العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:16 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة الفرقان

التفسير اللغوي لسورة الفرقان

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 09:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 20]

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}


تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {تبارك} [الفرقان: 1] وهو من باب البركة كقوله: تعالى، ارتفع.
قوله: {الّذي نزّل الفرقان} [الفرقان: 1] قال قتادة: وهو القرآن.
وفرقانه حلاله وحرامه.
{على عبده} [الفرقان: 1] محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{ليكون للعالمين} [الفرقان: 1] يعني الإنس والجنّ.
تفسير السّدّيّ.
{نذيرًا} [الفرقان: 1] ينذرهم النّار وعذاب الدّنيا قبل عذاب النّار في الآخرة إن لم يؤمنوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/468]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(قوله: {تبارك...}:

هو من البركة. وهو في العربيّة كقولك تقدّس ربّنا. البركة والتقدّس العظمة وهما بعد سواء). [معاني القرآن: 2/262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تبارك} من البركة). [تفسير غريب القرآن: 310]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}
(تبارك) معناه تفاعل من البركة، كذلك يقول أهل اللغة، وكذلك روي عن ابن عباس، ومعنى البركة الكثرة في كل ذي خير.
والفرقان القرآن، يسمى فرقانا لأنه فرّق به بين الحق والباطل.
وقوله: {ليكون للعالمين نذيرا}.
" النذير " المخوف من عذاب الله، وكل من خوّف فقد أنذر.
قال الله - عز وجل - (فأنذرتكم نارا تلظّى). [معاني القرآن: 4/57]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز تبارك: {الذي نزل الفرقان على عبده}
وقرأ عبد الله بن الزبير (على عباده) تبارك تفاعل من البركة وهي حلول الخير
ومنه فلان مبارك أي الخير يحل بحلوله مشتق من البرك والبركة وهما المصدر
و الفرقان القرآن لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر
و النذير المخوف عذاب الله تبارك وتعالى وكل مخوف نذير ومنذر). [معاني القرآن: 5/7-8]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تبارك} أي: تعالى). [ياقوتة الصراط: 381]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَبَارَكَ}: من البركة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 171]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَبَارَكَ}: من البركة). [العمدة في غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {الّذي له ملك السّموات والأرض ولم يتّخذ ولدًا ولم يكن له شريكٌ في الملك وخلق كلّ شيءٍ فقدّره تقديرًا} [الفرقان: 2] حدّثني عبد القدّوس بن مسلمٍ، عن أبي الصّهباء، عن سعيد بن جبيرٍ، عن عليٍّ قال: كلّ شيءٍ بقدرٍ حتّى هذه، ووضع طرف إصبعه السّبّابة على طرف لسانه، ثمّ وضعها على ظفر إبهامه اليسرى). [تفسير القرآن العظيم: 1/468]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {الّذي له ملك السّماوات والأرض ولم يتّخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا}

{وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا}
خلق الله الحيوان وقدر له ما يصلحه ويقيمه، وقدّر جميع ذلك لخلقه بحكمة وتقدير). [معاني القرآن: 4/57]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وخلق كل شيء فقدره تقديرا}
أي قدره لكل شيء ما يصلحه ويقوم به). [معاني القرآن: 5/8]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واتّخذوا من دونه} [الفرقان: 3] من دون اللّه.
{آلهةً} [الفرقان: 3] يعني الأوثان.
{لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون} [الفرقان: 3] يصنعونها بأيديهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/468]
وقال سعيدٌ عن قتادة في قوله: {أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95] يعني أصنامهم الّتي عملوا بأيديهم {واللّه خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96] بأيديكم.
وقال السّدّيّ: {وهم يخلقون} [الفرقان: 3] يعني: وهم يصوّرون.
قوله: {ولا يملكون لأنفسهم} [الفرقان: 3] يعني الأوثان.
{ضرًّا ولا نفعًا ولا يملكون موتًا} [الفرقان: 3] أي: لا يميتون أحدًا.
{ولا حياةً} [الفرقان: 3] أي: ولا يحيون أحدًا.
{ولا نشورًا} [الفرقان: 3] قال قتادة: أي: ولا بعثًا.
لا يملكون شيئًا من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/469]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
(" ولا حياةً ولا نشوراً " مصدر نشر الميت نشوراً وهو أن يبعث ويحيا بعد الموت، قال الأعشى:

حتى يقول الناس مما رأوا=يا عجبا للميّت الناشر).
[مجاز القرآن: 2/70]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و(النّشور): الحياة بعد الموت.
{افتراه}: تخرّضه). [تفسير غريب القرآن: 310]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا}
يقال أنشر الله الموتى فنشروا). [معاني القرآن: 5/8]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (النُشُور): البعث). [العمدة في غريب القرآن: 222]


تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقال الّذين كفروا إن هذا} [الفرقان: 4] يعنون القرآن.
قوله: {إلا إفكٌ} [الفرقان: 4] قال قتادة: إلا كذبٌ.
{افتراه} [الفرقان: 4] يعنون محمّدًا.
{وأعانه عليه} [الفرقان: 4] على القرآن.
{قومٌ آخرون} [الفرقان: 4] يهود، في تفسير مجاهدٍ.
وقال الحسن: يعنون عبد ابن الحضرميّ.
وقال الكلبيّ: عبد ابن الحضرميّ، وعدّاسٌ غلام عتبة.
قال اللّه: {فقد جاءوا} [الفرقان: 4] قال قتادة: فقد أتوا.
{ظلمًا} [الفرقان: 4] إثمًا وشركًا.
{وزورًا} [الفرقان: 4] كذبًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/469]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
(" إن هذا إلاّ إفكٌ افتراه " الإفك البهتان وأسوأ الكذب، افتراه أي اختلقه واخترعه من عنده).
[مجاز القرآن: 2/70]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {وقال الّذين كفروا إن هذا إلّا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا}
" الإفك " الكذب.
{وأعانه عليه قوم آخرون} يعنون اليهود.
{فقد جاءوا ظلما وزورا} والزّور: الكذب، ونصب (فظلما وزورا) على: فقد جاءوا بظلم وزور، فلما سقطت الباء أفضى الفعل فنصب). [معاني القرآن: 4/57-58]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه}
قال مجاهد وقتادة إفك أي كذب
ثم قال تعالى: {وأعانه عليه قوم آخرون}
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال اليهود
ثم قال جل وعز: {فقد جاءوا ظلما وزورا}
قال مجاهد أي كذبا
قال أبو جعفر والتقدير فقد جاءوا بظلم وزور). [معاني القرآن: 5/9]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وقالوا أساطير الأوّلين} [الفرقان: 5] قال قتادة: أحاديث الأوّلين، أي: كذب الأوّلين وباطلهم.
{اكتتبها} [الفرقان: 5] يقول: اكتتبها محمّدٌ.
كتب الأساطير من عبد ابن الحضرميّ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/469]
وقال الكلبيّ: وعدّاسٍ غلام عتبة.
{فهي تملى عليه} [الفرقان: 5] على محمّدٍ.
{بكرةً وأصيلا} [الفرقان: 5] والأصيل: العشيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/470]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {فهي تملي عليه} أي تقرأ عليه وهي من أمليته عليه، وهي في موضع أخر أمللت عليه).
[مجاز القرآن: 2/70]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تملى عليه}: أي تقرأ عليه. يقال أمليت وأمللت). [غريب القرآن وتفسيره: 276]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا}
خبر ابتداء محذوف، المعنى وقالوا: الذي كتابه أساطير الأولين.
معناه مما سطره الأولون، وواحد الأساطير أسطورة، كما تقول أحدوثة وأحاديث.
وقوله عزّ وجلّ: (فهي تملى عليه بكرة وأصيلا).
الأصيل العشيّ). [معاني القرآن: 4/58]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا}
قال مجاهد أي أحاديث الأولين
قال قتادة وأصيلا أي عشيا). [معاني القرآن: 5/9]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تُمْلَى عَلَيْهِ}: تقرأ عليه). [العمدة في غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {قل أنزله} [الفرقان: 6] أنزل القرآن.
{الّذي يعلم السّرّ في السّموات والأرض إنّه كان غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 6] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/470]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقالوا مال هذا الرّسول} [الفرقان: 7] فيما يدّعي أنّه رسولٌ.
{يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق لولا} [الفرقان: 7] هلا.
{أنزل إليه ملكٌ فيكون معه نذيرًا} [الفرقان: 7] فيصدّقه بمقالته). [تفسير القرآن العظيم: 1/470]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لولا أنزل إليه ملكٌ فيكون معه...}

جواب بالفاء لأن (لولا) بمنزلة هلاّ). [معاني القرآن: 2/262]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقالوا مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا}
(ما) منفصلة من اللام، المعنى أي شيء لهذا الرسول في حال أكله الطعام ومشيه في الأسواق.
التمسوا أن يكون الرسول على غير بنية الآدميين.
والواجب أن يكون الرسول إلى الآدميين آدميّا ليكون أقرب إلى الفهم عنه.
وقوله: {لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا}.
طلبوا أن يكون في النبوة شركة، وأن يكون الشريك ملكا، واللّه عز وجل يقول: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} أي لم يكن ليفهمهم حتى يكون رجلا،
ومعنى لولا: هلّا وتأويل هلّا الاستفهام، وانتصب فيكون على الجواب بالفاء للاستفهام). [معاني القرآن: 4/58]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق}
أي أي شيء له آكلا وماشيا
ثم طلبوا أن يكون معه ملك شريكا فقالوا لولا أنزل إليه ملك وقد قال عز وجل: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون}
أي لو أنزلنا ملكا لم يكونوا يفهمون عنه حتى يكون رجلا وإذا كان رجلا لم يؤمنوا أيضا إلا بتأويل). [معاني القرآن: 5/10-9]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({أو يلقى إليه كنزٌ} [الفرقان: 8] فإنّه فقيرٌ.
{أو تكون له جنّةٌ يأكل منها} [الفرقان: 8] وبعض الكوفيّين يقرأها: نأكل منها.
{وقال الظّالمون} [الفرقان: 8] المشركون، يعنيهم.
{إن تتّبعون إلا رجلا مسحورًا} [الفرقان: 8] قال الكلبيّ: بلغني أنّ أبا سفيان بن حربٍ، وأبا جهل بن هشامٍ، وعتبة بن ربيعة في رهطٍ من قريشٍ، قاموا من المسجد إلى دارٍ في أصل الصّفا فيها نبيّ اللّه يصلّي فاستمعوا.
فلمّا فرغ نبيّ اللّه من صلاته، قال أبو سفيان: يا أبا الوليد، لعتبة أنشدك باللّه، أتعرف شيئًا ممّا يقول؟ فقال عتبة: اللّهمّ أعرف بعضًا وأنكر بعضًا.
فقال أبو جهلٍ: فأنت يا أبا سفيان، هل تعرف شيئًا ممّا يقول؟ فقال: اللّهمّ نعم.
فقال أبو سفيان لأبي جهلٍ: يا أبا الحكم، هل تعرف ممّا يقول شيئًا؟ فقال أبو جهلٍ: لا، والّذي جعلها بنيةً، يعني الكعبة، ما أعرف ممّا يقول قليلًا ولا كثيرًا و {إن تتّبعون إلا رجلا مسحورًا} [الفرقان: 8] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/470]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(قوله: {أو يلقى إليه كنزٌ أو تكون...}

له مرفوعان على الرّدّ على (لولا) كقولك في الكلام أو هلاّ يلقى إليه وقد قرئت (نأكل منها) و(يأكل بالياء والنون) ). [معاني القرآن: 2/263]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنّة يأكل منها وقال الظّالمون إن تتّبعون إلّا رجلا مسحورا}
{أو تكون له جنّة} وإن شئت أو " يكون له جنّة "، ولا يجوز النّصب في (يكون له)، لأن يكون عطف على الاستفهام، المعنى: لولا أنزل إليه ملك أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنّة، والجنة البستان فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنه لو شاء ذلك وخيرا منه لفعله، فقال:
{تبارك الّذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنّات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا}. [معاني القرآن: 4/59]

تفسير قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال} [الفرقان: 9] يعني قوله: {إن هذا إلا إفكٌ افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون} [الفرقان: 4]، وقولهم: {أساطير الأوّلين اكتتبها} [الفرقان: 5]، {مال هذا الرّسول
يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق} [الفرقان: 7] وقولهم: ساحرٌ، {شاعرٌ} [الأنبياء: 5] ومجنونٌ
[تفسير القرآن العظيم: 1/470]
وكاهنٌ {لولا أنزل إليه ملكٌ فيكون معه نذيرًا {7} أو يلقى إليه كنزٌ أو تكون له جنّةٌ يأكل منها} [الفرقان: 7-8] قال اللّه: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلا} [الفرقان: 9] يعني مخرجًا من الأمثال الّتي ضربوا لك، في تفسير مجاهدٍ.
وقال بعضهم: إلى الخير). [تفسير القرآن العظيم: 1/471]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فلا يستطيعون سبيلاً...}

يقول: لا يستطيعون في أمرك حيلةً). [معاني القرآن: 2/263]

تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {تبارك الّذي إن شاء جعل لك خيرًا من ذلك} [الفرقان: 10] ممّا قالوا، يعني المشركين، وتمنّوا له: {أو يلقى إليه كنزٌ أو تكون له جنّةٌ يأكل منها} [الفرقان: 8] أي يجعل لهم مكان ذلك خيرًا من ذلك.
{جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} [الفرقان: 10] فإنّما قالوا هم جنّةٌ واحدةٌ.
{ويجعل لك قصورًا} [الفرقان: 10] مشيّدةً في الدّنيا إن شاء.
كلّ هذا قالته قريشٌ في تفسير مجاهدٍ.
وهذا على مقرأ من لم يرفعها.
ومن قرأها بالرّفع: ويجعل لك قصورًا في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/471]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {تبارك الّذي إن شاء جعل لك...}

جزاء {ويجعل لّك قصوراً} مجزومةٌ مردودةٌ على (جعل) و(جعل) في معنى جزم، وقد تكون رفعاً وهي في ذلك مجزومةٌ لأنها لام لقيت لام فسكنت. وإن رفعتها رفعاً بيّناً فجائز (ونصبها جائز على الصّرف) ). [معاني القرآن: 2/263]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {تبارك الّذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنّات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا}
أي لو شاء لفعل أكثر ممّا قالوا، وقد عرض اللّه - عزّ وجلّ - على النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الدنيا فزهد وآثر أمر الآخرة.
فأما " يجعل " فبالجزم، المعنى إن يشأ يجعل لك جنّات، ويجعل لك قصورا ومن رفع فعلى الاستئناف، المعنى وسيجعل
لك قصورا، أي سيعطيك اللّه في الآخرة أكثر ممّا قالوا.
وقوله: (أو تكون له جنّة يأكل منها) و (يأكل منها) ). [معاني القرآن: 4/59]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار}
روى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتحها ولم يعط ذلك من قبلك ولا يعطاه أحد بعدك وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا وإن شئت جمعنا ذلك لك في الآخرة فقال يجمع لي ذلك في الآخرة
فأنزل الله عز وجل تبارك: {الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا} ). [معاني القرآن: 5/11-10]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {بل كذّبوا بالسّاعة} [الفرقان: 11] بالقيامة.
{وأعتدنا لمن كذّب بالسّاعة سعيرًا} [الفرقان: 11] اسمٌ من أسماء جهنّم). [تفسير القرآن العظيم: 1/471]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {وأعتدنا لمن كذّب بالسّاعة سعيراً} ثم جاء بعده " إذا رأتهم من مكانٍ بعيدٍ سمعوا لها تغيّظاً وزفيراً " والسعير مذكر وهو ما تسعر من سعار النار، ثم جاء بعده فعل مؤنثه مجازها أنها النار، والعرب تفعل ذلك تظهر مذكراً من سبب مؤنثةٍ ثم يؤنثون ما بعد المذكر على معنى مؤنثة.

قال المخيس:
إن تميما خلقت ملموما
فتميم رجل ثم ذهب بفعله إلى القبيلة فأنثه فقال: خلقت، ثم رجع إلى تميم فذكر فعله فقال " ملموماً " ثم عاد إلى الجماعة فقال: قوماً ترى واحدهم صهميماً ثم عاد إليه
فقال: لا راحم الناس ولا مرحوما). [مجاز القرآن: 2/71-70]

تفسير قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إذا رأتهم من مكانٍ بعيدٍ} [الفرقان: 12] مسيرة مائة سنةٍ.
{سمعوا لها تغيّظًا} [الفرقان: 12] عليهم.
{وزفيرًا} [الفرقان: 12] صوتًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/471]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {تغيّظاً وزفيراً...}

هو كتغيظ الآدميّ إذا غضب فغلى صدره وظهر في كلامه). [معاني القرآن: 2/263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سمعوا لها تغيّظاً وزفيراً} أي: تغيظا عليهم. كذلك قال المفسرون.
وقال قوم: «بل يسمعون فيها تغيظ المعذبين وزفيرهم». واعتبروا ذلك بقول اللّه جل ثناؤه: {لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ}.
واعتبر الأولون قولهم، بقوله تعالى في سورة الملك: تكاد تميّز من الغيظ. وهذا أشبه التفسيرين - إن شاء اللّه - بما أريد، لأنه قال سبحانه:
سمعوا لها، ولم يقل: سمعوا فيها، ولا منها). [تفسير غريب القرآن: 310]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال في جهنم: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} أي تنقطع غيظا عليهم كما تقول: فلان يكاد ينقدّ غيظا عليك، أي ينشق.
وقال: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}.
وروي في الحديث أنها تقول: (قَطْ قَطْ) أي حسبي). [تأويل مشكل القرآن: 113]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيّظا وزفيرا} أي: سمعوا لها غليان تغيظ). [معاني القرآن: 4/59]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا}
قيل في معنى هذا قولان:
أحدهما سمعوا لمن فيها من المعذبين تغيظا وزفيرا
واستشهد صاحب هذا القول بقوله عز وجل: {لهم فيها زفير وشهيق}
والقول الآخر أن المعنى سمعوا لها تغيظا عليهم كما قال تعالى: {تكاد تميز من الغيظ}
والقول الثاني أولى لأنه قال سمعوا لها ولم يقل سمعوا فيها ولا منها
والتقدير سمعوا لها صوت تغيظ). [معاني القرآن: 5/12-11]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}: قيل: تغيظاً عليهم. قال الله تعالى: {تكاد تميز من الغيظ}. وقيل: تغيظ المعذبين وزفيرهم،
كما قال تبارك وتعالى: {لهم فيها زفير وشهيق}، والأول أشبه بالخطاب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 171]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا ألقوا منها مكانًا ضيّقًا} [الفرقان: 13] سعيدٌ عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ عبد اللّه بن عمرٍو كان يقول: إنّ جهنّم
[تفسير القرآن العظيم: 1/471]
لتضيق على الكافر كمضيق الزّجّ على الرّمح.
قوله: {مقرّنين} [الفرقان: 13] يقرن هو وشيطانه الّذي كان يدعوه إلى الضّلالة في سلسلةٍ واحدةٍ، يلعن كلّ واحدٍ منهما صاحبه، يتبرّأ كلّ واحدٍ منهما من صاحبه.
قوله: {دعوا هنالك ثبورًا} [الفرقان: 13] قال قتادة: ويلًا وهلاكًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/472]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ثبوراً...}

الثبور مصدر، فلذلك قال {ثبوراً كثيراً} لأن المصادر لا تجمع: ألا ترى أنك تقول: قعدت قعوداً طويلاً، وضربته ضرباً كثيراً فلا تجمع. والعرب تقول: ما ثبرك عن ذا؟
أي ما صرفك عنه. وكأنهم دعوا بما فعلوا، كما يقول الرجل: واندامتاه). [معاني القرآن: 2/263]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {دعوا هنالك ثبوراً} أي هلكة وهومصدر ثبر الرجل أي هلك، قال:
إذ أجاري الشيطان في سنن الغ... يّ ومن مال ميله مثبور). [مجاز القرآن: 2/71]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {دعوا هنالك ثبوراً} أي: بالهلكة. كما يقول القائل: وا هلاكاه!). [تفسير غريب القرآن: 310]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا ألقوا منها مكانا ضيّقا مقرّنين دعوا هنالك ثبورا}
{دعوا هنالك ثبورا} في معنى " هلاكا " ونصبه على المصدر كأنهم قالوا ثبرنا ثبورا). [معاني القرآن: 4/59]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {دعوا هنالك ثبورا}
قال مجاهد والضحاك أي هلاكا
قال أبو جعفر يقال ما ثبرك عن كذا أي ما صرفك عنه
فالمثبور هو المصروف عن الخير
والمعنى يقولون واثبوراه
وروى علي بن زيد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول من يكسى حلة من جهنم إبليس فيضعها على
جبينه ويسحبها يقول واثبوراه وتتبعه ذريته يقولون واثبوراه فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا). [معاني القرآن: 5/12-13]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مقرنين}: أي مشددين في السلال والأغلال). [ياقوتة الصراط: 381]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا} [الفرقان: 14] ويلًا وهلاكًا واحدًا.
{وادعوا ثبورًا كثيرًا} [الفرقان: 14] ويلًا كثيرًا وهلاكًا طويلًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/472]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا}

أي هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة.
وقيل، ثبورا كثيرا، لأن ثبورا مصدر فهو للقليل والكثير على لفظ الواحد، كما تقول: ضربته ضربا
كثيرا، وضربته واحدا، تريد ضربته ضربا واحدا). [معاني القرآن: 4/60-59]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ثبورا} أي: هلاكا). [ياقوتة الصراط: 381]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال على الاستفهام: {قل أذلك خيرٌ أم جنّة الخلد} [الفرقان: 15] أي أنّ جنّة الخلد خيرٌ من ذلك.
{الّتي وعد المتّقون كانت لهم جزاءً ومصيرًا} [الفرقان: 15] قال قتادة: جزاءً بأعمالهم، {ومصيرًا} [الفرقان: 15] أي منزلًا ومثوًى). [تفسير القرآن العظيم: 1/472]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ: {قل أذلك خير أم جنّة الخلد الّتي وعد المتّقون كانت لهم جزاء ومصيرا}

إن قال قائل: كيف يقال: الجنّة خير من النّار، وليس في النّار خير ألبتّة، وإنما يقع التفضيل فيما دخل في صنف واحد؟ فالجنة والنار قد دخلا في باب المنازل في صنف واحد،
فلذلك قيل {أذلك خير أم جنّة الخلد}، كما قال اللّه عزّ وجلّ: (خير مستقرّا وأحسن مقيلا) ). [معاني القرآن: 4/60]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون}
وليس في ذلك خير فإنما هو على عملكم وعلى ما تفعلون). [معاني القرآن: 5/13]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({لهم فيها ما يشاءون خالدين} [الفرقان: 16] لا يموتون ولا يخرجون منها.
{كان على ربّك وعدًا مسئولا} [الفرقان: 16] سأل المؤمنون اللّه الجنّة فأعطاهم إيّاها.
وقال بعضهم: سألت الملائكة اللّه للمؤمنين الجنّة، وهي في سورة حم المؤمن: {ربّنا وأدخلهم جنّات عدنٍ الّتي وعدتهم} [غافر: 8] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/472]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كان على ربّك وعداً مّسئولاً...}

يقول: وعدهم الله الجنّة فسألوها إيّاه في الدنيا إذ قالوا {ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} يريد على ألسنة رسلك، وهو يوم القيامة غير مسئول. وقد يكون في الكلام أن تقول: لأعطينّك ألفاً وعداً مسئولاً أي هو واجبٌ لك فتسأله لأن المسئول واجب، وإن لم يسأل كالدّين). [معاني القرآن: 2/263]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربّك وعدا مسئولا}
مسؤول ذلك قول الملائكة (ربّنا وأدخلهم جنّات عدن الّتي وعدتهم ومن صلح من آبائهم) ). [معاني القرآن: 4/60]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {كان على ربك وعدا مسئولا}
قال محمد بن كعب أي يسأله وهو قول الملائكة صلى الله عليهم {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} [معاني القرآن: 5/13]
وقيل إن ذلك يراد به قولهم: {لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} ). [معاني القرآن: 5/14]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويوم نحشرهم} نجمعهم.
{وما يعبدون من دون اللّه فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء} [الفرقان: 17] على الاستفهام.
وقد علم أنّهم لم يضلّوهم.
يقوله للملائكة في تفسير الحسن.
وقال مجاهدٌ: يقوله لعيسى وعزيرٍ والملائكة.
قال يحيى: ونظير قول الحسن في هذه الآية: {ويوم يحشرهم جميعًا ثمّ يقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون {40} قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ} [سبأ: 40-41] أي: الشّياطين من الجنّ.
{أم هم ضلّوا السّبيل} [الفرقان: 17] قالت الملائكة في تفسير الحسن.
[تفسير القرآن العظيم: 1/472]
وقال مجاهدٌ: الملائكة وعيسى وعزيرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/473]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
(وقوله جل وعز: {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله}

قال مجاهد المسيح وعزيرا والملائكة). [معاني القرآن: 5/14]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قالوا سبحانك} [الفرقان: 18] ينزّهون اللّه عن ذلك.
{ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء} [الفرقان: 18] أي: لم نكن نواليهم على عبادتهم إيّانا.
وبعضهم يقرأها: {أن نتّخذ من دونك من أولياء} [الفرقان: 18] يعبدوننا من دونك.
{ولكن متّعتهم وآباءهم} [الفرقان: 18] في عيشهم في الدّنيا بغير عذابٍ.
{حتّى نسوا الذّكر} [الفرقان: 18] حتّى تركوا الذّكر لمّا جاءهم في الدّنيا.
{وكانوا قومًا بورًا} [الفرقان: 18] وقال قتادة: والبور الفاسد، يعني فساد الشّرك.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {بورًا}: هالكين). [تفسير القرآن العظيم: 1/473]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نّتّخذ من دونك من أولياء...}

قالت الأصنام: ما كان لنا أن نعبد غيرك فكيف ندعو إلى عبادتنا! ثم قالت: ولكنك يا ربّ متّتعهم بالأموال والأولاد حتّى نسوا ذكرك. فقال الله للآدميين {فقد كذّبوكم}
يقول: {كذّبتكم الآلهة بما تقولون} وتقرأ (بما يقولون) بالياء (والتّاء) فمن قرأ بالتّاء فهو كقولك كذّبك يكذّبك. ومن قرأ بالياء قال: كذّبوكم بقولهم. والقراء مجتمعة على نصب النون في (نتّخذ) إلا أبا جعفر المدنيّ فإنه قرأ (أن نتّخذ) بضم النون {من دونك} فلو لم تكن في الأولياء (من) كان وجهاً جيّداً، وهو على (شذوذه و) قلّة من قرأ به قد يجوز على أن يجعل الاسم في {من أولياء} وإن كانت قد وقعت في موقع الفعل وإنما آثرت قول الجماعة لأن العرب إنما تدخل (من) في الأسماء لا في الأخبار؛ ألا ترى أنهم يقولون: ما أخذت من شيء وما عندي من شيء، ولا يقولون ما رأيت عبد الله من رجل. ولو أرادوا ما رأيت من رجل عبد الله فجعلوا عبد الله هو الفعل جاز ذلك. وهو مذهب أبي جعفر المدنيّ.
وقوله: {قوماً بوراً} والبور مصدر واحد وجمع؛ والبائر الذي لا شيء فيه. تقول: أصبحت منازلهم بوراً أي لا شيء فيها. فكذلك أعمال الكفار باطل. ويقال: رجل بور وقوم بور). [معاني القرآن: 2/264-263]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" ما كان ينبغي لنا " مجازه ما يكون لنا و " كان " من حروف الزوائد هاهنا قال ابن أحمر:

ما أمّ غفر على دعجاء ذي علق=ينفي القراميد عنها الأعصم الوقل
في رأس خلقاء من عنقاء مشرفة= لا ينبغي دونها سهلٌ ولا جبل
وقلٌ ووقل وندس وندس وحدث وحدث وفرد وفرد، والغفر ولد الوعل الصغير، والدعجاء: اسم هضبة وذو علق جبلٌ، والقراميد أولاد الوعول واحدها قرمود، والقراهيد الصغار أيضاً: الأعصم الذي بإحدى يديه بياض. والوقل المتوقل في الجبال والخلقاء الملساء والعنقاء الطويلة قال أبو عبيدة: أي لا يكون سهل ولا جبل مثلها). [مجاز القرآن: 2/72-71]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولكن متّعّتهم وآباءهم} أي أنسأتهم وأخرتهم ومددت لهم). [مجاز القرآن: 2/72]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكانوا قوماً بوراً} واحدهم بائر أي هالك ومنه قولهم: نعوذ بالله من بوار الأيم، وبار الطعام وبارت السوق أي هلكت وقال عبد الله ابن الزبعري:
يا رسول المليك إنّ لساني=راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور
وقال بعضهم: رجل بور ورجلان بور ورجال بور وقوم بور، وكذلك الواحدة والثنتان والجميع من المؤنثة). [مجاز القرآن: 2/73-72]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نّتّخذ من دونك من أولياء ولكن مّتّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر وكانوا قوماً بوراً}
قال: {قوماً بوراً} جماعة "البائر" مثل "اليهود" وواحدهم "الهائد" وقال بعضهم: "هي لغة على غير واحد كما يقال "أنت بشرٌ" و"أنتم بشر"). [معاني القرآن: 3/15]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قوما بورا}: يقال بار السعر والطعام أي هلك، والبوار الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 276]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {نسوا الذّكر} يعني: القرآن.
{وكانوا قوماً بوراً} أي هلكي، وهو من «بار يبور»: إذا هلك وبطل. يقال: بار الطعام، إذا كسد. وبارت الأيّم: إذا لم يرغب فيها.
وكان رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يتعوّذ باللّه من بوار الأيّم.
قال أبو عبيدة: «يقال: رجل بور، [ورجلان بور]، وقوم بور. ولا يجمع ولا يثني». واحتج بقول الشاعر:
يا رسول المليك! إنّ لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور
وقد سمعنا [هم يقولون]: رجل بائر. ورأيناهم ربما جمعوا «فاعلا» على «فعل»، نحو عائذ وعوذ، وشارف وشرف). [تفسير غريب القرآن: 311]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء ولكن متّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر وكانوا قوما بورا}
لما سئلت الملائكة فقيل: {أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل}.
وجائز أن يكون الخطاب لعيسى والعزير.
وقرأ أبو جعفر المدني وحده: ((قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن [نتّخذ] من دونك من أولياء)، بضم النّون على ما لم يسمّ فاعله وهذه القراءة عند أكثر النحويين خطأ، وإنما كانت خطأ لأن " من " إنّما يدخل في هذا الباب في الأسماء إذا كانت مفعولة أولا، ولا تدخل على مفعول الحال، تقول ما اتخذت من أحد وليّا، ولا يجوز ما اتخذت أحدا من وليّ، لأن " من " إنّما دخلت لأنها تنفي واحدا في معنى جميع، تقول: - ما من أحد قائما، وما من رجل محبّا لما يضره.
ولا يجوز " ما رجل من محبّ ما يضره ".
ولا وجه لهذه القراءة، إلا أن الفرّاء أجازها على ضعف، وزعم أنه يجعل من أولياء هو الاسم، ويجعل الخبر ما في تتخذ كأنه يجعل على القلب، ولا وجه عندنا لهذا ألبتّة، لو جاز هذا لجاز في (فما منكم من أحد عنه حاجزين)
ما أحد عنه من حاجزين. وهذا خطأ لا وجه له فاعرفه، فإن معرفة الخطأ فيه أمثل من القراءة، والقراء كلهم يخالفون هذا منه.
ومن الغلط في قراءة الحسن: (وما تنزلت به الشياطون).
وقوله تعالى: {وكانوا قوما بورا} قيل في التفسير " هلكى "
والبائر في اللغة الفاسد، والذي لا خير فيه.
وكذلك أرض بائرة متروكة من أن يزرع فيها). [معاني القرآن: 4/61-60]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا}
قال مجاهد أي هالكين
قال أبو جعفر يقال لما هلك أو فسد أو كسد بائر ومنه بارت السوق وبارت الأيم وبور يقع للواحد والجماعة على قول أكثر النحويين
وقال بعضهم الواحد بائر والجمع بور كما يقال عائد وعود وهائد وهود). [معاني القرآن: 5/14]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (بورا) أي: هلكى). [ياقوتة الصراط: 382]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بُورًا}: أي هلكى، لا يجمع ولا يثنى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 171]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بُورًا}: فاسد). [العمدة في غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه لهم في الآخرة: {فقد كذّبوكم بما تقولون} [الفرقان: 19] حدّثني إسماعيل بن مسلمٍ قال: سألت الحسن عن قوله: {فقد كذّبوكم بما تقولون} [الفرقان: 19] فقال: {بما تقولون} [الفرقان: 19] قال: يقول للمشركين: {فقد كذّبوكم بما تقولون} [الفرقان: 19] أي إنّهم آلهةٌ.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {فقد كذّبوكم بما تقولون} [الفرقان: 19] عيسى، وعزيرٌ، والملائكة.
قال: يكذّبون المشركين بقولهم.
أي إذ جعلوهم آلهةً، فانتفوا من ذلك ونزّهوا اللّه عنهم.
وبعضهم يقرأها بالياء: بما يقولون يعني قول الملائكة في قول الحسن.
وفي قول مجاهدٍ: عيسى وعزيرٌ والملائكة.
قال: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} [الفرقان: 19] حدّثني إسماعيل بن مسلمٍ قال: سألت الحسن: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا} [الفرقان: 19] قال: لا تستطيع لهم آلهتهم صرفًا، أي من العذاب، ولا نصرًا.
[تفسير القرآن العظيم: 1/473]
قوله: {ومن يظلم منكم} [الفرقان: 19] من يشرك منكم.
{نذقه} [الفرقان: 19] نعذّبه.
{عذابًا كبيرًا} [الفرقان: 19] قال يحيى: كقوله: {إلا من تولّى وكفر {23} فيعذّبه اللّه العذاب الأكبر {24}} [الغاشية: 23-24] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/474]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) :
( {فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً ومن يظلم مّنكم نذقه عذاباً كبيراً}

وقال: {فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً} فحذف "عن الكفّار" وقد يكون ذلك عن الملائكة والدليل على وجه مخاطبة الكفار أنه قال: {ومن يظلم مّنكم} وقال بعضهم "يعني الملائكة"). [معاني القرآن: 3/15]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً}. قال يونس: الصّرف:
الحيلة من قولهم: إنه ليتصرف [أي يحتال].
فأما قولهم: «ما يقبل منه صرف ولا عدل»، فيقال: إن العدل الفريضة، والصرف النافلة. سميت صرفا: لأنها زيادة على الواجب.
وقال أبو إدريس الخولانيّ : «من طلب صرف الحديث - يبتغي به إقبال وجوه الناس إليه - لم يرح رائحة الجنة». أي طلب تحسينه بالزيادة فيه.
وفي رواية أبي صالح: «الصّرف: الدّية. والعدل: رجل مثله» كأنه يراد: لا يقبل منه أن يفتدي برجل مثله وعدله، ولا أن يصرف عن نفسه بدية.
ومنه قيل: صيرفيّ، وصرفت الدراهم بدنانير. لأنك تصرف هذا إلى هذا.
{ومن يظلم منكم} أي يكفر). [تفسير غريب القرآن: 312-311]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا}
(بما تقولون) وتقرأ (بما يقولون - بالياء والتاء - فمن قرأ بما تقولون - بالتاء - فالمعنى فقد كذبوكم بقولهم إنهم آلهة، ومن قرأ بالياء فالمعنى فقد كذّبوكم بقولهم: (سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء).
وقوله عزّ وجلّ: {فما تستطيعون صرفا ولا نصرا}.
أي ما تستطيعون أن تصرفوا عن أنفسهم ما يحل بهم من العذاب.
ولا أن ينصروا أنفسهم). [معاني القرآن: 4/61]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فقد كذبوكم بما تقولون}
أي بقولكم إنهم آلهة
وحكى الفراء أنه يقرأ فقد كذبوكم بما يقولون
قال أبو جعفر والمعنى على هذا فقد كذبوكم بقولهم: {ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء}
ثم قال تعالى: {فما يستطيعون صرفا ولا نصرا}
قال يونس الصرف الحيلة من قولهم فلان يتصرف في الأشياء أي فما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب ولا ينصروها
وقوله جل وعز: {ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا}
قال الحسن الشرك). [معاني القرآن: 5/15-14]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَرْفًا وَلَا نَصْرًا}: قيل: الصرف: الحيلة، وقيل الدية والعدل، أي يفدي نفسه برجل مثله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 171]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنّهم ليأكلون الطّعام} [الفرقان: 20] إلا أنّهم كانوا يأكلون الطّعام.
كقوله: {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام} [الأنبياء: 8] ولكن جعلناهم جسدًا يأكلون الطّعام.
قال: {ويمشون في الأسواق} [الفرقان: 20] وهذا جوابٌ للمشركين حيث قالوا: {مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق} [الفرقان: 7] قوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيرًا} [الفرقان: 20]
- أبو الأشهب عن الحسن، والمبارك عن الحسن قال: قال رسول اللّه: «ويلٌ للمالك من المملوك، ويلٌ للمملوك من المالك، ويلٌ للعالم من الجاهل، ويلٌ للجاهل من العالم، ويلٌ للغنيّ من الفقير، ويلٌ للفقير من الغنيّ، ويلٌ للشّديد من الضّعيف، ويلٌ للضّعيف من الشّديد».
قال المبارك: قال الحسن: ويلٌ لهذا المالك إذ رزقه اللّه هذا المملوك كيف لم يحسن إليه ويصبر.
ويلٌ لهذا المملوك الّذي ابتلاه اللّه فجعله لهذا المالك كيف لم يصبر ويحسن.
ويلٌ لهذا الغنيّ إذ رزقه اللّه ما لم يرزق هذا الفقير كيف لم يحسن ويصبر.
ويلٌ لهذا الفقير الّذي ابتلاه بالفقر ولم يعطه ما أعطى هذا الغنيّ كيف لم يصبر.
وبقيّة الحديث على هذا النّحو.
- وحدّثني جعفر بن برقان الجزريّ، عن ميمون بن مهران، عن أبي الدّرداء قال: ويلٌ لمن لا يعلم، مرّةً، ويلٌ لمن يعلم ثمّ لا يعمل، سبع مرّاتٍ.
قال يحيى: وبعضهم يقول: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً} [الفرقان: 20] الأنبياء وقومهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/474]
{أتصبرون} [الفرقان: 20] يعني الرّسل على ما يقول لهم قومهم.
وأخبرني صاحبٌ لي، عن الصّلت بن دينارٍ، عن الحسن، وأظنّني قد سمعته من الصّلت مثل حديث أبي الأشهب والمبارك عن الحسن، وقال: هو قوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون} [الفرقان: 20] وحدّثني أبو الأشهب، عن الحسن قال: لمّا عرض على آدم ذرّيّته فرأى فضل بعضهم على بعضٍ قال: يا ربّ ألا سوّيت بينهم؟ : قال: يا آدم إنّي أحبّ أن أشكر ليرى ذو الفضل فضله فيحمدني
ويشكرني). [تفسير القرآن العظيم: 1/475]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إلاّ إنّهم ليأكلون الطّعام...}

(ليأكلون) صلة لاسم متروك اكتفى بمن المرسلين منه؛ كقيلك في الكلام: ما بعثت إليك من الناس إلا من إنه ليطيعك، ألا ترى أن (إنه ليطيعك) صلة لمن. وجاز ضميرها كما قال {وما منّا إلا له مقام معلومٌ} معناه - والله أعلم - إلا من له مقام وكذلك قوله: {وإن منكم إلاّ واردها} ما منكم إلا من يردها، ولو لم تكن اللام جواباً لإنّ كانت إنّ مكسورةً أيضاً، لأنها مبتدأة، إذ كانت صلةً.
وقوله: {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون} كان الشريف من قريشٍ يقول: قد أسلم هذا من قبلي - لمن هو دونه - أفأسلم بعده فتكون له السّابقة؛ فذلك افتتان بعضهم ببعضٍ. قال الله{أتصبرون} قال الفرّاء يقول: هو هذا الذي ترون). [معاني القرآن: 2/265-264]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً} يعني: الشريف للوضيع، والوضيع للشريف). [تفسير غريب القرآن: 312]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلّا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربّك بصيرا}
هذا احتجاج عليهم في قولهم: {مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق}.
فقيل لهم: كذلك كان من خلا من الرسل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، فكيف يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - بدعا من الرسل. فأمّا دخول " إنّهم " بعد " إلا " فهو على تأويل ما أرسلنا رسلا إلا هم يأكلون الطعام، وإلا أنهم ليأكلون الطعام، وحذفت رسلا لأن " من " في قوله تعالى (من المرسلين) دليل على ما حذف منه، فأمّا مثل اللام بعد " إلّا " فقول الشاعر:
ما أنطياني ولا سالتهما=إلا وإني لحاجز كرمي

يريد أعطياني، وزعم بعض النحويين أن " من " بعد إلا محذوفة، كان المعنى عنده إلا " من " ليأكلون الطعام.
وهذا خطأ بيّن، لأنّ " من " صلتها " أنّهم ليأكون "، فلا يجوز حذف الموصول وتبقية الصلة.
وقوله: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة}.
فيه قولان: قيل كان الرجل الشريف ربما أراد الإسلام فعلم أن من دونه في الشرف قد أسلم قبله فيمتنع من الإسلام لئلا يقال أسلم قبله من هو دونه،
وقيل كان الفقير يقول: لم لم أجعل بمنزلة الغنيّ، ويقول ذو البلاء: لم لم أجعل بمنزلة المعافى، نحو الأعمى والزّمن ومن أشبه هؤلاء.
وقوله تعالى: (أتصبرون وكان ربّك بصيرا) أي: أتصبرون على البلاء فقد عرفتم ما وعد الصابرون). [معاني القرآن: 4/62-63]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا}
قال قتادة فتنة أي بلاء
قال أبو جعفر الفتنة في اللغة الاختبار
والمعنى جعلنا الشريف للوضيع والوضيع للشريف فتنة
يروى أن الشريف كان يريد أن يسلم فيمنعه من ذلك أن من هو دونه قد أسلم قبله فيقول أعير بسبقه إياي
وإن بعض الزمنى والفقراء كان يقول لم لم أكن غنيا وصحيحا فأسلم
ثم قال جل وعز: {أتصبرون} أي إن صبرتم فقد عرفتم أجر الصابرين). [معاني القرآن: 5/16-15]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 09:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 21 إلى 36]

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)}


تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقال الّذين لا يرجون لقاءنا} [الفرقان: 21] وهم المشركون لا يقرّون بالبعث.
{لولا} [الفرقان: 21] هلا.
{أنزل علينا الملائكة} [الفرقان: 21] فيشهدوا أنّك رسول اللّه يا محمّد.
{أو نرى ربّنا} [الفرقان: 21] معاينةً فيخبرنا أنّك رسوله.
قال اللّه: {لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا} [الفرقان: 21] وعصوا عصيانًا كبيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/475]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لا يرجون لقاءنا...}

لا يخافون لقاءنا وهي لغة تهاميّة: يضعون الرجاء في موضع الخوف إذا كان معه جحدٌ. من ذلك قوله: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً} أي لا تخافون له عظمةً. وأنشدني بعضهم:

لا ترتجي حين تلاقي الذائدا=أسبعةً لاقت معاً أم واحداً
يريد: لا تخاف ولا تبالي. وقال لآخر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها =وحالفها في بيت نوب عوامل
يقال:نوب ونوب. ويقال: أوب وأوب من الرجوع ... والنوب ذكر النحل.
وقوله: {وعتوا عتوّاً كبيراً} جاء العتوّ بالواو لأنه مصدر مصرّح. وقال في مريم {أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّاً} فمن جعله بالواو كان مصدراً محضا. ومن جعله بالياء قال: عات وعتي فلمّا جمعوا بنى جمعهم على واحدهم. وجاز أن يكون المصدر بالياء أيضاً لأن المصدر والأسماء تتّفق في هذا المعنى: ألا ترى أنهم يقولون: قاعد وقوم قعود، وقعدت قعوداً. فلمّا استويا ها هنا في القعود لم يبالوا أن يستويا في العتو والعتيّ). [معاني القرآن: 2/265]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" وقال الذّين لا يرجون لقاءنا " مجازه لا يخافون ولا يخشون. وقال أبو ذؤيب:
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها=وحالفها في بيت نوب عوامل
ويروى خالفها بالخاء). [مجاز القرآن: 2/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقال الّذين لا يرجون لقاءنا} أي لا يخافون). [تفسير غريب القرآن: 312]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا}
معنى {لولا} هلّا.
{أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا}.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ الذين لا يوقنون بالبعث، ولا يرجون الثواب على الأعمال عند لقاء الله طلبوا من الآيات ما لم يأت أمة من الأمم.
فأعلم الله عزّ وجلّ أنهم قد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا، ويجوز عتوا كثيرا بالثاء، والعتو في اللغة المجاوزة في القدر في الظلم.
وأعلم الله - عزّ وجلّ - أن الوقت الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة، وأن الله قد حرمهم البشرى في ذلك الوقت فقال:
{يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا}. [معاني القرآن: 4/63]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم خبر أن الذين لا يؤمنون بالآخرة يقترحون من الآيات ما لم يعطه أحد فقال جل وعز: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا}
والعتو التجاوز فيما لا ينبغي). [معاني القرآن: 5/17-16]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا}: أي لا يخافون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {يوم يرون الملائكة} [الفرقان: 22] وهذا عند الموت.
{لا بشرى يومئذٍ للمجرمين} [الفرقان: 22] للمشركين، لا بشرى لهم يومئذٍ بالجنّة.
وذلك أنّ المؤمنين تبشّرهم الملائكة عند الموت بالجنّة.
قال: {إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة} [فصلت: 30] عند الموت {ألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة الّتي كنتم توعدون} [فصلت: 30] وتفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه: {يوم يرون الملائكة} [الفرقان: 22] يوم القيامة.
قال: {ويقولون حجرًا محجورًا} [الفرقان: 22] سعيدٌ عن قتادة قال: حرامًا محرّمًا على الكافر البشرى يومئذٍ.
المعلّى بن هلالٍ، عن إدريس، عن عطيّة العوفيّ قال: {حجرًا محجورًا} [الفرقان: 22] قال:
[تفسير القرآن العظيم: 1/475]
حرامًا محرّمًا.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: هو كقوله للشّيء: معاذ اللّه، أي أن يكون لهم البشرى بالجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/476]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ...}

اليوم ليس بصلة للبشرى فيكون نصبه بها. ولكنك مضمر للفاء؛ كقيلك في الكلام: أمّا اليوم فلا مال. فإذا ألقيت الفاء فأنت مضمر لمثل اليوم بعد لا. ومثله في الكلام: عندنا لا مال إن أردت لا مال عندنا فقدّمت (عندنا) لم يجز. وإن أضمرت (عندنا) ثانية بعد (لا مال) صلح؛ ألا ترى أنّك لا تقول: زيدا لا ضارب (يا هذا) كما تقول: لا ضارب زيداً.
وقوله: {ويقولون حجراً مّحجوراً} حراماً محرّماً أن يكون لهم البشرى. والحجر: الحرام، كما تقول: حجر التاجر على غلامه، وحجر على أهله. وأنشدني بعضهم:
فهممت أن ألقى إليها محجراً =ولمثلها يلقى إليه المحجر
... ألقى وإلقى من لقيت أي مثلها يركب منه المحرّم). [معاني القرآن: 2/266]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويقولون حجراً محجوراً} أي حراما محرماً،
قال المتلمس:
حنّت إلى النّخلة القصوى فقلت لها=حجرٌ حرامٌ ألا تلك الدّهاريس
وفي آية أخرى " لذي حجرٍ " أي لذي عقل ولب، ومن الحرام سمي حجر الكعبة، والأنثى من الخيل يقال لها حجرٌ). [مجاز القرآن: 2/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ويقولون حجرا محجورا}: قالوا: تقول الملائكة: حراما محرما عليكم أن تدخلوا الجنة.
والحجر ها هنا الحرام، والحجر من الخيل الأنثى. والحجر ما حجرت عليه وبه سمي حجر البيت. والحجر أيضا العقل). [غريب القرآن وتفسيره: 276]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويقولون حجراً محجوراً} أي: حراما محرّما أن تكون لهم بشرى.
وإنما قيل للحرام حجر: لأنه حجر عليه بالتحريم. يقال: حجرت حجرا. واسم ما حجرت عليه: حجر). [تفسير غريب القرآن: 312]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا}
{يوم يرون} منصوب على وجهين:
أحدهما على معنى لا بشرى تكون للمجرمين يوم يرون الملائكة.
و {يومئذ} هو مؤكد " ليوم يرون الملائكة "، ولا يجوز أن يكون منصوبا بقوله " لا بشرى " لأن ما اتصل بلا لا يعمل فيما قبلها.
ولكن لمّا قيل لا بشرى للمجرمين بيّن في أي يوم ذلك، فكأنه قيل يجمعون البشرى يوم يرون الملائكة، وهو يوم القيامة.
{ويقولون حجرا محجورا} وقرئت " حجرا " بضم الحاء " والمعنى وتقول الملائكة حجرا محجورا.
أي حراما محرما عليهم البشرى، وأصل الحجر في اللغة ما حجرت عليه أي ما منعت من أن يوصل إليه، وكل ما منعت منه فقد حجرت عليه،
وكذلك حجر القضاة على الأيتام إنما هو منع إياهم عن التصرف في أموالهم.
وكذلك الحجرة التي ينزلها الناس هو ما حوّطوا عليه.
ويجوز أن يكون " يوم " منصوبا على معنى اذكر يوم يرون الملائكة.
ثم أخبر فقال: (لا بشرى يومئذ للمجرمين) والمجرمون الذين اجترموا الذّنوب، وهم في هذا الموضع الذين اجترموا الكفر باللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 4/64-63]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا}
روى عطية عن أبي سعيد الخدري حجرا محجورا قال حراما محرما
قال الضحاك أي تقول لهم الملائكة حراما عليكم محرما أن تكون لكم البشرى اليوم يعني الكفار
قال أبو جعفر والمعنى حراما عليكم البشرى ومن هذا حجر القاضي إنما هو منعه ومن هذا حجر الإنسان).[معاني القرآن: 5/17]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {حجرا محجورا} أي: حراما محرما، أي: منعا منعا). [ياقوتة الصراط: 382]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حِجْرًا مَّحْجُورًا}: أي حراما محرما). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حِجْرًا}: حراماً
{مَّحْجُورًا}: محرماً). [العمدة في غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقدمنا} [الفرقان: 23] أي: وعمدنا في تفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه.
{إلى ما عملوا من عملٍ} [الفرقان: 23] أي حسنٍ، يعني المشركين.
{فجعلناه} [الفرقان: 23] في الآخرة.
{هباءً منثورًا} [الفرقان: 23] وهو الّذي يتناثر من الغبار الّذي يكون من أثر حوافر الدّوابّ إذا سارت.
والآية الأخرى: {فكانت هباءً منبثًّا} [الواقعة: 6] وهو الّذي يدخل البيت من الكوّة من شعاع الشّمس.
وتفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه: {هباءً منثورًا} [الفرقان: 23] هو عنده هذا). [تفسير القرآن العظيم: 1/476]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ...}

عمدنا بفتح العين: {فجعلناه هباء مّنثوراً} أي باطلا، والهباء ممدود غير مهموزٍ في الأصل يصغر هبيّ كما يصغر الكساء كسيّ. وجفاء الوادي مهموز في الأصل إن صغّرته قلت هذا جفيء. مثل جفيع ويقاس على هذين كلّ ممدود من الهمز ومن الياء ومن الواو). [معاني القرآن: 2/266]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ} مجازه وعمدنا إلى ما عملوا، قال:
فقدم الخوارج الضّلاّل=إلى عباد ربّهم فقالوا
إنّ دماءكم لنا حلال مثل الغبار إذا طلعت فيه الشمس وليس له مسٌ ولا يرى في الظل). [مجاز القرآن: 2/74-73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل}: أي عمدنا.
{هباء منثورا}: قالوا شعاع الشمس الذي يخرج من الكوة). [غريب القرآن وتفسيره: 277-276]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ} أي عمدنا إليه، {فجعلناه هباءً منثوراً}. وأصل «الهباء المنثور»: ما رأيته في الكوة،
مثل الغبار، من الشمس. واحدها: هباءة و«الهباء المنبث»: وأسطع من سنابك الخيل وهو من «الهبوة» والهبوة: الغبار). [تفسير غريب القرآن: 312]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قول الله عز وجل: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}
والفتيل: ما يكون في شقّ النّواة.
والنّقير: النّقرة في ظهرها.
ولم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه، وإنما أراد أنهم إذا حوسبوا لم يظلموا في الحساب شيئا ولا مقدار هذين التّافهين الحقيرين.
والعرب تقول: ما رزأتُه زِبَالاً. (وَالزِّبَالُ) ما تحمله النَّمْلَةُ بفَمِهَا، يريدون ما رزأته شيئاً.
وقال النابغة الذّبياني:
يجمعُ الجيش ذا الألوفِ ويغزو = ثم لا يرزأُ العدوَّ فَتيلا
وكذلك قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} وهو (الفوقة) التي فيها النّواة. يريد ما يملكون شيئا.
ومنه قوله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي قصدنا لأعمالهم وعمدنا لها.
والأصلُ أنَّ مَن أرادَ القُدوم إلى موضع عَمَدَ له وَقَصَدَه.
والهباء المنثور: ما رأيته في شُعَاعِ الشَّمس الداخلِ من كُوَّةِ البيتِ.
والهباء المنبثُّ: ما سَطَعَ مِن سَنابكِ الخيلِ.
وإنما أراد أنّا أبطلناه كما أنَّ هذا مُبطَلُ لا يُلْمَسُ ولا يُنْتَفَعُ بهِ). [تأويل مشكل القرآن: 138] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}
معنى قدمنا عمدنا وقصدنا كما تقول: قام فلان يشتم فلانا، تريد قصد إلى شتم فلان، ولا تريد قام من القيام على الرجلين.
(فجعلناه هباء منثورا) " الهباء " ما يخرج من الكوّة مع ضوء الشمس شبيها بالغبار.
وتأويله أن اللّه عزّ وجلّ أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء المنثور). [معاني القرآن: 4/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل}
قال مجاهد وقدمنا أي عمدنا
قال أبو جعفر وأصل هذا أن القادم إلى الموضع يعمد له ويقصد إليه
ثم قال جل وعز: {فجعلناه هباء منثورا}
روى أبو إسحاق عن الحارث عن علي قال الهباء المنثور شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة
قال أبو جعفر وهباء جمع هباءة فيقال لما يكون من شعاع الشمس
وهو شبيه بالغبار هباء منثور ويقال لما يطير من تحت سنابك الخيل هباء منبث وأصله من أهبأ التراب إهباء إذا أثاره كما قيل منينا كأنه أهباء). [معاني القرآن: 5/19-18]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (وقدمنا) أي: وقصدنا). [ياقوتة الصراط: 383]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الهباء المنثور): ما رأيته في ضوء الكوة مثل الغبار في الشمس. والهباء المنبث: ما طلع في سنابك الخيل من الغبار).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَقَدِمْنَا}: عمدنا). [العمدة في غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أصحاب الجنّة} [الفرقان: 24] أهل الجنّة.
{يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا} [الفرقان: 24] من مستقرّ المشركين.
{وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] منهم.
قوله: {خيرٌ مستقرًّا} [الفرقان: 24] منزلا، الجنّة يستقرّون فيها لا يخرجون منها.
ومستقرّ المشركين جهنّم لا يخرجون منها.
قال: {وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] قال قتادة: {خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] قال: مأوًى ومنزلا.
حدّثني صفوان بن محرزٍ قال: يجاء يوم القيامة برجلين كان أحدهما ملكًا في الدّنيا، إلى الحمرة والبياض، فيحاسب، فإذا عبدٌ لم يعمل خيرًا فيؤمر به إلى النّار، والآخر كان مسكينًا، أو كما قال، في الدّنيا فيحاسب فيقول: يا ربّ، ما أعطيتني من شيءٍ فتحاسبني به، فيقول: صدق عبدي، فأرسلوه، فيؤمر به إلى الجنّة.
ثمّ يتركان ما شاء اللّه.
ثمّ يدعى بصاحب النّار فإذا هو مثل الحممة السّوداء.
فيقال له: كيف وجدت مقيلك؟ فيقول: ربّ شرّ مقيلٍ.
فيقال له: عد.
ثمّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/476]
يدعى صاحب الجنّة فإذا هو مثل القمر ليلة البدر.
فيقال له: كيف وجدت مقيلك؟ فيقول: ربّ خير مقيلٍ.
فيقال له: عد.
- الخليل بن مرّة، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه: " يخرج بعد ما يستقرّ أهل الجنّة في الجنّة وأهل النّار في النّار رجلٌ من النّار ورجلٌ من الجنّة فيستنطق اللّه الرّجل الّذي يخرج من الجنّة فيقول له: كيف وجدت مقيلك؟ فيقول: يا ربّ خير مقيلٍ وخير مصيرٍ صار إليه العبد.
فيقول له ربّه: إنّ لك عندي الزّيادة والكرامة، فارجع.
ويسأل الّذي يخرج من النّار: كيف وجدت مقيلك؟ فيقول: يا ربّ شرّ مقيلٍ ومصيرٍ صار إليه العبد.
ثمّ يقول: يا ربّ يا ربّ.
فيقول له ربّه: ما تعطيني إن أخرجتك؟ فيقول: يا ربّ أعطيك ما سألتني.
فيقول: فإنّي أسألك ملء الأرض ذهبًا، فيقول: يا ربّ، لا أقدر عليه، لو قدرت عليه أعطيتك.
فيقول له: كذبت وعزّتي، قد سألتك ما هو أهون من ذلك فلم تعطنيه.
سألتك أن تسألني فأعطيك، وتدعوني فأستجيب لك، وتستغفرني فأغفر لك ".
- وحدّثني أبانٌ العطّار أنّ ابن عبّاسٍ قال: من لم يقل في الجنّة يومئذٍ فليس من أهلها.
قال يحيى: وبلغني أنّ ابن عبّاسٍ قال: إنّي لأعلم أيّ ساعةٍ يدخل أهل الجنّة الجنّة قبل نصف النّهار حين يشتهون الغداء). [تفسير القرآن العظيم: 1/477]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مّستقرّاً وأحسن مقيلاً...}

قال: بعض المحدّثين يرون أنه يفرغ من حساب الناس في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار. فذلك قوله: {خيرٌ مّستقرّاً وأحسن مقيلاً} وأهل الكلام إذا اجتمع لهم أحمق وعاقل لم يستجيزوا أن يقولوا: هذا أحمق الرّجلين ولا أعقل الرجلين، ويقولون لا نقول: هذا أعقل الرجلين إلا لعاقلين تفضّل أحدهما على صاحبه. وقد سمعت قول الله {خيرٌ مّستقرّاً} فجعل أهل الجنة خيراً مستقراً من أهل النار، وليس في مستقرّ أهل النار شيء من الخير فاعرف ذلك من خطائهم). [معاني القرآن: 2/267-266]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم اللّه عزّ وجلّ فضل أهل الجنة على أهل النار فقال:
{أصحاب الجنّة يومئذ خير مستقرّا وأحسن مقيلا}
والمقيل المقام وقت القائلة، وقيل هو النوم نصف النهار، وجاء في التفسير أن أهل الجنّة يصيرون إلى أهليهم في الجنة وقت نصف النّهار). [معاني القرآن: 4/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا}
قال أبو جعفر القول في هذا كالقول في قوله تعالى: {أذلك خير أم جنة الخلد}
والفراء يذهب إلى أنه ليس في هذا سؤال البتة
ثم قال جل وعز: {وأحسن مقيلا}
قال قتادة أي مأوى ومنزلا
قال أبو جعفر المقيل في اللغة هو المقام وقت القيلولة خاصة فقيل إن أهل الجنة ينصرفون إلى نسائهم مقدار وقت نصف النهار فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ذلك الوقت). [معاني القرآن: 5/20-19]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويوم تشقّق السّماء بالغمام} [الفرقان: 25] يجيء الغمام هذا بعد البعث، تشقّق فتراها واهيةً، متشقّقةً كقوله: {وفتحت السّماء فكانت أبوابًا} [النبأ: 19] ويكون الغمام سترةً بين السّماء والأرض.
قال: {ونزّل الملائكة تنزيلا} [الفرقان: 25] مع الرّحمن.
هو مثل قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة} [البقرة: 210].
ومثل قوله: {وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا} [الفجر: 22]
قال يحيى: وأخبرني صاحبٌ لي، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن شهر بن حوشبٍ قال: إذا كان يوم القيامة مدّت الأرض مدّ الأديم العكاظيّ، ثمّ يحشر اللّه فيها
[تفسير القرآن العظيم: 1/477]
الخلائق من الجنّ والإنس، ثمّ أخذوا مصافّهم من الأرض، ثمّ ينزل أهل السّماء الدّنيا بمثل من في الأرض وبمثلهم معهم من الجنّ والإنس، حتّى إذا كانوا على رءوس الخلائق أضاءت الأرض لوجوههم وخرّ أهل الأرض ساجدين وقالوا:
أفيكم ربّنا؟ قالوا: ليس فينا وهو آتٍ، ثمّ أخذوا مصافّهم من الأرض.
ثمّ ينزل أهل السّماء الثّانية بمثل من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة الّذين نزلوا قبلهم ومثلهم معهم، حتّى إذا كانوا مكان أصحابهم أضاءت الأرض لوجوههم وخرّ أهل الأرض ساجدين وقالوا: أفيكم ربّنا؟ قالوا ليس فينا وهو آتٍ، ثمّ أخذوا مصافّهم من الأرض.
ثمّ ينزل أهل السّماء الثّالثة بمثل من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة الّذين نزلوا قبلهم ومثلهم معهم، حتّى إذا كانوا مكان أصحابهم أضاءت الأرض لوجوههم وخرّ أهل الأرض ساجدين، وقالوا: أفيكم ربّنا؟ قالوا: ليس فينا وهو آتٍ، ثمّ ينزل أهل السّماء الرّابعة على قدرهم من التّضعيف، ثمّ ينزل أهل السّماء الخامسة على قدر ذلك من التّضعيف، ثمّ ينزل أهل السّماء
السّادسة على قدر ذلك من التّضعيف، ثمّ ينزل أهل السّماء السّابعة على قدر ذلك من التّضعيف.
ثمّ ينزل الجبّار تبارك وتعالى قال: {والملك على أرجائها ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذٍ ثمانيةٌ} [الحاقة: 17] تحمله الملائكة على كواهلها بأيدٍ وقوّةٍ وحسنٍ وجمالٍ حتّى إذا جلس على كرسيّه نادى بصوته: {لمن الملك اليوم} [غافر: 16] فلا يجيبه أحدٌ فيردّ على نفسه: {للّه الواحد القهّار {16} اليوم تجزى كلّ نفسٍ بما كسبت لا ظلم اليوم إنّ اللّه سريع الحساب {17}} [غافر: 16-17].
ثمّ أتت عنقٌ من النّار تسمع وتبصر وتكّلّم حتّى إذا أشرفت على رءوس الخلائق نادت بصوتها: ألا إنّي قد وكّلت بثلاثةٍ، ألا إنّي قد وكّلت بثلاثةٍ، ألا إنّي قد وكّلت بثلاثةٍ: بمن دعا مع اللّه إلهًا آخر، ومن دعا للّه ولدًا، ومن زعم أنّه العزيز الحكيم.
ثمّ صوّبت رأسها وسط الخلائق فالتقطتهم كما يلتقط الحمام حبّ السّمسم، ثمّ غاضت بهم فألقتهم في النّار، ثمّ عادت حتّى إذا كانت بمكانها نادت: ألا إنّي قد وكّلت بثلاثةٍ: بمن سبّ اللّه، وبمن كذب على اللّه، وبمن آذى اللّه.
فأمّا الّذي سبّ اللّه فالّذي زعم أنّه اتّخذ ولدًا وهو الواحد الصّمد {لم يلد ولم يولد {3} ولم يكن له كفوًا أحدٌ {4}} [الإخلاص: 3-4].
وأمّا الّذي كذب على اللّه فقال: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت بلى وعدًا عليه حقًّا
[تفسير القرآن العظيم: 1/478]
ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون {38} ليبيّن لهم الّذي يختلفون فيه وليعلم الّذين كفروا أنّهم كانوا كاذبين {39}} [النحل: 38-39] وأمّا الّذين آذوا اللّه فالّذين يصنعون الصّور، فتلتقطهم كما تلتقط الطّير الحبّ حتّى تغيض بهم في جهنّم). [تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ويوم تشقّق السّماء بالغمام...}

ويقرأ {تشّقّق} بالتشديد وقرأها الأعمش وعاصم (تشقّق السّماء) بتخفيف الشين فمن قرأ تشّقّق أراد تتشقق بتشديد الشين والقاف فأدغم كما قال {لا يسّمّعون إلى الملأ الأعلى} ومعناه - فيما ذكروا - تشقّق السماء (عن الغمام) الأبيض ثم تنزل فيه الملائكة وعلى وعن والياء في هذا الموضع (بمعنى واحد) لأنّ العرب تقول: رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس، يراد به معنًى واحدٌ). [معاني القرآن: 2/267]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تشقّق السّماء بالغمام} أي تتشقق عن الغمام. وهو سحاب أبيض، فيما يذكر). [تفسير غريب القرآن: 312]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : {وقوله عزّ وجلّ: (ويوم تشقّق السّماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلا}
ويقرأ (تشّقّق) بتشديد الشين والمعنى تتشقّق.
{ونزّل الملائكة تنزيلا} جاء في التفسير أنه تتشقق سماء سماء وتنزل الملائكة إلى الأرض وهو قوله {وجاء ربّك والملك صفّا صفّا} ). [معاني القرآن: 4/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ونزل الملائكة تنزيلا}
قال قتادة تنزل ملائكة كل سماء سماء فيقول الخلائق لهم أفيكم ربنا جل وعز وذكر الحديث). [معاني القرآن: 5/20]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ}: أي تشقق عن الغمام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]

تفسير قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن} [الفرقان: 26] يخضع الملوك يومئذٍ لملك اللّه والجبابرة لجبروت اللّه.
قال: {وكان يومًا على الكافرين عسيرًا} [الفرقان: 26] شديدًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
(" يوماً على الكافرين عسيراً " أي شديداً صعباً). [مجاز القرآن: 2/74]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {الملك يومئذ الحقّ للرّحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا}
(الحقّ) صفة للملك، ومعناه أن الملك الذي هو الملك حقّا هو ملك الرحمن يوم القيامة كما قال عزّ وجلّ: (لمن الملك اليوم) لأن الملك الزائل كأنّه ليس بملك.
ويجوز{الملك يومئذ [الحقّ] للرّحمن} ولم يقرأ بها فلا تقرأنّ بها، ويكون النصب على وجهين: أحدهما على معنى الملك يومئذ للرحمن أحق ذلك الحقّ، وعلى أعني الحق). [معاني القرآن: 4/65]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {الملك يومئذ الحق للرحمن}
لأن ملك الدنيا زائل). [معاني القرآن: 5/20]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه} [الفرقان: 27] أبيّ بن خلفٍ: يأكلها ندامةً يوم القيامة.
{يا ليتني اتّخذت مع الرّسول} [الفرقان: 27] مع محمّدٍ إلى اللّه.
{سبيلا} [الفرقان: 27] باتّباعه). [تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {مع الرّسول سبيلاً} أي سبباً ووصلةً قال جرير:

أفبعد مقتلكم خليل محمدٍ... ترجو القيون مع الرسول سبيلا). [مجاز القرآن: 2/74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا} أي سببا ووصلة). [تفسير غريب القرآن: 313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلا}
يروى أن عقبة بن أبي معيط هو الظالم ههنا، وأنه يأكل يده ندما ثم يعود وأنه كان عزم على الإسلام فبلغ ذلك أميّة بن خلف فقال له أمية:
وجهي من وجهك حرام إن أسلمت، إن كلّمتك أبدا، فامتنع عقبة من الإسلام لقول أميّة فإذا كان يوم القيامة أكل يده ندما وتمنى أن آمن واتخذ مع النبي عليه السلام طريقا إلى الجنة.
وهو قوله: {يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا * لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني}.
وقد قيل أيضا في (ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا)، أي لم أتخذ الشيطان خليلا، وتصديق هذا القول (وكان الشّيطان للإنسان خذولا).
ولا يمتنع أن يكون قبوله من أميّة من عمل الشيطان وأعوانه.
ويجوز (اتّخذت) بتبيين الذال، وبإدغامها في التاء، والإدغام أكثر وأجود). [معاني القرآن: 4/65]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ويوم يعض الظالم على يديه}
قال سعيد بن المسيب كان عقبة بن أبي معيط خدنا لأمية بن خلف فبلغ أمية أن عقبة عزم على أن يسلم فأتاه فقال له وجهي من وجهك حرام إن لم تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ففعل الشقي فأنزل الله جل وعز: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا}
وقال أبو رجاء فلان هو الشيطان واحتج لصاحب هذا القول بأن بعده وكان الشيطان للإنسان خذولا
والقول الأول هو الذي عليه أهل التفسير
روى عثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس أن هذا نزل في عقبة وأمية
وفي رواية مقسم فأما عقبة فكان في الأسارى يوم بدر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله فقال أأقتل دونهم فقال نعم بكفرك وعتوك فقال من للصبية فقال النار فقام علي بن أبي طالب فقتله، وأما أمية بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده وكان قال والله لأقتلن محمدا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا أقتله إن شاء الله
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أمية لعقبة أصبأت فقال عقبة إنما صنعت طعاما فأبي محمد أن يأكل منه حتى أشهد له بالرسالة
والذي قال أبو رجاء ليس بناقض لهذا لأن هذا كان بإغواء الشيطان وتزيينه فيجوز أن يكون نسب إليه على هذا). [معاني القرآن: 5/23-21]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}: أي سببا ًووصله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]

تفسير قوله تعالى: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلا} [الفرقان: 28] عقبة بن أبي معيطٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(ومن الكناية قول الله عز وجل: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}

ذهب هؤلاء وفريق من المتسمّين بالمسلمين إلى أنه رجل بعينه.
وقالوا: لم كنى عنه؟ وإنما يكني هذه الكناية من يخاف المباداة، ويحتاج إلى المداجاة.
وقال آخرون: بل كان هذا الرجل مسمّى في هذا الموضع، فغيّر وكني عنه.
وذهبوا إلى أنه عمر، وتأوّلوا الآية فقالوا: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} يعني أبا بكر رضي الله عنه.
{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} يعني محمدا صلّى الله عليه وسلم.
{يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} يعني عمر رضي الله عنه.
{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي}يعني عليا.
قال أبو محمد: ونقول في الرد على (أولئك) إذ كان غلطهم من وجهة قد يغلظ في مثلها من رق علمه. فأما هؤلاء ففي قولهم ما أنبأ عن نفسه، ودلّ على جهل متأوّله كيف يكون عليّ رحمة الله عليه، ذكرا؟.
وهل قال أحد: إن أبا بكر لم يسلم، ولم يتخذ بإسلامه مع الرسول سبيلا ؟.
وليس هذا التفسير بنكر من تفسيرهم وما يدّعونه من علم الباطن كادّعائهم في الجبت والطّاغوت أنهما رجلان.
وأن الخمر والميسر رجلان آخران.
وأن العنكبوت غير العنكبوت والنحل غير النحل. في أشباه كثيرة من سخفهم وجهالاتهم.
وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية: إنّ عقبة بن أبي معيط صنع طعاما ودعا أشراف أهل مكة، فكان رسول الله، صلّى الله عليه وسلم فيهم، فامتنع من أن يطعم أو يشهد عقبة بشهادة الحقّ، ففعل ذلك، فأتاه أبيّ بن خلف، وكان خليله، فقال: صبأت؟ فقال: لا ولكن دخل عليّ رجل من قريش فاستحييت من أن يخرج من منزلي ولم يطعم.
فقال: ما كنت لأرضى حتى تبصق في وجهه وتفعل به وتفعل، ففعل ذلك، فأنزل الله هذه الآية عامة، وهذان الرجلان سبب نزولها.
كما أنه قد كانت الآية، والآي، تنزل في القصة تقع: وهي لجماعة الناس.
والمفسرون على أن هذه الآية نزلت في هذين الرجلين، وإنما يختلفون في ألفاظ القصة.
فأراد الله سبحانه ب الظالم كل ظالم في العالم، وأراد بفلان كل من أطيع بمعصية الله وأرضي بإسخاط الله.
ولو نزلت هذه الآية على تقديرهم فقال: ويوم يعضّ الظالم- قارون وهامان، وعقبة بن أبي معيط، وأبيّ بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والمغيرة، وفلان وفلان، بالأسماء- على أيديهم يقولون: يا ليتنا لم نتخذ فرعون، ونمرود، وعقبة بن أبي معيط، وأبا جهل، والأسود، وفلانا، وفلانا بالأسماء- لطال هذا وكثر وثقل، ولم يدخل فيه من تأخّر بعد نزول القرآن من هذا الصّنف، وخرج عن مذاهب العرب، بل عن مذاهب الناس جميعا في كلامهم.
فكان (فلان) كناية عن جماعة هذه الأسماء.
وقد يقول القائل: ما جاءك إلا فلان بن فلان، يريد أشراف الناس المعروفين، والشاعر يقول:
في لجّة أمسك فلانا عن فُلِ
يريد: أمسك فلانا عن فلان، ولم يرد رجلين بأعيانهما، وإنما أراد أنهم في غمرة الشّر وضحجّته، فالحجزة تقول لهذا: أمسك، ولهذا: كفّ.
والظالم دليل على جماعة الظالمين كقوله: {يَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} يريد جماعة الكافرين). [تأويل مشكل القرآن: 263-260]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلا}
يروى أن عقبة بن أبي معيط هو الظالم ههنا، وأنه يأكل يده ندما ثم يعود وأنه كان عزم على الإسلام فبلغ ذلك أميّة بن خلف فقال له أمية:
وجهي من وجهك حرام إن أسلمت، إن كلّمتك أبدا، فامتنع عقبة من الإسلام لقول أميّة فإذا كان يوم القيامة أكل يده ندما وتمنى أن آمن واتخذ مع النبي عليه السلام طريقا إلى الجنة.
وهو قوله: {يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا * لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني}.
وقد قيل أيضا في (ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا)، أي لم أتخذ الشيطان خليلا، وتصديق هذا القول {وكان الشّيطان للإنسان خذولا}.
ولا يمتنع أن يكون قبوله من أميّة من عمل الشيطان وأعوانه.
ويجوز (اتّخذت) بتبيين الذال، وبإدغامها في التاء، والإدغام أكثر وأجود). [معاني القرآن: 4/65] (م)

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({لقد أضلّني عن الذّكر} [الفرقان: 29] عن القرآن.
{بعد إذ جاءني} [الفرقان: 29] حدّثني المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: كان أبيٌّ يحضر النّبيّ، فزجره عقبة بن أبي معيطٍ عن ذلك فهو قول أبيّ بن خلفٍ في الآخرة: {يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول} [الفرقان: 27] مع محمّدٍ {سبيلا} [الفرقان: 27] قال قتادة: {سبيلا} [الفرقان: 27] بطاعة اللّه {يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلا} [الفرقان: 28] يعني عقبة بن أبي معيطٍ {خليلا} [الفرقان: 28] وقال ابن
مجاهدٍ عن أبيه: الشّيطان.
{لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني} [الفرقان: 29]
[تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قال اللّه: {وكان الشّيطان للإنسان خذولا} [الفرقان: 29] يأمره بمعصية اللّه ثمّ يخذله في الآخرة.
كقوله: {وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل} [إبراهيم: 22] وحدّثني الحسن بن دينارٍ، عن حميد بن هلالٍ، عن بشير بن كعبٍ قال: إذا قبضت نفس الكافر مرّ بروحه على إبليس فيقول: اشفع لي.
فيقول: ما أملك لك ولا لنفسي شيئًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/480]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لّقد أضلّني عن الذّكر...}

يقال: النبي ويقال: القرآن، فيه قولان). [معاني القرآن: 2/267]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقال الرّسول} [الفرقان: 30] محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{يا ربّ إنّ قومي} [الفرقان: 30] يعني من لم يؤمن به.
{اتّخذوا هذا القرءان مهجورًا} [الفرقان: 30] هجروه فلم يؤمنوا به.
وقال مجاهدٌ: يهجرون بالقول فيه، يقولون هو كذبٌ.
سعيدٌ عن قتادة قال: هذا محمّدٌ يشتكي قومه إلى ربّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/480]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وقال الرّسول يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً...}

متروكاً. ويقال: إنهم جعلوه كالهذيان والعرب تقول (هجر الرجل) في منامه إذا هذى أو ردّد الكلمة). [معاني القرآن: 2/267]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وقال الرّسول يا ربّ} وقال هاهنا في موضع " يقول " والعرب تفعل ذلك قال الشاعر:
مثل العصافير أحلاماً ومقدرة=لو يوزنون بزفّ الرّيش ماوزنوا
وهي في موضع آخر لم يزنوا لأنهم لم يفعلوا بعد وقال:
إن يسمعوا ريبة طاورا بها فرّحاً=مني وما يسمعوا من صالحٍ دفنوا
أي يطيروا ويدفنوا). [مجاز القرآن: 2/74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {اتخذوا هذا القران مهجورا}: في التفسير قالوا فيه غير الحق وهو من قولهم: هجر المريض يهجر). [غريب القرآن وتفسيره: 277]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً}: هجروا فيه، أي: جعلوه كالهذيان. والهجر الاسم. يقال: فلان يهجر في منامه، أي يهذي). [تفسير غريب القرآن: 313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وقال الرّسول يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا}
جعلوه بمنزلة الهجر. والهجر ما لا ينتفع به من القول، وكانوا يقولون إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يهجر، ويجوز أن يكون مهجورا متروكا، أي جعلوه مهجورا لا يستمعونه ولايتفهّمونه). [معاني القرآن: 4/66-65]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}
قال مجاهد وإبراهيم أي قالوا فيه غير الحق
قال إبراهيم ألم تر إلى المريض كيف يهجر أي يهذي
وقيل مهجورا أي متروكا). [معاني القرآن: 5/23]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَهْجُورًا}: هجروا فيه أي جعلوه كالهذيان. والهجر الاسم، يقال: يهجر في منامه: أي يهذي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَهْجُورًا}: قالوا فيه غير الحق). [العمدة في غريب القرآن: 223]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه يعزّي نبيّه: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوًّا من المجرمين} [الفرقان: 31] من المشركين.
قال: {وكفى بربّك هاديًا} [الفرقان: 31] إلى دينه.
{ونصيرًا} [الفرقان: 31] للمؤمنين على أعدائهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/480]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً...}

يقول: جعلنا بعض أمّة كل نبيّ، أشدّ عليه من بعض وكان الشديد العداوة للنبيّ صلى الله عليه وسلم أبو جهل بن هشامٍ). [معاني القرآن: 2/267]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وكذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوّا من المجرمين وكفى بربّك هاديا ونصيرا}
(عدوّا) لفظه لفظ واحد، ويجوز أن يكون في معنى الجماعة والواحد كما قال (فإنّهم عدوّ لي إلّا ربّ العالمين) فيجوز أن يكون في معنى أعداء، وقد جاء في التفسير أن عدو النبي - صلى الله عليه وسلم - أبوجهل بن هشام.
وقوله: {وكفى بربّك هاديا ونصيرا}.
و (هاديا ونصيرا) منصوبان على وجهين:
أحدهما الحال، المعنى وكفى ربّك في حال الهداية والنصر.
والوجه الثاني أن يكون منصوبا على التمييز على معنى كفى ربّك من الهداة والنّصّار). [معاني القرآن: 4/66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين}
قال أبو جعفر يجوز أن يكون عدوا بمعنى أعداء ويجوز أن يكون لواحد
وفي بعض الروايات عن ابن عباس أنه يراد به أبو جهل). [معاني القرآن: 5/2423]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقال الّذين كفروا لولا} [الفرقان: 32] يعني هلا.
{نزّل عليه القرءان جملةً واحدةً} [الفرقان: 32] قال قتادة: أي كما أنزل على موسى وعلى عيسى.
قال اللّه: {كذلك لنثبّت به فؤادك ورتّلناه ترتيلا} [الفرقان: 32] قال قتادة: وبيّنّاه تبيينًا.
نزل في ثلاثٍ وعشرين سنةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/480]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لولا نزّل عليه القرآن جملةً واحدةً كذلك...}

يقال: إنها من قول المشركين. أي هلاّ أنزل عليه القرآن جملةً، كما أنزلت التوراة على موسى. قال الله {ورتّلناه ترتيلاً} لنثبّت به فؤادك. كان ينزّل الآية والآيتين، فمكان بين نزول أوله وآخره عشرون سنة {ورتّلناه ترتيلاً}
نزّلناه تنزيلاً. ويقال: إن (كذلك) من قول الله، انقطع الكلام من قيلهم (جملةً واحدةً) قال الله: كذلك أنزلناه يا محمّد متفرقاً لنثبّت به فؤادك). [معاني القرآن: 2/268-267]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لنثبتّ به فؤادك} مجازه لنطيب به نفسك ونشجعك). [مجاز القرآن: 2/74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب تكرار الكلام والزّيادة فيه
وأما تكرار الأنباء والقصص، فإنّ الله تبارك وتعالى أنزل القرآن نجوما في ثلاث وعشرين سنة، بفرض بعد فرض: تيسيرا منه على العباد، وتدريجا لهم إلى كمال دينه، ووعظ بعد وعظ: تنبيها لهم من سنة الغفلة، وشحذا لقلوبهم بمتجدّد الموعظة، وناسخ بعد منسوخ: استعبادا له واختبارا لبصائرهم. يقول الله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد بالتثبيت هو والمؤمنون.
وكان رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، يتخوّل أصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم، أي يتعهّدهم بها عند الغفلة ودثور القلوب.
ولو أتاهم القرآن نجما واحدا لسبق حدوث الأسباب التي أنزله الله بها، ولثقلت جملة الفرائض على المسلمين، وعلى من أراد الدخول في الدين، ولبطل معنى التنبيه، وفسد معنى النسخ، لأن المنسوخ يعمل به مدة ثم يعمل بناسخه بعده.
وكيف يجوز أن ينزل القرآن في وقت واحد: افعلوا كذا ولا تفعلوه؟.
ولم يفرض الله على عباده أن يحفظوا القرآن كلّه، ولا أن يختموه في التعلم، وإنما أنزله ليعملوا بمحكمه، ويؤمنوا بمتشابهه، ويأتمروا بأمره. وينتهوا بزجره: ويحفظوا للصلاة مقدار الطاقة، ويقرؤوا فيها الميسور.
قال الحسن: نزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملا.
وكان أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، ورضي عنهم- وهم مصابيح الأرض وقادة الأنام ومنتهى العلم- إنما يقرأ الرّجل منهم السورتين، والثلاث، والأربع، والبعض والشّطر من القرآن، إلا نفرا منهم وفقهم الله لجمعه، وسهّل عليهم حفظه.
قال أنس بن مالك: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا. أي جلّ في عيوننا، وعظم في صدورنا.
قال الشّعبي: توفى أبو بكر، وعمر، وعلي، رحمهم الله، ولم يجمعوا القرآن.
وقال: لم يختمه أحد من الخلفاء غير عثمان.
وروي عن شريك، عن إسماعيل بن أبي خالد أنه قال:
سمعت الشّعبي يحلف بالله، عز وجل، لقد دخل عليّ حفرته وما حفظ القرآن.
وكانت وفود العرب ترد على رسول الله، صلّى الله عليه وسلم للإسلام، فيقرئهم المسلمون شيئا من القرآن، فيكون ذلك كافيا لهم.
وكان يبعث إلى القبائل المتفرّقة بالسّور المختلفة، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثنّاة ومكرّرة لوقعت قصّة موسى إلى قوم، وقصة عيسى إلى قوم، وقصة نوح إلى قوم، وقصة لوط إلى قوم.
فأراد الله، بلطفه ورحمته، أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويلقيها في كل سمع، ويثبتها في كل قلب، ويزيد الحاضرين في الإفهام والتحذير.
وليست القصص كالفروض، لأنّ كتب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم كانت تنفذ إلى كل قوم بما فرضه الله عليهم من الصلاة، وعددها وأوقاتها، والزّكاة وسنتها، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت. وهذا ما لا تعرف كيفيته من الكتاب، ولم تكن تنفذ بقصة موسى وعيسى ونوح وغيرهم من الأنبياء. وكان هذا في صدر الإسلام قبل إكمال الله الدين، فلما نشره الله عز وجل في كل قطر، وبثّه في آفاق الأرض، وعلم الأكابر الأصاغر، وجمع القرآن بين الدّفّتين-: زال هذا المعنى، واجتمعت الأنباء في كل مصر وعند كل قوم). [تأويل مشكل القرآن: 235-232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وفيه وجه آخر، وهو: أن القرآن كان ينزل شيئا بعد شيء وآية بعد آية، حتى لربما نزل الحرفان والثلاثة.
قال زيد بن ثابت: كنت أكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله. فجاء عبد الله ابن أمّ مكتوم فقال: يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الضرر ما ترى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، على فخذي حتى خشيت أن ترضّها، ثم قال: اكتب:
{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
وروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات، جوابا لهم عما يسألون وردّا على النبي. وكذلك معنى قوله سبحانه: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} شيئا بعد شيء.
فكأن المشركين قالوا له: أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}. يريد إن لم تؤمنوا حتى أفعل ذلك. ثم غبروا مدّة من المدد وقالوا: تعبد آلهتنا يوما أو شهرا أو حولا، ونعبد إلهك يوما أو شهرا أو حولا، فأنزل الله تعالى:{وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}. على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت.
قال أبو محمد: وهذا تمثيل أردت أن أريك به موضع الإمكان). [تأويل مشكل القرآن: 237-238] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {وقال الّذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبّت به فؤادك ورتّلناه ترتيلا}
معناه: هلّا نزل عليه القرآن في وقت واحد، وكان بين أول نزول القرآن وآخره عشرون سنة، فقالوا: لم لم ينزل جملة واحدة كما أنزلت التوراة: فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن إنزاله متفرقا ليثبت في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: {كذلك لنثبّت به فؤادك}
أي أنزلناه كذلك متفرقا، لأن معنى قولهم: (لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة) يدل على معنى لم نزل عليه القرآن متفرقا فأعلموا لم ذلك، أي للتثبيت.
{ورتّلناه ترتيلا} أي نزلناه على التّرتيل، وهو ضدّ العجلة، وهو التمكّث). [معاني القرآن: 4/66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك}
قيل هذا التمام والمعنى أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك كذلك التثبيت كما قال جل وعز: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا}
لأنه إذا أنزله متفرقا كان فيه جواب ما يسألون في وقته فكان في ذلك تثبيت فقيل التمام قوله: {كذلك}
وقيل التمام عند قوله: {جملة واحدة}
والمعنى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كالتوراة والإنجيل؛ ومعنى هذا لم أنزل متفرقا فقال جل وعز: {كذلك لنثبت به فؤادك} أي: أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك
ثم قال جل وعز: {ورتلناه ترتيلا}
روى مغيرة عن إبراهيم قال أنزل متفرقا
وقال الحسن كلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء نزل جوابه حتى كمل نزوله في نحو من عشرين سنة). [معاني القرآن: 5/25-24]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ولا يأتونك بمثلٍ} [الفرقان: 33] يعني المشركين فيما كانوا يحاجّونه به.
{إلا جئناك بالحقّ وأحسن تفسيرًا} [الفرقان: 33] تبيينًا في تفسير مجاهدٍ.
ذكره
[تفسير القرآن العظيم: 1/480]
عاصم بن حكيمٍ.
وقال قتادة: أحسن تفصيلًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/481]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأحسن تفسيراً...}

بمنزلة قوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خير مستقرا وأحسن مقيلاً} في معنى الكلام والنصب). [معاني القرآن: 2/268]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا يأتونك بمثل إلّا جئناك بالحقّ وأحسن تفسيرا}
معناه ولا يأتونك بمثل إلّا جئناك بالذي هو الحق وأحسن تفسيرا من مثلهم، إلا أن " من " حذفت لأن في الكلام دليلا عليها.
لو قلت: رأيت زيدا وعمرا فكان عمرو أحسن وجها، كان الكلام فيه دليل على أنك تريد: من زيد). [معاني القرآن: 4/67-66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا}
قال الضحاك أي تفصيلا
قال أبو جعفر في الكلام حذف
والمعنى وأحسن تفسيرا من مثلهم ومثل هذا يحذف كثيرا). [معاني القرآن: 5/25]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين يحشرون على وجوههم إلى جهنّم أولئك شرٌّ مكانًا} [الفرقان: 34] من أهل الجنّة.
{وأضلّ سبيلا} [الفرقان: 34] طريقًا في الدّنيا، لأنّ طريقهم إلى النّار، وطريق المؤمنين إلى الجنّة.
- سعيدٌ عن قتادة أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه كيف يحشر اللّه الكفّار على وجوههم يوم القيامة؟ قال: «إنّ الّذي أمشاه على رجليه قادرٌ أن يمشيه على وجهه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/481]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عز وجل: {الّذين يحشرون على وجوههم إلى جهنّم أولئك شرّ مكانا وأضلّ سبيلا}

(الذين) رفع بالابتداء، و (أولئك) رفع ابتداء ثان.
و (شرّ) خبر (أولئك)، و (أولئك) مع (شرّ) خبر (الّذين). وجاء في التفسير أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أصناف، صنف على الدواب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم، قيل يا رسول اللّه: كيف يمشون على وجوههم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي مشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم). [معاني القرآن: 4/67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا}
في الحديث الشريف يحشر الناس على ثلاث طبقات ركبانا ومشاة وعلى وجوههم قال أنس قيل يا رسول الله كيف يحشرون على وجوههم فقال إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم). [معاني القرآن: 5/25-26]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب} [الفرقان: 35] التّوراة.
{وجعلنا معه أخاه هارون وزيرًا} [الفرقان: 35] أي عوينًا وعضدًا في تفسير قتادة.
وتفسير الحسن: شريكًا في الرّسالة.
وهو واحدٌ، وذلك قبل أن تنزّل عليهما التّوراة ثمّ نزّلت عليهما بعد فقال: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} [الأنبياء: 48] التّوراة.
وفرقانها حلالها وحرامها). [تفسير القرآن العظيم: 1/481]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا}

الوزير في اللّغة الذي يرجع إليه ويتحصّن برأيه، والوزر ما يلتجأ إليه ويعتصم به، ومنه قوله:{كلا لا وزر}أي لا ملجأ يوم القيامة ولا منجا إلا لمن رحم اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 4/67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا}
روى سعيد عن قتادة قال أي عونا وعضدا). [معاني القرآن: 5/26]

تفسير قوله تعالى: {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فقلنا اذهبا إلى القوم الّذين كذّبوا بآياتنا} [الفرقان: 36] يعني فرعون وقومه.
{فدمّرناهم تدميرًا} [الفرقان: 36] أي فكذّبوهما {فدمّرناهم تدميرًا} [الفرقان: 36] يعني الغرق الّذي أهلكهم به كقوله: {فكذّبوهما فكانوا من المهلكين} [المؤمنون: 48]، من المعذّبين بالغرق في الدّنيا ولهم النّار في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/481]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فقلنا اذهبا...}

وإنما أمر موسى وحده بالذهاب في المعنى، وهذا بمنزله قوله: {نسيا حوتهما}، وبمنزلة قوله: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج من أحدهما وقد فسّر شأنه). [معاني القرآن: 2/268]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فقلنا اذهبا إلى القوم الّذين كذّبوا بآياتنا فدمّرناهم تدميرا}
يعني به فرعون وقومه، والذين مسخوا قردة وخنازير). [معاني القرآن: 4/67]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 09:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 37 إلى 60]

{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)}


تفسير قوله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وقوم نوحٍ} [الفرقان: 37] أي: وأهلكنا قوم نوحٍ أيضًا بالغرق.
{لمّا كذّبوا الرّسل} [الفرقان: 37] يعني نوحًا.
قال: {أغرقناهم وجعلناهم للنّاس آيةً} [الفرقان: 37] لمن بعدهم.
{وأعتدنا للظّالمين} [الفرقان: 37] المشركين، يعنيهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/481]
{عذابًا أليمًا} [الفرقان: 37] موجعًا في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/482]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وقوم نوحٍ لّمّا كذّبوا الرّسل أغرقناهم...}

نصبتهم بأغرقناهم وإن شئت بالتدمير المذكور قبلهم). [معاني القرآن: 2/268]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقوم نوح لمّا كذّبوا الرّسل أغرقناهم وجعلناهم للنّاس آية وأعتدنا للظّالمين عذابا أليما}
يدل هذا اللفظ أن قوم نوح قد كذبوا غير نوح أيضا لقوله {الرسل}.
ويجوز أن يكون (الرّسل) يعنى به نوح وحده، لأن من كذب بنبي فقد كذب بجميع الأنبياء، لأنه مخالف للأنبياء، لأن الأنبياء يؤمنون باللّه وبجميع رسله.
ويجوز أن يكون يعنى به الواحد.
ويذكر لفظ الجنس كما يقول الرجل للرجل ينفق الدرهم الواحد أنت ممن ينفق الدراهم، أي ممن نفقته من هذا الجنس.
وفلان يركب الدواب وإن لم يركب إلا واحدة). [معاني القرآن: 4/68-67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم}
قيل هذا يوجب أن قوم نوح قد كذبوا غير نوح صلى الله عليه وسلم
فقيل من كذب نبيا فقد كذب جميع الأنبياء لأن الأنبياء كلهم يؤمنون بالله جل وعز وبجميع كتبه
وقيل هذا كما يقال فلان يركب الدواب وإن لم يركب إلا واحدة أي يركب هذا الجنس). [معاني القرآن: 5/26]

تفسير قوله تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وعادًا وثمود} [الفرقان: 38] أي: وأهلكنا عادًا وثمود تبعًا للكلام الأوّل.
{وأصحاب الرّسّ} [الفرقان: 38] أي: وأهلكنا أصحاب الرّسّ، والرّسّ بئرٌ في قول كعبٍ.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: الرّسّ بئرٌ كان عليها أناسٌ.
وقال الحسن: وادٍ.
وقال قتادة: أهل فلجٍ باليمامة وآبارٍ كانوا عليها.
قال يحيى: وبلغني أنّ الّذي أرسل إليهم شعيبٌ، وأنّه أرسل إلى أهل مدين وإلى أهل الرّسّ جميعًا.
ولم يبعث نبيٌّ إلى أمّتين غيره فيما مضى، وبعث النّبيّ إلى الجنّ والإنس كلّهم.
قال: {وقرونًا بين ذلك كثيرًا} [الفرقان: 38] أي: وأهلكنا قرونًا، أممًا، أمّةً بعد أمّةٍ {بين ذلك كثيرًا} [الفرقان: 38] سعيدٌ عن قتادة قال: القرن سبعون سنةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/482]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وعاداً وثمودا وأصحاب الرّسّ وقروناً...}

منصوبون بالتدمير ... يقال: إن الرسّ بئر). [معاني القرآن: 2/268]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" أصحاب الرّسّ " أي المعدن قال النابغة الجعدي:

سبقت إلى فرطٍ ناهل=تنابلةً يحفرون الرّساسا
والرساس المعادن). [مجاز القرآن: 2/75]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الرس} والرساس: المعادن. وقال بعض المفسرين إنما سموا أصحاب الرس لأنهم حفروا بئرا فرسوا نبيهم فيها أي أثبتوه).
[غريب القرآن وتفسيره: 277]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأصحاب الرّسّ} والرسّ: المعدن. قال الجعدي:
تنابلة يحفرون الرّساسا أي: آبار المعدن. وكلّ ركيّة تطوي فهي: رسّ). [تفسير غريب القرآن: 313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعادا وثمود وأصحاب الرّسّ وقرونا بين ذلك كثيرا}
قوم نوح " منصوبون " على معنى - وأغرقنا قوم نوح، {وعادا وثمود وأصحاب الرّسّ} نصب عطف على الهاء والميم، التي في قوله جعلناهم للناس آية.
ويجوز أن يكون معطوفا على معنى {وأعتدنا للظّالمين عذابا أليما}
ويكون التأويل: وعدنا الظالمين بالعذاب، ووعدنا عادا وثمودا وأصحاب الرسّ.
قال أبو إسحاق: والدليل على ذلك قوله: {وأعتدنا للظّالمين عذابا أليما}.
والرس: بئر، يروى أنهم قوم كذبوا بنبيهم ورموه في بئر، أي دسّوه فيها.
ويروى أن الرسّ قرية باليمامة يقال لها ملح، ويروى أن الرسّ ديار لطائفة من ثمود.
وقوله: {وقرونا بين ذلك كثيرا}.
يروى أن القرن مدّته سبعون سنة). [معاني القرآن: 4/68]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وعادا وثمود وأصحاب الرس}
قال قتادة كانوا أصحاب فلج باليمامة وآبار
قال مجاهد أصحاب الرس كانوا على بئر لهم وكان اسمها الرس فنسبوا إليها
قال أبو جعفر الرس عند أهل اللغة كل بئر غير مطوية ومنه قول الشاعر:
تنابلة يحفرون الرساسا
يعني : آبار المعادن
ويروى أنهم قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيها إلا أن قتادة قال إن أصحاب الأيكة وأصحاب الرس أمتان أرسل إليهم جميعا شعيب صلى الله عليه وسلم فعذبتا بعذابين
ثم قال جل وعز: {وقرونا بين ذلك كثيرا}
قال قتادة بلغنا أن القرن سبعون سنة
ومعنى تبرنا أهلكنا ودمرنا). [معاني القرآن: 5/28-27]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَصْحَابَ الرَّسِّ}: الرس: المعدن، وكل ركية لم تطو فهي رس). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الرَّسِّ}: البير). [العمدة في غريب القرآن: 223]

تفسير قوله تعالى: {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وكلًّا} [الفرقان: 39] يعني من ذكر ممّن مضى.
{ضربنا له الأمثال} [الفرقان: 39] أي خوّفناهم.
{وكلًّا تبّرنا تتبيرًا} [الفرقان: 39] أفسدنا فسادًا، يعني إهلاكه الأمم السّالفة بتكذيبها رسلها). [تفسير القرآن العظيم: 1/482]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكلاًّ تبّرنا تتبيراً...}

أهلكناهم وأبدناهم إبادةً). [معاني القرآن: 2/268]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكلاً تبّرنا تتبيراً} أي أهلكنا واستأصلنا). [مجاز القرآن: 2/75]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تبّرنا تتبيراً} أي أهلكنا ودمّرنا). [تفسير غريب القرآن: 313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وكلّا ضربنا له الأمثال وكلّا تبّرنا تتبيرا}
{كلّا} منصوب بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره، المعنى وأنذرنا كلّا ضربنا له الأمثال.
{وكلّا تبّرنا تتبيرا} التتبير التدمير والهلاك، وكل شيء كسّرته وفتّتّه فقد تبّرته، ومن هذا قيل لمكسّر الزجاج التبر، وكذلك تبر الذهب). [معاني القرآن: 4/69-68]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا}: أي أهلكنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد أتوا} [الفرقان: 40] يعني مشركي العرب.
{على القرية الّتي أمطرت مطر السّوء} [الفرقان: 40] قال قتادة: يعني قرية لوطٍ.
ومطر السّوء الحجارة الّتي رموا بها من السّماء.
رمي بها من كان خارجًا من المدينة وأهل السّفر منهم.
قال: {أفلم يكونوا يرونها} [الفرقان: 40] فيتفكّروا ويحذروا أن ينزل بهم ما نزل
[تفسير القرآن العظيم: 1/482]
بهم، أي بلى قد أتوا عليها ورأوها، مثل قوله: {وإنّكم لتمرّون عليهم مصبحين {137} وباللّيل أفلا تعقلون {138}} [الصافات: 137-138] قال: {بل كانوا لا يرجون نشورًا} [الفرقان: 40] وقال قتادة: بعثًا ولا حسابًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/483]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) :
({ولقد أتوا على القرية الّتي أمطرت مطر السّوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشوراً}

وقال: {الّتي أمطرت مطر السّوء} لغتان يقال "مطرنا" و"أمطرنا" وقال: {وأمطرنا عليهم حجارةً} وهما لغتان). [معاني القرآن: 3/15]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا يرجون نشورا}: لا يخافون وهذه لهذيل من بين العرب، وأهل تهامة. يقولون: فلان لا يرجو ربه أي لا يخافه.
ومثله {مالكم لا ترجون لله وقارا} يفعلون ذلك إذا كان معها جحد فإذا لم يكن معها جحد ذهبوا إلى الرجاء بعينه.
{النشور} الحياة بعد الموت، يقال نشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم فحيوا). [غريب القرآن وتفسيره: 277-278]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد أتوا على القرية الّتي أمطرت مطر السّوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا}
{أتوا} أي مشركو مكّة، يعنى به قرية قوم لوط التي أمر اللّه عليها الحجارة، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الذي جرأهم على التكذيب، وأنهم لم يبالوا بما شاهدوا من التعذيب في الدنيا أنهم كانوا لا يصدقون بالبعث فقال: {أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا}
قيل لا يخافون ما وعدوا به من العذاب بعد البعث.
والذي عند أهل اللغة أن الرجاء ليس على معنى الخوف، هذا مذهب من يرفع الأضداد، وهو عندي الحق، المعنى بل كانوا لا يرجون ثواب من عمل خيرا بعد البعث فركبوا المعاصي). [معاني القرآن: 4/69]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء}
قال قتادة يعني مدينة قوم لوط
وقوله جل وعز: {بل كانوا لا يرجون نشورا}
قال قتادة أي حسابا وبعثا
قيل يرجون ههنا بمعنى يخافون
وقال من ينكر الأضداد يرجون على بابه؛ أي لا يرجون ثواب الآخرة فيتقوا المعاصي). [معاني القرآن: 5/28]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَا يَرْجُونَ}: لا يخافون). [العمدة في غريب القرآن: 223]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وإذا رأوك} [الفرقان: 41] يعني الّذين كفروا.
{إن يتّخذونك إلا هزوًا أهذا الّذي بعث اللّه رسولا} [الفرقان: 41] فيما يزعم.
يقوله بعضهم لبعضٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/483]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {وإذا رأوك إن يتّخذونك إلّا هزوا أهذا الّذي بعث اللّه رسولا}

المعنى يقولون: أهذا الذي بعث اللّه إلينا رسولا). [معاني القرآن: 4/69]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {إن كاد ليضلّنا عن آلهتنا} [الفرقان: 42] يعنون أوثانهم.
{لولا أن صبرنا عليها} [الفرقان: 42] على عبادتها.
قال اللّه: {وسوف يعلمون حين يرون العذاب} [الفرقان: 42] في الآخرة.
{من أضلّ سبيلا} [الفرقان: 42] أي: من كان أضلّ سبيلًا في الدّنيا.
أي: فسوف يعلمون أنّهم كانوا أضلّ سبيلًا من محمّدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/483]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
(" إن كاد ليضلنا عن آلهتنا " كاد هاهنا في موضع المقاربة، وقد فرغنا فوق هذا من مواضع {كاد}).
[مجاز القرآن: 2/75]


تفسير قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أرأيت من اتّخذ إلهه هواه} [الفرقان: 43] حدّثني المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: هو المنافق يصيب هواه، كلّما هوى شيئًا فعله.
قوله: {اتّخذ إلهه هواه} [الفرقان: 43] يعني المشرك.
{أفأنت تكون عليه} [الفرقان: 43] على الّذي اتّخذ إلهه هواه.
{وكيلا} [الفرقان: 43] حفيظًا تحفظ عليه عمله حتّى تجازيه به.
أي: إنّك لست بربٍّ، إنّما أنت نذيرٌ.
وقال السّدّيّ: {وكيلا} [الفرقان: 43] يعني مسيطرًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/483]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أرأيت من اتّخذ إلهه هواه...}

كان أحدهم يمرّ بالشيء الحسن من الحجارة فيعبده فذلك قوله: {اتّخذ إلهه هواه} ). [معاني القرآن: 2/268]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" تكون عليه وكيلا " أي حفيظاً). [مجاز القرآن: 2/75]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أرأيت من اتّخذ إلهه هواه}؟ يقول: يتّبع هواه ويدع الحقّ، فهو له كالإله. {أفأنت تكون عليه وكيلًا}؟!
أي: كفيلا. وقيل: حافظا). [تفسير غريب القرآن: 313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أرأيت من اتّخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا}
يروى أن الواحد من أهل الجاهلية كان يعبد الحجر، فإذا مرّ بحجر أحسن منه ترك الأول وعبد الثاني، وقيل أيضا من اتخذ إلهه هواه، أي أطاع هواه وركبه فلم يبال عاقبة ذلك.
وقوله: {أفأنت تكون عليه وكيلا} أي حفيظا). [معاني القرآن: 4/69]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه}
قال الحسن لا يهوى شيئا إلا اتبعه
وقال غيره كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى حجرا أحسن منه أخذه وترك الأول
قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول جامع أي يتبع هواه ويؤثره فقد صار له بمنزلة الإله
ثم قال جل وعز: {أفأنت تكون عليه وكيلا}
قيل حافظا
وقيل كفيلا). [معاني القرآن: 5/29]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون} [الفرقان: 44] يعني جماعة المشركين.
{إن هم إلا كالأنعام} [الفرقان: 44] ممّا تعبّدوا به.
{بل هم أضلّ سبيلا} [الفرقان: 44] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/483]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ: {أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا}

معناه ما هم إلا كالأنعام في قلة التمييز فيما جعل دليلا لهم من الآيات والبرهان.
قال: {بل هم أضل سبيلا}.
لأن: الأنعام تسبح بحمد الله وتسجد له وهم كما قال اللّه عزّ وجلّ: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة} ). [معاني القرآن: 4/69-70]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} [معاني القرآن: 5/29]
لأن الأنعام تسبح وتجتنب مضارها). [معاني القرآن: 5/30]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظّلّ} [الفرقان: 45] أي: ألم تر كيف مدّ ربّك الظّلّ.
{ولو شاء لجعله ساكنًا} [الفرقان: 45] وحدّثنا الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: {ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظّلّ} [الفرقان: 45] قال: مدّه اللّه من حين يطلع الفجر إلى أن تطلع الشّمس.
{ولو شاء لجعله ساكنًا} [الفرقان: 45] أي لا يزول.
قال: {ثمّ جعلنا الشّمس عليه} [الفرقان: 45] أي على الظّلّ.
{دليلا} [الفرقان: 45] فظلّلت الشّمس كلّ شيءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/484]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كيف مدّ الظّلّ...}

ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وقوله: {ولو شاء لجعله ساكناً} يقول دائماً. وقوله: {ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلاً} يقول: إذا كان في موضعٍ شمسٌ كان فيه قبل ذلك ظلّ، فجعلت الشمس دليلاً على الظلّ). [معاني القرآن: 2/268]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كيف مدّ الظّلّ ولو شاء لجعله ساكناً ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلاً} فالظل ما أصبح ونسخته الشمس، ولو شاء الله لم تنسخه الشمس فتركه تماماً ممدوداً لم تنقصه الشمس، ولكنه جعل الشمس دليلاً عليه، أي على الظل حيث نسخته، والشمس مؤنثة وجاءت صفتها على تقدير صفة المذكر،
والعرب قد تفعل ذلك وإنما يريدون به البدل كقولهم: هي عديلى أي التي تعادلني ووصى ونحو ذلك.
قال الأعشى:
هي الصاحب الأدنى وبيني وبينها=مجوفٌ علافيٌ وقطع ونمرق
رجل علافيٌ مجوفٌ ضخم الجوف، قال:
وصاحبي ذات هبابٍ دمشق
وقالت:

قامت تبكيّه على قبره=من لي من بعدك يا عامر
تركتني في الدار ذا غربةٍ=قد ذل من ليس له ناصر
والفيء ما نسخ الشمس من الظل: وهو بالعشى وإذا استدارت الشمس). [مجاز القرآن: 2/76-75]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كيف مدّ الظّلّ} وامتداده: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. {ولو شاء لجعله ساكناً} أي مستقرّا دائما لا تنسخه الشمس). [تفسير غريب القرآن: 313]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا}.
امتداد الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. كذلك قال المفسرون، ويدلك عليه أيضا قوله في وصف الجنة: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} أي لا شمس فيه، كأنه ما بين هذين الوقتين.
{وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} أي: مستقرا دائما حتى يكون كظل الجنة الذي لا تنسخه الشمس.
{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} يقول: لما طلعت الشمس دلت عليه وعلى معناه. وكلّ الأشياء تعرف بأضدادها، فلولا الشمس ما عرف الظل، ولولا النور ما عرفت الظلمة،
ولولا الحق ما عرف الباطل. وهكذا سائر الألوان والطّعوم، قال الله عز وجل: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} يريد به ضدين: ذكرا وأنثى، وأسود وأبيض، وحلوا وحامضا، وأشباه ذلك.
{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} يعني الظّل الممدود بعد غروب الشمس، وذلك أنّ الشمس إذا غربت عاد الظل الممدود، وذلك وقت قبضه.
وقوله: {قَبْضًا يَسِيرًا} أي: خفيا، لأن الظل بعد غروب الشمس لا يذهب كلّه دفعة واحدة، ولا يقبل الظلام كلّه جملة، وإنما يقبض الله جلّ وعز ذلك الظل قبضا خفيّا شيئا بعد شيء، ويعقب كلّ جزء منه يقبضه بجزء من سواد الليل حتى يذهب كلّه.
فدلّ الله عز وجل بهذا الوصف على قدرته ولطفه في معاقبته بين الشمس والظل والليل، لمصالح عباده وبلاده.
وبعضهم يجعل قبض الظل عند نسخ الشمس إياه، ويجعل قوله: {قَبْضًا يَسِيرًا} أي: سهلا خفيفا عليه.
وهو وجه، غير أن التفسير الأول أجمع للمعاني وأشبه بما أراد). [تأويل مشكل القرآن: 315-314]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظّلّ ولو شاء لجعله ساكنا ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلا}
الظل: من وقت طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس.
{ولو شاء لجعله ساكن}، أي ثابتا دائما لا يزول.
(ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) فالشمس دليل على الظّل، وهي تنسخ الظلّ). [معاني القرآن: 4/70]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل}
ترى ههنا في موضع تعلم
ويجوز أن يكون من رؤية العين
قال الحسن وأبو مالك وإبراهيم التيمي وقتادة والضحاك في قوله تعالى: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس
ثم قال تعالى: {ولو شاء لجعله ساكنا}
قال الحسن أي لو شاء لتركه ظلا كما هو
وقال الضحاك أي لو شاء لجعل النهار كله ظلا
وقال قتادة ساكنا أي دائما
ثم جعلنا الشمس عليه دليلا أي تتلوه وتتبعه
ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا روى سفيان عن عبد العزيز بن رفيع عن مجاهد يسيرا أي خفيا
وقال الضحاك سريعا
وقال أبو مالك وإبراهيم التيمي قبضا يسيرا هو ما تقبضه الشمس من الظل
قال أبو جعفر قول مجاهد أولى في العربية وأشبه بالمعنى لما نذكره
وصف الله جل وعز لطفه وقدرته فقال ألم تر إلى ربك كيف مد الظل أي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس كما قال أهل التفسير، وبينته لك في قوله جل وعز في وصفه الجنة: {وظل ممدود}
ثم قال سبحانه: {ولو شاء لجعله ساكنا}
أي دائما كما في الجنة ثم جعلنا الشمس عليه دليلا أي تدل عليه وعلى معناه لأن الشيء يدل على ضده فيدل النور على الظلمة والحر على البرد
وقيل دالة على الله عز وجل
ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا أي إذا غابت الشمس قبض الظل قبضا خفيا كلما قبض جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة وليس يزول دفعة واحدة فهذا قول مجاهد
وقول أبي مالك وإبراهيم التيمي أن المعنى ثم قبضنا الظل بمجيء الشمس
ويذهبان إلى أن معنى يسيرا سهلا علينا
وقول مجاهد أولى لأن ثم يدل على أن الثاني بعد الأول وقوله أيضا أجمع للمعنى). [معاني القرآن: 5/33-30]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ثمّ قبضناه} [الفرقان: 46] ثمّ قبضنا ذلك الظّلّ.
{إلينا قبضًا يسيرًا} [الفرقان: 46] علينا، كقوله: {إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ} [الحج: 70] وقال السّدّيّ: {قبضًا يسيرًا} [الفرقان: 46] يعني خفيًّا.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: ساكنًا، لا تصيبه الشّمس ولا يزول.
{ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلا} [الفرقان: 45] تحويه.
{ثمّ قبضناه} [الفرقان: 46] حوى الشّمس إيّاه.
قال يحيى: وذلك حين يقوم العمود نصف النّهار حين لا يكون ظلٌّ، فإذا زالت الشّمس رجع الظّلّ فازداد حتّى تغيب الشّمس). [تفسير القرآن العظيم: 1/484]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ثمّ قبضناه إلينا قبضاً يسيراً...}

يعني الظلّ إذا لحقته الشمس قبض الظلّ قبضاً يسيراً، يقول: هيّنا خفيّا). [معاني القرآن: 2/268]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ قبضناه إلينا قبضاً يسيراً} أي خفيّا. كذلك هو في بعض اللغات). [تفسير غريب القرآن: 313]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} يعني الظّل الممدود بعد غروب الشمس، وذلك أنّ الشمس إذا غربت عاد الظل الممدود، وذلك وقت قبضه.
وقوله: {قَبْضًا يَسِيرًا} أي: خفيا، لأن الظل بعد غروب الشمس لا يذهب كلّه دفعة واحدة، ولا يقبل الظلام كلّه جملة، وإنما يقبض الله جلّ وعز ذلك الظل قبضا خفيّا شيئا بعد شيء، ويعقب كلّ جزء منه يقبضه بجزء من سواد الليل حتى يذهب كلّه.
فدلّ الله عز وجل بهذا الوصف على قدرته ولطفه في معاقبته بين الشمس والظل والليل، لمصالح عباده وبلاده.
وبعضهم يجعل قبض الظل عند نسخ الشمس إياه، ويجعل قوله: {قَبْضًا يَسِيرًا} أي: سهلا خفيفا عليه.
وهو وجه، غير أن التفسير الأول أجمع للمعاني وأشبه بما أراد). [تأويل مشكل القرآن: 315-314] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ثمّ قبضناه إلينا قبضا يسيرا}
قيل خفيّا، وقيل سهلا، ومعنى ألم تر، ألم تعلم، وهذا من رؤية القلب.
ويجوز أن يكون ههنا من رؤية العين، ويكون المعنى: ألم تر كيف مدّ الظلّ ربّك!
والأجود أن يكون بمعنى ألم تعلم). [معاني القرآن: 4/70]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي جعل لكم اللّيل لباسًا} [الفرقان: 47] يعني سكنًا يسكن فيه الخلق.
وهو تفسير السّدّيّ.
{والنّوم سباتًا} [الفرقان: 47] يسبت النّائم حتّى لا يعقل.
{وجعل النّهار نشورًا} [الفرقان: 47] تفسير مجاهدٍ: ينتشر فيه الخلق لمعائشهم.
وقال قتادة: لمعائشهم، ولحوائجهم، ولتصرّفهم.
وقال السّدّيّ: {نشورًا} [الفرقان: 47] يتفرّقون فيه يبتغون الرّزق). [تفسير القرآن العظيم: 1/484]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {جعل لكم اللّيل لباساً} أي سترا. والنّوم سباتاً أي راحة. وأصل السّبات: التمدّد. وقد بينت هذا في كتاب «المشكل».

{وجعل النّهار نشوراً} أي ينتشرون فيه). [تفسير غريب القرآن: 314-313]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} أي سترا وحجابا لأبصاركم.
قال ذو الرّمة:
وَدَوِّيَّةٍ مثل السّماء اعتسفتها = وقد صبغ اللّيل الحصى بسواد
أي لمّا ألبسه الليل سواده وظلمته، كان كأنّه صبغه.
وقد يكنون باللباس والثوب عما ستر ووقى، لأنّ اللباس والثوب واقيان ساتران.
وقال الشاعر:
كثوب ابن بِيضٍ وَقَاهُم بهِ = فَسَدَّ على السَّالِكِينَ السَّبيلا

قال الأصمعي: (ابن بيض) رجل نحر بعيرا له على ثنيّة فسدّها فلم يقدر أحد أن يجوز، فضرب به المثل فقيل: سدّ ابن بيض الطريق.
وقال غير الأصمعي: (ابن بيض) رجل كانت عليه إتاوة فهرب بها فاتّبعه مطالبه، فلما خشي لحاقه وضع ما يطالبه به على الطريق ومضى، فلما أخذ الإتاوة رجع وقال: (سدّ ابن بيض الطريق) أي منعنا من اتباعه حين وفى بما عليه، فكأنه سدّ الطريق.
فكنَى الشاعر عن البعير- إن كان التفسير على ما ذكر الأصمعي.
أو عن الإِتَاوَةِ- إن كان التفسير ما ذكر غيره- بالثوب، لأنهما وقيا كما يقي الثوب.
وكان بعض المفسرين يقول في قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} أي سكنا، وفي قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} أي سكن لكم.
وإنما اعتبر ذلك من قوله: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} ومن قوله: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}).[تأويل مشكل القرآن: 144-145]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وهو الذي جعل لكم الليل لباسا}
أي سترا والنوم سباتا أي راحة وجعل النهار نشورا أي ينتشر فيه). [معاني القرآن: 5/33]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي أرسل الرّياح بشرًا} [الفرقان: 48] تلقّح السّحاب.
[تفسير القرآن العظيم: 1/484]
وتفسير السّدّيّ: {أرسل الرّياح} [الفرقان: 48] بسط الرّياح والسّحاب.
من {بين يدي رحمته} [الفرقان: 48] بين يدي المطر.
قال: {وأنزلنا من السّماء ماءً} [الفرقان: 48] يعني المطر.
{طهورًا} [الفرقان: 48] للمؤمنين يتطهّرون به من الأحداث والجنابة.
وهو تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/485]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وهو الّذي أرسل الرّياح بشرى...}

قرأ أصحاب عبد الله (الرياح) ثلاثة مواضع. منهما حرفان في قراءتنا، وحرف في النحل وليس في قراءتنا، مكان قوله: {والنجوم مسخرات بأمره} وهذا واحدٌ يعني الذي في الفرقان. والآخر في الروم {الرياح مبشّراتٍ} وكان عاصم يقرأ ما كان من رحمة الريح وما كان من عذاب قرأه ريح. وقد اختلف القراء في الرحمة فمنهم من قرأ الرّيح ومنهم من قرأ الرياح ولم يختلفوا في العذاب بالريح ونرى أنهم اختاروا الرياح للرحمة لأن رياح الرّحمة تكون من الصّبا والجنوب والشّمال من الثلاث المعروفة؛ وأكثر ما تأتي بالعذاب وما لا مطر فيه الدّبور لأن الدّبور لا تكاد تلقح فسمّيت ريحاً موحّدةً لأنها لا تدور كما تدور اللواقح.
... حدثني قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد ومسروق بن الأجدع أنهما قرءا (نشراً) وقد قرأت القراء (نشراً) و(نشراً) وقرأ عاصم (بشراً) ... حدثني قيس عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن أنه قرأ (بشراً) كأنه بشيرة وبشر).
[معاني القرآن: 2/269]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" أرسل الرّياح نشراً " أي حياة وهو من " نشر ". " بلدةً ميتاً " مخففة بمنزلة تخفيف هين ولين وضيق: هين ولين وضيق ولم تدخل الهاء فيها، والبلدة مؤنثة فتكون ميتة لأن المعنى وقع على المكان والعرب تفعل ذلك قال:
إن تميماً خلقت ملموما فذهب بتذكيره إلى تميم وقال آخرون: بل الأرض التي ليس فيها نبات ميت بلا هاء، والروحانية إذا ماتت فهي ميتة بالهاء). [مجاز القرآن: 2/76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وهو الّذي أرسل الرّياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السّماء ماء طهورا}
فيها ستة أوجه، نشرا بفتح النون، ونشرا بضمها، ونشرا بضم النون والشين، ويجوز بشرى مؤنث بالباء على وزن فعلى، وبشرا بالتنوين والباء.
وبشرا بين يدي رحمته، فهذه ستة أوجه منها أربعة يقرأ بها.
فأمّا نشرا فمعناه إحياء ينشر السحاب الذي به المطر، الذي فيه حياة كل شيء.
ومن قرأ نشرا فهو جمع نشور ونشر مثل رسول ورسل، ومن قرأ بالإسكان أسكن الشين استخفافا، فهذه ثلاثة أوجه في النّون.
فأمّا الباء فمن نوّن بالباء وضمّها وتسكين الشين، فإنما هو بتسكين العين من قولك بشرا، وإذا لم ينوّنها فألفها للتأنيث.
ومن قرأ بشرا بالتنوين فهو جمع: يقال: ريح بشور، كما قال: {ومن آياته أن يرسل الرّياح مبشّرات} أي تبشر بالغيث.
ومن قرأ بشرا - بالضم " فهو على أصل الجمع.
ومن قرأ بشرى بغير تنوين فهو بمعنى بشارة.
وقوله: {وأنزلنا من السّماء ماء طهورا}.
كل ماء نزل من السماء أو خرج من بحر أو أذيب من ثلج أو برد فهو طهور، قال عليه السلام في البحر: " هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته "). [معاني القرآن: 4/71-70]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}
أكثر القراء يقرءون ما كان في معنى الرحمة على الرياح وما كان في معنى العذاب على الريح
ويحتج بعضهم بحديث ضعيف يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا هبت الريح قال اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا
قال أبو جعفر وقيل إنما وقع هذا هكذا لأن ما يأتي بالرحمة ثلاث رياح وهي الصبا والشمال والجنوب
والرابعة الدبور ولا تكاد تأتي بمطر
فقيل لما أتى بالرحمة رياح، هذا ولا أصل للحديث
ومعنى نشرا إحياء أي تأتي بالسحاب الذي فيه المطر الذي به حياة الخلق ونشرا جمع نشور
وروى عن عاصم بشرا جمع بشيرة
وروي عنه بشرا بحذف الضمة لثقلها أو يكون جمع بشرة كما يقال بسرة وبسر
وعن محمد اليماني {بشرى} أي بشارة
بين يدي رحمته أي المطر). [معاني القرآن: 5/35-33]

تفسير قوله تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {لنحيي به} [الفرقان: 49] بالمطر.
{بلدةً ميتًا} [الفرقان: 49] اليابسة الّتي ليس فيها نباتٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/485]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأناسيّ كثيراً...}

واحدهم إنسي وإن شئت جعلته إنساناً ثم جمعته أناسيّ فتكون الياء عوضاً من النون والإنسان في الأصل إنسيان لأن العرب تصغّره أنيسيان. وإذا قالوا: أناسين
فهو بيّن مثل بستانٍ وبساتين، وإذا قالوا (أناسى كثيراً) فخفّفوا الياء أسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه مثل قراقير وقراقر، ويبيّن جواز أناسى بالتخفيف قول العرب أناسيةٌ كثيرة ولم نسمعه في القراءة). [معاني القرآن: 2/270-269]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لّنحيي به بلدةً مّيتاً ونسقيه ممّا خلقنا أنعاماً وأناسيّ كثيراً}
وقال: {وأناسيّ كثيراً} مثقّلة لأنها جماعة "الإنسيّ"). [معاني القرآن: 3/15]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه ممّا خلقنا أنعاما وأناسيّ كثيرا}
ولو كان ميتة لجاز وقيل: " ميتا " ولفظ البلدة مؤنث، لأن معنى البلد والبلدة واحد.
وقوله: (وأناسيّ كثيرا) أناسى جمع إنسى مثل كرسي وكراسي ويجوز أن يكون جمع إنسان وتكون الياء بدلا من النون، الأصل أناسين بالنّون مثل سراحين). [معاني القرآن: 4/71]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا}
قال محمد بن يزيد أناسي جمع إنسي مثل كرسي وكراسي
وقال غيره أناسي جمع إنسان والأصل أناسين مثل سراحين ثم أبدل من النون ياء). [معاني القرآن: 5/35]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ونسقيه ممّا خلقنا أنعامًا وأناسيّ كثيرًا {49} ولقد صرّفناه بينهم ليذّكّروا} [الفرقان: 49-50] يعني المطر.
- حدّثني عاصم بن حكيمٍ، عن سليمان التّيميّ، عن الحسن بن مسلمٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ما عامٌ بأكثر مطرًا من عامٍ، أو قال: ماءً، ولكنّ اللّه يصرّفه حيث يشاء.
وقرأ هذه الآية: {ولقد صرّفناه بينهم ليذّكّروا} [الفرقان: 50]
قال الحسن: فيكونوا متذكّرين بهذا المطر فيعلمون أنّ الّذي أنزل هذا المطر الّذي يعيش به الخلق، وينبت به النّبات في الأرض اليابسة قادرٌ على أن يحيي الموتى.
- سعيدٌ عن قتادة أنّ ابن عبّاسٍ قال: ما كان عامٌ قطّ أقلّ مطرًا من عامٍ، ولكنّ اللّه يصرّفه بين عباده.
قوله: {فأبى أكثر النّاس إلا كفورًا} [الفرقان: 50] قال يحيى: سمعت سفيان الثّوريّ يقول: يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، ومطرنا بنوء كذا.
- وحدّثنا حمّادٌ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عتّابٍ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه: " لو حبس المطر عن أمّتي عشر سنين ثمّ صبّه عليهم لأصبح طائفةٌ من أمّتي كافرين يقولون: مطرنا بنوء مجدحٍ ".
- وحدّثني أبو الأشهب، عن الحسن قال: قال رسول اللّه: " ثلاثٌ من أمر الجاهليّة لا يدعهنّ النّاس: الفخر في الأحساب، والطّعن في الأنساب،
[تفسير القرآن العظيم: 1/485]
والاستسقاء بالأنواء "). [تفسير القرآن العظيم: 1/486]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {ولقد صرّفناه بينهم} يعني المطر: يسقي أرضا، ويترك أرضا).
[تفسير غريب القرآن: 314]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد صرّفناه بينهم ليذّكّروا فأبى أكثر النّاس إلّا كفورا}
أي صرفنا المطر بينهم ليذكروا، أي ليتفكروا في نعم اللّه عليهم فيه.
ويحمدوه على ذلك..
(فأبى أكثر النّاس إلّا كفورا) وهم الذين يقولون: مطرنا بنوء كذا، أي بسقوط كوكب كذا،، كما يقول المنجّمون فجعلهم اللّه بذلك كافرين). [معاني القرآن: 4/71]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال سبحانه: {ولقد صرفناه بينهم ليذكروا}
يعني المطر أي نسقي أرضا ونترك أرضا
{ليذكروا} أي: ليفكروا في نعم الله جل وعز ويحمدوه
{فأبى أكثر الناس إلا كفورا} وهو أن يقولوا مطرنا بنوء كذا أي بسقوط كوكب كذا كما يقول المنجمون فجعلهم كفارا بذلك). [معاني القرآن: 5/36-35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ}: يعني المطر، يسقي أرضا ويترك أرضا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 173]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولو شئنا لبعثنا في كلّ قريةٍ نذيرًا} [الفرقان: 51] رسولًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/486]

تفسير قوله تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({فلا تطع الكافرين} [الفرقان: 52] فيما ينهونك عنه من طاعة اللّه.
{وجاهدهم به} [الفرقان: 52] بالقرآن.
وقال السّدّيّ: بالقول.
{جهادًا كبيرًا} [الفرقان: 52] شديدًا.
قال يحيى: هذا الجهاد باللّسان يومئذٍ بمكّة قبل أن يؤمر بقتالهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/486]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {وجاهدهم به} أي بالقرآن).
[تفسير غريب القرآن: 314]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا}
ويجوز كثيرا، والقراءة بالباء، ومعنى (به) أي بالحق، أي بالقرآن الذي أنزل اليك وهو الحق). [معاني القرآن: 4/72-71]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجاهدهم به جهادا كبيرا}
أي بالقرآن). [معاني القرآن: 5/36]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي مرج البحرين} [الفرقان: 53] أفاض أحدهما في الآخر في تفسير مجاهدٍ، يعني العذب والمالح.
{هذا عذبٌ فراتٌ} [الفرقان: 53] أي حلوٌ.
{وهذا ملحٌ أجاجٌ} [الفرقان: 53] قال قتادة: مرٌّ.
{وجعل بينهما برزخًا} [الفرقان: 53] حاجزًا، لا يغلب المالح على العذب، ولا العذب على المالح فيما حدّثني فطرٌ عن مجاهدٍ.
قوله: {وحجرًا محجورًا} [الفرقان: 53] حرامًا محرّمًا أن يغلب أحدهما على الآخر.
وقال الحسن: فصلًا مفصّلًا.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: برزخًا لا يرى، وحجرًا محجورًا لا يراه أحدٌ ولا يختلط العذب بالبحر). [تفسير القرآن العظيم: 1/486]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وجعل بينهما برزخاً...}

البرزخ: الحاجز، جعل بينهما حاجزاً لئلا تغلب الملوحة العذوبة.
وقوله: {وحجراً مّحجوراً} (من ذلك أي) حراماً محرّماً أن يغلب أحدهما صاحبه). [معاني القرآن: 2/270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" وهو الّذي مرج البحرين " إذا تركت الشيء وخليته فقد مرجته، ومنه قولهم مرج الأمير الناس أي خلاهم بعضهم على بعض مرجت دابتك أي تركتها في أمر مريج أي مختلط، وإذا رعيت الدابة فقد أمرجتها قال العجاج:
رعى بها مرج ربيعٍ ممرجا
وفي الحديث مرجت عهودهم وأماناتهم أي اختلطت وفسدت). [مجاز القرآن: 2/77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" هذا عذبٌ فراتٌ " أي شديد العذوبة). [مجاز القرآن: 2/77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" أجاجٌ " والأجاج أملح الملوحة وما بين ذلك المسوس والزعاق الذي يحرق كل شيء من ملوحته،
قال ذو الإصبع:
لو كنت ماءً كنت لا=عذب المذاق ولا مسوسا).
[مجاز القرآن: 2/77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" وجعل بينهما برزخاً " كل ما بين شيئين برزخ وما بين الدنيا والآخرة برزخ). [مجاز القرآن: 2/77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مرج البحرين}: كلما خليته وتركته فقد مرجته و{في أمر مريج} أي ملتبس وقد أمرجت الدابة بالألف.
{عذب فرات}: الفرات أعذب العذوبة.
{والأجاج}: أملح الملوحة). [غريب القرآن وتفسيره: 278]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وهو الّذي مرج البحرين} أي خلاهما. يقال: مرج السلطان الناس، إذا خلّاهم.
ويقال: امرج الدابة، إذا رعاها.
و(الفرات): العذب.
و(الأجاج): أشدّ المياه ملوحة. وقيل: هو الذي يخالطه مرارة.
ويقال: ماء ملح، ولا يقال: مالح.
{وجعل بينهما برزخاً} أي حاجزا - وكذلك الحجز والحجاز -: لئلا يختلطا). [تفسير غريب القرآن: 314]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا}
معنى مرج خلّى بينهما، تقول: مرجت الدابة وأمرجتها إذا خليتها ترعى والمرج من هذا سمّي، ويقال مرجت عهودهم وأماناتهم إذا اختلطت. يروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {هذا عذب فرات} فرات: صفة لعذب، والفرات أشدّ المياه عذوبة، والمعنى هذا عذب أشدّ الماء عذوبة.
{وهذا ملح أجاج} والأجاج صفة للملح، المعنى وهذا ملح أشدّ الملوحة.
{وجعل بينهما برزخا} البرزخ الحاجز فهما في مرأى العين مختلطان، وفي قدرة اللّه – عز وجل - منفصلان لا يختلط أحدهما بالآخر). [معاني القرآن: 4/72]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وهو الذي مرج البحرين}
أي خلطهما وخلاهما فهما مختلطان في مرآة العين وبينهما حاجز من قدرة الله عز وجل
وفي الحديث مرجت أماناتهم أي اختلطت
ويقال مرج السلطان الناس أي خلاهم وأمرجت الدابة ومرجتها أي خليتها لترعى
ثم قال تعالى: {هذا عذب فرات}أي شديد العذوبة
{وهذا ملح أجاج} روى معمر عن قتادة قال الأجاج المر
قال أبو جعفر والمعروف عند أهل اللغة أن الأجاج الشديد الملوحة ويقال ماء ملح ولا يقال مالح
وروي عن طلحة أنه قرأ وهذا ملح أجاج بفتح الميم وكسر اللام
ثم قال جل وعز: {وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا}
{برزخا} أي: حاجزا
{وحجرا محجورا} أي: مانعا). [معاني القرآن: 5/38-36]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (مرج البحرين) أي: أجراهما.
والبرزخ: كل حاجز بين شيئين، والقبر: برزخ، لأنه بين الدنيا والآخرة). [ياقوتة الصراط: 383]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ}: أي خلاهما). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 173]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ}: تركهما
{فُرَاتٌ}: عذب). [العمدة في غريب القرآن: 223]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي خلق من الماء بشرًا} [الفرقان: 54] خلق آدم من طينٍ، والطّين كان من الماء.
{فجعله نسبًا وصهرًا} [الفرقان: 54] سعيدٌ عن قتادة قال: ذكر اللّه الصّهر مع النّسب وحرّم أربع عشرة امرأةً.
[تفسير القرآن العظيم: 1/486]
قال يحيى: حرّم اللّه من النّسب سبع نسوةٍ، وحرّم من الصّهر سبع نسوةٍ قال: {حرّمت عليكم أمّهاتكم} [النساء: 23] فلا يتزوّج الرّجل أمّه ولا أمّ امرأته ولا يجمع بينهما ولا يتزوّجها بعدها، ولا ابنته، ولا ابنة امرأته، إلا ألا يكون دخل بأمّها فإنّه يتزوّجها بعدها، ولا يجمع بينهما.
قال: {وأخواتكم} [النساء: 23] فلا يتزوّج أخته، ولا أخت امرأته لا يجمع بين الأختين.
قال: {وعمّاتكم} [النساء: 23] فلا يتزوّج عمّته، ولا عمّة امرأته، ولا يجمع بين امرأته وعمّتها.
قال: {وخالاتكم} [النساء: 23] فلا يتزوّج خالته ولا خالة امرأته ولا يجمع بين امرأته وخالتها.
قال: {وبنات الأخ} [النساء: 23] فلا يتزوّج ابنة أخيه، ولا ابنة أخي امرأته، لا يجمع بين امرأته ولا ابنة أخيها.
قال: {وبنات الأخت} [النساء: 23] فلا يتزوّج ابنة أخته، ولا ابنة أخت امرأته، لا يجمع بين امرأته وبين ابنة أختها.
فهذه أربع عشرة نسوةً حرّمهنّ اللّه، سبعٌ من النّسب وسبعٌ من الصّهر.
قال: {وكان ربّك قديرًا} [الفرقان: 54] قادرًا على كلّ شيءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/487]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
(" وهو الذّي خلق من الماء بشراً " مجازه خلق من النطف البشر وفي آية أخرى " من مّاءٍ دافقٍ " أي نطفة).
[مجاز القرآن: 2/77]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {خلق من الماء بشراً} يعني من النّطفة. {فجعله نسباً} يعني قرابة النّسب، {وصهراً} يعني: قرابة النكاح).
[تفسير غريب القرآن: 314]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: {وهو الّذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربّك قديرا}
فالأصهار من النسب من يجوز لهم التزويج، والنسب الذي ليس يصهر، من قوله: {حرّمت عليكم أمّهاتكم} إلى {وأن تجمعوا بين الأختين} ). [معاني القرآن: 4/72]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرا} يعني بالماء النطفة والله عز وجل أعلم
وقوله جل وعز: {فجعله نسبا وصهرا} قيل هو الماء الذي خلق منه أصول الحيوان
وقيل النسب البنون ينتسوب إليه وخلق له بنات من جهتهن الأصهار
وقال أبو إسحاق النسب الذي ليس بصهر من قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} إلى قوله: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} والصهر من يحل له التزوج
وروى عميرة مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنه وهو قول الضحاك قال حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع
ثم قرأ: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم} إلى قوله: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف}
وقيل من الصهر خمس وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم إلى وحلائل أبنائكم وهذا لفظ الضحاك
وقد اختلف في الفرق بين الختن والصهر
فقال الأصمعي الأختان كل شيء من قبل المرأة مثل أبي المرأة وأخيها وعمها والأصهار يجمع هذا كله يقال صاهر فلان إلى بني فلان وأصهر إليهم
وقال ابن الأعرابي الأختان أبو المرأة وأخوها وعمها والصهر زوج ابنة الرجل وأخوه وأبوه وعمه
وقال محمد بن الحسن في رواية أبي سليمان الجوزجاني أختان الرجل أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته، وكل ذي محرم منه أصهاره كل ذي رحم محرم من زوجته
قال أبو جعفر الأولى في هذا أن يكون القول في الأصهار ما قال الأصمعي وأن يكون من قبلهما جميعا لأنه يقال صهرت الشيء أي خلطته فكل واحد منهما قد خلط صاحبه
والأولى في الأختان ما قاله محمد بن الحسن لجهتين :
أحدهما الحديث المرفوع روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك فهذا يدل على أن زوج البنت ختن
والجهة الأخرى أنه يقال ختنه إذا قطعه فالزوج قد انقطع عن أهله وقطع المرأة عن أهلها فهو أولى بهذا الاسم). [معاني القرآن: 5/41-38]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فجعله نَسَبًا}: يعني قرابة النسب {وَصِهْرًا}: أي قرابة النكاح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 173]

تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لا ينفعهم ولا يضرّهم} [الفرقان: 55] يعني الأوثان.
{وكان الكافر على ربّه ظهيرًا} [الفرقان: 55] عوينًا، ظاهر الشّيطان على أمر ربّه في تفسير الحسن.
وقال بعضهم: هو أبو جهلٍ أعان الشّيطان على النّبيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/487]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكان الكافر على ربّه ظهيراً...}

المظاهر المعاون؛ والظهير العون). [معاني القرآن: 2/270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" وكان الكافر على ربّه ظهيراً " أي مظهوراً به أي هيناً ومنه ظهرت به فلم التفت إليه.
وله موضع آخر مجازه معيناً عدوه). [مجاز القرآن: 2/77-78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ظهيرا}: معينا). [غريب القرآن وتفسيره: 278]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ظهيراً} أي عونا). [تفسير غريب القرآن: 314]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لا ينفعهم ولا يضرّهم وكان الكافر على ربّه ظهيرا}
معنى الظهير: المعين، لأنه يتابع الشيطان ويعاونه على معصية اللّه، لأن عبادتهم للأصنام معاونة للشيطان). [معاني القرآن: 4/73-72]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وكان الكافر على ربه ظهيرا}
قال مجاهد أي معينا
وقال الحسن أي عونا للشيطان على الله عز وجل على المعاصي). [معاني القرآن: 5/41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ظَهِيرًا}: معيناً). [العمدة في غريب القرآن: 223]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلناك إلا مبشّرًا} [الفرقان: 56] قال قتادة: بالجنّة.
{ونذيرًا} [الفرقان: 56] من النّار، ونذيرًا من عذاب اللّه في الدّنيا إن لم يؤمنوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/487]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
(ثم قال جل وعز: {وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا}

قال قتادة أي مبشرا بالجنة ونذيرا من النار). [معاني القرآن: 5/41]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل ما أسألكم عليه} [الفرقان: 57] على القرآن.
{من أجرٍ إلا من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا} [الفرقان: 57] إنّما جئتكم بالقرآن ليتّخذ به من آمن إلى ربّه سبيلا يتقرّب به إلى اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/487]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ إلاّ من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً} والعرب قد تستثني الشيء من الشيء وليس منه على الاختصار، وفيه ضمير تقديره قل ما أسألكم عليه من أجر إلا أنه من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً فليتخذه، قال أبو خراس:

نجا سالمٌ والنّفس منه بشدقه=ولم ينج الاجفن سيفٍ ومئزرا
فاستثنى الجفن والمئزر وليسا من سالم إنما هو على الاختصار وقال:
وبلدٍ ليس به أنيس=إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
يعني الإبل فاستثنى اليعافير، والعيس من الناس كأنه قال: إلا أن بها يعافير وعيساً، واليعافير الظباء واحدها يعفور، وفي آية أخرى: {فإنهم عدوٌ لي إلاّ ربّ العالمين} وقال:

فديت بنفسه نفسي ومالي=وما آلوك إلا ما أطيق
وقال:
يا بن رفيع هل لها من غبق=ما شربت بعد ركيّ العرق
من قطرة غير النجاء الدّفق). [مجاز القرآن: 2/79-78]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل ما أسألكم عليه من أجرٍ إلاّ من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً}
وقال: {إلاّ من شاء} استثناءٌ خارجٌ من أول الكلام على معنى "لكنّ"). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا}
قال قتادة بطاعة الله عز وجل). [معاني القرآن: 5/41]

تفسير قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وتوكّل على الحيّ الّذي لا يموت وسبّح بحمده} [الفرقان: 58] قال الحسن: بمعرفته). [تفسير القرآن العظيم: 1/487]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وكفى به بذنوب عباده خبيرًا {58} الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة
[تفسير القرآن العظيم: 1/487]
أيّامٍ ثمّ استوى على العرش الرّحمن فاسأل به خبيرًا {59}} [الفرقان: 58-59] هو الحيّ الّذي لا يموت و{الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش} [الفرقان: 59] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/488]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما} والسموات جميع فجاءت على تقدير الواحد والعرب إذا جمعوا جميع موات ثم أشركوا بينه وبين واحد جعلوا خبر جميع الجميع المشرك بالواحد على تقدير خبر الواحد قال:

إن المنيّة والحتوف كلاهما= توفى المخارم ترقبان سوادي
وكذلك الجميع مع الجميع قال القطامي:
ألم يحزنك أن حبال قيس=وتغلب قد تباينتا انقطاعا
أي وحبال تغلب). [مجاز القرآن: 2/79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («الباء» مكان «عن»
قال الله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} ، أي عنه.
قال علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنِّساءِ فإِنَّنِي = بَصِيرٌ بأدواء النِّساء طبيبُ
أي عن النساء.
وقال ابن أحمر:
تسائلُ بابنِ أَحْمَرَ مَنْ رَآهُ = أَعَارَتْ عينُه أَمْ لَمْ تَعَارَا).
[تأويل مشكل القرآن: 568]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {الّذي خلق السّماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش الرّحمن فاسأل به خبيرا}
(الرّحمن فاسأل به خبيرا) ويجوز {الرّحمن فاسأل}، فمن قال: (الرّحمن) فهو رفع من جهتين:
إحداهما على البدل مما في قوله: (ثم استوى)، ثم بين بقوله الرحمن.
ويجوز أن يكون ابتداء و (فاسأل به) الخبر.
والمعنى فاسأل عنه خبيرا.
ومن قال " الرحمن " فهو على معنى: وتوكّل على الحيّ الّذي لا يموت (الرحمن). صفة للحيّ). [معاني القرآن: 4/73]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {الرحمن فاسأل به خبيرا}
قال أبو إسحاق أي اسأل عنه وقد حكى هذا جماعة من أهل اللغة أن الباء بمعنى عن كما قال جل وعز: {سأل سائل بعذاب واقع} وقال الشاعر:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك = إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
قال علي بن سليمان أهل النظر ينكرون أن تكون الباء بمعنى عن لأن في هذا فساد المعاني قال ولكن هذا مثل قول العرب لو لقيت فلانا للقيك به الأسد أي للقيك بلقائك إياه الأسد
والمعنى فاسأل بسؤالك على ما تقدم). [معاني القرآن: 5/42]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وإذا قيل لهم} [الفرقان: 60] يعني المشركين.
{اسجدوا للرّحمن قالوا وما الرّحمن أنسجد لما تأمرنا} [الفرقان: 60] على الاستفهام أي لا نفعل.
وهي تقرأ بالتّاء والياء.
فمن قرأها بالتّاء فهم يقولونه للنّبيّ.
ومن قرأها بالياء فيقول: يقوله بعضهم لبعضٍ: أنسجد لما يأمرنا محمّدٌ.
{وزادهم} [الفرقان: 60] قوله لهم: {اسجدوا للرّحمن} [الفرقان: 60] {نفورًا} [الفرقان: 60] عن القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 1/488]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قالوا وما الرّحمن...}

ذكروا أنّ مسيلمة كان يقال له الرحمن، فقالوا: ما نعرف الرّحمن إلاّ الذي باليمامة، يعنون مسيلمة الكّذّاب، فأنزل الله {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّامّا تدعوا فله الأسماء الحسنى}.
وقوله: {أنسجد لما يأمرنا} و{وتأمرنا} فمن قرأ بالياء أراد مسيلمة: ومن قرأ بالتاء جاز أن يريد (مسيلمة أيضا) ويكون للأمر أنسجد لأمرك إيانا ومن قرأ بالتّاء والياء يراد به محمد صلى الله عليه وسلم (وهو بمنزلة قوله) {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون} و{وسيغلبون} والمعنى لمحمد صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 2/270]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرّحمن قالوا وما الرّحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا}
(تأمرنا) وتقرأ (يأمرنا)، والرحمن اسم من أسماء الله مذكور في الكتب الأول ولم يكونوا يعرفونه من أسماء اللّه فقيل لهم إنه من أسماء الله، {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}.
ومعناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة، لأن فعلان بناء من أبنية المبالغة، تقول: رجل عطشان وريّان إذا كان في النهاية في الريّ والعطش، وكذلك فرحان وجذلان وخزيان، إذا كان في غاية الفرح أو في نهاية الخري). [معاني القرآن: 4/73]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 09:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 61 إلى آخر السورة]

{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)}

تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {تبارك الّذي جعل} [الفرقان: 61] يعني نفسه.
{في السّماء بروجًا} [الفرقان: 61] وقال قتادة: نجومًا.
{وجعل فيها سراجًا} [الفرقان: 61] الشّمس.
{وقمرًا منيرًا} [الفرقان: 61] يعني مضيئًا.
وهي تجري في فلكٍ دون السّماء.
وقد قال: {الّذي جعل في السّماء بروجًا} [الفرقان: 61].
والسّماء ما ارتفع.
وقال في آيةٍ أخرى: {ألم يروا إلى الطّير مسخّراتٍ في جوّ السّماء} [النحل: 79] أي مرتفعاتٍ، متحلّقاتٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/488]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وجعل فيها سرجاً...}

قراءة العوام {سراجاً} ... حدثني هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه قرأ (سرجاً). وكذلك قراءة أصحاب عبد الله فمن قرأ {سراجاً} ذهب إلى الشمس وهو وجه حسن؛ لأنه قد قال {وجعل الشّمس سراجاً} ومن قال (سرجاً) ذهب إلى المصابيح إذا كانت يهتدى بها، جعلها كالسرج والمصباح كالسراج في كلام العرب وقد قال الله {المصباح في زجاجةٍ} ). [معاني القرآن: 2/271]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وجعل فيها سراجاً} أي: شمساً وضياء). [مجاز القرآن: 2/79]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {تبارك الّذي جعل في السّماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا}
البروج: قيل هي الكواكب العظام، والبرج تباعد بين الحاجبين، وكل ظاهر مرتفع فقد برج، وإنما قيل لها بروج لظهورها وتباينها وارتفاعها.
{وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا} ويقرأ (سرجا) ويجوز سرجا بتسكين الراء مثل رسل ورسل، فمن قرأ سراجا عنى الشمس كما قال تعالى: (وجعل الشمس سراجا).
ومن قرأ (سرجا) أراد الشمس والكواكب العظام معها). [معاني القرآن: 4/74-73]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {تبارك الذي جعل في السماء بروجا}
قال قتادة أي: نجوما
وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: البروج النجوم العظام
وروى إسماعيل، عن يحيى بن رافع، قال: البروج قصور في السماء
قال أبو جعفر يقال لكل ما ظهر وتبين برج ومنه قيل تبرجت المرأة وقد برج برجا إذا ظهر
ثم قال جل وعز: {وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا}
{سراجا} يعني الشمس
ويقرأ (سرجا)
وقيل من قرأ هذه القراءة فالمعنى عنده وجعل في البروج سرجا
فإن قيل فقد أعاد ذكر القمر وقد قال سرجا والقمر داخل فيها
فالجواب أنه أعيد ذكر القمر لفضله عليها كما قال جل وعز: {فيهما فاكهة ونخل ورمان} ). [معاني القرآن: 5/44-43]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا} [الفرقان: 62] حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن قال: من عجز في اللّيل كان له في النّهار مستعتبٌ، ومن عجز في النّهار كان له في اللّيل مستعتبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/488]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {جعل اللّيل والنّهار خلفةً...}

يذهب هذا ويجيء هذا، وقال زهير في ذلك:

بها العين والآرام يمشين خلفةً=وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
فمعنى قول زهير: خلفةً: مختلفاتٍ في أنها ضربان في ألوانها وهيئتها، وتكون خلفة في مشيتها. وقد ذكر أن قوله: {خلفةً لّمن أراد} أي من فاته عمل من الليل استدركه بالنهار فجعل هذا خلفا من هذا.
وقوله: {لّمن أراد أن يذّكّر} وهي في قراءة أبيّ (يتذكّر) حجّة لمن شدّد وقراءة أصحاب عبد الله وحمزة وكثيرٍ من الناس (لمن أراد أن يذكر) بالتخفيف، ويذكر ويتذكر يأتيان بمعنى واحدٍ، وفي قراءتنا {واذكروا ما فيه} وفي حرف عبد الله (وتذكّروا ما فيه) ). [معاني القرآن: 2/271]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وجعل اللّيل والنّهار خلفةً} أي يجيء الليل بعد النهار ويجيء النهار بعد الليل يخلف منه وجعلهما خلفة وهما اثنان لأن الخلفة مصدر فلفظه من الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث واحد وقال الشاعر:

ولها بالماطرون إذا=أكل النّمل الذي جمعا
خلفةً حتى إذا ارتبعت=سكنت من جلّقٍ بيعا
وقال:
بها العين والآرام يمشين خلفةً=وأطلاؤهما ينهض في كل مجثم).
[مجاز القرآن: 2/80-79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً لّمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً}
وقال: {والنّهار خلفةً} يقول: "يختلفان" ). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {خلفة}: كل واحد يخلف صاحبه). [غريب القرآن وتفسيره: 279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جعل اللّيل والنّهار خلفةً} أي يخلف هذا هذا.
قال زهير:
بها العين والآرام يمشين خلفة= وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
«الآرام»: الظباء البيض. والآرام: الأعلام. واحدة: أرم. أي إذا ذهب فوج الوحش، جاء فوج). [تفسير غريب القرآن: 315-314]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورا}
ويقرأ {لمن أراد أن يذكر}.
قال الحسن: من فاته عمله من التذكر والشكر كان له في الليل مستعتب، ومن فاته بالليل كان له في النهار مستعتب.
وقال أهل اللغة خلفة يجيء هذا في أثر هذا،
وأنشدوا قول زهير:
بها العين والأرام يمشين خلفة=وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وجاء أيضا في التفسير خلفة مختلفان كما قال اللّه عزّ وجلّ: (إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآيات لأولي الألباب * الّذين يذكرون اللّه قياما) الآية). [معاني القرآن: 4/74]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة}
قال مجاهد أي يخلف هذا هذا ويخلف هذا هذا
وقال الحسن من نسي شيئا من التذكر والشكر بالنهار كانت له في الليل عتبى ومن نسيه بالليل كانت له في النهار عتبى
وقيل {خلفة} أي مختلفين كما قال جل وعز: {واختلاف الليل والنهار}
قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال قول مجاهد
والمعنى كل واحد منهما يخلف صاحبه مشتق من الخلف ومنه خلف فلان فلانا بخير أو شر ومنه قول زهير:
بها العين والآرام يمشين خلفة = وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم).
[معاني القرآن: 5/45-44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خِلْفَةً}: كل واحد يخلف صاحبه). [العمدة في غريب القرآن: 224]

تفسير قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا} [الفرقان: 63] حدّثني المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: الهون في كلام العرب: اللّين والسّكينة.
[تفسير القرآن العظيم: 1/488]
سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: بالوقار والسّكينة.
وتفسير عمرٍو عن الحسن قال: إنّ اللّه مدح المؤمنين وذمّ المشركين فقال: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا} [الفرقان: 63] حلماء، وأنتم أيّها المشركون لستم بحلماء.
قوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون} [الفرقان: 63] المشركون.
{قالوا سلامًا} [الفرقان: 63] حدّثني أبو الأشهب عن الحسن قال: حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/489]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {على الأرض هوناً...}

... حدثني شريك عن جابر الجعفيّ عن عكرمة ومجاهدٍ في قوله: {الّذين يمشون على الأرض هوناً} قال: بالسّكينة والوقار.
وقوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} كان أهل مكّة إذا سبّوا المسلمين ردّوا عليهم ردّاً جميلاً قبل أن يؤمروا بقتالهم). [معاني القرآن: 2/272-271]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}
وقال: {وعباد الرحمن الّذين يمشون على الأرض} فهذا ليس له خبرٌ إلاّ في المعنى والله أعلم). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وعباد الرّحمن} أي عبيد الرحمن. نسبهم إليه - والناس جميعا عبيده -: [لاصطفائه] إيّاهم.
كما يقال: «بيت اللّه» - والبيوت كلها للّه - و«ناقة اللّه».
{يمشون على الأرض هوناً}. أي مشيا رويدا.
{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} أي سدادا من القول: لا رفث فيه، ولا هجر). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}
أي يمشون بسكينة ووقار وحلم.
{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} أي: نتسلم منكم سلاما لا نجاهلكم، كأنّهم قالوا تسلّما منكم.
و {عباد} مرفوع بالابتداء، والأحسن أن يكون خبر الابتداء ههنا ما في آخر السورة من قوله: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا)، كأنّه قال: وعباد الرحمن الذين هذه صفتهم كلها
-إلى قوله - {واجعلنا للمتقين إماما} ويجوز أن يكون قوله (وعباد الرّحمن) رفعا بالابتداء، وخبره {الذين يمشون على الأرض هونا} ). [معاني القرآن: 4/75-74]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا}
وكل واحد عبده فنسبهم إليه لاصطفائه إياهم كما يقال بيت الله وناقة الله
وقوله جل وعز: {الذين يمشون على الأرض هونا}
قال مجاهد أي بالوقار والسكينة
وقال الحسن علماء حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا
ثم قال تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}
قال مجاهد أي سدادا
قال سيبويه وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل سلاما تريد تسلما منك كما قلت براءة منك قال وزعم أن هذه الآية فيما زعم مكية
ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قوله تسلما ولا خير بيننا وبينكم ولا شر). [معاني القرآن: 5/46-45]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (هونا) أي: مشيا رويدا). [ياقوتة الصراط: 384]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {هَوْنًا}: أي رويداً.
{قالوا سلاما}: أي سدادا من القول). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 173]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا} [الفرقان: 64] يصلّون، أي: وأنتم أيّها المشركون لا تصلّون.
- وحدّثني همّامٌ، عن قتادة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «صلّوا من اللّيل ولو ركعتين، ولو أربعًا».
قال يحيى: بلغني أنّه من صلّى من اللّيل ركعتين فهو من الّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/489]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {والّذين يبيتون لربّهم سجّداً وقياماً...}

جاء في التفسير أنّ من قرأ شيئاً من القرآن في صلاة وإن قلّت، فقد بات ساجداً وقائماً. وذكروا أنّهما الركعتان بعد المغرب وبعد العشاء ركعتان). [معاني القرآن: 2/272]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين يبيتون لربّهم سجّدا وقياما}
كل من أدركه الليل فقد بات يبيت، نام أو لم ينم، بات فلان البارحة قلقا، إنما المبيت إدراك اللّيل). [معاني القرآن: 4/75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}
يقال بات إذا أدركه الليل نام أو لم ينم كما قال الشاعر:
فبتنا قياما عند رأس جوادنا = يزاولنا عن نفسه ونزاوله).
[معاني القرآن: 5/47-46]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غرامًا} [الفرقان: 65] حدّثني أبو الأشهب عن الحسن قال: قد علموا أنّ كلّ غريمٍ مفارقٌ غريمه غير غريم جهنّم.
وبعضهم يقول: {إنّ عذابها كان غرامًا} [الفرقان: 65] لزامًا.
وهو مثل قول الحسن إلا أنّه شبّهه بالغريم يلزم غريمه.
وبعضهم يقول: انتقامًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/489]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ عذابها كان غراماً...}

يقول ملحّا دائماً. والعرب تقول: إن فلاناً لمغرم بالنّساء إذا كان مولعاً بهنّ، وإني بك لمغرمٌ إذا لم تصبر عن الرجل ونرى أن الغريم إنما سمّي غريما لأنّه يطلب حقه ويلحّ حتى يقبضه). [معاني القرآن: 2/272]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ عذابها كان غراماً} أي هلاكاً ولزاماً لهم ومنه رجل مغرم بالحب حب النساء من الغرم والدين قال الأعشى:

فرع نيعٍ يهتزّ في غصن المج=د غزير النّدى شديد المحال
إن يعاقب يكن غراماً وإن يع=ط جزيلا فإنه لا يبالي
وقال بشر بن أبي خازم:
ويوم النسار ويوم الجفا=ر كانوا عذاباً وكانوا غراما
أي هلكة). [مجاز القرآن: 2/80]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {غراما}:أي هلاكا). [غريب القرآن وتفسيره: 279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كان غراماً} أي هلكة). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غراما}
الغرام في اللغة أشد العذاب.
قال الشاعر:
ويوم النّسار ويوم الجفار=كانا عذابا وكانا غراما).
[معاني القرآن: 4/75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن عذابها كان غراما}
قال أبو عبيدة أي هلاكا وأنشد:
ويوم النسار ويوم الجفار = كانا عذابا وكانا غراما

وقال الفراء كان غراما أي ملحا ملازما ومنه فلان غريمي أي يلح في الطلب
والغرام عند أكثر أهل اللغة أشد العذاب
قال الأعشى:
إن يعاقب يكن غراما = وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي

قال محمد بن كعب طالبهم الله بثمن النعم فلما لم يأتوا به غرمهم ثمنها وأدخلهم النار). [معاني القرآن: 5/48-47]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {غراما} أي: لازما). [ياقوتة الصراط: 384]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {غَرَامًا}: أي هلكة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 173]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {غَرَامًا}: هالكاً). [العمدة في غريب القرآن: 224]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّها ساءت مستقرًّا} [الفرقان: 66] أي: بئس المستقرّ هو في تفسير الحسن.
إنّ أهلها لا يستقرّون فيها.
يعني كقوله: {عاملةٌ ناصبةٌ} [الغاشية: 3] أعملها اللّه وأنصبها في النّار.
وقال: {يطوفون بينها وبين حميمٍ آنٍ} [الرحمن: 44] فهم في تردادٍ وعناءٍ في تفسير قتادة.
وأمّا قوله: {ومقامًا} [الفرقان: 76] منزلًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/489]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ساءت مستقراً ومقاماً} أي قراراً وأقامة لأنه من أقام أي مخلداً ومنزلاً، وقال جرير:

حيّوا المقام وحيّوا ساكن الدار
وقال سلامة بن جندل:
يومان يوم مقاماتٍ وأندية=ويوم سير إلى الأعداء تأويب

وإذا فتحوا أوله فهو من قمت وفي آية أخرى {ومقامٍ كريمٍ} أي مجلس،
وقال عباس بن مرداس:
فأيّ ما وأيّك كان شرّاً=فقيد إلى المقامة لا يراها
يدعو عليه بالعمى، أي إلى المجلس). [مجاز القرآن: 2/81-80]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {إنّها ساءت مستقرّا ومقاما}
{مستقرّا ومقاما} منصوبان على التمييز، المعنى أنها ساءت في المستقر والمقام). [معاني القرآن: 4/75]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} [الفرقان: 67] قال قتادة: الإسراف: النّفقة في معصية اللّه، والإقتار: الإمساك عن حقّ اللّه.
قوله: {وكان بين ذلك قوامًا} [الفرقان: 67] وهذه نفقة الرّجل على أهله.
وحدّثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ قال: بلغني أنّهم أصحاب رسول اللّه كانوا لا يأكلون طعامًا يريدون به نعيمًا، ولا يلبسون ثوبًا يريدون به جمالًا وكانت قلوبهم على قلبٍ واحدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/490]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا...}

بكسر التاء. قرأ أبو عبد الرحمن وعاصم (ولم يقتروا) من أقترت. وقرأ الحسن (ولم يقتروا) وهي من قترت؛ كقول من قرأ يقتروا بضم الياء. واختلافهما كاختلاف قوله: {يعرشون}
و{يعرشون} و{يعكفون} و{يعكفون} ومعناه {لم يسرفوا} ففي نصب القوام وجهان إن شئت نصبت القوام بضمير اسمٍ في كان (يكون ذلك الاسم من الإنفاق) أي وكان الإنفاق (قواماً بين ذلك) كقولك:
عدلاً بين ذلك أي بين الإسراف الإقتار. وإن شئت جعلت (بين) في معنى رفعٍ؛ كما تقول: كان دون هّذا كافياً لك، تريد: أقلّ من هذا كان كافياً لك، وتجعل {وكان بين ذلك}
كان الوسط من ذلك قواماً. والقوام قوام الشيء بين الشيئين. ويقال للمرأة: إنها لحسنة القوام في اعتدالها. ويقال: أنت قوام أهلك أي بك يقوم أمرهم وشأنهم وقيام وقيمٌ وقيّمٌ في معنى قوامٍ). [معاني القرآن: 2/273-272]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}
(يقتروا) بضم الياء وكسر التاء، وبفتح الياء وضم التاء، {ولم يقتّروا} ولا أعلم أحدا قرأ بها، أعني بتشديد التاء.
والذي جاء في التفسير أن الاسراف النفقة في معصية الله، وأنه لا إسراف في الإنفاق فيما قرب إلى الله عزّ وجلّ.
وكل ما أنفق في معصية اللّه فإسراف، لأن الإسراف مجاوزة الحدّ والقصد.
وجاء في التفسيبر أيضا أن الإسراف ما يقول الناس فيه فلان مسرف.
والحق في هذا ما أدّب اللّه عزّ وجلّ به نبيّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوما محسورا} [معاني القرآن: 4/76-75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا}
قال سفيان لم يسرفوا لم ينفقوا في غير حق
ولم يقتروا لم يمسكوا عن حق
وأحسن ما قيل ما حدثنا أبو علي الحسن بن غليب، قال: حدثني عمران بن أبي عمران، قال: حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي، قال: حدثني عمرو بن لبيد، عن أبي عبد الرحمن الحبلي في قوله جل وعز: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} قال من أنفق في غير طاعة الله عز وجل فهو الإسراف
ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار
ومن أنفق في طاعة الله عز وجل فهو القوام
وكان بين ذلك قواما أي عدلا
قال أحمد بن يحيى يقال هذا قوام الأمر وملاكه
وقال بعض أهل اللغة هذا غلط وإنما يقال هذا قوام الأمر واحتج بقوله تعالى: {وكان بين ذلك قواما}
قال أبو جعفر والصواب ما قال أحمد بن يحيى والمعنيان مختلفان فالقوام بالفتح الاستقامة والعدل كما قال لبيد:
واحب المجامل بالجزيل وصرمه = باق إذا ضلعت وزاغ قوامها
والقوام بالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر). [معاني القرآن: 5/50-48]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر} [الفرقان: 68] وأنتم أيّها المشركون تدعون معه الآلهة.
تفسير الحسن.
قال: {ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون} [الفرقان: 68] حدّثني الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: لمّا نزل في قاتل المؤمن قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها} [النساء: 93] إلى آخر الآية.
اشتدّ ذلك عليهم فأتوا رسول اللّه وذكروا الفواحش وقالوا: قد قبلنا وفعلنا وفعلنا فأنزل اللّه: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر} [الفرقان: 68] بعد إسلامهم، {ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ} [الفرقان: 68] بعد إسلامهم {ولا يزنون} [الفرقان: 68] بعد إسلامهم.
{ومن يفعل ذلك يلق أثامًا {68} يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا {69}} [الفرقان: 68-69] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/490]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ
[تفسير القرآن العظيم: 1/490]
قال: قلت: يا رسول اللّه أيّ العمل أكبر؟ قال: «أن تجعل لخالقك ندًّا، وأن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك، وأن تزني بحليلة جارك».
ثمّ نزل القرآن: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون} [الفرقان: 68] حتّى أتمّ الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/491]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير الكلبيّ: أنّ وحشيًّا بعدما قتل حمزة كتب إلى النّبيّ يسأله هل له توبةٌ وكتب إليه فيما كتب: إنّ اللّه أنزل آيتين بمكّة أيستاني من كلّ خيرٍ: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا {68} يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا {69}} [الفرقان: 68-69] وإنّ وحشيًّا قد فعل هذا
كلّه، قد زنى، وأشرك، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه.
فأنزل اللّه.
{إلا من تاب} [الفرقان: 70] أي من الزّنا {وآمن} [الفرقان: 70] بعد الشّرك {وعمل عملا صالحًا} [الفرقان: 70] بعد السّيّئات {فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} [الفرقان: 70] بالشّرك الإيمان، وبالفجور العفاف {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 70].
فكتب بها رسول اللّه إليه، فقال وحشيٌّ: هذا شرطٌ شديدٌ فلعلّي ألا أبقى بعد التّوبة حتّى أعمل صالحًا.
فكتب إلى رسول اللّه: هل من شيءٍ أوسع من هذا؟ فأنزل اللّه: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].
فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ، فأرسل وحشيٌّ إلى رسول اللّه: إنّي أخاف ألا أكون من مشيئة اللّه.
فأنزل اللّه في وحشيٍّ وأصحابه: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزمر: 53] فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ فأقبل وحشيٌّ، إلى رسول اللّه وأسلم). [تفسير القرآن العظيم: 1/491]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن يفعل ذلك يلق أثامًا} [الفرقان: 68] سعيدٌ عن قتادة قال: أي نكالًا.
قال: وكنّا نحدّث أنّه وادٍ في جهنّم قعيرٌ غمرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/491]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ومن يفعل ذلك يلق آثاماً...}

{يضاعف له العذاب يوم القيامة...}قرأت القراء بجزم (يضاعف) ورفعه عاصم بن أبي النّجود. والوجه الجزم. وذلك أن كلّ مجزوم فسّرته ولم يكن فعلاً لما قبله فالوجه فيه الجزم،
وما كان فعلاً لما قبله رفعته. فأمّا المفسّر للمجزوم فقوله: {ومن يفعل ذلك يلق آثاماً} ثم فسر الآثام، فقال {يضاعف له العذاب} ومثله في الكلام: إن تكلّمني توصني بالخير والبرّ أقبل منك؛ ألا ترى أنك فسّرت الكلام بالبرّ ولم يكن فعلاً له، فلذلك جزمت. ولو كان الثاني فعلا للأوّل لرفعته، كقولك إن تأتنا تطلب الخير تجده؛ ألا ترى أنك تجد (تطلب) فعلاً للإتيان كقيلك: إن تأتنا طالباً للخير تجده.قال الشاعر:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره=تجد خير نار عندها خير موقد
فرفع (تعشو) لأنه أراد: متى تأته عاشياً. ورفع عاصم (يضاعف له) لأنه أراد الاستئناف كما تقول: إن تأتنا نكرمك نعطيك كلّ ما تريد، لا على الجزاء). [معاني القرآن: 2/273]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" يلق أثاماً " أي عقوبة). [مجاز القرآن: 2/81]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن يفعل ذلك يلق أثاماً} أي عقوبة. قال الشاعر:
[عقوقا] والعقوق له أثام أي عقوبة). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:لا يدعون مع اللّه إلها آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما}
{ومن يفعل ذلك يلق أثاما} " يلق " جزم على الجزاء، وتأويل الأثام تأويل المجازاة على الشيء.
قال أبو عمرو الشيباني: يقال قد لقي أثام ذلك أي جزاء ذلك.
وسيبويه والخليل يذهبان إلى أن معناه يلقى جزاء الأثام، قال سيبويه جزمت. (يضاعف له العذاب)، لأن مضاعفة العذاب لقي الأثام
كما قال الشاعر:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا=تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا
لأن الإتيان هو الإلمام، فجزم تلمم لأنه بمعنى تأتي.
وقرأ الحسن وحده " يضعّف " له العذاب، وهو جيّد بالغ، تقول ضاعفت الشيء وضعّفته.
وقرأ عاصم: (يضاعف له العذاب) بالرفع. على تأويل تفسير يلق أثاما، كأنّ قائلا قال ما لقيّ الأثام، فقيل يضاعف للآثم العذاب ). [معاني القرآن: 4/76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر}
قال أبو وائل قال عبد الله بن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم فقال أن تشرك بالله جل وعلا وهو خلقك
قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك وتزني بحليلة جارك ثم قرأ عبد الله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية
وقوله جل وعز: {ومن يفعل ذلك يلق آثاما}
قال مجاهد هو واد في جهنم
وقال أبو عمرو الشيباني يقال لقي آثام ذلك أي جزاء ذلك
وقال القتبي الآثام جزاء العقوبة وأنشد:
والعقوق له آثام
قال أبو جعفر وأصح ما قيل في هذا وهو قول الخليل وسيبويه أن المعنى يلق جزاء الآثام كما قال سبحانه: {واسأل القرية}
وبين جزاء الآثام فقال يضاعف له العذاب يوم القيامة كما بين الشاعر في قوله:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا = تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
قال الضحاك لما أنزل الله جل وعز: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى آخر الآية قال المشركون قد زعم أنه لا توبة لنا، فأنزل الله جل وعز: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} أي تاب من الشرك ودخل في الإسلام، ونزل هذا بمكة وأنزل الله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} الآية ثم أنزل بالمدينة بعد ثماني سنين: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} وهي مبهمة لا مخرج منها). [معاني القرآن: 5/50-52]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَلْقَ أَثَامًا}: أي عقوبة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 173]

تفسير قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير الكلبيّ: أنّ وحشيًّا بعدما قتل حمزة كتب إلى النّبيّ يسأله هل له توبةٌ وكتب إليه فيما كتب: إنّ اللّه أنزل آيتين بمكّة أيستاني من كلّ خيرٍ: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا {68} يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا {69}} [الفرقان: 68-69] وإنّ وحشيًّا قد فعل هذا كلّه، قد زنى، وأشرك، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه.
فأنزل اللّه.
{إلا من تاب} [الفرقان: 70] أي من الزّنا {وآمن} [الفرقان: 70] بعد الشّرك {وعمل عملا صالحًا} [الفرقان: 70] بعد السّيّئات {فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} [الفرقان: 70] بالشّرك الإيمان، وبالفجور العفاف {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 70].
فكتب بها رسول اللّه إليه، فقال وحشيٌّ: هذا شرطٌ شديدٌ فلعلّي ألا أبقى بعد التّوبة حتّى أعمل صالحًا.
فكتب إلى رسول اللّه: هل من شيءٍ أوسع من هذا؟ فأنزل اللّه: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].
فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ، فأرسل وحشيٌّ إلى رسول اللّه: إنّي أخاف ألا أكون من مشيئة اللّه.
فأنزل اللّه في وحشيٍّ وأصحابه: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزمر: 53] فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ فأقبل وحشيٌّ، إلى رسول اللّه وأسلم). [تفسير القرآن العظيم: 1/491]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
(" يضعّف له العذاب يوم القيامة " أي يلق عقوبة وعقاباً كما وصف " يضعف له العذاب " وقال بلعاء بن قيس الكناني:

جزى الله ابن عروة حيث أمسى=عقوقاً والعقوق له أثام
أي عقاباً). [مجاز القرآن: 2/81]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {إلا من تاب} [الفرقان: 70] إلا من كان أصاب ذلك في شركٍ فتاب.
{فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم} [الفرقان: 70] الّتي أصابوها في الشّرك.
{حسناتٍ} [الفرقان: 70] قال: وسيّئاتهم، الشّرك.
{حسناتٍ} [الفرقان: 70].
وقال: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53] بالشّرك {لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا} [الزمر: 53] الّتي كانت في الجاهليّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/490]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير الكلبيّ: أنّ وحشيًّا بعدما قتل حمزة كتب إلى النّبيّ يسأله هل له توبةٌ وكتب إليه فيما كتب: إنّ اللّه أنزل آيتين بمكّة أيستاني من كلّ خيرٍ: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا {68} يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا {69}} [الفرقان: 68-69] وإنّ وحشيًّا قد فعل هذا
كلّه، قد زنى، وأشرك، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه.
فأنزل اللّه.
{إلا من تاب} [الفرقان: 70] أي من الزّنا {وآمن} [الفرقان: 70] بعد الشّرك {وعمل عملا صالحًا} [الفرقان: 70] بعد السّيّئات {فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} [الفرقان: 70] بالشّرك الإيمان، وبالفجور العفاف {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 70].
فكتب بها رسول اللّه إليه، فقال وحشيٌّ: هذا شرطٌ شديدٌ فلعلّي ألا أبقى بعد التّوبة حتّى أعمل صالحًا.
فكتب إلى رسول اللّه: هل من شيءٍ أوسع من هذا؟ فأنزل اللّه: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].
فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ، فأرسل وحشيٌّ إلى رسول اللّه: إنّي أخاف ألا أكون من مشيئة اللّه.
فأنزل اللّه في وحشيٍّ وأصحابه: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزمر: 53] فكتب بها رسول اللّه إلى وحشيٍّ فأقبل وحشيٌّ، إلى رسول اللّه وأسلم). [تفسير القرآن العظيم: 1/491] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا {69} إلا من تاب} [الفرقان: 69-70] استثنى من تاب.
[تفسير القرآن العظيم: 1/491]
{وآمن وعمل عملا صالحًا} [الفرقان: 70] الحسن بن دينارٍ، عن الحسن في قوله في {[طه:] وإنّي لغفّارٌ لمن تاب} [سورة طه: 82] من الشّرك و {وآمن} [الفرقان: 70] وأخلص الإيمان للّه
{وعمل صالحًا} [الفرقان: 71] في إيمانه.
سعيدٌ عن قتادة قال: إلا من تاب من ذنبه، وآمن بربّه، وعمل صالحًا فيما بينه وبين اللّه.
{فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} [الفرقان: 70] فأمّا التّبديل في الدّنيا فطاعة اللّه بعد عصيانه، وذكر اللّه بعد نسيانه، والخير يعمله بعد الشّرّ.
{وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 70] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/492]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {إلّا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسنات وكان اللّه غفورا رحيما}

ليس أن السيئة بعينها تصير حسنة، ولكن التأويل أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة، والكافر يحبط اللّه عمله ويثبت اللّه عليه السّيئات). [معاني القرآن: 4/76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}
روى عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال يقرأ المؤمن في أول كتابه السيئات ويرى الحسنات دون ذلك فينظر وجهه وينظر أعلاه فإذا هو حسنات كله فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه فأولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات
قال مجاهد والضحاك أي يبدلهم من الشرك الإيمان
وقال الحسن قوم يقولون التبديل في الآخرة يوم القيامة وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدلهم الله إيمانا من الشرك وإخلاصا من الشك وإحصانا من الفجور
قال أبو إسحاق ليس يجعل مكان السيئة حسنة ولكن يجعل مكان السيئة التوبة والحسنة مع التوبة). [معاني القرآن: 5/53-52]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن تاب وعمل صالحًا فإنّه يتوب إلى اللّه متابًا} [الفرقان: 71] تقبّل توبته إذا تاب قبل الموت كقوله في سورة النّساء: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن} [النساء: 18].
ويقال: تقبل التّوبة من العبد ما لم يغرغر). [تفسير القرآن العظيم: 1/492]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
(وقوله جل وعز: {ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متاب}

أي توبة مؤكدة أي إذا عمل صالحا بعد التوبة قيل تاب متابا أي متابا مرضيا مقبولا). [معاني القرآن: 5/54]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين لا يشهدون الزّور} [الفرقان: 72] الشّرك.
وقال السّدّيّ: لا يحضرون الزّور، يعني مجالس الكذب والباطل.
{وإذا مرّوا باللّغو} [الفرقان: 72] الباطل، وهو ما فيه المشركون من الباطل.
وقال بعضهم: اللّغو هاهنا الشّتم والأذى.
قال: {مرّوا كرامًا} [الفرقان: 72] ليسوا من أهله.
سعيدٌ عن قتادة قال: {والّذين لا يشهدون الزّور وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كرامًا} [الفرقان: 72] لا يشهدون أهل الباطل على باطلهم ولا يمالئونهم فيه). [تفسير القرآن العظيم: 1/492]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {والّذين لا يشهدون الزّور...}

يقول: لا يحضرون مجالس الكذب والمعاصي.
ويقال (أعياد المشركين لا يشهدونها) لأنها زور وكذب؛ إذ كانت لغير الله. وقوله: {باللّغو مرّوا كراماً} ذكر أنهم كانوا إذا أجروا ذكر النساء كنوا عن قبيح الكلام فيهنّ.
فذلك مرورهم به). [معاني القرآن: 2/274-273]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {اللّغو} كل كلامٍ ليس بحسنٍ وهو في اليمين لا والله وبلى والله). [مجاز القرآن: 2/82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({مرّوا كراماً}: لم يخضوا فيه، وأكرموا أنفسهم عنه). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (والّذين لا يشهدون الزّور وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما}
قيل الزور الشرك باللّه، وجاء أيضا أنّهم لا يشهدون أعياد النصارى.
والذي جاء في الزور أنه الشرك باللّه، فأمّا النهي عن شهادة الزور في كتاب الله فقوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا}.
وقوله عزّ وجلّ: {وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما} تأويله أعرضوا عنه،
كما قال الله عزّ وجلّ: {وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه}
وتأويل {مرّوا باللّغو} مروا بجميع ما ينبغي أن يلغى.
ومعنى " يلغى " يطرح.
وجاء في التفسير أنّهم إذا أرادوا ذكر النكاح كنوا عنه.
وقال بعضهم: هو ذكر الرفث، والمعنى واحد.
وجاء أيضا أنهم لا يجالسون أهل اللغو وهم أهل المعاصي، ولا يمالئونهم عليها، أي يعاونونهم عليها.
وجاء أيضا في (لا يشهدون الزور) مجالس الغناء). [معاني القرآن: 4/77-76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين لا يشهدون الزور}
قال محمد بن الحنفية يعني الغناء
وقال الضحاك يعني الشرك
وأصل الزور في اللغة الكذب والشرك أشد الكذب
وقوله: {وإذا مروا باللغو مروا كراما}
قال الضحاك باللغو أي بالشرك
وروي عنه أيضا إذا ذكروا النكاح كنوا عنه
وقال الحسن اللغو المعاصي كلها
وأصل اللغو في اللغة ما ينبغي أن يلغى أي يطرح أي تركوه وأكرموا أنفسهم عنه). [معاني القرآن: 5/55-54]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم} [الفرقان: 73] القرآن.
{لم يخرّوا عليها صمًّا وعميانًا} [الفرقان: 73] لم يصمّوا عنها ولم يعموا عنها.
وقال قتادة: لم يصمّوا عن الحقّ ولم يعموا عنه). [تفسير القرآن العظيم: 1/492]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لم يخرّوا عليها صمّاً وعمياناً...}

يقال: إذا تلي عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى كأنهم لم يسمعوه. فذلك الخرور. وسمعت العرب تقول: قعد يشتمني، وأقبل يشتمني.
وأنشدني بعض العرب:

لا يقنع الجارية الخضاب=ولا الوشاحان ولا الجلباب
من دون أن تلتقي الأركاب=ويقعد الهن له لعاب
... يقال لموضع المذاكير: ركب. ويقعد كقولك: يصير). [معاني القرآن: 2/274]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لم يخرّوا عليها صماًّ وعمياناً} مجازه لم يقيموا عليها تاركين لها لم يقبلوها). [مجاز القرآن: 2/82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لم يخروا عليها صما}: لم يقيموا عليها، تاركين لها). [غريب القرآن وتفسيره: 279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لم يخرّوا عليها صمًّا وعمياناً} أي لم يتغافلوا عنها: فكأنهم صمّ لم يسمعوها، عمي لم يرها ).
[تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} إنْ ترجمته بمثل لفظه استغلق،
وإنْ قلت: لم يتغافلوا أدَّيت المعنى بلفظ آخر). [تأويل مشكل القرآن: 21-22]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: {والّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم لم يخرّوا عليها صمّا وعميانا}
تأويله: إذا تليت عليهم خرّوا سجّدا وبكيّا، سامعين مبصرين لما أمروا به ونهوا عنه.
ودليل ذلك قوله: {وممّن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدا وبكيّا}.
ومثل هذا من الشعر قوله:

بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم=ولم تكثر القتلى بها حين سلّت
تأويله: بأيدي رجال شاموا سيوفهم وقد كثرت القتلى، ومعنى يشيموا سيوفهم يغمدوا سيوفهم.
فالتأويل: والّذين إذا ذكروا بآيات ربّهم خرّوا ساجدين مطيعين). [معاني القرآن: 4/78-77]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا}
أي لم يتغافلوا عنها ويتركوها حتى يكونوا بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر). [معاني القرآن: 5/55]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعينٍ} [الفرقان: 74]
[تفسير القرآن العظيم: 1/492]
تفسير ابن عبّاسٍ: أعوانًا على طاعة اللّه.
وتفسير الحسن: أي يرونهم مطيعين للّه.
قال: {واجعلنا للمتّقين إمامًا} [الفرقان: 74] قال قتادة: قادةً في الخير ودعاة هدًى يؤتمّ بهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/493]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وذرّيّاتنا...}

قرأ أصحاب عبد الله (وذرّيّتنا) والأكثر {وذرّيّاتنا} وقوله: {قرّة أعينٍ} ولو قيل: {عينٍ} كان صواباً كما قالت {قرّة عينٍ لي ولك} ولو قرئت: قرّات أعين لأنهم كثير كان صواباً. والوجه التقليل {قرّة أعين} لأنه فعلٌ والفعل لا (يكاد يجمع) ألا ترى أنه قال {لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً} فلم يجمعه وهو كثيرٌ. والقرّة مصدرٌ. تقول: قرّت عينك قرّةً.
وقوله: {للمتّقين إماماً} ولم يقل: أئمّةً وهو واحدٌ يجوز في الكلام أن تقول: أصحاب محمد أئمّة الناس وإمام الناس كما قال {إنّا رسول ربّ العالمين} للاثنين ومعناه: اجعنا أئمّةً يقتدى بنا. وقال مجاهد: اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدى بنا من بعدنا). [معاني القرآن: 2/274]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعينٍ واجعلنا للمتّقين إماماً}
وقال: {للمتّقين إماماً} فـ"الإمام" ههنا جماعة كما قال: {فإنّهم عدوٌّ لي} ويكون على الحكاية كما يقول الرجل إذا قيل له: "من أميركم" قال: "هؤلاء أميرنا" وقال الشاعر:
يا عاذلاتي لا تردن ملامتي = إنّ العواذل ليس لي بأمير).
[معاني القرآن: 3/16]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {واجعلنا للمتقين إماما}: أي أمة وقد يقال في الكلام: أصحاب محمد يقتدى بهم. ومثله {والملائكة بعد ذلك ظهير}
والظهير: العون). [غريب القرآن وتفسيره: 279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (... وقال عز وجل: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي خلق العجل من
الإنسان، يعني العجلة. كذلك قال أبو عبيدة.
ومن المقلوب ما قلب على الغلط كقول خِدَاش بن زهير:
وتركبُ خيلٌ لا هوادَة بينها = وتعصِى الرِّمَاح بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ
أي: (تعصي الضياطرة بالرّماح) وهذا ما لا يقع فيه التّأويل، لأن الرماح لا تعصى بالضّياطرة وإنما يعصى الرجال بها، أي يطعنون.
ومنه قول الآخر:
أسلَمْتُه في دمشقَ كما = أسلمَتْ وحشيَّةٌ وَهَقَا
أراد: (كما أسلم وحشية وهق) فقلب على الغلط.
وقال آخر:
كانت فريضةَ ما تقول كَمَا = كان الزِّنَاءُ فريضةُ الرَّجْمِ
أراد (كما كان الرجم فريضة الزنى).
وكان بعض أصحاب اللغة يذهب في قول الله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} إلى مثل هذا في القلب، ويقول: وقع التشبيه بالراعي في ظاهر الكلام، والمعنى للمنعوق به وهو الغنم. وكذلك قوله سبحانه: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} أي: تنهض بها وهي مثقلة.
وقال آخر في قوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي: وإن حبّه للخير لشديد.
وفي قوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: اجعل المتّقين لنا إماما في الخير.
وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عزّ وجلّ لو لم يجد له مذهبا، لأنّ الشعراء تقلب اللفظ، وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية، أو لاستقامة وزن البيت.
فمن ذلك قول لبيد:
نحن بنو أمّ البنين الأربعة
قال ابن الكلبي: هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة.
وقال آخر يصف إبلا:
صبَّحن من كاظمة الخصَّ الخَرِب = يحملْنَ عَبَّاسَ بنَ عبدَ المطَّلِب
أراد: (عبد الله بن عباس) فذكر أباه مكانه.
وقال الصّلتان:
أرى الخطفيَّ بذَّ الفرزدقَ شعرُه = ولكنَّ خيرًا مُن كُليب مُجَاشع
أراد: «أرى جريراً بذَّ الفرزدق شعره» فلم يمكنه فذكر جدّه.
وقال ذو الرّمة:
عشيَّةَ فرَّ الحارثيُّون بعدَما = قضى نَحْبَه في ملتقى القوم هَوْبُرُ
قال ابن الكلبي: هو (يزيد بن هوبر) فاضطرّ.
وقال (أوس):
فهل لكم فيها إليَّ فإنّني = طبيب بما أعيا النِّطاسيَّ حِذْيَمَا
أراد: (ابن حذيم) وهو طبيب كان في الجاهلية وقال ابن ميّادة وذكر بعيرا:
كأنَّ حيثُ تلتقي منه المُحُلْ = من جانبيه وَعِلَينِ وَوَعِل
أراد: وَعِلَينِ من كل جانب، فلم يمكنه فقال: وَوَعِل.
وقال أبو النجم:
ظلَّت وَوِرْدٌ صادقٌ مِن بالِها = وظلَّ يوفِي الأُكُمَ ابنُ خالِها
أراد فحلها؛ فجعله ابن خالها.
وقال آخر:
مثل النصارى قتلوا المسيح
أراد: اليهود.
وقال آخر:
ومحور أخلص من ماء اليَلَب
واليلب: سيور تجعل تحت البيض، فتوهّمه حديدا.
وقال رؤبة:
أو فضّة أو ذهب كبريتُ
وقال أبو النجم:
كلمعة البرق ببرق خلَّبُه
أراد: بخلّب برقه، فقلب.
وقال آخر:
إنَّ الكريم وأبيك يعتَمِلْ = إن لم يجد يوماً على مَن يَتَّكِلْ
أراد: إن لم يجد يوما من يتكل عليه.
في أشباه لهذا كثيرة يطول باستقصائها الكتاب.
والله تعالى لا يغلطُ ولا يضطرُّ، وإنما أراد: ومثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم كمثل الناعق بما لا يسمع، فاقتصر على قوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وحذف ومثلنا، لأنّ الكلام يدل عليه. ومثل هذا كثير في الاختصار.
وقال الفراء: أراد: ومثل واعظ الذين كفروا، فحذف، كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، أي: أهلها.
وأراد بقوله: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}، أي: تميلها من ثقلها.
قال الفراء أنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما الْتَأَمَتْ مفاصِلُه = وَنَاءَ فِي شِقِّ الشِّمَالِ كَاهِلُه
يريد: أنه لما أخذ القوس ونزع، مال عليها.
قال: ونرى قولهم: (ما سَاءك ونَاءَك)، من هذا.
وكان الأصل (أناءك) فألقي الألف لما اتبعه (ساءك) كما قالوا: (هَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي)، فاتبع مرأني هنأني. ولو أفرد لقال: أمرأني.
وأراد بقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}، أي: وإنه لحبّ المال لبخيل، والشدة: البخل هاهنا، يقال: رجل شديد ومتشدّد.
وقوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، يريد: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون، كما قال في موضع آخر:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}، أي: قادة، كذلك قال المفسّرون.
وروي عن بعض خيار السلف: أنه كان يدعو الله أن يحتمل عنه الحديث، فحمل عنه.
وقال بعض المفسرين في قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، أي:اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدي بنا من بعدنا. فهم على هذا التأويل متّبعون ومتّبعون).
[تأويل مشكل القرآن: 197-205] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعين واجعلنا للمتّقين إماما}
(وذرّيّتنا)
ويقرأ (وذرّيّاتنا) - سألوا أن يلحق اللّه بهم ذريتهم في الجنة، وأن يجعل أهلهم تقر بهم أعينهم.
{واجعلنا للمتقين إماما} أي واجعلنا ممن يهتدي به المتقون، ويهتدي بالمتقين). [معاني القرآن: 4/78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين}
قال الضحاك أي مطيعين لك
ثم قال: {واجعلنا للمتقين إماما}
قال الضحاك أي اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير
وقال الحسن أي اجعلنا نقتدي بالمتقين الذين قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا). [معاني القرآن: 5/55]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أولئك يجزون الغرفة} [الفرقان: 75] كقوله: {وهم في الغرفات آمنون} [سبأ: 37] قوله: {بما صبروا} [الفرقان: 75] على طاعة اللّه وعن معصية اللّه.
{ويلقّون فيها} [الفرقان: 75] الجنّة.
{تحيّةً وسلامًا} [الفرقان: 75] التّحيّة السّلام، والسّلام الخير الكثير.
كقوله: {من كلّ أمرٍ {4} سلامٌ هي} [القدر: 4-5] حدّثنا عبد الوهّاب بن مجاهدٍ، عن أبيه قال: {من كلّ أمرٍ {4} سلامٌ هي} [القدر: 4-5]، خيرٌ كلّها {حتّى مطلع الفجر} [القدر: 5] يعني ليلة القدر). [تفسير القرآن العظيم: 1/493]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ويلقون...}

و{يلقّون فيها} كل قد قرئ به و{يلقون} أعجب إليّ؛ لأنّ القراءة لو كانت على {يلقّون} كانت بالباء في العربيّة؛ لأنك تقول: فلان يتلقّى بالسّلام وبالخير. وهو صواب يلقّونه ويلقّون به كما تقول: أخذت بالخطام وأخذته). [معاني القرآن: 2/275]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {خالدين فيها} [الفرقان: 76] لا يموتون ولا يخرجون منها.
{حسنت مستقرًّا} [الفرقان: 76] قرارهم فيها.
قوله: {ومقامًا} [الفرقان: 76] منزلًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/493]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل ما يعبأ بكم ربّي} [الفرقان: 77] ما يفعل بكم ربّي.
{لولا دعاؤكم} [الفرقان: 77] لولا توحيدكم وإخلاصكم كقوله: {فادعوا اللّه مخلصين له الدّين} [غافر: 14] قال: {فقد كذّبتم} [الفرقان: 77] يعني المشركين.
{فسوف يكون لزامًا} [الفرقان: 77] أخذًا بالعذاب.
يعدهم بيوم بدرٍ.
سعيدٌ عن قتادة قال: كنّا نحدّث أنّه يوم بدرٍ.
فألزمهم اللّه يوم بدرٍ عقوبة كفرهمٍ وجحودهم، فعذّبهم بالسّيف يوم بدرٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/493]
وبلغني عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّه كان يقول: قد مضت البطشة الكبرى يوم بدرٍ.
واللّزام والدّخان: الجوع الّذي كان أصابهم بمكّة، والرّوم، والقمر.
قال يحيى: يعني قوله: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر} [القمر: 1].
وأمّا الرّوم فإنّهم غلبوا فارس، وغلب المسلمون المشركين في يومٍ واحدٍ.
وقوله: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} [القمر: 45] يوم بدرٍ.
وقوله: {حتّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذابٍ شديدٍ} [المؤمنون: 77] يوم بدرٍ.
وقوله: {العذاب الأدنى} [السجدة: 21] يوم بدرٍ.
وقوله: {وإنّ للّذين ظلموا عذابًا دون ذلك} [الطور: 47] يوم بدرٍ.
وقوله: {قل يوم الفتح لا ينفع الّذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون} [السجدة: 29] يوم بدرٍ في قول بعضهم.
وقول الحسن: النّفخة الأولى بها يهلك آخر كفّار هذه الأمّة.
- عثمان، عن داود بن أبي هندٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: ثلاث آياتٍ قد مضين، اثنتان منهم يوم بدرٍ، يومٌ ذو عذابٍ شديدٍ، {سيهزم الجمع} [القمر: 45]، {وانشقّ القمر} [القمر: 1] عثمان عن الأعمش أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/494]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ما يعبأ بكم ربّي...}

ما استفهام أي ما يصنع بكم {لولا دعاؤكم} لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام {فقد كذّبتم فسوف يكون لزاماً} نصبت اللزام لأنك أضمرت في (يكون) اسماً إن شئت كان مجهولاً فيكون بمنزله قوله في قراءة أبيّ (وإن كان ذا عسرةٍ) وإن شئت جعلت فسوف يكون تكذيبكم عذاباً لازماً ذكر أنه ما نزل بهم يوم بدرٍ. والرفع فيه جائز لو أتى. وقد تقول العرب: لأضربنّك ضربةً تكون لزام يا هذا، تخفض كما تقول: دراك ونظار. وأنشد.
لا زلت محتملاً عليّ ضغينةً =حتى الممات تكون منك لزام
قال: أنشدناه في المصادر). [معاني القرآن: 2/275]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قل ما يعبأ بكم ربّي} ومنه قولهم ما عبأت بك شيئاً أي ما عددتك شيئاً). [مجاز القرآن: 2/82]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فسوف يكون لزاماً} أي جزاء وهو الفيصل قال الهذلي:
فإما ينجوا من حتف يومٍ=فقد لقيا حتوفهما لزاما
يلزم كل عامل ما عمل من خير أو شر وله موضع آخر فسوف يكون هلاكا قال أبو ذؤيب:
ففاجئه بعاديةٍ لزامٍ=كام يتفجّر الحوض اللقيف
الحوض اللقيف الذي قد تهدمت حجارته سقط بعضها على بعض ؛ لزام أي كثيرة بعضها في إثر بعض). [مجاز القرآن: 2/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاماً}
وقال: {ما يعبأ بكم} لأنّها من "عبأت به" فـ"أنّا أعبأ به" "عبأً"). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ما يعبأ بكم ربي}: ما عبأت به شيئا أي ما صنعت به شيئا). [غريب القرآن وتفسيره: 280]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قل ما يعبؤا بكم ربّي} مفسر في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}
في هذه الآية مضمر وله أشكلت: أي ما يعبأ بعذابكم ربّي لولا ما تدعونه من دونه من الشريك والولد. ويوضّح ذلك قوله: فسوف يكون لزاماً أي يكون العذاب لمن كذّب ودعا من دونه إلها- لازما.
ومثله من المضمر الشاعر:
من شاء دلّى النّفس في هوّة ضنك، ولكن من له بالمضيق
أراد: ولكن من له بالخروج من المضيق؟
وقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}، أي من كان يريد علم العزّة: لمن هي؟ فإنها لله تعالى). [تأويل مشكل القرآن: 438]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاما}
أي لولا توحيدكم إياه.
وجاء في التفسير {ما يعبأ بكم} ما يفعل بكم وتأويل {ما يعبأ بكم} أي: أيّ وزن يكون لكم عنده، كما تقول: ما عبأت بفلان أي ما كان له عندي وزن ولا قدر.
وأصل العبء في اللغة الثقل، ومن ذلك عبأت المتاع جعلت بعضه على بعض.
وقوله: {فقد كذّبتم فسوف يكون لزاما} جاء في التفسير عن الجماعة أنه يعنى به يوم بدر، وجاء أنه لوزم بين القتلى لزاما.
وقرئت (لزاما)، وتأويله - واللّه أعلم - فسوف يكون تكذيبكم لزاما، يلزمكم فلا تعطون التوبة وتلزمكم العقوبة، فيدخل في هذا يوم بدر.
وغيره مما يلزمهم من العذاب.
وقال أبو عبيدة: لزاما فيصلا، وهو قريب مما قلنا، إلا أن القول أشرح.
وأنشد أبو عبيدة لصخر أخي الهذلي:
فإمّا ينجوا من حتف أرض=فقد لقيا حتوفهما لزاما
وتأويل هذا أن الحتف إذا كان مقدرا فهو لازم، وإن نجا من حتف مكان لحقه في مكان آخر لازما له لزاما.
ومن قرأ (لزاما) بفتح اللام، فهو على مصدر لزم لزاما). [معاني القرآن: 4/79-78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أي ما يفعل بكم ربي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه وتطيعوه
وهذا أحسن ما قيل في الآية كما قال جل وعز: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم}
وأصل يعبأ من العبء وهو الثقل وقول الشاعر:
كأن بصدره وبجانبيه = عبيرا بات يعبأه عروس

أي يجعل بعضه على بعض
أي أي وزن لكم عند ربكم لولا أنه أراد أن يدعوكم إلى طاعته
وقال القتبي المعنى ما يعبأ بعذابكم ربي لولا دعاؤكم غيره أي لولا شرككم
ثم قال سبحانه: {فقد كذبتم فسوف يكون لزاما}
روى مسروق عن عبد الله قال يعني يوم بدر
وكذلك قال مجاهد والضحاك
قال أبو إسحاق أي فسوف يكون التكذيب لازما يلزمكم ولا تعطون التوبة
وقال القتبي أي فسوف يكون العذاب لزاما
وقال أبو عبيدة لزاما أي فيصلا
وقال مسلم بن عمار سمعت ابن عباس يقرؤها فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما
وقال أبو زيد سمعت قعنبا يقرأ فسوف يكون لزاما بفتح اللام
قال أبو جعفر وهذا مصدر لزم والأول مصدر لزم
حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم يقول لولا إيمانكم
وأخبر الله جل وعز الكفار أنه لا حاجة له بهم إذا لم يخلقهم مؤمنين ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين فسوف يكون لزاما قال يقول موتا).
[معاني القرآن: 5/58-56]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة