تفسير قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)}
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ (ت: 328هـ): (والمثقب: الذي يوقد النار ويحييها ويضيئها، يقال:
أثقبت ناري أثقبها، وثقبت النار تثقب فهي ثاقبة ثقوبا، وقال الله عز وجل: {إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب}، وقال أبو الأسود:
أذاع به في الناس حتى كأنه = بعلياء نار أوقدت بثقوب
أي يضياء، وقال الآخر:
قد يكسب المال الهدان الجافي = بغير لا عطف ولا اصطراف
أراد: بغير عصف.
وقال الآخر:
وقد حداهن بلا غبر خرق
وقال الآخر:
فما ألوم البيض ألا تسخرا = لما رأين الشمط القفندرا
أراد: (أن تسخرا)، والقفندر: القبيح، قال الآخر:
ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي = ويزعمن أن أودى بحقي باطلي
ويلحينني في اللهو ألا أحبه = وللهو داع دائب غير غافل
أراد: أن أحبه.
وقال جماعة من أهل العربية في بيت العجاج:
في بئر لا حور سرى وما شعر
أراد: في بئر حور، أي في بئر هلاك.
وقال الفراء: (لا) جحد محض في هذا البيت، والتأويل عنده: في بئر ماء لا يحير عليه شيئا أي لا يرد عليه شيئا. وقال العرب: تقول: طحنت الطاحنة؛ فما أحارت شيئا، أي لم يتبين لها أثر عمل.
وقال الفراء أيضا: إنما تكون (لا) زائدة إذا تقدم الجحد، كقول الشاعر:
ما كان يرضي رسول الله الله دينهم = والطيبان أبو بكر ولا عمر
أراد: أبو بكر وعمر.
أو إذا أتى بعدها جحد، فقدمت للإيذان به؛ كقوله عز وجل: {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله}، معناه: لأن يعلم.
وقال الكسائي وغيره في تفسير قول الله جل وعز: {لا أقسم بيوم القيامة}، معناه: أقسم، ولا زائدة.
وقال الفراء: (لا) لا تكون أول الكلام زائدة، ولكنها رد على الكفرة، إذ جعلوا لله عز وجل ولدا وشريكا وصاحبة،
فرد الله عليهم قولهم، فقال: (لا)، وابتدأ بـ {أقسم بيوم القيامة}.
وقال الفراء أيضا في قوله: {ما منعك ألا تسجد}: المنع يرجع إلى معنى القول، والتأويل: من قال لك لا تسجد. فـ (لا) جحد محض، وأن دخلت إيذانا بالقول؛ إذ لم يتصرح لفظه؛ كما قال أبو ذؤيب في مرثية بنيه:
فأجبتها أن ما لجسمي أنه = أودى بني من البلاد فودعوا
أراد: فقلت لها، فزاد (أن) إذ لم يتصرح القول. وكذلك تأول الآيتين الأخريين: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}، {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} على مثل هذا المعنى). [كتاب الأضداد: 213-216] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)}
تفسير قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)}
تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وأما قوله جلّ وعزّ: {بلى قادرين} فهو على الفعل الذي أظهر كأنّه قال بلى نجمعها قادرين. حدّثنا بذلك يونس). [الكتاب: 1/346]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): ( {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} قال: ستوره، ومنه إن أعتذر لم يقبل عذره {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}: يؤخر التوبة.
{عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}. قال: يسوي بين أصابعه حتى تصير يده كيد البعير). [مجالس ثعلب: 545]
تفسير قوله تعالى: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)}
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): ({وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} قال: ستوره، ومنه إن أعتذر لم يقبل عذره {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}: يؤخر التوبة.
{عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}. قال: يسوي بين أصابعه حتى تصير يده كيد البعير). [مجالس ثعلب: 545] (م)
تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)}
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومنها أيان وأصله الثلاثة وإن - زادت حروفه. ومعناه: متى، كقوله عز وجل: {يسأل أيان يوم القيامة} ). [المقتضب: 1/190]
تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)}
تفسير قوله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)}
تفسير قوله تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)}
تفسير قوله تعالى: {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب اشتقاقك الأسماء
لمواضع بنات الثلاثة التي ليست فيها زيادة من لفظها
أما ما كان من فعل يفعل فإن موضع الفعل مفعل وذلك قولك هذا محبسنا ومضربنا ومجلسنا كأنهم بنوه على بناء يفعل فكسروا العين كما كسروها في يفعل.
فإذا أردت المصدر بنيته على مفعل وذلك قولك إن في ألف درهم لمضرباً أي لضرباً قال الله عز وجل: {أين المفر} يريد أين الفرار فإذا أراد المكان قال المفر كما قالوا المبيت حين أرادوا المكان
لأنها من بات يبيت وقال الله عز وجل: {وجعلنا النهار معاشا} أي جعلناه عيشاً.
وقد يجيء المفعل يراد به الحين فإذا كان من فعل يفعل بنيته على مفعل تجعل الحين الذي فيه الفعل كالمكان وذلك قولك أتت الناقة على مضربها وأتت على منتجها إنما تريد الحين الذي فيه النتاج والضراب.
وربما بنوا المصدر على المفعل كما بنوا المكان عليه إلا أن تفسير الباب وجملته على القياس كما ذكرت لك وذلك قولك المرجع قال الله عز وجل: {إلى ربكم مرجعكم} أي رجوعكم وقال: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النساء في المحيض} أي في الحيض). [الكتاب: 4/87-88]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ (ت: 328هـ): ( ليلة صاحوا وأغروا بي سراعهم = بالعيكتين لدى معدى ابن براق
روى أبو عمرو الشيباني: وأغروا بي كلابهم بالجلهتين، وروي بالعيثتين، وقوله: لدى معدى ابن براق، أي: حيث عدا، وروي: وأغروا بي خيارهم، وروي ليلة خبت الجو، وهذه كلها مواضع، ومعدى ابن براق حيث عدا، يقال: عدا الفرس، وأعديته، وجرى وأجريته، ولا يقال: ركض وأركضته، وإنما ركضه: ضربه الأرض بحوافره، وركضته ركلته بأعقابك في جنبيه، ومعدى موضع ومصدر وإذا كانت العين من يفعل مضمومة نحو: يقتل، ويحشر، فالعين من مفعل مفتوحة من مصدر، وموضع نحو مقتل، ومحشر إلا إحدى عشر حرفًا نوادر تحفظ حفظًا: من ذلك المشرق، والمغرب، والمسجد، والمنبت، والمجزر، والمفرق، والمسكن، والمطلع، والمنسك، والمسقط، والمثبر، وهو الموضع الذي تضع فيه الناقة ولدها، وكذلك المضاعف إن كان على يفعل، ويفعل المفعل منه مفتوح كقولك إنه لطيب المشم من شممت تشم، وأما المضموم فمثل قولك الممر والمكر من قولك مر يمر، وكر يكر، وإن كان من المضاعف، وكان على فعل يفعل إن كان اسمًا كسرت كما كنت فاعلًا في غير المضاعف، وقد مضى شرحه، وإن كان مصدرًا فتحت مثل قاع المضل، وما في ثوبه مصح، و{حتى يبلغ الهدي محله}، فهذه أسماء، وكذلك المدب والمدب، والمفر والمفر، وقول الله عز وجل: {أين المفر} فهو مصدر، وإن كان من ذوات الياء كان مصدره بالألف، واسمه بالياء مثل المعاب، والمعيب، والمسار والمسير، وإن كان من ذوات الواو كان بالألف مثل مقام ومنام). [شرح المفضليات: 7] (م)
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا لَا وَزَرَ (11)}
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): ({كَلَّا لَا وَزَرَ} أي لا ملجأ؛ الوزر: الملجأ). [مجالس ثعلب: 115]
تفسير قوله تعالى: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)}
تفسير قوله تعالى: {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)}
تفسير قوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)}
تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)}
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ): (حدثنا مروان بن معاوية، عن نعيم بن أبي بسطام، عن أبيه، عن الضحاك بن مزاحم، في قوله: {ولو ألقى معاذيره} قال: ستوره، أهل اليمن يسمون الستر المعذار). [فضائل القرآن: 340]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): ( {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} قال: ستوره، ومنه إن أعتذر لم يقبل عذره {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}: يؤخر التوبة.
{عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}. قال: يسوي بين أصابعه حتى تصير يده كيد البعير). [مجالس ثعلب: 545] (م)
تفسير قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)}
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17)}
تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18)}
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)}
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)}
تفسير قوله تعالى: {وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21)}
تفسير قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)}
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ (ت: 328هـ): ( صقلته بقضيب ناضر = من أراك طيب حتى نصع
ويروى: بقضيب طيب من أراك ناضر، وعنى بالقضيب مسواكًا وناضر: ناعم أخضر ريان، قال الله عز وجل: {وجوه يومئذ ناضرة} أي: ناعمة). [شرح المفضليات: 382]
تفسير قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) }
تفسير قوله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) }
تفسير قوله تعالى: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (فأما ظننت وحسبت وخلت ورأيت فإن أن تكون فيها على وجهين على أنها تكون أن التي تنصب الفعل وتكون أن الثقيلة فإذا رفعت قلت قد حسبت أن لا يقول ذاك وأرى أن سيفعل ذاك ولا تدخل هذه السين في الفعل ههنا حتى تكون أنه وقال عز وجل: {وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ} كأنك قلت قد حسبت أنه لا يقول ذاك وإنما حسنت أنه ههنا لأنك قد أثبت هذا في ظنك كما أثبته في علمك وأنك أدخلته في ظنك على أنه ثابتٌ الآن كما كان في العلم ولولا ذلك لم يحسن "أنك" ههنا ولا "أنه" فجرى الظن ههنا مجرى اليقين لأنه نفيه وإن شئت نصبت فجعلتهن بمنزلة خشيت وخفت فتقول ظننت أن لا تفعل ذاك.
ونظير ذلك: {تظن أن يفعل بها فاقرة} و: {إن ظنا أن يقيما حدود الله} فلا إذا دخلت ههنا لم تغير الكلام عن حاله). [الكتاب: 3/166-167] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ): (
تالله لو قذفوا صخرا بفاقرة = إذا لقيل أصابوا الميل واعتدلوا
أصل (الفقر) قطع الأنف، وكل خصلة سوء (فاقرة).
...
الباهلي: (فاقرة) داهية). [شرح أشعار الهذليين: 1/277]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والفصل بين أن خفيفةً. وبين أن المخففة من الثقيلة أن الخفيفة لا تقع ثابتةً، إنما تقع مطلوبةً أو متوقعة؛ نحو أرجو أن تذهب، وأخاف أن تقوم. فإذا وقعت مخففة من الثقيلة وقعت ثابتةٌ على معنى الثقيلة؛ نحو أعلم أن ستقوم، على معنى قولك: أنك ستقوم. ولا يصلح: أرجو أنك ستقوم، لأنه لم يستقر عنده، لأن الثقيلة إنما تدخل على ابتداءٍ مستقر.
فأما ظننت فإن الثقيلة، والخفيفة يجوزان بعدها تقول: طننت أنك منطلق، تخبر أن هذا قد استقر في ظنك؛ كما استقر الأول في علمك.
ويجوز للتشكك أن تقع على الخفيفة، لأنها ترجع إلى معنى أرجو: وأخاف. ومن ذلك قول الله عز وجل: {تظن بأن يفعل بها فاقرةٌ} ). [المقتضب: 1/187]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب أن
اعلم أن أن والفعل بمنزلة المصدر. وهي تقع على الأفعال المضارعة فتنصبها، وهي صلاتها. ولا تقع مع الفعل حالاً؛ لأنها لما لم يقع في الحال، ولكن لما يستقبل.
فإن وقعت على الماضي؛ نحو: سرني أن قمت، وساءني أن خرجت كان جيداً. قال الله عز وجل: {وامرأة مؤمنةً أن وهبت نفسها للنبي} أي: لأن كان هذا فيما مضى.
فهذا كله لا يلحق الحال؛ لأن الحال لما أنت فيه.
واعلم أن هذه لا تلحق بعد كل فعل، إنما تلحق إذا كانت لما لم يقع بعد ما يكون توقعاً لا يقيناً؛ لأن اليقين ثابت. وذلك قولك: أرجو أن تقوم يا فتى، وأخاف أن تذهب يا فتى. كما قال: عز وجل: {نخشى أن تصيبنا دائرةٌ}.
ولو قلت: أعلم أن تقوم يا فتى لم يجز؛ لأن هذا شيء ثابت في علمك،فهذا من مواضع أن الثقيلة؛ نحو: أعلم أنك تقوم يا فتى.
وتقول: أظن أنك ستقوم؛ لأنه شيءٌ قد استقر في ظنك؛ كما استقر الآخر في علمك، كما قال الله تبارك اسمه: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم}.
فإن قيل: إن يظنون هاهنا يوقنون. فهكذا هو، ولكنها في الثبات في الظن وفي إعمالها على الوجه الآخر. إلا أنها إذا أرد بها العلم لم تكن إلا مثقلة. فإن أريد بها الشك جاز الأمران جميعاً. والتثقيل في الشك أكثر استعمالاً؛ لثباته في الظن كثبات الأخرى في العلم.
فأما الوجه الذي يجوز فيه الخفيفة فإنه متوقع غير ثابت المعرفة. قال الله عز وجل: {تظن أن يفعل بها فاقرةٌ}.
وأما {إن ظنا أن يقيما حدود الله} وقولهم: معناه: أيقنا فإنما هو شيء متوقع، الأغلب فيه ذا، إلا أنه علم ثابت؛ ألا تراه قال: {فظنوا أنهم مواقعوها} لما كان أيقنوا). [المقتضب: 2/29-30] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما الأفعال التي تشترك فيها الخفيفة والثقيلة فما كان من الظن. فأما وقوع الثقيلة فعلى أنه قد استقر في ظنك: كما استقر الأول في علمك. وذلك قولك: ظننت أنك تقوم، وحسبت أنك منطلق. فإذا أدخلت على المحذوفة العوض قلت: حسبت أن سيقومون، وكذلك تقول: ظننت أن لا تقول خيرا، تريد: أنك لا تقول خيرا. وأما النصب فعلى أنه شيء لم يستقر، فقد دخل في باب رجوت وخفت بهذا المعنى. وهذه الآية تقرأ على وجهين: {وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ} و{أن لا تكون فتنةٌ}، فانتصب ما بعد لا وهي عوضٌ؛ كما أوقعت الخفيفة الناصبة بعد ظننت بغير عوض. وذلك قوله عز وجل: {تظن أن يفعل بها فاقرةٌ}، لأن معناها معنى ما لم يستقر. وكذلك: {إن ظنا أن يقيما حدود الله}. وزعم سيبويه أنه يجوز: خفت أن لا تقوم يا فتى، إذا خاف شيئاً كالمستقر عنده، وهذا بعيد. وأجاز أن تقول: ما أعلم إلا أن تقوم، إذا لم يرد علماً واقعا، وكان هذا القول جارياً على باب الإشارة؛ أي: أرى من الرأى؛ وهذا في البعد كالذي ذكرنا قبله. وجملة الباب تدور على ما شرحت لك من التبيين والتوقع. فأما قول الله عز وجل: {أفلا يرون أن لا يرجع إليهم} فإن الوجه فيه الرفع، والمعنى: أنه لا يرجع إليهم قولا؛ لأنه علم واقع. والوجه في قول الشاعر:
أفنى عرائكها وخدد لحمهـا = أن لا تذوق مع الشكائم عودا
الرفع؛ لأنه يريد: إن الذي أفنى عرائكها هذا. فهذا على المنهاج الذي ذكرت لك). [المقتضب: 3/7-8] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): (وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ * كَلَّا} قال: الفاقرة: الداهية، من فقرت أنفه، أي حزرت أنفه. وكلا في القرآن كله أي ليس الأمر كما يقولون، الأمر كما أقوله أنا). [مجالس ثعلب: 268]