يجازيكم على صدقتكم بالمغفرة، ويعدكم أن يخلف عليكم.
ومعنى {واللّه واسع عليم}:
{واسع} يعطي من سعة، و {عليم} يعلم حيث يضع ذلك، ويعلم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى {الشيطان يعدكم الفقر} أي: بالفقر يخوفكم حتى تخرجوا الرديء في الزكاة ويأمركم بالفحشاء بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا
{والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}أي: بأن يجازيكم على صدقاتكم بالمغفرة والخلف
{والله واسع عليم} يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ويعلم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/297]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب}
معنى {يؤتي} يعطي، و {الحكمة} فيها قولان:
1- قال بعضهم هي: النبوة.

2- ويروى عن ابن مسعود أن الحكمة هي القرآن، وكفى بالقرآن حكمة، لأن الأمّة به صارت علماء بعد جهل، وهو وصلة إلى كل علم يقرّب من اللّه عزّ وجلّ: وذريعة إلى رحمته؛ لذلك قال الله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} أي: أعطي كل الحلم، وما يوصل إلى رحمة اللّه، و " يؤت " جزم بمن، والجواب {فقد أوتي خيرا كثيرا}
ومعنى {وما يذّكّر إلّا أولو الألباب} أي: ما يفكر فكرا يذكر به ما قص من آيات القرآن إلا أولو الألباب، أي: ذوو العقول.
وواحد الألباب لب، يقال قد لببت يا رجل وأنت تلب، لبابة ولبّا، وقرأت على محمد بن يزيد عن يونس: لببت لبابة.
وليس في المضاعف على فعلت غير هذا، ولم يروه أحد إلا يونس، وسألت غير البصريين عنه فلم يعرفه). [معاني القرآن: 1/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} قال: المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله.
قال مجاهد: العقل والعفة والإصابة في القول.
وقال زيد بن أسلم: الحكمة العقل في دين الله.
وقال الضحاك: الحكمة القرآن.
وقال قتادة: الفهم.
قلت: وهذه الأقوال متفقة وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فقيل للعلم حكمة لأنه به يمتنع وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح وكذا القرآن والعقل والفهم
وقال إبراهيم النخعي: الفهم في القرآن). [معاني القرآن: 1/297-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وما يذكر إلا أولو الألباب} أي: وما يفكر فكرا يذكر به ما قص من الآيات إلا ذوو العقول ومن فهم الله عز وجل أمره ونهيه). [معاني القرآن: 1/299]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {الألباب}: العقول في كل مكان). [ياقوتة الصراط: 183]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما أنفقتم مّن نّفقةٍ أو نذرتم مّن نّذرٍ فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصارٍ}
قال: {وما أنفقتم مّن نّفقةٍ أو نذرتم مّن نّذرٍ فإنّ اللّه يعلمه} تحمل الكلام على الآخر كما قال: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً}. وإن شئت جعلت تذكير هذا على "الكسب" في المعنى كما قال: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لّكم}يقول: "فالإيتاء خيرٌ لكم والإخفاء".
وقوله: {وما أنزل عليكم مّن الكتاب والحكمة يعظكم به} فهذا على {ما}.
وقوله: {أو نذرتم} تقول: "نذر" "ينذر على نفسه" "نذراً" و"نذرت مالي" فـ"أنا أنذره" "نذراً" أخبرنا بذلك يونس عن العرب وفي كتاب الله عز وجل: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً}، قال الشاعر:

هم ينذرون دمي وأنذر أن = لقيت بأن أشدّا
وقال عنترة:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما = والنّاذرين إذا لم القهما دمي). [معاني القرآن: 1/153-154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصار}أي: ما تصدقتم به من فرض لأنه في ذكر صدقة الزكاة وهي الفرض والنذر: التطوع، وكل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
{فإنّ اللّه يعلمه} أي: لا يخفى عليه فهو يجازي عليه، كما قال جلّ ثناؤه: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره}.
يقال نذرت النذر أنذره وأنذره، والجميع النّذور، وأنذرت القوم إذا أعلمتهم وخوفتهم إنذارا ونذيرا ونذرا.
قال اللّه عزّ وجلّ: {فستعلمون كيف نذير}.
وقال جل ثناؤه: {فكيف كان عذابي ونذر}.
النذر: مثل النّكر، والنذير مثل النكير). [معاني القرآن: 1/352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {وما أنفقتم من نفقة}
قال أبو إسحاق أي: في فرض لأنه ذكر صدقة الزكاة
{أو نذرتم من نذر} كل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
وقيل المعنى: ما أنفقتم من نفقة من غير نذر أو نذرتم ثم عقدتم على أنفسكم إنفاقه {فإن الله يعلمه} أي: لا يخفى عليه فهو يجازي به.
قال مجاهد: {يعلمه}أي يحصيه). [معاني القرآن: 1/299-300]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم واللّه بما تعملون خبير}
معنى {إن تبدوا}: تظهروا، يقال بدا الشيء يبدو إذا ظهر، وأبديته أنا إبداء، إذا أظهرته، وبدا لي بدا " إذا تغيّر رأي عمّا كان عليه.
و{تبدوا} جزم بـ {إن}، وقوله: {فنعمّا هي} الجواب.
وروى أبو عبيد أنّ أبا جعفر وشيبة ونافعا وعاصما وأبا عمرو بن العلاء قرأوا: {فنعمّا هي} بكسر النون وجزم العين وتشديد الميم، وروى أن يحيى بن وثاب، والأشمس وحمزة والكسائي قرأوا: {فنعمّا هي} - بفتح النون وكسر العين.
وذكر أبو عبيد أنّه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله لابن العاص: ((نعمّا بالمال الصّالح للرجل الصّالح)).

فذكر أبو عبيد أنه يختار هذه القراءة من أجل هذه الرواية.
ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا، ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة ألبتّة، لأن فيها الجمع بين ساكنين من غير حرف ما ولين.
فأما ما قرأناه من حرف عاصم ورواية أبي عمرو {فنعمّا هي}، بكسر النون والعين، فهذا جيّد بالغ لأن ههنا كسر العين والنون،
وكذلك قراءة أهل الكوفة (نعمّا هي) جيدة لأن الأصل في نعم نعم ونعم. ونعم فيها ثلاث لغات، ولا يجوز مع إدغام الميم نعمّا هي. و " ما " في تأويل - الشيء زعم البصريون أن نعمّا هي: نعم الشيء هي. وقد فسرنا هذا فيما مضى.

ومعنى {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير}:
هذا كان على عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فكان الإخفاء في إيتاء الزكاة أحسن، فأمّا اليوم فالناس يسيئون الظن، فإظهار الزكاة أحسن، فأمّا التطوع فإخفاؤه أحسن، لأنه أدل على أنه يريد اللّه به وحده.
يقال أخفيت الشيء إخفاء إذا سترته، وخفي خفاء إذا استتر، وخفيته أخفيه خفيا إذا أظهرته،
وأهل المدينة يسمون النبّاش: المختفي.

قال الشاعر في خفيته أظهرته:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه...وإن تبعثوا الحرب لا نقعد). [معاني القرآن: 1/353-355]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن تبدوا الصدقات}أي: تظهروها.
وفي الحديث: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب))
وقيل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فالناس يسيئون الظن.
قال الحسن: إظهار الزكاة أحسن وإخفاء التطوع أفضل لأنه أدل على أنه يراد الله عز وجل به وحده.
وقال الضحاك: كان هذا يعمل به الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلما نزلت براءة بفريضة الصدقة وتفصيلها انتهت الصدقة إليه). [معاني القرآن: 1/300-301]


رد مع اقتباس
  #29  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:33 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 272 إلى 283]

{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يوفّ إليكم} أي: توفّون أجره). [تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلّا ابتغاء وجه اللّه وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}معناه: إنما عليك الإبلاغ كما قال - جلّ وعزّ - {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
ومعنى {ولكنّ اللّه يهدي من يشاء}أي: يوفق من يشاء للهداية، وقال قوم: لو شاء الله لهداهم أي لاضطرهم إلى أن يهتدوا - كما قال: {إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين}، وكما قال - عزّ وجلّ - {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى}
وهذا ليس كذلك. هذا فيه: {ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} فلا مهتدي إلا بتوفيق الله - كما قال: {وما توفيقي إلاّ باللّه}.
ومعنى {وما تنفقون إلّا ابتغاء وجه اللّه}: هذا خاص للمؤمنين، أعلمهم أنه قد علم أنهم يريدون بنفقتهم ما عند اللّه جلّ وعزّ، لأنه إذا أعلمهم ذلك فقد علموا أنهم مثابون عليه، كما قال: {وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}.
وقوله عزّ وجلّ: {فهو خير لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم}.
الرفع في {يكفّر} والجزم جائزان، ويقرأ - ونكفر عنكم - بالنون والياء.
وزعم سيبويه أنه يختار الرفع في ويكفر، قال لأن ما بعد الفاء قد صار بمنزلته في غير الجزاء، وأجاز الجزم على موضع فهو خير لكم لأن المعنى يكن خيرا لكم،
وذكر أن بعضهم قرأ: {من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم} بجزم الراء، والاختيار عنده الرفع في قوله {ويذرهم} وفي {ونكفّر} قال: فأمّا النصب فضعيف جدا، لا يجيز {ونكفّر عنكم} إلا على جهة الاضطرار، وزعم أنه نحو قول الشاعر:

