تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: برح الخفاء، ذهب. وبرح الخفاء: ظهر. قال الله عز وجل: {لا أبرح حتى أبلغ}، أي: لا أزال). [الأضداد: 107]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والحقب السنون واحدها حقبة.
والحقب ثمانون سنة وجمعه أحقاب ويقال أكثر من ذلك). [الغريب المصنف: 3/709-710]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا} قال: أفلم يعلموا.
وقال في قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} قال: بعضهم يقول: ويلك، وبعضهم يقول: اعلم أن الله. وأنشد:
ويكأن من يكن له نشب يح = بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
وقال في قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}: ذلك في موضع رفع ونصب أراد فعلنا ذلك، ومن رفع أراد فعلنا ليعلم ذلك، فيرفع باللام.
{أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}، الحقب سنة، والأحقاب السنون.
{كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ}، فأنشد:
كذاك ابنة الأعيار خافى بسالة الـ = ـرجال فأصلان الرجال أقاصره).
[مجالس ثعلب: 322] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( وبرِح حرف من الأضداد؛ يقال: بَرِح الخفاء، إذا ظهر. قال أبو العباس: أصل (برح) صار في بَرَاح من الأرض، وهو البارز المنكشف، والخفاء: المستور المكتور؛ فإذا قال القائل: برح الخفاء؛ فمعناه ظهر المكتوم؛ قال زهير:
أبى الشهداء عندك من معد = فليس بما تدب به خفاء
وقال قطرب: يقال: برح الخفاء، يراد به استتر وخفي؛ فهذا مضاد الأول، ويقال: ما برح الرجل، يراد به ما زال من الموضع، ويقال: ما برح فلان جالسا؛ يراد به مازال جالسا؛ قال الله عز وجل: {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين}، فمعناه لا أزال، وقال الشاعر:
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة = وتحمل أخرى أفدحتك الودائع
معناه: إذا أنت لم تزل. وأفدحتك، معناه أثقلتك، وقال الآخر:
وأبرح ما أدام الله قومي = بحمد الله منتطقا مجيدا
معناه: ولا أبرح، أي ولا أزال، فأضمر (لا) كما قال الآخر:
فأقسمت آسى على هالك = أو اسأل نائحة ما لها
معناه: لا آسى على هالك. وقال امرؤ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا = ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
معناه لا أزال). [كتاب الأضداد: 141-142]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والحقبة: الدهر والحين وجمع حقبة: حقب. والحقب في التفسير ثمانون سنةً وجمعه أحقاب). [شرح المفضليات: 794]
تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) }
تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف وهي الياءات
وذلك قولك هذا قاض وهذا غاز وهذا عم تريد العمي أذهبوها في الوقف كما ذهبت في الوصل ولم يريدوا أن تظهر في الوقف كما يظهر ما يثبت في الوصل فهذا الكلام الجيد الأكثر.
وحدثنا أبو الخطاب ويونس أن بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول هذا رامي وغازي وعمي أظهروا في الوقف حيث صارت في موضع غير تنوين لأنهم لم يضطروا ههنا إلى مثل ما اضطروا إليه في الوصل من الاستثقال فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف وذلك قولك هذا القاضي وهذا العمي لأنها ثابتة في الوصل.
ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم تكن الألف واللام وفعلوا هذا لأن الياء مع الكسرة تستثقل كما تستثقل الياءات فقد اجتمع الأمران ولم يحذفوا في الوصل في الألف واللام لأنه لم يلحقه في الوصل ما يضطره إلى الحذف كما لحقه وليست فيه ألفٌ ولام وهو التنوين لأنه لا يلتقي ساكنان وكرهوا التحريك لاستثقال ياءٍ فيها كسرةٌ بعد كسرة ولكنهم حذفوا في الوقف في الألف واللام إذ كانت تذهب وليس في الاسم ألف ولام كما حذفوا في الوقف ما ليس فيه ألف ولام إذ لم يضطرهم إلى حذفه ما اضطرهم في الوصل وأما في حال النصب فليس إلا البيان لأنها ثابتة في الوصل فيما
ليست فيه ألفٌ ولامٌ ومع هذا أنه لما تحركت الياء أشبهت غير المعتل وذلك قولك رأيت القاضي وقال الله عز وجل: {كلا إذا بلغت التراقي} وتقول رأيت جواري لأنها ثابتة في الوصل متحركة.
وسألت الخليل عن القاضي في النداء فقال أختار يا قاضي لأنه ليس بمنون كما أختار هذا القاضي. وأما يونس فقال يا قاض وقول يونس أقوى لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النداء كانوا في النداء أجدر لأن النداء موضع حذفٍ يحذفون التنوين ويقولون يا حار ويا صاح ويا غلام أقبل. وقالا في مرٍ إذا وقفا هذا مري كرهوا أن يخلوا بالحرف فيجمعوا عليه ذهاب الهمزة والياء فصار عوضاً يريد مفعل من رأيت. وأما الأفعال فلا يحذف منها شيءٌ لأنها لا تذهب في الوصل في حال وذلك لا أقضي وهو يقضي ويغزو ويرمي إلا أنهم قالوا لا أدر في الوقف لأنه كثر في كلامهم فهو شاذٌ كما قالوا لم يك شبهت النون بالياء حيث سكنت ولا يقولون لم يك الرجل لأنها في موضع تحرك فلم يشبه بلا أدر فلا تحذف الياء إلا في لا أدر وما أدر.
وجميع ما لا يحذف في الكلام وما يختار فيه أن لا يحذف يحذف في
الفواصل والقوافي. فالفواصل قول الله عز وجل: {والليل إذا يسر} و: {ما كنا نبغ} و: {يوم التناد} و: {الكبير المتعال} ). [الكتاب: 4/183-185] (م)
تفسير قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) }
تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) }
تفسير قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والأمر من الأمور والأمر مصدر أمرت أمرا والإمر: الشيء العجيب قال الله جل ثناؤه: {لقد جئت شيئا إمرا} ). [إصلاح المنطق: 12]
تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أنشد الفرزدق سليمان بن عبد الملك:
ثلاثٌ واثنتان فهن خمسٌ = وسادسةٌ تميل إلى شمام
فبتن بجانبي مصرعاتٍ = وبت أفض أغلاق الختام
كأن مفالق الرمان فيه = وجمر غضًا قعدن عليه حامي
فقال له سليمان: ويحك يا فرزدق، أحللت بنفسك العقوبة، أقررت عندي بالزنا وأنا إمامٌ ولا بد لي من أحدك. فقال الفرزدق: بأي شيء أوجبت على ذلك؟ قال: بكتاب اللّه. قال: فإن كتاب الله هو الذي يدرأ عني الحد. قال: وأين؟ قال: في قوله: {والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون} فأنا قلت يا أمير المؤمنين ما لم أفعل.
لبعض الشعراء في ذلك المعنى وقول الشاعر:
وإنما الشاعر مجنونٌ كلب = أكثر ما يأتي على فيه الكذب
وقال الشاعر:
حسب الكذوب من البلـ = ـية بعض ما يحكى عليه
مهما سمعت بكذبةٍ = من غيره نسبت إليه
وقال بشار:
ورضيت من طول العناء بيأسه = واليأس أيسر من عدات الكاذب
من أقوال العرب في الكذب والعرب تقول: أكذب من سالئةٍ وهي تكذب مخافة العين على سمنها. وأكذب من مجرب لأنه يخاف أن يطلب من هنائه.
وأكذب من يلمعٍ وهو السراب.
لابن سيرين منصور ابن سلمة الخزاعي قال: حدّثنا شبيب بن شيبة أبو معمر الخطيب قال: سمعت ابن سيرين يقول: الكلام أوسع من أن يكذب ظريفٌ.
وقال في قول اللّه عز وجل: {لا تؤاخذني بما نسيت} لم ينس ولكنهما من معاريض الكلام.
وقال القيني: أصدق في صغار ما يضرني لأصدق في كبار ما ينفعني.
