تفسير قوله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)}
تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)}
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (والمعت: المنون، وتقول: هي المنون وهو المنون تذكر وتؤنث، وقال عدي بن زيد:
من رأيت المنون عرين أم من = ذا عليه من أن يضام خفير
فجعله جمعا). [الفرق في اللغة: 188]
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (و«المَنُون» أنثى، وربما أخرجت جمعا مثل: «الفلك». قال عدي بن زيد التميمي:
من رأيت المنون عدين أم من = ذا عليه من أن يضام خفير).
[المذكور والمؤنث: 89]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ): (*من* قال أبو عبيدة: المنة القوة والمنة الضعف، ومنه حبل منين أي ضعيف، وقال ذو الرمة (الطويل):
ترى الناشئ الغريد يضحي كأنه = على الرحل مما منه السير عاصد
أي مما أضعفه، والعاصد الذي يلوي عنقه، والمنون الدهر وإنما سمي منونا لأنه يبلي ويضعف ويذهب بمنة الأشياء، والمنون المنية أيضا وهما تكون واحدة وجمعا، قال عدي بن زيد (الخفيف):
من رأيت المنون عدين أم من = ذا عليه من أن يضام خفير
ويقال ضعفت منتي أي قوتي). [كتاب الأضداد: 41]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ): (
أمن المنون وريبها تتوجع = والدهر ليس بمعتب من يجزع
الأخفش: (المنون) جماعة لا واحد له. قال وقال الأصمعي: (المنون)، واحد لا جماعة له. وروى الأصمعي: (وريبه). قال الأصمعي: هكذا ينشد، وذكر (المنون)، هاهنا، و(المنون) تذكر وتؤنث. وقول الأصمعي أحب إلينا، لقوله: (والدهر ليس بمعتب من يجزع)، فالدهر هاهنا الموت. وحكى في تفسير (وما يهلكنا إلا الدهر) [سورة الجاثية: 24]، الموت، والله أعلم. وهو عندنا من لفظ الجميع فمن ثم لم يجمع، وقد قالوا: (منية ومنايا)، فجمعوا لما جاءوا بلفظ الواحد، وسميت (المنون) لأنها تمن كل شيء، أي تنقصه. و(ريبه)، ما يأتي به من الفجائع والمصائب، يقال: (رابني الدهر وأرابني). وأنشد:
لما رأيت الدهر قد أرابا
وهذه لغة هذيل. و(التوجع)، التفجع، وقد يكون بمنزلة التشكي، قال:
ليت التشكي كان بالمواد
غيره: (عاتبته فأعتبني)، أي رجع عما أكره إلى ما أحب، ويقال: (مر بي فلان ثم أعتب في طريقه)، أي رجع على عقبه. و(عتب الحمار يعتب عتبانا) إذا عمز. قال: وروى الأصمعي (وريبه) فذكر (المنون) هاهنا، وقال: (المنون) المنية. وقال أبو عبيدة: (وريب المنون) نزول المنون. والمنون: الدهر، لأنه مضعف مبل، مثل الحبل المنين الذي قد بلي وضعف. وقال: جعل (المنون) هاهنا دهرا على التذكير. و(الريب) الحدث، (راب الدهر والموت)، نزل.
وقال معمر أيضا: (المنون) في موضع (المنايا)، تؤنث. وأنشد لعدي:
من رأيت المنون عريب أم من = ذا عليه في أن يضام خفير
جعل (المنون) منايا). [شرح أشعار الهذليين: 1/4-5]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
فتلك خطوب قد تملت شبابنا = قديما فتبلينا المنون وما نبلي
...
و(المنون) تذكر وتؤنث، فإذا ذكر فمعناه الدهر، وإذا أنت فمعناه الحوادث والأيام). [شرح أشعار الهذليين: 1/91]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
لعمرك والمنايا غالبات = لكل بني أب منها ذنوب
...
والمنايا والمنون سواء، و(المنون) الدهر، و(المنون) تؤنث وتذكر، فمن ذكره صرفه إلى معنى الدهر، ومن أنث صرف إلى لفظ (المنايا).
...
وسميت (منونا) لأنها تمن الأشياء أي تنقص، وقال الله جل وعز: {لهم أجر غير ممنون} غير منقوص). [شرح أشعار الهذليين: 1/104]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (و(ريب المنون) أحداثه). [شرح أشعار الهذليين: 2/584]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو كان فعل لا يقع بعده الحكاية لم يجز أن يكون إلى جانب قام.
لو قلت: ضربت قام زيد، وما أشبهه لم يجز في معنى ولا لفظ.
نحو ذلك قول الله عز وجل: {إلا قالوا ساحر أو مجنون} وقال: {أم يقولون شاعر نتربص به} {وقالوا مجنون وازدجر} فهذا كله على الحكاية، والابتداء هو ولكنها محذوفة في القرآن لعلم المخاطب.
أما قوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} فإنما انتصب؛ لأنه مصدر عمل فيه فعله لا القول. والمعنى والله أعلم: وقالوا: سلمنا سلاماً، وتفسيره: تسلمنا منكم تسلماً، وبرئنا براءة؛ لأنهم لم يؤمروا أن يسلموا على المشركين إذ ذاك، والآية مكية. ونظيرها: لا تكن من فلان إلا سلاماً بسلام، أي: متاركاً مبارئاً.
ولو قلت: قلت حقاً، أو قال زيد باطلاً لأعملت القول؛ لأنك لم تحك شيئاً. إنما أعملت القول في ترجمة كلامه.
ألا ترى أنه إذا قال: لا إله إلا الله. قيل له: قلت حقاً، وهو لم يلفظ. بالحاء والقاف. إنما هذا معنى ما قال.
ومثل ذلك قول الله {إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً}). [المقتضب: 4/79] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ (ت: 328هـ): (والمنين حرف من الأضداد؛ سمعت أبا العباس يقول: حبل منين إذا كان ضعيفا قد ذهبت منته، أي قوته.
وقال جماعة من أهل اللغة: يقال: حبل منين إذا كان قويا، والمنة أيضا تقع على معنيين متضادين، يقال للقوة: منة، وللضعف منة، قال الشاعر:
فلا تقعدوا وبكم منة = كفى بالحوادث للمرء غولا
وإن لم يكن غير إحداهما = فسيروا إلى الموت سيرا جميلا
وقال الآخر:
علام تقول السير يقطع منتي = ومن حمر الحاجات عير بدرهم
وقال الآخر:
سيرا يرخي منة الجليد
وقال الآخر:
بحوقل قد منه الوجيف
وقال ذو الرمة:
إذا الأروع المشبوب أضحى كأنه = على الرحل مما منه السير عاصد
وفسر قول الله عز وجل: {فلهم أجر غير ممنون} على ثلاثة أوجه، فقال بعضهم: المحسوب.
وقال آخرون: الممنون: الذي لا يمن به؛ فالله عز وجل لا يمن بإنعامه على من ينعم عليه، قال الشاعر:
أنلت قليلا ثم أسرعت منة = فنيلك ممنون كذاك قليل
ويقال: الممنون: المقطوع الذي قد ذهبت منته، وإنما سميت المنون المنون لأنها تذهب بمنة الإنسان وتضعفه.
وقال الأعشي:
لعمرك ما طول هذا الزمن = على المرء إلا عناء معن
يظل رجيما لريب المنو = ن والسقم في أهله والحزن
والمنون تؤنثها العرب في حال على معنى المنية، وتذكرها على معنى الدهر، وتجعلها جمعا على معنى المنايا، قال الشاعر:
فقلت إن المنون فانطلقي = تسعى فلا نستطيع ندروها
وكان الأصمعي يروي بيت أبي ذؤيب:
أمن المنون وريبة تتوجع = والدهر ليس بمعتب من يجزع
ويقول: أراد بالمنون الدهر. ورواه غير الأصمعي: (أمن المنون وريبها) على معنى المنية. وقال الفرزدق:
إن الرزية لا رزيئة مثلها = في الناس موت محمد ومحمد
ملكان عريب المنابر منهما = أخذ المنون عليهما بالمرصد
أراد بالمحمدين أخا الحجاج وابنه.
وقال عدي بن زيد في الجمع:
من رأيت المنون عدين أم من = ذا عليه من أن يضام خفير
والمن يقع على معنيين: أحدهما يوصف الله جل وعز به، والآخر لا يوصف به، فالذي يوصف به جل اسمه ما يكون بمعنى الإعطاء والإنعام؛ كقولك: مننت على فلان بكذا وكذا من المال، ومننت على الأسير فأعتقته، فكذلك قالوا: يا حنان يا منان، فوصفوه بالفضل والإنعام على خلقه. والمن: الذي لا يوصف الله عز وجل به الافتخار والتزين، والاستعظام للنعمة التي يولاها المنعم عليه، كقول القائل: فلان يمن علي بما أصار إلي من ماله، وأنالني من معروفه؛ والله تعالى لا يقع منه من على هذه الجهة). [كتاب الأضداد: 155-158] (م)
تفسير قوله تعالى: {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)}
تفسير قوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)}
تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وفي حديث الحجاج بن علاط السلمي. وكان قد أسلم ولم تعلم قريش بإسلامه، فاستأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر في أن يصير إلى مكة فيأخذ ما كان له من مال، وكانت له هناك أموال متفرقة، وهو غريب بينهم إنما هو أحد بني سليم بن منصور، ثم أحد بني بهزٍ فأذن له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، إني أحتاج أن أقول، قال: "فقل".
قال أبو العباس: وهذا كلام حسن ومعنى حسن، يقول: أقول على جهة الاحتيال غير الحق، فأذن له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه من باب الحيلة، وليس هو من باب الفساد، وأكثر ما يقال في هذا المعنى تقول، كما قال المولى عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ}). [الكامل: 1/455-456]
تفسير قوله تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)}
تفسير قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)}
تفسير قوله تعالى: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ (36)}
تفسير قوله تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37)}
تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)}
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): («السُّلَّم» ذكر؛ قال الله عز وجل: {أم لهم سلم يستمعون فيه}.
قال أبو عبد الله: قال الفراء: وقد أُنشدت بيتا فيه تأنيث السُّلَّم). [المذكور والمؤنث:86-87]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب القسم
اعلم أن للقسم أدواتٍ توصل الحلف إلى المقسم به؛ لأن الحلف مضمر مطرحٌ لعلم السامع به؛ كما كان قولك: يا عبد الله محذوفاً منه الفعل لما ذكرت لك.
وكذلك كل مستغنىً عنه فإن شئت أظهرت الفعل؛ كما أنك تقول: يا زيد عمراً، أي: عليك عمراً: وتقول: الطريق يا فتى، أي ظل الطريق، وترى الرامي قد رمى، فنسمع صوتاً فتقول: القرطاس والله، أي: أصبت.
وإن شئت قلت: خل الطريق، ويا زيد عليك عمراً، وأصبت القرطاس يا فتى.
وكذلك قوله عز وجل: {بل ملة إبراهيم} إنما هو: اتبعوا؛ وذلك لأنه جواب قوله: {كونوا هوداً أو نصارى}.
فهكذا القسم في إضمار الفعل وإظهاره. وذلك قوله: أحلف بالله لأفعلن. وإن شئت قلت: بالله لأفعلن. والباء موصلة؛ كما كانت موصلة في قولك: مررت بزيد. فهي والواو تدخلان على كل مقسم به؛ لأن الواو في معنى الباء؛ وإنما جعلت مكان الباء، والباء هي الأصل؛ كما كان في مررت بزيد، وضربت بالسيف يا فتى؛ لأن الواو من مخرج الباء، ومخرجهما جميعاً من الشفة، فلذلك أبدلت منها؛ كما أبدلت من رب في قوله:
وبلدٍ ليس به أنيس
لأنها لما أبدلت من الباء دخلت على رب لما أشرحه لك في بابها؛ كما تدخل الإضافة بعضها على بعض. فمن ذلك قوله عز وجل: {يحفظونه من أمر الله} أي: بأمر الله. وقال: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي: على. وقال: {أم لهم سلمٌ يستمعون فيه} أي: يستمعون عليه. وقال الشاعر:
هم صلبوا العبدي في جذع نخلةٍ = فلا عطست شيبان إلا بأجذعـا
وقال الآخر:
إذا رضيت على بنو قشيرٍ = لعمر الله أعجبني رضاها
أي عني. وقال الآخر:
غدت من عليه تنفض الطل بعد ما = رأت حاجب الشمس استوى فترفعا
وسنفرد باباً لما يصلح فيه الإبدال وما يمتنع عنه إن شاء الله.
تقول والله لأفعلن، وتالله لأفعلن وتبدل التاء من الواو، ولا تدخل من المقسم به إلا في الله وحده. وذلك قوله {وتالله لأكيدن أصنامكم}؛ وإنما امتنعت من الدخول في جميع ما دخلت فيه الباء، والواو؛ لأنها لم تدخل على الباء التي هي الأصل، وإنما دخلت على الواو الداخلة على الباء؛ فلذلك لم تتصرف.
فأما إبدالها من الواو فنحن نذكره مفسراً في التصريف. ألا ترى أنك تقول: هذا أتقى من هذا، والأصل أوقى، لأنه من وقيت. وكذلك تراث. إنما هو وراث، لأنه من ورثت. وتجاهٌ فعال من الوجه. وكذلك تخمة من الوخامة. وهذا أكثر من أن يحصى أو يؤتى بجميعه، ونحن نستقصي شرحه في باب التصريف إن شاء الله.
واعلم أنك إذا حذفت حروف الإضافة من المقسم به نصبته؛ لأن الفعل يصل فيعمل، فتقول: الله لأفعلن؛ لأنك أردت أحلف الله لأفعلن. وكذلك كل خافض في موضع نصب إذا حذفته وصل الفعل، فعمل فيما بعده؛ كما قال الله عز وجل: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} أي من قومه. وقل الشاعر:
أستغفر الله ذنباً لست محصيه = رب العباد إليه الوجه والعمل
أي من ذنب. وقال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به = فقد تركتك ذا مالٍ وذا نـشـب
فتقول: الله لأفعلن. وكذلك كل مقسم به.
واعلم أن للقسم تعويضاتٍ من أدواته تحل محلها، فيكون فيها ما يكون في أدوات القسم وتعتبر ذلك بأنك لا تجمع بينها وبين ما هي عوضٌ منه. فإن جاز الجمع بين شيئين فليس أحدهما عوضاً عن الآخر؛ ألا ترى أنك تقول: عليك زيداً، وإنما المعنى: خذ زيداً، وما أشبهه من الفعل. فإن قلت: عليك لم تجمع بينها وبين فعل آخر لأنها بدل من ذلك الفعل). [المقتضب: 2/317-321] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله:
سبي الحماة وابهتي عليها
إنما يريد: ابهتيها، فوضع ابهتي في موضع اكذبي فمن ثم وصلها بعلى.
والذي يستعمل في صلة الفعل اللام، لأنها لام الإضافة، تقول: لزيد ضربت ولعمرو أكرمت والمعنى: عمرًا أكرمت، وإنما تقديره: إكرامي لعمرو، وضربي لزيد، فأجرى الفعل مجرى المصدر، وأحسن ما يكون ذلك إذا تقدم المفعول، لأن الفعل إنما يجيء وقد عملت اللام. كما قال الله جل وعز: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ}. وإن أخر المفعول فهو عربي حسن، والقرآن محيط بجميع اللغات الفصيحة، قال الله جل وعز: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} والنحويون يقولون في قوله جل ثناؤه: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ}: إنما هو: ردفكم. وقال كثير:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما = تمثل لي ليلى بكل سبيل
وحروف الخفض يبدل بعضها من بعض، إذا وقع الحرفان في معنى في بعض المواضع، قال الله جل ذكره: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}، أي على ولكن الجذوع إذا أحاطت دخلت في، لأنها للوعاء، يقال: فلان في النخل. أي قد أحاط به. قال الشاعر:
هم صلبوا العبدي في جذع نخلة = فلا عطست شيبان إلا بأجدعا
وقال الله جل وعز: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} أي عليه. وقال تبارك وتعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} أي: بأمر الله. وقال ابن الطثرية:
غدت من عليه تنفض الطل بعدما = رأت حاجب الشمس استوى فترفعا
وقال الآخر:
غدت من عليه بعدما تم خمسها = تصل وعن قيض بزيزاء مجهل
أي من عنده.
وقال العامري:
إذا رضيت علي بنو قشير = لعمر الله أعجبني رضاها
وهذا كثير جدًا). [الكامل: 2/999-1001] (م)
تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39)}
تفسير قوله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40)}
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتدخل حروف الاستفهام على من، وما، وأي إذا صرن في معنى الذي بصلاتهن. وكذلك أم، كقول الله عز وجل: {أم من يجيب المضطر إذا دعاه}، وكقوله: {أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة}، فقد أوضحت لك حالهما. فأما قول الله عز وجل: {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه} وقوله: {أم تسألهم أجراً}، وما كان مثله، نحو قوله عز وجل: {أم اتخذ مما يخلق بنات} فإن ذلك ليس على جهة الاستفهام؛ لأن المستخبر غير عالم، إنما يتوقع الجواب فيعلم به. والله - عز وجل - منفيٌّ عنه ذلك. وإنما تخرج هذه الحروف في القرآن مخرج التوبيخ والتقرير، ولكنها لتكرير توبيخ بعد توبيخ عليهم. ألا تراه يقول عز وجل: {أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة} - وقد علم المستمعون كيف ذلك - ليزجرهم عن ركوب ما يؤدي إلى النار، كقولك للرجل: السعادة أحب إليك أم الشقاء؛ لتوقفه أنه على خطأ وعلى ما يصيره إلى الشقاء؛ ومن ذلك قوله: {أليس في جهنم مثوًى للمتكبرين}. كما قال:
ألستم خير من ركب المطايا = وأندى العالمين بطون راح).
[المقتضب: 3/291-292] (م)
تفسير قوله تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)}
تفسير قوله تعالى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42)}
تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)}
تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال أعشىِ هَمْدَان يذكُر قتلَ الرافضةِ الناسَ:
إذا سِرْت في عِجْل فسِر في صحابة = وكِندَة فاحذرْها حِذَارك للخَسْفِ
وفي شيعة الأعْمى زِيادٌ وغِيلَة = ولَسْبٌ وإعمال لجندلة القَذْفِ
الأعمى هو المُغيرة. وزياد يعني الخَنْق. واللسْب: السم؛ وإعمال لجِنْدلة القذف: يريد رَضْخهم رؤوسَ الناس بالحجارة.
ثم قال:
وكُلُّهُمُ شَر على أنَ رَأسَهم = حَمِيدَةُ والمَيْلاَءُ حاضِنةُ الكِسْفِ
والكِسْفُ هذا هو أبو منصور، سُفَي بذلك لأنه قال لأصحابه: فيّ نَزَلَ: {وَإنْ يَروا كِسْفًا مِنَ السًمَاءِ سَاقِطًا} وكان يَدِين بخَنْق الناس وَقَتْلِهم.
ثم قال:
مَتى كُنتَ في حيًيْ بِجَيلَةَ فاستَمِعْ = فإن لهم قَصْفا يَدلُ على حَتْفِ
كان المغيرة بَجَليًا مولى لهم.
إذا اعتَزَمُوا يومًا على قَتْل زَائرٍ = تَدَاعَوْا عليه بالنُّبَاح وبالعَزْفِ
ولابن عيينة وكان ابن عُيينة يُنشِد:
إذا مَا سَرك العَيْشُ = فَلا تأخذْ على كِنْدَهْ
يريد أن الخَنّاقين من المنصورية أكثرًهم بالكوفة من كِنْدَة، منهم أبو قُطْبة الخَنّاق). [عيون الأخبار: 5/146-147]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): ( وكأنهن وقد صدرن لواغباٌ = بيض بأفنية المقام مركم
اللاغب المعيي، قال الله عز وجل: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} والمركم: الذي بعضه على بعض، والمرأة تشبه ببيضة النعامة كما تشبه بالدرة، قال الله عز وجل: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} والمكنون: المصون، والمكن: المستور، يقال: أكننت السر، قال الله عز وجل: {أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} وقال أبو دهبل، وأكثر الناس يرويه لعبد الرحمن بن حسان:
وهي زهراء مثل لؤلؤة الغو = اص ميزت من جوهر مكنون
وقال ابن الرقيات:
واضحٌ لونها كبيضة أدحي = لها في النساء خلقٌ عميم
العميم: التام، والأدحي: موضع بيض النعامة خاصة، وشعر عبد الرحمن هذا شعر مأثور مشهور عنه). [الكامل: 1/386-387] (م)
تفسير قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)}
تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46)}
تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)}
تفسير قوله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)}
تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)}
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): (وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قال: اختار الكسائي في السجود فتح الألف، على الجمع؛ لأن لكل سجدة دبرًا.
والنجوم لها دبر واحد في السحر، فتقول: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}، {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}). [مجالس ثعلب: 83] (م)