(لا) الزائدة
الحذف والزيادة خلاف الأصل فكلما أمكن أن يكون الكلام مستقيما دون تقدير محذوف كان ذلك أولى وكذلك إذا استقام الكلام دون جعل الكلمة زائدة هذا أصل متفق عليه.
وبعض العلماء يتحرج من إطلاق لفظ (الزائد) على ما في القرآن. لأن الزيادة لغو في الكلام لا يناسب فصاحة القرآن.
ومن ذلك أن السهيلي قد أزعجه كلمة (أم المنقطعة) فظن أنها منافية للفصاحة فقال: إنها لا تقع في القرآن وحولها إلى (أم) المتصلة بتقدير معطوف عليه محذوف وقد أعجب بهذا الرأي أيما إعجاب ابن القيم فأطال الحديث عنه في بدائع الفوائد كما ذكرنا قبل.
وبجانب هذا نجد إسرافًا من بعض العلماء في إطلاق الزائد حتى ولو كان الكلام مستقيما من غير اعتبار الزيادة.
وأعجب ما وقفت عليه من ذلك أن الإربلي صاحب كتاب «جواهر الأدب في معرفة كلام العرب» جعل من مواضع زيادة (لا) وقوعها بعد (إن) الشرطية قال في [ص 124] : «وسادسها: بعد (إن) الشرطية»
كقوله تعالى: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن} وقوله سبحانه وتعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه}.
وقال في [ص123] : «وثالثها بعد (كي) الناصبة بعد اللام أيضًا: كقوله تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم}.
هذا هو نص كلامه ولست أدري ما الذي يريده بزيادة (لا) هنا إنها نافية في الآيتين ويفسد المعنى بجعلها زائدة.
وللأستاذ الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج – أطال الله بقاءه – بحث قيم عن زيادة (لا) والواو نشر في مجلة الأزهر [شوال سنة 1386]. وكان نصيب (لا) خمس مقالات وعهدنا بالأستاذ فقيها فقها، وقد أظهرت هذه المقالات أنه جمع النحو إلى الفقه وقد ذكرنا بأستاذنا الشيخ إبراهيم حمروش رحمه الله.
ولا عجب فأبو سعيد السيرافي شارح كتاب سيبويه كان نحويا ومفتيا حنفيا. وإكبارنا لهذا البحث يدعونا إلى أن نقف معه وقفة.
1- {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [4: 65].
ويرى الأستاذ أن (لا) الأولى نافية وليست بزائدة وهي مقدمة من تأخير و(لا) الثانية زائدة مؤكدة للأولى وهي من قبيل الزائد اللازم.
قال في [ص769] : «إن الاهتمام بالنفي وإبراز ما يدل على هذا الاهتمام وتأكيده بالقسم والمبادرة به مبادرة تجعله في شبه مقام الصدارة فلا يتقدم عليه إلا أداة النفي وحدها حتى يكون من أثر ذلك أن يفصل بالقسم بينها وبين المنفي بها».
والطبري يرى أن (لا) نافية لكلام محذوف أي فليس الأمر كما يزعمون وقد ضعف الأستاذ رأى الطبري بأنه ليس في (لا) دلالة على المحذوف حين ننطق بها وحدها مقطوعة عما بعدها.
والزمخشري يرى أن (لا) زائدة لتأكيد معنى القسم وقد رد عليه الأستاذ بأن الزائد لا يكون في صدر الكلام، ولا سيما إن كان زائدا للتوكيد فحقه أن يكون مؤخرًا عن المؤكد ثم إنه قد جعلها تأكيدًا للقسم ولا علاقة بين (لا) والقسم حتى تكون توكيدًا له فهي حرف نفي.
أبو البقاء العكبري جوز الأمرين أن تكون (لا) الأولى زائدة وأن تكون (لا) الثانية هي الزائدة والقسم معترض إعرابه [ 1/ 104].
رجعت إلى ما أحفظه من كلام العرب من الشواهد التي على نسق الآية فوجدت ما يأتي:
1- (أ) قول السيدة أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما لجدها:
فلا والله ما ترك لنا شيئًا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك. [نهاية الأرب: 16/ 333].
(ب) وقول أبي تمام:
فلا والله ما في العيش خير = ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
(ج) وقول الأعرابية:
لا والذي ردك يا صفي = ما مسني بعدك من أنسى
[شواهد العيني: 2/ 232]
(د) قال صفوان بن أمية الكناني. وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية:
رأيت الخمر صالحة وفيها = مناقب تفسد الرجل الكريما
فلا والله أشربها حياتي = ولا أشفي بها أبدا سقيما
وقال السموأل:
وفيت بأدرع الكندي إني = إذا ما ذم أقوام وفيت
وقالوا: إنه كنز رغيب = فلا والله أغدر ما مشيت
ديوانه:[ 18-19]
وقال العريان بن سهل الجرمي:
فقلت له: لا والذي حج حاتم = أخونك عهدا إنني غير خوان
[الخزانة :2/ 521].
من هذا ترى أن النفي قد جاء بما كما في المجموعة الأولى و(ما) لنفي الحال فهل تصلح أن تكون (ما) توكيدًا للا وهي لنفي المستقبل؟
2- وقع بعد (ما) الفعل الماضي في قول بنت الصديق: (والله ما ترك لنا شيئا) و(لا) النافية إذا دخلت على الماضي وجب تكرارها إلا في الدعاء هكذا جاءت في كلام العرب وفي القرآن. {فلا صدق ولا صلى} {فلا اقتحم العقبة}.
3- حذفت (لا) الثانية في جواب القسم كما في المجموعة (د)، كما حذفت في قوله تعالى: {تالله تفتأ تذكر يوسف} فلو كانت (لا) الثانية توكيدا ما جاز حذفها لأن حذف المؤكد لا يجوز وقد اختلفوا في حذف المؤكد.
4- (لا) الأولى على أن مكانها بعد القسم كما يرى الأستاذ تكون جوابا للقسم فقدم جزء من جواب القسم على القسم، وما أظن أن لذلك نظير في كلام العرب الذي يبعدنا عن هذه الإشكالات ويصحح المعنى ويرضي الصناعة أن تكون (لا) نافية لفعل محذوف يدل عليه الفعل المذكور، والأصل: فلا يؤمنون ثم أكد بالقسم بعد ذلك، وقد وقفت على هذا في كلام كمال الدين الأنباري قال في كتابه [البيان في غريب إعراب القرآن: 1/ 258]: «تقديره فلا يؤمنون وربك لا يؤمنون فأخبر أولا وكرره بالقسم ثانيا فاستغنى بذكر الفعل في الثاني عن ذكره في الأول».
والناظر في «كتاب أيمان العرب في الجاهلية» يجد (لا) قبل القسم في أيمان كثيرة وقد حذف جوابها نذكر طرفا منها:
لا والذي يراني من فوق سبعة أرقعه أي سبع سموات [ص15].
لا والذي شق الرجال للخيل، والجبال للسيل [ص16].
لا والذي شقهن خمسا من واحدة، أي الأصابع [ص16].
لا والذي وجهي زقم بيته، أي نحو بيته [ص16].
لا والذي لا يواريني منه خمر، لا والذي لا يواريني منه غيب [ص16].
لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة [ص19].
لا والذي سمك السماء [ص19].
لا وفالق الإصباح، وباعث الأرواح [ص19].
لا ومجرى الرياح لا ومنزل القطر لا ومجرى البحر ولا منشىء السحاب [ ص20-21]
لا والذي سجد له النجم والشجر. لا والذي حجت له العمائر.
لا والذي يرصدني أني [ص22]
لا ورب الشمس والقمر لا ورب البيت والحجر لا والذي أخرج الماء في الحجر. والنار من الشجر. لا ورب النور والظلام. لا ورب الحل والحرام [ص22].
لا والذي يراني ولا أراه [ص26].
لا والسماء لا والماء لا والطارقات. لا والسابحات [ص23].
وفي [البحر المحيط: 8/ 477] : «لا والقمر الطاحي، أي المشرق المرتفع».
جواب هذه الأقسام محذوف، وهو جملة منفية، لا مثبتة ويصح هنا أن تكون (لا) نفيا لكلام سابق دل عليه السياق أي لا أفعل ونحوه، أو لا يكون هذا.