سأترك منزلي لبني تميم... وألحق بالحجاز فأستريحا
إلا أن النصب أقوى قليلا: لأنه إنّما يجب به الشيء بوجوب غيره فضارع الاستفهام وما أشبهه.
هذا قول جميع البصريين وهو بين واضح). [معاني القرآن: 1/355-356]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ليس عليك هداهم}
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس كانوا يكرهون أن يتصدقوا على أقربائهم من المشركين فرخص لهم في ذلك فنزلت: {ليس عليك هداهم} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/302]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {ابتغاء وجه الله} أي: طلب وجه الله - عز وجل - ورضاه). [ياقوتة الصراط: 183]

تفسير قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {لا يسألون النّاس إلحافاً...} ولا غير إلحاف. ومثله قولك في الكلام: قلّما رأيت مثل هذا الرجل؛ ولعلّك لم تر قليلا ولا كثيرا من أشباهه). [معاني القرآن: 1/181]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلحافاً}: إلحاحاً). [مجاز القرآن: 1/83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يحسبهم الجاهل أغنياء} لم يرد الجهل الذي هو ضد العقل، وإنما أراد الجهل الذي هو ضد الخبرة. يقول: يحسبهم من لا يخبر أمرهم.
{لا يسألون النّاس إلحافاً} أي: إلحاحا.
يقال: ألحف في المسألة: إذا ألح).
[تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {للفقراء الّذين أحصروا في سبيل اللّه لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف تعرفهم بسيماهم لا يسألون النّاس إلحافا وما تنفقوا من خير فإنّ اللّه به عليم}
فقراء: جمع فقير مثل ظريف وظرفاء.
وقالوا في (أحصروا) قولين:
1- قالوا أحصرهم فرض الجهاد فمنعهم من التصرف.

2- وقالوا أحصرهم عدوهم لأنه شغلهم بجهاده، ومعنى {أحصروا}: صاروا إلى أن حصروا أنفسهم للجهاد، كما تقول رابط في سبيل اللّه.
ومعنى {لا يستطيعون ضربا في الأرض}أي: قد ألزموا أنفسهم أمر الجهاد فمنعهم ذلك من التصرف وليس لأنهم لا يقدرون أن يتصرفوا.
وهذا كقولك، أمرني المولى أن أقيم فما أقدر على أن أبرح، فالمعنى أني قد ألزمت نفسي طاعته، ليس أنه لا يقدر على الحركة " وهو صحيح سوي، ويقال ضربت في الأرض ضربا، وضرب الفحل الناقة إذا حمل عليها ضرابا، والضريب الجليد الذي يسقط على الأرض، يقال ضربت الأرض وجلدت الأرض وجلدت الأرض.

وروى الكسائي: ضربت الأرض وجلدت.
والأكثر ضربت وجلدات.
ومعنى {يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف}أي: يحسبهم الجاهل ويخالهم أغنياء من التعفف عن المسألة وإظهار التجمل.
ومعنى {لا يسألون النّاس إلحافا}:
روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال ((من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف)) ومعنى ألحف أي: اشتمل بالمسألة، وهو مستغن عنها، واللّحاف من هذا اشتقاقه لأنه يشمل الإنسان في التغطية.
والمعنى: أنه ليس منهم سؤال فيكون منهم إلحاف.
كما قال امرؤ القيس:
على لاحب لا يهتدى بمناره... إذا سافه العود النباطيّ جرجرا
المعنى: ليس به منار فيهتدى بها، وكذلك ليس من هؤلاء سؤال فيقع فيه إلحاف). [معاني القرآن: 1/356-357]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله}
قال مجاهد: يعني مهاجري قريش الذين كانوا بالمدينة.
وقال غيره: معنى أحصروا في سبيل الله منعهم فرض الجهاد من التصرف.
وقيل شغلهم عدوهم بالقتال عن التصرف.
قال أبو جعفر: واللغة توجب إن أحصروا من المرض إلا أنه يجوز أن يكون المعنى صودفوا على هذه الحال). [معاني القرآن: 1/302]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {لا يستطيعون ضربا في الأرض} قيل قد ألزموا أنفسهم الجهاد كما يقال لا أستطيع أن أعصيك أي قد ألزمت نفسي طاعتك). [معاني القرآن: 1/303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} ليس الجهل ههنا ضد العقل وإنما هو ضد الخبرة). [معاني القرآن: 1/303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {تعرفهم بسيماهم لا يسالون الناس إلحافا} يقال الحف في المسألة أخفى وألح بمعنى واحد
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف)).
قال أبو إسحاق معناه: فقد شمل بالمسألة ومنه اشتق إلحاف قال، ومعنى {لا يسألون الناس إلحافا}: لا يكون منهم سؤال فيكون إلحاف كما قالي الشاعر:
على لا حب لا يهتدى بمنارة = إذا سافه العود النباطي جرجرا
أي: ليس به منار فيهتدى به). [معاني القرآن: 1/303-304]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يحسبهم الجاهل أغنياء} الجاهل هنا: الذي لم يختبرهم، فهو جاهل بهم.
{إلحافا} أي: إلحاحا. يقال: ألحف: إذا ألح). [تفسير المشكل من غريب القرآن:44-45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِلْحَافاً}: إلحاحا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
وقال: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم} فجعل الخبر بالفاء إذ كان الاسم "الذي" وصلته فعل لأنه في معنى "من"، و"من" يكون جوابها بالفاء في المجازاة لأن معناها "من ينفق ماله فله كذا".
وقال: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه ثمّ ماتوا وهم كفّارٌ فلن يغفر اللّه لهم} وقال: {والّذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضلّ أعمالهم} وهذا في القرآن والكلام كثير ومثله "الذي يأتينا فله درهم").
[معاني القرآن: 1/154-155]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
{الذين} رفع بالابتداء، وجاز أن يكون الخبر ما بعد الفاء، ولا يجوز في الكلام " زيد فمنطلق " لأن الفاء لا معنى لها -، وإنما صلح في الذين لأنها تأتي بمعنى الشرط والجزاء). [معاني القرآن: 1/358]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار}
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} قال: نزلت في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما). [معاني القرآن: 1/304-305]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين يأكلون الرّبا...}
أي: في الدنيا {لا يقومون} في الآخرة {إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} والمسّ: الجنون، يقال رجل ممسوس). [معاني القرآن: 1/182]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {المسّ}: من الشيطان، والجن، وهو اللّمم، وهو ما ألمّ به، وهو الأولق والألس والزّؤد، هذا كله مثل الجنون.
{فمن جاءه موعظةٌ من ربّه}: العرب تصنع هذا؛ إذا بدءوا بفعل المؤنث قبله.
{فله ما سلف}: ما مضى). [مجاز القرآن: 1/83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون} من قبورهم يوم القيامة {إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} أي: من الجنون، [يقال: رجل ممسوس]). [تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ ذلك بأنّهم قالوا إنّما البيع مثل الرّبا وأحلّ اللّه البيع وحرّم الرّبا فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى اللّه ومن عاد فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
المعنى: الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون في الآخرة إلا كما يقوم المجنون.
من حال جنونه.
زعم أهل التفسير أن ذلك علم لهم في الموقف، يعرفهم به أهل الموقف، يعلم به أنّهم أكلة الربا في الدنيا يقال بفلان مس، وهو ألمس وأولق إذا كان به جنون.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى}.
جاز تذكير {جاءه}، وقال: تعالى في موضع آخر (قد جاءتكم موعظة من ربّكم} لأن كل تأنيث ليس بحقيقي فتذكيره جائز ألا ترى أن الوعظ والموعظة معبران عن معنى واحد.
وقوله عزّ وجلّ: {فله ما سلف وأمره إلى اللّه}أي: قد صفح له عمّا سلف {وأمره إلى اللّه} أي اللّه وليّه.
ومعنى {ومن عاد فأولئك أصحاب النّار} أي: من عاد إلى استحلال الربا فهو كافر، لأن من أحلّ ما حرّم اللّه فهو كافر، وهؤلاء قالوا: {إنّما البيع مثل الرّبا} ومن اعتقد هذا فهو كافر). [معاني القرآن: 1/358-359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}
المعنى: الذين يأكلون الربا في الدنيا لا يقومون في الآخرة {إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}
قال قتادة:أي الجنون.
وقال غيره: هذا علامة لهم يوم القيامة يخرج الناس من قبورهم مسرعين كما قال تعالى: {يخرجون من الأجداث سراعا} إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون أربى الله الربا في بطونهم يوم القيامة حتى ثقلهم منهم ينهضون ويسقطون ويريدون الإسراع فلا يقدرون). [معاني القرآن: 1/305-306]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى}
قال سفيان: يعني القرآن.
ومعنى {فله ما سلف}: مغفور له.
ثم قال تعالى: {وأمره إلى الله}
قال أبو إسحاق، أي: الله جل وعز: {وليه}.
قال غيره: {وأمره إلى الله} في عصمته وتوفيقه إن شاء عصمه عن أكله وإن شاء خذله عن ذلك
وقال بعض أهل التفسير: {وأمره إلى الله} في المستقبل
وهذا قول حسن بين، أي: وأمره إلى الله في المستقبل إن شاء ثبته على التحريم وإن شاء أباحه). [معاني القرآن: 1/307-308]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}
قال سفيان: من عاد فعمل بالربا حتى يموت.

