تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العبَّاس في قوله عز وجل: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} قال: أمثالاً. وهذا نده، أي مثله، وكذلك النديد أيضًا.
وأنشد:
لكيلا يكون السندري نديدتي = وأجعل أقوامًا عمومًا عماعما).
[مجالس ثعلب: 567]
تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وزعم يونس أن قوما يقولون هذه عشرون أضعافها وهذه عشرون أضعاف أي مضاعفة. والنصب أكثر.
ومثل ذلك هذا درهم سواء. كأنه قال هذا درهم استواء. فهذا تمثيل وإن لم يتكلم به. قال عز وجل: {في أربعة أيام سواءً للسائلين}.
وقد قرأ ناس: (في أربعة أيام سواءٍ) قال الخليل: جعله بمنزلة مستويات.
وتقول: هذا درهم سواء كأنك قلت هذا درهم تام). [الكتاب: 2/119]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإذا أردت أن تجمع المذكر ألحقته اسماً من العدة فيه علامة التأنيث. وذلك نحو: ثلاثة أثواب، وأربعة رجال. فدخلت هذه الهاء على غير ما دخلت عليه في ضاربة وقائمة، ولكن كدخولها في علامة، ونسابة، ورجل ربعة، وغلام يفعة.
فإذا أوقعت العدة على مؤنث أوقعته بغير هاءٍ فقلت: ثلاث نسوة، وأربع جوار، وخمس بغلات. وكانت هذه الأسماء مؤنثة بالبنية، كتأنيث عقرب، وعناق، وشمس، وقدر.
وإن سميت رجلاً ب ثلاث التي تقع على عدة المؤنث لم تصرفه؛ لأنه اسم مؤنث بمنزلة عناق.
وإن سميته ب ثلاث من قولك: ثلاثة التي تقع على المذكر صرفته.
فكذلك يجري العدد في المؤنث والمذكر بين الثلاثة إلى العشرة في المذكر. وفيما بين الثلاث إلى العشر في المؤنث. قال الله عز وجل: {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام} وقال: {في أربعة أيامٍ سواءً للسائلين} وقال: {على أن تأجرني ثماني حججٍ فإن أتممت عشراً فمن عندك}؛ لأن الواحدة حجة. وقال: {فصيام ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ}.
فإذا كان في الشيء ما يقع لأدنى العدد أضفت هذه الأسماء إليه فقلت: ثلاثة أغلمة، وأربعة أحمرةٍ، وثلاثة أفلسٍ، وخمسة أعدادٍ.
فإن قلت: ثلاثة حميرٍ، وخمسة كلابٍ جاز ذلك. على أنك أردت: ثلاثة من الكلاب، وخمسة من الحمير؛ كما قال الله عز وجل: {يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ}.
و قال الشاعر:
قد جعلت ميٌّ على الظرار = خمس بنانٍ قانىء الأظفار
يريد: خمساً من البنان). [المقتضب: 2/155-157] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الله عز وجل: {واسأل القرية التي كنا فيها} إنما هو: أهل القرية كما قال الشاعر:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت = فإنما هـي إقـبـالٌ وإدبـار
أي: ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها. وكذلك قوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. والوجه: ولكن البر بر من آمن بالله. ويجوز أن يوضع البر في موضع البار على ما ذكرت لك. فإذا قلت: ما أنت إلا شرب الإبل فالتقدير: ما أنت إلا تشرب شرب الإبل، والرفع في هذا أبعد؛ لأنه إذا قال: ما أنت إلا سيرٌ. فالمعنى: ما أنت إلا صاحب سيرٍ؛ لأن السير له. فإذا قال: ما أنت إلا شرب الإبل ففيه فعل؛ لأن الشرب ليس له. وإنما التقدير: إلا تشرب شرباً مثل شرب الإبل، فإذا أراد الضمير في الرفع كثر، فصار المعنى: ما أنت إلا صاحب شربٍ كشرب الإبل، فهذا ضعيفٌ خبيث. ومثل الأول قوله:
وكيف تواصل من أصبحت = خلالته كأبـي مـرحـب
يريد: كخلالة أبي مرحب. فهذا كقوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. ومن ذلك قول الشاعر:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي = على وعلٍ في ذي الفقارة عاقل
واعلم أن المصادر لا تمتنع من إضمار أفعالها إذا ذكرت ما يدل عليها، أو كان بالحضرة ما يدل على ذلك. وقياسها قياس سائر الأسماء في رفعها ونصبها وخفضها، إلا أنها تبدل من أفعالها. ألا ترى قوله عز وجل: {في أربعةٍ أيامٍ سواءً للسائلين} وأن قوله {أربعة} قد دل على أنها قد تمت. فكأنه قال: استوت استواءً. ومثله: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}؛ لأن فعله خلق فقوله: {أحسن}؛ أي خلق حسنا خلق، ثم أضافه. ومثل ذلك: {وعد الله}؛ لأنه لما قال: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله} علم أن ذلك وعدٌ منه، فصار بمنزلة: وعدهم وعداً، ثم أضافه. وكذلك: {كتاب الله عليكم}. لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلمهم أن ذلك مكتوب عليهم، فكأنه قال: كتب الله ذلك. ومن زعم أن قوله: {كتاب الله عليكم} نصب بقوله: عليكم كتاب الله، فليس يدري ما العربية؛ لأن السماء الموضوعة موضع الأفعال لا تتصرف تصرف الأفعال، فتنصب ما قبلها. فمن ذلك قوله:
ما إن يمس الأرض إلا منكـبٌ = منه وحرف الساق طي المحمل
وذلك أنه دل بهذا الوصف على انه منطوٍ فأراد: طوي طي المحمل. فهذه أوصاف تبدل من الفعل لدلالتها عليه). [المقتضب: 3/230-232] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن قلت: هذا درهم ضرب الأمير لم يجز أن يكون نعتاً، لأن النكرة لا تنعت بالمعرفة ولكن بينت. كأنك جعلته جواباً. لما قلت: هذا ثوب، وهذا درهم قيل: ما هو? فقلت: ضرب الأمير على الابتداء والخبر.
وعلى هذا تقول: مررت برجل زيد. وقال: {بشر من ذلكم النار} وقرئت الآية على وجهين {في أربعة أيام سواءً للسائلين} على المصدر فكأنه قال: استواءً. وقرأ بعضهم (أربعة أيام سواءٍ) على معنى مستويات، وقال جل وعز: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً} فالمعنى والله أعلم غائراً، فوضع المصدر موضع الاسم. وقالت الخنساء:
ترتع ما عقلت حتى إذا ادكرت = فإنما هـي إقـبـال وإدبـار
فالمصدر في كل هذا في موضع الاسم. وقال لقيط بن زرارة:
شتان هذا، والعنـاق والـنـوم = والمشرب البارد، والظل الدوم
يريد: الدائم.
فأما قولهم: هو عربي محضاً، وهو صميم قلباً، وهو عربي حسبةً، وهو شريف جداً فإنها مصادر مؤكدة لما قبلها. والأجود: هو عربي محض، وعربي قلب؛ لأن هذه أسماء وإن كانت تكون على هذا اللفظ مصادر، لأن المصدر ينعت به، والاسم لا يكون إلا نعتاً من هذا الضرب، إلا أن تجعله حالاً للنكرة. وأما هو أعرابي قح فلا يكون إلا رفعاً؛ لأنه ليس بمصدر.
فإذا قلت: هو عربي حسبةً فمعناه: اكتفاءً. يقال: أعطاني فأحسبني، أي كفاني. قال الله عز وجل: {عطاءً حساباً}، أي كافياً). [المقتضب: 4/304-306] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: الآساس واحدها أس، وتقديرها فعل وأفعال وقد يقال للواحد: أساس، وجمعه أسس.
والبهلول: الضحاك.
وقوله:
بعد ميل من الزمان ويأس
يقال: فيك ميل علينا، وفي الحائط ميل، وكذلك كل منتصب.
وقوله: واقطعن كل رقلة، الرقلة: النخلة الطويلة، ويقال إذا وصف الرجل بالطول: كأنه رقلة.
والأواسي، ياؤه مشددة في الأصل وتخفيفها يجوز، ولو لم يجز في الكلام لجاز في الشعر؛ لأن القافية تقتطعه، وكل مثقل فتخفيفه في القوافي جائز، كقوله:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر = ومن الحب جنون مستعر
وواحدها أسية وهي أصل البناء بمنزلة الأساس.
وقوله: وغاظ سوائي تقول: ما عندي رجل سوى زيد، فتقصر إذا كسرت أوله، فإذا فتحت أوله على هذا المعنى مددت، قال الأعشى:
تجانف عن جو اليمامة، ناقتي = وما قصدت من أهلها لسوائكا
والسواء ممدود في كل موضع وإن اختلفت معانيه، فهذا واحد منه، والسواء: الوسط، ومنه قوله عز وجل: {فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}, وقال:
يا ويح أنصار النبي ورهطه = بعد المغيب في سواء الملحد
والسواء: العدل والاستواء، ومنه قوله عز وجل: {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}، ومن ذلك: عمرو وزيد سواء، والسواء: التمام، يقال: هذا درهم سواء، وأصله من الأول، وقوله عز وجل: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}، معناه تمامًا.
ومن قرأ: (سَواءٍ) فإنما وضعه في موضع مستويات). [الكامل: 3/1368-1369] (م)
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ويروى عن بعض الحكماء أنه قال: هلاّ وقفت على المعاهد والجنان، فقلت: أيها الجنان، من شقّ أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإنها إن لم تجبك حورًا أجابتك اعتبارًا! وأهل النظر يقولون في قول الله عزّ وجل: {قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11]، لم يكن كلامٌ، إنما فعل عزّ وجل ما أراد فوجد، قال الراجز:
قد خنق الحوض وقال قطني = سلا رويدًا قد ملأت بطني
ولم يكن كلامٌ، إنما وجد ذلك فيه. وكذلك قوله:
فقال لي استقدم أمامك إنما = فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصر
أي: قد جرّب مثل هذا منك في المستجير بقبره). [الكامل: 2/615-616]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} قال: الفراء وأصحابنا يقولون؛ أقبل عليها. وآخرون يقولون: استولى). [مجالس ثعلب: 174]
تفسير قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ذ (12) }
تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) }
تفسير قوله تعالى: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)}
تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)}
تفسير قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)}
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (قال أبو يوسف يقال هو مني أصري وإصري وصري وصري وهي مشتقة من أصررت على الشيء إذا أقمت ودمت عليه قال أبو سمال الأسدي وضلت ناقته أيمنك لئن لم تردها على لاعبدتك فأصاب ناقته وقد تعلق زمامها بشجرة فأخذها وقال علم ربي أنها مني أصري ويقال رجل صرورة وصارورة وصرورى وهو الذي لم يحج وحكى الفراء عن بعض العرب قال رأيت قوما صرارى واحدهم صرارة والصرورة الذي في شعر النابغة الذي لم يأت النساء كأنه أصر على تركهن ويقال درهم صرى وصرى للذي له طنين إذا نقر ويقال: للبرد صر وقولهم: {ريح صرصر} فيها قولان: يقال أصلها صرر من الصر فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل وكذلك قوله عز وجل: {فكبكبوا فيها} أصلها فكببوا ويقال تجفجف الثوب وأصلها تجفف قال الكلابي
(فقام على قوائم لينات = قبيل تجفجف الوبر الرطيب)
ويقال لقيته فتبشبش بي أصلها فتبشش بي ويقال "قد صر نابيه" و"صر ناقته" والصرار: الخيط الذي يشد فوق الخلف والتودية والصرة: الصيحة، والشدة قال امرؤ القيس:
(جواحرها في صرة لم تزيل)
وقال الله عز وجل: {فأقبلت امرأته في صرة} ويقال المحمل يصر صريرا ويقال قد صر الفرس أذنيه فإذا لم يوقعوا قالوا أصر الفرس). [إصلاح المنطق: 319-320]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
كعريضة الشيزى يكلل فوقها = شحم السنام غداة ريح صرصر
الصرصر: الباردة). [شرح ديوان الحطيئة: 62]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والصرصر: الريح الشديدة الصوت، الباردة). [التعازي والمراثي: 107]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والصرصر: الشديدة الصوت). [الكامل: 3/1406]
تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (فإذا بنيت الفعل على الاسم قلت زيدٌ ضربته فلزمته الهاء. وإنما تريد بقولك مبنيٌّ عليه الفعل أنّه في موضع منطلقٍ إذا قلت عبد الله منطلقٌ فهو في موضع هذا الذي بني على الأول وارتفع به فإنّما قلت عبد الله فنسبته له ثمّ بنيت عليه الفعل ورفعته بالابتداء.
ومثل ذلك قوله جلّ ثناؤه: {وأما ثمود فهديناهم}. وإنما حسن أن يبنى الفعل على الاسم حيث كان معملاً في المضمر وشغلته به ولولا ذلك لم يحسن لأنّك لم تشغله بشيء.
وإن شئت قلت زيداً ضربته وإنّما نصبه على إضمار فعلٍ هذا يفسره كأنّك قلت ضربت زيداً ضربته إلاّ أنّهم لا يظهرون هذا الفعل هنا للاستغناء بتفسيره. فالاسم ها هنا مبنيٌّ على هذا المضمر.
ومثل ترك إظهار الفعل ها هنا ترك الإظهار في الموضع الذي تقدّم فيه الإضمار. وستراه إن شاء الله.
وقد قرأ بعضهم: (وأما ثَمُودَ فهديناهم) وأنشدوا هذا البيت على وجهين على النصب والرفع قال بشر بن أبي خازمٍ
فأمّا تميمٌ تميم بن مرٍّ = فألفاهم القوم روبى نياما
ومنه قول ذي الرمّة:
إذا ابن أبي موسى بلالٌ بلغته = فقام بفأسٍ بين وصليك جازر
فالنصب عربٌّ ى كثيرٌ والرفع أجود لأنّه إذا أراد الإعمال فأقرب
إلى ذلك أن يقول ضربت زيدا وزيداً ضربت ولا يعمل الفعل في مضمر ولا يتناول به هذا المتناول البعيد. وكلّ هذا من كلامهم. ومثل هذا زيدا أعطيت وأعطيت زيدا وزيدٌ أعطيته لأن أعطيت بمنزلة ضربت. وقد بيّن المفعول الذي هو بمنزلة الفاعل في أول الكتاب). [الكتاب: 1/81-82]
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ولا يجوز أن تضمر فعلاً لا يصل إلاّ بحرف جرّ لأنّ حرف الجرّ لا يضمر وسترى بيان ذلك. ولو جاز ذلك لقلت زيدٍ تريد مرّ بزيد
ومثل هذا: ( وحوراً عيناً ) في قراء أبى بن كعب.
فإن قلت لقيت زيدا وأماّ عمروٌ فقد مررت به ولقيت زيدا وإذا عبد الله يضربه عمروٌ فالرفع إلاّ في قول من قال زيداً رأيته وزيدا مررت به لأنّ أمّا وإذا يقطع بهما الكلام وهما من حروف الابتداء يصرفان الكلام إلى الابتداء إلاّ أن يدخل عليهما ما ينصب ولا يحمل بواحدٍ منهما آخرٌ على أوّل كما يحمل بثمّ والفاء ألا ترى أنهّم قرءوا: (وأما ثَمُودُ فهديناهم) وقبله نصبٌ وذلك لأنها تصرف الكلام إلى الابتداء إلاّ أن يوقع بعدها فعلٌ نحو أمّا زيداً فضربت). [الكتاب: 1/94-95] (م)
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (فأما قوله عزّ وجلّ: {إنّا كلّ شيء خلقناه بقدرٍ} فإنّما هو على قوله زيداً ضربته وهو عربيٌّ كثير. وقد قرأ بعضهم: (وأما ثَمُودَ فهديناهم) إلاّ أنّ القراءة لا تخالف لأنّ القراءة السّنّة). [الكتاب: 1/148]
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (فأما ثمود وسبأ فهما مرةً للقبيلتين ومرةً للحيين وكثرتهما سواءٌ وقال تعالى: {وعاداً وثموداً} وقال تعالى: {ألا
إن ثموداً كفروا ربهم} وقال: {وآتينا ثمود الناقة مبصرةً} وقال: {وأما ثمود فهديناهم} وقال: {لقد كان لسبأٍ في مساكنهم} وقال: {من سبأٍ بنبأٍ يقينٍ}.
وكان أبو عمرو لا يصرف سبأ يجعله اسماً للقبيلة وقال الشاعر:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ = يبنون من دون سيله العرما
وقال في الصرف للنابغة الجعدي:
أضحت ينفّرها الولدان من سبأٍ = كأنّهم تحت دفّيها دحاريج).
[الكتاب: 3/252-253] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: أما يوم الجمعة فإنك مرتحل؛ لأن معنى أما: مهما يكن من شيءٍ فإنك مرتحل يوم الجمعة. فما بعد الفاء يقع مبتدأ، ألا ترى أنك تقول: أما زيداً فضربت، فإنما هو على التقديم والتأخير. لا يكون إلا ذلك، لأن المعنى: مهما يكن من شيء فزيداً ضربت، أو فضربت زيداً.
ولو قال قائل: أما يوم الجمعة فإنك مرتحل لجاز، فيكون التقدير: مهما يكن من شيء ففي يوم الجمعة رحلتك. فهذا تقدير ما يقع في أما.
والدليل على أنها في معنى الجزاء لزوم الفاء لجوابها، نحو: أما زيد فمنطلق، {فأما اليتيم فلا تقهر}، {وأما ثمود فهديناهم} و{أما من استغنى * فأنت له تصدى} فالمعنى: مهما يكن من شيء فهذا الأمر فيه. فإنما تقديرها في الكلام كله التقديم والتأخير، لا يكون إلا على ذلك). [المقتضب: 2/352-353] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب أمّا وإمّا
أما المفتوحة فإن فيها معنى المجازاة. وذلك قولك: أما زيدٌ فله درهم، وأما زيد فأعطه درهماً. فالتقدير: مهما يكن من شيءٍ فأعط زيدا درهماً، فلزمت الفاء الجواب؛ لما فيه من معنى الجزاء. وهو كلام معناه التقديم والتأخير. ألا ترى أنك تقول: أما زيدا فاضرب؛ فإن قدمت الفعل لم يجز؛ لأن أما في معنى: مهما يكن من شيء؛ فهذا لا يتصل به فعلٌ، وإنما حد الفعل أن يكون بعد الفاء. ولكنك تقدم الاسم؛ ليسد مسد المحذوف الذي هذا معناه، ويعمل فيه ما بعده. وجملة هذا الباب: أن الكلام بعد أما على حالته قبل أن تدخل إلا أنه لا بد من الفاء؛ لأنها جواب الجزاء؛ ألا تراه قال - عز وجل - {وأما ثمود فهديناهم} كقولك: ثمود هديناهم. ومن رأى أن يقول: زيدا ضربته نصب بهذا فقال: أما زيدا فاضربه. وقال: {فأما اليتيم فلا تقهر} فعلى هذا فقس هذا الباب.
وأما إما المكسورة فإنها تكون في موضع أو، وذلك قولك: ضربت إما زيدا، وإما عمرا؛ لأن المعنى: ضربت زيدا أو عمرا، وقال الله عز وجل: {إما العذاب وإما الساعة} وقال: {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً}. فإذا ذكرت إما فلا بد من تكريرها، وإذا ذكرت المفتوحة فأنت مخير: إن شئت وقفت عليها إذا تم خبرها. تقول: أما زيد فقائم، وأما قوله: {أما من استغنى. فأنت له تصدى. وما عليك ألا يزكى. وأما من جاءك يسعى. وهو يخشى. فأنت عنه تلهى} فإن الكلام مستغنٍ من قبل التكرير، ولو قلت: ضربت إما زيداً، وسكت، لم يجز؛ لأن المعنى: هذا أو هذا؛ ألا ترى أن ما بعد إما لا يكون كلاماً مستغنياً). [المقتضب: 3/27-28]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): ({وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} قال: أي بينَّا لهم الطريقين فتركوا طريق الخير واتبعوا طريق الشر). [مجالس ثعلب: 556]
تفسير قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)}