وكان يقول: أنا رجل لا أبالي ما استقبلت به الأحرار). [عيون الأخبار: 4/27-28] (م)
تفسير قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والنِّكر أن يكون الرجل منكرا فطنا ويقال ما أشد نكره والنُّكْر المنكر قال الله جل وعز: {لقد جئت شيئا نُكْرا} ). [إصلاح المنطق: 131]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) )
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وفيك إذا لاقيتنا عجرفية = مرارا وما نستيع من يتعجرف
...
ويقال: هو يستطيع ويسطيع ويستتيع ويستيع بمعنى واحد). [رواية أبي سعيد السكري لديوان جران العود: 17]
تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) }
تفسير قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وقول أخت قيلة: لا تخبرها فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها.
قال بعضهم يقول: بين طولها وعرضها، وهذا معنى يخرج.
ولكن الكلام لا يوافقه، ولا أدري ما الطول والعرض من السمع والبصر، ولكن وجهه عندي -والله أعلم- أنها أرادت: أن الرجل يخلو
بها ليس معهما أحد يسمع كلامهما ولا يبصرهما إلا الأرض القفر.
فصارت الأرض خاصة كأنها هي التي تسمعها وتبصرها دون الأشياء والناس، وإنما هذا مثل ليس على أن الأرض تسمع وتبصر.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقبل من سفر فلما رأى «أُحدا» قال: ((هذا جبل يحبنا ونحبه))، والجبل ليست له محبة ومنه قول الله عز وجل: {جدارا يريد أن ينقض فأقامه} والجدار ليست له إرادة.
والعرب تكلم بكثير من هذا النحو كان الكسائي يحكي عنهم أنهم يقولون: منزلي ينظر إلى منزل فلان، ودورنا تناظر.
ويقولون: إذا أخذت في طريق كذا وكذا فنظر إليك الجبل فخذ يمينا عنه.
وإنما يراد بهذا كله قرب ذلك الشيء منه.
ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تراءى ناراهما)) ومثل هذا في الكلام كثير). [غريب الحديث: 2/383-385]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (الانقياص: انشقاق الركية طولا؛ يقال: قد انقاصت البئر إذا لحقها ذلك، وقد انقاصت سن الرجل، إذا انشقت طولا.
حدثنا محمد بن يونس، قال: حدثنا أبو بشر المعصوب،
قال: حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن عكرمة، أنه قرأ: (جدارا يريد أن يَنْقَاصَ)، وروى ابن عباس عن أبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (جدارا يريد أن يُنْقَضَ)، قال الشاعر:
فراقا كقيض السن فالصبر إنه = لكل أناس عثرة وجبور
ومعنى (يريد)، يكاد؛ ويقال: هو فعل مستعار للجدار، كما قال الشاعر:
يريد الرمح صدر أبي براء = ويرغب عن دماء بني عقيل).
[كتاب الأضداد: 171-172]
تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) }
تفسير قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: الوراء يا هذا: الخلف. والوراء: القدام. قال الله عز وجل: {ومن ورائه عذاب غليظ}، أي: من قدامه. وقال:
{وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة}، أي: قدامهم). [الأضداد:105- 106] (م)
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : ( *ورى* ووراء خلف ووراء قدام، قال الله جل ثناؤه: {وكان وراءهم ملك} أي: قدامهم، وقال الشاعر وهو سوار بن المضرب السعدي :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والقلاص ورائيا
أي: قدامي). [كتاب الأضداد: 20]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وراء يكون خلف وقدام). [الغريب المصنف: 2/629]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وكان أحد من هرب من الحجاج سوّار بن المضرّب ففي ذلك يقول:
أقاتلي الحجاج إن لم أزر له = دراب وأترك عند هند فؤاديا
فإن كان لا يرضيك حتى تردني = إلى قطري ما إخالك راضيا
إذا جاوزت درب المجيزين ناقتي = فباست أبي الحجاج لما ثنانيا
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والفلاة ورائيا
وورائي هنا بمعنى: أمامي، قال الله عز وجل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي}. وقال جل ثناؤه: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} ). [الكامل: 2/628] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ووراء من الأضداد. يقال للرجل: وراءك، أي خلفك، ووراءك أي أمامك، قال الله عز وجل: {من ورائهم جهنم}، فمعناه (من أمامهم). وقال تعالى: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}، فمعناه (وكان أمامهم). وقال الشاعر:
ليس على طول الحياة ندم = ومن وراء المرء ما يعلم
أي من أمامه، وقال الآخر:
أترجو بنوا مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والفلاة ورائيا
أراد قدامي. وقال الآخر:
أليس ورائي إن تراخت منيتي = لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
وقال الآخر:
أليس ورائي أن أدب على العصا = فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي
والوراء ولد الولد، قال حيان بن أبجر: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل من هذيل، فقال له: ما فعل فلان؟ لرجل منهم، فقال: مات وترك كذا وكذا من الولد، وثلاثة من الوراء؛ يريد من لود الولد.
وحكى الفراء عن بعض المشيخة، قال: أقبل الشعبي ومعه ابن ابن له، فقيل له: أهذا ابنك؟ فقال: هذا ابني من الوراء، يريد من ولد الولد.
وقال الله عز وجل: {ومن وراء إسحاق يعقوب}، يريد من ولد ولده. والورى مقصور: الخلق، يقال: ما أدري أي الورى هو؟ يراد: أي الناس هو؟ قال ذو الرمة:
وكائن ذعرنا من مهاة ورامح = بلاد الورى ليست له ببلاد
والورى داء يفسد الجوف، من قول النبي صلى الله عليه
وسلم: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا))، أي حتى يفسد جوفه منه، قال الشاعر:
هلم إلى أمية إن فيها = شفاء الواريات من الغليل
وقال الآخر:
وراهن ربي مثل ما قد ورينني = وأحمي على أكبادهن المكاويا
وقال آخر:
قالت له وريا إذا تنحنح = يا ليته يسقى على الذرحرح
الذرحرح: واحد الذراريح. ويقال في دعاء للعرب: به الورى، وحمى خيبري، وشر ما يرى، فإنه خيسرى.
وقال أبو العباس: الورى المصدر، بتسكين الراء، والورى، بفتح الراء الاسم، وأنشد قطرب للنابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة = وليس وراء الله للمرء مذهب
أراد: وليس قدامه، ويقال: معناه وليس سواء الله؛ كما قال جل اسمه: {ويكفرون بما وراءه}، أي بما سواءه، ويقال للرجل إذا تكلم: ليس وراء هذا الكلام
شيء، أي ليس يحسن سواءه. وأنشد قطرب أيضا:
أتوعدني وراء بني رياح = كذبت لتقصرن بذاك عني).
[كتاب الأضداد: 68-71] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ليس على طول الحياة ندم = ومن وراء المرء ما يعلم
قال الأصمعي: أراد ليس على فوت طول الحياة ندم. وقوله: ومن وراء المرء ما يعلم، يقول من عمل شيئًا وجده ووراء ههنا أمام وهو من الأضداد، قال الله جل ذكره: {ومن ورائه عذاب غليظ} أي: من أمامه وقال الشاعر:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والفلاة ورائيا
أي: أمامي، قال أبو عبيدة ومنه قول الله عز ذكره: {وكان وراءهم ملك}، أي: أمامهم). [شرح المفضليات: 488] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا} قال: ظننا أن يلقيهما في شر). [مجالس ثعلب: 271]
تفسير قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والرُّحُم الرحمة، قال الأصمعي: كان أبو عمرو بن العلاء ينشد بيت زهير:
ومن ضريبته والتقوى ويعصمه = من سيء العثرات الله بالرحم
قال: ولم أسمع هذا الحرف إلا في هذا البيت، قال: وكان يقرأ: (وأقرب رُحُما) ). [الغريب المصنف: 3/830]
تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وفيك إذا لاقيتنا عجرفية = مرارا وما نستيع من يتعجرف
...
ويقال: هو يستطيع ويسطيع ويستتيع ويستيع بمعنى واحد). [رواية أبي سعيد السكري لديوان جران العود: 17] (م)