دراسة الاشتغال
1- ليس في القرآن المشتغل عنه الواجب النصب، ولا الواجب الرفع.
2- الزمخشري وأبو حيان أجازا أن يكون المصدر مفسرا في باب الاشتغال فأجاز الاشتغال في قوله تعالى: {والذين كفروا فتعسا لهم} ومنع ذلك الرضي فقال في [شرح الكافية: 1/ 149] «وأما المصدر فلا يكون مفسرا في هذا الباب، لأن ما لا ينصب بنفسه لو سلط لا يفسر ومنصوب المصدر لا يتقدم عليه» وانظر [الهمع: 2/ 112].
3- من شرط الاسم المشتغل عنه أن يكون مختصًا، لا نكرة محضة حتى يصلح للابتداء به، ولذلك في قوله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها} ليس من الاشتغال، لأن {رهبانية} لا تصلح للابتداء، فالجملة بعدها صفة، وخالف من المعتزلة أبو علي والزمخشري، فأجاز الاشتغال ومنعه أيضا ابن الشجري، وهو معتزلي.
وقالوا في {وأخرى تحبونها}: أخرى صفة لموصوف محذوف، أي نعمة أو مثوبة.
وجاز الاشتغال في قوله تعالى: {ورسلا قد قصصناهم عليك} لأنه موضوع تفضيل، [البحر: 3/ 398].
وقدروا صفة قوله تعالى: {وقرآنا فرقناه} أي عظيما. [البحر: 6/ 87].
ومنع الفراء من إعراب سورة مبتدأ خبره ما بعده في قوله تعالى: {سورة أنزلناها} وجعلها مبتدأ خبره محذوف وقد قرئ فيها بالنصب. [معاني القرآن للفراء: 2/ 243- 244].
4- جواب القسم لا يفسر عاملا في باب الاشتغال، لأنه لا يعمل فيما قبل القسم, [الرضي: 1/ 151].
وأجاز العكبري الاشتغال في:
(أ) {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين} [29: 9]. [العكبري:2/ 94].
وقال [الفراء في معاني القرآن: 2/ 30]: «هو وجه لا أشتهيه»
(ب) {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا} [29: 58]. [العكبري:2/ 95].
5- لما الحينية إن جعلت حرفا فلا يفسر جوابها فعلا في الاشتغال، وإن جعلت ظرفا صح الاشتغال, {وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم} [25: 37]. [البحر:6/ 498].
6- لا يفسر العامل في أسماء الشرط، إلا فعل الشرط لا الفعل الواقع في جزاء الشرط.
واسم الموصول المشبه باسم الشرط لا يفسر العامل فيه الخبر، لأنه بمنزلة الجزاء، والجزاء لا يفسر عاملا.
قال تعالى: {ومن كفر فأمتعه قليلا} [2: 126].
وأما إذا كان الخبر أمرا، نحو زيدًا فاضربه فيجوز أن يفسر عاملا، ولا يجوز أن تقول: زيدًا فتضربه على الاشتغال، [البحر: 1/ 384- 385].
7- قد يكون الاسم المشتغل عنه ضميرًا منفصلا، {وإياي فارهبون}، {وإياي فاتقون}، {وإياي فاعبدون}.
[معاني القرآن للزجاج: 1/ 90]، [البحر: 7/ 157].
8- الجملة التي فعلها فعل أمر الواقعة بعد اسم بغير الفاء، يختار النصب في الاسم، ويجوز فيه الابتداء، وجملة الأمر هي الخبر.
فإن دخلت الفاء على فعل الأمر، فإما أن تقدرها الفاء الداخلة على الخبر أو عاطفة، فإن قدرتها الداخلة على الخبر فلا يجوز أن يكون ذلك الاسم مبتدأ، وجملة الأمر خبره، إلا إذا كان المبتدأ قد أجرى مجرى اسم الشرط.
وإن كانت الفاء عاطفة كان ذلك الاسم مرفوعًا، إما مبتدأ كما تأول سيبويه في قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا} وإما خبر مبتدأ محذوف، كما قيل: القمر والله فانظر إليه، والنصب على هذا المعنى دون الرفع، لأنك إذا نصبت احتجت إلى جملة فعلية تعطف عليها بالفاء، وإلى حذف الفعل الناصب، وإلى تحريف الفاء إلى غير محلها، فإذا قلت: زيدا فاضربه، فالتقدير: تنبه فاضرب زيدا اضربه، حذفت (تنبه) وحذفت (اضرب) وأخرت الفاء لدخولها على المفسر، وكان الرفع أولى لأنه ليس فيه إلا حذف مبتدأ، أو حذف الخبر، فالمحذوف أحد جزئ الإسناد فقط، والفاء واقعة في موقعها.
يجوز أن تقول: زيدًا فاضربه ولا يجوز زيدًا فتضربه. [البحر: 1/ 384- 385].
9- ترجح النصب على الرفع المعطف على جملة فعلية في آيات كثيرة من القرآن الكريم:
1- {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك} [4: 164]. معاني القرآن للزجاج [2: 146].
2- {إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله} [6: 36]. [العكبري: 1/ 134]، [البحر: 4/ 117].
3- {فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة} [7: 30]. [البحر: 4/ 288].
4- {فأتبعه شهاب مبين. والأرض مددناها} [15: 19]. [البحر: 5/ 45].
5- {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، والجان خلقناه من قبل من نار السموم} [15: 27]. [الجمل: 2/ 436].
6- {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين، والأنعام خلقها} [16: 5]. [البحر: 5/ 475]، [العكبري: 2/ 41].
7- {ولنعم دار المتقين. جنات عدن يدخلونها} [16: 31]. [البحر: 5/ 488].
8- {وكل شيء فصلناه تفصيلا} [17: 12]. [البحر: 6/ 15]، [العكبري: 2/ 47].
9- {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} [17: 13]. [العكبري: 2/ 47].
10- {وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا، وقرآنا فرقناه} [17: 106]. [البحر: 6/ 87].
11- {وكانوا لنا عابدين، ولوطا آتيناه حكما وعلما} [21: 73]. [البحر: 6/ 329]،[ العكبري: 2/ 71].
12- {ومما رزقناهم ينفقون، والبدن جعلناها لكم من شعائر الله} [22، 36].
13- {وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا} [25: 39]. [البحر: 6/ 499]، [العكبري: 2/ 85].
14- {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} [36: 12]. [البحر: 7/ 325].
15- {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها} [50: 7]. [العكبري: 2/ 126].
16- {وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين، والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون، والأرض فرشناها} [51: 46- 48]. [البحر: 8/ 142].
17- {يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما} [76: 31]. [البحر: 8/ 402].
18- {وكذبوا بآياتنا كذابا، وكل شيء أحصيناه كتابا} [78: 28- 29]. [العكبري: 2/ 149].
19- {أغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها} [79: 29- 32]. [البحر: 8/ 423].
20- {من نطفة خلقه فقدره، ثم السبيل يسره} [80: 19- 20]. [الجمل: 4/ 481].
21- {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان، والأرض وضعها للأنام} [55: 9-10].
22- {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [35: 9- 10].
إن جعل فاعل الفعل (يرفعه) ضميرًا يعود إلى العمل الصالح وضمير النصب يعود إلى الكلم الطيب كان المعنى: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب قال ابن عطية: هذا قول يرده معتقد أهل السنة ولا يصح عن ابن عباس، فالله يتقبل من كل من اتقى الشرك، ولا يكون في الكلام اشتغال على هذا.
وإن جعل ضمير الله في {يرفعه} عائدًا على {العمل الصالح} والفاعل ضمير يرجع إلى الله أو إلى الكلم الطيب كان من باب الاشتغال وجاء ذلك على المرجوح لأنه كان يختار النصب للعطف على الفعلية. [البحر: 7/ 330- 304].
10- جعل أبو حيان مما يرجح النصب في الاشتغال عطف الجملة الفعلية على جملة المشتغل عنه قال في قوله تعالى: {والأرض ممدناها وألقينا فيها رواسي} [15: 19].
: «لما كانت هذه الجملة {والأرض مددناها} بعدها جملة فعلية كان النصب على الاشتغال أرجح من الرفع على الابتداء» [البحر: 5/ 45].
ولكنه قال في [النهر: 450] : «ولما كانت هذه الجملة تقدمها جملة فعلية كان النصب على الاشتغال أرجح من الرفع على الابتداء».
وقال [العكبري: 2/ 29]: «النصب أرجح لأنه معطوف على البروج وقد عمل فيه الفعل» يريد قوله تعالى:
{لقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين}. [15: 16]
وفي [المغني: 551]: «وهذا مما أغفلوه، أعنى الترجيح باعتبار ما يعطف على الجملة، فإنهم ذكروا رجحان النصب على الرفع في باب الاشتغال في نحو: (قام زيد وعمرًا أكرمته) للتناسب، ولم يذكروا مثل ذلك في نحو: (زيد ضربته وأكرمت عمرًا) ولا فرق بينهما».
11- رجح النصب على الرفع لوقوع الاسم بعد همزة الاستفهام التي يغلب عليها وقوع الفعل بعدها وذلك في قوله تعالى:
1- {أهؤلاء من الله عليهم من بيننا} [6: 53].[ الجمل: 2/ 34]، [العكبري: 1/ 135].
2- {قالوا أبشرا منا واحدا نتبعه} [54: 24]. [البحر: 8/ 179- 180]، [العكبري: 2/ 132].
3- {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [54: 49].
يرى الرضي أن المعنى لا يختلف سواء جعلت الفعل وصفا أو خبرا لأن مراده تعالى بكل شيء: كل مخلوق نصبت {كل} أو رفعته، وسواء جعلت {خلقناه} لم يخلق كل الممكنات غير المتناهية، معنى {كل شيء خلقناه بقدر} على أن خلقناه هو الخبر: كل مخلوق مخلوق بقدر، وعلى أن خلقناه صفة: كل شيء مخلوق كائن بقدر والمعنيان متساويان.
[شرح الكافية: 1/ 160].
وفي [البحر: 8/ 183]: «وقال قوم إذا كان الفعل يتوهم معه الوصف وأن ما بعده يصلح للخبر، وكان المعنى على أن يكون الفعل هو الخبر اختير النصب في الاسم الأول، حتى يتضح أن الفعل ليس بوصف، ومنه هذا الموضع، لأن في قراءة الرفع وانظر [أمالي الشجري: 1/ 338- 340]،[ سيبويه: 1/ 74]».
12- رجح الرفع على النصب في آيات كثيرة أيضا:
1- {ذلك نتلوه عليك من الآيات} [3: 58]. [البحر: 2/ 476- 477].
2- {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات} [4: 57] [البحر: 3/ 355].
3- {أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما} [4: 162]. [البحر: 3/ 396- 397]، [العكبري: 1/ 114].
4- {من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} [6: 39]. [البحر: 4/ 123]، [العكبري: 1/ 134].
5- {ذلكم وصاكم به} [6: 152]. [العكبري: 1/ 147].
6- {والذين كفروا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} [7: 182]. [العكبري: 1/ 160].
7- {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك} [11: 100]. [العكبري: 2/ 24].
8- {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا} [18: 59]. [البحر: 6/ 140].
9- {والذين من قبلهم أهلكناهم} [44: 37].. [العكبري: 2/ 121]، [الجمل: 4/ 106].
10- {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم} [47: 1]. [العكبري: 2/ 24].
11- {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم} [47: 2]. [العكبري: 2/ 124].
12- {وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها} [48: 21]. [البحر: 8/ 97]، [العكبري: 2/ 125].
13- {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} [52: 21]. [البحر: 8/ 148]، [العكبري: 2/ 129].
14- {وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} [7: 132]. يقدر العامل مؤخرا [ المغني: 2/ 19].
13- يترجح رفع الاسم المشتغل عنه لوقوعه بعد (أما).
في [الكشاف: 4/ 194]: {وأما ثمود فهديناهم} [41: 17]: «الرفع أفصح لوقوعه بعد حرف الابتداء».
وقال الرضي في [شرح الكافية: 1/ 156- 157]: «وأما {أما} فيترجح الرفع معها على النصب مع القرينتين المذكورتين لأن ترجح النصب في مثلهما بغير {أما} إنما كان لمراعاة التناسب بين المعطوف والمعطوف عليه في كونهما فعليتين، نحو: قام زيد وعمرا أكرمته، فإذا صدرت الجملتان بأما، نحو، قام زيد وأما عمرو فقد أكرمته.. فإن {أما} من الحروف التي يبتدأ معها الكلام ويستأنف، ولا ينظر معها إلى ما قبلها.. فرجعت بسببها الجملة إلى ما كانت في الأصل عليه، وهو اختيار الرفع للسلامة من الحذف والتقدير، ف {أما} في الحقيقة ليست مقتضية للرفع، لأن وقوع الاسمية والفعلية بعدها على السواء، نحو قوله تعالى: {فأما اليتيم فلا تقهر} {وأما السائل فلا تنهر} لكن عملها في الصورتين أنها منعت مقتضى النصب من التأثير، فبقى مقتضى الرفع بحاله، وهو كون في الأصل سلامة الكلام سلامة الكلام من الحذف والتقدير».
1- {فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة} [3: 56]. [البحر: 2/ 475].
2- {وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم} [3: 57]. [البحر: 2/ 475].
14- في العطف على جملة ذات وجهين جاء النصب في السبع والرفع في الشواذ:
1- {والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدرناه منازل} [36: 39]. [العكبري: 2/ 105].
2- {والنجم والشجر يسجدان، والسماء رفعها ووضع الميزان} [55: 6-7]. [البحر: 8/ 189]، و[العكبري: 2/ 132].
وفي [شرح الكافية للرضي: 1/ 161]: «وهذا المثال أعنى: زيد قام وعمرو كلمته مثال أورده سيبويه، وأعترض عليه بأنه لا يجوز العطف على الصغرى، لأنها خبر المبتدأ، والمعطوف في حكم المعطوف عليه فيما يجب لع ويمتنع عليه، والواجب في الجملة التي هي خبر المبتدأ رجوع ضمير إلى المبتدأ، وليس في (عمرو كلمته) ضمير راجع إلى زيد.. واعتذر لسيبويه بأعذار...
ثم إن مثل هذا المثال أجازه سيبويه مسويا بين رفع الاسم ونصبه على ما يؤن به ظاهر كلامه، ومنعه الأخفش، لخلو المعطوف علن الضمير، وجوزه أبو علي على أن الرفع فيه أولى من النصب، وإن زدت في الجملة المعطوفة ضميرا راجعا إلى المبتدأ الأول فلا خلاف في جوازه».
وانظر [سيبويه: 1/ 47]، و[أمالي الشجر: 1/ 336- 338].
15- الاشتغال في الاسم المرفوع جاء منه في القرآن المتعين للرفع على الفاعلية عند الجمهور، كقوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} وآيات أخر.
وجاء المترجح الرفع بالفاعلية على الرفع بالابتداء في قوله تعالى: {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} وآيات آخر.
16- قرئ {وللظالمين أعد لهم}، وهو متعلق بـ «أعد» لهم توكيدًا، ولا يجوز أن يكون من باب الاشتغال، ويقدر فعل يفسره الفعل الذي بعده، فيكون التقدير: أعد للظالمين أعد لهم، وهذا مذهب الجمهور، وفيه خلاف ضعيف. [البحر: 8/ 402].
فتقول: يزيد مررت به، ويكون التقدير: مررت بزيد مررت به، ويكون من باب الاشتغال.