وقال غيره: من عاد فقال إنما البيع مثل الربا فقد كفر). [معاني القرآن: 1/308]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الذين يأكلون الربا لا يقومون} أي: من قبورهم إلا مثل المجنون، و{المس} الجنون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْمــــَسِّ}: الجنــــون). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يمحق الله الرّبا}: يذهبه كما يمحق القمر، ويمحق الرجل إذا انتقص ماله). [مجاز القرآن: 1/83]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وذروا ما بقي من الرّبا...}
يقول القائل: ما هذا الربا الذي له بقيّة، فإن البقيّة لا تكون إلاّ من شيء قد مضى؟ وذلك أن ثقيفا كانت تربي على قوم من قريش، فصولحوا على أن يكون ما لهم على قريش من الربا لا يحطّ، وما على ثقيف من الربا موضوع عنهم. فلمّا حلّ الأجل على قريش، وطلب منهم الحقّ نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مّؤمنين} فهذه تفسير البقيّة وأمروا بأخذ رءوس الأموال فلم يجدوها متيسّرة، فأبوا أن يحطّوا الربا ويؤخّروا رءوس الأموال، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصّدّقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}. {وإن كان ذو عسرة} من قريش {فنظرة} يا ثقيف {إلى ميسرة} وكانوا محتاجين، فقال - تبارك وتعالى -: {وأن تصدّقوا} برءوس الأموال {خير لكم}). [معاني القرآن: 1/182]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين}
نزلت في قوم من أهل الطائف كانوا صولحوا على أن وضع عنهم ما كان عليهم من الربا، وجعل لهم أن يأخذوا ما لهم من الربا وكان لهم على قوم من قريش مال فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فقالت تلك الفرقة ما بالنا من أشقى الناس يؤخذ منا الربا الذي قد وضع عن سائر الناس، فأمر الله عز وجلّ - بترك هذه البقية، وأعلم أن من كان مؤمنا قبل عن اللّه أمره ومن أبى فهو حرب، أي كافر، فقال: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}). [معاني القرآن: 1/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا}
قال مجاهد: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه ويزيده). [معاني القرآن: 1/308]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأذنوا بحربٍ من الله}: أيقنوا، تقول: آذنتك بحرب، فأذنت به). [مجاز القرآن: 1/83]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فإن لّم تفعلوا فأذنوا بحربٍ مّن اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
قال: {فإن لّم تفعلوا فأذنوا بحربٍ} تقول "قد أذنت منك بحربٍ" و"هو يأذن".
وقال: {لا تظلمون ولا تظلمون}.
وقال بعضهم {لا تظلمون ولا تظلمون} كله سواء في المعنى).
[معاني القرآن: 1/155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فأذنوا بحربٍ من اللّه} أي: اعلموا.
ومن قرأ: «فآذنوا بحرب» أراد: أذنوا غيركم من أصحابكم. يقال: آذنني فأذنت).
[تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
وقال بعضهم قآذنوا، فمن قال {فأذنوا}: فالمعنى: أيقنوا ومن قال (قآذنوا)كان معناه: فأعلموا كل من لم يترك الربا أنّه حرب.
يقال قد آذنته بكذا وكذا، أوذنه إيذانا إذا أعلمته وقد أذن له يأذن إذنا إذا علم به). [معاني القرآن: 1/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}أي: فأيقنوا يقال أذنت بالشيء فأنا أذين به كما قال:
فإني أذين إن رجعت مملكا
ومعنى فآذنوا: فأعملوا غيركم أنكم على حربهم). [معاني القرآن: 1/309]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وان تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
ثم قال الضحاك: كانوا في الجاهلية يتبايعون بالربا فجاء الإسلام وقد بقيت لهم أموال فأمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم ولا يأخذوا الربا الذي كانوا أربوا به وأمروا أن يتصدقوا على من كان معسر). [معاني القرآن: 1/309-310]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {فأذنوا}: فاعلموا، وآذنتكم، أي: أعلمتكم). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فأذنوا} فاعلموا. ومن قرأ بالمد وفتح الهمزة فمعناه: فأعلموا أصحابكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَأْذَنـــُواْ}: فاعلمـــــــوا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصدّقوا خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}
قال: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} يقول: "وإن كان ممّن تقاضون ذو عسرة فعليكم أن تنظروا إلى الميسرة".
وقال بعضهم {فنظرة} وإن شئت لم تجعل لـ"كان" خبرا مضمرا وجعلت "كان" بمنزلة: "وقع".
وقال بعضهم {ميسره} وليست بجائزة لأنه ليس في الكلام "مفعلٌ". ولو قرؤها (موسره) جاز لأنه من "أيسر" مثل: "أدخل" فـ"هو مدخل".
وقال بعضهم {فناظره إلى ميسرةٍ} و{ميسرةٍ} فجعلها "فاعل" من "ناظر" وجزمها للأمر.

وقال: {وأن تصدّقوا خيرٌ لّكم} يقول: "الصدقة خيرٌ لكم". جعل {أن تصدّقوا} اسما مبتدأ وجعل {خيرٌ لّكم} خبر المبتدأ). [معاني القرآن: 1/155-156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} أي: انتظار.
{وأن تصدّقوا}
بما لكم على المعسر {خيرٌ لكم}).
[تفسير غريب القرآن: 99]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} أي: وإن وقع (ذو عسرة)، ولو قرئت، وإن كان ذا عسرة لجاز أي وإن كان المدين الذي عليه الدّين ذا عسرة، ولكن لا يخالف المصحف والرفع على أن، {إن كان} على معنى إن وقع ذو عسرة - ورفع {فنظرة إلى ميسرة} على فعلى الّذي تعاملونه نظرة أي تأخير، يقال بعته بيعا بنظرة.
ومن قال: فناظرة إلى ميسرة ففاعلة من أسماء المصادر نحو (ليس لوقعتها كاذبة) ونحو {تظنّ أن يفعل بها فاقرة}
وإن شئت قلت إلى ميسرة فأما من قرأ (إلى ميسره) على جهة الإضافة إلى الهاء فمخطئ، لأن "ميسر" مفعل وليس في الكلام مفعل.
وزعم البصريون أنهم لا يعرفون مفعلا إنما يعرفون مفعلة.
فأمرهم اللّه بتأخير رأس المال بعد إسقاط الربا، إذا كان المطالب معسرا، وأعلمهم أن الصدقة برأس المال عليه أفضل.
فقال: {وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} ). [معاني القرآن: 1/359-360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}
قال إبراهيم: نزلت في الربا.
قال الربيع بن خيثم: هي لكل معسر ينظر.
قال أبو جعفر: وهذا القول الحسن لأن القراءة بالرفع بمعنى وإن وقع ذو عسرة من الناس أجمعين أم كان فيمن تطالبون أو تبايعون ذو عسرة ولو كان في الربا خاصة لكان النصب الوجه بمعنى: وإن كان الذي عليه الربا ذا عسرة
على أن المعتمر قد روى عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان وإن كان ذا عسرة والمعنى فعليكم النظرة أي التأخير إلى أن يوسر
وروى عن عطاء أنه قرأ (فناظرة إلى ميسرة) على جهة الأمر). [معاني القرآن: 1/310-311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}
قال إبرهيم، أي: برأس المال.
قال الضحاك: وأن تصدقوا من رأس المال خير من النظرة.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: زعم ابن عباس أن آخر آية نزلت من القرآن {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}
قرئ على أحمد بن شعيب عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين قال حدثني أبي عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية أنها آخر آية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/311-312]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَنَظِرَةٌ}: صبر وانتظار.
{مَيْسَرَةٍ}: يسار وسعة). [العمدة في غريب القرآن: 95]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه...}
حدّثنا محمد بن الجهم عن الفرّاء قال: حدثني أبو بكر عيّاش عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس قال: آخر آية نزل بها جبريل صلى الله عليه وسلم {واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه}هذه، ثم قال: ضعها في رأس الثمانين والمائتين من البقرة). [معاني القرآن: 1/183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} هذا يوم القيامة، ويقال إنها آخر آية نزلت من كتاب اللّه جلّ وعزّ.
كذا جاء في التفسير). [معاني القرآن: 1/360]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مّسمًّى...}
هذا الأمر ليس بفريضة، إنما هو أدب ورحمة من الله تبارك وتعالى. فإن كتب فحسن، وإن لم يكتب فلا بأس.
وهو مثل قوله: {وإذا حللتم فاصطادوا} أي: فقد أبيح لكم الصيد.
وكذلك قوله: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} ليس الانتشار والابتغاء بفريضة بعد الجمعة، إنما هو إذن.
وقوله: {ولا يأب كاتبٌ أن يكتب كما علّمه اللّه} أمر الكاتب ألاّ يأبى لقلّة الكتّاب كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
[معاني القرآن: 1/183]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فليكتب وليملل الّذي عليه الحقّ} فأمر الذي عليه الدين بأن يملّ لأنه المشهود عليه.
ثم قال {فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيهاً} يعني جاهلا {أو ضعيفاً} صغيرا أو امرأة {أو لا يستطيع أن يملّ هو} يكون عييّا بالإملاء {فليملل وليّه}يعني: صاحب الدين.
فإن شئت جعلت الهاء للذي ولي الدين، وإن شئت جعلتها للمطلوب. كلّ ذلك جائز.

ثم قال تبارك وتعالى: {فإن لّم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان} أي: فليكن رجل وامرأتان؛ فرفع بالردّ على الكون.
وإن شئت قلت: فهو رجل وامرأتان. ولو كانا نصبا أي فإن لم يكونا رجلين فاستشهدوا رجلا وامرأتين.
وأكثر ما أتى في القرآن من هذا بالرفع، فجرى هذا معه).
[معاني القرآن: 1/183-184]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما} بفتح أن، وتكسر.
فمن كسرها نوى بها الابتداء فجعلها منقطعة مما قبلها.
ومن فتحها فها أيضا على سبيل الجزاء إلا أنه نوى أن يكون فيه تقديم وتأخير. فصار الجزاء وجوابه كالكلمة الواحدة، ومعناه: - والله أعلم - استشهدوا امرأتين مكان الرجل كيما تذكّر الذاكرة الناسية إن نسيت؛ فلمّا تقدّم الجزاء اتّصل بما قبله، وصار جوابه مردودا عليه.
ومثله في الكلام قولك: (إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى) فالذي يعجبك الإعطاء إن يسأل، ولا يعجبك المسألة ولا الافتقار.
ومثله: استظهرت بخمسة أجمال أن يسقط مسلم فأحمله، إنما استظهرت بها لتحمل الساقط، لا لأن يسقط مسلم. فهذا دليل على التقديم والتأخير.

ومثله في كتاب الله {ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدّمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا} ألا ترى أن المعنى: لولا أن يقولوا إن أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم: هلاّ أرسلت إلينا رسولا. فهذا مذهب بيّن). [معاني القرآن: 1/184]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} إلى الحاكم. {إلاّ أن تكون تجارةً حاضرةً} ترفع وتنصب.
فإن شئت جعلت {تديرونها} في موضع نصب فيكون لكان مرفوع ومنصوب.
وإن شئت جعلت "تديرونها" في موضع رفع. وذلك أنه جائز في النكرات أن تكون أفعالها تابعة لأسمائها؛ لأنك تقول: إن كان أحد صالح ففلان، ثم تلقى (أحدا) فتقول: إن كان صالح ففلان، وهو غير موقّت فصلح نعته مكان اسمه؛ إذ كانا جميعا غير معلومين، ولم يصلح ذلك في المعرفة؛ لأن المعرفة موقّتة معلومة، وفعلها غير موافق للفظها ولا لمعناها.

فإن قلت: فهل يجوز أن تقول: كان أخوك القاتل، فترفع؛ لأن الفعل معرفة والاسم معرفة فترفعا للاتفاق إذا كانا معرفة كما ارتفعا للاتفاق في النكرة؟
قلت: لا يجوز ذلك من قبل أن نعت المعرفة دليل عليها إذا حصّلت، ونعت النكرة متّصل بها كصلة الذي. وقد أنشدني المفضّل الضبّيّ:
أفاطم إني هالك فتبيّني * ولا تجزعي كلّ النساء يئيم
ولا أنبأن بأنّ وجهك شانه * خموشٌ وإن كان الحميم الحميم
فرفعهما. وإنما رفع الحميم الثاني لأنه تشديد للأول. ولو لم يكن في الكلام الحميم لرفع الأول.
ومثله في الكلام: ما كنا بشيء حين كنت، تريد حين صرت وجئت، فتكتفى (كان) بالاسم.

ومما يرفع من النكرات قوله: {وإن كان ذو عسرةٍ} وفي قراءة عبد الله وأبيّ "وإن كان ذا عسرة" فهما جائزان؛ إذا نصبت أضمرت في كان اسما؛ كقول الشاعر:
لله قومي أي قوم لحرّة * إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا! ‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍
وقال آخر:
أعينيّ هلاّ تبكيان عفاقا * إذا كان طعنا بينهم وعناقا
وإنما احتاجوا إلى ضمير الاسم في (كان) مع المنصوب؛ لأنه بنية (كان) على أن يكون لها مرفوع ومنصوب، فوجدوا (كان) يحتمل صاحبا مرفوعا فأضمروه مجهولا.
وقوله: {فإن كنّ نساء فوق اثنتين} فقد أظهرت الأسماء. فلو قال: فإن كان نساء جاز الرفع والنصب.
ومثله {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}.
ومثله {إلا أن
يكون ميتة أو دما مسفوحا} ومن قال {تكون ميتة} جاز فيه الرفع والنصب. وقلت {تكون} لتأنيث الميتة،
وقوله: {إنها إن تك مثقال حبة من خردل} فإن قلت: إن المثقال ذكر فكيف قال (تكن)؟ قلت: لأن المثقال أضيف إلى الحبّة وفيها المعنى؛ كأنه قال: إنها إن تك حبّة؛ وقال الشاعر:

على قبضة مرجوّة ظهر كفّه * فلا المرء مستحىٍ ولا هو طاعم
لأنه ذهب إلى الكفّ؛ ومثله قول الآخر:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته * كما شرقت صدر القناة من الدم
وقوله:
أبا عرو لا تبعد فكلّ ابن حرّة * ستدعوه داعي موتة فيجيب
فأنّث فعل الداعي وهو ذكر؛ لأنه ذهب إلى الموتة. وقال الآخر:
قد صرّح السير عن كتمان وابتذلت * وقع المحاجن بالمهريّة الذّقن
فأنث فعل الوقع وهو ذكر؛ لأنه ذهب إلى المحاجن. وقوله: {ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ} أي: لا يدع كاتب وهو مشغول، ولا شهيد). [معاني القرآن: 1/185-187]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا يبخس منه شيئاً}: لا ينقص، قال: لا تبخسني حقي (؟)، قال في مثل: (تحسبها حمقاء وهي باخسة) أي ظالمة.
{أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى} أي: تنسى.
{ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} قال فيمن شهد: لا يأب إذا دعى، وله قبل أن يشهد أن لا يفعل.
{أقسط عند الله} أعدل.
{فسوقٌ} الفسوق: المعصية في هذا الموضع). [مجاز القرآن: 1/83-84]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مّسمًّى فاكتبوه وليكتب بّينكم كاتبٌ بالعدل ولا يأب كاتبٌ أن يكتب كما علّمه اللّه فليكتب وليملل الّذي عليه الحقّ وليتّق اللّه ربّه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يملّ هو فليملل وليّه بالعدل واستشهدوا شهيدين مّن رّجالكم فإن لّم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند اللّه وأقوم للشّهادة وأدنى ألاّ ترتابوا إلاّ أن تكون تجارةً حاضرةً تديرونها بينكم فليس عليكم جناحٌ ألاّ تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ وإن تفعلوا فإنّه فسوقٌ بكم واتّقوا اللّه ويعلّمكم اللّه واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}
قال: {واستشهدوا شهيدين مّن رّجالكم فإن لّم يكونا رجلين} أي: إن لم يكن الشهيدان رجلين.
{فرجلٌ وامرأتان}
فالذي يستشهد رجلٌ وامرأتان.

وقال: {ولا تسأموا} لأنها من "سئمت" "تسأم" "سآمةً" و"سأمةً" و"سآماً" و"سأماً".
[وقال] {ولا يأب الشّهداء} جزم لأنه نهي وإذا وقفت قلت "يأب" فتقف بغير ياء.
وقال: {إلاّ أن تكون تجارةٌ حاضرةٌ} أي: تقع تجارةٌ حاضرةٌ. وقد يكون فيها النصب على ضمير الاسم "إلاّ أن تكون تلك تجارةً.
وقال: {ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ} على النهي والرفع على الخبر. وهو مثل {لا تضارّ والدةٌ بولدها} إلاّ إنه لم يقرأ {لا تضارّ} رفعا.
وقوله: {إذا تداينتم بدينٍ} فقوله: {بدينٍ} تأكيد نحو قوله: {فسجد الملائكة كلّهم أجمعون} لأنك تقول "تداينّا" فيدل على قولك "بدينٍ" قال الشاعر:
داينت أروى والدّيون تقضى = [فمطلت بعضاً وأدّت بعضا]
تقوله: "داينتها وداينتني فقد تداينّا" كما تقول: "قابلتها وقابلتني فقد تقابلنا".
وقال: {أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله} فأضمر "الشاهد".
وقال: {إلى أجله} إلى الأجل الذي تجوز فيه شهادته والله أعلم).
[معاني القرآن: 1/156-157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فليملل وليّه بالعدل أي} وليّ الحق.
{أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى} أي: تنسى إحداهما الشهادة، فتذكرها الأخرى. ومنه قول موسى عليه السلام: {فعلتها إذاً وأنا من الضّالّين} [الشعراء: 20] أي: من الناسين.
{ولا تسئموا} أي: لا تملوا، {أن تكتبوه صغيراً} من الدّين كان {أو كبيراً}.
{أقسط عند اللّه}: أعدل، {وأقوم للشّهادة}: لأن الكتاب يذكّر الشهود جميع ما شهدوا عليه، {وأدنى ألّا ترتابوا} أي: أن لا تشكّوا.
{إلّا أن تكون تجارةً حاضرةً تديرونها بينكم} أي: تتبايعونها بينكم.
{ولا يضارّ كاتبٌ}: فيكتب ما لم يملل عليه، {ولا شهيدٌ}: فيشهد بما لم يستشهد.
ويقال: هو أن يمتنعا إذا دعيا.
ويقال: «لا يضار» بمعنى لا يضارر «كاتب» أي يأتيه فيشغله عن سوقه وصنعته. هذا قول مجاهد والكلبي). [تفسير غريب القرآن:99-100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمّى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه اللّه فليكتب وليملل الّذي عليه الحقّ وليتّق اللّه ربّه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يملّ هو فليملل وليّه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند اللّه وأقوم للشّهادة وأدنى ألّا ترتابوا إلّا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألّا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضارّ كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنّه فسوق بكم واتّقوا اللّه ويعلّمكم اللّه واللّه بكلّ شيء عليم}
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين}
يقال داينت الرجل إذا عاملته بدين، أخذت منه وأعطيته. وتداينّا على داينته، قال الشاعر:
داينت ليلى والدّيون تقضى... فمطلت بعضا وأدّت بعضا
ويقال دنت وأدّنت أي اقترضت، وأدنت إذا أقرضت.
قال الشاعر:
أدان وأنبّأه الأولون... بأن المدان مليء وفيّ
فالمعنى: إذا كان لبعضكم على بعض دين إلى أجل مسمّى فاكتبوه فأمر الله - عزّ وجلّ - بكتب الدين، حفظا منه للأموال، وكذلك الإشهاد فيها وللناس من الظلم لأن صاحب الدّين إذا كانت عليه الشهود والبينة قلّ تحديثه نفسه بالطمع في إذهابها، فأمر اللّه - جلّ وعزّ - بالإشهاد والكتاب.
قال بعض أهل اللغة: هذا أدب من اللّه عزّ وجلّ وليس بأمر حتم كما قال عزّ وجلّ: {وإذا حللتم فاصطادوا}- فليس يجب كلما يحل من الإحرام أن يصطاد، وكما قال: {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض}.
وهذا خلاف ما أمر اللّه به في كتاب الدين والإشهاد لأن هذين جميعا إباحة بعد تحريم - قال الله عزّ وجلّ: {وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما} وقال: {لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرم} ثم أباح لهم - إذا زال الإحرام - الصيد " وكذلك " قال: {إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه وذروا البيع} فأباح لهم بعد انقضاء الصلاة الابتغاء من فضله، والانتشار في الأرض لما أرادوا من بيع وغيره.
وليست آية الدّين كذلك، ولكن الذي رخص في ترك الإشهاد في قول قوم قوله: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} أي: يكتب بالحق، لا يكتب لصاحب الدين فضلا على الذي عليه الدين ولا ينقصه من حقه - فهذا العدل.
ومعنى {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه اللّه فليكتب} أي: لا يأب أن يكتب كما أمره اللّه به من الحق.
وقيل {كما علّمه اللّه فليكتب} أي: كما فضله اللّه بالكتاب فلا يمنعن المعروف بكتابه.
وأبى يأبى في اللغة منفرد لم يأت مثله إلا قلى يقلى، والذي أتى أبى يأبى لا غير - فعل يفعل، وهذا غير معروف إلا أن يكون في موضع العين من الفعل أو اللام حرف من حروف الحلق، وقد بيّناها، ولكن القول فيه أن الألف في أبى أشبهت الهمزة فجاء يفعل مفتوحا لهذه العلة، وهذا القول لإسماعيل بن إسحاق ومثله قلى يلقى.
ومعنى قوله عزّ وجلّ {ولا يبخس منه شيئا} أي: لا ينقص منه شيئا.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يملّ هو}.
السفيه: الخفيف العقل، ومن هذا قيل تسفهت الريح الشيء إذا حركته واستخفته، قال الشاعر:
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت... أعاليها مرّ الرّياح النّواسم
فالنساء والصبيان اللاتي لا يميزن تميزا صحيحا سفهاء، والضعيف في عقله سفيه، والذي لا يقدر - على الإملاء العيي.
وجائز أن يكون: الجهول سفيها كهؤلاء.
ومعنى{فليملل وليه بالعدل} أي: الذي يقوم بأمره، لأن اللّه أمر ألا نؤتي السفهاء الأموال.
وأمر أن يقام لهم بها فقال: {وارزقوهم فيها واكسوهم}.

فوليه الذي يقوم مقامه في ماله لو كان مميزا.
وقال قوم: ولي الدّين. وهذا بعيد: كيف يقبل قول المدعي، وما حاجتنا إلى الكتاب والإشهاد والقول قوله: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}.
معنى رجالكم من أهل ملتكم.
وقوله عزّ وجلّ: {فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء}أي: فالذي يشهد - إن لم يكن - رجلان - رجل وامرأتان.
ومعنى {ممن ترضون من الشهداء} أي: ممن ترضون مذهبه، ودل بهذا القول أن في الشهود من ينبغي ألا يرضى.

{أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى}.
من كسر (أن) فالكلام علي لفظ الجزاء، ومعناه: المعنى في (إن تضل) إن تنسى إحداهما، تذكرها الذاكرة فتذكر.
و{فتذكّر} رفع مع كسر (إن) لا غير - ومن قرأ "أن تضل فتذكر " وهي قراءة أكثر الناس، فزعم بعض أهل اللغة فيها أن الجزاء فيها مقدّم أصله التأخير وقال: المعنى: استشهدوا امرأتين مكان الرجل كي تذكر الذاكرة - الناسية. إن نسيت. فلما تقدم الجزاء اتصل بأول الكلام وفتحت أن وصار جوابه مردودا عليه.
ومثله إني ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى، قال - والمعنى إنما يعجبه الإعطاء إن سأل السائل وزعم أن هذا قول بين.
ولست أعرف لم صار الجزاء إدا تقدم - وهو في مكانه أو في غير مكانه وجب أن يفتح (أن) معه.
وذكر سيبويه والخليل " وجميع النحويين الموثوق بعلمهم أن المعنى: استشهدوا امرأتين لأن تذكر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكر إحداهما الأخرى،
قال سيبويه: فإن قال إنسان فلم جاز (أن تضل) وإنما أعد هذا للإذكار، فالجواب أن الإذكار لما كان سببه الإضلال جاءت أن يذكر (أن تضل) لأنّ الإضلال هو السبب الذي أوجب الإذكار.

قال ومثله: أعددت هذا الجذع أن يميل الحائط، فأدعمه، وإنّما أعددته للدعم لا للميل، ولكن الميل ذكر لأنه سبب الدعم، كلما ذكر الإضلال لأنه سبب الإذكار - فهذا هو البيّن إن شاء الله.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا}.
يروى عن الحسن أنه قال: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} لابتداء الشهادة، أي: ولا يأبوا إذا دعوا لإقامتها.
وهذا الذي قال الحسن هو الحق - واللّه أعلم - لأن الشهداء إذا أبوا - وكان ذلك لهم - أن يشهدوا تويت حقوقهم وبطلت معاملاتهم فيما يحتاجون إلى التوثق فيه.
وقال غير الحسن: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} - وكانت في أعناقهم شهادة - أن يقيموها.
فأما إذا لم يكونوا شهداء فهم مخيرون في ابتداء الشهادة، إن شاءوا شهدوا وإن شاءوا أبوا.
ويدل على: توكيد أن الشاهد ينبغي له إذا ما دعي ابتداء أن يجيب.
قوله تعالى: {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله} أي: لا تملوا أن تكتبوا ما أشهدتم عليه، فقد أمروا بهذا، فهذا يؤكد أن أمر الشهادة في الابتداء واجب، وأنه لا ينبغي أن يمل ويقال سئمت أسأم سآمة. سأما.
قال الراجز:
لما رأيت أنه لا قامة...وأنني ساق على السآمة
نزعت نزعا زعزع الدعامة ومعنى: {إلّا أن تكون تجارة حاضرة}.
أكثر القراء على: الرفع {تجارة حاضرة} على معنى: إلا أن تقع تجارة حاضرة.
ومن نصب تجارة - وهي قراءة عاصم فالمعنى إلا أن تكون المداينة تجارة حاضرة.

والرفع أكثر وهي قراءة الناس.
فرخص اللّه عزّ وجلّ في ترك كتابة ما يديرونه بينهم لكثرة ما تقع المعاملة فيه، وأنه أكثر ما تقع المتاجرة بالشيء القليل، وإن وقع فيه الدين.
ووكد في الإشهاد في البيع فقال: {وأشهدوا إذا تبايعتم} وقد بيّنّا ما الذي رخص في ترك، الإشهاد.
ومعنى {ولا يضارّ كاتب ولا شهيد}: قالوا فيه قولين:
1- قال بعضهم: {لا يضارّ}: لا يضارر، فأدغمت الراء في الراء، وفتحت لالتقاء الساكنين، ومعنى {لا يضارّ}: لا يكتب الكاتب إلا بالحق ولا يشهد الشاهد إلا بالحق.

2- وقال قوم: {ولا يضارّ كاتب ولا شهيد}: لا يدعى الكاتب وهو مشغول لا يمكنه ترك شغله إلا بضرر يدخل عليه، وكذلك لا يدعى الشاهد ومجيئه للشهادة يضرّ به
والأول أبين لقوله: {وإن تفعلوا فإنّه فسوق بكم} فالفاسق أشبه بغير العدل وبمن حرف الكتاب منه بالذي دعا شاهدا ليشهد، ودعا كاتبا ليكتب، وهو مشغول فليس يسمّى هذا فاسقا ولكن يسمى من كذب في الشهادة ومن حرف الكتاب فاسقا).
[معاني القرآن: 1/360-366]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} في معناها أقوال:
1-منها" أن هذا على الندب وليس بحتم.
2-ومنها أن أبا نضرة روى عن أبي سعيد الخدري أنه تلا هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين} حتى بلغ {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته} قال: نسخت هذه الآية ما قبلها.
3-وقيل: إن هذا واجب في الأجل والإشهاد في العاجل وإنما الرخصة في الرهن.
ويقال: داينت الرجل إذا أقرضته واستقرضت منه وكذلك تداين القوم.
وأدنت الرجل بعته بدين ودنت وأدنت أي أخذت بدين وأنا دائن ومدان.
والمدين الملك إذا دان الناس له أي سمعوا وأطاعوا.
ومما يسأل عنه أن يقال ما وجه بدين وقد دل تداينهم على الدين فهل تكون مداينة بغير دين
فالجواب: أن العرب تقول تداينا، أي: تجارينا وتعاطينا الأخذ والإعطاء فجاء بدين مبينا للمعنى المقصود). [معاني القرآن: 1/312-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل}
قال السدي: بالحق، أي: لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما له ولا أقل.
ثم قال تعالى: {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله} قيل كما علمه الله من الكتابة بالعدل، وقيل كما فضله الله بعلم الكتابة.
ثم قال تعالى: {فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو}
قال ابن وهب: أخبرني يونس أنه سأل ربيعة ما صفة السفيه فقال: الذي لا يثمر ماله في يدعه ولا ابتياعه ولا يمنع نفسه لذة يسقط في المال سقوط من لا يعد المال شيئا الذي لا يرى له عقل في مال.
وروي عن ابن عباس أنه قال: السفيه الجاهل بالإملاء والضعيف الأخرق.
وقال أبو إسحاق: السفيه الخفيف العقل ومن هذا تسفهت الريح إذا حركته واستخفته ومنه:
مشين كما اهتزت رماح تسفهت = أعاليها مر الرياح النواسم
وحكى غيره: أن السفه كل ما يقبح فعله أي هو فعل ليس بمحكم من قولهم ثوب سفيه إذا كان متخلخلا
فأما الضعيف: فهو والله أعلم الذي فيه ضعف من خرس أو هرم أو جنون
ثم قال تعالى: {فليملل وليه بالعدل}في معنى هذا قولان:
1-روى سفيان عن يونس عن الحسن فليملل وليه بالعدل، قال الضحاك: ولي السفيه الذي يجوز عليه أمره فهو وليه، أي: يقوم بأمره {بالعدل} هو الذي يملي الحق.
2-والقول الآخر: عن ابن عباس أن المعنى فليملل ولي الذي هو عليه.
واحتج بهذا القول: من ذهب إلى نفي الحجر عن الأحرار البالغين العقلاء وهو مذهب محمد بن سيرين وإبراهيم النخعي
ثم قال عز وجل: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} قيل: من أهل ملتكم.
ثم قال تعالى: {ممن ترضون من الشهداء} أي: ممن ترضون مذهبه.
قال إبراهيم ممن لم تظهر له ريبة
ثم قال تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} أي: أن تنسى احدهما فتذكرها الأخرى.
وروي عن الجحدري أن تضل أي: تنسى كما يقال أنسيت كذا.
فأما ما روي عن ابن عيينة من أنه قال: تصير شهادتهما بمنزلة شهادة الذكر فلا يعرفه أهل اللغة وهو أيضا خطأ لأنه لو كان إنما معناه نجعلها بمنزلة الذكر لم يحتج إلى أن تضل لأنها كانت تجعلها بمنزلة الذكر ضلت أو لم تضل، ولا يجوز أن: تصيرها بمنزلة الذكر وقد نسيت شهادتها
وأما فتح إن فنذكره في الإعراب إن شاء الله
ثم قال عز وجل: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}
روى ابن نجيح عن مجاهد قال: إذا دعي ليشهد وقد كان أشهد .
وقال الحسن: وإذا ما دعوا ابتداء للشهادة ولا يأبوا إذا دعوا لإقامتها.
قال أبو جعفر: قيل قول الحسن أشبه لأنه لو كان ذلك لهم لتويت الحقوق ولأن بعده {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله} أي: لا تملوا أن تكتبوا الحق كان كثيرا أو قليلا كما يقال لأعطينك حقك صغر أو كبر.
وقال الأخفش: إن تكتبوه فأضمر الشاهد قال وقال إلى أجله أي إلى الأجل الذي تجوز فيه شهادته والله أعلم. هذا في كلام الأخفش نصا
قال أبو جعفر: واختار محمد بن جرير قول مجاهد أن المعنى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا أن ذلك إذا كانت عندك شهادة فدعيت وهو قول سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة والشعبي والنخعي.
قال محمد بن جرير: لأن الله قد ألزمهم اسم الشهداء وإنما يلزمهم اسم الشهداء إذا شهدوا على شيء قبل ذلك وغير جائز أن يقال لهم شهداء ولم يشهدوا
ولو كان ذلك لكان الناس كلهم شهداء بمعنى أنهم يشهدون فصار المعنى إذا ما دعوا ليؤدوا الشهادة وأيضا فدخول الألف واللام يدل على أن المعني بالنهي شخص معلوم
ثم قال تعالى: {ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة}
قال سفيان: معناه أعدل ثم قال وأقوم الشهادة أي أثبت لأن الكتاب يذكر الشاهد ما شهد عليه.
ثم قال تعالى: {وأدنى ألا ترتابوا} أي: لا تشكوا.
ثم رخص في ترك الكتابة فيما يجري بين الناس كثيرا فقال تعالى: {إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم}). [معاني القرآن: 1/314-322]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا يضار كاتب ولا شهيد} فيه أقوال:
1- منها أن المعنى على قول عطاء لا يمتنعا إذا دعيا.
كما روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: كان عمر يقرأ {ولا يضارر كاتب ولا شهيد}
2-وقال طاووس: لا يضارر كاتب فيكتب ما لم يملل عليه.
3-وقال الحسن: ولا يضارر الشهيد أن يزيد في شهادته.
4-وروي عن ابن عباس ومجاهد ولا يضار كاتب ولا شهيد قالا نهي أن يجاء إلى الشاهد والكاتب فيدعيا إلى الكتابة والشهادة وهما مشغولان فيضارا فيقال قد أمركما الله ألا تمتنعا وهو مستغن عنهما والتقدير على هذا القول ولا يضارر وكذا قرأ ابن مسعود.
فنهى الله جل وعز عن هذا لأنه لو أطلقه لكان فيه شغل عن أمر دينهما ومعاشهما
ثم قال جل وعز: {وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم}
قال سفيان: فإنه فسوق بكم قال معصية). [معاني القرآن: 1/322-325]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {ولا يبخس} أي: لا ينقص). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {سفيها} أي: ضعيف العقل). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {بالعدل} أي: بالحق والإنصاف). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {أن تضل} أي: أن تنسى). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{لا تسأموا} أي: لا تملوا). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{أقسط}: أعدل). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أن تضل إحداهما} أي: تنسى الشهادة.
{ولا تسأموا أن تكتبوه} تملوا أن تكتبوه.
{أقسط} أعدل.
{ولا يضار كاتب} أي: لا يكتب ما لم يملل عليه {ولا شهيد}أي: لا يشهد بما لم يشهد عليه. وقيل: هو أن يمتنعا إذا دعيا، فيكون {يضار} بمعنى: يضارر بكسر الراء. وقيل: هو بمعنى يضارر على ما لم يسم فاعله، فيكون المعنى: لا يشغلهما عن شغلهما). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلِيُّهُ}: صاحب الحق.
{أَن تَضِلَّ}
: أن تنسى.
{تَسْأَمُوْاْ}: تملّوا). [العمدة في غريب القرآن: 95]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فرهانٌ مّقبوضةٌ...}
وقرأ مجاهد "فرهن" على جمع الرهان كما قال "كلوا من ثمره" لجمع الثمار. وقوله: {ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه} [وأجاز قوم (قلبه) بالنصب] فإن يكن حقا فهو من جهة قولك: سفهت رأيك وأثمت قلبك). [معاني القرآن: 1/188]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فرهنٌ مقبوضةٌ} قال أبو عمرو: الرّهان في الخيل، وأنشد قول قعنب بن أمّ صاحب من بني عبد الله بن غطفان:
بانت سعاد وأمس دونها عدن... وغلّقت عندها من قبلك الرّهن). [مجاز القرآن: 1/84]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن كنتم على سفرٍ ولم تجدوا كاتباً فرهان مّقبوضةٌ فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته وليتّق اللّه ربّه ولا تكتموا الشّهادة ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه واللّه بما تعملون عليمٌ}
قال: {فرهان مّقبوضةٌ} تقول: "رهنٌ"، و"رهان" مثل: "حبلٌ" و"حبالٌ".
وقال أبو عمرو: "فرهنٌ" وهي قبيحةٌ لأنّ "فعلاً" لا يجمع على "فعل" إلا قليلاً شاذاً، زعم أنهم يقولون: "سقفٌ" و"سقفٌ" وقرأوا هذه الآية {سقفاً من فضّةٍ}.
وقالوا: "قلبٌ" و"قلبٌ" و"قلبٌ" من "قلب النّخلةٍ" و"لحد" و"لحد" لـ"لحد القبر" وهذا شاذٌ لا يكاد يعرف.
وقد جمعوا "فعلاً" على "فعلٍ" فقالوا: "ثطٌّ" و"ثطٌّ"، و"جونٌ" و"جونٌ"، و"وردٌ" و"وردٌ". وقد يكون "رهنٌ" جماعةً لـ"الرّهان" كأنّه جمع الجماعة و"رهان" أمثل من هذا الاضطرار. وقد قالوا: "سهمٌ خشنٌ" في "سهامٍ خشنٍ". خفيفة.
وقال أبو عمرو: "قالت العرب: "رهنٌ" ليفصلوا بينه وبين رهان الخيل.
قال الأخفش: "كلّ جماعةٍ على "فعل" فإنّه يقال فيها "فعل".

وقال{فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} وهي من "أدّى" "يؤدّي" فلذلك همز و"اؤتمن" همزها لأنها من "الأمانة" [و] موضع الفاء منها همزة، إلاّ أنك إذا استأنفت ثبتت ألف الوصل فيها فلم تهمز موضع الفاء لئلا تجتمع همزتان). [معاني القرآن: 1/157-158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فرهانٌ مقبوضةٌ} جمع «رهن».
ومن قرأ (فرهن مقبوضة) أراد جمع «رهان». فكأنه جمع الجمع).
[تفسير غريب القرآن: 100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته وليتّق اللّه ربّه ولا تكتموا الشّهادة ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه واللّه بما تعملون عليم}
قرأ الناس " فرهن مقبوضة " و " فرهان مقبوضة "
فأمّا "رهن" فهي قراءة أبي عمرو، وذكر فيه غير واحد أنها قرئت: " فرهن " ليفصل بين الرهان في الخيل وبين جمع رهن في غيرها، ورهن ورهان أكثر في اللغة:
1-قال الفراء " رهن " جمع رهان،
2-وقال غيره: رهن وررهن " مثل سقف وسقف.

وفعل وفعل قليل إلا إنّه صحيح قد جاء؛ فأما في الصفة فكثير، يقال: فرس ورد، وخيل ورد.
ورجل ثط وقوم ثط، والقراءة على " رهن " أعجب إليّ لأنها موافقة للمصحف، وما وافق المصحف وصح معناه وقرأت به القراء فهو المختار.
ورهان جيّد بالغ.
يقال: رهنت الرهن وأرهنته، وأرهنت أقلهما.
قال الشاعر في أرهنت:
فلمّا خشيت أظافيرهم... نجوت وأرهنتهم مالكا
وقال في رهنت: أنشده غير واحد:
فهل من كاهن أو ذي إله... إذا ما حان من ربي قفول
يراهنني فيرهنني بنيه... وأرهنه بني بما أقول
لما يدري الفقير متى غناه... وما يدري الغنيّ متى يعيل). [معاني القرآن: 1/366-368]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}
وقرأ ابن عباس (كتابا) وقال: قد يوجد الكاتب ولا توجد الصحيفة.
وكذا قرأ أبو العالية وعكرمة والضحاك ومجاهد.
وقيل: إن كتابا جمع كاتب كما يقال قايم وقيام.
وقيل: هما بمنزلة اثنين.
ثم قال تعالى: {فرهان مقبوضة}
قرئ {فرهن مقبوضة} رهن جميع رهان ويجوز أن يكون جمع رهن مثل سقف وسقف). [معاني القرآن: 1/324-325]


رد مع اقتباس
  #30  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:36 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 284 إلى آخر السورة]

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}

تفسير قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {للّه ما في السّماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه على كلّ شيء قدير}معناه: هو خالقهما.
{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه}معناه: إن تظهروا العمل به أو تسرّوه يحاسبكم به اللّه، وقد قيل إن هذا منسوخ، روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ((تجوّز لهذه الأمة عن نسيانها وما حدّثت به أنفسها)).
ولما ذكر اللّه - جلّ وعزّ - فرض الصلاة والزكاة والطلاق والحيض والإيلاء والجهاد وأقاصيص الأنبياء والدّين والربا، ختم السورة بذكر تعظيمه وذكر تصديق نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بجميع ذلك فقال:
{آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير}). [معاني القرآن: 1/368]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}فيها أقوال:
1- روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
2- إلا أن علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس أنه قال: لم تنسخ ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول إني أخبركم بما أكننتم في أنفسكم فأما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم
وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب فذلك قوله عز وجل: {يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}وهو قول جل وعز: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} من الشك والنفاق.
وحدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن آدم بن سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من قبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا)) فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله عز وجل: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} الآية وأنزل {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال: قد فعلت {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} قال: قد فعلت {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال: قد فعلت
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: نسختها الآية التي بعدها {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}
وروى مقسم عن ابن عباس نزلت في الشهادة، أي: في إظهارها وكتمانها
وقال مجاهد: هذا في الشك واليقين.
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أمية أنها سألت عائشة عن هذه الآية {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} وسألتها عن هذه الآية {من يعمل سوءا يجز به} فقالت عائشة: ما سألني عنهما أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(( يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير))
وقال الضحاك: يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه.
وقيل: لا يكون في هذا نسخ لأنه خبر ولكن يبينه {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}
فالمعنى: والله أعلم وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه من الكبائر والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس حسن والله أعلم بما أراد.
فأما ما روي عن ابن عباس من النسخ فمما يجب أن يوقف على تأويله إذ كانت الأخبار لا يقع فيها ناسخ ولا منسوخ.
فإن صح فتأويله أن الثاني مثل الأول كما تقول نسخت هذا من هذا
وقيل: فيه قول آخر يكون معناه فأزيل ما خالط قلوبهم من ذلك وبين). [معاني القرآن: 1/325-330]

تفسير قوله تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {غفرانك ربّنا...}
مصدر وقع في موضع أمر فنصب.
ومثله: الصلاة الصلاة.
وجميع الأسماء من المصادر وغيرها إذا نويت الأمر نصبت.
فأمّا الأسماء فقولك: اللّه اللّه يا قوم؛ ولو رفع على قولك: هو الله، فيكون خبرا وفيه تأويل الأمر لجاز؛ أنشدني بعضهم:

إن قوما منهم عمير وأشبا * ه عمير ومنهم السفّاح
لجديرون بالوفاء إذا قا * ل أخو النجدة السلاح السلاح
ومثله أن تقول: يا هؤلاء الليل فبادروا، أنت تريد: هذا الليل فبادروا. ومن نصب الليل أعمل فيه فعلا مضمرا قبله. ولو قيل: غفرانك ربّنا لجاز). [معاني القرآن: 1/188]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {غفرانك}: مغفرتك، أي اغفر لنا). [مجاز القرآن: 1/84]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({آمن الرّسول بما أنزل إليه من رّبّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ مّن رّسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير}
قال: {غفرانك ربّنا} جعله بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال: اغفر لنا غفرانك ربّنا" [و] مثله "سبحانك" إنما هو "تسبيحك" أي "نسبحك تسبيحك" وهو البراءة والتنزيه). [معاني القرآن: 1/158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا نفرّق بين أحدٍ من رسله} [«أحد» في معنى جميع.
كأنه قال: لا نفرق بين رسله]، فنؤمن بواحد، ونكفر بواحد). [تفسير غريب القرآن: 100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير}
أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون.
{كلّ آمن باللّه} أي: صدق بالله وملائكته وكتبه.
- وقرأ ابن عباس - وكتابه وقرأته جماعة من القراء.
فأمّا كتب فجمع كتاب، مثل: مثال ومثل، وحمار وحمر.
وقيل لابن عباس في قراءته " وكتابه " فقال: كتاب أكثر من كتب.
ذهب به إلى اسم الجنس
كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس.
ومعنى {لا نفرّق بين أحد من رسله} أي: لا نفعل كما فعل أهل الكتاب قبلنا. الذين آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، نحو كفر اليهود بعيسى، وكفر النصارى بغيره فأخبر عن المؤمنين أنهم يقولون {لا نفرّق بين أحد من رسله}.
وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا سمعنا وأطعنا}أي: " سمعنا " سمع قابلين. و {أطعنا}: قبلنا ما سمعنا، لأن من سمع فلم يعمل قيل له أصم - كما قال جلّ وعزّ: (صمّ بكم عمي). ليس لأنهم لا يسمعون ولكنهم صاروا - في ترك القبول بمنزلة من لا يسمع قال الشاعر:
أصمّ عمّا ساءه سميع
ومعنى {غفرانك ربّنا وإليك المصير} أي: أغفر غفرانك، وفعلان، من أسماء المصادر نحو السّلوان والكفران.
ومعنى {وإليك المصير} أي: نحن مقرون بالبعث). [معاني القرآن: 1/368-369]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله}أي: كلهم آمن بالله.
وقرأ ابن عباس(وكتابه) وقال: كتاب أكثر من كتب. يذهب إلى انه اسم للجنس
وقوله جل وعز: {لا نفرق بين أحد من رسله}
روي عن ابن مسعود وابن عباس ويحيى بن يعمر أنهم قرءوا (لا يفرق) بمعنى كل لا يفرق أي لا يفرق الرسول والمؤمنون بين أحد من رسله
ومن قرأ بالنون: فالمعنى عنده قالوا لا نفرق بين أحد من رسله أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض
ويدل على النون ربنا
ثم قال تعالى: {وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} ومعنى: غفرانك اغفر لنا غفرانا). [معاني القرآن: 1/330-331]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):(سمعنا): قولك.
{وأطعنا}: أمرك). [ياقوتة الصراط:176-177]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا نفرق بين أحد} أحد بمعنى الجمع، ليست بمعنى واحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 46]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}.
الوسع اسم في مثل معنى الوجد والجهد.
ومن قال في مثل الوجد: الوجد، وفي مثل الجهد: الجهد قال في مثله من الكلام: "لا يكلف الله نفسا إلاّ وسعها".
ولو قيل: وسعها لكان جائزا، ولم نسمعه). [معاني القرآن: 1/188]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {ربّنا ولا تحمل علينا إصراً} والإصر: العهد كذلك، قال في آل عمران {وأخذتم على ذلكم إصري} والإصر هاهنا: الإثم إثم العقد إذا ضيّعوا، كما شدّد على بني إسرائيل.
وقد قرأت القرّاء {فأذنوا بحربٍ من الله} يقول: فاعلموا أنتم به.
وقرأ قوم: فآذنوا أي فأعلموا.

وقال ابن عباس: فإن لم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة وقال: قد يوجد الكاتب ولا توجد الصحيفة ولا الدواة). [معاني القرآن: 1/189]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إصراً} الإصر: الثّقل وكلّ شيء عطفك على شيء من عهدٍ، أو رحم فقد أصرك عليه، وهو الأصر مفتوحة، فمن ذلك قولك: ليس بيني وبينك آصرة رحمٍ تأصرني عليك، وما يأصرني عليك حقٌ: ما يعطفني عليك؛ وقال الأبيرد في قوله عزّت قدرته: {فصرهنّ إليك}

فما تقبل الأحياء من حب خندفٍ... ولكن أطراف العوالي تصورها
أي: تضمّها إلينا.
ولو أن أمّ الناس حوّاء حاربت... تميم بن مرٍّ لم تجد من تجيرها). [مجاز القرآن: 1/84-85]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا تحمل علينا إصرا} الإصر: الثقل وكل شيء عطفك من عهد أو رحم فقد أصرك). [غريب القرآن وتفسيره: 100]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وسعها}: طاقتها.
الإصر: الثّقل أي لا تثقل علينا من الفرائض، ما ثقلته على بني إسرائيل.
{أنت مولانا} أي: وليّنا). [تفسير غريب القرآن: 100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا يكلّف اللّه نفسا إلّا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الّذين من قبلنا ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}
{لا يكلّف اللّه نفسا إلّا وسعها} أي: إلا قدر طاقتها، لا يكلفها فرضا من فروضه من صوم أو صلاة أو صدقة أو غير ذلك إلا بمقدار طاقتها.
ومعنى {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}أي: لا يؤاخذ أحدا - بذنب غيره - كما قال - جلّ وعزّ: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.
ومعنى (ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) قيل فيه قولان:
1- قال بعضهم إنه على ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((عفي لهذه الأمة عن نسيانها وما حدّثت به أنفسها))

2- وقيل: (إن نسينا أو أخطأنا) أي: إن تركنا.
و (أو أخطانا) أي: كسبنا خطيئة واللّه أعلم.
إلا أن هذا الدعاء أخبر اللّه به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين وجعله في كتابه نيكون دعاء من يأتي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة رحمهم اللّه.
وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن اللّه - جلّ وعزّ - قال في كل فصل من هذا الدعاء [فعلت فعلت] أي استجبت.
فهو من الدعاء الذي ينبغي أن يحفظ وأن يدعى به كثيرا.
وقوله جلّ وعزّ: (ربّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الّذين من قبلنا).
كل عقد من قرابة أو عهد فهو إصر، العرب تقول: ما تأصرني على فلان آصرة. أي ما تعطفني عليه قرابة ولا منة قال الحطيئة:
عطفوا عليّ بغير آصرة... فقد عظم الأواصر
أي: عطفوا على بغير عهد قرابة، والمأصر من هذا مأخوذ إنما هو عقد ليحبس به، ويقال للشيء الذي تعقد به الأشياء الإصار.
فالمعنى: لا تحمل علينا أمرا يثقل كما حملته على الذين من قبلنا نحو ما أمر به بنو إسرائيل من قتل أنفسهم، أي لا تمتحنا بما يثقل.
(أيضا) نحو قوله: {ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفا من فضّة}
والمعنى: لا تمتحنا بمحنة تثقل.
ومعنى {ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به}أي: ما يثقل علينا، فإن قال قائل - فهل يجوز أن يحمّل اللّه أحدا ما لا يطيق؟
قيل له: إد أردت ما ليس في قدرته ألبتّة فهذا محال.
وإن أردت ما يثقل ويخسف فللّه عزّ وجلّ أن يفعل من ذلك ما أحب.
لأن الذي كلفه بني إسرائيل من قتل أنفسهم (يثقل)، وهذا كقول القائل: ما أطيق كلام فلان، فليس المعنى ليس في قدرتي أن كلّمه ولكن معناه في اللغة أنه يثقل عليّ.
ومعنى (فانصرنا على القوم الكافرين) أي: أنصرنا عليهم في إقامة الحجة عليهم، وفي غلبنا إياهم في حربهم وسائر أمرهم، حتى تظهر ديننا على الدّين كلّه كما وعدتنا). [معاني القرآن: 1/369-371]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}
وسمعها أي: طاقتها أي لا يكلفها فرضا من الفروض لا تطيقه
{لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}
قال محمد بن كعب: لها ما كسبت من الخير وعليها ما اكتسبت من الشر.
وقال غيره: معناه لا يؤاخذ أحد بذنب أحد.
وقوله جل وعز: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}
قال قطرب: النسيان ههنا الترك كقول الرجل للرجل لا تنسني من عطيتك أي تتركني منها.
قال: أو أخطانا أي خطئنا وأذنبنا ليس على الخطأ.
قال أبو جعفر: الذي قال قطرب في نسينا معروف في اللغة قال عز وجل: {نسوا الله فنسيهم}.
وقد يجوز أن يكون من النسيان لأن النسيان قد يكون سببه الإقبال على ما لا يحل حتى يقع النسيان.
والذي قال في أخطأنا لا يعرفه أهل اللغة لأنه إنما يقال خطينا أي تعمدنا الذنب وأخطأنا إذا لم نتعمده فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر ولا يكون معنى أخطأنا دخلنا في الخطيئة كما يقال أظلمنا وأصبحنا وأنجدنا
وقوله جل وعز: {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا}
قال مجاهد: الإصر العهد.
قال سعيد بن جبير: الإصر شدة العمل وما غلظ على بني إسرائيل من البول ونحوه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم به))
قال الضحاك: كانوا يحملون أمورا شدادا.
قال مالك: الإصر الأمر الغليظ.
قال أبو عبيدة: الإصر الثقل.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد أي لا تأخذ عهدنا بما لا نقوم به إلا بثقل أي لا تحمل علينا إثم العهد كما قال تعالى: {وأخذتم على ذلكم إصري} وما أمروا به فهو بمنزلة ما أخذ عهدهم به ومعنى ما تأصرني على فلان آصرة أي ما يعطفني عليه عهد ولا قرابة.
وقوله جل وعز: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} معنى: ما لا طاقة لنا به ما يثقل نحو لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة كما يقال لا أطيق مجالسة فلان أي ذلك يثقل علي
والإصر ثقل العهد والفرض وما لا طاقة لنا به ما يقل بالإضافة وقد يجوز أن يخف على غيرنا.
ثم قال جل وعز: {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}
{واعف عنا} أي: امح عنا ذنوبنا والعافي الدارس الممحي والعافية دروس البلاء.
{واغفر لنا} أي: غط على عقوبتنا واسترها.
وقيل، أي: امح عنا ذنوبنا.
{أنت مولانا} أي: ولينا وناصرنا وقال لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه = مولى المخافة خلفها وأمامها). [معاني القرآن: 1/331-336]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الإصر) الثقل.
{أنت مولانا} ولينا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 46]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( الإِصْــر: الثقــــل). [العمدة في غريب القرآن: 95]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة