تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن التشبيه المحمود قول الشاعر:
طليق الله لم يمنن عليه = أبو داود وابن أبي كثير
ولا الحجاج عيني بنت ماء = تقلب طرفها حذر الصقور
وهذا غاية في صفة الجبان.
ونصب عيني بنت ماء على الذم، وتأويله: إنه إذا قال: جاءني عبد الله الفاسق الخبيث فليس يقوله إلا وقد عرفه بالفسق والخبث فنصبه أعني وما أشبهه من الأفعال، نحو أذكر، وهذا أبلغ في الذم، أن يقيم الصفة مقام الاسم، وكذلك المدح. وقول الله تبارك وتعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} بعد قوله: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ}. إنما هو على هذا. ومن زعم أنه أراد: "ومن المقيمين الصلاة" فمخطئ في قول البصريين، لأنهم لا يعطفون الظاهر على المضمر المخفوض، ومن أجازه من غيرهم فعلى قبح، كالضرورة. والقرآن إنما يحمل على أشرف المذاهب. وقرأ حمزة: {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ}، وهذا مما لا يجوز عندنا إلا أن يضطر إليه شاعر، كما قال:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا = فاذهب فما بك والأيام من عجب
وقرأ عيسى بن عمر: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}. أراد: وامرأته في جيدها حبل من مسد، فنصب حمالة على الذم. ومن قال إن امرأته مرتفعة بقوله: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}: فهو يجوز. وليس بالوجه أن يعطف المظهر المرفوع على المضمر حتى يؤكد، نحو: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة: 24] و: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}، فأما قوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا}. فإنه لما طال الكلام وزيدت فيه لا احتمل الحذف وهذا على قبحه جائز في الكلام، أعني: ذهبت وزيد، وأذهب وعمرو، قال جرير:
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه = ما لم يكن وأب له لينالا
وقال ابن أبي ربيعة:
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى = كنعاج الملا تعسفن رملا
ومما ينصب على الذم قول النابغة الذبياني:
لعمري وما عمري علي بهين = لقد نطقت بطلا علي الأقارع
أقارع عوف لا أحاول غيرها = وجوه قرود تبتغي من تجادع
وقال عروة بن الورد العبسي:
سقوني الخمر ثم تكنفوني = عداة الله من كذب وزور
والعرب تنشد قول حاتم الطائي رفعًا ونصبًا:
إن كنت كارهة معيشتنا = هاتا فحلي في بني بدر
الضربين، لدى أعنتهم = والطاعنين وخيلهم تجري
وإنما خفضوهما على النعت، وربما رفعوهما على القطع والابتداء.
وكذلك قول الخرنق بنت هفان القيسي، من بني قيس بن ثعلب:
لا يبعدن قومي الذين هم = سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك = والطيبين معاقد الأزر
وكل ما كان من هذا فعلى هذا الوجه.
وإن لم يرد مدحًا ولا ذمًا قد استقر له فوجهه النعت. وقرأ بعض القراء: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}.
وأكثر ما تنشد العرب بيت ذي الرمة نصبًا، لأنه لما ذكر ما يحن إليه ويصبو إلى قربه أشاد بذكر ما قد كان يبغي، فقال:
ديار مية إذ مي تساعفنا = ولا يرى مثلها
عجم ولا عرب
وفي هذه القصيدة من التشبيه المصيب قوله:
بيضاء في دعج، صفراء في نعج = كأنها فضة قد مسها ذهب
وفيها من التشبيه المصيب قوله:
تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما = أن المريض إلى عاده الوصب).
[الكامل: 2/930-934] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) )
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال زهير في " الحوب "، وهو الإثم:
ويَقِيك ما وَقَّى الأَكارِمَ مِن = حُوبٍ تُسبّ به ومِن غَدْر).
[كتاب الجيم: 1/202]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الأصمعي: .... أبو زيد ... غيرهم: حوب وحاب للإثم). [الغريب المصنف: 2/529]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعاء له: ((رب تقبل توبتي واغسل حوبتي)).
قال: حدثنيه ابن مهدي عن سفيان عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن طليق بن قيس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم:
قوله: ((حوبتي)) يعني المأثم، وهو من قول الله عز وجل: {إنه كان حوبا كبيرا}.
وكل مأثم حُوب وحَوب والواحدة حَوْبَة.
ومنه الحديث الآخر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتيتك لأجاهد معك.
فقال: ((ألك حوبة؟)) فقال: نعم، قال: ((ففيها فجاهد)).
يروى ذلك عن أشعث بن عبد الملك عن الحسن يرفعه.
يعني ما تأثم فيه إن ضيعته من حرمة.
وبعض أهل العلم يتأوله على الأم خاصة.
وهي عندي كل حرمة تضيع إن تركتها من أم أو أخت أو بنت أو غير ذلك.
قال الأصمعي: فالعرب تقول: بات بحيبة سوء: إذا بات بشدة وحال سيئة.
قال: ويقال: فلان يتحوب من كذا وكذا إذا كان يتغيظ
منه ويتوجع قال طفيل الغنوي:
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر = من الغيظ في أكبادنا والتحوب
والتحوب في غيرا هذا: التأثم أيضا من الشيء، وهو من الأول، وبعضه قريب من بعض). [غريب الحديث: 2/270-274]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
ولا تخنوا علي ولا تشطوا = بقول الفخر إن الفخر حوب
....
و(الحوب) الإثم). [شرح أشعار الهذليين: 1/111]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وتأثم حرف من الأضداد؛ يقال: قد تأثم الرجل، إذا أتى ما فيه المأثم، وتأثم، إذا تجنب المأثم؛ كما يقال: قد تحوب الرجل إذا تجنب الحوب.
ولا يستعمل (تحوب) في المعنى الآخر؛ أخبرنا محمد بن أحمد بن النضر، قال: حدثنا معاوية بن عمرو، قال: حدثنا زائدة، عن هشام، قال: قال الحسن ومحمد: ما علمنا أحد منهم ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثما من ذلك، أي تجنبا للمأثم. والحوب: الإثم العظيم، قال الله عز وجل: {إنه كان حُوبًا كبيرا}، وقال الشاعر:
فلا تخنوا علي ولا تشطوا = بقول الفخر إن الفخر حوب
وقال نابغة بني شيبان:
نماك أربعة كانوا أئمتنا = فكان ملكك حقا ليس بالحوب
ويقال: قد حاب الرجل يحوب فهو حائب حوبا، إذا أثم، أنشدنا العنزي:
أتاه مهاجرات تكنفاه = بترك كبيره ظلما وحابا
وقرأ الحسن: (إنه كان حَوْبًا كبيرا). وقال الفراء: الحائب في لغة بني أسد: القاتل: ويقال: قد تحوب الرجل، إذا تغيظ وتندم؛ قال طفيل:
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر = من الغيظ في أكبادنا والتحوب
والحَوْبة: الفعلة، من الحوْب بمنزلة القومة من القيام. والحوبة أيضا: الأم، ويقال: هي كل من قرب من نسائه إليه في النسب، والحيبة: من الحُوب، بمنزلة الركبة من الركوب، وأصل الياء واو جعلت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها؛ قال الكميت يذكر ذئبا:
وصب له شول من الماء غائر = به رد عنه الحيبة المتحوب
ويقال: بات فلان بحيبة سوء، إذا بات بهم يقلقه ويزعجه). [كتاب الأضداد: 169-171]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (قال أبو بكر: الحوبة: الفعلة من الحوب وهو الإثم، يقال: حاب الرجل إذا أثم، قال الله عز وجل: {إنّه كان حوبًا كبيرًا} [النساء: 2] وقرأ الحسن: (إنه كان حَوبًا كبيرًا)، فقال الفراء: الحوب المصدر، والحوب الاسم، وقال نابغة بني شيبان:
نماك أربعةٌ كانوا أئمتنا = فكان ملكك حقًا ليس بالحوب).
[الأمالي: 2/263]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (قال أبو عبيد: يقولون للرجل الذي يعجب من كلامه أو غير ذلك من أموره:
عيل ما هو عائله. أي غلب ما هو غالبه. قال أبو عبيد: وأصل العول الميل، ويروى في تفسير قول الله جل ثناؤه: {ذلك أدنى ألا تعولوا} إنّه الميل والجور). [الأمثال: 68-69]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وعلت أعول عولاً إذا ملت وجرت، قال الله تبارك وتعالى: {ذلك أدنى ألا تعولوا} الأصمعي ومنه قول ابن مقبل:
[طويل]
عيل ما هو عائله
أي غلب ما هو غالبه ومعناه كقولك لشيء يعجبك قاتله الله وأخزاه. وعال الرجل يعيل إذا افتقر عيلة وأعال يعيل إذا كثر عياله وعالهم يعولهم إذا كفاهم معاشهم وعال الميزان إذا مال وإنما هو مأخوذ من الجور وقال أبو طالب:
[طويل]
بميزان صدق لا يغل شعيرة = له شاهد من نفسه غير عائل).
[الغريب المصنف: 3/957-958]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث صلة بن أشيم: طلبت الدنيا مظان حلالها فجعلت لا أصيب منها إلا قوتا، أما أنا فلا أعيل فيها، وأما هي فلا تجاوزني، فلما رأيت ذلك قلت: أي نفس جعل رزقك كفافا فاربعي، فربعت ولم تكد.
حدثناه ابن علية عن يونس عن الحسن عن أبي الصهباء صلة بن أشيم.
...
وأما قوله: فلا أعيل فيها: لا أفتقر.
وقال الكسائي: يقال: قد عال الرجل يعيل عيلة: إذا احتاج وافتقر وقال الله تبارك وتعالى: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} قال: وإذا أراد أنه كثر عياله قيل: أعال يعيل، وهو رجل معيل.
وأما قوله عز وجل: {ذلك أدنى أن لا تعولوا} فليس من الأول ولا الثاني، يقال: معناه لا تميلوا ولا تجوروا.
حدثنيه يحيى بن سعيد عن يونس بن أبي إسحاق عن
مجاهد.
والعول أيضا: عول الفريضة، وهو أن تزيد سهامها فيدخل النقصان على أهل الفرائض.
وأظنه مأخوذا من الميل، وذلك أن الفريضة إذا عالت فهي تميل على أهل الفريضة جميعا فتنقصهم). [غريب الحديث: 5/424-426] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقد يجوز أن تجعل مخاطبة الجماعة على لفظ الجنس؛ إذ كان يجوز أن تخاطب واحداً عن الجماعة، فيكون الكلام له، والمعنى يرجع إليهم؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {ذلك أدنى أن لا تعولوا}. ولم يقل ذلكم؛ لأن المخاطب النبي صلى الله عليه وسلم فما ورد من هذا الباب فقسه على ما ذكرت لك تصب إن شاء الله). [المقتضب: 3/276]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن المعدول قولهم: مثنى، وثلاث، ورباع، وكذلك ما بعده. وإن شئت جعلت مكان مثنى ثناء يا فتى حتى يكون على وزن رباع وثلاث. وكذلك أحاد، وإن شئت قلت: موحد؛ كما قلت مثنى. قال الله عز وجل: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} وقال عز وجل: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}. قال الشاعر:
منت لك أن تلاقيني المنايا = أحاد أحاد في شهر حلال
وقال الآخر:
ولكنما أهلـي بـوادٍ أنـيسـه = ذئابٌ تبغى الناس مثنى وموحد
وتأويل العدل في هذا: أنه أراد واحداً واحداً، واثنين اثنين. ألا تراه يقول: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} والعدل يوجب التكثير؛ كما أن يا فسق مبالغة في قولك: يا فاسق وكذلك يا لكع، ويا لكاع). [المقتضب: 3/380-381] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( وعالا وعاما حين باعا بأعنز = وكلبين لعبانية كالجلامد
علا افتقرا يقال عال الرجل يعيل إذا افتقر قال الشاعر:
لما يدري الفقير متى غناه = وما يدري الغني متى يعيل
أي متى يفتقر، {ووجدك عائلاً فأغنى}: يقال عال يعيل إذا افتقر وعال يعيل تبختر في مشيته، وأعال كثر عياله، وعال عياله يعولهم أي قام بأمورهم وأنفق عليهم، وعال يعول جار ومال، ومنه قول الله عز وجل: {أدنى ألا تعولوا}، أي لا تجوروا ولا تميلوا، والعيلة الفقر، ومنه قوله عز وجل: {وإن خفتم عيلة} ). [شرح المفضليات: 130] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ومما جاء في الشعر على لفظ الواحد يراد به الجميع
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا = فإنّ زمانكم زمنٌ خميص
ومثل ذلك في الكلام قوله تبارك وتعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً} وقررنا به عيناً وإن شئت قلت أعيناً وأنفساً
كما قلت ثلاثمائةٍ وثلاث مئين ومئاتٍ ولم يدخلوا الألف واللام كما لم يدخلوا في امتلأت ماءً). [الكتاب: 1/210-211]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول هي صدقة المرأة مفتوحة الصاد مضمومة الدال وصداقها قال الله جل وعز: {وآتوا النساء صدقاتهن
نحلة} قال الأصمعي: سمعت ابن جريج يقول قضى ابن عباس لها بالصدقة). [إصلاح المنطق: 287-288]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قولك: مائة درهم، ومائة جارية، وألف غلام، وألف جارية فلا يكون فيه غلا هذا؛ لأنه ليس بمنزلة ثلاثة وما بعدها إلى عشرة ولا ثلاث عشر؛ لأن الثلاث والثلاثة على مئين وقع، أو على ألوف، أو غير ذلك. ففيهن أقل العدد مما وقعن عليه.
ومجاز مائة وألف في أنه لا يكون لأدنى العدد مجاز أحد عشر درهماً فما فوق.
فأما قوله عز وجل: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين} فإنه على البدل لأنه لما قال: ثلاثمائة ثم ذكر السنين ليعلم ما ذلك العدد? ولو قال قائل: أقاموا سنين يا فتى، ثم قال: مئين أو ثلاثمائة لكان على البدل، ليبين: كم مقدار تلك السنين?
قد قرأ بعض القراء بالإضافة فقال: ثلاث مائة سنين وهذا خطأ في الكلام غير جائز. وإنما يجوز مثله في الشعر للضرورة، وجوازه في الشعر أنا نحمله على المعنى؛ لأنه في المعنى جماعة وقد جاز في الشعر أن تفرد وأنت تريد الجماعة إذا كان في الكلام دليل على الجمع فمن ذلك قوله:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا = فإن زمانكم زمنٌ خمـيص
وقال آخر:
إن تقتلوا اليوم فقد سبـينـا = في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
وينشد: شربنا.
وقال علقمة بن عبدة:
بها جيف الحسرى فأما عظامها = فبيضٌ وأما جلدها فصـلـيب
وأما قوله عز وجل: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم} فليس من هذا؛ لأن السمع مصدر، والمصدر يقع للواحد والجمع.
وكذلك قول الشاعر، وهو جرير:
إن العيون التي في طرفها مرضٌ = قتلننا ثم لـم يحـيين قـتـلانـا
لأن الطرف مصدر. وأما قول الله عز وجل: {ثم يخرجكم طفلاً} وقوله: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفساً} فإنه أفرد هذا، لأن مخرجهما مخرج التمييز؛ كما تقول: زيد أحسن الناس ثوباً، وأفره الناس مركباً. وإنه ليحسن ثوباً، ويكثر أمةً وعبداً). [المقتضب: 2/168-171] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}:
قال: كان الآباء يستبدون به. والمخاطبة للآباء). [مجالس ثعلب: 369-370]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} قال: كان الآباء يستبدون بالمهور فجعلها الله لهن). [مجالس ثعلب: 557]
تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (أبو عبيدة: هو قوام أهل بيته وقيام أهل بيته ومنه قوله عز وجل: {التي جعل الله لكم قيامًا}). [الغريب المصنف: 3/661]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، ونهى عن عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات.
يقال: إن قوله: إضاعة المال، أن يكون في وجهين: أما أحدهما وهو الأصل: فما أنفق في معاصي الله –عز وجل-، وهو السرف الذي عابه الله تبارك وتعالى ونهى عنه فيما أخبرني به
ابن مهدي: إن كل ما أنفق في غير طاعة الله سبحانه من قليل أو كثير فهو سرف.
والوجه الآخر: دفع المال إلى ربه وليس له بموضع، ألا تراه قد خص أموال اليتامى فقال تبارك وتعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم وأشهدوا عليهم}.
حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد في قوله: {فإن آنستم منهم رشدا}، قال: العقل.
حدثنا يزيد عن هشام عن الحسن قال: صلاحا في دينه وحفظا لماله.
هذا هو الأصل في الحجر على المفسد لماله، ألا تراه قد أمر بمنع اليتيم ماله فهل يكون الحجر إلا هكذا؟ ومنه قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}.
وكذلك قوله سبحانه: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} فهذا كله وأشباهه فيما نهى الله سبحانه عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم من إضاعة المال). [غريب الحديث: 3/411-413]