تفسير قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) }
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكان رجل يهوى جارية تختلف في حوائج أهلها، وكانت إذا خرجت إلي السوق ولم يعلم بخروجهم ثم رجعت فرآهم قال وهو يسمعهم: {لو كنت أعلم بالغيب لاستكثرت من الخير} إن وعدته شيئًا فأخلفت قال: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} فإن تغضبت لشيء بلغها عنه قال: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} ). [عيون الأخبار: 4/51] (م)
تفسير قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) }
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((تراصوا بينكم في الصلاة لا تتخللكم الشياطين كأنها بنات حذف)).
وهذا يروى عن عبد الله غير مرفوع.
ومن وجه آخر مرفوعًا.
قال الكسائي: التراص أن يلصق بعضهم ببعض حتى لا يكون بينهم خلل.
ومنه قول الله جل ثناؤه: {كأنهم بنيان مرصوص} ). [غريب الحديث: 3/205-206]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
على نقنق هيق له ولعرسه = بمنعرج الوعساء بيض رصيص
...
رصيص: مرصوص بعضه إلى بعض.
وقال أبو عمرو: و{بنيان مرصوص} إذا كان متقاربا بعضه من بعض ليس فيه فرج). [شرح ديوان امرئ القيس: 614]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن كل مدغم فيما بعده إذا كانا من كلمتين فإظهار الأول جائز، لأنه غير لازم للثاني، إلا أنه في بعض أحسن منه في بعض على قدر تداني المخارج وبعدها .
فإذا لقيت التاء دالا أو طاء، كان الإدغام أحسن، لأن مخرج الثلاثة واحد، وإنما يفصل بينها أعراض فيها. وذلك قولك: ذهبطلحة، الإدغام أحسن. وكذلك هد مدارٌ زيدٍ ومثل ذلك: لم يعد تميم، ولم يعد طاهر.
فان قلت: انقط داود كان الإدغام بأن تطبق موضع الطاء أحسن لأن في الطاء إطباقا فيكرهون ذهابه. تقول: انقطا ود.
ولو قلت: انقداود كان حسنا. ولكن الاختيار ما ذكرت لك. وإن لم تدغم فجائز .
والظاء، والثاء، والذال هذا أمر بعضهن مع بعض في تبقية الإطباق وحذفه، وحسن الإدغام وجواز التبيين.
وفيما ذكرت لك من قرب المخارج وبعدها كفاية.
فأما قراءة أبي عمرو (هثوب الكفار ما كانوا يفعلون ) فإن التبيين أحسن مما قرأ، لأن الثاء لا تقرب من اللام كقرب التاء وأختيها. وكذلك التاء في قراءته ( بتؤثرون الحياة الدنيا ).
وليست هذه اللام كلام المعرفة لازمة لكل اسم تريد تعريفه. فليس يجوز فيها مع هذه الحروف التي ذكرت لك وهي ثلاثة عشر حرفا إلا إلادغام. وقد ذكرناها بتفسيرها.
وإنما يلزم الإدغام على قدر لزوم الحرف، ألا ترى أنها إذا كانت في كلمة واحدة لم يجز الإظهار: إلا أن يضطر الشاعر فيرد الشيء إلى أصله، نحو: رد، وفر، ودابة، وشابة، لأن الباء الأولى تلزم الثانية.
فأما قولهم: أنما تكلمانني، وتكلماني، وقوله: {أفغير الله تأمروني} وفي القرآن: {لم تؤذونني وقد تعلمون} فلان الثانية منفصلة من الأولى، لأنها اسم المفعول. تقول: أنما تظلمان زيدا، وأنتم تظلمون عمرا). [المقتضب: 1/386-387] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) }
تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) }
تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) }
تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) }
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب الأفعال التي تنجزم لدخول معنى الجزاء فيها
وتلك الأفعال جواب ما كان أمراً أو نهياً أو استخباراً، وذلك قولك: ائت زيداً يكرمك، ولا تأت زيداً يكن خيراً لك، وأين بيتك أزرك?.
وإنما انجزمت بمعنى الجزاء؛ لأنك إذا قلت: ائتني أكرمك، فإنما المعنى: ائتني فإن تأتني أكرمك؛ لأن الإكرام إنما يجب بالإتيان. وكذلك: لا تقم يكن خيراً لك؛ لأن المعنى: فإن لم تقم يكن خيراً لك. وأين بيتك أزرك? إنما معناه: إن تعلمني أزرك.
وقال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم} ثم ذكرها فقال: {تؤمنون بالله} فلما انقضى ذكرها قال: {يغفر لكم}؛ لأنه جواب لهل.
