العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > التفاسير اللغوية المجموعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 محرم 1433هـ/28-11-2011م, 08:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) }

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) }

تفسير قوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وقد يجوز أن يكون أنت على قوله أنت الهالك كما يقال إذا ذكر إنسان لشيء قال الناس زيدٌ. وقال الناس أنت. ولا يكون على أن تضمر هذا لأنّك لا تشير للمخاطب إلى نفسه ولا تحتاج إلى ذلك وإنما تشير له إلى غيره. ألا ترى أنّك لو أشرت له إلى شخصه فقلت هذا أنت لم يستقم.
ويجوز هذا أيضاً على قولك شاهداك أي ما ثبت لك شاهداك قال الله تعالى جدّه: {طاعة وقول معروف}. فهو مثله. فإمّا أن يكون أضمر الاسم وجعل هذا خبره كأنّه قال أمري طاعةٌ وقولٌ معروف أو يكون أضمر الخبر فقال طاعةٌ وقولٌ معروف أمثل). [الكتاب: 1/141]
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وروى الخليل رحمه الله أن ناسا يقولون إن بك زيد مأخوذ فقال هذا على قوله إنه بك زيد مأخوذ وشبهه بما يجوز في الشعر نحو قوله وهو ابن صريم اليشكري:


ويوماً توافينا بوجهٍ = كأن ظبيةٌ تعطو إلى وارق السّلم
وقال الآخر:
ووجهٌ مشرق النّحر = كأن ثدياه حقّان
لأنه لا يحسن ههنا إلاّ الإضمار.
وزعم الخليل أنّ هذا يشبه قول من قال وهو الفرزدق:
فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي = ولكنّ زنجىٌّ عظيم المشافر
والنصب أكثر في كلام العرب كأنه قال ولكن زنجيا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي. ولكنه أضمر هذا كما يضمر ما بني على الابتداء نحو قوله عز وجل: {طاعة وقول معروف} أي طاعة وقول معروف أمثل. وقال الشاعر:
فما كنت ضفّاطاً ولكنّ طالباً = أناخ قليلاً فوق ظهر سبيل).
[الكتاب: 2/134-136]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قوله عز وجل: {قالوا سلاماً قال سلام} فإن المفسرين يقولون في هذا قولين أعني المنصوب.
أما المرفوع فلا اختلاف في أن معناه والله أعلم، قولي سلام، وأمري سلام كما قال: {طاعة وقول معروف} وكما قال: {وقالوا مجنون وازدجر} على الحكاية). [المقتضب: 4/11] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ}، أي عزم صاحب الأمر). [مجالس ثعلب: 557]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ويقال: رجل عازم، وأمر عازم، أي معزوم عليه، قال: {فإذا عزم الأمر} ). [كتاب الأضداد: 127]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ويقال عزمت على الأمر هممت بفعله. وتقول العرب عزم الأمر بمعنى استقام ومنه قوله تعالى: {فإذا عزم الأمر} ). [شرح المفضليات: 752]

تفسير قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) }

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) }

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقولها: "وصم لا يسمعن"، طريف من كلام العرب، وذلك أنه يقال لكل صحيح البصر ولا يعمل بصره: أعمى، وإنما يراد به أنه قد حل محل من لا يبصر البتة، إذا لم يعمل بصره، وكذلك يقال للسميع الذي لا يقبل: أصم، قال الله جلَّ ذكرهِ: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} كما قال جل ثناؤه: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} وكذلك: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} وقوله عز وجل: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاء} ). [الكامل: 2/684] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) }

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
إذا غاب عنها البعل لم تفش سره = وترضي إياب البعل حين يؤوب
قال الضبي: يقول إذا غاب بعلها لم تفش سره والسر الاسم والإسرار المصدر). [شرح المفضليات: 769]

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) }

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) }

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلين اختصما إليه في مواريث وأشياء قد درست فقال صلى الله عليه وسلم: ((لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار))، فقال كل واحد من الرجلين: يا رسول الله! حقي هذا لصاحبي، فقال: ((لا، ولكن اذهبا فتوخيا ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه)).
قال: حدثناه صفوان بن عيسى عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: ((لعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض)) يعني أفطن لها وأجدل، واللحن: الفطنة بفتح الحاء.
ومنه قول عمر بن عبد العزيز: عجبت لمن لاحن الناس، كيف لا يعرف جوامع الكلم، ويقال منه: رجل لَحِن إذا كان فطنا قال لبيد يذكر رجلا كاتبا:

متعود لحن يعيد بكفه = قلما على عسب ذبلن وبان
واللحن في أشياء سوى هذا، منه: الخطأ في الكلام وهو بجزم الحاء.
يقال منه: قد لحن الرجل لحنا.
ومنه قول عمر رضي الله عنه
قال حدثناه أبو معاوية عن عاصم عن مورق عن عمر رحمه الله قال: تعلموا اللحن والفرائض والسنن كما تعلمون القرآن.
وحدثناه الدقيعي محمد بن عبد الله عن يزيد بن هارون عن عاصم الأحول عن مورق.
ومنه حديث أبي العالية: كنت أطوف مع ابن عباس وهو يعلمني لحن الكلام، وإنما سماه لحنا لأنه إذا بصره الصواب فقد بصره اللحن.
ومن اللحن أيضا قول الله تبارك وتعالى: {ولتعرفنهم في لحن القول} فكان تأويله -والله أعلم- في فحواه وفي معناه وفي مذهبه.
وفي هذا الحديث من الفقه قوله: ((اذهبا فتوخيا)) يقول : توخيا الحق، فكأنه قد أمر الخصمين بالصلح). [غريب الحديث: 2/40-44]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( واللحن حرف من الأضداد؛ يقال للخطأ لحن، وللصواب لحن. فأما كون اللحن على معنى الخطأ فلا يحتاج فيه إلى شاهد، وأما كونه على معنى الصواب فشاهده قول الله عز وجل: {ولتعرفنهم في لحن القول} معناه: في صواب القول وصحته.

وأخبرنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي، قال: يقال:
لحن الرجل يلحن لحنا، إذا أخطأ، ولحن يلحن إذا أصاب.
وقال غير أبي العباس: يقال للصواب. اللحن واللحن.
وحدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: خبرنا الأصمعي، عن عيسى بن عمر، قال: قال معاوية للناس. كيف ابن زياد فيكم؟ قالوا: ظريف على أنه يلحن، قال: فذاك أظرف له؛ ذهب معاوية إلى أن معنى (يلحن) يفطن ويصيب.
وحدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، عن يزيد بن إبراهيم التستري، عن أبي هارون الغنوي، عن مسلم بن شداد، عن عبيد بن عمير، عن أبي بن كعب، قال تعلموا اللحن في القرآن كما تتعلمونه.
قال أبو بكر: فيجوز أن يكون اللحن في هذا الحديث الصواب، ويجوز أن يكون الخطأ، لأنه إذا عرف القارئ الخطأ عرف الصواب.
وحدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا أبو بلال –من ولد أبي موسى- قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن عاصم الأحول، عن مورق، عن عمر، قال: تعلموا الفرائض والسنة واللحن؛ كما تتعلموا القرآن. فيجوز أن يكون اللحن الصواب؛ ويجوز أن يكون الخطأ، يعرف فيتجنب.
وحدث يزيد بن هارون بهذا الحديث، فقيل له: ما اللحن؟ فقال: النحو.
وقال عمر بن عبد العزيز: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم! أراد بـ (لاحن) فاطن.
وقال أبو العالية: كان ابن عباس يعلمنا لحن الكلام.
وقال لبيد:
متعود لحن يعيد بكفه = قلما على عسب ذبلن وبان
فاللحن: المصيب الفطن، يقال: رجل لحن ولاحن، من الفطنة والصواب، ورجل لاحن من الخطأ لا غير. وقال القتال:
ولقد لحنت لكم لكيما تفقهوا = ووحيت وحيا ليس بالمرتاب
وقال ابن أحمر يصف صحيفة كتبها:
وتعرف في عنوانها بعض لحنها = وفي جوفها صمعاء تبلي النواصيا
الصمعاء: الداهية.
واللحن أيضا يكون بمعنى اللغة، وقال شريك عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة، في قول الله عز وجل: {سيل العرم} العرم: المسناة بلحن اليمن، أي بلغتهم. وقال بعض الأعراب:

وما هاج هذا الشوق إلا حمامة = تبكت على خضراء سمر قيودها
هتوف الضحى معروفة اللحن لم تزل = تقود الهوى من مسعد ويقودها
وقال الآخر يذكر حمامتين:
باتا على غصن بان في ذرا فنن = يرددان لحونا ذات ألوان
وأنشدنا أبو العباس وغيره

وحديث ألذه هو مما = تشتهيه النفوس يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا = نا وخير الحديث ما كان لحنا
وقال: أراد (تلحن) تصيب وتفطن، وأراد بقوله: (ما كان لحنا) ما كان صوابا.
وقال ابن قتيبة: اللحن في هذا البيت الخطأ، وهذا الشاعر استملح من هذه المرأة ما يقع في كلامها من الخطأ.
قال أبو بكر: وقوله عندنا محال، لأن العرب لم تزل تستقبح اللحن من النساء كما تستقبحه من الرجال، ويستملحون البارع من كلام النساء كما يستملحونه من الرجال، الدليل على هذا قول ذي الرمة يصف امرأة:
لها بشر مثل الحرير ومنطق = رخيم الحواشي لا هراة ولا تزر
فوصفها بحسن الكلام؛ واللحن لا يكون عند العرب حسنا إذا كان بتأويل الخطأ، لأنه يقلب المعنى، ويفسد التأويل الذي يقصد له المتكلم. وقال قيس بن الخطيم يذكر امرأة أيضا:

ولا يغث الحديث ما نطقت = وهو بفيها ذو لذة طرف
تخزنه وهو مشتهى حسن = وهو إذا كا تكلمت أنف
فلو كانت هذه المرأة تلحن وتفسد ألفاظها كانت عند هذا الشاعر الفصيح غثة الكلام، ولم تستحق عنده وصفا بجودة المنطق وحلاوة الكلام. وقال كثير:
من الخفرات البيض ود جليسها = إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
فخبر بهذا لصحة ألفاظها. ولم تزل العرب تصف النساء بحسن المنطق، وتستملح منهم رواية الشعر، وأن تقرض
المرأة منه البيت والأبيات، فإذا قدرت على ذلك زاد في معانيها، وتناهت عند من يشغف بها؛ الدليل على هذا ما يروى عن عزة، وبثينة، وليلى الأخيلية، وعفراء بنت مهاصر من قول الشعر؛ وأن ذلك كان يزيد في محبة أصحابهن لهن، فليلى الأخيلية، تقول في جواب توبة بن الحمير حين قال:

عفا الله عنها هل أبيتن ليلة = من الدهر لا يسري إلى خيالها
وعنه عفا ربي وأصلح حاله = فعز علينا حاجة لا ينالها
وليلى صاحبة المجنون تقول:

ألا ليت شعري والخطوب كثيرة = متى رحل قيس مستقل فراجع
بنفسي من لا يستقي برحله = ومن هو إن لم يحفظ الله ضائع
وعفراء بنت مهاصر ترثي عروة بن حزام:

ألا أيها الركب المخبون ويحكم = بحق نعيتم عروة بن حزام
فلا نفع الفرسان بعدك غارة = ولا رجعوا من غيبة بسلام
وقل للحبالى لا يرجين غائبا = ولا فرحلت بعده بغلام
وقالت بثينة ترثي جميلا:

وإن سلوى عن جميل لساعة = من الدهر ما جاءت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر = إذا مت بأساء الحياة ولينها
ثم كان الناس على هذا إلى وقتنا أو قبل وقتنا؛ إذا عرف من المرأة فصاحة واقتدار على قول الشعر حلت في قلوب الرجال، وكان ذلك منها زائدا في كمالها، ومن قدر على قول الشعر حكم له بمعرفة أكثر الإعراب وتجنب اللحن. وكيف يكون الخطأ في الكلام مستحسنا والصواب مستسمجا، والعرب تقرب المعربين، وتتنقص اللاحنين وتبعدهم، فعمر بن الخطاب رحمه الله يقول لقوم استقبح رميهم: ما أسوأ رميكم! فيقولون: نحن قوم (متعلمين)، فيقول: لحنكم أشد على من فساد رميكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: ((رحم الله امرأ أصلح من لسانه))، وكان ابن عمر يضرب بنيه على اللحن.
وقال محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم، قال رسول الله صلى الله عليهِ: ((أعربوا الكلام كي تعربوا القرآن)).
وقال عمر بن عبد العزيز: إن الرجل ليكلمني في الحاجة
يستوجبها فيلحن فأرده عنها، وكأني أقضم حب الرمان الحامض، لبغضي استماع اللحن، يكلمني آخر في الحاجة لا يستوجبها فيعرب، فأجيبه إليها التذاذا لما أسمع من كلامه.
وقال عمر بن عبد العزيز أيضا: أكاد أضرس إذا سمعت اللحن). [كتاب الأضداد: 238-245]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (مطلب الكلام على مادة لحن وقوله تعالى {ولتعرفنّهم في لحن القول} [محمد: 30]
قال أبو بكر الأنباري، رحمه الله: معنى قوله عز وجل: {ولتعرفنّهم في لحن القول} [محمد: 30] أي في معنى القول، وفى مذهب القول وأنشد للقتال الكلابي:
ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا = ووحيت وحيا ليس بالمرتاب
معناه: ولقد بينت لكم: واللحن بفتح الحاء: الفطنة، وربما أسكنوا الحاء في الفطنة، ورجل لحن، أي فطن، قال لبيد يصف كاتبا:
متعود لحن يعيد بكفه = قلما على عسب ذبلن وبان
ومن اللّحن الحديث الّذي يروى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رجلين اختصما إليه في مواريث وأشياء قد درست، فقال عليه السّلام: لعلّ أحدكم أن يكون ألحن بحجّته من الآخر فمن قضيت له بشيءٍ من حقّ أخيه فإنّما أقطع له قطعةً من النّار فقال كلّ واحدٍ من الرّجلين: يا رسول الله، حقّي هذا لصاحبي، فقال: لا ولكن اذهبا فتوخّيا ثمّ استهما ثمّ ليحلّل كلّ واحدٍ منكما صاحبه.
ومنه قول عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم! أي فاطنهم.
وحدّثني أبو بكر، عن أبى العبّاس، عن ابن الأعرابي، قال: يقال: قد لحن الرجل يلحن لحنًا فهو لاحن إذا أخطأ، ولحن يلحن لحنا فهو لحن، إذا أصاب وفطن، وأنشد

وحديث ألذه هو مما تشتهيه = النفوس يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيانا = وخير الحديث ما كان لحنا
معناه: وتصيب أحيانا
وحدّثني أيضًا، قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق، أخبرنا نصر بن عليٍّ، قال: أخبرنا الأصمعيّ، عن عيسى بن عمر، قال: قال معاوية للنّاس: كيف ابن زيادٍ فيكم "؟ قالوا: ظريفٌ على أنّه يلحن، قال: " فذاك أظرف له، ذهب معاوية إلى اللّحن الّذي هو الفطنة، وذهبوا هم إلى اللّحن الّذي هو الخطأ واللحن أيضًا: اللغة، ذكره الأصمعي، وأبو زيد؛ ومنه قول عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالى عنه: تعلموا الفرائض والسنن واللحن كما تعلمون القرآن.
فاللحن: اللغة وروى شريك عن أبى إسحاق عن ميسرة أنّه قال في قوله عز وجل: {فأرسلنا عليهم سيل العرم}[سبأ: 16] : العرم: المسناة بلحن اليمن، أي بلغة اليمن، وقال الشاعر

وما هاج هذا الشوق إلا حمامة = تغنت على خضراء سمر قيودها
صدوح الضحى معروفة اللحن لم تزل = تقود الهوى من مسعد ويقودها
وقال الآخر:

لقد تركت فؤادك مستجنا = مطوقة على فننٍ تغنى
يميل بها وتركبه بلحن = إذا ما عنّ للمحزون أنّا
فلا يحزنك أيام تولى = تذكرها ولا طير أرنا
وقال الآخر:

وهاتفين بشجوٍ بعد ما سجعت = ورق الحمام بترجيع وإرنان
باتا على غصن بان في ذرى فننٍ = يرددان لحونا ذات ألوان
معناه: يرددان لغاتٍ، وصرف أبو زيد منه فعلا فقال: لحن الرجل يلحن لحنا إذا تكلم بلغته، قال: ويقال: لحنت له لحنًا إذا قلت له قولا يفهمه عنك ويخفى على غيره، ولحنه عنى لحنا، أي فهمه، وألحنته أنا إياه إلحانا، وهذا مذهب أبى بكر بن دريد في تفسير قول الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيانا
قال: يريد: تعوص في حديثها فتزيله عن جهينة لئلا يفهمه الحاضرون، ثم قال. . . وخير الحديث ما كان لحنا أي خير الحديث ما فهمه صاحبك الذي تحب إفهامه وحده، وخفي على غيره.
قال: وأصل اللحن أن تريد الشيء فتورى عنه بقول آخر، كقول رجل من بنى العنبر كان أسيرا في بكر بن وائل، فسألهم رسولا إلى قومه، فقالوا له: لا ترسل إلا بحضرتنا، لأنهم كانوا أزمعوا غزو قومه فخافوا أن ينذر عليهم، فجيء بعبد أسود فقال له: أتعقل؟ قال: نعم إني لعاقل، قال: ما أراك عاقلًا؛ ثم قال: ما هذا؟ وأشار بيده إلى الليل، فقال: هذا الليل، فقال: أراك عاقلًا، ثم ملأ كفيه من الرمل فقال: كم هذا؟ فقال: لا أدرى وإنه لكثير، فقال: أيهما أكثر، النجوم أو النيران؟ فقال: كل كثير، فقال: أبلغ قومي التحية وقل لهم: ليكرموا فلانا يعنى أسيرا كان في أيديهم من بكر بن وائل، فإن قومه لي مكرمون، وقل لهم: إن العرفج قد أدبى وقد شكت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملي الأصهب بآية ما أكلت معكم حيسا؛ واسألوا الحارث عن خبري.
فلما أدى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جن الأعور، والله ما نعرف له
ناقة حمراء، ولا جملا أصهب؛ ثم سرحوا العبد ودعوا الحارث فقصوا عليه القصة، فقال: قد أنذركم.
أما قوله: قد أدبى العرفج: فإنه يريد أن الرجال قد استلأموا، أي لبسوا الدروع.
وقوله: شكت النساء، أي اتخذن الشكاء للسفر.
وقوله: ناقتي الحمراء: أي ارتحلوا عن الدهناء واركبوا الصمان وهو الجمل الأصهب.
وقوله: بآية ما أكلت معكم حيسًا: يريد اخلاطا من الناس قد غزوكم، لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط.
فامتثلوا ما قال وعرفوا فحوى كلامه.
وأخذ هذا المعنى أيضًا رجل من بني تميمٍ كان أسيرا فكتب إلى قومه:

حلو عن الناقة الحمراء أرحلكم = والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا
إن الذئاب قد اخضرت براثنها = والناس كلهم بكر إذا شبعوا
يريد أن الناس كلهم إذا أخصبوا عدو لكم كبكر بن وائل.
ومعنى صائب، على مذهب أبى العبّاس في البيت: قاصد، كما قال
جميل وما صائب من نابلٍ قذفت به = يد وممر العقدتين وثيق
فيكون معنى قوله: منطق صائب، أي قاصد للصواب وإن لم يصب؛ وتلحن أحيانا، أي تصيب وتفطن؛ ثم قال: وخير الحديث ما كان لحنًا أي إصابة وفطنة). [الأمالي: 1/4-7]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ} قال: قد علم قبل ذاك، ولكن أراد أن نعلم نحن). [مجالس ثعلب: 164]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 3 محرم 1433هـ/28-11-2011م, 08:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) }

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) }

تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)).
قال: حدثناه هشيم قال: أخبرنا حجاج عن نافع عن ابن عمر يرفعه.
قال الكسائي: هو من الوَتْر، وذلك أن يجني الرجل على الرجل جناية يقتل له قتيلا أو يذهب بماله وأهله فيقال: قد وَتَر فلان فلانا أهله وماله.
يقول: فهذا فيما فاته من صلاة العصر بمنزله الذي قد وتر فذهب بماله وأهله.
وقال غيره: وتر أهله وماله يقول: نقص أهله وماله وبقي فردا، وذهب إلى قوله: {ولن يتركم أعمالكم} يقول: لن ينقصكم، يقال: قد وترته حقه: إذا نقصته.
وأحد القولين قريب من الآخر). [غريب الحديث: 3/297-298]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (
والسَّلم والسِّلم: الصّلح، والسَّلَم: الاستسلام). [الأمالي: 2/152] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وفي خطبة المأمون يوم الفطر بعد التكبير الأوّل
إنّ يومكم هذا يومُ عِيدٍ وسُنَّة وابتهال ورغبة، يومٌ خَتَم الله به صيامَ شهر رمضان وافتتح به حجَّ بيته الحَرَام، فجعله خاتمةَ الشهر وأوّلَ أيام شهور الحجّ، وجعله مُعقِّبًا لمفروض صيامكم ومنتفَل قيامكم، أحل فيه الطعامَ لكم وحَرم فيه الصيامَ عليكم؛ فاطلبوا إلى الله حوائجكَم استغفروه لتفريطكم، فإنه يُقال: لا كبيرَ مع استغفار، ولا صغير مع إصرار. ثم التكبير والتحميد وذكر النبيّ عليه السلام والوصية بالتقوى. ثم قال: فاتقوا الله عبادَ الله وبادروا الأمرَ الذي اعتدَلَ فيه يقينُكم، ولم يتحضِر الشكُ فيه أحدًا منكم، وهو الموت المكتوبُ عليكم، فإنه لا تُستقالُ بعده عَثْرةٌ، ولا تُحْظَر قبله توبة. واعلموا أنه لا شيءَ قبله إلا دونَه ولا شيءَ بعده إلا فوقَه. ولا من على جَزَعه وعَلَزه وكُرَبه، ولا يُعين على القبر وظُلْمته وضِيقه ووَحْشته وهَوْل مَطْلَعه ومسألة ملائكته، إلا العملُ الصالحُ الذي أمر اللّه به. فمن زَلَّت عند الموت قَدَمُه، فقد ظهرت ندامتُه، وفاتته استقالتُه، ودعا من الرَّجْعة إلى ما لا يجاب إليه، وبذَلَ من الفِدْية ما لا يُقْبَلُ منه. فالله اللَّه عبادَ اللهّ! وكونوا قومًا سألوا الرَّجْعةَ فأعْطُوها إذ مُنِعَهَا الذين طَلَبوها فإنه ليس يتمنَى متقدون قبلكم إلا هذا المهلَ المبسوطَ لكم. واحذَرُوا ما حذَّركم الله، واتَقوا اليومَ الذي جمَعُكم الله فيه لوَضْع مَوَازينكم، ونَشْر صُحُفكم الحافِظةِ لأعمالكم. فلينظُرْ عبدٌ ما يَضَعُ في زاده مما يثقل به، وما يًمِلُ في صحيفته الحافِظة لما عليه وله؛ فقد حَكَى الله لكم ما قال مفرطون عندها إذ طال إعراضُهم عنها، قال: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمينَ مُشْفِقِينَ مما فيه}! الآية. وقال: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ}. ولستُ أنهاكم عن الدنيا بأعظمَ مما نهتْكم الدنيا عن نفسها، فإنه كل ما لها ينهَى عنها، وكل ما فيها يدعو إلى غيرها. وأعظمُ ما رأته أعينكم من عجائبها فمُّ كتاب اللّه لها ونَهْيُ اللّه عنها، فإنه يقول: {فَلَا تَغُرنًكُمُ الحَيَاة الدنْيَا وَلاَ يَغُرنكُمْ بِالله الغَرُورُ} وقال: {إنمَا الْحَيَاةُ الدُنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} الآية. فانتفعوا بمعرفتكم بها وبإخبار الله عنها، واعلَموا أنّ قومًا من عباد اللهّ أدركتُهم عِصمةُ اللّه فحذِروا مَصَارِعَها، وجانَبُوا خدائعها، وآثروا طاعةَ الله فيها، فأدركوا الجنَّة بما تركوا منها). [عيون الأخبار: 5/255-256] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: بصير بأضغان الرجال، فهي أسرارها ومخبآتها. قال الله تعالى: {فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} ). [الكامل: 3/1123]

تفسير قوله تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أن ثم إذا أدخلته على الفعل الذي بين المجزومين لم يكن إلا جزماً لأنه ليس مما ينصب وليس يحسن الابتداء لأن ما قبله لم ينقطع وكذلك الفاء والواو وأو إذا لم ترد بهن النصب فإذا انقضى الكلام ثم
جئت بثم فإن شئت جزمت وإن شئت رفعت وكذلك الواو والفاء قال الله تعالى: {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} وقال تبارك وتعالى: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} إلا أنه قد يجوز النصب بالفاء والواو.
وبلغنا أن بعضهم قرأ: (يحاسبكم به الله فيغفرَ لمن يشاء ويعذبَ من يشاء والله على كل شيء قدير).
وتقول إن تأتني فهو خيرٌ لك وأكرمك وإن تأتني فأنا آتيك وأحسن إليك وقال عز وجل: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ونكفر عنكم من سيئاتكم} والرفع ههنا وجه الكلام وهو الجيد لأن الكلام الذي بعد الفاء جرى مجراه في غير الجزاء فجرى الفعل هنا كما كان يجري في غير الجزاء.
وقد بلغنا أن بعض القراء قرأ: {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون} وذلك لأنه حمل الفعل على موضع الكلام لأن
هذا الكلام في موضع يكون جواباً لأن أصل الجزاء الفعل وفيه تعمل حروف الجزاء ولكنهم قد يضعون في موضع الجزاء غيره). [الكتاب: 3/89-91] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وكل بابٍ فأصله شيءٌ واحدٌ، ثم تدخل عليه دواخل؛ لاجتماعها في المعنى. وسنذكر إن كيف صارت أحق بالجزاء? كما أن الألف أحق بالاستفهام، وإلا أحق بالاستثناء، والواو أحق بالعطف مفسراً إن شاء الله في هذا الباب الذي نحن فيه.
فأما إن فقولك: إن تأتني آتك، وجب الإتيان الثاني بالأول، وإن تكرمني أكرمك، وإن تطع الله يغفر لك، كقوله عز وجل: {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم} {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم}.
والمجازاة ب إذما قولك: إذما تأتني آتك؛ كما قال الشاعر:

إذ ما أنيت على الرسول فقل له = حقاً عليك إذا اطمأن المجلـس
ولا يكون الجزاء في إذ ولا في حيث بغير ما؛ لأنهما ظرفان يضافان إلى الأفعال. وإذا زدت على كل واحد منهما ما منعتا الإضافة فعملتا. وهذا في آخر الباب يشرح بأكثر من هذا الشرح إن شاء الله.
وأما المجازاة بـ (من) فقوله عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً} وقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً}.
وبـ (ما) قوله: {ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها}.
وبـ أين قوله عز وجل: {أينما تكونوا يدرككم الموت}. وقال الشاعر:
أين تضرب بنا العداة تجـدنـا = نصرف العيس نحوها للتلاقي
وبـ أنى قوله:
فأصبحت أنى تأتها تلتبس بـهـا = كلا مركبيها تحت رجليك شاجر
ومن حروف المجازاة مهما. وإنما أخرنا ذكرها؛ لأن الخليل زعم أنها ما مكررة، وأبدلت من الألف الهاء. وما الثانية زائدة على ما الأولى؛ كما تقول: أين وأينما، ومتى ومتى ما، وإن وإما، وكذلك حروف المجازاة إلا ما كان من حيثما وإذما. فإن ما فيهما لازمة. لا يكونان للمجازاة إلا بها، كما تقع رب على الأفعال إلا بـ ما في قوله: {ربما يود الذين كفروا}، ولو حذفت منها ما لم تقع إلا على الأسماء النكرات، نحو: رب رجل يا فتى.
والمجازاة بـ(أي) قوله: {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} ). [المقتضب: 2/45-48] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: سر ما إن زيداً يحبه من هند جاريته. فوصلت ما وهي في معنى الذي بإن، وما عملت فيه لأن إن إنما دخلت على الابتداء والخبر، والمعنى كذلك، وكذلك أخواتها. قال الله عز وجل: وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة. وتقول على هذا: جاءني الذي كأن زيدا أخوه، ورأيت الذي ليته عندنا وكذلك كل شيءٍ يكون جملة. تقول: الذي إن تأته يأتك زيد، ورأيت الذي من يأته يكرمه. فإن قلت: رأيت الذي من يأتيه يكرمه جاز. تجعل من في موضع الذي. فكأنك قلت: رأيت الذي زيد يكرمه؛ لأن من صلتها: يأتيه، وخبرها: يكرمه. فأما قول الله عز وجل: {فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه} فإن من الأولى في معنى الذي، ولا يكون الفعل بعدها إلا مرفوعاً. فأما الثانية فوجهها الجزم بالجزاء، ولو رفع رافع على معنى الذي كان جيداً؛ لأن تصييرها على معنى الذي لا يخرجها من الجزاء. ألا ترى أنك تقول: الذي يأتيك فله درهم. فلولا أن الدرهم يجب بالإتيان لم يجز دخول الفاء؛ كما لا يجوز: زيد فله درهم، وعبد الله فمنطلق.وقال الله عز وجل: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربهم}. فقد علمت أن الأجر إنما وجب بالإنفاق. فإذا قلت: الذي يأتيك له درهم لم تجعل الدرهم له بالإتيان. فإذا كانت في معنى الجزاء جاز أن تفرد لها وأنت تريد الجماعة؛ كما يكون من وما، قال الله عز وجل: {والذي جاء بالصدق وصدق به}. فهذا لكل من فعل، ولذلك قال: {وأولئك هم المتقون}. فهذه أصول، ونرجع إلى المسائل إن شاء الله). [المقتضب: 3/194-196]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن ثنيت، أو جمعت قلت: هذان، وفي المؤنث: هاتان.
ومن قال في الواحدة هذه لم يجز أن يثنى إلا على قولك هاتا؛ لئلا يلتبس المذكر بالمؤنث.
وتقول في الجمع الحاضر: هؤلاء، وأولاء، وهؤلاء، وأولا يمد جميعاً ويقصر، والمد أجود، نحو قوله عز وجل: {ها أنتم هؤلاء تدعون}، وكقوله: {هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه}. والقصر يجوز، وليس هذا موضع تفسيره). [المقتضب: 4/278]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ويقال في تثنية الند: ندان، وفي جمعه أنداد. ومن العرب من لا يثنيه ولا يجمعه ولا يؤنثه؛ فيقول: الرجلان ندي، والرجال ندي، والمرأة ندي، والنساء ندي، كما قالوا: القوم مثلي، والقوم أمثالي؛ قال الله عز وجل: {ثم لا يكونوا أمثالكم}، وقال تبارك وتعالى في موضع آخر: {إنكم إذا مثلهم} ). [كتاب الأضداد: 25] (م)


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:28 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة