دراسة (كلا) في القرآن الكريم
1- جاءت (كلا) في ثلاثة وثلاثين موضعا من خمس عشرة سورة كلها في النصف الثاني.
سئل جعفر بن محمد عن (كلا) لم لم تقع في النصف الأول منه؟
فقال: لأن معناها الوعيد، فلم تنزل إلا في مكة إيعادًا للكفار.
[منار الهدى في الوقف والابتدا: 17] وقيل: متى سمعت (كلا) في سورة فأحكم بأنها مكية. [المغني:1/160].
2- معنى (كلا) عند البصريين الردع والزجر. قال [سيبويه:2/212] وأما (كلا) فردع وزجر.
وأن لم يكن شيء قبل (كلا) يتوجه إليه الردع والزجر قدره الزمخشري وأبو حيان من السياق.
قال في قوله تعالى:
{علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغى} [96: 5-6] في [الكشاف:4/224]: «{كلا} ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر، لدلالة الكلام عليه». [البحر:8/493].
3- زاد الكسائي معنى آخر لكلا وهو أن تكون بمعنى حقا.
قال [الرضى:2/373]: «وإذا كانت بمعنى (حقا) جاز أن يقال: إنها اسم بنيت لكون لفظها كلفظ الحرفية.
ومناسبة معناها لمعناها... لكن النحاة حكموا بحرفيتها، إذا كانت بمعنى حقا لما فهموا من أن المقصود تحقيق الجملة كالمقصود بإن يخرجها ذلك عن الحرفية».
وفي [المغني:1/161]: «وأما قوله مكي إن (كلا) على رأي الكسائي اسم إذا كانت بمعنى (حقا) فبعيد لأن اشتراك اللفظ بين الحرفية والاسمية قليل ومخالف للأصل».
وفي [المغني:1/161]: «لا يتأتى قول الكسائي في نحو: {كلا إن كتاب الأبرار} {كلا إن كتاب الفجار} {كلا إنهم عن ربهم يومئذ المحجوبون} لأنها تكسر بعد (ألا) ولا تكسر بعد (حقا)».
4- زاد الفراء والنضر بن شميل أن تكون (كلا) حرف جواب كأي ونعم وتسعمل مع القسم. [ابن يعيش:9/161]، [البحر:6/197].
5- قال أبو حاتم السجستاني: تكون (كلا) على ضربين: على معنى الرد للأول بمعنى (لا).
وعلى معنى (ألا) التي للتنبيه يستفتح بها الكلام. [ابن يعيش:9/16].
واقتصر في [المغني:1/161] على الثاني وقال عنه: «هو أكثر اطرادا...».
6- قال ثعلب: (كلا) في القرآن بمعنى الرد مركبة من كاف التشبيه، و(لا) النافية. [المغني:1/160].
ورد دعوى التركيب أحمد بن فارس في مقالة (كلا) ص10.
قال [ثعلب في مجالسه: 324]: «وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {تظن أن يفعل بها فاقرة} قال: الفاقرة. الداهية... و(كلا) في القرآن كله (للرد أي ليس الأمر كما يقولون الأمر كما أقوله أنا».
وفي اللسان «(كل): ابن بري: قد تأتي بمعنى (لا) كقول الجعدي:
فقلنا لهم خلوا النساء لأهلها = فقالوا لنا: كلا فقلنا لهم: بلى
فكلاهما ها بمعنى (لا) بدليل قوله: فقلنا لهم: بلى (وبلى) لا تأتي إلا بعد نفي وعلى هذا يحمل قوله: {فيقول ربي أهانن. كلا}».
7- قال الزجاج: «{كلا} حرف ردع وزجر وتنبيه وذلك قولك لمن قال شيئًا تنكره نحو: فلان يبغضك وشبهه: كلا، أي ارتدع عن هذا وتنبه عن الخطأ فيه المفصل. [ابن يعيش:9/16].
8- لأحمد بن فارس رسالة مطبوعة سنة 1344هـ بتحقيق العلامة الميمني سماها: مقالة (كلا) قال في صفحة 7-8: «(كلا) تقع في تصريف الكلام على أربعة أوجه:
أولها الرد. والثاني: الردع. والثالث: صلة اليمين، وافتتاح الكلام بها كألا. والوجه الرابع: التحقيق لما بعده من الأخبار».
وقال في ص17: «فإن سأل سائل عن (كلا) فقل: هي في كتاب الله على أربعة أوجه يجمعها وجهان: رد وردع، وهما متقاربان وتحقيق وصلة يمين وهما متقاربان».
9- في [مفردات الراغب: 456]: «(كلا) ردع وزجر وإبطال لقول القائل وذلك نقيض (إي) في الإثبات».
10- مما يقوم مقام القسم (كلا) إذا لم يكن ردعا نحو: {كلا لينبذن}. [الرضى:2/317].
11- الوقف على (كلا) جائز عند سيبويه والخليل الوقف عليها والابتداء بها. [المغني:1/160].
ثعلب: لا يوقف عليها في جميع القرآن، لأنها جواب والفائدة بما بعدها.
وقال بعضهم: يوقف عليها إلا في {كلا والقمر}.
والحق أنها تكون ردا لكلام قبلها بمعنى (لا) فيحسن الوقف عليها وتكون تنبيه كألا، فلا يحسن الوقف عليها. [ابن يعيش:9/16].
في [مقالة (كلا): 10-17]: «كالرد هو الذي يوقف عليه». وفي [الجمل تفصيل:3/77].
في كتاب (منار الهدى في بيان الوقف والابتداء) للأشموني ص17 «حاصل الكلام على (كلا) أن فيها أربعة أقوال: يوقف عليها في جميع القرآن لا يوقف عليها في جميعه.
لا يوقف عليها إذا كان قبلها رأس آية: الرابع: إن كانت للردع والزجر وقف عليها. وإلا فلا».
وانظر ص203 من هذا الكتاب.
12- قرىء في قوله تعالى: {كلا سيكفرون بعبادته} [19: 82] بتنوين (كلا).
قال أبو الفتح في [المحتسب:2/45]: «ينبغي أن تكون (كلا) هذه مصدرًا كقولك: كل السيف كلا فهو إذا منصوب بفعل مضمر فكأنه لما قاله سبحانه: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا} قال الله سبحانه رادًا عليهم {كلا} أي كل هذا الرأي والاعتقاد كلا ورأوا منا رأيا كلا.
كما يقال ضعفا لهذا الرأي وفيالة فتم الكلام ثم قال تعالى مستأنفًا القول: {سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا}.
والوقف إذا على {عزا} ثم استأنف فقال: كل رأيهم كلا، ووقف ثم قال من بعد: {سيكفرون}.
فهناك إذا وقفان: أحدهما {عزا} والآخر {كلا} من حيث كان منصوبًا بفعل مضمر، لا من حيث كان زجرا وردا وردعا».
وانظر [البحر:6/213-214].
قرىء بالتنوين أيضًا في قوله تعالى: {كلا سنكتب ما يقول} [19: 79].
في [العكبري:2/62]: «ويقرأ بالتنوين (كلا) وفيه وجهان:
أحدهما: هي مصدر كل، أي أعيا، أي كلوا في دعواهم وانقطعوا.
والثاني: هي بمعنى الثقل، أي احملوا كلا. ويقرأ بضم الكاف والتنوين. وهو حال أي سيكفرون جميعا وفيه بعد».
ذكرنا أن سيبويه منع أن تقع كل و(بعض) حالين لأنهما معارف بنية الإضافة.
وفي [البحر:6/214]: «وحكى عن أبي نهيك أبو عمرو الداني (كلا) بضم الكاف والتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه {سيكفرون}. تقديره: يرفضون أو يتركون أو يجحدون».