سورة يونس
[ من الآية (87) إلى الآية (89) ]
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89) }
قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {أن تبوءا لقومكما} [87].
اتفقوا القراء على همزه في الدرج؛ لأنه من بوأ يبوىء إذا أنزل نزل. {لنبوئنهم من الجنة غرفا} {والذين تبوءوا الدار والإيمان} واختلفوا في الوقف فكان حمزة يقف {تبوآ} بغير همز، يشير بصدره، ووقف عاصم في رواية حفص {أن تبويا} بياء.
والباقون يقفون كما يصلون على لفظ الاثنين بالهمز). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/276]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (حفص عن عاصم يقف تبويا [يونس/ 87] بياء من غير همز، ذكر لي ذلك عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي مسلم عن أبيه عن حفص عن عاصم.
قال: وكان حمزة يقف تبوا* غير أنه يليّن الهمزة، يشير إليها بصدره. والباقون يقفون بهمزة بعدها ألف في وزن تبوّعا.
قال أبو علي: حدثنا محمد بن السري أن أبا زيد
[الحجة للقراء السبعة: 4/308]
قال: بوّأت فلانا منزلا تبويئا، والاسم البيئة: فقوله تبوءا في قوله: أن تبوءا فعل يتعدى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، فأمّا اللام من قوله: لقومكما فكالّتي في قوله: ردف لكم [النمل/ 72]، والمفعول الأوّل لعلامة الضمير في قوله:
لنبوئنهم، ألا ترى أن المطاوع من الأفعال على ضربين:
أحدهما: أن لا يتعدّى نحو: انشوى وانثأى، في مطاوع شويته وثأيته. والآخر: أن يتعدّى كما تعدّى ما هو مطاوع له، وذلك نحو: تعلّقته، وتقطّعته، فتعلّقته يتعدّى كما تعدّى علقته، وليس فيه أن ينقص مفعول المطاوع عمّا كان يتعدّى إليه ما هو مطاوع له. فإذا كان كذلك، كان اللّام على الحدّ الذي ذكرنا، ويقوّي ذلك قوله: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت [الحج/ 26]، فدخلت اللام على غير المطاوع كما دخل على المطاوع في قوله: أن تبوءا لقومكما.
فأمّا قوله: مكان البيت فيحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون ظرفا، والآخر: أن يكون مفعولا ثانيا، فأما الظرف فيدلّ عليه قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/309]
وبوّئت في صميم معشرها... فصحّ في قومها مبوّئها
فكما أن قوله: «في صميم معشرها» ظرف كذلك يكون مكان البيت.
والمفعول الثاني الذي ذكر في قوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، ولم يذكر في هذه لأنّ الفعل من باب أعطيت، فيجوز أن لا يذكر، ويقتصر على الأول، ويجوز أن يكون مكان البيت مفعولا ثانيا، وكذلك قوله: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، ويجوز أن يكون مكانا مثل مكان البيت، والمفعول الثاني فيه محذوف، وهو القرية* التي ذكرت في قوله: وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها [الأعراف/ 161]، ويجوز أن يكون مصدرا، أي تبوّؤ صدق، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا من وجهين: أحدهما: أن تجعله اسما غير ظرف كما قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/310]
وأنت مكانك من وائل... مكان القراد من است الجمل
والآخر: أن تجعله بعد أن تستعمله ظرفا اسما، كما قال:
وسطها قد تفلّقا وفي التنزيل: هم درجات عند الله [آل عمران/ 163].
ويجوز فيه وجه ثالث: وهو أن يتّسع فيقدّر نصبه، وإن كان مصدرا، تقدير انتصاب المفعول به، فأما قوله:
لها حكمها حتّى إذا ما تبوّأت... بأخفافها مأوى تبوّأ مضجعا
فعلى حذف أحد المفعولين، أي: تبوّأت مرعاها مأوى، وتبوّأ الراعي بقعة مضجعا، وكذلك قوله: وبوأكم في الأرض [الأعراف/ 74] بوّأكم في الأرض منازل أو بلادا.
وأما قوله: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، فالمبوّأ يجوز أن يكون مصدرا، ويجوز أن
[الحجة للقراء السبعة: 4/311]
بكون مكانا، والمفعول الثاني على هذا محذوف كما حذف من قوله: وبوأكم في الأرض، ويجوز أن ينصب المبوّأ على الاتساع، وإن كان مصدرا نصب المفعول به، ألا ترى أنه أجاز ذلك في قوله: أما الضّرب فأنت ضارب، وأما البيوت من قوله:
بمصر بيوتا فمفعول به، وليست البيوت بظرف لاختصاصها فالبيوت كالغرف من قوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58].
فأما قوله: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74]، فيجوز في قياس قول أبي الحسن أن يكون قوله: من الجنة كقولك: نتبوّأ الجنّة. فأمّا قوله: حيث نشاء فيحتمل أن يكون ظرفا، فإذا جعلته ظرفا كان المفعول الثاني محذوفا، كأنه: نتبوّأ الجنّة منازلها حيث نشاء، ويجوز أن يكون: حيث نشاء في موضع نصب، بأنه المفعول الثاني، يدلّ على ذلك قول الشمّاخ:
وحلّأها عن ذي الأراكة عامر... أخو الخضر يرمي حيث تكوى النّواحز
[الحجة للقراء السبعة: 4/312]
فأمّا قولك: بوّأت فلانا منزلا، وتعدّيه إلى مفعولين، فكأنه مفعول من قولك: باء فلان منزله، أي: لزمه، وإن كنّا لا نروي ذلك. ولكن يدلّ على ذلك قولهم: المباءة، وقالوا:
الإبل في المباءة، وهي المراح الذي تبيت فيه، فالمباءة اسم المكان، وإذا كان اسم المكان مفعلا، أو مفعلة، فالفعل منه قد يكون: فعل يفعل، فكأنّه: باء المنزل، وبوّأته أنا المنزل.
فأمّا وقف عاصم في قوله: تبويا، وقلبه الهمزة ياء في الوقف، وإن كان من بوّأت؛ فلأنّ الهمزة قد تبدل منها في الوقف حروف اللين، ألا ترى أنهم قالوا: هو الكلو، في الوقف، وقالوا: من الكلي، وإنما فعل ذلك بالهمزة عند الوقف لأنّها تخفى فيه كما تخفى الألف، فأبدل منها حرف اللين، كما أبدل من الألف في قولهم: أفعو وأفعي، لأن هذين الحرفين أظهر من الألف والهمزة وأبين للسمع. فإن قلت: فإنّما يفعل ذلك بالهمزة إذا كان آخر الكلمة، وليست الهمزة آخرا في تبويا قيل: يجوز أن يكون لم يعتدّ بالألف لما كانت للتثنية، والتثنية غير لازمة للكلمة، فلمّا لم تلزم لم يعتدّ بها، فصار الوقف كأنّه على الهمزة، لأن كثيرا من الحروف التي لا تلزم لا يعتدّ بها، ومن ثم لم تقع حرف رويّ، كما لم تقع ألف النّصب رويّا لاجتماعها معها في أنها لا تلزم، لأن من العرب من يقول: رأيت زيد، فلا يبدل ويحذف، وعلى هذا قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/313]
وآخذ من كلّ حيّ عصم ولا تثبت أيضا في موضع الرفع والجر، فصار الوقف لذلك كأنه على نفس الهمزة.
فأمّا وقف حمزة تبوا* فهذا على أنه خفّف الهمزة، وتخفيف هذه الهمزة أن تجعل بين بين، ولا تلحقه ألف التثنية.
على هذا يتأوله ناس من القراء وهو الصحيح. فأمّا قول أحمد:
يشير إليها بصدره، فهو من ترجمة القراء، وصحّته على ما ذكرت لك، وهذا في قول حمزة على وزن: تبوّعا، إلا أن الهمزة إذا خفّفت نقص الصوت بحركتها، فأشبهت الساكن، وهي متحركة في الحقيقة. فأمّا قوله: والذين تبوؤوا الدار والإيمان [الحشر/ 9]، فيكون على: تبوّءوا الدار، أي:
تبوّءوا دار الهجرة واعتقدوا الإيمان، لأن الإيمان ليس بمكان فيتبوّأ، فيكون كقوله: فأجمعوا أمركم وشركاءكم [يونس/ 71]، ويجوز على: تبوّءوا الدار ومواضع الإيمان، ويجوز أن يكون: تبوّءوا الإيمان، على طريق المثل كما تقول:
تبوّءوا من بني فلان الصّميم، وعلى ذلك قول الشاعر:
وبوّئت في صميم معشرها... فصحّ في قومها مبوّئها
كلّ هذه الوجوه ممكن). [الحجة للقراء السبعة: 4/314]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {أَن تَبُويَا} [آية/ 87]:
وقف عاصم- ص- على {تَبُويَا} بالياء.
ووقف حمزة عليه بالإشارة إلى الهمزة من غير تصريح.
ووقف الآخرون عليه بتبيين الهمزة على وزن تبوعًا، كحالة الوصل.
والوجه في قراءة عاصم أنه قلب الهمزة ياء في الوقف؛ لأن الهمزة قد
[الموضح: 638]
تقلب في الوقف حروف العلة نحو: هذا الكلو ومن الكلي، فقلبها عاصم ياء، ولم يعتد بألف التثنية؛ لأنها غير لازمة، فكأن الوقف على الهمزة.
وأما الوجه في قراءة حمزة فهو أنه خفف الهمزة، وتخفيفها ههنا أن تجعل بين الألف والهمزة.
وأما قراءة الباقين فهي على الأصل؛ لأن الكلمة من الهمز، يقال بوأت فلانًا منزلاً فتبوأه هو، والمباءة: المنزل). [الموضح: 639]
قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ربنا ليضلوا عن سبيلك}
قرأ أهل الكوفة {ليضلوا} بضم الياء أي ليضلوا غيرهم وحجتهم في ذلك أن ما تقدم من وصف فرعون بما وصف أنه بذلك ضال غير مهتد فكان وصفه بعد ذلك بأنّه مع ذلك مضل لغيره ويزيد الكلام فائدة ومعرفة ما لم يكن مذكورا فيما تقدم من وصفه
[حجة القراءات: 335]
وقرأ الباقون {ليضلوا} بفتح الياء أي ليضلوا هم وحجتهم قوله {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} وقد ضلوا). [حجة القراءات: 336]
قوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى: {ولا تتبعان} [89].
قرأ ابن عامر وحده برواية ابن ذكوان {تتبعان} بتخفيف النون.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/272]
والباقون بتشديدها، وهي النون التي تدخل للتوكيد والنهي تكون مخففة ومشددة التاء من تبع يتبع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/273]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ ابن عامر وحده: ولا تتبعان [يونس/ 89] ساكنة التاء مخفّفة، مشدّدة النّون، وفي رواية الحلواني عن هشام بن عمّار: بالنون والتشديد، قال: وأحسب ابن ذكوان عنى بروايته خفيفة يعني التاء من تبع، قال: وإن كان كذلك فقد اتّفق هو وهشام في النون، وخالفه هشام في التاء،
[الحجة للقراء السبعة: 4/292]
وقال غير أحمد بن موسى: رواية الأخفش الدمشقي عن أصحابه عن ابن عامر: تتبعان خفيفة التاء والنون.
قال أبو علي: من قرأ: ولا تتبعان فالنون فيها النون الشديدة، وهي إذا دخلت على يفعل فتح لدخولها، وبني الفعل معها على الفتح نحو: لتفعلنّ، ويحذف التي تثبت في نحو:
يفعلان، في الرفع مع النون الشديدة، كحذف الضمة في ليفعلن وإنما كسرت الشديدة بعد ألف التثنية في نحو: ولا تتبعان لوقوعها بعد ألف التثنية، فأشبهت التي تلحق الألف في رجلان، ويفعلان لمّا كانت زائدة مثلها، وداخلة لمعنى كدخولها، فإن قلت: إن قبلها نونا، وليست التي للتثنية، كذلك فإن النون لما كانت ساكنة وجمعت إلى السكون الخفاء، لم يعتدّ بها فصارت المكسورة كأنها وليت الألف، ومثله في أنّه لم يعتدّ فيه بالحاجز لسكونه قولهم: هو ابن عمّي دنيا، وهو من الدّنوّ، وفتية، وهي من الواو فيما زعم سيبويه، ومنه قولهم في جمع عليّ، وصبيّ: علية وصبية وقالوا: عليان، وقد لا يعتدّون بالحاجز لخفائه، وإن كان متحرّكا، كما أجمعوا فيما زعم سيبويه على ردّها لخفاء الهاء وكما كرهوا- كثير منهم-: وضع عصاهو قبل، وخذوهو يا قوم، لأن الحرف لمّا كان خفيّا كان كأنّه التقى ساكنان، فإذا جاء ذلك في المتحرك فالساكن أولى.
فأمّا من قرأ: ولا تتبعان بتخفيف النون، فإنّه يمكن أن يكون خفّف الثقيلة للتضعيف، كما حذفوا: ربّ، وإنّ ونحوهما
[الحجة للقراء السبعة: 4/293]
من المضاعف، إلا أنه حذف الأول من المثلين، كما أبدلوا الأول من المثلين في نحو قيراط ودينار، ولزم ذلك في هذا الموضع، لأن الحذف لو لحق الثانية للزم التقاء ساكنين على غير ما يستعمل في الأمر العام الشائع. ألا ترى أن اجتماع الساكنين على هذا الحد غير مأخوذ به عند العامّة، وإن شئت كان على لفظ الخبر، والمعنى: الأمر، كقوله: يتربصن بأنفسهن [البقرة/ 228]، ولا تضار والدة بولدها [البقرة/ 233]، أي لا ينبغي ذلك، وإن شئت جعلته حالا من: استقيما، وتقديره: استقيما غير متبعين، ويدلّ على ذلك قول الشاعر:
ولا أسقي ولا يسقي شريبي... ويرويه إذا أوردت مائي
وقول الآخر:
[الحجة للقراء السبعة: 4/294]
أصاح الذي لو أنّ ما بي من الهوى... به لم أرعه لا يعزّي وينظره
وكقول الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم... ولم تكثر القتلى بها حين سلّت). [الحجة للقراء السبعة: 4/295]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن: [قَدْ أُجِيبَتْ دَعَوَاتُكُمَا].
قال أبو الفتح: هذه جمع دعوة، وبهذه القراءة تعلم أن قراءة الجماعة: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} يراد فيها بالواحد معنى الكثرة؛ وساغ ذلك لأن المصدر جنس، وقد تقدم أن الأجناس يقع قليلها موقع كثيرها، وكثيرها موقع قليلها). [المحتسب: 1/316]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الّذين لا يعلمون}
قرأ ابن عامر ولا تتبعان بتخفيف النّون المعنى فاستقيما وأنتما لا تتبعان سبيل الّذين لا يعلمون وهو الّذي يسمّيه بعض أهل العربيّة الحال والمعنى فاستقيما غير متبعين سبيل الّذين لا يعلمون
وقرأ الباقون بالتّشديد {ولا تتبعان} بالتّشديد موضع تتبعان جزم إلّا أن النّون الشّديدة دخلت للنّهي مؤكدة وكسرت لسكونها وسكون النّون الّتي قبلها واختير له الكسر لأنّها بعد الألف وهي تشبه نون الاثنين). [حجة القراءات: 336]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (24- قوله: {ولا تتبعان} قرأه ابن ذكوان بتخفيف النون، كأنه استثقل التشديد للنون، مع التشديد في أول الكلمة، فخففها وهو يريد التشديد، لأنها النون التي تدخل مشددة للتأكيد في الأم والنهي وأخواتهما، كما خففوا «رب» وهو وجه ضعيف قليل، وقيل: إنه جعل «لا» بمعنى النفي فيكون لفظه لفظ الخبر ومعناه النهي، فرفع الفعل بالنون علم الرفع في الفعل، ويجوز أن يكون حالًا من الضمير في «استقيما» أي: استقيما غير متبعين، وقرأ الباقون بتشديد النون على أصلها؛ لأنها النون المشددة التي تدخل الأفعال للتأكيد في الأمر والنهي وشبهه، وهو الاختيار، لصحته في المعنى والإعراب، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/522]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {ولا تَتَّبِعَانِّ} [آية/ 89]:
اتفقت القراء جميعًا على تشديد التاء الثانية وتشديد النون، إلا ابن عامر فإنه اختلفت الروايات عنه فيه، فبعضهم روى عنه {تَتْبَعَانِّ} بتخفيف التاء الثانية وفتح الباء وتشديد النون، وبعضهم روى عنه بتشديد التاء الثانية وكسر الباء وتخفيف النون، وبعضهم روى عنه كقراءة الجماعة.
والوجه في إسكان التاء الثانية وفتح الباء، هو أن الفعل من تبع يتبع على فعل يفعل كعلم يعلم.
ووجه تشديد التاء الثانية وكسر الباء، أن الفعل من اتبع يتبع على وزن افتعل يفتعل، والمعنى في اللغتين واحدٌ.
وأما تشديد النون من {تَتّبعانّ}، فلأنه فعل لنهي الاثنين لحقه نون التأكيد الشديدة، فكسرت نون التأكيد؛ لأنها نون وقعت بعد ألف التثنية فحقها
[الموضح: 635]
الكسر، كما قالوا في يفعلان عند الرفع، ولم يعتد بالنون الأولى من النونين المدغم أحدهما في الآخر لكونها ساكنة، وأنها غير حاجز حصين، فكأن النون الثانية تلي الألف، فهذه حال النون الشديدة، إذا دخلت على فعل التثنية.
وأما قراءة من قرأ بتخفيف النون من {تتبعانِ} فيجوز أن تكون النون هي الشديدة، لكن حذفت الأولى من النونين وهي الساكنة منهما، كما قالوا في رب رب بالتخفيف، فصار المشدد مخففًا، وإنما كان حذف النون الأولى أولى؛ لأن الأول من المثلين أولى بالتغيير، ألا ترى إلى ديوان وقيراط، والأصل دوان وقراط، فهذا وجه.
ويجوز أن تكون النون نون التثنية وليست بنون التأكيد، والكلمة على الخبر، إلا أنه خبر بمعنى النهي، كقوله تعالى {يَتَرَبَّصْنَ} و{يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} فلهذا خفف النون.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في {اسْتَقِيمَا}، أي فاستقيما وأنتما لا تتبعان، والتقدير: فاستقيما غير متبعين، فهو في موضع نصب، والنون في هذين الوجهين الأخيرين علامة الرفع في الفعل، و{لا} للنفي، وليس للنهي). [الموضح: 636]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين