كاد
1- {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} [17: 73]
معنى {ليفتنونك} ليخدعونك، وذلك في ظنهم، لا أنهم قاربوا ذلك إذ هو معصوم عليه السلام أن يقاربوا فتنته عما أوحى الله إليه، وتلك المقاربة في زعمهم سببها رجاؤهم أن يفتري على الله غير ما أوحى الله إليه من تبديل الوعد وعيدًا، أو الوعيد وعدًا، وما اقترحته ثقيف من أن يضيف إلى الله ما لم ينزل عليه. [البحر: 6/ 64 – 65].
2- {من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم} [9: 117]
قرأ حمزة وحفص {يزيغ} بالياء على التذكير. وقرأ الباقون بالتاء على التأنيث. [النشر: 2/ 281]،[ الإتحاف: 245]، [غيث النفع: 118]،[ الشاطبية: 217].
قرأ حمزة وحفص {يزيغ} بالياء، فتعين أن يكون في {كاد} ضمير الشأن وارتفاع قلوب بيزيغ، لامتناع أن يكون {قلوب} اسم {كاد} و{يزيغ} في موضع الخبر لأن النية به التأخير ولا يجوز: من بعد ما كاد قلوب يزيغ بالياء.
قرأ باقي السبعة بالتاء فاحتمل أن يكون {قلوب} اسم كاد و{تزيغ} الخبر وسط بينهما، كما فعل ذلك بكان: قال: أبو علي ولا يجوز مثل ذلك في عسى.
واحتمل أن يكون فاعل {كاد} ضميرًا يعود على الجمع الذي يقتضيه ذكر المهاجرين والأنصار وقد قدر المرفوع بكاد باسم ظاهر وهو القوم ابن عطية وأبو البقاء، وعلى كل واحد من هذه الأعاريب الثلاثة إشكال على ما تقرر في علم النحو من أن خبر أفعال المقاربة لا يكون إلا مضارعًا رافعًا ضمير اسمها . . . فإذا قدرنا فيها ضمير الشأن كانت الجملة في موضع نصب على الخبر.
والمرفوع ليس ضميرًا يعود على اسم كاد بل ولا سببًا له، وهذا يلزم في قراءة الياء أيضًا.
وأما توسيط الخبر فهو مبني على جواز مثل هذا التركيب في مثل: كان يقوم زيد، وفيه خلاف، والصحيح المنع وأما التوجيه الآخر فضعيف جدًا من حيث أضمر في {كاد} ضميرًا ليس ما يعود إلا بتوهم ومن حيث يكون خبر {كاد} رافعًا سببًا.
ويلخص من هذه الإشكالات اعتقاد كون {كاد} زائدة، ومعناها مراد ولا عمل لها إذ ذاك في اسم ولا خبر، فتكون مثل {كان} إذا زيدت يراد معناها ولا عمل لها ويؤيد هذا التأويل قراءة ابن مسعود: {من بعد ما زاغت} بإسقاط {كاد} وقد ذهب الكوفيون إلى زيادتها في قوله تعالى {لم يكد يراها}. [البحر: 5/ 109]،[ معاني القرآن للفراء: 1/ 454]، [العكبري: 2/ 12].
3- {تكاد السموات يتفطرن منه} [19: 90]
قال الأخفش:{ تكاد} تريد، وكذلك قوله: {أكاد أخفيها} وأنشد شاهدا على ذلك قول الشاعر:
كاد وكدت وتلك إرادة = لو عاد من زمن الصبابة ما مضى
ولا حجة في هذا البيت، والمعروف أن الكيد دون مقاربة الشيء. [البحر: 6/ 218].
4- {إن الساعة آتية أكاد أخفيها} [20: 15]
أي {أكاد أخفيها}، فلا أقول: هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها، ولولا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به، وقيل: معناه: أكاد أخفيها من نفسي، ولا دليل في الكلام على هذا المحذوف ومحذوف لا دليل عليه مطرح، والذي غرهم منه أن في مصحف أبي: أكاد أخفيها من نفسي . . . وعن أبي الدرداء وسعيد بن جبير أخفيها، بالفتح من خفاه: إذا أظهره، أي قرب إظهارها، وقد جاء في بعض اللغات: أخفاه بمعنى خفاه، وبه فسر بيت امرئ القيس:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه = وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
فأكاد أخفيها محتمل للمعنيين. [الكشاف: 3/ 56].
وفي [البحر: 6/ 2342 - 233] «وقرأ أبو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحمد {أخفيها} بفتح الهمزة.
ورويت عن ابن كثير وعاصم، بمعنى: أظهرها أي أنها من صحة وقوعها وتيقن كونها تكاد تظهر، ولكن تأخرت إلى الأجل المعلوم، وتقول العرب: خفيت الشيء: أظهرته.
وقرأ الجمهور: أخفيها: بضم الهمزة وهو مضارع أخفى بمعنى ستر والهمزة هنا للإزالة، أي أزلت الخفاء وهو الظهور وإذا أزلت الظهور سار للستر.
كقولك: أعجمت الكتاب: أزلت عنه العجمة. قال أبو علي هذا من باب السلب، والمعنى: أزيل عنها خفاءها، وهو سترها.
وقيل: أخفيها، بضم الهمزة بمعنى أظهرها، فتتحد القراءتان.
وأخفى من الأضداد، بمعنى الإظهار وبمعنى الستر.
قال أبو عبيدة: خفيت وأخفيت بمعنى واحد، وقد حكاه أبو الخطاب وهو رئيس من رؤساء اللغة لا شك في صدقه.
وأكاد من أفعال المقاربة، لكنها مجاز هنا. وقالت فرقة: أكاد بمعنى أريد، فالمعنى: أريد إخفاءها وقاله الأخفش وابن الأنباري وأبو مسلم ومن أمثالهم: لا أفعل ذلك ولا أكاد أي، لا أريد أن أفعله.
وقالت فرقة خبر {كاد} محذوف وتقديره: أكاد آتى بها لقربها وصحة وقوعها، كما حذف في قول ضابئ البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني = تركت على عثمان تبكي حلائله
وقالت فرقة: أكاد زائدة لا دخول لها في المعنى، بل الإخبار أن الساعة آتية وأن الله يخفي وقت إتيانها، وروى هذا المعنى عن ابن جبير، واستدلوا على زيادة {كاد} بقوله تعالى {لم يكد يراها} وبقول الشاعر:
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه = فما إن يكاد قرنه يتنفس
وبقول الآخر:
وأن لا ألوم النفس مما أصابني = وأن لا أكاد بالذي نلت أنجح
ولا حجة في شيء من هذا». [العكبري: 2/ 63].