تفسير قوله تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وسألت الخليل عن قوله جل ذكره: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} فقال إنما هو على حذف
اللام كأنه قال ولأن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاتقون وقال ونظيرها: {لإيلاف قريش} لأنه إنما هو لذلك فليعبدوا فإن حذفت اللام من أن فهو نصبٌ كما أنك لو حذفت اللام من لإيلاف كان نصباً هذا قول الخليل ولو قرءوها: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) كان جيداً وقد قرئ.
ولو قلت جئتك إنك تحب المعروف مبتدأ كان جيداً.
وقال سبحانه وتعالى: {فدعا ربه أني مغلوب فانتصر} وقال: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين} إنما أراد بأني مغلوبٌ وبأني لكم نذيرٌ مبين ولكنه حذف الباء وقال أيضاً: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} بمنزلة: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة} والمعنى ولأن هذه أمتكم فاتقون ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً.
وأما المفسرون فقالوا على أوحي كما كان: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه} على أوحي ولو قرئت: (وإن المساجد لله) كان حسناً.
واعلم أن هذا البيت ينشد على وجهين على إرادة اللام وعلى الابتداء قال الفرزدق:
منعتٌ تميماً منك أنّي أنا ابنها = وشاعرها المعروف عند المواسم
وسمعنا من العرب من يقول إني أنا ابنها. وتقول لبيك إن الحمد والنعمة لك وإن شئت قلت أن ولو قال إنسان إن أن في موضع جر في هذه الأشياء ولكنه حرفٌ كثر استعماله في كلامهم فجاز فيه حذف الجار كما حذفوا رب في قولهم:
وبلدٍ تحسبه مكسوحاً
لكان قولاً قوياً وله نظائر نحو قوله لاه أبوك والأول قول الخليل ويقوي ذلك قوله: {وأن المساجد لله} لأنهم لا يقدمون أن
ويبتدئونها ويعملون فيها ما بعدها إلا أنه يحتج الخليل بأن المعنى معنى اللام فإذا كان الفعل أو غيره موصلاً إليه باللام جاز تقديمه وتأخيره لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى فاحتملوا هذا المعنى كما قال حسبك ينم الناس إذ كان فيه معنى الأمر وسترى مثله ومنه ما قد مضى). [الكتاب: 3/126-129] (م)
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): ( أناجي قد عد اللئام فلا أرى = من الناس أدنى من أبيك وأوضعا
تمنيتم أن تشتمونا وتتركوا = أصعصع للنوك المضلل صعصعا
معناه تعجبوا لصعصعة قال: ومن هذا الباب لإيلاف قريش معناه تعجبوا). [نقائض جرير والفرزدق: 181]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): ( أإن سب قين وابن قين غضبتم = أبهدل يا أفناء سعد لبهدل
قوله يا أفناء سعد لبهدل كما قال الله تعالى: {لإيلاف قريش} أي: اعجبوا لإيلاف قريش). [نقائض جرير والفرزدق: 707]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وتقول: آلفت الغنم فهي مؤلفة إذا صارت ألفا وقد ألفتها إيلافا إذا صيرتها ألفا. وآلفته إيلافا في معنى واحد إذا استأنست به واعتدته). [كتاب الهمز: 29]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "من المؤلفات"، يقال: "آلفت المكان أولفه إيلافًا"، ويقال: ألفته إلفًا، وفي القرآن: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ} وقرأوا: (إلفهم) على ألفت). [الكامل: 2/873]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس: في {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} أقوال، قال الفراء: تكون لام تعجب، أي اعجبوا لهذا. وقال: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} لهذا. وقال: هي من صلة: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} قال: ومعنى {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ}؛ يجعل مثل أنبتكم نباتًا، رده إلى الأصل.
وأنشد أبو العباس في معنى ما رد عن أصله:
أئن ذكرتك الدار منزلها جمل = بكيت فماء العين منهمل جل).
[مجالس ثعلب: 224]
تفسير قوله تعالى: {إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) }
قال أبو فَيدٍ مُؤَرِّجُ بنُ عمروٍ السَّدُوسِيُّ (ت: 195هـ) : (قال: رجل من خُزاعَة:
عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَاف
وكان يأمر قُرَيْشاً أن يرحلوا إلى الشَّام في الصَّيف وإلى الْيَمنِ في الشِّتاء، لبرد الشَّامِ ولحرِّ الْيَمَنِ، فهما الرِّحلتان: رحلةُ الشِّتاء والصَّيفِ). [حَذْفٍ مِنْ نَسَبِ قُرَيْشٍ: 3-4]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وتقول: آلفت الغنم فهي مؤلفة إذا صارت ألفا وقد ألفتها إيلافا إذا صيرتها ألفا. وآلفته إيلافا في معنى واحد إذا استأنست به واعتدته). [كتاب الهمز: 29] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والرِّحلة الارتحال). [الغريب المصنف: 3/666]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
ألفيته لا يذم الضيف جفنته = والجار ذو البث محبو وممنوح
(ألفيته) وجدته، يعني المرثي). [شرح أشعار الهذليين: 1/123]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
تراءت لنا يوما بسفح عنيزة = وقد حان منا رحلة فقلوص
الرحلة: الارتحال. والرُّحلة بالضم: الوجه الذي يريده –عن أبي عمرو-، وقال غيره: هما لغتان). [شرح ديوان امرئ القيس: 608]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "من المؤلفات"، يقال: "آلفت المكان أولفه إيلافًا"، ويقال: ألفته إلفًا، وفي القرآن: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلاَفِهِمْ} وقرأوا: (إلفهم) على ألفت). [الكامل: 2/873] (م)
تفسير قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) }
تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) }