دراسة («لا» الناهية) في القرآن الكريم
1- استعمال (لا) في نهي المخاطب يزيد كثيرا عن استعمالها في نهي الغائب في القرآن. في [المقتضب: 2/ 134]: «فأما حرف النهي فهو (لا) وهو يقع على فعل الشاهد والغائب، وذلك كقولك: لا يقم زيد، ولا تقم يا رجل».
وقال [الرضى: 2/ 235]: «و(لا) لنهي تجيء للمخاطب والغائب على السواء، ولا تختص بالغائب كاللام». [المغني: 1/ 199].
2- جاءت (لا) لنهي المتكلم في قراءة شاذة في قوله تعالى:
{ولا نكتم شهادة الله} [5: 106] .
قرأ الحسن والشعبي: {ولا نكتم} بجزم الميم نهيا أنفسهما عن كتمان الشهادة.
ودخول (لا) الناهية على المتكلم قليل، نحو قوله:
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد = لها أبدا ما دام فيها الجراضم
[البحر: 4/ 44].
وفي [المغني: 1/ 199]: «وهذا النوع مما أقيم فيه المسبب مقام السبب.
والأصل: لا تكن هنا فأراك.
وقال [الرضى: 2/ 235] : «وقد جاء في المتكلم قليلاً، وذلك كقولهم: لا أرينك هاهنا، لأن المنهي في الحقيقة هو المخاطب، أي لا تكن هاهنا حتى لا أراك».
3- تستعمل (لا) الناهية في الدعاء كثيرًا. في [سيبويه: 1/ 408]: «واعلم أن هذه اللام، و(لا) في الدعاء بمنزلتهما في الأمر والنهي، وذلك كقولك: لا يقطع الله يمينك، وليجزيك الله خيرًا.
وفي [المقتضب: 2/ 44]: «والدعاء يجري مجرى الأمر والنهي، وإنما سمي هذا أمرًا أو نهيا، وقيل للآخر: طلب المعنى فأما اللفظ فواحد، وذلك قولك في الطلب:
اللهم اغفر لي، ولا يقطع الله يد زيد، وليغفر الله لخالد».
جاءت (لا) الناهية في الدعاء في هذه المواضع:
1- {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [2: 286].
2- {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} [3: 8]
3- {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين] [7: 47].
4- {ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين} [10: 85].
5- {ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا} [60: 5].
6- {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} [71: 26].
7- {رب لا تذرني فردا} [21: 89].
8- {رب فلا تجعلني في القوم الظالمين} [23: 94].
9- {ربنا ولا تحمل علينا إصرا} [22: 286].
10- {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} [2: 286].
11- {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة} [3: 194].
12- {فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين} [7: 150].
13- {ولا تجعل في قلوبنا إلا للذين آمنوا} [59: 10].
4- قد يتوجه النهي في اللفظ إلى شيء ويكون المراد نهي المخاطب على طريق المجاز، من باب ذكر المسبب وإرادة السبب:
1- {يا بني آدم لا يفتنكم الشيطان} [7: 27].
نهي للشيطان، والمعنى نهيهم أنفسهم عن الإصغاء إلى الشيطان، كما قالوا: لا أرينك هاهنا، ومعناه النهي عن الإقامة بحيث يراه. [البحر: 4/ 283].[ العكبري: 151].
2- {ولا يصدنكم الشيطان} [43: 62].
3- {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده} [27: 18]
نهت غير النمل والمراد نهي النمل، أي لا تظهروا بأرض الوادي فيحطمكم، فهو من باب: لا أرينك هاهنا. [البحر: 7/ 61-62].
4- {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} [3: 8].
قرئ {لا تزغ قلوبنا} من زاغ، وظاهره نهي القلوب عن الزيغ، وإنما هو من باب: لا أرينك هاهنا، لا أعرفن ربربا حورا مدامعها... أي لا تزغنا فتزيغ قلوبنا. [البحر: 2/ 386].
5- {فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه} [20: 16].
في [الكشاف: 2/ 430]: «فإن قلت: العبارة لنهي من لا يؤمن عند صد موسى، والمقصود نهي موسى عن التكذيب بالبعث أو أمره التصديق فكيف صلحت هذه العبارة لأداء هذا المقصود؟
قلت: فيه وجهان: أحدهما: أن صد الكافر عن التصديق بها سبب للتكذيب، فذكر السبب ليدل على المسبب. والثاني: أن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين، ولين شكيمته، فذكر المسبب ليدل على السبب، كقولهم: لا أرينك هاهنا، المراد نهيه عن مشاهدته، والكون بحضرته، وذلك بسبب رؤيته إياه، فكان ذكر المسبب دليلاً على السبب، كأنه قيل: فكن شديد الشكيمة صليب المعجم، حتى لا يتلوح منك لمن يكفر بالبعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه». [البحر: 6/ 233].
5- كثر في القرآن النهي عن الكون على صفة من الصفات، وهو أبلغ من النهي عن تلك الصفة.
في [البحر: 1/ 436-437]: « {فلا تكونن من الممترين} نهى أن يكون منهم، والنهي عن كونه منهم أبلغ من النهي عن نفس الفعل، كقولك: لا تكن ظالما نهي عن الكون بهذه الصفة، والنهي عن الكون على صفة أبلغ من النهي عن تلك الصفة، إذ النهي عن الكون على صفة يدل بالوضع على عموم الأكوان المستقبلة على تلك الصفة، ويلزم من ذلك عموم تلك الصفة والنهي عن الصفة يدل بالوضع على عموم تلك الصفة. وفرق بين ما يدل على عموم ويستلزم عموما وبين ما يدل على عموم فقط، فلذلك كان أبلغ، ولذلك كثر النهي عن الكون... والكينونة في الحقيقة ليست متعلق النهي، والمعنى: لا تظلم في كل أكوانك، أي في كل فرد فرد من أكوانك، فلا يمر بك وقت يوجد فيه منك ظلم، فتصير (كان) فيه نصا على سائر الأكوان، بخلاف لا تظلم».
1- {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} [2: 147].
2- {الحق من ربك فلا تكن من الممترين} [3: 60].
3- {يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين} [6: 114].
4- {لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} [10: 94].
5- {فلا تك في مرية منه} [11: 17].
6- {فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء} [11: 109].
7- {قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين} [15: 55].
8- {فلا تكونن ظهيرا للكافرين} [28: 86].
9- {ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه} [32: 23].
10- {ولا تكونن من المشركين} [6: 14].
11- {ولا تكن من الغافلين} [7: 205].
12- {فلا تكونن من الممترين} [10: 94].
13- {ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله} [10: 95].
14- {ولا تكونن من المشركين} [10: 105].
15- {اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} [11: 42].
16- {ولا تك في ضيق مما يمكرون} [16: 127].
17- {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين} [26: 181].
18- {ولا تكن في ضيق مما يمكرون} [27: 70].
19- {ولا تكونن من المشركين} [28: 87].
20- {وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} [30: 31].
21- {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين} [6: 35].
وانظر [الشفاء للقاضي عياض: 2/ 99-100].
ونظير ذلك قوله تعالى:
1- {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [2: 132].
2- {اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [3: 102].
في [الكشاف :1/ 95]: «معناه: فلا يكن موتكم إلا على حال كونكم ثابتين على الإسلام، فالنهي في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الإسلام إذا ماتوا، كقولك: لا تصل إلا وأنت خاشع، فلا تنهاه عن الصلاة، ولكن عن ترك الخشوع في حال صلاته.
فإن قلت: فأي نكتة في إدخال حرف النهي على الصلاة وليس بمنهي عنها؟ قلت: النكتة فيه إظهار أن الصلاة التي لا خشوع فيها كلا صلاة، فكأنه قال: أنهاك عنها إذا لم تصلها على هذه الحال». انظر [القرطبي: 2/ 136]، [البحر: 1/ 399].
6- النهي عن قربان فعل الشيء أبلغ من النهي عن فعله، وجاء ذلك في القرآن كثيرًا:
1- {ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} [4: 43].
2- {تلك حدود الله فلا تقربوها} [2: 187].
3- {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [9: 28].
4- {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} [2: 222].
5- {ولا تقربا هذه الشجرة} [2: 35، 7: 19].
6- {ولا تقربوا الفواحش} [6: 151].
7- {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [6: 152، 17: 34].
8- {ولا تقربوا الزنى} [17: 32].
7- في آيات كثيرة توجه النهي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمقصود بهذا النهي هم أمته عليه السلام، لأنه معصوم من ملابسة هذه الأفعال:
1- {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} [3: 196].
[البحر: 3/ 146-147].
2- {لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر} [22: 67].
3- {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [9: 28].
4- {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} [2: 222].
5- {ولا تقربا هذه الشجرة} [2: 35، 7: 19].
6- {ولا تقربوا الفواحش} [6: 151].
7- {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [6: 152، 17: 34].
8- {ولا تقربوا الزنى} [17: 32].
7- في آيات كثيرة توجه النهي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمقصود بهذا النهي هم أمته عليه السلام، لأنه معصوم من ملابسة هذه الأفعال:
1- {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} [3: 196].
[البحر: 3/ 146-147].
2- {لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر} [22: 67].
[الكشاف: 3/ 39]، [البحر: 6/ 387].
3- {فلا تطع الكافرين} [25: 52].
[الكشاف: 3/ 101].
4- {فلا تدع مع الله إلها آخر} [26: 213].
[الكشاف: 3/ 129]، [القرطبي: 12/ 142]، [البحر: 7/ 46].
5- {فلا تطع المكذبين} [68: 8].
[الكشاف: 4/ 127]، [البحر: 8/ 309].
6- {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك} [10: 106].
7- {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} [14: 42].
8- {ولا تجعل مع الله إلها آخر} [17: 39].
8- في بعض الآيات تحتمل (لا) أن تكون ناهية، وأن تكون نافية:
1- {اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أنداد} [2: 21-22].
{فلا تجعلوا} جواب الأمر (اعبدوا) أو جواب الترجي، فالفعل منصوب و(لا) نافية أو يكون المعنى: هو الذي جعل لكم هذه الآيات العظيمة فلا تجعلوا له أندادًا فلا ناهية.
[الكشاف: 1/ 47]، [البحر: 1/ 99-100].
2- {واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} [10: 88].
{فلا يؤمنوا} مجزوم على أنه دعاء أو منصوب على أنه جواب الأمر (اشدد) أو معطوف على (ليضلوا). [البحر: 5/ 187]، [معاني القرآن: 1/ 477-478].
[القرطبي: 8/ 375]، [العكبري: 2/ 18]، [الكشاف :2/ 201]، [البيان: 1/ 420].
3- {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} [9: 120].
{ولا يرغبوا} معطوف على (يتخلفوا) أو مجزوم و(لا) ناهية، وقيل: نفي بمعنى النهي. [البحر: 5/ 112]، [الجمل: 2/ 322].
4- {فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون} [12: 60].
{ولا تقربون} عطف على الجزاء و(لا) نافية، أو (لا) ناهية. [معاني القرآن :2/ 48]، [الكشاف: 2/ 264]، [البحر: 5/ 321].
5- {في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون} [56: 78-79].
(لا) نفي ويؤيده قراءة: (ما يمسه) نفي محض أو أريد به النهي. أو (لا) ناهية. [العكبري: 2/ 34]، [البحر: 8/ 223].
وفي بعض القراءات تحتمل (لا) أن تكون ناهية ونافية.
1- {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل} [57: 16].
(يكونوا) بالياء عطف على (تخشع) وقرىء بالتاء على سبيل الالتفات، أو تكون (لا) ناهية. [البحر: 8/ 223].
2- {لا تضار والدة بولدها} [3: 233].
قرىء {لا تضار} بضم الراء على الإخبار و(لا) نافية. وقرىء بكسر الراء وبفتحها على أن (لا) ناهية، والفعل يحتمل البناء للفاعل على حذف المفعول أي أباه والبناء للمفعول. [معاني القرآن: 1/ 149-150]، [الكشاف: 1/ 141]، [البيان: 1/ 159-160]، [البحر: 2/ 214-215].
3- {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} [17: 33].
قرىء (فلا يسرف) بضم الفاء على أنه خبر في معنى الأمر. [الكشاف: 2/ 360]، [البحر: 5/ 187].
4- {فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله} [5: 106].
قرىء (ولا نكتم) بجزم الميم نهيا أنفسهما عن كتمان الشهادة (لا) ناهية للمتكلم على القليل. [البحر: 4/ 44].
5- {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء} [3: 28].
قرىء (لا يتخذ) بالرفع [معاني القرآن: 1/ 205]، [العكبري: 1/ 73]، [البحر: 2/ 422].
9- إذا ولى (أن) الصالحة للتفسير مضارع معه (لا).
نحو أشرت إليه أن لا تفعل جاز رفعه على تقدير (لا) نافية، وجزمه على تقديرها ناهية وعليها فأن مفسرة ونصبه على تقدير (لا) نافية و(أن) مصدرية. [المغني: 1/ 32]، وذلك كهذه الآيات:
1- {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان} [36: 60].
2- {أن أدوا إلى عباد الله إني لكم رسول أمين وأن لا تعلوا على الله} [44: 18-19].
3- {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله} [60: 12].
4- {فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين} [68: 23-24].
5- {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا} [6: 151]
وانظر دراسة (أن).
10- (فلا) جاءت جواب شرط ظاهر أو مقدر وجاءت الفاء زائدة في قوله تعالى:
{لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} [3: 188].
[العكبري: 1/ 91]، [البحر: 3/ 138].
11- (ولا) الواو عاطفة ولا يجوز أن تكون واو الحال لأن جملة الحال لا تكون طلبية.
12- جاء في القرآن المضارع الخالي من نون التوكيد بعد (لا) الناهية أضعاف ما جاء مؤكدًا بنسبة 1: 10 تقريبًا.