تفسير قوله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا بابٌ آخر من أبواب إن
تقول ما قدم علينا أميرٌ إلا إنه مكرمٌ لي لأنه ليس ههنا شيءٌ يعمل في إن ولا يجوز أن تكون عليه أن وإنما تريد أن تقول ما قدم علينا أميرٌ إلا هو مكرمٌ لي فكما لا تعمل في ذا لا تعمل في إن ودخول اللام ههنا يذلك على أنه موضع ابتداء وقال سبحانه: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام} ومثل ذلك قول كثير:
ما أعطياني ولا سألتهما = إلاّ وإنّي لحاجزي كرمي
وكذلك لو قال إلا وإني حاجزي كرمي.
وتقول ما غضبت عليك إلا أنك فاسقٌ كأنك قلت إلا لأنك فاسقٌ.
وأما قوله عز وجل: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله} فإنما حمله على منعهم.
وتقول إذا أردت معنى اليمين أعطيته ما إن شره خيرٌ من جيد ما معك وهؤلاء الذين إن أجبنهم لأشجع من شجعائكم وقال الله عز وجل: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} فإن صلةٌ لما كأنك قلت ما والله إن شره خير من جيد ما معك). [الكتاب: 3/145-146] (م)
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (وقالوا في النجوم أيضاً: ناء النّجم وينوء نوءاً: إذا سقط.
وقالوا: نؤت بالشيء أنوء به نوءاً ونوءاً: إذا نهضت به. و{تنوء بالعصبة}، من ذلك.
وتقول: ناء بي حملي، إذا نهضت به متثاقلاً. وأنأت الرجل إناءة: أنهضته بحمله). [الأزمنة: 30]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): ( فلو كنت ذا عقل تبينت أنما = تصول بأيدي الأعجزين الألائم
...
ويروى تنوء أي تنهض ناء الرجل بحمله إذا نهض به وناءه الحمل إذا أثقله). [نقائض جرير والفرزدق: 746]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (يقال نؤت بالحمل أنوء به نوءا إذا نهضت به وناء بي الحمل أي نؤت به، وتقول: ناء النجم ينوء إذا سقط). [كتاب الهمز: 4]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (قولهم: «ما ساءه وناءه»، و«ما يسوءه وينوءه»
ساءه: من المساءة. وناءه أثقله، يقال: ناءني الحمل، أي أثقلني، وقال الأصمعي: أصل النوء أن يقوم القائم فيعجز لكبر، أو لحمل فينحني ضعفًا، وأنشد: على الراحتين مرة وعلى العصا = أنوء ثلاثًا بعدهن قيامي
وهو من قول الله عز وجل: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} أي تثقلهم). [كتاب الأمثال: 139]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : ( *ناء* وقال الأشرم أخبرني أبو عبيدة قال: يقال نؤت بالحمل إذا نهضت مثقلا، وناءني الحمل إذا أثقلك وغلبك، وأنشدني ابن الأعرابي :
إني وجدك ما أقضي الغريم وإن = حان القضاء وما رقت له كبدي
إلا عصا أرزن طارت برايتها = تنوء ضربتها بالكف والعضد
أي: تثقل ضربتها الكف والعضد، وشبيه بهذا البيت قوله تعالى: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} أي: تثقلهم). [كتاب الأضداد: 48-49]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثلاث من أمر الجاهلية: الطعن في الأنساب، والنياحة والأنواء)).
قال: سمعت عدة من أهل العلم يقولون: أما الطعن في الأنساب والنياحة فمعروفان، وأما الأنواء فإنها ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها، من الصيف والشتاء والربيع والخريف، يسقط منها في كل ثلاث
عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته، وكلاهما معلوم مسمى، وانقضاء هذه الثمانية والعشرين كلها مع انقضاء السنة، ثم يرجع الأمر إلى النجم الأول مع استئناف السنة المقبلة، فكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر قالوا: لا بد من أن يكون عند ذلك مطر ورياح، فينسبون كل غيث يكون عند ذاك إلى ذلك النجم الذي يسقط حينئذ فيقولون: مطرنا بنوء الثريا والدبران والسماك، وما كان من هذه النجوم فعلى هذا فهذه هي الأنواء، واحدها نوء.
وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق للطلوع، فهو ينوء نوءا، وذلك النهوض هو النوء، فسمي النجم
به، وكذلك كل ناهض بثقل وإبطاء فإنه ينوء عند نهوضه، وقد يكون النوء السقوط.
ولم أسمع أن النوء السقوط إلا في هذا الموضع. وقال الله عز وجل: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} وقال ذو الرمة يذكر امرأة بالعظم:
تنوء بأخراها فلأيا قيامها = وتمشي الهوينا من قريب فتبهر
وقد ذكرت العرب الأنواء في أشعارها فأكثرت حتى جاء فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم). [غريب الحديث: 3/320-322]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول له عندي ما ساءه وناءه وما
يسوءه وينوءه ومعنى ناءه أي أثقله قال الله عز وجل: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} أي تثقل العصبة ويقال نوت بالحمل إذا نهضت به مثقلا وقد ناءني الحمل إذا أثقلك وأنشد ابن الأعرابي:
(أني وجدك ما أقضي الغريم وإن = حان القضاء وما رقت له كبدي)
(إلا عصا أرزن طارت برايتها = تنوء ضربتها بالكف والعضد)
أي تثقل ضربتها الكف والعضد وقال الفراء معنى قوله: {لتنوء بالعصبة} أي لتنيء العصبة أي: تثقلها). [إصلاح المنطق: 147-148]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول مفتح ومفتاح ومفاتيح جمع مفتاح
ومفاتح جمع مفتح). [إصلاح المنطق:374- 375] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فأما التأويل بالقرآن:
فكالبيض، يعبر بالنساء، لقول الله عز وجل: {كأنهن بيض مكنون}.
وكالخشب، يعبر بالنفاق؛ بقول الله عز وجل: {كأنهم خشب مسندة}.
وكالحجارة، تعبر بالقسوة، بقول الله عز وجل: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}.
وكالسفينة، تعبر بالنجاة؛ لأن الله تعالى نجى بها نوحا عليه السلام ومن كان معه.
وكالماء، يعبر في بعض الأحوال بالفتنة؛ لقول الله تعالى: {لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه}.
وكاللحم الذي يؤكل، يعبر بالغيبة؛ لقول الله عز وجل: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا}.
وكالمستفتح بابا بمفتاح، يعبر بالدعاء؛ لقول الله عز وجل: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يريد: أن تدعوا.
وكالمصيب مفتاحا في المنام –أو مفاتيح- يعبر بأنه يكسب مالا، لقوله عز وجل في قارون: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} يريد: أمواله؛ سميت أموال الخزائن مفاتيح، لأن بالمفاتيح يوصل إليها.
وكالملك يرى في المحلة أو البلدة أو الدار، وقدرها يصغر عن قدره، وتنكر دخول مثلها مثله؛ يعبر ذلك بالمصيبة والذل ينال أهل ذلك الموضع، لقوله عز وجل: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}.
وكالحبل، يعبر بالعهد، لقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا}.
ولقوله تعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس} أي: بأمان وعهد.
والعرب تسمي العهد حبلا؛ قال الشاعر:
وإذا تجوزها حبال قبيلة = أخذت من الأخرى إليك حبالها
وكاللباس، يعبر بالنساء؛ لقوله جل وعز: {هم لباس لكم وأنتم لباس لهن} ). [تعبير الرؤيا: 35-37] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "ينوء إذا رام القيام"، يقول: ينهض في تثاقلٍ، قال الله عز وجل: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} والمعنى أن العصبة تنوء بالمفاتح، ولشرح هذا موضع آخر.
وقال آخر:
أنوء ثلاثًا بعدهن قيامي). [الكامل: 1/283-284]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "رفعت لناري"، من القلوب، إنما أراد رفعت له ناري والكلام إذا لم يدخله لبسٌ جاز القلب للاختصار، قال الله عز وجل: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}. والعصبة تنوء بالمفاتيح، أي تستقل بها في ثقلٍ، ومن كلام العرب: إن فلانة لتنوء بها عجيزاتها، والمعنى لتنوء بعجيزاتها، وأنشد أبو عبيدة للأخطل:
أما كليب بن يربوع فليس لها = عند التفاخر إيرادٌ ولا صدر
مخلفون ويقضي الناس أمرهم = وهم بغيبٍ وفي عمياء ما شعروا
مثل القنافذ هداجون قد بلغت = نجران أو بلغت سوءاتهم هجر
فجعل الفعل للبلدتين على السعة.
ويروى أن يونس بن حبيبٍ قال لأبي الحسن الكسائي: كيف تنشد بيت الفرزدق? فأنشده:
غداة أحلت لابن أصرم طعنةٌ = حصين عبيطات السدائف والخمر
فقال الكسائي لما قال:
"غداة أحلت لابن أصرم طعنة = حصين عبيطات السدائف.."
تم الكلام. فحمل الخمر على المعنى، أراد: وحلت له الخمر، فقال له
يونس: ما أحسن ما قلت ولكن الفرزدق أنشدنيه على القلب، فنصب الطعنة ورفع العبيطات والخمر على ما وصفناه من القلب. والذي ذهب إليه الكسائي أحسن في محض العربية، وإن كان إنشاد الفرزدق جيدًا). [الكامل: 1/475-476]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (يقال: ناء بحمله، إذا حمله في ثقل وتكلف، وفي القرآن: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}، والمعنى أن العصبة تنوء بالمفاتيح. وقد مضى تفسير هذا). [الكامل: 3/1311]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ويقال: نؤت بالحمل إذا نهضت به، وناء بي الحمل أيضا، نهضت به، قال الشاعر:
وقامت ترائيك مغدودنا = إذا ما تنوء به آدها
المغدودن: الشعر الكثير. وتنوء به: تنهض به. وآدها: أثقلها، وقال الله عز وجل: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة}، فمعناه: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه، فخرج مقلوبا عند وضوح المعنى؛ هذا قول أبي عبيدة وقطرب.
وقال الفراء: معناه: ما إن مفاتحه لتنيءُ العصبة، أي تثقلهم وتميلهم، فلما انضمت التاء سقطت الباء، كما يقولون: هو يذهب ببصر فلان، وهو يذهب بصر فلان. وقال الفراء: أنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما التأمت مواصله = وناء في شق الشمال كاهله
يعني الرامي لما أخذ القوس ونزع، مال عليها. ومن هذا قولهم: فعلت على ما ساءك وناءك، معناه: وأثقلك وأمالك؛ ويجوز أن يكون أصله على ما ساءك وأناءك؛ فسقطت
الألف من الثانية لتزدوج اللفظتان، فتكون الثانية على مثال الأولى؛ كما قالوا: إنه ليأتينا بالغدايا والعشايا، فجمعوا الغداة (غدايا) لتزدوج مع (العشايا).
وأنشدنا أبو العباس، عن سلمة، عن الفراء:
هناك أخبية ولاج أبوبة = يخلط بالجد منه البر واللينا
جمع الباب على (أبوبة)، ليشاكل جمع الأخبية، والذين حملوا الآية على معنى القلب احتجوا بقول الشاعر:
إن سراجا لكريم مفخره = تحلى به العين إذا ما تجهره
معناه يحلى بالعين.
وكان المفضل الضبي ينشد بيت امرئ القيس:
نمس بأعراف الجياد أكفنا = إذا نحن قمنا عن شواء مضهب
بالضاد، معناه: نمس أعراف الجياد بأكفنا. ورواه غير المفضل: (نمش بأعراف الجياد)، أي نمسح أكفنا بأعرافها؛ يقال: مششت يدي أمشها مشا، إذا مسحتها بشيء خشن. وقال بعضهم: يقال للمنديل المشوس. والمضهب: الشواء الذي لم ينضج). [كتاب الأضداد: 144-145]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والمفرح حرف من الأضداد؛ المفرح المسرور، والمفرح المثقل بالدين؛ قال النبي صلى الله عليه: ((العقل على المسلمين عامة ولا يترك في الإسلام مفرح)). قال الأصمعي: المفرح: المثقل بالدين.
قال أبو بكر: نصب (عامة) على المصدر، أي يعمهم عامة يقضى دينه من بيت المال إذا لم يجد سبيلا إلى قضائه؛ يقال: قد أفرح فلانا الدين إذا أثقله؛ قال الشاعر:
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة = وتحمل أخرى أفرحتك الودائع
أراد: أثقلتك الودائع. ويروى: (ولا يترك في الإسلام
مفرج)، بالجيم، فالمفرج: الرجل يكون في القوم من غيرهم؛ فحق عليهم أن يعلقوا عنه.
وقال أبو عبيدة: المفرج: أن يسلم الرجل ولا يوالي أحدا؛ يقول: فتكون جنايته على بيت المال؛ لأنه لا عاقلة له.
وقال غيره: المفرج: الذي لا ديوان له.
وقال آخرون: المفرج القتيل يوجد بأرض فلاة، لا يقرب من قرية ولا مدينة فيودى من بيت المال ولا يبطل دمه. ويقال: قد فرح الرجل إذا سر؛ فهو فرح، وفرحته أنا وأفرحته؛ فهو مفرح ومفرح؛ ويقال: قد فرح، إذا بطر، فهو فرح إذا كان أشرا؛ قال الله عز وجل: {إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين}، أراد الأشرين.
وقال ابن أحمر:
ولا ينسيني الحدثان عرضي = ولا ألقي من الفرح الإزارا
أراد من المرح. وقال الآخر:
ولست بمفراح إذا الدهر سرني = ولا جازع من صرفه المتقلب
وقال الآخر:
إذا ما امرؤ أثنى بآلاء ميت = فلا يبعد الله الوليد بن أدهما
فما كان مفراحا إذا الخير مسه = ولا كان منانا إذا هو أنعما
لعمرك ما وارى التراب فعاله = ولكنه وارى ثيابا وأعظما).
[كتاب الأضداد: 197-199]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (ينوء: ينهض، يقال: نؤت بالحمل أنوء به نوءًا إذا نهضت به، وناء بي الحمل ينوء بي نوءًا إذا جعلني أنهض به، وكذلك قول الله عز وجل: {ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة} [القصص: 76] أي تجعلهم ينوءون بها أي ينهضون بها). [الأمالي: 2/131]
تفسير قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب الأفعال التي تدخلها ألف الوصل
والأفعال الممتنعة من ذلك
أما ما تدخله ألف الوصل فهو كل فعلٍ كانت الياء وسائر حروف المضارعة تنفتح فيه إذا قلت يفعل، قلت حروفه أو كثرت، إلا أن يتحرك ما بعد الفاء فيستغنى عن الألف كما ذكرت لك.
فمن تلك الأفعال: ضرب وعلم وكرم، وتقول إذا أمرت: اضرب زيداً، اعلم ذاك، اكرم يا زيد؛ لأنك تقول: يضرب ويعلم ويكرم، فالياء من جميع هذا مفتوحة.
وتقول: يا زيد اضرب عمراً فتسقط الألف؛ كما قال عز وجل: {قل ادعوا الله}، وكما قال: {واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ} لأن الواو لحقت فسقطت الألف.
وكذلك تقول: انطلق يا زيد، وقد انطلقت يا زيد؛ لأن الألف موصولة؛ لأنك تقول في المضارع: ينطلق فتنفتح الياء، وكذلك إذا قال: استخرجت مالاً، واستخرج إذا أمرت؛ لأنك تقول: يستخرج. وكل فعلٍ لم نذكره تلحقه هذه العلة فهذا مجراه.
فأما تفاعل يتفاعل، وتفعل يتفعل: نحو: تقاعس الرجل، وتقدم الرجل فإن ألف الوصل لا تلحقه وإن كانت الياء مفتوحة في يتقدم، وفي يتقاعس؛ لأن الحرف الذي بعدها متحرك وإنما تلحق الألف لسكون ما بعدها.
فإن كان يفعل مضموم الياء لك تكن الألف إلا مقطوعة، لأنها تثبت كثبات الأصل إذ كان ضم الياء من يفعل إنما يكون لما وليه حرفٌ من الأصل؛ وذلك ما كان على أفعل؛ نحو: أكرم، وأحسن، وأعطى؛ لأنك تقول: يكرم، ويحسن، ويعطي، فتنضم الياء؛ كما تنضم في يدحرج ويهملج. فإنما تثبت الألف من أكرم؛ كما تثبت الدال من دحرج.
تقول: يا زيد أكرم عمراً، كما تقول: دحرج. قال الله عز وجل: {فاستمعوا له وأنصتوا} وقال: {وأحسن كما أحسن الله إليك} بالقطع.
وكان حق هذا أن يقال في المضارع: يؤكرم مثل يدحرج ويؤحسن. ولكن اطرحت الهمزة لما أذكره لك في موضعه إن شاء الله). [المقتضب: 2/86-87] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (في قوله تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} قال: قال: تأخذ بحظ من الدنيا للآخرة). [مجالس ثعلب: 568]
تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) }
تفسير قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) }