تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) }
تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وأعال الرجل وأعول إعوالاً إذا حرص وهو الحريص ويجوز حرص وهذا الحرف يقرأ {إن تَحْرِصْ على هداهم} وإن تَحْرَصْ). والوجه الخفض). [الغريب المصنف: 3/957]
تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) }
تفسير قوله تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) }
تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أن الفاء لا تضمر فيها أن في الواجب ولا يكون في هذا الباب إلا الرفع وسنبين لم ذلك وذلك قوله إنه عندنا فيحدثنا وسوف آتيه فأحدثه ليس إلا إن شئت رفعته على أن تشرك بينه وبين الأول وإن شئت كان منقطعاً لأنك قد أوجبت أن تفعل فلا يكون فيه إلا الرفع وقال عز وجل: {فلا تكفر فيتعلمون} فارتفعت لأنه لم يخبر عن الملكين أنهما قالا لا تكفر فيتعلمون ليجعلا كفره سبباً لتعليم غيره ولكنه على كفروا فيتعلمون
ومثله: {كن فيكون} كأنه قال إنما أمرنا ذاك فيكون). [الكتاب: 3/38-39] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأما قول الله عز وجل: {لا يقضى عليهم فيموتوا} فهو على قولك: لا تأتيني، فأعطيك، أي لو تأتيني لأعطيتك. وهو الذي ذكرناه في أحد الوجهين من قولك: ما تأتيني فتحدثني إذا أردت: لو تأتيني لحدثتني.
و تقول: كأنك ل تأتنا فتحدثنا إذا أردت الوجه في قولك: محدثاً وهو الذي ذكرناه في ما تأتيني فتحدثني، أي: كلما أتيتني ل تحدثني، فهو ما تأتيني محدثاً. أي قد يكون منك إتيان ولا تحديث، كما قال:
كأنك لم تذبح لأهلك نعجة = فيصبح ملقىً بالفناء إهابها
و أما قوله عز وجل: {فإنما يقول له كن فيكون}. النصب هاهنا محال؛ لأنه لم يجعل فيكون جواباً. هذا خلاف المعنى؛ لأنه ليس هاهنا شرط.إنما المعنى: فإنه يقول له: كن فيكون، وكن حكاية.
و أما قوله عز وجل: {أن نقول له كن فيكون} فالنصب والرفع.
فأما النصب فعلى أن تقول: فيكون يا فتى، والرفع على هو يقول فيكون). [المقتضب: 2/17] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) }
تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) }
تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) }
تفسير قوله تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) }
تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) }
تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) }
تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (يتفق اللفظ ويختلف المعنى فيكون اللفظ الواحد على معنيين فصاعدا، وذلك مثل: «الأمة» يريد الدين. وقول الله: {إن إبراهيم كان أمة قانتا} منه. قال أبو محمد: الأمة: الرجل وحده يؤتم به. والأمة: القامة، قامة الرجل. والأمة من الأمم ومنه التخوف من الخوف، والتخوف: التنقص. ومنه، غسق الليل غسقا وغسوقا، قال: أي أظلم. وغسق جلد الرجل، وهو ما كان من قذر أو درن. ومن هذا اللفظ الواحد الذي يجيء على معنيين فصاعدا ما يكون متضادا في الشيء وضده). [الأضداد: 70] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (قوله [عز وجل]: {أو يأخذهم على تخوف} أي على تنقص). [الغريب المصنف: 3/702]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال الحمى تخونه أي تعهده قال ذو الرمة:
(لا ينعش الطرف إلا ما تخونه = داع يناديه باسم الماء مبغوم)
والتخون في غير هذا النقص والتخوف أيضا التنقص قال الله جل ثناؤه: {أو يأخذهم على تخوف} أي تنقص وقال لبيد:
(تخونها نزولي وارتحالي)
أي: تنقص لحمها وشحمها وقال عبدة بن الطبيب:
(عن قانئ لم تخونه الأحاليل) ). [إصلاح المنطق: 273]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (وقال اللحياني: تخوّفت الشيء تنقصه، قال الله عزّ وجلّ: {أو يأخذهم على تخوّفٍ} [النحل: 47] : أي على تنقصّ.
ويقال: تحوّفت الشيء بالحاء غير معجمة، إذا أخذت من حافاته.
وقال أبو نصر: وجمع مخيف إذا أخاف من ينظر إليه.
وحائط مخوف، وثغر مخوف، إذا كان يفرق منه.
وقال اللحياني: وقد يقال: ثغر مخيف إذا كان يخيف أهله.
ويقال: خفت من الشيء أخاف خوفًا وخيفةً وخيفًا، وهو جمع خيفة، قال الهذلي:
فلا تقعدنّ على زخّة = وتضمر في القلب وجدا وخيفا
والزخة: الدّفعة، يقال: زخّ في صدره يزخّ زخًّا: أي دفع، ومنه قيل للمرأة مزخّة.
ويقال: فلان خائف والقوم خائفون وخوّف وخيّف، قال الله تبارك وتعالى: {أن يدخلوها إلا خائفين} [البقرة: 114] وفي حرف أبيٍّ وابن مسعود: (أن يدخلوها إلا خيّفًا) والخافة: خريطة من أدم ضيّقة الرأس واسعة الأسفل، تكون مع مشتار العسل إذا صعد ليشتار). [الأمالي: 1/212-213]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (ويقال:
هو يتحوّف مالي ويتخوفّه أي: ينقصه ويأخذ من أطرافه، قال الله عزّ وجلّ: {أو يأخذهم على تخوّفٍ} [النحل: 47] أي تنقص وقال الشاعر:
تخوف السّير منها تامكًا قردًا = كما تخوف عود النبعة السفن
قال أبو علي: التامك: المرتفع من السّنام، والقرد المتلبد بعضه على بعض، والسّفن: المبرد.
وأخبرني أبو بكر بن الأنباري، عن أبيه، قال: أتى أعرابي إلى ابن عباس، فقال:
تخوّفني مالي أخٌ لي ظالمٌ = فلا تخذلني اليوم يا خير من بقي
فقال: تخوّفك أي تنقّصك؟ قال: نعم، قال: الله أكبر! {أو يأخذهم على تخوّفٍ} [النحل: 47] أي تنقّص من خيارهم). [الأمالي: 2/111-112]
تفسير قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) )
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«اليمين» و«الشمال» أنثيان، ويجمعان: أيمان وشمائل، وأيمُن وأشمُل، وهو مما يدل على تأنيث المؤنث الذي على فَعُول، أو فعيل، أو فعال). [المذكور والمؤنث: 88]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وتقول: فئت إلى الأمر فيئا [فيئا] إذا رجعت إليه. وفاء الظل فيئا مثلها). [كتاب الهمز: 22] (م)
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال النابغة الجعدي:
فسلام الإله يغدو عليهم = وفيوء الفردوس ذات الظلال
...
«الفيوء»: جمع الفيء
وليس في الجنة فيء. إنما الفيء ما كان شمسا فنسخها الظل فذاك الفيء. وأما الظل فمستقيم. قال جل وعز: {أكلها دائم وظلها} وقال: {إن المتقين في ظلال} ويجوز أن يكون الظلال جمع الظلة. وفي القرآن {وظل ممدود}
...
وجمع «الفيء»: أفياء للقليل. وفيوء للكثير. كقولك: أجذاع وجذوع. وما أشبه ذلك وأما قوله عز وجل: {إن المتقين في ظلال} فالباب أن يكون الظلال جمع ظل. ولو كان جمع ظلة لكان الجمع ظللا. كقولك غرفة وغرف وحجرة وحجر). [النوادر في اللغة: 220-221]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
مشيفا يراقب شمس النها = ر حتى تقلع فيء الظلال
...
قال: وقوله: (فيء الظلال)، (الفيء) الرجوع). [شرح أشعار الهذليين: 2/501]
تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) }
تفسير قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) }
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} قال: يرجع إلى الأصل، لأنه كان ينبغي أن يكون مع الواحد والاثنين تفسير كما كان في الجمع، ولكن لم يجئ. والأصل درهم واحدٌ، ثوبٌ واحد، درهمان اثنان، ثوبان اثنان. كما يقال دراهم ثلاثة وأربعة، أثواب ثلاثة وأربعة، وما أشبه ذلك). [مجالس ثعلب: 437]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (قول الله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} قال: إذا كان عندي ثلاثة أثواب فمع الثلاثة أثواب ... العدد ما هو التقديم والتأخير.يقال: ثلاثة أبواب، وثلاثةٌ أثوابًا، وثلاثة أثوابٌ. وتقدم فيقال: عندي أثواب الثلاثة . هكذا الأصل. وأكتفوا بالتثنية بلا عددٍ فقالوا: عندي درهمان، لأن الاثنين لا يختلفان. فإن جئت معهما باثنين كان واحدًا فقلت: عندي درهمان اثنان. فجاءوا به على الأصل. وقال الأخفش: جاءوا به توكيدًا. وليس بشيء). [مجالس ثعلب: 583-584]
تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) }
تفسير قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) }
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) }
تفسير قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) }
تفسير قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) }
تفسير قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) }
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
فما لك إذ مررت على حنين = كظيما مثل ما زفر اللهيد
...
و(كظيم) ساكت على حُزْن.
...
قال: (الكظيم) و(المكظوم) الذي أخذ بنفسه). [شرح أشعار الهذليين: 1/334] (م)
تفسير قوله تعالى: {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) }
تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) }
تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) }
تفسير قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وأما قوله عز وجل: {لا جرم أن لهم النار} فأن جرم عملت فيها لأنها فعلٌ ومعناها لقد حق أن لهم النار ولقد استحق أن لهم النار وقول المفسرين معناها حقاً أن لهم النار يدلك أنها بمنزلة هذا الفعل إذا مثلت فجرم بعد عملت في أن عملها في قول الفزاري:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنةً = جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي أحقت فزارة.
وزعم الخليل أن لا جرم إنما تكون جواباً لما قبلها من الكلام يقول الرجل كان كذا وكذا وفعلوا كذا وكذا فتقول لا جرم أنهم سيندمون أو أنه سيكون كذا وكذا). [الكتاب: 3/138]
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: المُفْرَط: المقدم. وقد أفرطته، أي: قدمته. وأفرطته: أخرته. والمفرط: المؤخر. وقالوا: ما أفرطت أحدا، أي لم أخلفه. وما فرطت أيضا خلفي أحدا، أي: خلفته. كقول الله عز وجل: {لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون} يجوز أن يكون: وأنهم مقدمون إليها جميعا. ويجوز أنهم مؤخرون مباعدون متركون من الثواب. وفي مثل معنى التقديم، فرط زيد
أصحابه يفرطهم فراطة: إذا تقدم قبلهم فسوى لهم الأرشية والدلاء وهيأ الماء. وافترط زيد، وهم الأفراط: الأولاد. والمعنى فيه التقديم، قدم الأولاد. ويقال أيضا: فَرَط إليه مني قول يفرط فرطا، كقول الله عز وجل: {أن يفرط علينا أو أن يطغى}. وفرطت في الأمر تفريطا ضيعته). [الأضداد: 114-115]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الكسائي: ما أفرطت من القوم أحدًا. أي ما تركت ومنه [قوله عز وجل: {وإنهم مفرطون} قال عمرو بن معديكرب:
أطلت فراطهم حتى إذا ما = قتلت سراتهم كانت قطاط).
[الغريب المصنف: 3/937]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وقال أبو عبيد: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنا فرطكم في على الحوض.
قال: حدثناه إبراهيم بن سليمان أبو إسماعيل مؤدب آل أبي عبيد الله، عن عبد الملك بن عمير، قال: سمعت جندب بن سفيان، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا فرطكم على الحوض)).
وقال بعضهم: جندب بن عبد الله، وهو هذا.
قال الأصمعي: الفرط والفارط: المتقدم في طلب الماء، يقول: أنا: أتقدمكم إليه.
ويقال منه: فرطت القوم وأنا أفرطهم، وذلك إذا تقدمتهم ليرتاد لهم الماء. ومن هذا قولهم في الدعاء في الصلاة على الصبي الميت: اللهم اجعله لنا فرطا، أي أجرا متقدما نرد عليه وقال الشاعر:
فأثار فارطهم غطاطا جثما = أصواته كتراطن الفرس
يعني أنه لم يجد في الركية ماء، إنما وجد غطاطا وهو القطا وجمع الفارط فراط وقال القطامي:
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا = كما تعجل فراط لوراد
ويقال: صحاب وصحابة وصحبة وصحب فإذا كسرت الصاد فلا هاء فيه. ويقال: أفرطت الشيء أي نسيته وأخرته. قال الله تبارك وتعالى: {وأنهم مفرطون}.
وفرط الرجل في القول إذا تعجل قال الله تبارك وتعالى: {إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى} ). [غريب الحديث: 1/171-173]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: عهدي به شاباً وإنه يومئذ يفخر، أي: وهذه حاله. ولو قلت: أنه جاز على بعد. كأنك قلت: عهدي به شاباً وبفخره. وكذلك لو قلت: رأيت زيداً عاقلاً فإذا إنه أحمق، وكنت أراه حراً فإذا إنه عبد، ولو قلت: أنه جاز. كأنك قلت: ظننته حراً فإذا العبودية أمره.
فأما قوله: {لا جرم أن لهم النار}. فـ أن مرتفعة بجرم، ومعناها: والله أعلم - حق أن لهم النار؛ كما قال عز وجل: {ولا يجرمنكم شنآن قوم} أي: لا يحقنكم.
قال الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طـعـنةً = جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
). [المقتضب: 2/350-351]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قول الله عز وجل: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون} فإن قوماً من النحويين يجعلون أو في هذا الموضع بمنزلة بل. وهذا فاسدٌ عندنا من وجهين: أحدهما: أن أو لو وقعت في هذا الموضع موقع بل لجاز أن تقع في غير هذا الموضع، وكنت تقول: ضربت زيدا أو عمرا، وما ضربت زيدا أو عمرا على غير الشك، ولكن على معنى بل فهذا مردودٌ عند جميعهم.
والوجه الآخر: أن بل لا تأتي في الواجب في كلام واحد إلا للإضراب بعد غلطٍ أو نسيان، وهذا منفي عن الله عز وجل؛ لأن القائل إذا قال: مررت بزيد غالطاً فاستدرك، أو ناسياً فذكر، قال: بل عمرو؛ ليضرب عن ذلك، ويثبت ذا. وتقول عندي عشرة بل خمسة عشر على مثل هذا، فإن أتى بعد كلامٍ قد سبق من غيره فالخطأ إنما لحق كلام الأول؛ كما قال الله عز وجل: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً} فعلم السامع أنهم عنوا الملائكة بما تقدم من قوله: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاُ}.وقال: {أم اتخذ مما يخلق بناتٍ} وقال: {ويجعلون لله ما يكرهون} وقال: {بل عبادٌ مكرمون}، أي: بل هؤلاء الذين ذكرتم أنهم ولدٌ عبادٌ مكرمون. ونظير ذلك أن تقول للرجل: قد جاءك زيدٌ، فيقول: بل عمرو. ولكن مجاز هذه الآية عندنا مجاز ما ذكرنا قبل في قولك: ائت زيدا أو عمرا أو خالدا، تريد: ايت هذا الضرب من الناس، فكأنه قال - والله أعلم -: إلى مائة ألف أو زيادة. وهذا قول كل من نثق بعلمه. وتقول: وكل حقٍّ لها علمناه أو جهلناه. تريد توكيد قولك: كل حقٍّ لها، فكأنك قلت: إن كان معلوماً، أو مجهولاً فقد دخل في هذا البيع جميع حقوقها.
ولها في الفعل خاصةٌ أخرى نذكرها في إعراب الأفعال إن شاء الله. وجملتها أنك تقول: زيد يقعد أو يقوم يا فتى، وإنما أكلم لك زيدا، أو أكلم عمرا. تريد: أفعل أحد هذين؛ كما قلت في الاسم: لقيت زيدا أو عمرا، وأنا ألقى زيدا أو عمرا، أي: أحد هذين. وعلى القول الثاني: أنا أمضي إلى زيد، أو أقعد إلى عمرو، أو أتحدث، أي: أفعل هذا الضرب من الأفعال. وعلى هذا القول الذي بدأت به قول الله عز وجل: {تقاتلونهم أو يسلمون}، أي: يقع أحد هذين. فأما الخاصة في الفعل فأن تقع على معنى: إلا أن، وحتى، وذلك قولك: الزمه أو يقضيك حقك، واضربه أو يستقيم. وفي قراءة أبيٍّ: (تقاتلونهم أو يسلموا)، أي: إلا أن يسلموا، وحتى يسلموا. وهذا تفسيرٌ مستقصًى في بابه إن شاء الله). [المقتضب: 3/304-306] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وأفرطت حرف من الأضداد. يقال: أفرطت الرجل إذا قدمته، وأفرطته إذا أخرته ونسيته؛ قال الله جل وعز: {لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون}، فمعنى قوله جل وعز: {مفرطون} مقدمون معجلون. وقال جماعة من المفسرين والقراء: معناه منسيون متروكون.
ويقال: قد فرط الفارط في طلب الماء إذا تقدم، وهو الفارط، وهم الفارط؛ قال القطامي:
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا = كما تعجل فراط لوراد
وقال الآخر:
فأثار فارطهم غطاطا جثما = أصواته كتراطن الفرس
الغطاط: جنس من القطا. وقال النبي عليه السلام: ((أنا فرطكم على الحوض))، أي أنا أتقدمكم إليه حتى تردوه علي.
ويقال في الصلاة على الصبي الميت: (اللهم اجعله لنا فرطا)، فمعناه أجرا سابقا. ويقال: قد فرط من فلان إلي مكروه، أي تقدم وتعجل، قال الله عز وجل: {إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى} ). [كتاب الأضداد:71- 72]
تفسير قوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) }
تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) }
تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) }