وكذلك أعطني أكرمك. وتقول: ائتني أشكرك، والتفسير واحد. ولو قلت: لا تعص الله يدخلك الجنة كان جيداً؛ لأنك إنما أضمرت مثل ما أظهرت. فكأنك قلت: فإنك إن لا تعصه يدخلك الجنة، واعتبره بالفعل الذي يظهر في معناه؛ ألا ترى أنك لو وضعت فعلاً بغير نهي في موضع لا تعص الله لكان أطع الله.
ولو قلت: لا تعص الله يدخلك النار كان محالاً؛ لأن معناه: أطع الله. وقولك: أطع الله يدخلك النار محال.
وكذلك: لا تدن من الأسد يأكلك لا يجوز؛ لأنك إذا قلت: لا تدن فإنما تريد: تباعد، ولو قلت: تباعد من الأسد يأكلك كان محالاً؛ لأن تباعده منه لا يوجب أكله إياه. ولكن لو رفعت كان جيداً. تريد فإنه مما يأكلك.
وأما قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} وما أشبهه، فليس يقولوا جواباً لقل. ولكن المعنى والله أعلم: قل لعبادي: قولوا يقولوا.
وكذلك {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} وإنما هو: قل لهم يفعلوا يفعلوا). [المقتضب: 2/80-82]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن جواب الأمر والنهي ينجزم بالأمر والنهي؛ كما ينجزم جواب الجزاء بالجزاء؛ وذلك لأن جواب الأمر والنهي يرجع إلى أن يكون جزاءً صحيحاً. وذلك قولك: ائتني أكرمك، لأن المعنى: فإنك إن تأتني أكرمك؛ ألا ترى أن الإكرام إنما يستحق بالإتيانو كذلك: لا تأت زيداً يكن خيراً لك؛ لأن المعنى: فإنك إلا تأته يكن خيراً لك.
ولو قال على هذا: لا تدن من الأسد يأكلك كان محالاً؛ لأنه إذا قال: لا تدن فإنما هو: تباعد، فتباعده منه لا يكون سبباً لأكله إياه. ولكن إن رفع جاز، فيكون المعنى: لا تدن من الأسد ثم قال: إنه مما يأكلك.
وإنما انجزم جواب الاستفهام؛ لأنه يرجع من الجزاء إلى ما يرجع إليه جواب الأمر والنهي وذلك قولك: أين بيتك أزرك? لأن المعنى: بإن أعرفه أزرك وكذلك هل تأتيني أعطك، وأحسن إليك؛لأن المعنى: فإنك إن تفعل أفعل.
فأما قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذابٍ أليمٍ} ثم قال: {تؤمنون بالله ورسوله} فإن هذا ليس بجواب، ولكنه شرح ما دعوا إليه، والجواب: {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم}.
فإن قال قائل: فهلا كان الشرح أن تؤمنوا، لأنه بدل من تجارة? فالجواب في ذلك أن الفعل يكون دليلاً على مصدره، فإذا ذكرت ما يدل على الشيء فهو كذكرك إياه؛ ألا ترى أنهم يقولون: من كذب كان شراً، يريدون: كان الكذب وقال الله عز وجل: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم} لأن المعنى: البخل هو خيراً لهم، فدل عليه بقوله يبخلون. وقال الشاعر:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغـى = وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فالمعنى: عن أن أحضر الوغى، كقولك: عن حضور الوغى. فلما ذكر أحضر الوغى دل على الحضور. وقد نصبه قوم على إضمار أن وقدموا الرفع.
وسنذكر ذلك باستقصاء العلة فيه إن شاء الله.
فأما الرفع فلأن الأفعال لا تضمر عواملها، فإذا حذفت رفع الفعل وكان دالاً على مصدره بمنزلة الآية وهي {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} ثم قال: تؤمنون.
وكذلك لو قال قائل: ماذا يصنع زيد? فقلت:يأكل أو يصلي لأغناك عن أن تقول:الأكل أو الصلاة. ألا ترى أن الفعل إنما مفعوله اللازم له إنما هو المصدر، لأن قولك: قد قام زيد بمنزلة قولك: قد كان منه قيام، والقيام هو النوع الذي تعرفه وتفهمه ولو قلت: ضرب زيد لعلمت أنه قد فعل ضرباً واصلاً إلى مضروب، إلا أنك لا تعرف المضروب بقوله: ضرب وتعرف المصدر.
وأما الذين نصبوا فلم يأبوا الرفع، ولكنهم أجازوا معه النصب؛ لأن المعنى إنما حقه بأن، وقد أبان ذلك فيما بعده بقوله: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي?. فجعله بمنزلة الأسماء التي يجيء بعضها محذوفاً للدلالة عليه.
وفي كتاب الله عز وجل: {يسأله من في السماوات والأرض} فالقول عندنا أن من مشتملة على الجميع؛ لأنها تقع للجميع على لفظ الواحد.
وقد ذهب هؤلاء القوم إلى أن المعنى: ومن في الأرض. وليس المعنى عندي كما قالوا وقالوا في بيت حسان:
فمن يهجوا رسول الله منكم = ويمدحه وينصره سـواء
إنما المعنى: ومن يمدحه وينصره. وليس الأمر عند أهل النظر كذلك؛ ولكنه جعل من نكرةً، وجعل الفعل وصفاً لها، ثم أقام في الثانية الوصف مقام الموصوف. فكأنه قال: وواحد يمدحه وينصره، لأن الوصف يقع في موضع الموصوف، إذ كان دالاً عليه.
وعلى هذا قول الله عز وجل: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به} ). [المقتضب: 2/133-135]
تفسير قوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب الأفعال التي تنجزم لدخول معنى الجزاء فيها
وتلك الأفعال جواب ما كان أمراً أو نهياً أو استخباراً، وذلك قولك: ائت زيداً يكرمك، ولا تأت زيداً يكن خيراً لك، وأين بيتك أزرك?.
وإنما انجزمت بمعنى الجزاء؛ لأنك إذا قلت: ائتني أكرمك، فإنما المعنى: ائتني فإن تأتني أكرمك؛ لأن الإكرام إنما يجب بالإتيان. وكذلك: لا تقم يكن خيراً لك؛ لأن المعنى: فإن لم تقم يكن خيراً لك. وأين بيتك أزرك? إنما معناه: إن تعلمني أزرك.
وقال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم} ثم ذكرها فقال: {تؤمنون بالله} فلما انقضى ذكرها قال: {يغفر لكم}؛ لأنه جواب لهل.
وكذلك أعطني أكرمك. وتقول: ائتني أشكرك، والتفسير واحد. ولو قلت: لا تعص الله يدخلك الجنة كان جيداً؛ لأنك إنما أضمرت مثل ما أظهرت. فكأنك قلت: فإنك إن لا تعصه يدخلك الجنة، واعتبره بالفعل الذي يظهر في معناه؛ ألا ترى أنك لو وضعت فعلاً بغير نهي في موضع لا تعص الله لكان أطع الله.
ولو قلت: لا تعص الله يدخلك النار كان محالاً؛ لأن معناه: أطع الله. وقولك: أطع الله يدخلك النار محال.
وكذلك: لا تدن من الأسد يأكلك لا يجوز؛ لأنك إذا قلت: لا تدن فإنما تريد: تباعد، ولو قلت: تباعد من الأسد يأكلك كان محالاً؛ لأن تباعده منه لا يوجب أكله إياه. ولكن لو رفعت كان جيداً. تريد فإنه مما يأكلك.
وأما قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} وما أشبهه، فليس يقولوا جواباً لقل. ولكن المعنى والله أعلم: قل لعبادي: قولوا يقولوا.
وكذلك {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} وإنما هو: قل لهم يفعلوا يفعلوا). [المقتضب: 2/80-82] (م)
تفسير قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب الأفعال التي تنجزم لدخول معنى الجزاء فيها
وتلك الأفعال جواب ما كان أمراً أو نهياً أو استخباراً، وذلك قولك: ائت زيداً يكرمك، ولا تأت زيداً يكن خيراً لك، وأين بيتك أزرك?.
وإنما انجزمت بمعنى الجزاء؛ لأنك إذا قلت: ائتني أكرمك، فإنما المعنى: ائتني فإن تأتني أكرمك؛ لأن الإكرام إنما يجب بالإتيان. وكذلك: لا تقم يكن خيراً لك؛ لأن المعنى: فإن لم تقم يكن خيراً لك. وأين بيتك أزرك? إنما معناه: إن تعلمني أزرك.
وقال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم} ثم ذكرها فقال: {تؤمنون بالله} فلما انقضى ذكرها قال: {يغفر لكم}؛ لأنه جواب لهل.
وكذلك أعطني أكرمك. وتقول: ائتني أشكرك، والتفسير واحد. ولو قلت: لا تعص الله يدخلك الجنة كان جيداً؛ لأنك إنما أضمرت مثل ما أظهرت. فكأنك قلت: فإنك إن لا تعصه يدخلك الجنة، واعتبره بالفعل الذي يظهر في معناه؛ ألا ترى أنك لو وضعت فعلاً بغير نهي في موضع لا تعص الله لكان أطع الله.
ولو قلت: لا تعص الله يدخلك النار كان محالاً؛ لأن معناه: أطع الله. وقولك: أطع الله يدخلك النار محال.
وكذلك: لا تدن من الأسد يأكلك لا يجوز؛ لأنك إذا قلت: لا تدن فإنما تريد: تباعد، ولو قلت: تباعد من الأسد يأكلك كان محالاً؛ لأن تباعده منه لا يوجب أكله إياه. ولكن لو رفعت كان جيداً. تريد فإنه مما يأكلك.
وأما قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} وما أشبهه، فليس يقولوا جواباً لقل. ولكن المعنى والله أعلم: قل لعبادي: قولوا يقولوا.
وكذلك {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} وإنما هو: قل لهم يفعلوا يفعلوا). [المقتضب: 2/80-82] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن جواب الأمر والنهي ينجزم بالأمر والنهي؛ كما ينجزم جواب الجزاء بالجزاء؛ وذلك لأن جواب الأمر والنهي يرجع إلى أن يكون جزاءً صحيحاً. وذلك قولك: ائتني أكرمك، لأن المعنى: فإنك إن تأتني أكرمك؛ ألا ترى أن الإكرام إنما يستحق بالإتيانو كذلك: لا تأت زيداً يكن خيراً لك؛ لأن المعنى: فإنك إلا تأته يكن خيراً لك.
ولو قال على هذا: لا تدن من الأسد يأكلك كان محالاً؛ لأنه إذا قال: لا تدن فإنما هو: تباعد، فتباعده منه لا يكون سبباً لأكله إياه. ولكن إن رفع جاز، فيكون المعنى: لا تدن من الأسد ثم قال: إنه مما يأكلك.
وإنما انجزم جواب الاستفهام؛ لأنه يرجع من الجزاء إلى ما يرجع إليه جواب الأمر والنهي وذلك قولك: أين بيتك أزرك? لأن المعنى: بإن أعرفه أزرك وكذلك هل تأتيني أعطك، وأحسن إليك؛لأن المعنى: فإنك إن تفعل أفعل.
فأما قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذابٍ أليمٍ} ثم قال: {تؤمنون بالله ورسوله} فإن هذا ليس بجواب، ولكنه شرح ما دعوا إليه، والجواب: {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم}.
فإن قال قائل: فهلا كان الشرح أن تؤمنوا، لأنه بدل من تجارة? فالجواب في ذلك أن الفعل يكون دليلاً على مصدره، فإذا ذكرت ما يدل على الشيء فهو كذكرك إياه؛ ألا ترى أنهم يقولون: من كذب كان شراً، يريدون: كان الكذب وقال الله عز وجل: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم} لأن المعنى: البخل هو خيراً لهم، فدل عليه بقوله يبخلون. وقال الشاعر:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغـى = وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فالمعنى: عن أن أحضر الوغى، كقولك: عن حضور الوغى. فلما ذكر أحضر الوغى دل على الحضور. وقد نصبه قوم على إضمار أن وقدموا الرفع.
وسنذكر ذلك باستقصاء العلة فيه إن شاء الله.
فأما الرفع فلأن الأفعال لا تضمر عواملها، فإذا حذفت رفع الفعل وكان دالاً على مصدره بمنزلة الآية وهي {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} ثم قال: تؤمنون.
وكذلك لو قال قائل: ماذا يصنع زيد? فقلت:يأكل أو يصلي لأغناك عن أن تقول:الأكل أو الصلاة. ألا ترى أن الفعل إنما مفعوله اللازم له إنما هو المصدر، لأن قولك: قد قام زيد بمنزلة قولك: قد كان منه قيام، والقيام هو النوع الذي تعرفه وتفهمه ولو قلت: ضرب زيد لعلمت أنه قد فعل ضرباً واصلاً إلى مضروب، إلا أنك لا تعرف المضروب بقوله: ضرب وتعرف المصدر.
وأما الذين نصبوا فلم يأبوا الرفع، ولكنهم أجازوا معه النصب؛ لأن المعنى إنما حقه بأن، وقد أبان ذلك فيما بعده بقوله: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي?. فجعله بمنزلة الأسماء التي يجيء بعضها محذوفاً للدلالة عليه.
وفي كتاب الله عز وجل: {يسأله من في السماوات والأرض} فالقول عندنا أن من مشتملة على الجميع؛ لأنها تقع للجميع على لفظ الواحد.
وقد ذهب هؤلاء القوم إلى أن المعنى: ومن في الأرض. وليس المعنى عندي كما قالوا وقالوا في بيت حسان:
فمن يهجوا رسول الله منكم = ويمدحه وينصره سـواء
إنما المعنى: ومن يمدحه وينصره. وليس الأمر عند أهل النظر كذلك؛ ولكنه جعل من نكرةً، وجعل الفعل وصفاً لها، ثم أقام في الثانية الوصف مقام الموصوف. فكأنه قال: وواحد يمدحه وينصره، لأن الوصف يقع في موضع الموصوف، إذ كان دالاً عليه.
وعلى هذا قول الله عز وجل: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به} ). [المقتضب: 2/133-135] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) }
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) }