ما ورد في نزول قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) )
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أخبرنا حاجب بن أحمد أخبرنا محمد بن حماد، أخبرنا أبو معاوية، عن سفيان، عن الأعمش، عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان))، فقال الأشعث بن قيس: في والله كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: ((ألك بينة؟)) قلت: لا، فقال لليهودي: ((أتحلف))، قلت: إذن يحلف فيذهب بمالي، فأنزل الله عز وجل: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} الآية، رواه البخاري عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني: أخبرنا عبد الله بن محمد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثني محمد بن سليمان قال: حدثنا صالح بن عمر، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله
[أسباب النزول: 105]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقطع بها مالا لقي الله وهو عليه غضبان)) فأنزل الله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} إلى آخر الآية، فأتى الأشعث بن قيس فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟ قلنا: كذا وكذا، قال: لفي نزلت خاصمت رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ألك بينة؟)) قلت: لا، قال: ((فيحلف)) قلت: إذن يحلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مالا لقي الله وهو عليه غضبان))، فأنزل الله: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} الآية، رواه البخاري عن حجاج بن منهال، عن أبي عوانة.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع، وعن ابن نمير، عن أبي معاوية كلهم عن الأعمش.
أخبرنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان عن منصور والأعمش، عن أبي وائل قال: قال عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحلف رجل على يمين صبر ليقطع بها مالا فاجرا إلا لقي الله وهو عليه غضبان)) قال: فأنزل الله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} قال: فجاء الأشعث وعبد الله يحدثهم، قال: في نزلت، وفي رجل خاصمته في بئر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألك بينة؟)) قلت: لا، قال: ((فليحلف لك)) قلت: إذن يحلف، قال: فنزلت: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} الآية.
[أسباب النزول: 106]
أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي، أخبرنا محمد بن المكي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا علي بن عبد الله سمع هشيما يقول: أخبرنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة في السوق، فحلف لقد أعطي بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزلت: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} إلى آخر الآية.
وقال الكلبي: إن ناسا من علماء اليهود أولي فاقة أصابتهم سنة فاقتحموا إلى كعب بن الأشرف بالمدينة، فسألهم كعب: هل تعلمون أن هذا الرجل رسول في كتابكم؟ قالوا: نعم، وما تعلمه أنت؟ قال: لا، فقالوا: فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله، قال كعب: لقد حرمكم الله خيرا كثيرا، لقد قدمتم علي وأنا أريد أن أبركم وأكسو عيالكم، فحرمكم الله وحرم عيالكم، قالوا: فإنه شبه لنا، فرويدا حتى نلقاه، فانطلقوا فكتبوا صفة سوى صفته، ثم انتهوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فكلموه وسائلوه، ثم رجعوا إلى كعب وقالوا: لقد كنا نرى أنه رسول الله، فلما أتيناه إذا هو ليس بالنعت الذي نعت لنا، ووجدنا نعته مخالفا للذي عندنا، وأخرجوا الذي كتبوا فنظر إليه كعب، ففرح ومارهم وأنفق عليهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: نزلت في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وحيي بن
[أسباب النزول: 107]
أخطب وغيرهم من رؤساء اليهود، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا أنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشا والمآكل التي كانت لهم على أتباعهم). [أسباب النزول: 108]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} [الآية: 77]
1 - قال مقاتل بن سليمان يعني رؤوس اليهود
وقال الحسين بن داود المعروف بسنيد في تفسيره حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قال نزلت هذه الآية إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة الآية في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وغيرهم 269 من رؤوس اليهود كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من نبوة محمد وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند الله لئلا تفوتهم المآكل التي كانت لهم على اتباعهم
2 - وبه إلى ابن جريج قال وقال آخرون إن الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله في أرض كانت في يده لذلك الرجل أخذها بتعززه في الجاهلية فقال النبي للرجل أقم بينتك فقال ليس يشهد لي أحد على الأشعث قال فلك يمينه فقدم الأشعث يحلف فأنزل الله هذه الآية فنكل الأشعث وقال إني أشهدكم الله وأشهد له إن خصمي صادق فرد إليه أرضه وزاده من أرض
[العجاب في بيان الأسباب: 2/698]
نفسه زيادة كثيرة مخافة أن يبقى في يده شيء من حقه فهي لعقب ذلك الرجل بعده
قلت كذا وقع في هذه الرواية المرسلة والحديث مخرج في الصحيحين والسنن الأربعة ومسند أحمد من طرق عن منصور والأعمش وغيرهما عن شقيق عن الأشعث منها لأحمد نا أبو معاوية نا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله من حلف على يمين هو فيها فاجر الحديث فقال الأشعث في والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي فقال لي ألك بينة قلت لا فقال لليهودي احلف فقلت يا رسول الله إذا يحلف فيذهب بمالي فأنزل الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية
[العجاب في بيان الأسباب: 2/699]
وفي رواية عاصم عن شقيق فجاء الأشعث فقال ما يحدثكم أبو عبد الرحمن فحدثناه فقال كان في والله هذا الحديث خاصمت ابن عم لي فذكره وفيه في بئر بدل أرض وفيه مالي بينه وإن تجعلها بيمينه يذهب ببئري إن خصمي رجل فاجر قال فقال من اقتطع مال امرىء مسلم الحديث وقرأ هذه الآية
ووقع نحو ذلك في حديث عدي بن عميرة عند النسائي ولفظه خاصم رجل من كندة امرأ القيس بن عابس الحضرمي في أرض الحديث وفيه فقال الحضرمي أمكنته من اليمين يا رسول الله ذهب أرضي ورب الكعبة فذكر الحديث وتلا رسول الله إن الذين يشترون الآية وفي آخره فقال امرؤ القيس ما لمن تركها يا رسول الله قال الجنة قال فأشهدك أني قد تركتها
وهكذا في أكثر الطرق أن النبي تلا الآية عقب الحديث وصرح في
[العجاب في بيان الأسباب: 2/700]
رواية الأعمش بقوله فأنزل الله تعالى وكذلك ذكرها جرير عن منصور عن شقيق عند البخاري وغيره كما صرح في رواية عكرمة المرسلة بذلك وللمتن شواهد من حديث أبي داود وأبي أمامة بن ثعلبة وغيرهما ليس فيه سبب النزول
[العجاب في بيان الأسباب: 2/701]
3 - سبب أخر أخرج البخاري وأحمد والطبري من طريق العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة له في السوق 271 فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع رجلا من المسلمين فنزلت هذه الآية إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية
وله شاهد مرسل أخرجه الطبري من طريق الشعبي بسند صحيح إليه أن رجلا أقام سلعة أول النهار فلما كان آخره جاء رجل يشتري فحلف لقد منعها أول النهار من كذا ولولا المساء ما باعها به فأنزل الله هذه الآية وبه إلى داود عن رجل عن مجاهد نحوه
4 - سبب آخر قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس إن أناسا من علماء اليهود أولي فاقة كانوا ذوي حظ من علم التوراة فأصابتهم سنة فأتوا كعب بن
[العجاب في بيان الأسباب: 2/702]
الأشرف يستميرونه فسألهم كعب هل تعلمون أن هذا الرجل يعني رسول الله في كتابكم قالوا نعم وما تعلمه أنت قال لا قالوا فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله قال كعب لقد قدمتم علي وأنا أريد أن أميركم وأكسوكم فحرمكم الله خيرا كثيرا قالوا فإنه شبه لنا فرويدا حتى نلقاه فانطلقوا فكتبوا صفة سوى صفته ثم أتوا النبي فكلموه ثم رجعوا إلى كعب فقالوا قد كنا نرى أنه هو فأتيناه فإذا هو ليس بالنعت الذي نعت لنا وأخرجوا النعت الذي كتبوه ففرح كعب بذلك ومارهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وسبق نظيرها في البقرة إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار الآية
5 - وقال ابن الكلبي أيضا عن أبي صالح باذان عن ابن عباس نزلت في امرئ القيس ابن عابس استعدى عليه عيدان بن أشوع في أرض ولم يكن له بينة فأمره رسول الله أن يحلف الحديث). [العجاب في بيان الأسباب: 2/703]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}
روى الشيخان وغيرهما أن الأشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ألك بينة؟)) قلت لا، فقال: لليهودي: ((احلف))، فقلت يا رسول الله إذن يحلف فيذهب مالي فأنزل الله {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} إلى آخر الآية.
وأخرج البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت هذه الآية {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: لا منافاة بين الحديثين، بل يحمل على أن النزول كان بالسببين معا.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة: أن الآية نزلت في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وغيرهما من اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة وبدلوه وحلفوا أنه من عند الله. قال الحافظ ابن حجر: الآية محتملة، لكن العمدة في ذلك ما ثبت في الصحيح). [لباب النقول: 58]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [الآية: 77].
قال الإمام أبو عبد الله البخاري [5 /430] حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)) فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية. فجاء الأشعث فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن فيَّ أنزلت هذه الآية كانت لي بئر في أرض ابن عم لي فقال لي: شهودك قلت: ما لي شهود، قال: فيمينك، قلت يا رسول الله إذا يحلف فذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث فأنزل الله ذلك تصديقا له.
الحديث أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه منها [6 /70، 280] وفيه: كانت بيني وبين رجل من اليهود أرض [210] وفيه كانت بيني وبين رجل خصومة في شيء[9 /215 14/280 - 352 - 368، 16 /302] وأخرجه مسلم [2 /158] والترمذي [2 /254] وأعاد بسنده [4 /81] وأبو داود [3 /214- 215] وعزاه المباركفوري في [تحفة الأحوذي: 2 /254] –إلى النسائي وابن ماجه مع من تقدم من أصحاب الأمهات ورواه الإمام أحمد في [المسند: 1 /426-442، 5 /211 ،212] من مسند الأشعث بن قيس.
[الصحيح المسند في أسباب النزول: 51]
وأخرج حديث الباب الطيالسي [1 /246، 2 /16] وابن جرير [3 /321].
قال البخاري رحمه الله [9 /280]: حدثنا علي هو ابن أبي هاشم سمع هشيما أخبرنا العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف فيها لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} إلى آخر الآية.
ولا منافاة بينهما ويحمل على أن النزول كان بالسببين جميعا ولفظ الآية أعم من ذلك على أن حديث عبد الله بن مسعود أصح لأن حديث عبد الله بن أبي أوفى من حديث إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي قال الحافظ الذهبي في الميزان لينه شعبة والنسائي ولم يترك إلى آخر ما ذكره رحمه الله.
وقوله في بعض الروايات في أرض وفي أخرى وفي بئر قال الحافظ في [الفتح: 14 /369]: ويجمع بأن المراد أرض البئر لا جميع الأرض والبئر من جملتها. هذا وقد أطال الحافظ رحمه الله في الفتح في هذا الموضوع في توجيه بعض الألفاظ التي ظاهرها يخالف الأخرى فليراجع هنالك). [الصحيح المسند في أسباب النزول: 52]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين