العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:12 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة الإسراء

التفسير اللغوي لسورة الإسراء

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 05:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 22]

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)}

تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا} [الإسراء: 1]، يعني نفسه.
أسرى بعبده محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1]، يعني: بيت المقدس.
{الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} [الإسراء: 1] ما أراه اللّه ليلة أسري به.
- نا يحيى، قال: نا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، عن مالك بن صعصعة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " بينما أنا عند البيت بين النّائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثّلاثة بين الرّجلين.
قال فأتيت فانطلق بي، فأتيت بطستٍ من ذهبٍ فيها من ماء زمزم، فشرح صدري إلى مكان كذا وكذا ".
قال قتادة: فقلت للّذي معي: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني،
[تفسير القرآن العظيم: 1/101]
فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم، ثمّ كنز أو قال حشي إيمانًا وحكمةً، ثمّ أتيت بدابّةٍ بيضاء يقال له: البراق، فوق الحمار ودون البغل، يضع خطوه عند أقصى طرفه.
فحملت عليه، ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الدّنيا، فاستفتح جبريل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتح له وقالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
قال: فأتيت على آدم صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أبوك آدم، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح.
[تفسير القرآن العظيم: 1/102]
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الثّانية، فاستفتح جبريل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ.
قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتح لنا، وقالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
فأتيت على يحيى وعيسى، فقلت: يا جبريل من هذان؟ قال: هذان يحيى وعيسى.
قال: وأحسبه أنّه قال: ابنا الخالة، فسلّمت عليهما، فقالا: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الثّالثة، فكان نحو هذا من كلام جبريل وكلامهم.
فأتيت على يوسف عليه السّلام، فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك يوسف، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الرّابعة، فأتيت على إدريس، فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك إدريس، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
وكان قتادة يقول عندها: قال اللّه: {ورفعناه مكانًا عليًّا} [مريم: 57] قال: فانطلقنا حتّى أتينا السّماء الخامسة، فأتيت أو أتينا على هارون، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك هارون، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء السّادسة، فأتيت على موسى، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
فلمّا جاوزته بكى، فقيل له: وما يبكيك؟ قال: ربّ، هذا غلامٌ بعثته بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّا يدخل من أمّتي.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء السّابعة، فأتيت على إبراهيم، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ رفع لنا البيت المعمور بحيال الكعبة، فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ، إذا خرجوا منه لم يعودوا، آخر ما عليهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/103]
ثمّ رفعت لنا سدرة المنتهى، فحدّث نبيّ اللّه أنّ ورقها مثل آذان الفيلة، وأنّ نبقها مثل قلال هجر.
وحدّث نبيّ اللّه أنّه رأى أربعة أنهارٍ يخرخر من تحتها، نهران باطنان، ونهران ظاهران.
فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار؟ فقال: أمّا النّهران الباطنان فنهران في الجنّة، وأمّا الظّاهران فالنّيل والفرات.
وأتيت بإناءين: أحدهما لبنٌ والآخر خمرٌ، فعرضا عليّ، فاخترت اللّبن.
فقيل لي: أصبت، أصاب اللّه بك أمّتك على الفطرة.
وفرضت عليّ خمسون صلاةً، أو قال: أمرت بخمسين صلاةً كلّ يومٍ، فجئت بهنّ حتّى أتيت على موسى، فقال لي: بما أمرت؟ فقلت أمرت بخمسين صلاةً كلّ يومٍ.
فقال: إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك.
إنّي قد بلوت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف لأمّتك، قال: فما زلت أختلف فيما بين موسى وبين ربّي، كلّما أتيت عليه قال لي مثل مقالتي هذه، حتّى رجعت بخمس صلواتٍ كلّ يومٍ.
فلمّا أتيت عليه قال لي: بما أمرت؟ فقلت: أمرت بخمس صلواتٍ كلّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/104]
يومٍ، فقال: إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك، إنّي قد بلوت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف لأمّتك.
فقال نبيّ اللّه: لقد رجعت إلى ربّي حتّى لقد استحييت، ولكنّي أرضى وأسلّم.
قال: فنوديت أو نادى منادٍ: إنّي قد أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي وجعلت الحسنة بعشر أمثالها ".
فانتهى حديث أنسٍ إلى هذا.
- حمّادٌ، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " بينما أنا عند البيت إذ أتيت فشقّ النّحر، فاستخرج القلب، فغسل بماء زمزم، ثمّ أعيد مكانه، ثمّ أتيت بدابّةٍ أبيض يقال له: البراق، فوق الحمار ودون البغل، مضطرب الأذنين، يقع خطوه عند منتهى طرفه، فحملت عليه، فسار بي نحو بيت المقدس، فإذا بمنادٍ
ينادي عن يمين الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك.
فمضيت ولم أعرج عليه، ثمّ إذا أنا بمنادٍ ينادي عن يسار الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك.
فمضيت ولم أعرج عليه.
ثمّ إذا أنا بامرأةٍ على قارعة الطّريق، أحسبه قال: حسناء جملاء عليها من كلّ الحليّ والزّينة، ناشرةٌ شعرها، رافعةٌ يدها تقول: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرج عليها، حتّى أتينا إلى بيت المقدس فأوثقت الدّابّة بالحلقة الّتي يوثق بها الأنبياء صلّى اللّه عليهم، ثمّ دخلت المسجد فصلّيت فيه
ركعتين، ثمّ خرجت، فأتاني
[تفسير القرآن العظيم: 1/105]
جبريل بإناءين: إناءٍ من لبنٍ وإناءٍ من خمرٍ فتناولت اللّبن، فقال: أصبت الفطرة، ثمّ قال لي جبريل: يا محمّد ما رأيت في وجهك هذا؟ قلت: سمعت مناديًا ينادي عن يمين الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك.
قال: فما صنعت؟ قلت: مضيت ولم أعرج عليه.
قال: ذاك داعية اليهود، أما إنّك لو عرجت عليه لتهوّدت أمّتك.
قلت: ثمّ إذا أنا بمنادٍ ينادي عن يسار الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، قال: فما صنعت؟ قال: مضيت ولم أعرج عليه، قال: ذلك داعية النّصارى، أما إنّك لو عرجت عليه لتنصّرت أمّتك.
قلت: ثمّ إذا أنا بامرأةٍ قال: أحسبه قال: حسناء جملاء عليها من كلّ الحليّ والزّينة، ناشرةٍ شعرها، رافعةٍ يديها تقول: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، قال فما صنعت؟ قلت: مضيت ولم أعرج عليها.
قال: تلك الدّنيا، أما إنّك لو عرجت عليها لملت إلى الدّنيا.
ثمّ أتينا بالمعراج فإذا أحسن ما خلق اللّه.
ألم تر إلى الميّت حيث يشقّ بصره فإنّما يتبعه المعراج عجبًا به.
ثمّ تلا هذه الآية: {تعرج الملائكة والرّوح إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ} [المعارج: 4] فقعدنا فيه، فعرج بنا حتّى انتهينا إلى باب السّماء الدّنيا، وعليها ملكٌ يقال له إسماعيل، جنده سبعون ألف ملكٍ، جند
[تفسير القرآن العظيم: 1/106]
كلّ ملكٍ سبعون ألفٍ.
ثمّ تلا هذه الآية: {وما يعلم جنود ربّك إلا هو} [المدثر: 31].
فاستفتح جبريل، فقيل: ومن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا، فأتيت على آدم، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم، فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ، قال: وإذا الأرواح تعرض عليه، فإذا مرّ به روح مؤمنٍ قال: روحٌ طيّبٌ وريحٌ طيّبةٌ، وإذا مرّ به روح كافرٍ قال: روحٌ خبيثٌ وريحٌ خبيثةٌ.
قال: ثمّ مضيت فإذا أنا بأخاوين عليها لحومٌ نتنةٌ، وأخاوين عليها لحومٌ طيّبةٌ، وإذا رجالٌ ينهشون اللّحوم المنتنة ويدعون اللّحوم الطّيّبة، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزّناة يدعون الحلال ويتّبعون الحرام.
قال: ثمّ مضيت فإذا أنا برجالٍ تفكّ ألحيتهم، وآخرون يجيئون بالصّخور من النّار فيقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم.
قال: فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا.
ثمّ تلا هذه الآية: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10].
ثمّ مضيت فإذا أنا بقومٍ يقطّع من لحومهم بدمائهم فيضفزونها، ولهم جؤارٌ.
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الهمّازون اللّمّازون.
[تفسير القرآن العظيم: 1/107]
ثمّ تلا هذه الآية: {أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه} [الحجرات: 12].
قال: وإذا أنا بنسوةٍ معلّقاتٍ بثديهنّ، وأحسبه قال: وإذا حيّاتٌ وعقارب ينهشنهنّ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الظّؤرة اللاتي يقتلن أولادهنّ.
قال: ثمّ أتيت على سابلة آل فرعون، حيث ينطلق بهم إلى النّار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا، فإذا رأوها قالوا: ربّنا لا تقومنّ السّاعة، لما يرون من عذاب اللّه.
وإذا أنا برجالٍ بطونهم كالبيوت يقومون فيقعون لظهورهم ولبطونهم، فيأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثردًا.
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الرّبا.
ثمّ تلا هذه الآية: {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} [البقرة: 275].
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الثّانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال:
[تفسير القرآن العظيم: 1/108]
نعم، قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
قال: ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى، فرحّبا بي ودعوا لي بخير.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الثّالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، قال: فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، قال: فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الرّابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قال: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، وإذا لحيته شطران: شطرٌ أبيض، وشطرٌ أسود.
فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا المحبّب في قومه وأكثر من رأيت تبعًا، قال: فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
قال: ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء السّادسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فإذا بموسى، وإذا هو رجلٌ أشعر لو لبس قميصين لنفدهما الشّعر، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى، قال: فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
قال: ثمّ مضيت، فسمعت موسى يقول: يزعم بنو إسرائيل أنّي أكرم الخلق على اللّه، وهذا أكرم على اللّه منّي، فلو كان إليه وحده لهان عليّ ولكنّ النّبيّ ومن تبعه من أمّته.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل.
قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قال: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فأتيت على إبراهيم، وإذا هو مستندٌ إلى البيت المعمور يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ لا يعودون إليه إلى أن تقوم السّاعة، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم، فسلّمت عليه، فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ، وإذا أمّتي عنده شطران: شطرٌ عليهم ثيابٌ بيضٌ، وشطرٌ عليهم ثيابٌ رمدٌ، فدخل أصحاب الثّياب البيض، واحتبس الآخرون، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال:
هؤلاء الّذين خلطوا عملا صالحًا وآخر
[تفسير القرآن العظيم: 1/109]
سيّئًا وكلٌّ إلى خيرٍ.
ثمّ قيل لي: هذه منزلتك ومنزلة أمّتك.
ثمّ تلا هذه الآية: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} [آل عمران: 68].
قال: ثمّ انتهينا إلى سدرة المنتهى، فإذا هي أحسن ما خلق اللّه، وإذا الورقة من ورقها لو غطّيت بها هذه الأمّة لغطّتهم، ثمّ انفجر من تحتها السّلسبيل، ثمّ انفجر من السّلسبيل نهران: نهر الرّحمة، ونهر الكوثر، فاغتسلت من الرّحمة، فغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر.
ثمّ أعطيت الكوثر فسلكته حتّى انفجر بي في الجنّة، فإذا طيرها كالبخت، وإذا الرّمّانة من رمّانها كجلد البعير المقبّب.
قال: ونظرت إلى جاريةٍ فقلت: لمن أنت يا جارية؟ قالت: لزيد بن حارثة.
قال: فبشّرت بها زيدًا.
قال: ثمّ نظرت إلى النّار فإذا: إنّ عذاب ربّي لشديدٌ، لا تقوم له الحجارة ولا الحديد.
قال: ثمّ رجعت إلى سدرة المنتهى، (فغشاها) من أمر اللّه ما (غشي)، ووقع على كلّ ورقةٍ، ملكٌ وأيّدها اللّه بأيده، وأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليّ في كلّ يومٍ وليلةٍ خمسين صلاةً، فرجعت إلى موسى، فقال: ما فرض عليك ربّك؟ فقلت: فرض عليّ في كلّ يومٍ وليلةٍ خمسين صلاةً، فقال: ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف، فإنّ أمّتك لا يطيقون ذلك، فإنّي قد بلوت بني إسرائيل
وخبرتهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/110]
فرجعت إلى ربّي، فقلت: أي ربّ حطّ عن أمّتي، فإنّ أمّتي لا تطيق ذلك.
فحطّ عنّي خمسًا.
قال: فرجعت إلى موسى، فقال: ما فرض عليك ربّك؟ قال: قلت: حطّ عنّي خمسًا، فقال: ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.
قال: فرجعت إلى ربّي فحطّ عنّي خمسًا.
قال: فلم أزل أختلف بين ربّي وبين موسى حتّى قال: يا محمّد لا تبديل، إنّه لا يبدّل القول لديّ، هي خمس صلواتٍ في كلّ يومٍ وليلةٍ، لكلّ صلاةٍ عشرٌ، فتلك خمسون صلاةً، فمن همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، ومن عملها كتبت له عشرًا، ومن همّ بسيّئةٍ ولم يعملها لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت عليه سيّئةً واحدةً.
قال: فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف، فقلت: فقد راجعته حتّى استحييت.
- سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا أتي بالبراق ليركبه استصعب عليه، فقال له جبريل: اسكن، فوالّذي نفسي بيده ما ركبك مخلوقٌ أكرم على اللّه منه، قال: فارفضّ عرقًا وقرّ.
- حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " مررت ليلة أسري بي على رجالٍ تقرض شفاهم بمقاريض من نارٍ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمّتك يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ".
- عثمان، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه
[تفسير القرآن العظيم: 1/111]
وسلّم: " بينما أنا في الجنّة إذا بنهرٍ حافتاه قباب اللّؤلؤ المجوّف، فضربت بيدي في مجرى الماء فإذا مسكٌ أذفر، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذا الكوثر الّذي أعطاك اللّه ".
المعلّى بن هلالٍ، أنّ رسول اللّه عليه السّلام قال: " مررت ليلة أسري بي على ملكٍ قائمٍ على سريرٍ بيده حربةٌ فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: إنّ نبيًّا أسري به قبلك، فمرّ على هذا وهو قاعدٌ فظنّ أنّه ربّه، فأهوى ليسجد له، فأقامه اللّه من يومه ليعلم أنّه عبدٌ".
قوله: {لنريه من آياتنا} [الإسراء: 1] سعيدٌ، عن قتادة، قال: ما أراه اللّه من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس.
قوله: {إنّه هو السّميع البصير} [الإسراء: 1]، يعني نفسه، لا أسمع منه ولا أبصر منه.
وقال الكلبيّ: لمّا أخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك المشركين، قال المشركون: تحدّثنا أنّك صلّيت اللّيلة في بيت المقدس ورجعت من ليلتك.
وهو مسيرة شهرٍ للذّاهب وشهرٍ للمقبل؟ وقال بعضهم: رويدك يا محمّد نسألك عن عيرنا هل رأيتها في الطّريق؟ قال: «نعم».
قال: أين؟ قال: «مررت على عير بني فلانٍ بالرّوحاء وقد أضلّوا ناقةً لهم، وهم في طلبها، فمررت على رحالهم وليس بها منهم أحدٌ.
فوجدت في إناءٍ من آنيتهم ماءً فشربته، فسلوهم إذا رجعوا، هل وجدوا الماء في الإناء؟».
قالوا: هذه واللّه آية.
[تفسير القرآن العظيم: 1/112]
قال: " ومررت على عير بني فلانٍ، فنفرت منّي الإبل ساعة كذا وكذا، ووصف جملا منها، قال: جملٌ أحمر، كان عليه أجير بني فلانٍ، عليه جولقٌ أسود مخطّطٌ ببياضٍ ".
قالوا: هذه واللّه آية وقد عرفنا الجولق.
قال: «ثمّ مررت على عير بني فلانٍ بالتّنعيم».
قالوا: فإن كنت صادقًا فإنّها تقدم الآن، قال: «أجل».
قالوا: فأخبرنا بعدّتها وأجمالها ومن فيها، قال: «كنت مشغولا عن ذلك»، فبينما هو يحدّثهم إذ مثّل له عدّتها وأجمالها في الخدور، يقدمها جملٌ أورق.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هي هذه منحدرةٌ من ثنيّة كذا مع طلوع الشّمس، يقدمها جملٌ أورق، وعدّتها كذا وكذا، وأحمالها كذا وكذا، وفيها فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ».
وسمّى الرّهط الّذين فيها بأسمائهم لم يغادر منهم أحدًا.
فخرج رهطٌ من قريشٍ يسعون قبل الثّنيّة، فإذا هم بها حين انحدرت من الثّنيّة، يقدمها جملٌ أورق كما قال، وفيها الرّهط الّذين سمّى مع طلوع الشّمس، فرموه بالسّحر، وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال إنّه ساحرٌ.
وجاء أبو بكرٍ فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، حدّثني ما رأيت عن يمينك حين دخلت بيت المقدس؟ وما رأيت عن يسارك؟ فحدّثه رسول اللّه، فصدّقه أبو بكرٍ، وقال: أشهد أنّك صادقٌ.
فيومئذٍ سمّي الصّدّيق، فقال رسول اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/113]
صلّى اللّه عليه وسلّم: وأنت الصّدّيق يا أبا بكرٍ.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: أسري بنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة إلى بيت المقدس، فصلّى فيه، وأراد اللّه أن يريه آياته، وأمره بما شاء ليلة أسري به، ثمّ أصبح بمكّة.
وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حدّث أنّه حمل على دابّةٍ يقال لها: البراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحدّث نبيّ اللّه بذلك أهل مكّة، فكذّبه المشركون وأنكروه، فصدّقه أبو بكرٍ، فسمّي الصّدّيق من أجل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/114]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً مّن المسجد الحرام...}

الحرم كلّه مسجد، يعني مكّة وحرمها {إلى المسجد الأقصى}: بيت المقدس {الّذي باركنا حوله} بالثمار والأنهار.
وقوله: {لنريه من آياتنا} يعني النبي صلى الله عليه وسلم حين أسرى به ليريه تلك الليلة العجائب. وأري الأنبياء حتّى وصفهم لأهل مكّة، فقالوا: فإنّ لنا إبلا في طريق الشأم فأخبرنا
بأمرها، فأخبرهم بآيات وعلامات، فقالوا: متى تقدم. فقال: يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق. فقالوا: هذه علامات نعرف بها صدقه من كذبه. فغدوا من وراء العقبة يستقبلونها، فقال قائل: هذه والله الشمس قد شرقت ولم يأت.
وقال آخر: هذه والله العير يقدمها جمل أورق كما قال محمد صلى الله عليه وسلم. ثم لم يؤمنوا). [معاني القرآن: 2/116-115]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً مّن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير}
قال: {سبحان الّذي أسرى} لأنك تقول "أسريت" و"سريت".
وقال: {إنّه هو السّميع البصير} فهو فيما ذكروا - والله أعلم - قل يا محمّد سبحان الذي أسرى بعبده" وقل: إنّه هو السّميع البصير). [معاني القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سبحان}: تنزيه لله عز وجل عن السوء). [غريب القرآن وتفسيره: 211]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله - عزّ وجلّ - {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير}
{سبحان} منصوب على المصدر، المعنى: أسبح الله تسبيحا.
ومعنى سبحان اللّه في اللغة تنزيه اللّه عن السوء، وكذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {أسرى بعبده ليلا}.
معناه سير عبده، يقال أسريت وسريت إذا سرت ليلا، وقد جاءت اللغتان في القرآن، قال اللّه جلّ وعزّ: {واللّيل إذا يسر} هذا من سريت ومعنى يسري يمضي.
أسرى اللّه سبحانه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام وهو مكة، والحرم كله مسجد، فأسرى الله به في ليلة واحدة من المسجد الحرام من مكة إلى بيت المقدس
وهو قوله - جلّ وعزّ: {إلى المسجد الأقصا الّذي باركنا حوله}
أجرى اللّه حول بيت المقدس الأنهار وأنبت الثمار، فذلك معنى باركنا حوله.
{لنريه من آياتنا} أي لنري محمدا.
فأراه الله في تلك الليلة من الأنبياء، وآياتهم ما أخبر به في غد تلك الليلة أهل مكة فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن لنا في طريق الشام إبلا فأخبرنا خبرها، فخبّرهم بخبرها، فقالوا فمتى تقدم الإبل علينا، فأخبرهم أنها تقدم في يوم سمّاه لهم مع شروق الشمس، وأنه تقدمها جمل أورق، فخرجوا في ذلك اليوم، فقال قائل: هذه الشمس قد أشرقت،
وقال آخر فهذه الإبل قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤمنوا بعد ذلك). [معاني القرآن: 3/226-225]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله تعالى جده: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن معنى سبحان فقال إنزاه الله من السوء وفي بعض الحديث براءة الله من السوء
قال سيبويه وغيره معناه براءة الله من السوء وأنشد:

أقول لما جاءني فخره = سبحان من علقمة الفاخر
وروى معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قمت في الحجر لما كذبني قومي ليلة أسري بي فأثنيت على ربي وسألته أن يمثل لي بيت المقدس،
فرفع لي فجعلت أنعت لهم آياته
وروى سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول فقال ((المسجد الحرام قلت ثم أي قال ثم المسجد الأقصى،
قلت كم بينهما قال أربعون سنة ثم قال أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد)) ). [معاني القرآن: 4/118-117]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} من المسجد الحرام يعني مكة إلى المسجد الأقصى يعني بيت المقدس الذي باركنا حوله قيل فجر حوله الأنهار وأنبت الثمار). [معاني القرآن: 4/119]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} لنريه من آياتنا ما رأى من الأنبياء وآثارهم). [معاني القرآن: 4/119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سُبْحانَ}: تنزيه لله من السوء). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وآتينا موسى الكتاب} [الإسراء: 2]، التّوراة في تفسير الحسن.
{وجعلناه} [الإسراء: 2] تفسير الحسن: موسى.
وقال السّدّيّ: التّوراة.
{هدًى لبني إسرائيل} [الإسراء: 2] لمن آمن به.
{ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} [الإسراء: 2] عاصم بن حكيمٍ، أنّ مجاهدًا قال: شريكًا.
وقال بعضهم: رياءً). [تفسير القرآن العظيم: 1/114]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ألاّ تتّخذوا من دوني وكيلاً...}
يقال: ربّا، ويقال: كافياً). [معاني القرآن: 2/116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} أي دللناهم به على الهدى.
{ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} أي لا تتوكلوا على غيري ولا تتخذوا من دوني ربّا). [معاني القرآن: 3/226]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل} أي دللناهم به على الهدى). [معاني القرآن: 4/119]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} ويقرأ (أن لا يتخذوا) على إضمار بمعنى وعهدنا إليهم وروى ورقاء،
عن ابن أبي نجيح ألا تتخذوا من دوني وكيلا قال شريكا قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة أن يقال لكل من قام مقام آخر في أي شيء كان هو شريكه،
وقال الفراء ألا تتخذوا من دوني وكيلا أي كافيا). [معاني القرآن: 4/120]

تفسير قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ} [الإسراء: 3] في السّفينة، أي: يا ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ، لذلك انتصبت.
سعيدٌ، عن قتادة قال: {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ} [الإسراء: 3] فالنّاس كلّهم ذرّيّة من أنجى في تلك السّفينة.
وذكر لنا أنّه نجا فيها نوحٌ، وثلاثة بنين له، وامرأته، ونساؤهم، وبنوه سامٌ، وحامٌ، ويافث.
فسامٌ أبو العرب، وحامٌ أبو
[تفسير القرآن العظيم: 1/114]
الحبش، ويافث أبو الرّوم، فجميعهم ثمانيةٌ.
قال: {إنّه كان عبدًا شكورًا} [الإسراء: 3] سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّه كان إذا استجدّ ثوبًا حمد اللّه.
قال يحيى: وعامّة ما في القرآن في تفسير العامّة أنّ الشّكور المؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 1/115]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ذرّيّة من حملنا...}

منصوبة على النداء ناداهم: يا ذرّيّة من حملنا مع نوح، يعني في أصلاب الرجال وأرحام النساء مّمن لم يخلق). [معاني القرآن: 2/116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذرّيّة من حملنا مع نوح إنّه كان عبدا شكورا}
القراءة بنصب (ذرّيّة). وقرأ بعضهم (ذرّيّة) - بكسر الذال - والضم أكثر.
وذرّية فعليّة من الذر، وهي منصوبة على النداء، كذا أكثر الأقوال المعنى: يا ذرّيّة من حملنا مع نوح.
وإنما ذكروا بنعم اللّه عندهم أنه أنجى أبناءهم من الغرق بأنهم حملوا مع نوح. ويجوز النصب على معنى ألا تتخذوا {ذرّيّة} من حملنا مع نوح من دوني وكيلا، فيكون الفعل،
تعدى إلى الذريّة وإلى الوكيل، تقول: اتخذت زيدا وكيلا، ويجوز {ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} على معنى:
{وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا * ذرّيّة من حملنا مع نوح}.
ويجوز الرفع في (ذرّيّة) على البدل من الواو، والمعنى {ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} أي لا تتخذوا من دوني وكيلا {ذرّيّة}، ولا تقرأنّ بها إلا أن تثبت بها
رواية صحيحة، فإن القراءة سنة لا يجوز أن تخالف بما يجوز في العربية). [معاني القرآن: 3/227-226]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذرية من حملنا مع نوح} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال على النداء أي ذرية من حملنا
قال أبو جعفر أي حرف نداء مثل يا، وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ذرية بفتح الذال وتشديد الراء والياء
وروى عن زيد بن ثابت ذرية بكسر الذال وتشديد الراء والياء فأما عامر بن عبد الواحد فحكي أن زيدا قرأ ذرية بفتح الذال وتشديد الراء والياء). [معاني القرآن: 4/121-120]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {إنه كان عبدا شكورا} روى معمر عن قتادة قال كان إذا لبس ثوبا قال بسم الله وإذا نزعه قال الحمد لله
وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال شكره، أنه إذا أكل قال بسم الله فإذا فرغ من الأكل قال الحمد لله). [معاني القرآن: 4/121]

تفسير قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل} [الإسراء: 4] تفسير السّدّيّ: أخبرنا بني إسرائيل.
{في الكتاب} [الإسراء: 4] يعني: في التّوراة.
وهو تفسير السّدّيّ.
قال الحسن: يقول: أعلمناهم، كقوله: {وقضينا إليه ذلك الأمر} [الحجر: 66]، يقول: أعلمناه.
عاصم بن حكيمٍ، أنّ مجاهدًا قال: {وقضينا} [الإسراء: 4] كتبنا.
{لتفسدنّ في الأرض مرّتين} [الإسراء: 4]، يعني: لتهلكنّ في الأرض مرّتين.
وهو تفسير السّدّيّ.
{ولتعلنّ علوًّا كبيرًا} [الإسراء: 4] يعني: لتقهرنّ قهرًا شديدًا.
تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/115]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [الإسراء: 4] كتبنا عليهم {لتفسدنّ في الأرض مرّتين} [الإسراء: 4] إلى قوله: {أولي بأسٍ شديدٍ} [الإسراء: 5]، قال: ذلك بيان من جاءهم من فارس، يتحسّسون أخبارهم، ويسمعون حديثهم، ومعهم بختنصّر، فوعى أحاديثهم من بين أصحابه، ثمّ رجعت فارس فلم يكن قتالٌ، ونصرت عليهم بنو إسرائيل.
فهذا وعد الأولى). [تفسير القرآن العظيم: 1/116]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل...}
أعلمناهم أنهم سيفسدون مرّتين). [معاني القرآن: 2/116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وقضينا} مجازه: أخبرنا). [مجاز القرآن: 1/370]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قضينا}: أخبرنا). [غريب القرآن وتفسيره: 211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقضينا إلى بني إسرائيل}: أخبرناهم). [تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قوله: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ}، أي أعلمناهم، لأنّه لمّا خبّرهم أنهم سيفسدون في الأرض، حتم بوقوع الخبر). [تأويل مشكل القرآن: 441]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين ولتعلنّ علوّا كبيرا }
معناه أعلمناهم في الكتاب، وأوحينا إليهم، ومثل ذلك قوله: {وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين}.
ومعناه وأوحينا إليه.
وقوله: {فقضاهنّ سبع سماوات في يومين} معناه خلقهن وفرغ منهن، ومثل هذا في الشعر قوله:
وعليهما مسرودتان قضاهما= داود أو صنع السّوابغ تبّع
معناه عملهما.
وجملة هذا الباب أن كل ما عمل عملا محكما فقد قضي، وإنما قيل للحاكم قاض لأنه إذا أمر أمرا لم يردّ أمره، فالقضاء قطع الأشياء عن إحكام.
والمعنى إنا أوحينا إليهم لتفسدنّ في الأرض ولتعلنّ علوّا كبيرا، معناه لتعظمن ولتبغنّ، لأنه يقال لكل متجبّر قد علا وتعظّم). [معاني القرآن: 3/227]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} قال سفيان أي على بني إسرائيل قال ابن عباس قضينا أعلمنا).
[معاني القرآن: 4/122]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وقضينا إلى بني إسرائيل} أخبرناهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَضَيْنا}: أخبرناهم). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {فإذا جاء وعد أولاهما} [الإسراء: 5] : أولى العقوبتين.
{بعثنا عليكم عبادًا لنا أولي بأسٍ شديدٍ} [الإسراء: 5] تفسير مجاهدٍ: فارس.
{فجاسوا خلال الدّيار} [الإسراء: 5] فقتلوهم في الدّيار، وهدموا بيت المقدس، وألقوا فيه الجيف والعذرة.
[تفسير القرآن العظيم: 1/115]
{وكان وعدًا مفعولا} [الإسراء: 5] أي أنّه كائنٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/116]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [الإسراء: 4] كتبنا عليهم {لتفسدنّ في الأرض مرّتين} [الإسراء: 4] إلى قوله: {أولي بأسٍ شديدٍ} [الإسراء: 5]، قال: ذلك بيان من جاءهم من فارس، يتحسّسون أخبارهم، ويسمعون حديثهم، ومعهم بختنصّر، فوعى أحاديثهم من بين أصحابه، ثمّ رجعت فارس فلم يكن قتالٌ، ونصرت عليهم بنو إسرائيل.
فهذا وعد الأولى). [تفسير القرآن العظيم: 1/116] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فإذا جاء وعد أولاهما...} يقول: عقوبة أولى المرّتين، وهو أول الفسادين {بعثنا عليكم عباداً لّنا} يعني بختنصّر فسبى وقتل.

وقوله: {فجاسوا خلال الدّيار} يعني: قتلوكم بين بيوتكم {فجاسوا} في معنى أخذوا وحاسوا أيضاً بالحاء في ذلك المعنى). [معاني القرآن: 2/116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فجاسوا} قتلوا.
{خلال الدّيار} بين الديار). [مجاز القرآن: 1/370]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لّنا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الدّيار وكان وعداً مّفعولاً}
وقال: {فإذا جاء وعد أولاهما} لأن "الأولى" مثل "الكبرى" يتكلم بها بالألف واللام ولا يقال "هذه أولى". والإضافة تعاقب الألف واللام.
فلذلك قال: {أولاهما} كما تقول "هذه كبراهمٌا" و"كبراهنّ" و"كبراهم عنده"). [معاني القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {جاسوا خلال الديار}: طلبوا من فيها كما يجوس الرجل الأخبار.
{خلال الديار}: بين الديار وبين البيوت). [غريب القرآن وتفسيره: 211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فجاسوا خلال الدّيار} أي عاثوا بين الديار وأفسدوا، يقال: جاسوا وحاسوا. فهم يجوسون ويحوسون).
[تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال عز وجل: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ}. أراد: بعثناهم ليسوءوا وجوهكم، فحذفها، لأنه قال قبل: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا}.فاكتفى بالأول من الثاني، إذ كان يدل عليه.
وكذلك قوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}. فاكتفى بذكر الثاني من الأول). [تأويل مشكل القرآن: 218]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الدّيار وكان وعدا مفعولا}
المعنى فإذا جاء وعد أولى المرتين.
{بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد} يروى أنه بعث عليهم بختنصر.
{فجاسوا خلال الدّيار} أي فطافوا في خلال الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه، والجوس طلب الشيء باستقصاء). [معاني القرآن: 3/227]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإذا جاء وعد أولاهما} أي أولى المرتين بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لجاءوا من ناحية فارس أول مرة ومعهم بختنصر فهزمهم بنو إسرائيل ثم رجعوا في الثانية فقتلوا بني إسرائيل ودمروهم تدميرا
قال قتادة بعث عليهم في أول مرة جالوت وفي الثانية بختنصر). [معاني القرآن: 4/123-122]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا} روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال جاسوا مشوا قال أبو جعفر المعروف عند أهل اللغة أنه يقال جسنا دور بني فلان وجسناها إذا قهروهم وغلبوهم). [معاني القرآن: 4/123]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فجاسوا} أي أفسدوا بين الديار، ومثله (حاسوا) ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَجَاسوا}: طافوا). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم} [الإسراء: 7] بعث ملك فارس ببابل جيشًا، وأمّر عليهم بختنصّر، فأتوا بني إسرائيل فدمّروهم.
فكانت هذه الآخرة ووعدها.
وقال السّدّيّ: {فإذا جاء وعد الآخرة} [الإسراء: 7]، يعني: الموت الأخير من العذاب الّذي وعدهم.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: عوقب القوم على غلوّهم وفسادهم، فبعث اللّه عليهم في الأولى جالوت الخزريّ، فسبى وقتل، وجاسوا خلال الدّيار كما قال اللّه، ثمّ روجع القوم على دخنٍ فيهم كثيرٍ.
فقال: {ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنين} [الإسراء: 6] يقول: وأعطيناكم.
تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/116]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وجعلناكم أكثر نفيرًا} [الإسراء: 6]، أي: أكثر عددًا في زمان داود.
وقوله: {ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم} [الإسراء: 6] ففعل ذلك بهم في زمان داود يوم طالوت). [تفسير القرآن العظيم: 1/116]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم...}

يعني على بختنصّر جاء رجل بعثه الله عزّ وجلّ على بختنصّر فقتله وأعاد الله إليهم ملكهم وأمرهم، فعاشوا، ثم أفسدوا وهو آخر الفسادين). [معاني القرآن: 2/116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {رددنا لكم الكرّة} أعقبنا لكم الدولة.
{أكثر نفيراً} مجازه: من الذين نفروا معه). [مجاز القرآن: 1/371]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الكرة}: الدولة.
{أكثر نفيرا}: أي من نفر معه). [غريب القرآن وتفسيره: 211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ رددنا لكم الكرّة} أي الدّولة.
{أكثر نفيراً} أي أكثر عددا. وأصله: من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته. والنّفير والنّافر واحد. كما يقال: قدير وقادر). [تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}أي رددنا لكم الدولة.
{وجعلناكم أكثر نفيرا} أي جعلناكم أكثر منهم نصّارا، ويجوز أن يكون نفيرا جمع نفر كما يقال: العبيد والكليب والضّئين والمعيز.
و{نفيرا} منصوب على التمييز). [معاني القرآن: 3/228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم} أي الدولة {وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}
يجوز أن يكون نفيرا بمعنى نافر مثل قدير وقادر
ويجوز أن يكون جمع نفر مثل عبيد وكليب ومعيز وأصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأصحابه). [معاني القرآن: 4/123-124]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أكثر نفيرا} أي أكثر عددا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الكرَّةَ}: الدولة). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم} [الإسراء: 7] بعث ملك فارس ببابل جيشًا، وأمّر عليهم بختنصّر، فأتوا بني إسرائيل فدمّروهم.
فكانت هذه الآخرة ووعدها.
وقال السّدّيّ: {فإذا جاء وعد الآخرة} [الإسراء: 7]، يعني: الموت الأخير من العذاب الّذي وعدهم.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: عوقب القوم على غلوّهم وفسادهم، فبعث اللّه عليهم في الأولى جالوت الخزريّ، فسبى وقتل، وجاسوا خلال الدّيار كما قال اللّه، ثمّ روجع القوم على دخنٍ فيهم كثيرٍ.
فقال: {ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنين} [الإسراء: 6] يقول: وأعطيناكم.
تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/116] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} [الإسراء: 7]، أي: فلأنفسكم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/116]
{فإذا جاء وعد الآخرة} [الإسراء: 7] قال قتادة: آخر العقوبتين.
{ليسوءوا وجوهكم} [الإسراء: 7] وهي تقرأ على وجهين: ليسوء اللّه وجوهكم، خفيفةٌ، والوجه الآخر: ليسوّئوا، مثقّلةٌ، يعني: القوم وجوهكم.
{وليدخلوا المسجد} [الإسراء: 7]، يعني: بيت المقدس.
{كما دخلوه أوّل مرّةٍ} [الإسراء: 7] سعيدٌ، عن قتادة، قال: أي كما دخله عدوّهم قبل ذلك.
قال: {وليتبّروا ما علوا} [الإسراء: 7] أي: غلبوا عليه.
{تتبيرًا} [الإسراء: 7] أي: وليفسدوا ما غلبوا عليه فسادًا، فبعث اللّه عليهم في الآخرة بختنصّر البابليّ المجوسيّ، فسبى، وقتل، وخرّب بيت المقدس، وقذف فيه الجيف والعذرة.
يقال إنّه فسادهم الثّاني قتل يحيى بن زكريّاء، فبعث اللّه بختنصّر عقوبةً عليهم بقتلهم يحيى، فقتل منهم سبعين ألفًا.
أبو سهلٍ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن قتادة، أنّ مريم لمّا حملت قالوا: ضيّع اللّه بنت سيّدنا، يعنون زكريّاء، حتّى زنت، فلمّا طلبوا زكريّاء ليقتلوه انطلق هاربًا، فعرضت له شجرةٌ، فقال: افرجي لي حتّى أختبئ فيك، ففرجت له فدخل فيها وانضمّت عليه، وبقي بعض هدب ثيابه خارجًا.
فطلبوه فلم يقدروا عليه، فجاء إبليس، فقال: هو في هذه الشّجرة وهذا هدب ثوبه، فجيء بالمنشار فوضع عليه حتّى قتل.
[تفسير القرآن العظيم: 1/117]
وإنّ يحيى بن زكريّا كان في زمانٍ لم يكن للرّجل منهم أن يتزوّج امرأة أخيه بعده، وإذا كذب متعمّدًا لم يولّ الملك.
فمات الملك وولّي أخوه، فأراد الملك أن يتزوّج امرأة أخيه الملك الّذي مات، فسألهم فرخّصوا له، فسأل يحيى بن زكريّا، فأبى أن يرخّص له، فحقدت عليه امرأة أخيه، وجاءت بابنة أخي الملك الأوّل إليه فقال لها: سليني اليوم حكمك، فقالت: حتّى أنطلق إلى أمّي، فلقيت أمّها فقالت: قولي له إن أردت أن تفي لنا بشيءٍ فأعطني رأس يحيى بن زكريّاء، فقال: قولي لها:
غير هذا خيرٌ لك منه، قال: فأبت، وتكره أن يخلفها فلا يولّى الملك، فدفع إليها يحيى بن زكريّاء.
فلمّا وضعت الشّفرة على حلقه قال: قولي: بسم اللّه.
هذا ما بايع عليه يحيى بن زكريّاء عيسى ابن مريم على ألا يزني، ولا يسرق، ولا يلبس إيمانه بسوءٍ.
فلمّا أمرّت الشّفرة على أوداجه فذبحته ناداها منادٍ من فوقها، فقال: يا ربّة البيت الخاطئة الغاوية، قالت: إنّها كذلك، فما تريد منها؟ قال: لتبشّر فإنّها أوّل ما تدخل النّار.
قال: وخسف بابنتها فجاءوا بالمعاول فجعلوا يحفرون عنها وتدخل في الأرض حتّى ذهبت). [تفسير القرآن العظيم: 1/118]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم...}

يقول القائل: أين جواب (إذا)؟ ففيه وجهان. يقال: فإذا جاء عد الآخرة بعثناهم ليسوء الله وجوهكم لمن قرأ بالياء. وقد يكون ليسوء العذاب وجوهكم.
وقرأها أبيّ بن كعب بـ (لنسوءن وجوهكم) بالتخفيف يعني النون. ولو جعلتها مفتوحة اللام كانت جواباً لإذا بلا ضمير فعل.
تقول إذا أتيتني لأسوءنّك ويكون دخول الواو فيما بعد (لنسوءن) بمنزلة قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من} نريه الملكوت، كذلك الواو في {وليدخلوا} تضمر لها فعلا بعدها، وقد قرئت {ليسوءوا وجوهكم} الذين يدخلون). [معاني القرآن: 2/117-116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وليتبّروا} وليدمروا). [مجاز القرآن: 1/371]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وليتبروا ما علوا}: ليدمروا). [غريب القرآن وتفسيره: 212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فإذا جاء وعد الآخرة} يعني من المرّتين.
{ليسوؤا وجوهكم} من السّوء.
{وليتبّروا} أي ليدمّروا ويخرّبوا). [تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة وليتبّروا ما علوا تتبيرا}
{فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم).
وتقرأ {ليسوء وجوهكم}
المعنى فإن جاء وعد الآخرة ليسوء الوعد وجوهكم.
ومن قرأ (ليسوءوا) فالمعنى ليسوء هؤلاء القوم وجوهكم.
وقد قرئت (لنسوء وجوهكم) - بالنون الخفيفة - ومعناه ليسوء الوعد وجوهكم، والوقف عليها ليسوءا. والأجود ليسوء بغير نون، وليسوءوا. ويجوز: ليسوء وجوهكم،
ويكون الفعل للوعد على الأمر، ولا تقرأ به، ويجوز لنسوء بالنون في موضع الياء.
وقوله: {وليتبّروا ما علوا تتبيرا} معناه ليدمّروا، ويقال لكل شيء منكسر من الزّجاج والحديد والذّهب تبر، ومعنى {ما علوا} أي ليدمّروا في حال علوّهم عليكم). [معاني القرآن: 3/228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم} فإذا جاء وعد الآخرة أي من المرتين ليسوءوا وجوهكم
روى زائد عن الأعمش قال الله ليسوء وجوهكم
وقال غيره ليسوء الوعد وجوهكم
ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ لنسوء وجوهكم بالنون وهي قراءة الكسائي وفي الكلام حذف والمعنى فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم لنسوء وجوهكم
وروى عن أبي بن كعب أنه قرأ فإذا جاء وعد الآخرة لنسوءن وجوهكم بالنون الخفيفة واللام المفتوحة والوقف عليه لنسوءا مثل لنسفعا وهو على غير حذف ومن قرأ ليسوءوا فالمعنى عنده للعباد وفيه حذف). [معاني القرآن: 4/125-124]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {وليتبروا ما علوا تتبيرا} قال ابن جريج ليدمروا تدميرا كذا قال ابن عباس قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة يقال تبر الشيء إذا كسرة ومنه التبر). [معاني القرآن: 4/126-125]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وليتبروا} أي: وليدمروا، أي: وليهلكوا. (تتبيرا) أي: إهلاكا وتدميرا. والعرب تقول: تبرته ودمرته وأهلكته بمعنى واحد). [ياقوتة الصراط: 305]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ليسوءوا} من السوء.
{وليتبروا} أي يدمروا ويخربوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُتَبِّروا}: يدمّروا). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {عسى ربّكم أن يرحمكم} [الإسراء: 8] سعيدٌ، عن قتادة، قال: فعاد اللّه عليهم بعائدته.
قال: {وإن عدتم عدنا} [الإسراء: 8] عليكم بالعقوبة.
كان أعلمهم أنّ هذا كائنٌ كلّه.
قوله: {وإن عدتم عدنا} [الإسراء: 8] تفسير الحسن: أنّ اللّه عاد لهم بمحمّدٍ فأذلّهم بالجزية.
[تفسير القرآن العظيم: 1/118]
قال يحيى: يعني قوله: {وإذ تأذّن ربّك} [الأعراف: 167] يعني قال ربّك في تفسير قتادة.
وقال الحسن: أشعر ربّك، قال ربّك، {ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} [الأعراف: 167] وقال سعيدٌ، عن قتادة: ثمّ عاد القوم لشرّ ما بحضرتهم، فبعث اللّه عليهم ما شاء من نقمته، ثمّ كان عذاب اللّه أن بعث عليهم العرب، فهم منهم في عذابٍ إلى يوم القيامة.
قوله: {وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8] سعيدٌ، عن قتادة، قال: سجنًا أي: يحصرهم فيها.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: يحصرون فيها). [تفسير القرآن العظيم: 1/119]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {جهنّم للكافرين حصيراً} من الحصر والحبس فكان معناه محبساً، ويقال: للملك حصير لأنه محجوب،

قال لبيد:
ومقامةٍ غلب الرّقاب كأنّهم= جنٌّ لدى باب الحصير قيام
والحصير أيضاً: البساط الصغير، فيجوز أن تكون جهنم لهم مهاداً بمنزلة الحصير، ويقال للجنبين: حصيران، يقال: لاضربن حصيريك وصقليك). [مجاز القرآن: 1/371]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حصيرا}: محبسا). [غريب القرآن وتفسيره: 212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وجعلنا جهنّم للكافرين حصيراً} أي محبسا. من حصرت الشيء: إذا حبسته. فعيل بمعنى فاعل). [تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {عسى ربّكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا}
{وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا} معناه حبسا، أخذ من قوله: حصرت الرّجل إذا حبسته فهو محصور وهذا حصيره أي محبسه، والحصير المنسوج إنما سمي حصيرا لأنه حصرت طاقاته بعضها مع بعض.
والجنب يقال له الحصير لأن بعض الأضلاع محصور مع بعض). [معاني القرآن: 3/229-228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل ذكره: {وإن عدتم عدنا} روى مبارك عن الحسن قال إن عدتم إلى المعصية عدنا إلى العقوبة). [معاني القرآن: 4/126]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} قال مجاهد أي يحصرون فيها وقال الحسن فراشا ومعادا وروى معمر عن قتادة قال محبسا قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يقال حصرت الرجل أي حبسته ويقال للموضع الذي يحبس فيه حصير ويقال أحصره المرض والأصل فيه واحد).
[معاني القرآن: 4/126]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {حصيرا}: أي: حبيسا). [ياقوتة الصراط: 305]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حصيرا} أي محبسا، وقيل: فراشا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصيراً}: حبسا). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ هذا القرءان يهدي} [الإسراء: 9]، يعني: يدعو.
وهو تفسير السّدّيّ.
{للّتي هي أقوم} [الإسراء: 9].
وقال: في المزّمّل: {وأقوم قيلا} [المزمل: 6] أصوب.
{ويبشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجرًا كبيرًا} [الإسراء: 9] الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/119]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم...}.

يقول لشهادة أن لا إله إلا الله.
{ويبشّر المؤمنين} أوقعت البشارة على قوله: {أنّ لهم أجراً كبيراً} ويجوز أن يكون المؤمنون بشروا أيضاً بقوله: {وأنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً...}
لأن الكلام يحتمل أن تقول: بشّرت عبد الله بأنه سيعطى وأن عدوّه سيمنع، ويكون. ويبشّر الذين لا يؤمنون بالآخرة أنا أعتدنا لهم عذاباً أليماً،
وإن لم يوقع التبشير عليهم كما أوقعه على المؤمنين قبل (أنّ) فيكون بمنزلة قولك في الكلام بشّرت أن الغيث آتٍ فيه معنى بشّرت الناس أن الغيث آتٍ وإن لم تذكرهم.
ولو استأنفت {وإنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة} صلح ذلك ولم أسمع أحداً قرأ به). [معاني القرآن: 2/117]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجرا كبيرا }
أي للحال التي هي أقوم الحالات، وهي توحيد اللّه - عزّ وجلّ – أي شهادة أن لا إله إلا اللّه والإيمان برسله، والعمل بطاعته، وهذه صفة الحال التي هي أقوم الحالات).
[معاني القرآن: 3/229]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} المعنى يهدي للحال التي هي أقوم والحال التي هي أقوم توحيد الله واتباع رسله والعمل بطاعته). [معاني القرآن: 4/127]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وأنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} [الإسراء: 10] موجعًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/119]

تفسير قوله تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير} [الإسراء: 11] يدعو بالشّرّ على نفسه وعلى ولده وماله كما يدعو بالخير.
وقال في آية أخرى: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم} [يونس: 11] لأمات الّذي يدعو عليه.
{وكان الإنسان عجولا} [الإسراء: 11] وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: يدعو على ماله فيلعن ماله وولده، ولو استجاب اللّه له
[تفسير القرآن العظيم: 1/119]
لأهلكه.
الحسن بن دينارٍ، عن حميد بن هلالٍ، قال: ألا تعجب من النّاس كيف يغبنون عن جلال اللّه؟ يقول أحدهم لدابّته أو لشاته: غضب اللّه عليك.
ولو قيل له: اغضب على شاتك أو اغضب على دابّتك لغضب من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/120]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ويدع الإنسان...}

حذفت الواو منها في اللفظ ولم تحذف في المعنى؛ لأنها في موضع رفع، فكان حذفها باستقبالها اللام السّاكنة. ومثلها {سندع الزّبانية} وكذلك {وسوف يؤت اللّه المؤمنين}
وقوله: {يوم يناد المناد} وقوله: {فما تغن النّذر} ولو كنّ بالياء والواو كان صواباً. وهذا من كلام العرب.
قال الشاعر:
كفاك كفٌّ ما تليق درهما = جوداً وأخرى تعط بالسيف الدّما
وقال بعض الأنصار:
ليس تخفي بشارتي قدر يومٍ =ولقد تخف شيمتي إعساري
وقوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير} يريد كدعائه بالخير في الرغبة إلى الله عزّ وجل فيما لا يحبّ الداعي إجابته، كدعائه على ولده فلا يستجاب له في الشرّ وقد دعا به.
فذلك أيضاً من نعم الله عزّ وجلّ عليه). [معاني القرآن: 2/118-117]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً}
وقال: {دعاءه بالخير} فنصب "الدعاء" على الفعل كما تقول: "إنّك منطلقٌ انطلاقاً"). [معاني القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير} أي يدعو على نفسه وعلى خادمه وعلى ماله، بما لو استجيب له فيه، هلك.
{وكان الإنسان عجولًا} أي يعجل عند الغضب. واللّه لا يعجل بإجابته). [تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا }
المعنى أن الإنسان ربّما دعا على نفسه وولده وأهله بالشر غضبا كما يدعو لنفسه بالخير، وهذا لم يعرّ منه بشر.
ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا، فأقبل يئن باللّيل، فقالت له: ما بالك تئن فشكا ألم القيد والأسر.
فأرخت من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا به فأعلم شأنه، فقال اللهم اقطع يديها، فرفعت سودة يديها تتوقع الاستجابة،
وأن يقطع الله يديها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وإني سألت الله أن يجعل دعائي ولعنتي على من لا يستحق من أهلي رحمة، فقولوا لها لأني بشر أغضب كما يغضب البشر لتردد سودة يديها. فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن الإنسان خلق عجولا، فهذا يطلق عليه جملة البشر من آدم إلى آخر ولده.
والإنسان ههنا في معنى الناس). [معاني القرآن: 3/229]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا}
روى معمر عن قتادة قال يدعو الإنسان على نفسه بما لو استجيب له لهلك ويدعو على ولده وماله ثم قال تعالى: {وكان الإنسان عجولا} قيل يعجل بالدعاء على نفسه ولا يعجل الله بالإجابة
وروي عن سلمان أنه قال أول ما خلق الله من آدم رأسه فأقبل ينظر إلى سائره يخلق فلما دنا المساء قال رب عجل قبل الليل فقال الله تعالى: {وكان الإنسان عجولا} ).
[معاني القرآن: 4/128-127]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير} أي يدعو على نفسه بالشر عند غيظه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين} [الإسراء: 12] ابن مجاهدٍ، عن أبيه، قال: آيتين ليلا ونهارًا كذلك خلقهما اللّه.
قال: {فمحونا آية اللّيل} [الإسراء: 12] قال قتادة: وهو السّواد الّذي في القمر.
قال يحيى: ويقال محي من ضوء القمر من مائة جزءٍ تسعةٌ وتسعون جزءًا وبقي جزءٌ واحدٌ.
قال: {وجعلنا آية النّهار مبصرةً} [الإسراء: 12] قال قتادة: أي: منيرةٌ، يعني به: ضوء النّهار.
{لتبتغوا فضلا من ربّكم} [الإسراء: 12]، يعني: بالنّهار.
{ولتعلموا عدد السّنين والحساب} [الإسراء: 12] باللّيل والنّهار.
وقال السّدّيّ: يعني عدد الأيّام والشّهور والسّنين قال: {وكلّ شيءٍ فصّلناه تفصيلا} [الإسراء: 12] بيّنّاه تبيينًا في تفسير قتادة والسّدّيّ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/120]
وتفسير الحسن: فصلنا اللّيل من النّهار، وفصلنا النّهار من اللّيل، والشّمس من القمر، والقمر من الشّمس). [تفسير القرآن العظيم: 1/121]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فمحونا آية اللّيل...}

... حدثني مندل بن عليّ عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الدّيلي رفعه إلى عليّ بن أبي طالب رحمه الله قال:
هو اللّطخ الذي في القمر). [معاني القرآن: 2/118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فمحونا آية اللّيل} يعني محو القمر.
{وجعلنا آية النّهار مبصرةً} أي مبصرا بها. وقد ذكرت هذا وأمثاله في «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 252]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجيء المفعول به على لفظ الفاعل:
كقوله سبحانه: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} أي لا معصوم من أمره.
وقوله: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} أي مدفوق.
وقوله: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي مرضيّ بها.
وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا} أي مأمونا فيه.
وقوله: {وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} أي مبصرا بها.
والعرب تقول: ليل نائم، وسرّ كاتم، قال وعلة الجرميّ:
ولما رأيت الخيل تترى أثايجا = علمت بأنّ اليوم أحمس فاجر
أي يوم صعب مفجور فيه). [تأويل مشكل القرآن: 297-296] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربّكم ولتعلموا عدد السّنين والحساب وكلّ شيء فصّلناه تفصيلا }
أي علامتين يدلان على أن خالقهما واحد ليس كمثله شيء وتدلان على عدد السنين والحساب.
{فمحونا آية اللّيل} أي جعلنا آية الليل دليلة عليه بظلمته.
{وجعلنا آية النّهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربّكم} أي جعلناها تضيء لكم لتبصروا كيف تصرّفون في أعمالكم
{ولتعلموا عدد السّنين والحساب}
ويروى أن القمر كان في ضياء الشمس فمحا اللّه ضياءه
بالسواد الذي جعل فيه.
{وكلّ شيء فصّلناه تفصيلا} أي بيّناه تبيينا لا يلتبس معه بغيره، والاختيار النّصب في. " كلّ ".
المعنى في النصب: لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين، وفصلنا كل شيء تفصيلا.
و {كلّ} منصوب بفعل مضمر الذي ظهر يفسّره، وهو {فصلناه}
ويجوز {وكلّ شيء فصلناه تفصيلا}.
وكذلك النصب والرفع في قوله: {وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه} إلا إني لا أعلم أحدا قرأ بالرفع.
وجاء في التفسير: طائره، أي خيره وشرّه، وهو - واللّه أعلم - ما يتطيّر من مثله من شيء عمله كما قال {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة}، وكما يقال للإنسان إثمي في عنقك،
وإنما يقال للشيء اللازم له: هذا في عنق الإنسان، أي لزومه له كلزوم القلادة له من بين ما يلبس في العنق). [معاني القرآن: 3/230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وجعلنا الليل والنهار آيتين}
الآية في اللغة الدلالة والعلامة أي جعلناهما دالين على أن خالقهما ليس كمثله شيء ودالين على عدد السنين والحساب). [معاني القرآن: 4/128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}
روى هشيم عن حصين عن عكرمة عن ابن عباس فمحونا آية الليل قال هو السواد الذي ترونه في القمر
ويروي أن ابن الكواء سأل علي بن أبي طالب عن السواد الذي في القمر فقال لو سألت عما ينفعك في دنياك وآخرتك ذاك أن الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين إلى آخر الآية
فآية النهار الشمس وآية الليل القمر وصحوه السواد الذي فيه). [معاني القرآن: 4/129-128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل ثناؤه: {وجعلنا آية النهار مبصرة} روى الحسن عن قتادة قال منيرة قال أبو جعفر وهذا مذهب الفراء فقد
قال مبصرة بمعنى مضيئة وقال غيره هذا على التشبيه أي ذات إبصار أي يبصرون بها). [معاني القرآن: 4/129]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فمحونا آية الليل} يعني محو القمر.
{مبصرة} أي مبصرا بها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13] المبارك بن فضالة عن الحسن قال: عمله.
سعيدٌ، عن قتادة مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/121]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره...}

وهو عمله، إن خيراً فخيراً وإن شرّا فشرّا {ونخرج له} قرأها يحيى بن وثّاب بالنون وقرأها غيره بالياء مفتوحة: (ويخرج له) طائره، منهم مجاهد والحسن.
وقرأ أبو جعفر المدنيّ (ويخرج... له كتاباً) معناه: ويخرج له عمله كتاباً. وكلٌّ حسن). [معاني القرآن: 2/118]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ألزمناه طائره} أي حظّه). [مجاز القرآن: 1/372]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {طائرة في عنقه}: قالوا كتابة وقالوا عمله). [غريب القرآن وتفسيره: 212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال أبو عيدة: حظّه.
وقال المفسّرون: ما عمل من خير أو شر ألزمناه عنقه.
وهذان التفسيران بحتاجان إلى تبيين. والمعنى فيما أرى - واللّه أعلم -: أن لكل امرئ حظا من الخير والشر قد قضاه اللّه عليه. فهو لازم عنقه.
والعرب تقول لكل ما لزم الإنسان: قد لزم عنقه. وهو لازم صليف عنقه.
وهذا لك عليّ وفي عنقي حتى أخرج منه. وإنما قيل للحظ من الخير والشر: طائر، لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر، على طريق الفأل والطّيرة، وعلى مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببا. فخاطبهم اللّه بما يستعملون، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر، هو ملزمه أعناقهم.
ونحوه قوله: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه}، وكان الحسن وأبو رجاء ومجاهد يقرؤون: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} بلا ألف.
والمعنيان جميعا سواء، لأن العرب تقول: جرت له طير الشمال. فالطّير الجماعة، والطائر واحد.
وقوله: {ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً} أراد يخرج بذلك العمل كتابا. ومن قرأ: {ونخرج له يوم القيامة كتاباً}، أراد: ويخرج ذلك العمل كتابا). [تفسير غريب القرآن: 252]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا }
وفي هذه أربعة أوجه: وتخرج له، ويخرج له، أي ويخرج اللّه له.
ويخرج له. أي ويخرج عمله له يوم القيامة كتابا، وكذلك يخرج له عمله يوم القيامة.
{كتابا يلقاه منشورا} منصوب على الحال). [معاني القرآن: 3/231-230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}
روى منصور وابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد قال عمله وقال الضحاك رزقه وأجله وشقاءه وسعادته
وروى ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال طائره ما قدر عليه يكون معه حيثما كان ويزول معه أينما زال
وقيل {طائره} حظه
قال أبو جعفر والمعاني متقاربة إنما هو ما يطير من خير أو شر على التمثيل كما تقول هذا في عنق فلان أي يلزمه كما تلزم القلادة). [معاني القرآن: 4/130-129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}
روى جرير بن حازم عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ويخرج له يوم القيامة كتابا قال يريد يعني ويخرج له الطائر كتابا أي عمله كتابا
وروى عن مجاهد ويخرج وكذلك قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع
وقرأ الحسن ويخرج له يوم القيامة كتابا بفتح الياء أيضا
ورويت هذه القراءة عن ابن عباس فإنه قال سيحول عمله كتابا
وقرأ الحسن يلقاه بضم الياء وتشديد القاف). [معاني القرآن: 4/131]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {طائره في عنقه} قال: طائره: عمله من خير أو شر). [ياقوتة الصراط: 306]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {طائره في عنقه} قيل حظه. وقيل: ما عمل من خير وشر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 136]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {طاَئِرَهُ}: كتابه). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا {13} اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا {14}} [الإسراء: 13-14] سعيدٌ، عن قتادة، قال: سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئًا في الدّنيا.
- يحيى، عن صاحبٍ له، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: يدعى الخلائق يوم القيامة للحساب، فإذا كان الرّجل في الخير رأسًا يدعو إليه، ويأمر به، ويكثر عليه تبعه، دعي باسمه واسم أبيه، فيقوم حتّى إذا دنا أخرج له كتابٌ أبيض بخطٍّ أبيض في باطنه السّيّئات وفي ظهره الحسنات، فيبدأ بالسّيّئات فيقرأها فيشفق ويتغيّر
لونه، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه سيّئاتك وقد غفرت لك فيفرح، ثمّ يقلّب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحًا، حتّى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه حسناتك وقد ضعّفت لك فيبيضّ وجهه، ويؤتى بتاجٍ فيوضع على رأسه، ويكسى حلّتين، ويحلّى كلّ مفصلٍ منه، ويطوّل ستّين ذراعًا، وهي قامة آدم، ويعطى كتابه بيمينه، فيقال له: انطلق إلى أصحابك فبشّرهم
وأخبرهم أنّ لكلّ إنسانٍ منهم مثل هذا.
فإذا أدبر قال: {هاؤم اقرءوا كتابيه {19} إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه {20}} [الحاقة: 19-20]، يقول اللّه: {فهو في عيشةٍ راضيةٍ {21} في جنّةٍ عاليةٍ {22} قطوفها دانيةٌ {23}} [الحاقة: 21-23]، فيقول
[تفسير القرآن العظيم: 1/121]
لأصحابه: هل تعرفوني؟ فيقولون: قد غيّرتك كرامة اللّه، من أنت؟ فيقول: أنا فلان بن فلانٍ، ليبشر كلّ رجلٍ منكم بمثل هذا.
وإذا كان في الشّرّ رأسًا يدعو إليه، ويأمر به، ويكثر عليه تبعه، نودي باسمه واسم أبيه، فيتقدّم إلى حسابه، ويخرج له كتابٌ أسود بخطٍّ أسود، في باطنه الحسنات وفي ظهره السّيّئات، فيبدأ بالحسنات فيقرأها فيفرح ويظنّ أنّه سينجو، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه حسناتك وقد ردّت عليك، فيسودّ وجهه، ويعلوه الحزن، ويقنط من الخير.
ثمّ يقلّب كتابه فيقرأ سيّئاته، فلا يزداد إلا حزنًا ولا يزداد وجهه إلا سوادًا.
فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه سيّئاتك وقد ضعّفت عليك، فيعظّم للنّار حتّى أنّ فخذه ليكون مسيرة أيّامٍ، وجلده مقدار أربعين ذراعًا، وتزرقّ عيناه، ويسودّ لونه، ويكسى سرابيل القطران، ثمّ تخلع كتفه اليسرى فتجعل وراء ظهره، ثمّ يعطى كتابه بشماله، ويقال له: انطلق إلى أصحابك فأخبرهم أنّ لكلّ إنسانٍ منهم مثل هذا.
فينطلق وهو يقول: {يا ليتني لم أوت كتابيه {25} ولم أدر ما حسابيه {26} يا ليتها كانت القاضية {27} ما أغنى عنّي ماليه {28} هلك عنّي سلطانيه {29}} [الحاقة: 25-29].
قال اللّه: {خذوه فغلّوه {30} ثمّ الجحيم صلّوه {31} ثمّ في سلسلةٍ ذرعها سبعون ذراعًا فاسلكوه {32}} [الحاقة: 30-32] فيسلك فيها سبعون ذراعًا، {فاسلكوه} [الحاقة: 32] كما قال اللّه، فيسلك فيها سلكًا تدخل من فيه حتّى تخرج من دبره، فيأتي أصحابه، فيقول: هل تعرفوني؟ فيقولون: ما ندري ولكن قد نرى ما بك من الخزي، فمن أنت؟ فيقول: أنا فلان ابن فلانٍ، إنّ لكلّ إنسانٍ منكم مثل هذا.
ثمّ ينصب للنّاس وتبدو فضائحه حتّى يعيّر، فيتمنّى أن لو قد انطلق به إلى النّار استحياءً ممّا يبدو منه.
قوله: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} [الإسراء: 14] شاهدًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/122]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {اقرأ كتابك...}:

فيها - والله أعلم - (يقال) مضمرة. مثل قوله: {ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون} ومثل قوله: {فأمّا الذين اسودّت وجوههم أكفرتم} المعنى - والله أعلم -: فيقال: أكفرتم). [معاني القرآن: 2/119]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً...}
وكلّ ما في القرآن من قوله: {وكفى بربّك} {وكفى بالله} و{كفى بنفسك اليوم} فلو ألقيت الباء كان الحرف مرفوعاً؛ كما قال الشاعر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه = كفى الهدي عمّا غيّب المرء مخبرا
وإنما يجوز دخول الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه؛ ألا ترى أنك تقول: كفاك به ونهاك به وأكرم به رجلاً، وبئس به رجلا، ونعم به رجلا،
وطاب بطعامك طعاماً، وجاد بثوبك ثوباً. ولو لم يكن مدحاً أو ذمّا لم يجز دخولها؛ ألا ترى أن الذي يقول: قام أخوك أو قعد أخوك لا يجوز له أن يقول: قام بأخيك ولا قعد بأخيك؛ إلاّ أن يريد قام به غيره وقعد به). [معاني القرآن: 2/120-119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} أي كافيا. ويقال: حاسبا ومحاسبا). [تفسير غريب القرآن: 253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}
{بنفسك} في موضع رفع، وإن كان مجرورا بالباء، ولو كان في غير القرآن جاز.. كفى بنفسك اليوم حسيبة، والمعنى كفت نفسك حسيبة،
أي إذا كنت تشهد على نفسك فكفاك بهذا.
و{حسيبا} منصوب على التمييز). [معاني القرآن: 3/231]

تفسير قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها} [الإسراء: 15] على نفسه.
{ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} [الإسراء: 15] لا يحمل أحدٌ ذنب أحدٍ.
قوله: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] تفسير الحسن: لا يعذّب قومًا بالاستئصال حتّى يحتجّ عليهم بالرّسول، كقوله: {وما كان ربّك مهلك القرى حتّى يبعث في أمّها رسولا} [القصص: 59]، وكقوله: {وإن من أمّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ} [فاطر: 24]، يعني: الأمم الّتي أهلك اللّه بالعذاب). [تفسير القرآن العظيم: 1/123]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} أي ولا تأثم آثمة إثم أخرى أثمته ولم تأثمه الأولى منهما، ومجاز وزرت تزر: مجاز أثمت،

فالمعنى أنه: لا تحمل آثمة إثم أخرى، يقال: وزر هو، ووزّرته أنا). [مجاز القرآن: 1/372]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا تزر وازرة وزر أخرى}: لا تحمل آثمة إثم أخرى). [غريب القرآن وتفسيره: 212]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا }
{ولا تزر وازرة وزر أخرى}
يقال: وزر يزر فهو وازر وزرا، ووزرا، وزرة، ومعناه أثم يأثم إثما.
وفي تأويل هذه الآية وجهان: أحدهما أن الآثم والمذنب، لا يؤخذ بذنبه غيره، والوجه الثاني أنه لا ينبغي للإنسان أن يعمل بالإثم لأن غيره عمله كما قالت الكفار:
{إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون}
وقوله: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} أي حتى نبين ما به نعذب، وما من أجله ندخل الجنة). [معاني القرآن: 3/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة
قال إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والأخرس والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام فأرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم يأتنا رسول
قال ولو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما فيرسل الله عليهم رسولا فيطيعه من كان يريد أن يطيعه ثم قرأ أبو هريرة وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
وقال غيره يوم القيامة ليس بيوم تعبد ولا محنة فيرسل إلى أحد رسول ولكن معنى الآية وما كنا معذبين أحدا في الدنيا بالإهلاك حتى نبعث رسولا). [معاني القرآن: 4/132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَازِرةٌ}: وازرةٌ آثمة). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] سعيدٌ، عن قتادة، قال: أكثرنا جبابرتها.
وقال الحسن: جبابرة المشركين فاتّبعهم السّفلة.
{فحقّ عليها القول} [الإسراء: 16] الغضب.
{فدمّرناها تدميرًا} [الإسراء: 16] وكان ابن عبّاسٍ يقرأها: أمّرنا مثقّلةً، من قبل الإمارة، كقوله: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها} [الأنعام: 123] وكان الحسن يقرأها: أمرنا.
قال يحيى: وبلغني أيضًا أنّه من الكثرة.
وبعضهم يقرأها: {أمرنا} [الإسراء: 16]، أي: أمرناهم بالإيمان.
[تفسير القرآن العظيم: 1/123]
{ففسقوا فيها} [الإسراء: 16] أشركوا ولم يؤمنوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/124]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أمرنا مترفيها...}

قرأ الأعمش وعاصم ورجال من أهل المدينة {أمرنا} خفيفة، ... حدثني سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن مجاهد {أمرنا} خفيفة.
وفسّر بعضهم {أمرنا مترفيها} بالطاعة {ففسقوا} أي إن المترف إذا أمر بالطاعة خالف إلى الفسوق. وفي قراءة أبيّ بن كعب {بعثنا فيها أكابر مجرميها} وقرأ الحسن {آمرنا}
وروى عنه {أمرنا} ولا ندري أنها حفظت عنه لأنا لا نعرف معناها ها هنا. ومعنى (آمرنا) بالمدّ: أكثرنا. وقرأ أبو العالية الرياحي {أمّرنا مترفيها} وهو موافق لتفسير ابن عباس،
وذلك أنه قال: سلّطنا رؤساءها ففسقوا فيها). [معاني القرآن: 2/119]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإذا أردنا أن نهلك قريةً آمرنا مترفيها} أي أكثرنا مترفيها وهي من قولهم: قد أمر بنو فلان، أي كثروا فخرج على تقدير قولهم: علم فلان، وأعلمته أنا ذلك،
قال لبيد:

كلّ بني حرّةٍ قصارهم= قلٌّ وإن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا= يوماً يصيروا للهلك والنّفد
وبعضهم يقرؤها: أمرنا مترفيها على تقدير أخذنا وهي في معنى أكثرنا وآمرنا غير أنها لغة؛ أمرنا: أكثرنا ترك المد ومعناه أمرنا، ثم قالوا: مأمورة من هذا، فإن احتج محتج
فقال هي من أمرت فقل كان ينبغي أن يكون آمرة ولكنهم يتركون إحدى الهمزتين، وكان ينبغي أن يكون آمرة ثم طولوا ثم حذفوا (ولأمرنّهم) فلم يمدوها قال الأثرم:
وقول أبي عبيدة في مأمورة لغة وقول أصحابنا قياس وزعم يونس عن أبي عمرو أنه قال: لا يكون هذا وقد قالت العرب: خير المال نخلة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة الولد.
وله موضع آخر مجازه: أمرنا ونهينا في قول بعضهم وثقله بعضهم فجعل معناه أنهم جعلوا أمراء.
{فحقّ عليها القول} أي فوجب عليها العذاب). [مجاز القرآن: 1/374-372]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أمرنا مترفيها}: قالوا من الأمر، أمرناهم بالطاعة ففسقوا
وقد قرئت أمرنا على معنى كثرنا وحكوا: أمرنا في معنى كثرنا ومن ذلك " خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة".
{فحق عليها}: أي وجب عليها). [غريب القرآن وتفسيره: 213-212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} أي أكثرنا مترفيها.
يقال: أمرت الشيء وأمرته، أي كثرته. تقدير فعّلت وأفعلت، ومنه قولهم: مهرة مأمورة، أي كثيرة النّتاج. ويقال: أمر بنو فلان يأمرون أمرا، إذا كثروا.
وبعض المفسرين يذهب إلى أنه من الأمر. يقول: نأمرهم بالطاعة ونفرض عليهم الفرائض، فإذا فسقوا حقّ عليهم القول، أي وجب.
ومن قرأ: {أمرنا} فهو من الإمارة. أي جعلناهم أمراء.
وقرأ أقوام: آمرنا بالمد. وهي اللغة العالية المشهورة. أي كثّرنا). [تفسير غريب القرآن: 253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرا }
تقرأ أمرنا مخففة على تقدير فعلنا، وتقرأ آمرنا مترفيها على تقدير أفعلنا.
ويقرأ أمّرنا - بتشديد الميم -، فأما من قرأ بالتخفيف فهو من الأمر، المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا.
فإن قال قائل: ألست تقول: أمرت زيدا فضرب عمرا، فالمعنى أنك أمرته أن يضرب عمرا فضربه، فهذا اللفظ لا يدل على غير الضرب، ومثل قوله: أمرنا مترفيها ففسقوا فيها.
من الكلام: أمرتك فعصيتني.
فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر، وكذلك الفسق مخالفة أمر اللّه جل ثناؤه.
وقد قيل: إنّما معنى أمرنا مترفيها كثّرنا مترفيها، والدليل علي هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " خير المال سكّة مأبورة ومهرة مأمورة ".
أي مكثرة، والعرب تقول قد أمر بنو فلان إذا كثروا.
قال الشاعر:
إن يغبطو يهبطوا وإن أمروا= يوما يصيروا للهلك والنّفد
ويروى بالنقد - بالقاف - ومن قرأ آمرنا فتأويله أكثرنا، والكثرة ههنا يصلح أن يكون شيئين، أحدهما أن يكثر عدد المترفين، والآخر أن تكثر جدتهم ويسارهم.
ومن قرأ أمّرنا بالتشديد، فمعناه سلّطنا مترفيها أي جعلنا لهم إمرة وسلطانا). [معاني القرآن: 3/232-231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} يقرأ هذا الحرف على وجوه
روى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ أمرنا بالقصر والتخفيف وكذلك يروي عن ابن عباس
وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ أمرنا مترفيها وكذلك قرأ أبو عثمان النهدي وأبو العالية وقرأ الحسن والأعرج وابن أبي إسحاق آامرنا مترفيها
وروى أمرنا مترفيها على فعلنا عن ابن عباس هذه القراءة أيضا
قال أبو جعفر من قرأ أمرنا مترفيها ففي قراءته ثلاثة أقوال
أحدها وأثبتها ما قاله ابن جريج وزعم أنه قول ابن عباس وهو أن المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا
قال محمد بن يزيد قد علم أن الله عز وجل لا يأمر إلا بالعدل والإحسان كما قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} فقد علم أن المعنى أمرنا مترفيها بالطاعة فعصوا
قال مجاهد مترفوها فساقها وقال أبو العالية مستكبروها والمعنى أمرناهم بالطاعة والفاسق إذا أمر بالطاعة عصى فعصوا فحق عليهم القول بالعصيان أي وجب
والقول الثاني في معنى أمرنا قال معمر عن قتادة قال أمرنا أكثرنا
قال الكسائي يجوز أن يكون أمرنا بمعنى أمرنا من الإمارة وأنكر أن يكون أمرنا بمعنى أكثرنا وقال لا يقال في هذا إلا أمرنا
قال أبو جعفر وهذا القول الثالث أعني قول الكسائي ينكره أهل اللغة
وقد حكى أبو زيد وأبو عبيدة أنه يقال أمرنا بمعنى أكثرنا ويقوي ذلك الحديث المرفوع خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة والسكة المأبورة النخل الملقح والمهرة المأمورة الكثيرة النتاج
فأما معنى {أمرنا} ففيه قولان: أحدهما رواه معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أمرنا سلطنا وكذلك قال أبو عثمان النهدي
وروى وكيع عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أنه قرأ أمرنا مثقلة أي سلطنا مستكبريها
والقول الثاني رواه الكسائي عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أمرنا أي أكثرنا وليس بمبعد ما رواه الكسائي ويكون مثل سمن الدابة وسمنته وأسنمته
قال أبو جعفر وهذا أولى قال جل وعز: {ففسقوا فيها} فوصف أنهم جماعة والقرية الواحدة لا توصف إن فيها جماعة أمراء
إن قيل يكون واحدا فقد قيل وهذا خصوص والهلاك بالكثرة فتكثر المعاصي فأما معنى ءآمرنا فأكثرنا كذلك
قال الحسن ويحتمل معنى آمرنا أكثرنا عدهم وأكثرنا يسارهم وحقيقة أمر كثرت أملاكه من مال أو غير ذلك من حالة ومن لقد جئت شيئا إمرا
قال الكسائي عظيما وقال هارون في قراءة أبي وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا فيها أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول
فأما معنى آمرنا فلا يكاد يعرف لأنه إنما يقال أمر القوم إذا كثروا وآمرهم الله أي أكثرهم ولا يعرف أمرهم الله). [معاني القرآن: 4/138-133]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مترفيها} قال: المترف: الملك، وقيل: المنعم: أمرناهم بالطاعة، فعصوا). [ياقوتة الصراط: 306]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَمَرْنا}: كثرنا.
{حَقَّ عليها}: وجب عليها). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوحٍ وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرًا بصيرًا} [الإسراء: 17] وهي كقوله: {ألم يأتكم نبأ الّذين من قبلكم قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والّذين من بعدهم لا يعلمهم إلا اللّه جاءتهم رسلهم بالبيّنات} [إبراهيم: 9] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/124]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرا بصيرا }

أي أهلكنا عددا كبيرا من القرون، بأنواع العذاب، نحو قوم لوط وعاد وثمود ومن ذكر اسمه وقرونا بين ذلك كثيرا.
وموضع (كم) النصب بقوله {أهلكنا} ). [معاني القرآن: 3/233]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {من كان يريد العاجلة} [الإسراء: 18] وهذا المشرك الّذي لا يريد إلا الدّنيا، لا يؤمن بالآخرة.
{عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها مذمومًا} [الإسراء: 18] في نقمة اللّه.
{مدحورًا} [الإسراء: 18] مطرودًا، مباعدًا عن الجنّة، في النّار.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: مذمومًا في نقمة اللّه، مدحورًا في عذاب اللّه.
يقول: من كانت الدّنيا همّه وطلبته {عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم} [الإسراء: 18] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/124]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نّريد...}
أي ذلك منا لمن نريد). [معاني القرآن: 2/120]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مدحوراً} أي مقصى مبعداً. يقال: ادحر الشيطان عنك، ومصدره الدّحور). [مجاز القرآن: 1/374]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مدحورا}: أي مقصيا مباعدا). [غريب القرآن وتفسيره: 213]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكتبوا: {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاؤا} بواو بعد الألف، وفي موضع آخر {مَا نَشَاءُ} بغير واو، ولا فرق بينهما).
[تأويل مشكل القرآن: 56-58] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها مذموما مدحورا }
أي من كان يريد العاجلة بعمله، أي الدنيا، عجل اللّه لمن أراد أن يعجل له ما يشاء اللّه، أي ليس ما يشاء هو، وما يشاء بمعنى ما نشاء.
ويجوز أن يكون المضمر في نشاء " من "، المعنى عجلنا للعبد ما يشتهيه، إذا أراد اللّه ذلك.
وقوله: {ثمّ جعلنا له جهنّم} لأنه لم يرد اللّه بعمله
{يصلاها مذموما} ومذءوما في معنى واحد.
{مدحورا} أي مباعدا من رحمة اللّه.
يقال: دحرته أدحره دحرا ودحورا إذا باعدته عنك). [معاني القرآن: 3/233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء} العاجلة أي الدنيا عجلنا له فيها ما نشاء وتقرأ ما يشاء
قال أبو جعفر والمعنيان واحد أي ما شاء الله ويجوز أن يكون لـ «من»). [معاني القرآن: 4/138]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} أي مباعدا يقال دحره يدحره دحرا ودحورا إذا أبعده
ثم أخبر تعالى أنه يرزق المؤمن والكافر فقال: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك} ). [معاني القرآن: 4/139-138]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَدْحوراً}: مبعودا). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} [الإسراء: 19] عمل لها عملها.
{وهو مؤمنٌ} [الإسراء: 19] مخلصٌ بالإيمان.
- خالدٌ، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يقبل اللّه عمل عبدٍ حتّى يرضى قوله».
قال: {فأولئك كان سعيهم} [الإسراء: 19] يعني: عملهم.
{مشكورًا} [الإسراء: 19]، يعني: يشكر اللّه أعمالهم حتّى يثيبهم اللّه به الجنّة.
[تفسير القرآن العظيم: 1/124]
وقال السّدّيّ: حتّى يجزيهم بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(والسّعي: العمل، قال الله تعالى: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} ).
[تأويل مشكل القرآن: 509]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} أي: عمل لها عملها). [تأويل مشكل القرآن: 510]

تفسير قوله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {كلًّا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظورًا} [الإسراء: 20]، يعني: المؤمنين والمشركين في رزق اللّه في الدّنيا.
{وما كان عطاء ربّك محظورًا} [الإسراء: 20] سعيدٌ، عن قتادة قال: منقوصًا.
قال يحيى: ويقال: ممنوعًا، يقول: يستكملون أرزاقهم الّتي كتب اللّه لهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/125]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كلاًّ نّمدّ هؤلاء...}

أوقعت عليهما نمدّ أي نمدهم جميعاً؛ أي نرزق المؤمن والكافر من عطاء ربّك). [معاني القرآن: 2/120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن يعطي المسلم والكافر وأنّ يرزقهما جميعا
فقال: {كلّا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظورا } أي نمدّ المؤمنين والكافرين من عطاء ربّك). [معاني القرآن: 3/233]

تفسير قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعضٍ} [الإسراء: 21] في الدّنيا، في الرّزق والسّعة، وخوّل بعضهم بعضًا، يعني: ملك بعضهم بعضًا.
{وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلا} [الإسراء: 21]
- خداشٌ، عن عمران العمّيّ، عن أبي الصّدّيق الباجيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يحتبس أهل الجنّة كلّهم دون الجنّة حتّى يؤخذ لبعضهم من بعضٍ، ويفاضل ما بينهم، مثل كوكبٍ بالمشرق وكوكبٍ بالمغرب».
- إسماعيل بن مسلمٍ، عن أبي المتوكّل النّاجيّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " الدّرجة في الجنّة فوق الدّرجة كما بين السّماء والأرض، وإنّ العبد ليرفع بصره فيلمع له برقٌ يكاد أن يختلف بصره، فيفزع لذلك، فيقول: ما هذا؟ فيقال له: هذا نور أخيك فلانٍ، فيقول: أخي فلانٌ، كنّا في الدّنيا نعمل جميعًا وقد فضّل عليّ هكذا، فيقال له: إنّه كان أحسن
منك عملا.
قال: ثمّ يجعل في قلبه الرّضا حتّى يرضى ".
- قال: وأخبرني رجلٌ من أهل الكوفة، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن
[تفسير القرآن العظيم: 1/125]
عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، عن ابن عمر، قال: إنّ أدنى أهل الجنّة درجةً الّذي ينظر إلى ملكه مسيرة ألف سنةٍ، وإنّ أرفع أهل الجنّة درجةً للّذي ينظر إلى ربّه بكرةً وعشيًّا). [تفسير القرآن العظيم: 1/126]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا تجعل مع اللّه إلهًا آخر فتقعد مذمومًا} [الإسراء: 22] في نقمة اللّه.
{مخذولا} [الإسراء: 22] في عذاب اللّه.
وهو تفسير قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 1/126]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :
( {مخذولا} أي: متروكا من نصر الله - عز وجل).
[ياقوتة الصراط: 306]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 05:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 23 إلى 35]

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)}

تفسير قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقضى ربّك} [الإسراء: 23] : أمر ربّك.
وقال السّدّيّ: وصّى ربّك.
{وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء: 23] يقول: وأمرنا بالوالدين إحسانًا، يعني: برًّا.
تفسير السّدّيّ.
{إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ} [الإسراء: 23] أي: إن بلغا عندك الكبر أحدهما فولّيت منهما ما ولّيا منك في صغرك، فوجدت منهما ريحًا يؤذيك فلا تقل لهما أفٍّ.
وتفسير الحسن: {فلا تقل لهما أفٍّ} [الإسراء: 23]، أي: ولا تؤذهما.
{ولا تنهرهما} [الإسراء: 23]، يعني الانتهار في تفسير الحسن.
[تفسير القرآن العظيم: 1/126]
وقال مجاهدٌ: لا تغلّظ لهما.
{وقل لهما قولا كريمًا} [الإسراء: 23] سعيدٌ، عن قتادة، قال: ليّنًا سهلا). [تفسير القرآن العظيم: 1/127]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وقضى ربّك ألاّ تعبدوا...}

كقولك: أمر ربك وهي في قراءة عبد الله (وأوصى ربّك) وقال ابن عباس هي (ووصّى) التصقت واوها. والعرب تقول تركته يقضى أمور الناس أي يأمر فيها فينفذ أمره.
وقوله: {وبالوالدين إحساناً} معناه: وأوصى بالوالدين إحساناً.
والعرب تقول أوصيك به خيراً، وآمرك به خيراً. وكان معناه: آمرك أن تفعل به ثم تحذف (أن) فتوصل الخير بالوصيّة وبالأمر،
قال الشاعر:

عجبت من دهماء إذ تشكونا = ومن أبي دهماء إذ يوصينا
* خيراً بها كأننا جافونا *
وقوله: {إمّا يبلغنّ عندك الكبر} فإنه ثنّى لأن الوالدين قد ذكرا قبله فصار الفعل على عددهما، ثم قال {أحدهما أو كلاهما} على الاستئناف كقوله: {ثمّ عموا وصمّوا} ثم استأنف فقال: {كثيرٌ منهم} وكذلك قوله: {لاهيةً قلوبهم وأسرّوا النّجوى} ثم استأنف فقال: {الذين ظلموا} وقد قرأها ناس كثير {إمّا يبلغنّ عندك الكبر} جعلت {يبلغنّ} فعلا لأحدهما. فكرّرت فكرت عليه كلاهما.
وقوله: {فلا تقل لّهما أفٍّ} قرأها عاصم بن أبي النّجود والأعمش (أفّ) خفضاً بغير نون. وقرأ العوامّ (أفٍّ) فالذين خفضوا ونوّنوا ذهبوا إلى أنها صوت لا يعرف معناه إلاّ بالنطق به فخفضوه كما تخفض الأصوات. من ذلك قول العرب: سمعت طاقٍ طاقٍ لصوت الضرب، ويقولون: سمعت تغٍ تغٍ لصوت الضحك. والذين لم ينوّنوا وخفضوا قالوا: أفّ على ثلاثة أحرف، وأكثر الأصوات إنما يكون على حرفين مثل صه ومثل يغ ومه، فذلك الذي يخفض وينوّن فيه لأنه متحرك الأوّل. ولسنا بمضطرين إلى حركة الثاني من الأدوات وأشباهها فيخفض فخفض بالنون: وشبّهت أفّ بقولك مدّ وردّ إذ كانت على ثلاثة أحرف. ويدلّ على ذلك أنّ بعض العرب قد رفعها فيقول أفّ لك.
ومثله قول الراجز:
سألتها الوصل فقالت مضّ = وحرّكت لي رأسها بالنغض
كقول القائل (لا) يقولها بأضراسه، ويقال: ما علّمك أهلك إلا (مضّ ومضّ) وبعضهم: إلاّ مضّا يوقع عليها الفعل. وقد قال بعض العرب: لا تقولن له أفّا ولا تفّا يجعل كالاسم فيصيبه الخفض الرفع [والنصب] ثبت في والنصب بلا نون يجوز كما قالوا ردّ. والعرب تقول: جعل يتأفّف من ريح وجدها، معناه يقول: أفّ أفّ.
وقد قال الشاعر فيما نوّن:
وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالمٍ = وما بال تكليم الديار البلاقع
فحذف النون لأنها كالأداة، إذا كانت على ثلاثة أحرف، شبّهت بقولهم: جير لا أفعل ذلك،
وقد قال الشاعر:
فقلن على الفردوس أوّل مشرب = أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره).
[معاني القرآن: 2/122-120]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وقضى ربّك أن لا تعبدوا إلاّ إيّاه} مجازه: وأمر ربّك.
{فلا تقل لهما أفّ} تكسر وتضمّ وتفتح بغير تنوين، وموضعه في معناه ما غلظ وقبح من الكلام). [مجاز القرآن: 1/374]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحساناً إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لّهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لّهما قولاً كريماً}
وقال: {فلا تقل لّهما أفٍّ} قد قرئت {أفّ} و{أفّاً} لغة جعلوها مثل {تعساً} وقرأ بعضهم {أفّ} وذلك أن بعض العرب يقول "أفّ لك" على الحكاية: أي لا تقل لهما هذا القول، والرفع قبيح لأنه لم يجيء بعده باللام، والذين قالوا {أفّ} فكسروا كثير وهو أجود. وكسر بعضهم ونّون. وقال بعضهم {أفّي} كأنه أضاف هذا القول إلى نفسه فقال: "أفّي هذا لكما" والمكسور هنا منون، وغير منون على أنه اسم متمكن نحو "أمس" وما أشبهه. والمفتوح بغير نون كذلك.
وقال: {ولا تنهرهما} لأنه يقول: "نهره" "ينهره" وانتهره" "ينتهره"). [معاني القرآن: 2/70-69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وقضى ربك}: أمر). [غريب القرآن وتفسيره: 213]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه} أي أمر ربك). [تفسير غريب القرآن: 253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} أي لا تستثقل شيئا من أمرهما، وتضق به صدرا، ولا تغلظ لهما.
والناس يقولون لما يكرهون ويستثقلون: أُفٍّ له.
وأصل هذا نفخك للشيء يسقط عليك من تراب أو رماد وغير ذلك، وللمكان تريد إماطة الشيء عنه لِتَقْعُدَ فيه. فقيل لكل مستثقل: أُفٍّ لك، ولذلك تُحَرَّكُ بالكسر للحكاية، كما يقولون: غاقِ غاقِ، إذا حَكَوْا صوتَ الغراب.
والوجه أن يسكَّن هذا، إلا أنه يُحَرَّك لاجتماع الساكنين، فربما نُوِّنَ، وربما لم يُنَوَّن، وربما حُرِّك إلى غير الكسر أيضا). [تأويل مشكل القرآن: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الله عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي ووصّى بالوالدين.
وقال النَّمِرُ بن تَوْلَب:
فإنَّ المنيةَ مَن يخشها = فسوفَ تُصادِفُهُ أينمَا
أراد أينما ذهب). [تأويل مشكل القرآن: 217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أصل قضى: حتم، كقول الله عز وجل: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} أي حتمه عليها.
ثم يصير الحتم بمعان، كقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} أي أمر، لأنه لما أمر حتم بالأمر). [تأويل مشكل القرآن: 441]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، والكريم: الحسن، وذلك من الفضل.
قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي: حسن. وكذلك قوله: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي: حسن يبتهج به.
وقال تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، أي حسنا. وهذا وإن اختلف، فأصله الشرف). [تأويل مشكل القرآن: 495] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله سبحانه: {وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما }معناه أمر ربّك
{وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما}
{وبالوالدين إحسانا} أي أمر أن يحسنوا بالوالدين
{إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما} ترفع {أحدهما} بـ {يبلغنّ}، و {كلاهما} عطف عليه.
ويقرأ: {يبلغانّ عندك الكبر}، ويكون أحدهما أو كلاهما بدل من الألف.
وقوله: {فلا تقل لهما أفّ}.
في قوله {أفّ} سبع لغات: الكسر بغير تنوين، والكسر بتنوين، والضم بغير تنوين، وبتنوين، وكذلك الفتح بتنوين، وبغير تنوين، وفيها لغة أخرى سابعة لا يجوز أن يقرأ بها، وهي " أفيّ " بالياء، فأمّا الكسر فلالتقاء السّاكنين، وأف غير متمكن بمنزلة الأصوات، فإذا لم تنوّن فهي معرفة، وإذا نون فهو نكرة بمنزلة غاق وغاق في الأصوات، والفتح لالتقاء السّاكنين أيضا، والفتح مع التضعيف حسن لخفة الفتحة وثقل التضعيف والضم، لأن قبله مضموما - حسن أيضا، والتنوين فيه كله على جهة النكرة.
والمعنى: لا تقل لهما كلاما تتبرم فيه بهما، ومعنى أفّ النتن، وقيل إن أف وسخ الأظفار، والتّف الشيء الحقير نحو وسخ الأذان أو الشظية تؤخذ من الأرض.
ومعنى الآية: لا تقل لهما ما فيه أذى بتبرم، أي إذا كبرا، أو أسنّا فينبغي أن تتولى من خدمتهما مثل الذي توليا من القيام بشأنك وبخدمتك، ولا تنهرهما بمعنى: لا تنتهرهما،
أي لا تكلمهما ضجرا صائحا في أوجههما.
يقال نهرته أنهره نهرا، وانتهرته أنتهره انتهارا، بمعنى واحد). [معاني القرآن: 3/234-233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل ذكره: {وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه} روى مبارك عن الحسن قال قضى أمر ألا تعبدوا إلا إياه
وروى سفيان عن الأعمش قال قرأ عبد الله بن مسعود ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه). [معاني القرآن: 4/139]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {وبالوالدين إحسانا} أي وأمر أن تحسنوا بالوالدين إحسانا). [معاني القرآن: 4/139]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلا تقل لهما أف}
روى عن مجاهد أنه قال لا تستقذرهما كما كانا لا يستقذرانك والمعنى عن أهل اللغة لا تستثقلهما ولا تغلظ عليهما في القول والناس يقولون لما يستثقلونه أف له وأصل هذا أن الإنسان إذا وقع عليه الغبار أو شيء يتأذى به نفخه فقال أف وقيل إن أف وسخ الأظفار وإن التف الشيء الحقير نحو وسخ الأذن والقول الأول أعرف). [معاني القرآن: 4/140-139]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا تنهرهما} أي لا تكلمهما بصياح ولا بضجر
يقال نهره وانتهره بمعنى واحد وبين هذا بقوله: {وقل لهما قولا كريما} ). [معاني القرآن: 4/140]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وقضى ربك} أي: أمر ربك - هاهنا). [ياقوتة الصراط: 306]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وقَضَى}: أمر). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واخفض لهما جناح الذّلّ من الرّحمة} [الإسراء: 24] سفيان، عن هشام بن عمرٍو، عن أبيه، قال: لا تمتنع من شيءٍ أحبّاه.
- سعيد بن عبد العزيز، عن مكحولٍ، أنّ رسول اللّه عليه السّلام أوصى بعض أهل بيته، فكان فيما أوصاه به أن أطع والديك وإن أمراك أن تخرج من مالك كلّه فافعل.
قوله: {وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا} [الإسراء: 24] هذا إذا كانا مسلمين، وإذا كانا مشركين فلا تقل: {ربّ ارحمهما} [الإسراء: 24].
هذا الحرف منسوخٌ نسخه: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113].
- أشعث، عن يعلى بن عطاءٍ، عن أبيه عبد اللّه بن عمرٍو، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «رضا الرّبّ مع رضا الوالد وسخط الرّبّ مع سخط الوالد».
- المعلّى، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن محمّد بن المنكدر، عن ابن عبّاسٍ، قال:
[تفسير القرآن العظيم: 1/127]
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أصبح مرضيًّا لوالديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنّة، ومن أمسى مثل ذلك وإن كان واحدٌ فواحدٌ، ومن أصبح مسخطًا لوالديه أصبح له بابان مفتوحان من النّار ومن أمسى مثل ذلك وإن كان واحدٌ فواحدٌ وإن ظلماه، وإن ظلماه، وإن ظلماه».
- خالدٌ، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ فوق كلّ برٍّ برًّا حتّى إنّ الرّجل ليهريق دمه للّه، وإنّ فوق كلّ فجورٍ فجورًا حتّى إنّ الرّجل يعقّ والديه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/128]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {واخفض لهما جناح الذّلّ...}

بالضمّ قرأها العوامّ. ... حدثني هشيم عن أبي بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير أنه قرأ {واخفض لهما جناح الذّلّ} بالكسر.
قال: حدثنا الفراء وحدثني الحكم بن ظهير عن عاصم بن أبي النّجود أنه قرأها (الذّلّ) بالكسر. قال أبو زكريا: فسألت أبا بكر عنها فقال: قرأها عاصم بالضمّ.
والذلّ من الذلّة أن يتذلّل وليس بذليل في الخلقة، والذّلّة والذّلّ مصدر الذليل والذّلّ مصدر للذلول؛ مثل الدابّة والأرض. تقول: جملٌ ذلول، ودابّة ذلول، وأرض ذلول بيّنة الذّلّ).
[معاني القرآن: 2/122]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واخفض لهما جناح الذّلّ من الرّحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرا }
وتقرأ الذّل - بكسر الذّال - ومعنى {اخفض لهما جناح الذل}.
أي ألن لهما جانبك متذلّلا لهما، من مبالغتك في الرحمة لهما.
ويقال: رجل ذليل بين الذلّ، وقد ذل يذلّ ذلا، ودابّة ذلول. بين الذل، ويجوز أن جميعا في الإنسان). [معاني القرآن: 3/235-234]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} قرأ سعيد بن جبير ويحيى بن وثاب وعاصم الجحدري
{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} بكسر الذال ومعنى الضم كن لهما بمنزلة الذليل المقهور إكراما وإعظاما وتبجيلا
وروى هشام بن عروة عن أبيه وبعضهم يقول عن عائشة واخفض لهما جناح الذل من الرحمة هو أن يطيعهما ولا يمتنع من شيء أراداه وقال عطاء لا ترفع يدك عليهما
وقال سعيد بن المسيب هو قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ
ويقال ذل يذل ذلا وذلة ومذلة فهو ذاك وذليل ومعنى الذل بالكسر السمح عنهما يقال رجل ذليل بين الذل إذا كان سمحا لينا مواتيا
وكذلك يقال دابة ذلول بين الذل إذا كان مواتيا ومنه وذللت قطوفها تذليلا). [معاني القرآن: 4/142-141]

تفسير قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ربّكم أعلم بما في نفوسكم} [الإسراء: 25]، يعني: بما في قلوبكم.
تفسير السّدّيّ: من برّ الوالدين.
{إن تكونوا صالحين فإنّه كان للأوّابين غفورًا} [الإسراء: 25] الأوّاب: التّائب، الرّاجع عن ذنبه.
سفيان الثّوريّ، ونعيم بن يحيى، عن الأعمش، عن مجاهدٍ قال: الأوّاب: الّذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها.
سفيان، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: هو الّذي يذنب ثمّ يتوب، ثمّ يذنب ثمّ يتوب.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: {فإنّه كان للأوّابين غفورًا} [الإسراء: 25] هم المطيعون، وأهل الصّلاة). [تفسير القرآن العظيم: 1/128]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {فإنّه كان للأوّابين غفوراً} أي للتّوابين من الذنوب).
[مجاز القرآن: 1/374]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {للأوابين}: التوابين). [غريب القرآن وتفسيره: 214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( الأواب التائب مرة بعد مرة. وكذلك التواب، وهو من آب يؤوب، أي رجع). [تفسير غريب القرآن: 253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ربّكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنّه كان للأوّابين}
الأواب بمعنى التواب، والراجع إلى الله في كل ما أمر به، المقلع عن جميع ما نهى عنه، يقال قد آب يؤوب أوبا إذا رجع). [معاني القرآن: 3/235]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ربكم أعلم بكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}
روى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال الأوابون الراجعون إلى الخير كما في قول الله إنه أواب
قال أبو جعفر قرئ على الفريابي عن قتيبة قال حدثنا ابن لهيعة عن أبي هبيرة عن حنش بن عبد الله عن ابن عباس انه قال الأواب الحفيظ الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله تعالى: {إنه كان للأوابين غفورا} قال هم الذين يذكرون ذنوبهم في الخلا ثم يستغفرون الله
وروى يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب الأواب الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب يتوب
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة والأصل في هذا أنه يقال آب يئوب إذا رجع فهو آيب وأواب على التكثير). [معاني القرآن: 4/143-142]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {للأوابين} أي: التوابين). [ياقوتة الصراط: 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الأوَّابين}: التوابين). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وآت ذا القربى حقّه} [الإسراء: 26]، يعني: ما أمر اللّه به من صلة القرابة.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: يقال: إن كان لك مالٌ فصله بمالك، وإن لم يكن لك مالٌ فامش إليه برجلك.
[تفسير القرآن العظيم: 1/128]
أبو الأشهب، عن الحسن، قال: حقّ الرّحم ألا تحرمها وتهجرها.
- فطرٌ، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ الرّحم معلّقةٌ بالعرش، وليس الواصل المكافئ، ولكنّ الّذي إذا انقطعت رحمه وصلها ".
قوله: {والمسكين وابن السّبيل} [الإسراء: 26] هما صنفان من أهل الزّكاة الواجبة.
وكانت نزلت قبل أن يسمّى أهل الزّكاة.
{ولا تبذّر تبذيرًا} [الإسراء: 26] لا تنفق في غير حقٍّ.
شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن عياضٍ، عن ابن مسعودٍ، قال: النّفقة في غير حقّها.
- المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما أنفقتم في سبيل اللّه فلكم، وما أنفقتم على أنفسكم فلكم، وما أنفقتم على عيالكم فلكم، وما تركتم فللوارث».
- يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن الحارث، عن عليٍّ، قال: ما أنفقت على نفسك فلك، وما أنفقت على عيالك فلك، وما أنفقت رياءً وسمعةً فهو للمختطف، يعني: الشّيطان). [تفسير القرآن العظيم: 1/129]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرا }

{ولا تبذّر تبذيرا}.
معناه لا تسرف، وقيل: التبذير النفقة في غير طاعة اللّه، وقيل كانت الجاهلية تنحر الإبل وتبذّر الأموال، تطلب بذلك الفخر والسمعة وتذكر ذلك في أشعارها، فأمر اللّه - عزّ وجلّ - بالنفقة في وجوههما فيما يقرّب منه ويزلف عنده). [معاني القرآن: 3/235]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآت ذا القربى حقه} قال عكرمة أي صلته التي تريد أن تصله بها). [معاني القرآن: 4/143]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا}
روى حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال التبذير النفقة في غير طاعة الله وكذلك روى عن عبد الله بن مسعود إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين معنى إخوان الشياطين أي في المعصية لما عصوا وعصا أولئك جمعتهم المعصية فسموا إخوانا وكلما جمعت شيئا إلى شيء فقد آخيت بينهما ومنه إخاء النبي صلى الله عليه وسلم له بين أصحابه). [معاني القرآن: 4/144]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين} [الإسراء: 27] يعني في الدّين والولاية.
تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: يعني المشركين ينفقون في معاصي اللّه فهو للشّيطان، وما أنفق المؤمن لغير اللّه لا يقبله اللّه منه، وإنّما هو للشّيطان.
[تفسير القرآن العظيم: 1/129]
- مندل بن عليٍّ، عن الأعمش، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزّار، قال: قال رجلٌ لابن مسعودٍ: ما المبذّرون؟ قال: الإنفاق في غير حقٍّ.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: المبذّرون: المنفقون في غير حقٍّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/130]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {المبذّرين} المبذّر هو المسرف المفسد العائث).
[مجاز القرآن: 1/374]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين وكان الشّيطان لربّه كفورا } أي يفعلون ما يسول لهم الشيطان). [معاني القرآن: 3/235]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربّك ترجوها} [الإسراء: 28] ابن مجاهدٍ، عن أبيه، قال: ابتغاء الرّزق.
{فقل لهم قولا ميسورًا} [الإسراء: 28]
- أبو أميّة، عن الحسن، أنّ سائلا قام فقال: يا رسول اللّه فقد بتنا البارحة بغير عشاءٍ، وما أمسينا اللّيلة نرجوه، فقال: «يرزقنا اللّه وإيّاك من فضله، اجلس».
فجلس.
ثمّ قام آخر فقال مثل ذلك، فردّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ذلك.
فأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأربع أواقٍ من ذهبٍ، فقال: «أين السّائلان؟».
فقام الرّجلان، فأعطى كلّ واحدٍ منهما أوقيّةً، ولم يسأله أحدٌ.
فرجع بوقيّتين، فجعلهما تحت فراشه، فسهر ليلته بين فراشه ومسجده.
فقالت أمّ المؤمنين: يا رسول اللّه، ما أسهرك؟ أوجعٌ أو أمرٌ نزل؟ فقال: أوتيت بأربع أواقٍ فأمضيت وقيّتين وبقيت وقيّتان، فخشيت أن يحدث بي حدثٌ ولم أوجّههما.
قال يحيى: وبلغني أنّ قوله: {فقل لهم قولا ميسورًا} [الإسراء: 28] أن تقول للسّائل: رزقنا اللّه وإيّاك.
- عاصم بن حكيمٍ، وأشعث، عن عاصمٍ الأحول، عن قريبه، عن عائشة
[تفسير القرآن العظيم: 1/130]
قالت: لا تقولوا للمسكين في حديث عاصمٍ، وقال الأشعث: للسّائل: بارك اللّه فيك؛ فإنّه يسأل البرّ والفاجر.
قال يحيى: يعني: الكافر، ولكن قولوا: يرزقك اللّه.
في حديث عاصمٍ، وقال الأشعث: يرزقنا اللّه وإيّاك.
وأمّا قوله: {ابتغاء رحمةٍ من ربّك ترجوها} [الإسراء: 28]، يعني: انتظار رزق ربّك.
- أبو الأشهب، عن الحسن قال: كان السّائل يسأل، فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما أمسى في بيوت آل محمّدٍ صاعٌ من طعامٍ، وهم يومئذٍ تسعة أبياتٍ».
أبو أميّة، عن الحسن، عن النّبيّ نحوه.
خداشٌ، عن هشامٍ، عن الحسن، عن النّبيّ عليه السّلام مثله.
وقال الحسن: ولا واللّه ما شكا ذلك إليهم ولكن قاله اعتذارًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/131]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمةٍ مّن رّبّك...}

يقول: إذا أتتك قرابتك أو سواهم من المحتاجين يسألونك فأعرضت لأنه لا شيء عندك تعطيهم فقل لهم: قولا ميسوراً، يقول: عدهم عدة حسنةً. ثم نهاه أن يعطى كلّ ما عنده حتى لا يبقى محسوراً لا شيء عنده. والعرب تقول للبعير: هو محسور إذا انقطع سيره وحسرت الدابّة إذا سرتها حتى ينقطع سيرها. وقوله: {ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسيرٌ}
يحسر عند أقصر بلوغ المنظر). [معاني القرآن: 2/122]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قولاً ميسوراً} أي ليّناً هيّناً، وهو من اليسر). [مجاز القرآن: 1/375]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قولا ميسورا}: أي لينا هينا). [غريب القرآن وتفسيره: 214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قولًا ميسوراً} أي ليّنا). [تفسير غريب القرآن: 253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمة من ربّك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا }
{عنهم} هذه الهاء والميم يرجعان على ذي القربى والمسكين وابن السبيل، (وإمّا تعرضنّ عنهم)، أي وإن أعرضت عنهم، ابتغاء رحمة من ربّك ترجوها، أي لطلب رزق من ربك ترجوه {فقل لهم قولا ميسورا}.
{ابتغاء} منصوب لأنه مفعول له، المعنى: وإن أعرضت عنهم لابتغاء رحمة من ربّك.
وروي أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سئل وليس عنده ما يعطى أمسك انتظار الرزق يأتي من اللّه - جلّ وعز - كأنّه يكره الردّ، فلما نزلت هذه الآية:
{فقل لهم قولا ميسورا} كان عليه السلام إذا سئل فلم يكن عنده ما يعطي قال: يرزقنا اللّه وإياكم من فضله.
فتأويل قوله: {ميسورا} واللّه أعلم أنه يكسر عليهم فقرهم بدعائه لهم). [معاني القرآن: 3/236-235]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا}
قال قتادة أي عدهم وقال عكرمة إن أعرضت عنهم لرزق تنتظره فعدهم وقل لهم سيكون فإذا جاءنا شيء أعطيناكم وقال الحسن قولا ميسورا أي لينا
والمعنى عند أهل اللغة يسر فقرهم عليهم بدعائك لهم). [معاني القرآن: 4/145-144]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَيْسوراً}: ليّنا). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك} [الإسراء: 29] قال الحسن: أي: لا تدع النّفقة في حقّ اللّه، فيكون مثلك مثل الّذي غلّت يده إلى عنقه فلا يستطيع أن يبسطها.
قال: {ولا تبسطها كلّ البسط} [الإسراء: 29] فتنفق في غير حقّ اللّه.
{فتقعد ملومًا} [الإسراء: 29] في عباد اللّه لا تستطيع أن توسع النّاس.
{محسورًا} [الإسراء: 29] قد ذهب ما في يديك، يقول: قد خسر.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: يقول: لا تمسكها عن طاعة اللّه، ولا عن حقّه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/131]
{ولا تبسطها كلّ البسط} [الإسراء: 29]، أي: لا تنفقها في معصية اللّه وفيما لا يصلح، وهو الإسراف.
وقال السّدّيّ: هذا مثلٌ ضربه اللّه في أمر النّفقة وذلك قوله للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك} [الإسراء: 29]، يعني: لا تمسك يدك عن النّفقة بمنزلة المغلولة، فلا تستطيع بسطها.
قال: {فتقعد ملومًا محسورًا} [الإسراء: 29] ملومًا في عباد اللّه لا تستطيع أن توسع النّاس، محسورًا قد ذهب ما في يدك، يقول: قد خسر). [تفسير القرآن العظيم: 1/132]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك} مجازه في موضع قولهم: لا تمسك عما ينبغي لك أن تبذل من الحق وهو مثل وتشبيه.

{ولا تبسطها كلّ البسط} أي لا تسرف كل السرف، وتبذّر كل التبذير.
(ملوماً محسوراً) أي منضىً قد أعيا، يقال: حسرت البعير، وحسرته بالمسئلة؛ والبصر أيضاً إذا رجع محسوراً، وقال الهذلي:
إنّ العسير بها داءً مخامرها= فشطرها نظر العينين محسور
أي فنحوها). [مجاز القرآن: 1/375]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط}: أي لا تمسك عن البذل فيما ينبغي. وهو مثل.
{محسورا}: معيبا. وهو الساقط الكال. {خاسئا وهو حسير} ). [غريب القرآن وتفسيره: 214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {محسوراً} أي تحسرك العطية وتقطعك. كما يحسر السفر البعير فيبقى منقطعا. يقال: حسرت الرجل فأنا أحسره،
وحسر فهو يحسر). [تفسير غريب القرآن: 254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوما محسورا }
معناه لا تبخل ولا تسرف.
{فتقعد} منصوب على جواب النهي، و {محسورا} أي قد بالغت في الحمل على نفسك وحالك حتى تصير بمنزلة من قد حسر.
والحسير والمحسور الذي قد بلغ الغاية في التعب والإعياء). [معاني القرآن: 3/236]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}
قال قتادة {ولا تجعل يدك مغلوله إلى عنقك} أي: لا تمتنع من النفقة في الطاعة {ولا تبسطها كل البسط} أي لا تنفق في معصية فتقعد ملوما محسورا ،
قال عكرمة وقتادة أي نادما
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد فتقعد ملوما قال مذنبا أو آثما محسورا قد انقطع بك
قال أبو جعفر وكذلك المحسور في اللغة يقول حسره السفر إذا انقطع به وكذلك البعير حسير ومحسور إذا انقطع ووقف وهو أشد من الكلال). [معاني القرآن: 4/146-145]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَحْسوراً}: معدماً). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إنّ ربّك يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر} [الإسراء: 30]، أي: ويقتر.
وتقتيره على المؤمن نظرًا له.
{إنّه كان بعباده خبيرًا بصيرًا} [الإسراء: 30] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {يبسط الرّزق لمن يشاء} يوسّع عليه.

{ويقدر} أي يضيّق عليه). [تفسير غريب القرآن: 254]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تقتلوا أولادكم} [الإسراء: 31]، يعني: الموءودة.
{خشية إملاقٍ} [الإسراء: 31] قال قتادة: خشية الفاقة، كان أهل الجاهليّة يقتلون أولادهم خشية الفاقة.
كان أحدهم يقتل ابنته يدفنها حيّةً حتّى تموت؛ مخافة الفاقة، ويغذّي كلبه.
{نحن نرزقهم وإيّاكم إنّ قتلهم كان خطأً كبيرًا} [الإسراء: 31] ذنبًا كبيرًا.
قتل النّفس الّتي حرّم اللّه من الكبائر.
وقال الحسن: ذنبًا كبيرًا.
وقال قتادة: إثمًا كبيرًا.
وهو واحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/132]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {خطئاً كبيراً...}

وقرأ الحسن خطاءً كبيراً بالمدّ. وقرأ أبو جعفر المدنيّ {خطأ كبيراً} قصر وهمز. وكلٌّ صواب. وكأنّ الخطأ الإثم. وقد يكون في معنى خطأ بالقصر.
كما قالوا: قتب وقتب، وحذرٌ وحذرٌ، ونجسٌ ونجسٌ. ومثله قراءة من قرأ {هم أولاء على أثري} و{إثري} ). [معاني القرآن: 2/123]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ} كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفقر وهو الإملاق.
{إنّ قتلهم كان خطئاً كبيراً} إثما وهو اسم من خطأت، وإذا فتحته فهو مصدر كقول أوس بن علفاء الهجيميّ.
دعيني إنّما خطأي وصوبي= علىّ وإن ما أهلكت مال
يريد إصابتي، وخطأت لغتان، زعم يونس عن أبي إسحاق قال: أصل الكلام بناؤه على فعل ثم يبنى آخره على عدد من له الفعل من المؤنث والمذكر من الواحد والإثنين والجميع كقولك: فعلت وفعلنا وفعلن وفعلا وفعلوا، ويزاد في أوله ما ليس من بنائه فيزيدون الألف، كقولك: أعطيت إنما أصلها عطوت، ثم يقولون معطى فيزيدون الميم بدلاً من الألف وإنما أصلها عاطي، ويزيدون في أوساط فعل افتعل وانفعل واستفعل ونحو هذا، والأصل فعل

وإنما أعادوا هذه الزوائد إلى الأصل فمن ذلك في القرآن {وأرسلنا الرّياح لواقح} وإنما يريد الريح ملقحة فأعادوه إلى الأصل ومنه قولهم:
طوّحتني الطّوائح
وإنما هي المطاوح لأنها المطوّحة، ومن ذلك قول العجّاج:
يكشف عن جمّاته دلو الدال
وهي من أدلى دلوه، وكذلك قول رؤبة:
يخرجن من أجواز ليلٍ غاضي
وهي من أغضى الليل أي سكن). [مجاز القرآن: 1/377-375]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ نّحن نرزقهم وإيّاكم إنّ قتلهم كان خطئاً كبيراً}
وقال: {إنّ قتلهم كان خطئاً} من "خطئ" "يخطأ" تفسيره: "أذنب" وليس في معنى "أخطأ" لأن ما أخطأت [فيه] ما صنعته خطأً، و[ما] "خطئت" [فيه] ما صنعته عمدا وهو الذنب. وقد يقول ناس من العرب: "خطئت" في معنى "أخطأت".
وقال امرؤ القيس:
يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا = القاتلين الملك الحلاحلا
* ت الله لا يذهب شيخي باطلا *
وقال آخر:
والناس يلحون الأمير إذا هم = خطئوا الصّواب ولا يلام المرشد).
[معاني القرآن: 2/70]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {خشية إملاق}: إقتار. وقد أملق الرجل إذا ذهب ماله.
{خطأ}: إثما). [غريب القرآن وتفسيره: 215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإيّاكم إنّ قتلهم كان خطئا كبيرا}
{خشية إملاق} منصوب لأنه مفعول له، والإملاق الفقر، يقال أملق يملق إملاقا.
وكانوا يدفنون البنات إذا ولدن لهم خوفا من الفقر، فضمن اللّه - عزّ وجل - لهم رزقهم، فقال: {نحن نرزقهم وإيّاكم}.
وهي الموءودة، كانوا يدفنون الابنة إذا ولدت حيّة.
وقوله: {إنّ قتلهم كان خطئا كبيرا}، وتقرأ خطا كبيرا.
فمن قال خطئا: بالكسر فمعناه إثما كثيرا، يقال قد خطئ الرجل يخطأ خطئا: أثم يأثم إثما {وخطأ كبيرا} له تأويلان أحدهما معناه إن قتلهم كان غير صواب يقال: قد أخطأ يخطئ إخطاء، وخطأ، والخطأ الاسم من هذا لا المصدر، ويكون الخطأ من خطئ يخطأ خطأ إذا لم يصب مثل لجج يلجج
قال الشاعر:
والناس يلحون الأمير إذا هم= خطئوا الصواب ولا يلام المرشد).
[معاني القرآن: 3/236]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} الإملاق الفقر وكانوا يئدون بناتهم). [معاني القرآن: 4/146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن قتلهم كان خطئا كبيرا} بكسر الخاء والمد
وروى عن الحسن كان خطئا بفتح الخاء والمد قال أبو جعفر وأعرف هذه القراءات عند أهل اللغة كان خطأ كبيرا قال أبن جريج وزعم أنه قوله ابن عباس وهو قول مجاهد الخطأ الخطيئة
قال أبو جعفر وهذا المعروف في اللغة يقال خطئ يخطأ خطأ إذا أثم وتعمد الذنب وقد حكى في المصدر خطأ وأخطأ يخطئ إخطاء والاسم الخطأ إذا لم يتعمد الذنب،
فأما قراءة من قرأ كان خطاء بالكسر والمد والفتح والمد فلا يعرف في اللغة ولا في كلام العرب).[معاني القرآن: 4/148-147]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {خشية إملاق} أي: فقر). [ياقوتة الصراط: 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِمْلاقٍ}: فقر.
{خِطْأً}: إثما). [العمدة في غريب القرآن: 182]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تقربوا الزّنى إنّه كان فاحشةً وساء سبيلا} [الإسراء: 32] وبئس الطّريق.
وقال السّدّيّ: ويعني: المسلك.
وهو نحوه). [تفسير القرآن العظيم: 1/132]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ولا تقربوا الزّنى} مقصور وقد يمدّ في كلام أهل نجد، قال الفرزدق:

أبا حاضرٍ من يزن يعرف زناؤه= ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكّرا
وقال الفرزدق:
أخضبت عردك للزناء ولم تكن= يوم اللقاء لتخضب الأبطالا
وقال الجعدي:
كانت فريضة ما تقول كما= كان الزناء فريضة الرّجم).
[مجاز القرآن: 1/378-377]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تقربوا الزّنا إنّه كان فاحشة وساء سبيلا}
أي وساء الزنا سبيلا. و{سبيلا} منصوب على التمييز). [معاني القرآن: 3/237]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ} [الإسراء: 33]
[تفسير القرآن العظيم: 1/132]
- سعيدٌ وهشامٌ، عن قتادة، أنّ عثمان بن عفّان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " لا يحلّ دم مسلمٍ إلا بأحد ثلاثٍ: رجلٌ كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا متعمّدًا".
- حمّادٌ، عن قتادة، عن شهر بن حوشبٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «القتيل دون ماله شهيدٌ».
- المعلّى، عن سماك بن حربٍ، عن قابوس بن المخارق، عن أبيه، أنّ رجلا قال: يا رسول اللّه، الرّجل يعرض لي يريد نفسي ومالي، كيف أصنع به؟ قال: «ناشده اللّه».
قال: نشدته باللّه فلم ينته، قال: «استعد عليه السّلطان».
قال: ليس بحضرتنا سلطانٌ، قال: «استعن عليه المسلمين».
قال: نحن بفلاةٍ من الأرض، ليس قربنا أحدٌ، قال: «فجاهده دون مالك حتّى تمنعه أو تكتب في شهداء الآخرة».
- أشعث، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه عليه السّلام: «من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيدٌ، ومن قاتل دون نفسه فقتل فهو شهيدٌ، ومن قاتل دون أهله فقتل فهو شهيدٌ.
وكلّ قتيلٍ في جنب اللّه فهو شهيدٌ».
قوله: {ومن قتل مظلومًا} [الإسراء: 33] يعني: المقتول ظلمه القاتل حين قتله بغير حقّه.
تفسير السّدّيّ.
{فقد جعلنا لوليّه سلطانًا} [الإسراء: 33]
[تفسير القرآن العظيم: 1/133]
قال قتادة: وهو القود إلا أن يعفو الوليّ، أو يرضى بالدّية إن أعطيها.
قوله: {فلا يسرف في القتل} [الإسراء: 33] لا يقتل غير قاتله.
{إنّه كان منصورًا} [الإسراء: 33] ينصره السّلطان حتّى يقيده منه.
حمّادٌ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، قال: لا يقتل غير قاتله.
وقال حمّادٌ: قال قتادة: من قتل بحديدةٍ قتل بحديدةٍ، ومن قتل بعصًا قتل بعصًا.
وقال سعيدٌ، عن قتادة: من قتل بحديدةٍ قتل بحديدةٍ، ومن قتل بخشبةٍ قتل بخشبةٍ، ومن قتل بحجرٍ قتل بحجرٍ.
- الحسن، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا قود إلا بالسّيف».
وبعضهم يقول: {إنّه كان منصورًا} [الإسراء: 33] يعني في الآخرة، يعني الّذي يعدى عليه فقتل وليس هو قاتل الأوّل ينصر على الّذي تعدّى عليه فقتله). [تفسير القرآن العظيم: 1/134]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً...}

في الاقتصاص أو قبول الدّية. ثم قال: {فلا يسرف فّي القتل} فقرئت بالتّاء والياء. فمن قال بالياء ذهب إلى الوليّ أي لا يقتلنّ غير قاتله. يقول فلا يسرف لوليّ في القتل.
... وحدثني غير واحد، منهم مندل وجرير وقيس عن مغيرة عن إبراهيم عن أبي معمر عن حذيفة بن اليمان أنه قرأ (فلا تسرف) بالتاء.
وفي قراءة أبيّ (فلا يسرفوا في القتل).
وقوله: {إنّه كان منصوراً} يقال: إن وليّه كان منصوراً. ويقال الهاء للدم. إن دم المقتول كان منصوراً لأنه ظلم.
وقد تكون الهاء للمقتول نفسه، وتكون للقتل لأنه فعل فيجري مجرى الدم والله أعلم بصواب ذلك). [معاني القرآن: 2/123]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل} جزمه بعضهم على مجاز النهى، كقولك: فلا يسرفن في القتل أي يمثل به ويطول عليه العذاب، ويقول بعضهم {فلا يسرف في القتل} فيرفعه على مجاز الخبر كقولك: إنه ليس في قتل ولي المقتول الذي قتل ثم قتل هو به سرفٌ.
{إنّه كان منصوراً} مجازه من النصر، أي يعان ويدفع إليه حتى يقتله بمقتوله). [مجاز القرآن: 1/378]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلا يسرف في القتل} أي: لا تمثّل إذا قتلت بالقود، ولا تقتل غير قاتلك). [تفسير غريب القرآن: 254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف في القتل إنّه كان منصورا}
حرّم اللّه قتل المؤمن إلّا أن يرتدّ بعد إيمانه، أو يقتل مؤمنا متعمّدا، أو يزني بعد إحصان.
كذلك قال قتادة في تفسير هذه الآية.
{ومن قتل مظلوما} أي من غير أن يأتي بواحدة من هذه الثلاث.
{فقد جعلنا لوليّه سلطانا} الأجود إدغام الدال في الجيم، والإظهار جيّد بالغ، لأنّ الجيم من وسط اللسان، والدال من طرف اللسان، والإدغام جائز لأنّ حروف وسط اللسان قد تقرب من حروف طرف اللسان.
ووليه الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه..
فإن لم يكن له ولي فالسلطان وليه.
و " سلطانا " أي حجة.
وقوله: {فلا يسرف في القتل}.
القراءة الجزم على النهي، ويقرأ بالياء والتاء جميعا، وتقرأ فلا يسرف بالرفع. والإسراف في القتل قد اختلف فيه.
فقال أكثر الناس: الإسراف أن يقتل الوليّ غير قاتل صاحبه.
وقيل: الإسراف أن يقتل هو القاتل دون السّلطان، وكانت العرب إذا قتل منها السيد وكان قاتله خسيسا لم يرضوا بأن يقتل قاتله وربما لم يرضوا أن يقتل واحد بواحد حتى تقتل جماعة بواحد.
وقوله: {إنّه كان منصورا} أي أن القتيل إذا قتل بغير حق فهو منصور في الدنيا والآخرة، فأما نصرته في الدنيا فقتل قاتله، وأما في الآخرة فإجزال الثواب له، ويخلّد قاتله في النّار،
ومن قرأ فلا يسرف - في القتل - بالرفع - فالمعنى أن وليّه ليس بمسرف في القتل إذا قتل قاتله ولم يقبل الدية). [معاني القرآن: 3/238-237]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} بين هذا الحديث لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خلال شرك بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس). [معاني القرآن: 4/148]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} اختلف المتقدمون من العلماء في السلطان الذي جعل للولي
فروى خصيف عن مجاهد قال حجته التي جعلت له أن يقتل قاتله وذهب جماعة من العلماء إلى أن هذا هو السلطان الذي جعل له وأنه ليس له أن يأخذ الدية إلا أن يشاء القاتل وقال الضحاك في السلطان الذي جعل له إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا
والقول عند أهل المدينة وأهل الكوفة قول مجاهد إن السلطان ههنا القود خاصة لا ما سواه
وذهب الشافعي رحمه الله إلى قول الضحاك غير أنه قال كان يستحق إذا عفا أخذ الدية أشترط ذلك أو لم يشترطه والحجة له فمن عفي له من أخيه شيء والحديث ولي المقتول بأحد النظرين). [معاني القرآن: 4/150-148]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فلا يسرف في القتل}
روى خصيف عن مجاهد قال لا يقتل غير قاتله وروى منصور عن طلق بن حبيب قال لا تقتل غير قاتلك ولا تمثل به وروى خصيف عن سعيد بن جبير قال لا يقتل اثنين بواحد وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال لا يقتل أبا القاتل ولا ابنه وقرأ حذيفة {فلا تسرف في القتل} بالتاء
وروى العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد قال هو للقاتل الأول والمعنى عنده على هذا فلا تسرف أيها القاتل). [معاني القرآن: 4/151-150]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {إنه كان منصورا} روى ابن كثير عن مجاهد قال إن المقتول كان منصورا ومعنى قوله إن الله نصره بوليه
وروى أنه في قراءة أبي فلا تسرفوا في القتل إن ولي المقتول كان منصورا
قال أبو جعفر الأبين بالياء وتكون للولي لأنه إنما يقال لا يسرف لمن كان له أن يقتل فهذا للولي
وقد يجوز بالتاء ويكون للولي أيضا إلا أنه يحتاج فيه إلى تحويل المخاطبة). [معاني القرآن: 4/152-151]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فلا يسرف في القتل} أي لا يمثل إذا قتل بالقود، ولا يقتل غير قاتله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن} [الإسراء: 34] والّتي هي أحسن أن يوفّر ماله، حتّى إذا بلغ أشدّه دفع إليه ماله إن آنس منه رشدًا.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: لمّا نزلت هذه الآية اشتدّت عليهم، فكانوا لا
[تفسير القرآن العظيم: 1/134]
يخالطونهم في المال ولا في المأكل، فجهدهم ذلك، فنسختها هذه الآية: {وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح} [البقرة: 220].
قوله: {وأوفوا بالعهد} [الإسراء: 34]، يعني: ما عاهدتم عليه فيما وافق الحقّ.
{إنّ العهد كان مسئولا} [الإسراء: 34] مطلوبًا، يسأل عنه أهله الّذين أعطوه). [تفسير القرآن العظيم: 1/135]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {حتّى يبلغ أشدّه...}

... وحدثني حبّان بن عليّ عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: الأشدّ. ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين). [معاني القرآن: 2/123]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن} مجازه: بالقوت إذا قام به وعمره من غير أن يتأثل منه مالاً.
{حتّى يبلغ أشدّه} مجازه: منتهاه من بلوغه، ولا واحد له منه فإن أكرهوا على ذلك قالوا: أشدّ، بمنزلة صبّ والجميع أضبّ.
{إنّ العهد كان مسئولاً} أي مطلوباً، يقال: وليسألن فلان عهد فلان). [مجاز القرآن: 1/379-378]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يبلغ أشده}: منتهاه وهو جمع واحدة شد وبعضهم يجعله اسما واحدا). [غريب القرآن وتفسيره: 215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه} أي: يتناهى في الثّبات إلى حدّ الرجال.
ويقال: ذلك ثمانية عشرة سنة. وأشدّ اليتيم غير أشدّ الرجل في قول اللّه عز وجل: {حتّى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنةً}: وإن كان اللفظان واحدا، لأن أشدّ الرجل: الاكتهال والحنكة وأن يشتد رأيه وعقله. وذلك ثلاثون سنة. ويقال: ثمان وثلاثون سنة. وأشدّ الغلام: أن يشتد خلقه، ويتناهى ثباته). [تفسير غريب القرآن: 254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: مكنّا لهم.
والعرب تقول: عددتك مائة، أي عددت لك، وأستغفر الله ذنبي.
قال الشاعر:
أستغفر الله ذنباً لستُ محصيَهُ = ربَّ العبادِ إليهِ الوجهُ والعملُ
وشبعت خبزا ولحما، وشربت ورويت ماء ولبنا وتعرّضت معروفك، ونزلتك ونأيتك، وبتّ القوم، وغاليت السلعة، وثويت البصرة وسرقتك مالا، وسعيت القوم، واستجبتك.
قال الشاعر:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النَّدى = فلم يستجبْهُ عند ذاكَ مجيبُ
وقوله جل وعزّ: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} أي: مسؤولا عنه.
قال أبو عبيدة: يقال: (لتسألنّ عهدي) أي عن عهدي). [تأويل مشكل القرآن: 230-299] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسئولا}
أي لا تذخروا من ماله، ولا تأكلوا - إذا أقمتم عليه إلا ما يسكن الجوعة، ولا تكتسوا إلّا ما ستر العورة، ولا تقربوه إلا بالإصلاح للمال حتى يبلغ أشده.
وأشده أن يبلغ النكاح، وقيل: أشده أن يأتي له ثماني عشرة سنة.
وبلوغ أشده هو الاحتلام، وأن يكون مع ذلك غير ذي عاهة في عقل وأن يكون حازما في ماله.
وقوله: {وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسئولا}.
قال بعضهم: لا أدري ما العهد، والعهد كل ما عوهد اللّه عليه، وكل ما بين العباد من المواثيق فهي عهود.
وكذلك قوله:، {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم} ). [معاني القرآن: 3/238]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}
قال محمد سألت عبيدة عن قوله تعالى: {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف}
فقال يستقرض فإذا استغنى رد ثم تلا فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وقال أبو العالية نحوا من هذا
وقال عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ما يقوي هذا
حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد النحوي قال حدثنا الحسن بن غليب قال نا يوسف بن عدي قال نا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن يرفا مولى عمر قال قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه يا يرفا إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم إذا احتجت أخذت منه فإذا أيسرت رددته وإني إن استغنيت استعففت عنه فإني قد وليت من أمر المسلمين أمرا عظيما
وقال سعيد بن المسيب لا يشرب الماء من مال اليتم قال فقلت له إن الله يقول ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال فقال إنما ذلك لخدمته وغسل ثوبه
وروى أبو يحيى وليث عن مجاهد قال لا تقرب مال اليتيم إلا للتجارة ولا تستقرض قال فأما قوله تعالى: {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} فإنما معناه فليأكل من ماله بالمعروف يعني من مال نفسه
وقال بهذا جماعة من الفقهاء وأهل النظر حتى قال أبو يوسف لعل قوله: {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} منسوخ بقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} ). [معاني القرآن: 4/154-152]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {حتى يبلغ أشده} وبيان هذا في قوله: {حتى إذا بلغوا النكاح} قال مجاهد أي الحلم). [معاني القرآن: 4/154]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَشُدَّهُ}: منتهى قوّته). [العمدة في غريب القرآن: 182]

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم} [الإسراء: 35] والقسطاس: العدل بالرّوميّة.
{ذلك خيرٌ} [الإسراء: 35] إذا أوفيتم الكيل، وأقمتم الوزن.
{وأحسن تأويلا} [الإسراء: 35]، يعني: عاقبةً في الآخرة.
تفسير السّدّيّ.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: خيرٌ ثوابًا وعاقبةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/135]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) :
( {وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً}

وقال: {وزنوا بالقسطاس} "والقسطاس" مثل "القرطاس" و"القرطاس" و"الفسطاط" و"الفسطاط"). [معاني القرآن: 2/70]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {القسطاس}: العدل). [غريب القرآن وتفسيره: 215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بالقسطاس}: الميزان. يقال: هو بلسان الروم. وفيه لغة أخرى: بالقسطاس بضم القاف. وقد قرئ باللغتين جميعا.
{وأحسن تأويلًا} أي أحسن عاقبة). [تفسير غريب القرآن: 254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا}
{وزنوا بالقسطاس المستقيم}.
والقسطاس جميعا - بالضم - والكسر - قيل: القسطاس هو القرسطون وقيل القفان، والقسطاس ميزان العدل، أي ميزان كان من موازين الدراهم أو غيرها.
وقوله: {ذلك خير وأحسن تأويلا}.
معنى {وأحسن تأويلا} أن الوفاء أحسن من النقصان، ويجوز أن يكون المعنى أحسن ما يؤول إليه أمر صاحب الوفاء). [معاني القرآن: 3/239-238]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم}
روى ابن جريج عن مجاهد قال القسطاس العدل وقال الضحاك هو الميزان). [معاني القرآن: 4/154]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ذلك خير وأحسن تأويلا} [معاني القرآن: 4/154]
قال قتادة أي أحسن عاقبة أي ما يئول إليه الأمر في الدنيا والآخرة وقيل أحسن من النقصان). [معاني القرآن: 4/155]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والقسطاس} الميزان، وهو عجمي بلسان الروم، والضم لغة.
{وأحسن تأويلا} أي عاقبة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 136]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {القِسْطَاسِ}: العدل). [العمدة في غريب القرآن: 182]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 05:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 36 إلى 49]

{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء: 36] سعيدٌ، عن قتادة، قال: لا تقف، قال: لا تقل: رأيت ولم تر، ولا سمعت ولم تسمع، فإنّ اللّه سائلك عن ذلك كلّه.
وتفسير الحسن: لا تقف أخاك المسلم من بعده إذا مرّ بك، فتقول: إنّي رأيت هذا يفعل كذا، ورأيته يفعل كذا، وسمعته يقول كذا، لم تسمع ولم تر.
{كلّ أولئك} [الإسراء: 36] كلّ ذلك.
{كان عنه مسئولا} [الإسراء: 36] يسأل السّمع على حدةٍ عمّا سمع، ويسأل البصر على حدةٍ عمّا بصر، ويسأل القلب عمّا عزم عليه). [تفسير القرآن العظيم: 1/135]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولا تقف...}

أكثر القراء يجعلونها من قفوت، فتحرّك الفاء إلى الواو، فتقول {ولا تقف} وبعضهم قال (ولا تقف) والعرب تقول قفت أثره وقفوته. ومثله يعتام ويعتمي وقاع الجمل الناقة وقعا إذا ركبها، وعاث وعثي من الفساد. وهو كثير، منه شاك السلاح وشاكي السلاح، وجرف هارٌ وهارٍ. وسمعت بعض قضاعة يقول: اجتحى ماله واللغة الفاشية اجتاح ماله. وقد قال الشاعر:

ولو أني رأيتك من بعيد = لعاقك من دعاء النّيب عاقي
يريد: عائق
حسبت بغام راحلتي عناقاً = وما هي ويب غيرك بالعناق).
[معاني القرآن: 2/124-123]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ} مجازه: ولا تتبع ما لا تعلمه ولا يعنيك. وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (نحن بنو النضر بن كنانة لا نقذف أمّنا ولا نقفوا آباءنا)؛ وروى في الحديث: (ولا نقتفي من أبينا) وقال النّابغة الجعديّ:
ومثل الدّمى شمّ العرانين ساكنٌ= بهن الحياء لا بشعن التّقافيا
يعني التقاذف.
{كلّ أولئك كان عنه مسئولاً} خرج مخرج ما جعلوا الخبر عنه والعدد كالخبر عن الآدميّين وعلى لفظ عددهم إذا جمعوا وهو في الكلام: كل تلك، ومجاز عنه كقولهم: كل أولئك ذاهب، لأنه يرجع الخبر إلى كل ولفظه لفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع، وبعضهم يقول: كل أولئك ذاهبوا، لأنه يجعل الخبر للجميع الذي بعد كل). [مجاز القرآن: 1/380-379]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً}
[وقال] {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً} قال: {أولئك}. هذا وأشباهه مذكّراً كان أو مؤنّثاً تقول فيه "أولئك" قال الشاعر:
ذمّي المنازل بعد منزلة اللّوى = والعيش بعد أولئك الأيام
وهذا كثير). [معاني القرآن: 2/71]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ولا تقف}: أي تتبع). [غريب القرآن وتفسيره: 216]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا تقف ما ليس لك به علمٌ} أي: لا تتبعه الحدس والظّنون ثم تقول: رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع،
وعلمت ولم تعلم. وهو مأخوذ من القفاء كأنك تقفو الأمور، أي تكون في أقفائها وأواخرها تتعقبها.
يقال: قفوت أثره. والقائف: الذي يعرف الآثار ويتبعها. وكأنه مقلوب عن القافي). [تفسير غريب القرآن: 255-254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا}
أي لا تقولن في شيء بما لا تعلم.
فإذا نهي النّبي - صلى الله عليه وسلم - مع جكمته وعلمه وتوفيق اللّه إيّاه - أن يقول بما لا يعلم، فكيف سائر أمّته والمسرفين على أنفسهم.
يقال قفوت الشيء أقفوه قفوا إذا اتبعت أثره، فالتأويل لا تتبعن لسانك من القول ما ليس لك به علم، وكذلك من جميع العقل.
{إنّ السّمع والبصر والفؤاد} شواهد عليك.
قال الله عزّ وجلّ {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}.
فالجوارح شواهد على ابن آدم بعمله.
ويقرأ.. (ولا تقف ما ليس لك به علم) بإسكان الفاء وضم القاف، من قاف يقوف - وكأنه مقلوب من قفا يقفو، لأن المعنى واحد.
وقوله: {كلّ أولئك كان عنه مسئولا}.
فقال (مسئولا)، وقال: (كان)، لأن " كل " في لفظ الواحد؛ فقال {أولئك} لغير الناس، لأن كل جمع أشرت إليه من الناس وغيرهم ومن الموات فلفظه (أولئك)
قال جرير:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى= والعيش بعد أولئك الأيّام).
[معاني القرآن: 3/240-239]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تقف ما ليس لك به علم}
روى عن ابن عباس قال لا تقل ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا قال يسأل أكان ذاك أم لا
وقال ابن الحنفية رحمة الله عليه هذا في شهادة الزور وروى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال: {لا تقف} لا ترم
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد وهو من قفوت الشيء أي اتبعت أثره والمعنى لا تتبعن لسانك ما لم تعلمه فتتكلم بالحدس والظن
وحكى الكسائي ولا تقف من القيافة وهو بمعنى الأول على القلب). [معاني القرآن: 4/156-155]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ولا تقف ما ليس لك به علم} أي لا تتبعه الحدس والظنون، ثم تقول: رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، ومنه القائف الذي يتتبع الآثار، كأنه مقلوب وأصله القافي، وهو كله من القفا، كأنك تقفو الأمور، أي تكون في أقفائها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 136]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): {تَقْفُ}: تتبع). [العمدة في غريب القرآن: 182]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تمش في الأرض} [الإسراء: 37]، يعني: على الأرض.
{مرحًا} [الإسراء: 37] كما يمشي المشركون، فتمرح في الأرض، وهي مثل قوله:
[تفسير القرآن العظيم: 1/135]
{ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحقّ وبما كنتم تمرحون} [غافر: 75] وكقوله: {وفرحوا بالحياة الدّنيا} [الرعد: 26]، يعني: المشركين، لا يفرحون بالآخرة.
وقال: {إنّك لن تخرق الأرض} [الإسراء: 37] بقدمك إذا مشيت.
{ولن تبلغ الجبال طولا} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/136]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {إنّك لن تخرق الأرض} مجازه: لن تقطع الأرض، وقال رؤبة:

وقاتم الأعماق خاوي المخترق
أي المقطّع وقال آخرون: إنك لن تنقٌب الأرض، وليس بشيء). [مجاز القرآن: 1/380]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولا تمش في الأرض مرحاً إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً}
وقل {مرحاً} و{مرحا} والمكسورة أحسنهما لأنك لو قلت: تمشي مرحا" كان أحسن من "تمشى مرحا" ونقرؤها مفتوحة). [معاني القرآن: 2/71]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تخرق الأرض}: تقطعها ويقال تثقبها). [غريب القرآن وتفسيره: 216]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا تمش في الأرض مرحاً} أي: بالكبر والفخر.
{إنّك لن تخرق الأرض} أي: لا تقدر أن تقطعها حتى تبلغ آخرها يقال: فلان أخرق للأرض من فلان، إذا كان أكثر أسفارا وغزوا.
{ولن تبلغ الجبال طولًا} يريد: أنه ليس للفاجر أن يبذخ ويستكبر). [تفسير غريب القرآن: 255]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تمش في الأرض مرحا إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا}
ويقرأ مرحا - بكسر الراء -، وزعم الأخفش أن مرحا أجود من مرحا.
لأن مرحا اسم الفاعل. وهذا - أعني المصدر - جيد بالغ، وكلاهما في الجودة سواء، غير أنّ المصدر أوكد في الاستعمال تقول: جاء زيد ركضا، وجاء زيد راكضا، فركضا أوكد في الاستعمال لأن ركضا يدلّ على توكيد الفعل.
ومرحا - بفتح الراء أكثر في القراءة.
وتأويل الآية: ولا تمش في الأرض مختالا ولا فخورا.
{إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا}.
قالوا: معنى {تخرق الأرض} تقطع الأرض، وقيل تثقب الأرض.
والتأويل أن قدرتك لا تبلغ هذا المبلغ، فيكون ذلك وصلة إلى الاختيال). [معاني القرآن: 3/240]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تمش في الأرض مرحا} أي متكبرا متبذخا). [معاني القرآن: 4/156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {إنك لن تحرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} فيه لأهل اللغة قولان:
أحدهما أن المعنى إنك لن تنقب الأرض،
والآخر لن تقطعها كلها قال أبو جعفر وهذا أبين كأنه مأخوذ من الخرق وهو الصحراء الواسعة ويقال فلان أخرق من فلان أي أكثر سفرا وغزوا منه). [معاني القرآن: 4/157-156]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَخْرِقَ}: تقطع). [العمدة في غريب القرآن: 182]

تفسير قوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ولن تبلغ الجبال طولا {37} كلّ ذلك كان سيّئه} [الإسراء: 37-38] في قراءة من قرأها بالرّفع.
{عند ربّك مكروهًا} [الإسراء: 38]، يقول: سيّئٌ ذلك الفعل.
ومن قرأها بالنّصب يقول: كلّ ذلك كان سيّئهً مهموزةً يوجب أنّها سيّئةٌ {عند ربّك مكروهًا} [الإسراء: 38] وهي قراءة المكّيّ، ذكره حمّاد بن سلمة). [تفسير القرآن العظيم: 1/136]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كلّ ذلك كان سيّئه عند ربّك مكروهاً...}

وقرأ بعض أهل الحجاز {كان سيّئةً عند ربّك مكروهاً} ). [معاني القرآن: 2/124]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {كلّ ذلك كان سيّئه عند ربّك مكروها}
سيئه في معنى خطيئة، وكان أبو عمرو لا يقرأ (سيّئه)، ويقرأ (سيئة)، وهذا غلط، لأن في الأقاصيص سيئا وغير سيئ وذلك أن فيها {وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذّلّ من الرّحمة}
وفيها: {وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل}.
و {وأوفوا بالعهد} ، {ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن}، أي اقربوه بالتي هي أحسن.
ففيما جرى من الآيات سيئ وحسن، فسيئه بلا تنوين أحسن من سيئة ههنا.
ومن قرأ سيئة جعل " كلا " إحاطة بالمنهي عنه فقط، المعنى كل ما نهى الله عنه كان سيئة). [معاني القرآن: 3/241-240]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل ثناؤه: {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}
ويقرأ {سيئة} عند ربك مكروها
وقيل الأول أبين لأنه قد تقدم قوله: {وآت ذا القربى حقه} وأشياء حسنة وسيئة فقال: {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} وأيضا فإنه لم يقل مكروهة). [معاني القرآن: 4/158-157]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ذلك ممّا أوحى إليك ربّك من الحكمة ولا تجعل مع اللّه إلهًا آخر فتلقى في جهنّم ملومًا مدحورًا} [الإسراء: 39] ملومًا في نقمة اللّه، {مدحورًا} [الإسراء: 39] في عذاب اللّه، والمدحور: المطرود، المبعد، المقصى عن الجنّة، في النّار). [تفسير القرآن العظيم: 1/136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {مدحوراً} مقصيا مبعدا. يقال: اللهم ادحر الشيطان عني).
[تفسير غريب القرآن: 255]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذلك ممّا أوحى إليك ربّك من الحكمة ولا تجعل مع اللّه إلها آخر فتلقى في جهنّم ملوما مدحورا}
{فتلقى في جهنّم ملوما مدحورا} أي مباعدا من رحمة اللّه). [معاني القرآن: 3/241]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا}
أي مقصى مباعدا ومنه اللهم ادحر عنا الشيطان). [معاني القرآن: 4/158]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مدحورا} أي: مباعدا من الخير). [ياقوتة الصراط: 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مدحورا} أي مقصيا مبعدا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 137]

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أفأصفاكم ربّكم بالبنين واتّخذ من الملائكة إناثًا} [الإسراء: 40] على الاستفهام.
أي لم يفعل ذلك، لقولهم: إنّ الملائكة بنات اللّه.
وقال: {إنّكم لتقولون قولا عظيمًا} [الإسراء: 40] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/136]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {أفأصفاكم ربّكم بالبنين} أي اختصكم).
[مجاز القرآن: 1/380]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واتّخذ من الملائكة إناثاً} كانوا يقولون: الملائكة بنات اللّه). [تفسير غريب القرآن: 255]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفأصفاكم ربّكم بالبنين واتّخذ من الملائكة إناثا إنّكم لتقولون قولا عظيما}
كانت الكفرة من العرب تزعم أنّ الملائكة بنات اللّه، فوبخوا، وقيل لهم:(أفأصفاكم ربّكم بالبنين)، أي أختار لكم ربّكم صفوة الشيء وأخذ من الملائكة غير الصفوة).[معاني القرآن: 3/241]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ):(ثم قال جل وعز:{أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا} لأنهم قالوا الملائكة بنات الله تعالى الله).[معاني القرآن: 4/158]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد صرّفنا في هذا القرءان ليذّكّروا} [الإسراء: 41] ضربنا في هذا القرآن الأمثال، فأخبرناهم أنّا أهلكنا القرون الأولى، أي ليذّكّروا فيؤمنوا، لا ينزل بهم ما نزل بالأمم من قبلهم من عذاب اللّه.
{وما يزيدهم} [الإسراء: 41] ذلك.
{إلا نفورًا} [الإسراء: 41] إلا تركًا لأمر اللّه، يعني: أنّهم كلّما نزل في
[تفسير القرآن العظيم: 1/136]
القرآن شيءٌ كفروا به ونفروا.
- أبو الأشهب والرّبيع بن صبيحٍ، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده».
في حديث أبي الأشهب، «ليدخلنّ الجنّة إلا من أبى».
يقول: أبى أن يؤمن.
- يحيى، عن الحسن بن دينارٍ، عن الجريريّ، عن يعلى بن عطاءٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لتدخلنّ الجنّة إلا أن تشردوا على اللّه كما يشرد البعير على أهله».
قال يحيى: وسمعت عبد الوهّاب بن سليمٍ العامريّ يحدّث هذا الحديث عن النّبيّ عليه السّلام وزاد فيه، ثمّ تلا هذه الآية: {ولقد صرّفنا في هذا القرءان ليذّكّروا وما يزيدهم إلا نفورًا} [الإسراء: 41] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/137]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ولقد صرّفنا في هذا القرآن ليذّكّروا وما يزيدهم إلّا نفورا }
أي بينا.
{وما يزيدهم إلّا نفورا} أي ما يزيدهم التبيين إلا نفورا، كما قال اللّه - عزّ وجلّ -: {وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلّا خسارا}. [معاني القرآن: 3/241]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل لو كان معه آلهةٌ كما يقولون} [الإسراء: 42] وهي تقرأ أيضًا بالتّاء.
فمن قرأها بالتّاء فيقول للنّبيّ: قل لهم: لو كان معه آلهةٌ، ثمّ أقبل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: كما تقولون.
ومن قرأها بالياء يقول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم: لو كان معه آلهةٌ كما يقولون.
{إذًا لابتغوا} [الإسراء: 42]، يعني: الآلهة لو كانت آلهةً.
{إلى ذي العرش سبيلا} [الإسراء: 42] إذًا لطلبوا إليه الوسيلة والقربة.
وقال قتادة: إذًا لعرفوا له فضله عليهم، ولابتغوا إليه ما يقرّبهم إليه). [تفسير القرآن العظيم: 1/137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {قل لو كان معه آلهةٌ كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلًا} يقول: لو كان الأمر كما تقولون لابتغى من تدعونه إلها، التقرّب إلى اللّه، لأنه ربّ كل مدعوّ. ويقال: لابتغوا سبيلا، أي طريقا للوصول إليه).
[تفسير غريب القرآن: 255]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا }
فمن قرأ (كما تقولون) فعلى مخاطبة القائلين {إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا}.
أي لتقربوا إلى ذي العرش، كما قال: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب}.
وقال بعضهم: {إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} أي لكانوا مضادّين له يطلبون الانفراد بالربوبية.
والقول الأول عليه المفسرون). [معاني القرآن: 3/242-241]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا}
قال قتادة المعنى إذا لتقربوا إلى الله
وقال سعيد بن جبير إذا لطلبوا إليه طريقا للوصول ليزيلوا ملكه جل وعز). [معاني القرآن: 4/159]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} لو كان معه آلهة كما تقولون، لابتغوا -أولئك الآلهة- التقرب إلى الله، لأنه رب كل شيء.
وقيل: لابتغوا سبيلا: أي طريقا إليه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 137]

تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {سبحانه} [الإسراء: 43] ينزّه نفسه.
{وتعالى} [الإسراء: 43] ارتفع.
[تفسير القرآن العظيم: 1/137]
{عمّا يقولون علوًّا كبيرًا} [الإسراء: 43].
يسبّح له السّموات السّبع، أي: ومن فيهنّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/138]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) :
( {سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوّاً كبيراً}

وقال: {سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوّاً كبيراً} فقال: {علوّاً} ولم يقل "تعالياً" كما قال: {وتبتّل إليه تبتيلاً} قال الشاعر:

أنت الفداء لكعبةٍ هدّمتها = ونقرتها بيديك كلّ منقّر
منع الحمام مقيله من سقفها = ومن الحطيم فطار كلّ مطيّر
وقال الآخر:
* يجري عليها أيّما إجراء *
وقال الآخر:
وخير الأمر ما استقبلت منه = وليس بأن تتبّعه اتّباعا).
[معاني القرآن: 2/71]

تفسير قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {والأرض ومن فيهنّ} [الإسراء: 44] من المؤمنين، ومن يسبّح له من الخلق.
{وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليمًا غفورًا} [الإسراء: 44] كان الحسن يقول: إنّ الجبل يسبّح، فإذا قطع منه شيءٌ لم يسبّح المقطوع ويسبّح الأصل، وكذلك الشّجرة ما قطع منها لم يسبّح وتسبّح هي.
قال: {ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليمًا غفورًا} [الإسراء: 44] كقوله: {ولو يؤاخذ اللّه النّاس بظلمهم ما ترك عليها من دابّةٍ} [النحل: 61] إذًا يحبس القطر عنهم فأهلكهم.
قال: {غفورًا} [الإسراء: 44] لهم إن تابوا.
سعيدٌ، عن قتادة قال: {حليمًا} [الإسراء: 44] عن خلقه، فلا يعجل كعجلة بعضهم على بعضٍ، {غفورًا} [الإسراء: 44] لهم إذا تابوا وراجعوا الحقّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/138]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:{تسبّح له السّماوات السّبع...}

أكثر القراء على التاء. وهي في قراءة عبد الله (سبّحت له السموات السبع) فهذا يقوّي الذين قرءوا بالتاء. ولو قرئت بالياء لكان صواباً؛ كما قرءوا {تكاد السّموات} و{يكاد}.
وإنما حسنت الياء لأنه عدد قليل، وإذا قلّ العدد من المؤنّث والمذكر كانت الياء فيه أحسن من التاء قال الله عزّ وجلّ في المؤنّث القليل {وقال نسوةٌ في المدينة}، وقال في المذكّر
{فإذا انسلخ الأشهر الحرم} فجاء بالتذكير. وذلك أن أوّل فعل المؤنث إذا قلّ يكون بالياء، فيقال: النسوة يقمن. فإذا تقدّم الفعل سقطت النون من آخره لأن الاسم ظاهر فثبت الفعل من أوّله على الياء، ومن أنّث ذهب إلى أن الجمع يقع عليه (هذه) فأنّث لتأنيث (هذه) والمذكر فيه كالمؤنّث؛ ألا ترى أنك تقول: هذه الرجال، وهذه النساء.
... حدثني قيس بن الربيع عن عمّار الدهني عن سعيد بن جبير قال: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة، وكلّ سلطان حجّة، هذا لقوله: {وإن مّن شيءٍ إلاّ يسبّح بحمده} ).
[معاني القرآن: 2/125-124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فقال: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ}
وقال: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} أي سبّحن معه. وقال: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} ).[تأويل مشكل القرآن: 113] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليما غفورا }
قيل إن كل ما خلق اللّه يسبح بحمده وإن صرير السقف وصرير الباب من التسبيح للّه عزّ وجلّ.
ويكون - على هذا - الخطاب للمشركين وحدهم من قوله: {ولكن لا تفقهون تسبيحهم}.
وجائز أن يكون تسبيح هذه الأشياء ممّا علم اللّه به، لا يفقه منه إلا ما علّمنا.
وقال قوم: {وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده} أي ما من شيء إلا وفيه دليل أن الله خالقه، وأن خالقه حكيم مبرأ من الأسواء {ولكن لا تفقهون تسبيحهم}.
أي ولكنكم أيها الكفار لا تفقهون أثر الصنعة في هذه المخلوقات.
وهذا ليس بشيء لأن الذين خوطبوا بهذا كانوا مقرّين بأن الله خالقهم وخالق السّماوات والأرض ومن فيهن، فكيف يجهلون الخلقة وهم عارفون بها). [معاني القرآن: 3/242]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}
قيل تسبيحه لدلالته على قدرة الله وأنه خالقه وأكثر أهل التفسير منهم عكرمة على أن المعنى وإن من شيء فيه الروح إلا يسبح بحمده
قال أبو جعفر وهذا القول أولى لأنه قال {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} ). [معاني القرآن: 4/160-159]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مّستوراً}
وقال: {حجاباً مّستوراً} لأن الفاعل قد يكون في لفظ المفعول كما تقول: "إنّك مشؤوم علينا" و"ميمون" وإنّما هو "شائم" و"يامن" لأنه من "شأمهم" و"يمنهم" و"الحجاب" ههنا هو الساتر، وقال: {مستورا} ). [معاني القرآن: 2/72-71]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا}
قال أهل اللغة معنى {مستورا} ههنا في موضع ساتر،، تأويل الحجاب - واللّه أعلم - الطبع الذي على قلوبهم.
ويدل على ذلك قوله: {وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه} والأكنة جمع كنان وهو ما ستر.
ومعنى {أن يفقهوه} كراهة {أن يفقهوه} وقيل معناه ألا يفقهوه والمعنيان واحد، غير أن كراهة أجود في العربيّة.
وقيل: {جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا}
الحجاب منع اللّه إياهم من النبي-عليه السلام-ويجوز أن يكون {مستورا} على غير معنى ساتر، فيكون الحجاب ما لا يرونه ولا يعلمونه من الطبع على قلوبهم).[معاني القرآن: 3/243-252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} فيه قولان:
أحدهما أن الحجاب الطبع على قلوبهم ودل على هذا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه،
والقول الآخر أن الحجاب منع الله إياه منهم). [معاني القرآن: 4/160]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا قرأت القرءان جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا {45} وجعلنا على قلوبهم أكنّةً} [الإسراء: 45-46] غلفٌ.
{أن يفقهوه} [الإسراء: 46] لئلا يفقهوه.
{وفي آذانهم وقرًا} [الإسراء: 46] مثل قوله: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً} [الجاثية: 23] سعيدٌ، عن قتادة، قال: حجابًا مستورًا، وهو أكنّةٌ على قلوبهم أن يفقهوه.
قال: {وإذا ذكرت ربّك في القرءان وحده} [الإسراء: 46] أنّه لا إله إلا هو.
[تفسير القرآن العظيم: 1/138]
{ولّوا على أدبارهم نفورًا} [الإسراء: 46] أعرضوا عنه.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: إنّ المسلمين لمّا قالوا: لا إله إلا اللّه أنكر ذلك المشركون، وكبرت عليهم، وضاقها إبليس وجنوده). [تفسير القرآن العظيم: 1/139]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {وفي آذانهم وقراً} أي صمماً واستكاكاً وثقلاً وأوله مفتوح والوقر من الحمل مكسور الأول.

{ولّوا على أدبارهم نفوراً} أي أعقابهم، نفور: جمع نافر بمنزلة قاعد وقعود وجالس وجلوس). [مجاز القرآن: 1/381-380]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أكنّةً} جمع كنان. مثل غطاء وأغطية). [تفسير غريب القرآن: 255]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربّك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورا}
{وفي آذانهم وقرا} الوقر ثقل السمع، والوقر أن يحمل الإنسان وقره
وقوله: {ولّوا على أدبارهم نفورا}.
{نفورا} يحتمل مذهبين:
أحدهما المصدر. المعنى: ولّوا نافرين نفورا
ويجوز أن يكون (نفورا) جمع نافر، فيكون نافر ونفور، مثل شاهد وشهود). [معاني القرآن: 3/243]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا}
قال أبو الجوزاء الذكر قول لا إله إلا الله). [معاني القرآن: 4/160]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وفي آذانهم وقرا} أي: ثقلا من الصمم). [ياقوتة الصراط: 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أكنة} جمع كنان، مثل غطاء وأغطية). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 137]

تفسير قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] يتناجون في أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{إذ يقول الظّالمون} [الإسراء: 47] المشركون.
{إن تتّبعون إلا رجلا مسحورًا} [الإسراء: 47] قال: بلغنا أنّ أبا سفيان بن حربٍ، وأبا جهل بن هشامٍ، وعتبة بن ربيعة في رهطٍ من قريشٍ قاموا من المسجد إلى دارٍ في أصل الصّفا، فيها نبيّ اللّه يصلّي فاستمعوا، فلمّا فرغ نبيّ اللّه من صلاته قال أبو سفيان: يا أبا الوليد، لعتبة، أنشدك اللّه هل تعرف شيئًا ممّا يقول؟ فقال عتبة: اللّهمّ أعرف بعضًا وأنكر بعضًا، فقال أبو جهلٍ: فأنت
يا أبا سفيان؟ فقال أبو سفيان: اللّهمّ نعم.
قال أبو سفيان لأبي جهلٍ: يا أبا الحكم هل تعرف ممّا يقول شيئًا؟ فقال أبو جهلٍ: لا واللّه الّذي جعلها بيته، يعني الكعبة، ما أعرف ممّا يقول قليلًا ولا كثيرًا.
و{إن تتّبعون إلا رجلا مسحورًا} [الإسراء: 47]، يعني: المؤمنين.
وهي تقرأ أيضًا على الياء، يقول المشركون للمؤمنين: إن يتّبعون إلا رجلا مسحورًا وقال سعيدٌ، عن قتادة: نجواهم أن زعموا أنّه مجنونٌ، وأنّه ساحرٌ.
وقالوا أساطير الأوّلين). [تفسير القرآن العظيم: 1/139]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {وإذ هم نجوى} وهي مصدر من ناجيت أو اسم منها فوصف القوم بها والعرب تفعل ذلك، كقولهم: إنما هم عذاب وأنتم غم، فجاءت في موضع متناجين.

{إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحوراً} أي ما تتبعون كقولك ما تتبعون إلا رجلاً مسحوراً، أي له سحر وهو أيضاً مسحر وكذلك كل دابة أو طائر أو بشر يأكل فهو مسحور لأن له سحراً، والسحر الرّئة، قال لبيد:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا= عصافير من هذا الأنام المسحّر
وقال:
ونسحر بالشراب وبالطّعام
أي نغذي لأن أهل السماء لا يأكلون فأرادوا أن يكون ملكاً). [مجاز القرآن: 1/382-381]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {نّحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظّالمون إن تتّبعون إلاّ رجلاً مّسحوراً}
وقال: {وإذ هم نجوى} وإنما "النّجوى" فعلهم كما تقول: "هم قومٌ رضىً" وإنما "الرّضى" فعلهم). [معاني القرآن: 2/72]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وإذ هم نجوى}: مصدر ناجيت والمعنى متناجون ويقال للقوم هم نجوى. وقال {هم ما يكون من نجوى ثلاثة}
ويقال: الرجل نجي والرجلان نجيان والقوم أنجية. وقد يجوز أن يقال للقوم نجي والمرأة نجي. وقال الله {خلصوا نجيا} فجعله موحدا وهو صفة للقوم.
{رجلا مسحورا}: قالوا من السحر، وبعضهم يقول من السحر، والسحر الرئة. والمعنى أنه كان يأكل الطعام، وكل شيء يأكل الطعام يقال سحر ويقال له سحر).
[غريب القرآن وتفسيره: 217-216]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذ هم نجوى} أي متناجون: يسار بعضهم بعضا.
{إن تتّبعون إلّا رجلًا مسحوراً}. قال أبوة عبيدة: يريدون بشرا ذا سحر، ذا رئة. ولست أدري ما اضطره إلى هذا التفسير المستكره؟.
وقد سبق التفسير من السلف بما لا استكراه فيه. قال مجاهد في قوله: {إلّا رجلًا مسحوراً} أي مخدوعا، لأن السحر حيلة وخديعة.
وقالوا في قوله: {فأنّى تسحرون}: أي من أين تخدعون؟ {إنّما أنت من المسحّرين} أي من المعلّلين.
وقال امرؤ القيس: ونسحر بالطّعام وبالشراب أي نعلّل، فكأنا نخدع.
وقال لبيد: فإن تسألينا: فيم نحن؟ فإنّنا عصافير من هذا الأنام المسحّر
أي المعلّل. والناس يقولون: سحرتني بكلامك. يريدون خدعتني.
وقوله: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال} يدل على هذا التأويل لأنهم لو أرادوا رجلا ذا رئة، لم يكن في ذلك مثل ضربوه.
ولكنهم لما أرادوا رجلا مخدوعا - كأنه بالخديعة سحر - كان مثلا ضربوه، وتشبيها شبهوه.
وكأن المشركين ذهبوا إلى أن قوما يعلّمونه ويخدعونه.
وقال اللّه في موضع آخر حكاية عنهم: {ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشرٌ}.
وقول فرعون: {إنّي لأظنّك يا موسى مسحوراً} لا يجوز أن يكون أراد به: إني لأظنك إنسانا ذا رئة،
وإنما أراد: إني لأظنك مخدوعا.
والرفات ما رفت. وهو مثل الفتات). [تفسير غريب القرآن: 257-255]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظّالمون إن تتّبعون إلّا رجلا مسحورا }
{نجوى} في معنى المصدر، أي وإذ هم ذوو نجوى، والنجوى اسم للمصدر، وكانوا يستمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقولون بينهم: هو ساحر وهو مسحور وما أشبه ذلك من القول.
وقال أهل اللغة في قوله: {إلّا رجلا مسحورا} قولين:
أحدهما أن مسحورا ذو سحر، والسحر الرنّة،
وقالوا: إن تتبعون إلا من له سحر بشر مثلكم يأكل الطعام.
قال لبيد:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا= عصافير من هذا الأنام المسحّر
وقالوا: مسحورا أي قد سحر وأزيل عن حدّ الاستواء). [معاني القرآن: 3/243-244]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى} أي ذوو نجوة أي سرار ثم بين ما يتناجون به فقال جل ثناءه إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا في معناه قولان:
قال مجاهد أي مخدوعا
وقال أبو عبيدة أي له سَحْرٌ والسَّحْرُ والسُّحْرُ الرئة
والمعنى عنده إن تتبعون إلا بشرا أي ليس بملك قال أبو جعفر والقول الأول أنسب بالمعنى وأعرف في كلام العرب لأنه يقال ما فلان إلا مسحور أي مخدوع كما
قال تعالى: {إني لأظنك يا موسى مسحورا}
أي مخدوعا قال الشاعر:
أرانا موضعين لحتم غيب = ونسحر بالطعام وبالشراب
أي نعلل بهما فكأنهما نخدع ويبينه قوله تعالى: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال}
وقال في موضع أخر ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر). [معاني القرآن: 4/162-161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وإذ هم نجوى} أي متناجون، يسار بعضهم بعضا.
{إن تتبعون إلا رجلا مسحورا} أي مخدوعا، ومنه قوله تعالى: {فأنى تسحرون} أي: من أين تخدعون. وقيل: مسحورا: ذا رئة، والسحر: الرئة، وقيل: مخادعا،
وقيل: معالا بالطعام والشراب. وقيل: مسحورا بالسحر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 137]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {النَّجوى}: السرار). [العمدة في غريب القرآن: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَسْحوراً}: من السحر). [العمدة في غريب القرآن: 182]

تفسير قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا} [الإسراء: 48] بقولهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/139]
{فلا يستطيعون سبيلا} [الإسراء: 48] قال مجاهدٌ: مخرجًا.
وقال مجاهدٌ: {إذ يستمعون إليك} [الإسراء: 47] قول الوليد بن المغيرة ومن معه في دار النّدوة.
{فلا يستطيعون سبيلا} [الإسراء: 48]، يعني: مخرجًا.
الوليد بن المغيرة وأصحابه). [تفسير القرآن العظيم: 1/140]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وقالوا أئذا كنّا عظامًا ورفاتًا} [الإسراء: 49] ترابًا في تفسير مجاهدٍ.
{أإنّا لمبعوثون خلقًا جديدًا} [الإسراء: 49] على الاستفهام.
أي: لا نبعث.
وهو كقوله: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميمٌ} [يس: 78].
كان أبيّ بن خلفٍ أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعظمٍ نخرٍ ففتّه، فقال: يا محمّد أيحيي اللّه هذا؟ قال اللّه: {قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّةٍ} [يس: 79] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/140]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {عظاماً ورفاتاً}: الرّفات: التراب لا واحد له، بمنزلة الدقاق والحطام).
[معاني القرآن: 2/125]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أئذا كنّا عظاماً ورفاتاً} عظاماً لم تحطم، ورفاتاً أي حطاماً). [مجاز القرآن: 1/382]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {عظاما ورفاتا}: الرفات ما حطم. والرفات والحطام والرضاض والجذاذ واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 217]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وقالوا أإذا كنّا عظاما ورفاتا أإنّا لمبعوثون خلقا جديدا}
الرّفات التراب، والرفات أيضا كل شيء حطم وكسر، وكل ما كان من هذا النحو فهو مبني على فعال، نحو الفتات والحطام والرفات والتراب.
وقوله: {خلقا جديدا}، في معنى مجدّد). [معاني القرآن: 3/244]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا}
قال مجاهد أي ترابا وهو قول الفراء
وقال أبو عبيدة والكسائي يقال منه رفت رفتا أي حطم). [معاني القرآن: 4/162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أئنا لمبعوثون خلقا جديدا} أي مجددا). [معاني القرآن: 4/163]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الرُّفاتُ}: ما نكس). [العمدة في غريب القرآن: 183]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 05:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 50 إلى 69]

{قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل كونوا حجارةً أو حديدًا} [الإسراء: 50] لمّا قالوا: {أئذا كنّا عظامًا ورفاتًا أإنّا لمبعوثون خلقًا جديدًا} [الإسراء: 49] قال الحسن: فقال اللّه: {قل كونوا حجارةً أو حديدًا {50} أو خلقًا ممّا يكبر في صدوركم} [الإسراء: 50-51] سفيان، عن خصيفٍ، عن عكرمة ومجاهدٍ، قالا: الموت، إذًا لأمتّكم ثمّ بعثتكم.
وقال قتادة: فإنّ اللّه يميتكم ثمّ يبعثكم يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/140]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
( ثم قال جل وعز: {قل كونوا حجارة أو حديدا}

قال مجاهد أي ما شئتم فستعادون
قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم فلو كنتم حجارة
أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة). [معاني القرآن: 4/163]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {قل كونوا حجارة أو حديدا} أي: قدروا في أنفسكم أنكم حجارة أو حديد، فإنه - عز وجل - يعيدكم كما كنتم). [ياقوتة الصراط: 307]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل كونوا حجارةً أو حديدًا} [الإسراء: 50] لمّا قالوا: {أئذا كنّا عظامًا ورفاتًا أإنّا لمبعوثون خلقًا جديدًا} [الإسراء: 49] قال الحسن: فقال اللّه: {قل كونوا حجارةً أو حديدًا {50} أو خلقًا ممّا يكبر في صدوركم} [الإسراء: 50-51] سفيان، عن خصيفٍ، عن عكرمة ومجاهدٍ، قالا: الموت، إذًا لأمتّكم ثمّ بعثتكم.
وقال قتادة: فإنّ اللّه يميتكم ثمّ يبعثكم يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/140] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({فسيقولون من يعيدنا} [الإسراء: 51] خلقًا جديدًا.
{قل الّذي فطركم} [الإسراء: 51] خلقكم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/140]
{أوّل مرّةٍ فسينغضون إليك رءوسهم} [الإسراء: 51] سعيدٌ، عن قتادة قال: أي: فسيحرّكون أرؤسهم تكذيبًا واستهزاءً.
{ويقولون متى هو} [الإسراء: 51]، يعنون: البعث.
{قل عسى أن يكون قريبًا} [الإسراء: 51] وعسى من اللّه واجبةً، وكلّ ما هو آتٍ قريبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/141]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أو خلقاً مّمّا يكبر في صدوركم...}

قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كنّا الموت من يميتنا؟ فأنز الله عز وجل: {أو خلقاً مّمّا يكبر في صدوركم} يعني الموت نفسه أي لبعث الله عليكم من يميتكم.
وقوله: {فسينغضون إليك رؤوسهم} يقال أنغض رأسه أي حرّكه إلى فوق وإلى أسفل. وأرانا ذلك أبو زكريا فقال برأسه، فألصقه بحلقه ثم رفعه كأنه ينظر إلى السّقف.
والرأس ينغض وينغض. والثنيّة إذا تحركت: قيل نغضت سنّه. وإنما يسمى الظليم نغضا لأنه إذا عجّل مشيه ارتفع وانخفض.
وقوله: {ويقولون متى هو} يعني البعث). [معاني القرآن: 2/125]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يكبر في صدوركم} أي يعظم.
{فطركم أوّل مرّةٍ} أي خلقكم.
{فسنغضون إليك رؤوسهم} مجازه: فسيرفعون ويحركون استهزاء منهم، ويقال: قد نغضب سنّ فلان إذا تحركت وارتفعت من أصلها قال:

ونغضت من هرمٍ أسنانها
وقال:
لما رأتني أنغضت لي الرأسا
قال ذو الرمة:
ظعائن لم يسكنّ أكناف قرية= بسيفٍ ولم تنغض بهن القناطر).
[مجاز القرآن: 1/383-382]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({فطركم}: خلقكم.
{فسينغضون إليك رؤوسهم}: يحركونها استهزاء يقال: نغضت سنة ونغض رأسه إذا تحرك، وانغض الرجل رأسه ونغضه أيضا لغة، ويقال: نغضت ثنيته أي تحركت من أصلها).
[غريب القرآن وتفسيره: 217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فسينغضون إليك رؤوسهم} أي يحركونها كما يحرك اليائس من الشيء المستبعد له رأسه. يقال: نغصت سنّه، إذا تحركت. ويقال للظليم:
نغص، لأنه يحرّك رأسه إذا عدا). [تفسير غريب القرآن: 257]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل كونوا حجارة أو حديدا * أو خلقا ممّا يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الّذي فطركم أوّل مرّة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا}
أكثر ما جاء في التفسير في قوله: (أو خلقا ممّا يكبر في صدوركم)
إن هذا الخلق هو الموت، وقيل خلقا مما يكبر في صدوركم نحو السّماوات والأرض والجبال.
ومعنى هذه الآية فيه لطف وغموض، لأن القائل يقول: كيف يقال لهم كونوا حجارة أو حديدا وهم لا يستطيعون ذلك؟ فالجواب في ذلك أنهم كانوا يقرون أن اللّه جل ثناؤه خالقهم، وينكرون أن الله يعيدهم خلقا آخر، فقيل لهم استشعروا أنكم لو خلقتم من حجارة أو حديد لأماتكم اللّه ثم أحياكم، لأن القدرة التي بها أنشأكم - وأنتم مقرون أنه أنشأكم بتلك القدرة - بها يعيدكم، ولو كنتم حجارة أو حديدا، أو كنتم الموت الذي هو أكبر الأشياء في صدوركم.
وقوله: {فسيقولون من يعيدنا قل الّذي فطركم أوّل مرّة فسينغضون إليك رءوسهم}.
أي فسيحركون رؤوسهم تحريك من يبطل الشيء ويستبطئه.
{ويقولون متى هو}.
يقال أنغضت رأسي إذا حركته أنغضه إنغاضا، ونغضت السّن تنغض نغضا، ونغض برأسه ينغض نغضا إذا حركه.
قال العجاج:
أسكّ نغضا لا يني مستهدجا). [معاني القرآن: 3/245-244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل الّذي فطركم أول مرة} فالمعنى أنه يبعثكم الذي بدأ خلقكم، والابتداء والإنشاء أشد من الإعادة). [معاني القرآن: 3/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال عز وجل: {أو خلقا مما يكبر في صدوركم} أي يعظم
قال ابن عمر ومجاهد وعكرمة وأبو صالح والضحاك في قوله تعالى: {أو خلقا مما يكبر في صدوركم} هو الموت
وفي الحديث أنه يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار). [معاني القرآن: 4/164-163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو}
أي يحركونها من فوق إلى أسفل ومن أسفل إلى فوق كما يفعل المتعجب المستبطئ للشيء
يقال أنغض رأسه فنغض ينغض وينغض وينغض أي تحرك). [معاني القرآن: 4/164]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أو خلقا مما يكبر في صدوركم} يعني: الموت نفسه، يقول: نحن نعيد الموت لو مات). [ياقوتة الصراط: 308]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فسينغضون إليك رؤوسهم} أي: يحركون رؤوسهم استهزاء). [ياقوتة الصراط: 308]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فسينغضون إليك رؤوسهم} أي يحركون رؤوسهم كما يحرك رأسه اليائس من الشيء، المستبعد له أن يكون).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 137]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَطَرَكُم}: خلقكم.
{فَسَيُنْغِضَون}: يحركون). [العمدة في غريب القرآن: 183]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يوم يدعوكم} [الإسراء: 52] من قبوركم، ينادي صاحب الصّور ينفح فيه.
قال السّدّيّ: يوم يناديكم إسرافيل.
{فتستجيبون بحمده} [الإسراء: 52] بمعرفته في تفسير الحسن وقتادة.
وقال قتادة: بمعرفته وطاعته يومئذٍ.
قال يحيى: والاستجابة منهم خروجهم من قبورهم إلى الدّاعي صاحب الصّور إلى بيت المقدس.
{وتظنّون} [الإسراء: 52] في الآخرة.
{إن لبثتم} [الإسراء: 52] في الدّنيا.
{إلا قليلا} [الإسراء: 52] مثل قوله: {قالوا لبثنا يومًا أو بعض يومٍ} [الكهف: 19] تصاغرت الدّنيا عندهم، ومثل قوله: {ويوم تقوم السّاعة يقسم المجرمون} [الروم: 55] المشركون.
{ما لبثوا} [الروم: 55] في الدّنيا، {غير ساعةٍ} [الروم: 55].
قال اللّه: {كذلك كانوا يؤفكون} [الروم: 55] يصدّون عن الهدى.
{وقال الّذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب اللّه إلى يوم البعث} [الروم: 56] وهي مقدّمةٌ يقول: {وقال الّذين أوتوا العلم} [القصص: 80] في كتاب اللّه {والإيمان لقد لبثتم} [الروم: 56] إلى يوم البعث.
وقال في الآية الأولى: {إن لبثتم إلا قليلا} [الإسراء: 52]، أي: إنّ الّذي كانوا فيه في الدّنيا قليلٌ في الآخرة، لأنّها لا تنقضي، فعلموا هناك في الآخرة أنّه كذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 1/141]
سعيدٌ، عن قتادة، قال: وذلك ممّا تحاقرت الدّنيا في أنفسهم حين عاينوا يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنّون إن لبثتم إلّا قليلا }
أي يعيدكم يوم القيامة.
ومعنى تستجيبون بحمده. تستجيبون مقرين بأنه خالقكم). [معاني القرآن: 3/245]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} قال سفيان أي بأمره والمعنى عند أهل التفسير مقرين أنه خالقكم). [معاني القرآن: 4/165]
تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن} [الإسراء: 53] أن يأمرهم بما أمرهم اللّه به، وينهاهم عمّا نهاهم اللّه عنه.
{إنّ الشّيطان ينزغ بينهم} [الإسراء: 53] يفسد بينهم.
{إنّ الشّيطان كان للإنسان عدوًّا مبينًا} [الإسراء: 53] بيّن العداوة). [تفسير القرآن العظيم: 1/142]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {إنّ الشّيطان ينزغ بينهم} أي يفسد ويهيج، وبعضهم يكسر زاي ينزع). [مجاز القرآن: 1/383]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وقل لّعبادي يقولوا الّتي هي أحسن إنّ الشّيطان ينزغ بينهم إنّ الشّيطان كان للإنسان عدوّاً مّبيناً}
وقال: {وقل لّعبادي يقولوا الّتي هي أحسن} فجعله جوابا للأمر). [معاني القرآن: 2/72]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم} أي يفسد ويهيج). [معاني القرآن: 4/165]

تفسير قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ربّكم أعلم بكم} [الإسراء: 54]، يعني: بأعمالكم، يعني: المشركين.
{إن يشأ يرحمكم} [الإسراء: 54] يتوب عليكم، فيمنّ عليكم بالإيمان.
{أو إن يشأ يعذّبكم} [الإسراء: 54] بإقامتكم على الشّرك.
{وما أرسلناك عليهم وكيلا} [الإسراء: 54] حفيظًا لأعمالهم حتّى نجازيهم بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/142]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وما أرسلناك عليهم وكيلاً...}
يقول: حافظاً وربّا). [معاني القرآن: 2/125]

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وربّك أعلم بمن في السّموات والأرض} [الإسراء: 55].
قوله: {وربّك أعلم بمن في السّموات والأرض ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعضٍ} [الإسراء: 55] تفسير الحسن فيما قال: كلّم بعضهم، واتّخذ بعضهم خليلا، وأعطى بعضهم إحياء الموتى.
{وآتينا داود زبورًا} [الإسراء: 55] اسم الكتاب الّذي أعطاه: الزّبور.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: كنّا نحدّث أنّه دعاءٌ علّمه اللّه داود، تحميدٌ وتمجيدٌ للّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/142]
ليس فيه حلالٌ ولا حرامٌ ولا فرائض ولا حدودٌ.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن عمرو بن يحيى، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تخيّروا بين الأنبياء».
- أبو الأشهب والمبارك، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/143]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {زبوراً...}

... وحدثني أبو بكر قال كان عاصم يقرأ {زبوراً} بالفتح في كلّ القرآن. وقرأ حمزة بالضمّ). [معاني القرآن: 2/125]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ربّك أعلم بمن في السّماوات والأرض ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعض وآتينا داوود زبورا}
معنى ذكر داود ههنا أن اللّه - جل ثناؤه - أعلم أنه قد فضل بعض النبيين على بعض، أي فلا ينكروا تفضيل محمد - صلى الله عليه وسلم - وإعطاءه القرآن،
فقد أعطى الله داود الزبور). [معاني القرآن: 3/245]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه} [الإسراء: 56]، يعني: الأوثان.
{فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا} [الإسراء: 56] يملكون {تحويلا} [الإسراء: 56] لما نزل بكم من الضّرّ، أن يحوّلوا ذلك الضّرّ إلى غيره أهون منه). [تفسير القرآن العظيم: 1/143]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلا }

أي ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهتكم.
وجاء في التفسير أشياء في هذه الآية، منها أنه قيل: قل ادعوا العزير وعيسى لأن النصارى واليهود زعموا أن هؤلاء آلهتهم، فأعلمهم اللّه - عزّ وجلّ - أنهم لا يملكون كشف ضر عنهم ولا تحويلا من واحد إلى آخر، وقيل إنه يعنى به الملائكة لأن منهم من كان يعبد الملائكة.
وقيل إن قوما من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجنّ، فأسلم أولئك النفر من الجن ولم يعلم بهم من كان يعبدهم، فقيل فادعوا هؤلاء فإنهم لا يملكون ضرا ولا نفعا).
[معاني القرآن: 3/246-245]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57] القربة {أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه} [الإسراء: 57] النّار.
{إنّ عذاب ربّك كان محذورًا} [الإسراء: 57] يحذره المؤمنون.
- سعيدٌ، عن قتادة، عن عبد اللّه بن عتبة، أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: نزلت في نفرٍ من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجنّ، فأسلم الجنّيّون، ولم يعلم بذلك النّفر من العرب.
قال اللّه: {أولئك الّذين يدعون} [الإسراء: 57]، يعني: الجنّيّين الّذين يعبدهم هؤلاء، {يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57] إلى آخر الآية.
وتفسير الحسن: أنّهم الملائكة، وعيسى يقول: أولئك الّذين يعبد المشركون والصّابئون والنّصارى؛ لأنّ المشركين قد كانوا يعبدون الملائكة، والصّابئين يعبدونهم، والنّصارى تعبد عيسى.
قال: فالملائكة وعيسى الّذين يعبد هؤلاء يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب.
قال: {ويرجون رحمته} [الإسراء: 57]، يعني: جنّته.
{ويخافون عذابه} [الإسراء: 57] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/143]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة...}

يعني الجنّ الذين كانت خزاعة تعبدهم. فقال الله عز وجل: {أولئك} يعني الجنّ الذين (يدعونهم) يبتغون إلى الله.
فـ {يدعون} فعل للذين يعبدونهم. و{يبتغون} فعل للجنّ به ارتفعوا). [معاني القرآن: 2/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أولئك الّذين يدعون} يعني الذين يعبدون من دونه ويدعونهم آلهة، يعني الملائكة، وكانوا يعبدونها.
{يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} أي القلابة). [تفسير غريب القرآن: 257]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إنّ عذاب ربّك كان محذورا }
بالياء والتاء.
{أولئك} رفع بالابتداء، و {الذين} رفع صفة لهم، و {يبتغون} خبر الابتداء، المعنى الجماعة الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة، والوسيلة والسّؤال، والسّؤل والطلبة، في معنى واحد.
{أيّهم أقرب}.
إن شئت " أيّهم " كان رفعا بالابتداء، والخبر (أقرب)، ويكون المعنى يطلبون إلى ربهم الوسيلة - ينظرون أيهم أقرب إليه فيتوسلون به.
فإن قال قائل: فالذي أنكر عليهم هو التوسل بغير عبادة اللّه إلى اللّه، لأنهم قالوا: {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى}، فالفرق بين المتوسلين إلى اللّه بمحبّة أنبيائه وملائكته وصالحي عباده أنهم يتوسلون بهم موحّدين اللّه عزّ وجلّ، لا يجعلون له شريكا في العبادة، والكفار يتوسلون بعبادة غير اللّه، فجعلوا الكفر وسيلتهم.
ويجوز أن يكون {أيّهم أقرب} بدلا من الواو في (يبتغون) فالمعنى يبتغي أيهم هو أقرب الوسيلة إلى اللّه، أي يتقرب إليه بالعمل الصالح.
{ويرجون رحمته ويخافون عذابه}أي الذين يزعمون أنهم آلهة يرجون ويخافون). [معاني القرآن: 3/246]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة}
وقرأ عبد الله بن مسعود {أولئك الذين تدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة}
قال هؤلاء من العرب عبدوا أناسا من الجن فأسلم الجنيون ولم يعلم الذين عبدوهم
وروى شعبة عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} قال عيسى وعزير وقيل الملائكة الذين عبدوهم قوم من العرب). [معاني القرآن: 4/166-165]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فأولئك الذين يدعون} يعني الملائكة الذين يعبدون، هؤلاء {يبتغون إلى ربهم الوسيلة} أي القربة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 137]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن من قريةٍ إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة} [الإسراء: 58] بموتٍ بغير عذابٍ.
{أو معذّبوها عذابًا شديدًا} [الإسراء: 58] يكون موتهم بالعذاب.
[تفسير القرآن العظيم: 1/143]
سعيدٌ، عن قتادة قال: قضاءٌ من اللّه، إمّا أن يهلكها بموتٍ أو بعذابٍ إذا تركوا أمره وكذّبوا رسله، يعني إهلاك الأمم بتكذيبها الرّسل.
{كان ذلك في الكتاب مسطورًا} [الإسراء: 58] مكتوبًا.
وقال في آية أخرى: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} [العنكبوت: 57] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/144]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإن مّن قريةٍ إلاّ نحن مهلكوها...}

بالموت {أو معذّبوها عذاباً شديداً} بالسّيف). [معاني القرآن: 2/126]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كان ذلك في الكتاب مسطوراً} أي مثبتاً، مكتوباً، قال العجّاج:
واعلم بأنّ ذا الجلال قد قدر= في الصّحف الأولى التي كان سطر
أمرك هذا فاحتفظ فيه النّتر
النّتر: الخديعة، قال يونس لما أنشد العجاج هذا البيت قال: لا قوة إلا بالله). [مجاز القرآن: 1/383]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مسطورا}: مكتوبا. سطر لي أي كتب لي). [غريب القرآن وتفسيره: 217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و{مسطوراً} أي مكتوبا. يقال: سطر، أي كتب). [تفسير غريب القرآن: 257]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {وإن من قرية إلّا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذّبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا }
أي ما من أهل قرية ألا سيهلكون، إما بموت وإما بعذاب يستأصلهم.
{كان ذلك في الكتاب مسطورا} أي مكتوبا). [معاني القرآن: 3/247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا}
قال مجاهد مبيدوها أو معذبوها). [معاني القرآن: 4/166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {كان ذلك في الكتاب مسطورا} أي مكتوبا يقال سطر إذا كتب
روى عن عبد الله بن عباس أنه قال أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما هو كائن). [معاني القرآن: 4/166]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَسْطُوراً}: مكتوبا). [العمدة في غريب القرآن: 183]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون} [الإسراء: 59] أنّ القوم كانوا إذا سألوا نبيّهم الآية فجاءتهم الآية لم يؤمنوا فيهلكهم اللّه، وهو قوله: {بل قالوا} [الأنبياء: 5]، يعني: مشركي العرب للنّبيّ: {فليأتنا بآيةٍ كما أرسل الأوّلون} [الأنبياء: 5]، قال اللّه: {ما آمنت قبلهم من قريةٍ أهلكناها أفهم يؤمنون} [الأنبياء: 6].
أي: لا يؤمنون لو جاءتهم آية.
وقد أخّر اللّه عذاب كفّار آخر هذه الأمّة بالاستئصال إلى النّفخة الأولى.
قال: {وما منعنا أن نرسل بالآيات} [الإسراء: 59] إلى قومك يا محمّد، وذلك أنّهم سألوا الآيات، قال: {إلا أن كذّب بها الأوّلون} [الإسراء: 59] وكنّا إذا أرسلنا إلى قومٍ بآيةٍ فلم يؤمنوا أهلكناهم، فلذلك لم نرسل إليهم بالآيات لأنّ آخر كفّار هذه الأمّة أخّروا إلى النّفخة.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: قال أهل مكّة لنبيّ اللّه: إن كان ما تقول حقًّا وسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصّفا ذهبًا.
فأتاه جبريل فقال: إذا شئت كان الّذي سألك قومك، ولكن إن هم لم يؤمنوا لم يناظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال: لا بل أستأني بقومي، فأنزل اللّه: {وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً} [الإسراء: 59]، أي: بيّنةً، وأنزل: {ما آمنت قبلهم من قريةٍ أهلكناها أفهم يؤمنون} [الأنبياء: 6].
{وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا} [الإسراء: 59]
- سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن عمران، عن ابن عبّاسٍ، قال: قالت قريشٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ادع لنا ربّك أن يجعل لنا الصّفا ذهبًا، فإن أصبح لنا ذهبًا اتّبعناك.
قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم.
فدعا ربّه، فجاء جبريل فقال: إنّ ربّك يقرئك
[تفسير القرآن العظيم: 1/144]
السّلام ويقول: إن شئت أصبح لك الصّفا ذهبًا، فمن كفر بعد منهم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب الرّحمة والتّوبة، فقال: بل باب الرّحمة والتّوبة.
قوله: {وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً} [الإسراء: 59]، أي: بيّنةً.
وقال مجاهدٌ: آية.
{فظلموا بها} [الإسراء: 59]، أي: فجحدوا بها أنّها ليست من اللّه.
تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: وظلموا أنفسهم بعقرها.
{وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا} [الإسراء: 59] نخوّفهم بالآية فنخبرهم أنّهم إن لم يؤمنوا عذّبهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/145]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وما منعنا أن نّرسل بالآيات...}

(أن) في موضع نصب {إلاّ أن كذّب} أن في موضع رفع؛ كما تقول: ما منعهم الإيمان إلاّ تكذيبهم.
وقوله: {النّاقة مبصرةً} جعل الفعل لها. ومن قرأ (مبصرة) أراد: مثل قول عنترة.
* والكفر مخبثة لنفس المنعم *
فإذا وضعت مفعلة في معنى فاعل كفت من الجمع والتأنيث، فكانت موحّدة مفتوحة العين، لا يجوز كسرها. العرب تقول: هذا عشب ملبنة مسمنة، والولد مبخلة مجبنة.
فما ورد عليك منه فأخرجه على هذه الصورة. وإن كان من الياء والواو فأظهرهما. تقول: هذا شراب مبولة، وهذا كلام مهيبة للرجال، ومتيهة، وأشباه ذلك. ومعنى {مبصرة} مضيئة،
كما قال الله عز وجل: {والنّهار مبصراً} مضيئاً). [معاني القرآن: 2/126]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فظلموا بها} مجازه: فكفروا بها). [مجاز القرآن: 1/384]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وما منعنا أن نّرسل بالآيات إلاّ أن كذّب بها الأوّلون وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلاّ تخويفاً}
وقال: {وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها} يقول "بها كان ظلمهم" و"المبصرة": البيّنة كما تقول: "الموضحة" و"المبيّنة"). [معاني القرآن: 2/72]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً} أي آتينا ثمود آية - وهي الناقة - مبصرة، أي بينة، يريد مبصرا بها.
كما قال: {وجعلنا آية النّهار مبصرةً}: فظلموا بها، أي كذبوا بها، وقد بينت الظلم ووجوهه في كتاب «المشكل».
{وما نرسل بالآيات} أي وما نرسل الرسل بالآيات). [تفسير غريب القرآن: 257]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ويكون الظلم: الجحد، قال الله تعالى: {وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} أي: جحدوا بأنّها من الله تعالى.
وقال: {بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} أي يجحدون). [تأويل مشكل القرآن: 468](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلّا أن كذّب بها الأوّلون وآتينا ثمود النّاقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلّا تخويفا}
(أن) الأولى نصب، و (أن) الثانية رفع.
المعنى ما منعنا الإرسال ألا تكذيب الأولين.
والتأويل أنهم سألوا الآيات التي استوجب بها الأولون العذاب، لمّا كذبوا بها، فنزل عليهم العذاب، والدليل على أنهم سألوا تلك الآيات قولهم: {لولا أوتي مثل ما أوتي موسى}،
فأعلم اللّه - جل ثناؤه - أن موعد كفار هذه الأمة الساعة، فقال: {بل السّاعة موعدهم والسّاعة أدهى وأمرّ}. فأخّرهم إلى يوم القيامة رحمة منه وتفضلا.
{وآتينا ثمود النّاقة مبصرة}.
ويقرأ (مبصرة) فمن قرأ (مبصرة)، فالمعنى تبصرهم، أي تبين لهم، ومن قرأ (مبصرة) فالمعنى مبينة، {فظلموا بها}، أي فظلموا بتكذيبها). [معاني القرآن: 3/247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} هذه آية مشكلة وفي الكلام حذف
والمعنى ما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحتموها إلا أن تكذبوا بها فتهلكوا كما فعل بمن كان قبلكم
وقد أخر الله أمر هذه الأمة إلى يوم القيامة فقال سبحانه: {بل الساعة موعدهم} ). [معاني القرآن: 4/167-166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} قال مجاهد أي آية والمعنى ذات إبصار يبصر بها ويتبين بها صدق صالح عليه السلام). [معاني القرآن: 4/167]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} أي فظلموا بتكذيبهم بها). [معاني القرآن: 4/168]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (وما منعنا أن نرسل بالآيات) قال الإمامان: يعني بالآيات - هاهنا - الآيات الشرطيات، التي يشترط معها:
لو كذبتم بها هلكتم، وإنما تركها رحمة لأمة محمد - عليه السلام). [ياقوتة الصراط: 309-308]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مبصرة} أي مبصرا بها.
{فظلموا بها} أي كذبوا بها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 138-137]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذ قلنا لك} [الإسراء: 60] وأوحينا إليك.
{إنّ ربّك أحاط بالنّاس} [الإسراء: 60] وتفسير الحسن: عصمك منهم فلا يصلون إليك حتّى تبلّغ عن اللّه الرّسالة، كقوله: {واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67] أن يصلوا إليك حتّى تبلّغ عن اللّه الرّسالة.
وقال قتادة: يمنعك من النّاس حتّى تبلّغ رسالة ربّك.
وقال مجاهدٌ: أحاط بالنّاس فهم في قبضته.
- أبو أميّة، عن الحسن، أنّ رسول اللّه شكا إلى ربّه من قومه فقال: يا ربّ إنّ قومي قد خوّفوني، فأعطني من قبلك آية أعلم ألا مخافة عليّ.
فأوحى اللّه إليه أن يأتي وادي كذا وكذا فيه شجرةٌ، فليدع غصنًا منها يأته.
فانطلق إلى الوادي فدعا غصنًا منها فجاء يخطّ في الأرض خطًّا حتّى انتصب بين يديه.
فحبسه ما شاء اللّه أن يحبسه، ثمّ قال: ارجع كما جئت، فرجع، فقال رسول اللّه: علمت يا ربّ ألا مخافة عليّ.
قوله: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك} [الإسراء: 60]، يعني: ما أراه اللّه ليلة أسري به، وليس برؤيا المنام ولكن المعاينة.
{إلا فتنةً للنّاس} [الإسراء: 60] للمشركين.
إنّ النّبيّ لمّا أخبرهم بمسيره إلى بيت المقدس ورجوعه من ليلته كذّب بذلك المشركون فافتتنوا بذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 1/145]
المعلّى، عن همّام بن عبد الواحد، قال: لمّا أسري بالنّبيّ أخبرهم بما كان منه تلك اللّيلة، فأنكر المشركون، فجاء أبو بكرٍ فذكروا له ذلك فقال: إن كان حدّثكم فهو كما قال.
ثمّ أتى النّبيّ فذكر له ذلك فقال: نعم، فسمّاه النّبيّ يومئذٍ صدّيّقًا.
وقالت المشركون: إن كنت صادقًا فانعته لنا، فتحيّر النّبيّ، قال: فرفعه اللّه له فجعل ينظر إليه ويخبرهم بما يسألون عنه.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: مثّل له بيت المقدس حين سألته قريشٌ عنه، فجعل يراه فينظر إليه ويخبرهم عنه.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك} [الإسراء: 60] ما أراه اللّه من الآيات والعبر في مسيره إلى بيت المقدس.
{إلا فتنةً للنّاس} [الإسراء: 60]، أي: إلا بلاءً للنّاس.
قال يحيى: يعني: المشركين خاصّةً.
وقال الحسن: أنّ نفرًا كانوا أسلموا ثمّ ارتدّوا عند ذلك.
قال: {والشّجرة الملعونة في القرءان} [الإسراء: 60] يقول: وما جعلنا أيضًا الشّجرة الملعونة في القرآن.
حدّثني المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: هي شجرة الزّقّوم.
وهو تفسير الحسن.
{إلا فتنةً للنّاس} [الإسراء: 60] المشركين.
لمّا نزلت دعا أبو جهلٍ بتمرٍ وزبدٍ فقال: تعالوا تزقّموا فما نعلم الزّقّوم إلا هذا، فأنزل اللّه: {إنّا جعلناها فتنةً للظّالمين} [الصافات: 63] للمشركين.
{إنّها شجرةٌ تخرج في أصل الجحيم} [الصافات: 64] إلى آخر الآية، وصفها ووصف كيف يأكلونها في النّار.
وقال الحسن: يعني بقوله: {الملعونة في القرءان} [الإسراء: 60] إنّ أكلتها ملعونون في القرآن، كقوله: {واسأل القرية الّتي كنّا فيها} [يوسف: 82] وإنّما يعني: أهل القرية.
[تفسير القرآن العظيم: 1/146]
قال: {ونخوّفهم} [الإسراء: 60] بالشّجرة الزّقّوم.
{فما يزيدهم} [الإسراء: 60] تخويفنا إيّاهم بها.
{إلا طغيانًا كبيرًا} [الإسراء: 60] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/147]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ ربّك أحاط بالنّاس...}

يعني أهل مكة أي أنه سيفتح لك {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً} يريد: ما أريناك ليلة الإسراء إلا فتنة لهم، حتى قال بعضهم: ساحر، وكاهن، وأكثروا.
{والشّجرة الملعونة} هي شجرة الزّقوم، نصبتها بجعلنا. ولو رفعت تتبع الاسم الذي في فتنة من الرؤيا كان صواباً. ومثله في الكلام جعلتك عاملاً وزيداً وزيدٌ). [معاني القرآن: 2/126]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك} يعني ما رآه ليلة الإسراء.
{إلّا فتنةً للنّاس} يقول: فتن أقوام بها، فقالوا: كيف يكون يذهب هذا إلى بيت المقدس ويرجع في ليلة؟ فارتدوا، وزاد اللّه في بصائر قوم منهم أبو بكر رحمه اللّه، وبه سمّي صدّيقا.
{والشّجرة الملعونة في القرآن} يعني شجرة الزّقوم). [تفسير غريب القرآن: 258]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذ قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالنّاس وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلّا فتنة للنّاس والشّجرة الملعونة في القرآن ونخوّفهم فما يزيدهم إلّا طغيانا كبيرا }
جاء في التفسير: أحاط بهم أي كلهم في قبضته، وعن الحسن أحاط بالناس أي حال بينهم وبين أن يقتلوك أو يغلبوك كما قال - عزّ وجلّ - (واللّه يعصمك من النّاس).
وقوله: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلّا فتنة للنّاس}.
جاء في التفسير أنها رؤيا بيت المقدس حين أسري به، وذلك أنه ارتدّ بعضهم حين أعلمهم قصة الإسراء به، وازداد المؤمنون المخلصون إيمانا.
وجاء في التفسير أنه يرو رأى في منامه قوما يرقون المنابر فساءه ذلك، فأعلم - صلى الله عليه وسلم - أنه عطاء في الدنيا.
{والشّجرة الملعونة في القرآن}.
قيل في التفسير الملعون أكلها، وهي شجرة الزقّوم التي ذكرها اللّه في القرآن فقال: {إنّ شجرت الزّقّوم * طعام الأثيم }.
وقال: {فإنّهم لآكلون منها فمالئون منها البطون}.
وقال: {إنّها شجرة تخرج في أصل الجحيم}.
فافتتن بها المشركون، فقال أبو جهل: ما نعرف الزقوم إلا أكل التمر بالزبد فتزقموا.
وقال بعض المشركين: النار تأكل الشجر فكيف ينبت فيها الشجر، فلذلك قال جل ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلّا فتنة للنّاس والشّجرة الملعونة في القرآن}.
فإن قال قائل: ليس في القرآن ذكر لعنها؟
فالجواب في ذلك لعن الكفار وهم آكلوها.
وجواب آخر أيضا أن العرب تقول لكل طعام مكروه
وضارّ: ملعون). [معاني القرآن: 3/248-247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس} روى شعبة عن أبي رجاء عن الحسن قال عصمك منهم
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم في قبضته). [معاني القرآن: 4/168]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} قال سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك
هي الرؤيا التي رآها ليلة أسرى به
وزاد عكرمة هي رؤيا يقظة
قال سعيد بن المسيب إلا فتنة للناس أي إلا بلاء للناس). [معاني القرآن: 4/169-186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {والشجرة الملعونة في القرآن}
قال سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك هي شجرة الزقوم
وقال غيرهم إنما فتن الناس بالرؤيا وشجرة الزقوم أن جماعة ارتدوا وقالوا كيف يسرى به إلى بيت المقدس في ليلة واحدة وقالوا لما أنزل الله: {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم}
كيف تكون في النار شجرة ولا تأكلها
فكان ذلك فتنة لقوم واستبصارا لقوم منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه
ويقال إنما سمي الصديق ذلك الوقت فإن قال قائل لم يذكر في القرآن لعن هذه الشجرة قال أبو جعفر ففي ذلك جوابان أحدهما أنه لقد لعن آكلوها والجواب الآخر أن العرب تقول لك طعام ضار مكروه ملعون). [معاني القرآن: 4/170-169]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {والشجرة الملعونة في القرآن} قال: شجرة الزقوم). [ياقوتة الصراط: 309]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الرؤيا التي أريناك} يعني ما أراه ليلة الإسراء.
{والشجرة الملعونة} يعني شجرة الزقوم.
{إلا فتنة للناس} قيل: فتن بها قوم، فقالوا: كيف تكون شجرة في النار، فارتدوا، وثبت الله من شاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينًا} [الإسراء: 61]، أي: من طينٍ، كقوله: {هو الّذي خلقكم من طينٍ} [الأنعام: 2].
وقال إبليس: {خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ} [ص: 76].
وقول إبليس: {أأسجد} [الإسراء: 61] على الاستفهام.
أي إنّي لا أسجد له). [تفسير القرآن العظيم: 1/147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا}

المعنى لمن خلقته طينا، وطينا منصوب على جهتين:
إحداهما التمييز، المعنى لمن خلقته من طين.
ويجوز أن يكون " طينا " منصوب على الحال.
المعنى أنك أنشأته في حال كونه من طين). [معاني القرآن: 3/249-248]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {قال أرأيتك هذا الّذي كرّمت عليّ} [الإسراء: 62] فأمرتني بالسّجود له.
{لئن أخّرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنّ ذرّيّته إلا قليلا} [الإسراء: 62] تفسير مجاهدٍ: لأحتوينّهم.
وتفسير الكلبيّ: لأستولينّ على ذرّيّته، أي: فأضلّهم إلا قليلا.
وتفسير الحسن: لأستأصلنّ ذرّيّته، يعني: يهلكهم إلا قليلا، يعني: المؤمنين.
وهذا القول منه بعد ما أمر بالسّجود، وذلك ظنٌّ منه، حيث وسوس إلى آدم فلم يجد له عزمًا أي صبرًا.
فقال: بنو هذا في الضّعف مثله.
- حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ البنانيّ، عن أنس بن مالكٍ، قال: لمّا خلق اللّه آدم جعل إبليس يطيف به قبل أن ينفخ فيه الرّوح، فلمّا رآه أجوف عرف أنّه لا يتمالك). [تفسير القرآن العظيم: 1/147]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لأحتنكنّ ذرّيّته إلاّ قليلاً...}

يقول: لأستولينّ عليهم {إلاّ قليلاً} يعني المعصومين). [معاني القرآن: 2/127]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لأحتنكنّ ذرّيّته إلاّ قليلاً} مجازه: لأستميلنّهم ولأستأصلنهم، يقال: احتك فلان ما عند فلان أجمع من مال أو علم أو حديث أو غيره أخذه كله واستقصاء، قال:
نشكو إليك سنة قد اجحفت= جهداً إلى جهدٍ بنا فأضعفت
واحتنكت أموالنا وجلفّت). [مجاز القرآن: 1/384]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({لأحتنكن ذريته}: لأستاصلن ولأستميلن، يقال: احنتك فلان ما عند فلان من علم أو مال أو خير: أخذه كله واستقصاه). [غريب القرآن وتفسيره: 218-217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هذا الّذي كرّمت عليّ} أي فضلت.
{لأحتنكنّ ذرّيّته}: لأستأصلنّهم. يقال: احتنك الجراد ما على الأرض كلّه، إذا أكله كلّه. واحتنك فلان ما عند فلان من العلم: إذا استقصاه.
ويقال: هو من حنك دابّته يحنكها حنكا: إذا شد في حنكها الأسفل حبلا يقودها به. أي لأقودنهم كيف شئت). [تفسير غريب القرآن: 258]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، وقال حكاية عن إبليس: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} أي: فضلت).
[تأويل مشكل القرآن: 494]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال أرأيتك هذا الّذي كرّمت عليّ لئن أخّرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنّ ذرّيّته إلّا قليلا}
جاءت " قال " ههنا بغير حرف عطف لأنه على معنى قال اسجد لمن خلقت طينا.
وقوله: (أرأيتك) في معنى أخبرني؛ فالكاف لا موضع لها، لأنها ذكرت في الخطاب توكيدا، وموضع (هذا) نصب بـ (أرأيتك).
والجواب محذوف المعنى أخبرني عن هذا الذي كرمت عليّ لم كرمته عليّ وقد خلقتني من نار وخلقته من طين، فحذف هذا لأن في الكلام دليلا عليه.
ومعنى: {لأحتنكنّ ذرّيّته إلّا قليلا}.
لأستأصلنهم بالإغواء لهم، وقيل لأستولين عليهم.
والذي تقول العرب: قد احتنكت السّنة أموالنا إذا استأصلتها.
قال الشاعر:
نشكو إليك سنة قد أجحفت= جهدا على جهد بنا وأضعفت
واحتنكت أموالنا وجلّفت). [معاني القرآن: 3/249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي}
أي فضلت وفي الكلام حذف والمعنى أرأيتك هذا الذي فضلت علي لم فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين ثم حذف هذا لعلم السامع). [معاني القرآن: 4/171-170]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا}
قال أبو جعفر أكثر أهل اللغة على أن المعنى لأستولين عليهم ولأستأصلنهم من قولهم احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله
وقيل هو من قولهم حنك الدابة يحنكها إذا ربط حبلا في حنكها الأسفل وساقها حكى ذلك ابن السكيت
وحكى أيضا احتنك دابته مثل حنك فيكون المعنى لأسوقنهم كيف شئت). [معاني القرآن: 4/172-171]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {قال أرأيتك} قال: العرب تقول: أريتك، في معنى: أخبرني، ومنهم من يقول: أرأيتك في معناها،
فإذا قالوا: أرأيت - فهو على ضربين: رؤية العين، ورؤية العلم). [ياقوتة الصراط: 309]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لأحتنكن} أي: لاستأصلن، أخبرنا أبو عمر - قال: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي - قال العرب تقول: احتنك الجراد الزرع، إذا استأصله). [ياقوتة الصراط: 310]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كرمت} أي فضلت.
{لأحتنكن} لأستأصلن. يريد: لأقودنهم كيف شئت. و(لأحتنكن) مأخوذ من حنك الدابة: وهو الذي تقاد به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 138]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لأَحْتَنِكَنَّ}: لأَسْتأْصِلَنَّ). [العمدة في غريب القرآن: 183]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قال اذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنّم جزاؤكم جزاءً موفورًا} [الإسراء: 63] قال مجاهدٌ: وافرًا.
- أبو الأشهب، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " يقول اللّه لآدم: يا آدم قم، ابعث بعث النّار، قال: فيقول: يا ربّ وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعةً وتسعين إنسانًا إلى النّار وواحدًا إلى الجنّة "). [تفسير القرآن العظيم: 1/147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {جزاءً موفوراً} أي موفّرا. يقال: وفّرت عليه ماله ووفرته: بالتخفيف والتشديد). [تفسير غريب القرآن: 258]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال اذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنّم جزاؤكم جزاء موفورا }
{جزاء موفورا} أي موفر، يقال منه وفرته أفره فهو موفور.
قال زهير:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه= يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم).
[معاني القرآن: 3/249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا} موفور وموفر واحد
يقال وفرته ووفرته كما قال الشاعر:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه = يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم).
[معاني القرآن: 4/172]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {موفورا} أي: تاما وافيا). [ياقوتة الصراط: 310]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} [الإسراء: 64]، يعني: بدعائك، أي: بوسوستك.
[تفسير القرآن العظيم: 1/147]
الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: هو الدّفّ والمزمار.
{وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} [الإسراء: 64]
أبو سهلٍ، عن أيّوب، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قال: كلّ ماشٍ يمشي في معصية اللّه فهو من رجل إبليس، وكلّ راكبٍ يركب في معصية اللّه فهو من خيل إبليس.
وقال الحسن: رجاله الكفّار، والضّلال من الجنّ والإنس.
قرّة بن خالدٍ، عن الحسن، أنّه كان يقرأها: ورجالك.
الحسن، عن الحسن قال: إنّ له خيلا وإنّ له رجالا.
وقال قتادة: إنّ له خيلا ورجالا، جنودًا من الجنّ والإنس.
قوله: {وشاركهم في الأموال والأولاد} [الإسراء: 64] الحسن، عن الحسن قال: شركته إيّاهم في الأموال أنّه أمرهم، أي وسوس إليهم أن يأخذوها من حرامٍ، وينفقوها في غير حقّها.
وشركته إيّاهم في الأولاد، رزقهم اللّه أولادهم على الفطرة، فصبغوهم يهوديًّا ونصرانيًّا ومجوسيًّا.
وفي تفسير عمرٍو، عن الحسن: وعابد وثنٍ.
وتفسير الكلبيّ: شركته إيّاهم في الأموال ما كانوا يحرّمون ممّا أحلّ اللّه لهم، وكلّ ما أصابوا من غير حلّه ووضعوه في غير حقّه.
وشركته إيّاهم في الأولاد ما ولد من الزّنا.
وتفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه: في أولاد الزّنا، وفي الأموال ما كان من مالٍ بغير طاعة اللّه.
قوله: {وعدهم} [الإسراء: 64] بالأمانيّ بأنّه لا بعث، ولا جنّة، ولا نار.
هذا وعيدٌ من اللّه للشّيطان.
كقول الرّجل: اذهب فاجهد على جهدك، وليس على وجه الأمر له به.
قال: {وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} [الإسراء: 64] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/148]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {واستفزز...}

يقول استخفّ (بصوتك) بدعائك {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} يعني خيل المشركين ورجالهم.
وقوله: {وشاركهم في الأموال والأولاد} كلّ مال خالطه حرام فهو شركه. وقوله: {وعدهم} أي قل لهم: لا جنّة ولا نار. ثم قال الله تبارك وتعالى: {وما يعدهم الشّيطان إلاّ غروراً}). [معاني القرآن: 2/127]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (واستفزز من استطعت) أي استخفف واستجهل.
{بخيلك ورجلك} جميع راجل، بمنزلة تاجر والجميع تجر وصاحب والجميع صحب). [مجاز القرآن: 1/384]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشّيطان إلاّ غروراً}
وقال: {وأجلب عليهم} فقوله: {وأجلب} من "أجلبت" وهو في معنى "جلب" والموصولة من "جلب" "يجلب"). [معاني القرآن: 2/72]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {واستفزز}: استخفف.
{بخيلك ورجلك}: أي رجالتك واحدهم راجل مثل تاجر وتجر وصاحب وصحب). [غريب القرآن وتفسيره: 218]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واستفزز} أي استخفّ. ومنه يقال: استفزّني فلان.
والرجل: لرّجّالة. يقال: راجل ورجل. مثل تاجر وتجر وصاحب وصحب.
{وشاركهم في الأموال}: بالنفقة في المعاصي، {و} في {الأولاد} بالزنا). [تفسير غريب القرآن: 258]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشّيطان إلّا غرورا }
معناه استدعهم استدعاء تستخفهم به إلى إجابتك.
و{بصوتك} تفسيره بدعائك، وقيل {بصوتك} بأصوات الغناء والمزامير.
وقوله: {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك}.
أي أجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك، وقيل في التفسير: خيله ورجله كل خيل يسعى في معصية اللّه فهي من خيل إبليس، وكل ماش في معصية فهو من - رجال إبليس، ورجل جمع راجل، ويجوز ورجالك فيكون جمع راجل ورجال مثل صاحب وصحاب.
وجائز أن يكون لإبليس خيل ورجال.
وقوله: {وشاركهم في الأموال والأولاد}.
أي مرهم أن يجعلوا من أموالهم شيئا لغير اللّه كما قال اللّه سبحانه: {فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا}.
وما قالوه في السائبة والبحيرة.
والشركة في الأولاد قولهم: عبد العزى، وعبد الحرث.
وقيل شركته في الأولاد يعنى به أولاد الزنا، وهو كثير في التفسير، وكل معصية في ولد أو مال فإبليس اللعين شريكهم فيها.
قوله: (وعدهم وما يعدهم الشّيطان إلّا غرورا).
فإن قال قائل فكيف يجوز أن يؤمر إبليس أن يقال له شاركهم في الأموال والأولاد وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وعدهم بأنهم لا يبعثون؛ فإذا فعل ذلك فهو مطيع؟
فالجواب في ذلك أن الأمر على ضربين:
أحدهما متبع لاغير، والثاني إذا تقدمه نهي عما يؤمر به فالمعنى في الأمر الوعيد، والتهديد لأنك قد تقول: لا تدخلن هذه الدار، فإذا حاول أن يدخلها قلت: أدخلها وأنت رجل، فلست تأمره بدخولها ولكنك توعده وتهدده وهذا في اللغة والاستعمال كثير موجود، ومثله في القرآن: {اعملوا ما شئتم}.
وقد نهوا أن يتبعوا أهواءهم وأن يعملوا بالمعاصي). [معاني القرآن: 3/251-250]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} أي استخف قال مجاهد بصوتك بالغناء والمزامير).
[معاني القرآن: 4/172]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد}
روى سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال كل خيل سارت في معصية الله وكل رجل مشت في معصية الله وكل مال أصيب من حرام وكل ولد غية فهو للشيطان
وقال غيره مشاركته في الأموال هي السائبة والبحيرة وفي الأولاد قولهم عبد العزى وعبد الحارث
وقرأ قتادة وأجلب عليهم بخيلك ورجالك). [معاني القرآن: 4/173-172]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} هذا أمر فيه معنى التهدد والوعيد كما قال تعالى:
{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} ). [معاني القرآن: 4/174-173]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {واستفزز} أي استخف.
{وشاركهم في الأموال} بالنفقة في المعاصي، وفي {الأولاد} بالزنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 138]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {واسْتَفْزِزْ}: اسْتَخِف.
{وَرَجِلِك}: رجالك). [العمدة في غريب القرآن: 183]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ} [الإسراء: 65] قال قتادة: وعباده المؤمنون.
وقال يحيى: يعني من يلقى اللّه مؤمنًا أن يصلهم.
{وكفى بربّك وكيلا} [الإسراء: 65] حرزًا ومانعًا لعباده المؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 1/149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربّك وكيلا}

أي من أخلص فلا حجة لك عليه ولا سلطان.
{وكفى بربّك وكيلا} أي كفى باللّه وكيلا لأوليائه، يعصمهم من القبول من إبليس). [معاني القرآن: 3/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} قيل أي خلصائي كما قال تعالى: {فادخلي في عبادي} ).
[معاني القرآن: 4/174]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وكفى بربك وكيلا} أي منجيا لخلصائه من الشيطان
والفراء يذهب إلى أن معنى وكيلا كاف وكذا قال في قوله جل وعز: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} ). [معاني القرآن: 4/174]

تفسير قوله تعالى: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ربّكم الّذي يزجي لكم الفلك} [الإسراء: 66] يجريها.
{في البحر لتبتغوا من فضله} [الإسراء: 66] طلب التّجارة في البحر.
{إنّه كان بكم رحيمًا} [الإسراء: 66] فبرأفته ورحمته سخّر لكم ذلك.
والرّحمة على الكافر في هذا رحمة الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {يزجي لكم الفلك} أي يسيرها.

قال الشاعر:
فتى يزجي المطيّ على وجاها
(الحاصب): الريح. سميت بذلك: لأنها تحصب، أي ترمي بالحصباء، وهي: الحصى الصغار.
والقاصف: الريح التي تقصف الشجر، أي تكسره). [تفسير غريب القرآن: 259-258]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ربّكم الّذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنّه كان بكم رحيما }
تفسير {يزجي} يسيّر، وقد زجّيت قدمت الشيء، وهذا الكلام ذكر معطوفا على قوله: {كونوا حجارة أو حديدا}
وقوله: (قل الّذي فطركم أول مرة) فالمعنى أنه يبعثكم الذي بدأ خلقكم، والابتداء والإنشاء أشد من الإعادة.
ثم أعلمهم أن الذي قدر على تسخير الفلك في البحر – والفلك كالجبال - قادر على إعادتهم، قال اللّه تعالى: {وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام} أي كالجبال).
[معاني القرآن: 3/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ربكم الذي يزجي لكم الفلك} أي يسوق). [معاني القرآن: 4/174]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يزجي} أي: يسوق). [ياقوتة الصراط: 311]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يزجي لكم الفلك} أي يسيرها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا مسّكم الضّرّ} [الإسراء: 67]، يعني: الأهوال.
{في البحر ضلّ من تدعون} [الإسراء: 67]، يعني: ما تعبدون من دونه ضلّوا عنهم.
قال: {إلا إيّاه} [الإسراء: 67] تدعونه، كقوله: {بل إيّاه تدعون} [الأنعام: 41] يعلمون أنّه لا ينجّيهم من الغرق إلا اللّه.
قال: {فلمّا نجّاكم إلى البرّ أعرضتم} [الإسراء: 67] عن الّذي نجّاكم ورجعتم إلى شرككم.
{وكان الإنسان كفورًا} [الإسراء: 67]، يعني: المشرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(والضُّرّ: الشدة والبلاء ... ومنه: الهول، كقوله: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ} ). [تأويل مشكل القرآن: 483]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وكان الإنسان كفورا} الإنسان ههنا يعنى به الكفار خاصة). [معاني القرآن: 3/251]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (ضل) أي: غاب). [ياقوتة الصراط: 311]

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البرّ} [الإسراء: 68] كما خسف بقوم لوطٍ وبقارون.
{أو يرسل عليكم حاصبًا} [الإسراء: 68] قال قتادة: أي حجارةً من السّماء.
يقول: يحصبكم بها كما فعل بقوم لوطٍ، يعني: الّذين خرجوا من القرية فأرسل عليهم الحجارة، وخسف بأهل القرية.
قال: {ثمّ لا تجدوا لكم وكيلا} [الإسراء: 68] سعيدٌ، عن قتادة قال: أي منيعًا ولا نصيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/149]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {أو يرسل عليكم حاصباً} ريحاً عاصفاً، تحصب قال الفرزدق:

مستقبلين شمال الشام تضربنا= بحاصبٍ كنديف القطن منثور
أي بصقيع). [مجاز القرآن: 1/385]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حاصبا}: الحاصب الريح العاصف). [غريب القرآن وتفسيره: 218]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البرّ أو يرسل عليكم حاصبا ثمّ لا تجدوا لكم وكيلا }
الحاصب التراب الذي فيه الحصباء، والحصباء حصى صغار). [معاني القرآن: 3/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا}
الحاصب الريح التي ترمي بالحصباء وهي الحصى الصغار). [معاني القرآن: 4/175-174]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {حاصبا} أي: حجارة). [ياقوتة الصراط: 311]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الحاصب) الريح، سميت بذلك لأنها تحصب: أي ترمي بالحصباء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 138]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الحَاصِبُ): الريح العاصف). [العمدة في غريب القرآن: 183]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أم أمنتم أن يعيدكم} [الإسراء: 69] في البحر.
[تفسير القرآن العظيم: 1/149]
{تارةً أخرى} [الإسراء: 69] مرّةً أخرى.
{فيرسل عليكم قاصفًا من الرّيح} [الإسراء: 69] والقاصف الرّيح الشّديدة.
{فيغرقكم بما كفرتم ثمّ لا تجدوا لكم علينا به تبيعًا} [الإسراء: 69] لا تجدوا أحدًا يتبعنا بذلك لكم، فينتصر لكم، وهو كقوله: {فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها} [الشمس: 14] سوّى عليها بالعذاب {ولا يخاف عقباها} [الشمس: 15] التّبعة، فينتصر لهم.
وقال قتادة: أي لا يخاف أن يتبع بشيءٍ ممّا أصابكم.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {تبيعًا} [الإسراء: 69] ثائرًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/150]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً...}

يقال: ثائراً وطالباً. فتبيع في معنى تابع). [معاني القرآن: 2/127]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تارةً أخرى} مرّة أخرى والجميع تارات وتير). [مجاز القرآن: 1/385]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فيرسل عليكم قاصفاً من الرّيح} أي تقصف كل شيء أي تحطم،
يقال: بعث الله عليهم ريحاً عاصفاً قاصفاً لم تبق لهم ثاغيةً ولا راغية). [مجاز القرآن: 1/385]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً} أي من يتبعنا لكم تبيعة ولا طالباً لنا بها). [مجاز القرآن: 1/385]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قاصفا}: تقصف كل شيء.
{تبيعا}: مطالبا). [غريب القرآن وتفسيره: 218]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً} أي من يتبعنا بدمائكم، أي يطالبنا.
ومنه قوله: {فاتّباعٌ بالمعروف} أي مطالبة جميلة). [تفسير غريب القرآن: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أم: تكون بمعنى أو، كقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا}، وكقوله: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى}.
هكذا قال المفسرون، وهي كذلك عند أهل اللغة في المعنى، وإن كانوا قد يفرقون بينهما في الأماكن). [تأويل مشكل القرآن: 546]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الرّيح فيغرقكم بما كفرتم ثمّ لا تجدوا لكم علينا به تبيعا }
{ثمّ لا تجدوا لكم علينا به تبيعا}
أي لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم، ولا من يتبعنا بأن يصرفه عنكم). [معاني القرآن: 3/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح}
قال ابن عباس هي التي تغرق
قال أبو جعفر يقال قصفه إذا كسره كأنها من شدتها تكسر الشجر). [معاني القرآن: 4/175]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا}
قال مجاهد ثائرا
قال أبو جعفر وهو من الثأر وكذلك يقال لكل من طلب بثأر أو غيره تبيع وتابع ومنه قوله تعالى: {فاتباع بالمعروف} أي مطالبة). [معاني القرآن: 4/176-175]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {قاصفا} أي: ريحا قاتلة تقصف الأصلاب والشجر). [ياقوتة الصراط: 312]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {به تبيعا} أخبرنا أبو عمر - قال: أنا ثعلب عن ابن الأعرابي - قال: يقال للطالب بالشيء: تابع وتبيع به تبيعا). [ياقوتة الصراط: 312]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والقاصف) من الريح: الذي يقصف الشجرة، أي يكسرها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 138]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَبِيعاً}: مطالبا). [العمدة في غريب القرآن: 184]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 06:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 70 إلى 87]

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)}


تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلا} [الإسراء: 70] الفرات بن سلمان، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه كانوا في سفرٍ، فمرّوا ببركٍ فيها ماءٌ فوضع بعضهم رءوسهم يشربون منها، فقال رسول اللّه: «اغسلوا أيديكم واشربوا فيها».
قال يحيى: سمعت بعضهم يقول: إنّ هذه الآية نزلت عند ذلك.
وقال الحسن: فضّل بنو آدم على البهائم والسّباع والهوامّ.
وقال بعضهم: {ورزقناهم من الطّيّبات} [الإسراء: 70] : يعني جميع رزق بني آدم: الخبز، واللّحم، والعسل، والسّمن، ونحوه من طيّبات الطّعام والشّراب، فجعل رزقهم أطيب من رزق الدّوابّ والطّير والجنّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/150]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ولقد كرّمنا بني آدم} أي أكرمنا إلا أنها أشدّ مبالغةً في الكرامة).
[مجاز القرآن: 1/386]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، وقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} أي: شرفناهم وفضّلناهم). [تأويل مشكل القرآن: 494]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا }
تأويله أن اللّه - جل ثناؤه - فضلهم بالتمييز، وبأن سخر لهم ما في السّماوات والأرض وبحملهم في البر والبحر.
{وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا}.
قال: {على كثير} ولم يقل على كلّ من خلقنا، لأن اللّه - جل وعلا - فضل الملائكة، فقال: {ولا الملائكة المقربون}.
ولكن ابن آدم مفضل على سائر الحيوان الذي لا يعقل ولا يميز.
وجاء في التفسير أن فضيلة ابن آدم أنه يمشي قائما وأن الدوابّ والإبل والحمير وما أشبهها تمشي منكبّة، وأن ابن آدم
يتناول الطعام بيديه ويرفعه إلى فيه، وأن سائر الحيوان يتناول ذلك بفيه. وهذا الذي في التفسير هو بعض ما فضل به ابن آدم.
وفضله فيما أعطي من التمييز ورزق من الطيبات وبصّر من الهدى مع ما لا يحصى من النعم عليه كثير جدّا). [معاني القرآن: 3/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}
قال عبد الله بن عباس فضلوا بأنهم يأكلون بأيديهم والبهائم تأكل بأفواهها
وقال غيره فضلوا بالفهم والتمييز وبما سخر لهم). [معاني القرآن: 4/176]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} [الإسراء: 71] قال الحسن: بكتابهم.
ما نسخت عليهم الملائكة من أعمالهم.
وقال قتادة: بإمامهم، بنبيّهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/150]
قال: {فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم} [الإسراء: 71] وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.
{ولا يظلمون فتيلا} [الإسراء: 71]، والفتيل: يكون في بطن النّواة). [تفسير القرآن العظيم: 1/151]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يوم ندعوا كلّ أناسٍ بإمامهم...}

قراءة العوامّ بالنون. و(يدعو) أيضاً لله تبارك وتعالى. ... وسألني هشيم فقال: هل يجوز {يوم يدعوا كلّ أناسٍ} رووه عن الحسن فأخبرته أني لا أعرفه، فقال: قد سألت أهل العربيّة عن ذلك فلم يعرفوه). [معاني القرآن: 2/127]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} أي بالذي اقتدوا به وجعلوه إماماً، ويجوز أن يكون بكتابهم: {ولا يظلمون فتيلاً} وهو المتفتّل الذي في شق بطن النواة). [مجاز القرآن: 1/386]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يوم ندعوا كلّ أناسٍ بإمامهم} أي بكتابهم الذي فيه أعمالهم، على قول الحسن.
وقال ابن عباس - في رواية أبي صالح -: برئيسهم.
{ولا يظلمون فتيلًا} والفتيل: ما في شق النواة). [تفسير غريب القرآن: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الإمام: أصله ما ائتممت به. قال الله تعالى لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}
أي: يؤتمّ بك، ويقتدى بسنّتك.
ثم يجعل الكتاب إماما يؤتم بما أحصاه. قال الله عز وجل: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} أي: بكتابهم الذي جمعت فيه أعمالهم في الدنيا.
وقال: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} يعني: كتابا، أو يعني: اللّوح المحفوظ). [تأويل مشكل القرآن: 459] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا}
وتقرأ يوم يدعو - بالياء - {كلّ أناس بإمامهم}، يعنى به يوم القيامة، وهو منصوب على اذكر يوم يدعو كل أناس بإمامهم، ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى يعيدكم الذي فطركم يوم يدعو كل أناس بإمامهم، ومعنى بإمامهم بدينهم الذي ائتموا به، وقيل بكتابهم، والمعنى واحد.
ويدل عليه {فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم}.
أي من كان على حق أعطي كتابه بيمينه.
{ولا يظلمون فتيلا} المعنى ولا يظلمون مقدار فتيل، والفتيل القشرة التي في شق النواة). [معاني القرآن: 3/253-252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم}
روي عن ابن عباس أي بنبيهم وقال الحسن والضحاك بكتابهم
قال أبو جعفر ويدل على هذا قوله بعد: {فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا} الفتيل الذي يكون في شق النواة والنقير النقرة التي فيها والقطمير الفوقة التي تكون على النواة أي لا يظلمون مقدار هذا الحقير). [معاني القرآن: 4/177-176]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بإمامهم} قال ثعلب: اختلف الناس، فقالت طائفة: بكتابهم وقالت طائفة: بنبيهم، وقالت طائفة: بشرعهم). [ياقوتة الصراط: 312]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بإمامهم} أي بكتابهم وقيل: برئيسهم.
(والفتيل) ما في شق النواة. وقيل: ما يحدث بين الأصابع من العرق إذا فتل بعضها إلى بعض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن كان في هذه أعمى} [الإسراء: 72]، يعني: من كان في هذه النّعماء الّتي ذكر اللّه في هذه الآية.
{فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا} [الإسراء: 72].
{ولقد كرّمنا بني آدم} [الإسراء: 70] إلى آخر الآية {أعمى} [الإسراء: 72]، يعني: أعمى القلب، فلا تعرف ربّها فتوحّده، فهو عن ما في الآخرة، يعني: فهو عن ما ذكر اللّه من أمر الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا.
وهو تفسير السّدّيّ.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: يقول: من كان في هذه الدّنيا أعمى عن ما عاين فيها من نعم اللّه وخلقه وعجائبه، قال يحيى: أي فيعلم أنّ له معادًا.
وهذا تفسير الحسن في أشباه هذا ممّا جعله اللّه تبصرةً للعباد فيعلمون أن البعث حقٌّ.
قال قتادة: فهو فيما يغيب عنه من أمر الآخرة أعمى.
{وأضلّ سبيلا} [الإسراء: 72] طريقًا.
وتفسير الحسن: من كان في هذه الدّنيا أعمى، الكافر عمي عن الهدى، فهو في الآخرة أعمى في الحجّة، أي: ليست له حجّةٌ، كقوله: {قال ربّ لم حشرتني أعمى} [طه: 125] عن حجّتي). [تفسير القرآن العظيم: 1/151]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ومن كان في هذه أعمى...}

يعني: في نعم الدنيا التي اقتصصناها عليكم {فهو في الآخرة} في نعم الآخرة {أعمى وأضلّ سبيلاً}.
والعرب إذا قالوا: هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفعيل، وما لا يزاد في فعله شيء على ثلاثة أحرف. فإذا كان في فعللت مثل زخرفت، أو افعللت مثل احمررت واصفررت لم يقولوا: هو أفعل منك؛ إلا أن يقولوا: هو أشدّ حمرةً منك، وأشدّ زخرفة منك. وإنما جاز في العمى لأنه لم يرد به عمى العين، إنما أراد به - والله أعلم - عمى القلب. فيقال: فلان أعمى من فلان في القلب
و(لا تقل): هو أعمى منه في العين. فذلك أنه لمّا جاء على مذهب أحمر وحمراء ترك فيه أفعل منك كما ترك في كثيره. وقد تلقى بعض النحويين يقول: أجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق، لأنا قد نقول: عمي وزرق وعرج وعشي ولا نقول: صفر ولا حمر ولا بيض. وليس ذلك بشيء، إنما ينظر في هذا إلى ما كان لصاحبه فيه فعل يقلّ أو يكثر، فيكون أفعل دليلاً على قلّة الشيء وكثرته؛ ألا ترى أنك قد تقول: فلان أقوم من فلان وأجمل؛ لأنّ قيام ذا وجماله قد يزيد على قيام الآخر وجماله، ولا تقول لأعميين: هذا أعمى من هذا، ولا لمّيتين: هذا أموت من هذا. فإن جاءك منه شيء في شعر فأجزته احتمل النوعان الإجازة: ... حدثني شيخ من أهل البصرة أنه سمع العرب تقول: ما أسود شعره.
وسئل الفراء عن الشيخ فقال: هذا بشّار الناقط.
وقال الشاعر:

أمّا الملوك فأنت اليوم ألأمهم = لؤماً وأبيضهم سربال طبّاخ
فمن قال هذا لزمه أن يقول: الله أبيضك والله أسودك وما أسودك. ولعبة للعرب يقولون أبيضي حالا وأسيدي حالا والعرب تقول مسودة مبيضة إذا ولدت السودان والبيضان وأكثر ما يقولون: موضحة إذا ولدت البيضان وقد يقولون مسيدة). [معاني القرآن: 2/128-127]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فهو في الآخرة أعمى} أشدّ عمىً). [مجاز القرآن: 1/386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا} أي في هذه الدنيا.
{فهو في الآخرة أعمى} وهذا من عمى القلب، أي هو في الآخرة أشد عمى.
وتأويله أنه إذا عمي في الدنيا، وقد عرّفه - جل وعلا - وجعل له إلى التوبة وصلة، وفسح له في ذلك إلى وقت مماته، فعمي عن رشده ولم يتب ففي الآخرة لا يجد متابا ولا متخلّصا مما هو فيه، فهو في الآخرة أشد عمى {وأضل سبيلا}.
أي وأضل طريقا، لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية فقد حصل على عمله). [معاني القرآن: 3/253]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}
قال عكرمة قال رجل لعبد الله بن عباس كيف يكون في الآخرة أعمى فقال له أخطأت التأويل ألا ترى أنه جل وعز عدد النعم ثم قال ومن كان في هذه أعمى أي من عمي عن هذه النعم التي يراها وتدله على قدرة الله فهو فيما لم يره من أمر الآخرة أعمى وكذلك قال قتادة
وقال غيره ومن كان في الدنيا أعمى وقد فسح الله له في العمر ووعده قبول التوبة ودعاه إلى الطاعة فلم يجب وعمى عن ذلك فهو في الآخرة إذا كان لا تقبل منه توبة ولا إنابة أعمى وأضل سبيلا). [معاني القرآن: 4/178-177]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن كادوا} [الإسراء: 73]، يعني: قد كادوا.
تفسير السّدّيّ.
{ليفتنونك} [الإسراء: 73] ليضلّونك.
وقال بعضهم: يعني ليصدّونك.
{عن الّذي أوحينا إليك} [الإسراء: 73] القرآن.
{لتفتري علينا غيره وإذًا لاتّخذوك خليلا} [الإسراء: 73] لو فعلت.
وذلك أنّ المشركين خلوا برسول اللّه بمكّة ليلةً حتّى الصّباح، فقالوا: يا
[تفسير القرآن العظيم: 1/151]
محمّد إنّ الّذي جئت به لم يجئ به أحدٌ من قومك.
ورفقوا به وقالوا له: كفّ عن شتم آلهتنا وذمّها وانظر في هذا الأمر، فإنّ هذا لو كان حقًّا لكان فلانٌ أحقّ به منك، وفلانٌ أحقّ به منك.
فأنزل اللّه: {وإن كادوا ليفتنونك} [الإسراء: 73] إلى قوله: {ولولا أن ثبّتناك} [الإسراء: 74] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/152] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {وإن كادوا ليفتنونك} أي يستزلّونك.

{لتفتري علينا غيره} لتختلق غيره.
{وإذاً لاتّخذوك خليلًا} أي لو فعلت ذاك لودّوك). [تفسير غريب القرآن: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: الصدّ والاستزلال. قال الله عز وجل: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} ،
أي: يصدّوك ويستزلوك. وقال الله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ، وقال: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}
أي: صادين). [تأويل مشكل القرآن: 473] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإن كادوا ليفتنونك عن الّذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتّخذوك خليلا}
معنى الكلام كادوا يفتنونك، ودخلت " إن " واللام للتوكيد، وتأويله أن المشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لا نتركك تستلم الحجر حتى تلمّ بآلهتنا، فقال - صلى الله عليه وسلم - في نفسه، وما على أن أفعل ذلك واللّه يعلم ما في نفسي، وأتمكن من استلام الحجر.
هذا مما جاء في التفسير.
وجاء في التفسير أيضا أن المشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اطرد عنك سقاط الناس ومواليهم وهؤلاء الذين رائحتهم رائحة الضأن، وذلك أنهم كانوا يلبسون الصوف، فقالوا: اطرد هؤلاء إن كنت أرسلت إلينا حتى تجلس إلينا ونسمع منك فهمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل في ذلك ما يستدعي به إسلامهم،
فتوعده اللّه - عز وجل - فيه أشد الوعيد وعصمه الله من أن يمضي ما عزم عليه،
فقال: (وإذا لاتّخذوك خليلا) أي إن فعلت ما أرادوا لاتخذوك خليلا). [معاني القرآن: 3/254-253]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} المعنى كادوا يفتنونك لأن إن واللام تدل على التوكيد
ويروى أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم اطرد عنا هؤلاء السقاط والموالي حتى نجلس معك ونستمع منك فهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ميلا منه إلى أن يؤمنوا فعصم صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تبارك وتعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} إلى قوله: {إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات}
قال مالك بن دينار سألت جابر بن زيد عن قوله: {إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} فقال: {إذا لأذقناك ضعف} عذاب الحياة {وضعف} عذاب {الممات}
قال أبو جعفر وكذلك معناه عند أهل اللغة وخوطب بهذا النبي صلى الله عليه وسلم لأن الثواب به جزل كما قال تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} ولمشاهدة الأنبياء والملائكة والآيات العظام كان في ذلك الخطاب من الفائدة أنه علم به أن هذا حكم الله فيمن عصاه من الأنبياء فكيف غيرهم).
[معاني القرآن: 4/180-178]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ليفتنونك} أي يستزلونك {لتفتري} أي لتختلق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن كادوا} [الإسراء: 73]، يعني: قد كادوا.
تفسير السّدّيّ.
{ليفتنونك} [الإسراء: 73] ليضلّونك.
وقال بعضهم: يعني ليصدّونك.
{عن الّذي أوحينا إليك} [الإسراء: 73] القرآن.
{لتفتري علينا غيره وإذًا لاتّخذوك خليلا} [الإسراء: 73] لو فعلت.
وذلك أنّ المشركين خلوا برسول اللّه بمكّة ليلةً حتّى الصّباح، فقالوا: يا
[تفسير القرآن العظيم: 1/151]
محمّد إنّ الّذي جئت به لم يجئ به أحدٌ من قومك.
ورفقوا به وقالوا له: كفّ عن شتم آلهتنا وذمّها وانظر في هذا الأمر، فإنّ هذا لو كان حقًّا لكان فلانٌ أحقّ به منك، وفلانٌ أحقّ به منك.
فأنزل اللّه: {وإن كادوا ليفتنونك} [الإسراء: 73] إلى قوله: {ولولا أن ثبّتناك} [الإسراء: 74] بالنّبوّة، عصمناك بها {لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلا} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/152]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لقد كدت تركن إليهم شيئاً} أي تميل وتعدل وتطمئن).
[مجاز القرآن: 1/386]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا }
وحكيت (تركن) بضم الكاف.
يقال ركن يركن، وركن يركن، فتوعده اللّه في ذلك أشد التوعد، فقال:{إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثمّ لا تجد لك علينا نصيرا} ). [معاني القرآن: 3/254]

تفسير قوله تعالى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {إذًا لأذقناك} [الإسراء: 75] لو فعلت {ضعف الحياة} [الإسراء: 75] سعيدٌ، عن قتادة: أي: عذاب الدّنيا.
{وضعف الممات} [الإسراء: 75] أي: عذاب الآخرة.
قال: {ثمّ لا تجد لك علينا نصيرًا} [الإسراء: 75] ينتصر لك بعد عقوبتنا إيّاك.
سعيدٌ، عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ قومًا خلوا برسول اللّه ذات ليلةٍ إلى الصّبح يكلّمونه، ويفحمونه، ويسوّدونه، ويقاربونه، وكان في قولهم أن قالوا: يا محمّد، إنّك تأتي بشيءٍ لا يأتي به أحدٌ من النّاس، وأنت سيّدنا وابن سيّدنا، فما زالوا يكلّمونه حتّى كاد يقاربهم.
ثمّ إنّ اللّه منعه وعصمه من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/152]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {إذاً لأذقناك ضعف الحياة} مختصر، كقولك ضعف عذاب الحياة وعذاب الممات فهما عذابان عذاب الممات به ضوعف عذاب الحياة).
[مجاز القرآن: 1/386]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ضعف الحياة} أي ضعف عذاب الحياة.
{وضعف الممات} أي ضعف عذاب الممات). [تفسير غريب القرآن: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب الحذف والاختصار
من ذلك: أن تحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه وتجعل الفعل له.
كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} أي سل أهلها.
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي حبّه.
و{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أي وقت الحج.
وكقوله: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات). [تأويل مشكل القرآن: 210] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثمّ لا تجد لك علينا نصيرا }
والمعنى لو ركنت إليهم في ذلك الشّيء القليل إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات، أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات لأنك أنت نبي ويضاعف لك العذاب على عذاب غيرك لو جنى هذه الجناية كما قال: {يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين} لأن درجة النبي ودرجة آله الذين وصفهم الله فوق درجة غيرهم). [معاني القرآن: 3/254]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ضعف الحياة} أي عذاب الحياة، وكذلك عذاب الممات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن كادوا ليستفزّونك من الأرض} [الإسراء: 76]، يعني أرض المدينة.
{ليخرجوك منها وإذًا لا يلبثون خلافك} [الإسراء: 76] بعدك.
{إلا قليلا {76} سنّة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنّتنا تحويلا {77}} [الإسراء: 76-77].
سعيدٌ، عن قتادة قال: همّ أهل مكّة بإخراجه من مكّة، ولو فعلوا ذلك ما نوظروا، ولكنّ اللّه كفّهم عن إخراجه حتّى أمره بالخروج.
ولقلّ مع ذلك ما لبثوا بعد خروجه من مكّة حتّى بعث اللّه عليهم القتل يوم بدرٍ.
قال يحيى: هي في هذا التّفسير قوله: {وإذ يمكر بك الّذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} [الأنفال: 30].
وتفسير الحسن: {ليستفزّونك من الأرض ليخرجوك منها} [الإسراء: 76] بالقتل {وإذًا لا يلبثون خلافك} [الإسراء: 76] بعدك {إلا قليلا} [الإسراء: 76] حتّى نستأصلهم بالعذاب فنهلكهم أجمعين لو قتلوك). [تفسير القرآن العظيم: 1/152]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإن كادوا ليستفزّونك من الأرض...}

لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة حسدته اليهود وثقل عليهم مكانه، فقالوا: إنك لتعلم أن هذه البلاد ليست ببلاد الأنبياء، إنما بلادهم الشأم.
فإن كنت نبيّا فاخرج إليه، فإن الله سينصرك. قال: فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم على أميال من المدينة فأنزل الله: {وإن كادوا ليستفزّونك} ليستخفونك وإذاً لا يلبثون
{من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لاّ يلبثون خلافك إلاّ قليلاً} يقول: إنك لو خرجت ولم يؤمنوا لنزل بهم العذاب). [معاني القرآن: 2/129-128]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإذا لاّ يلبثون خلافك} رفع يلبثون على التقديم والتأخير كقولك: ولا يلبثون خلافك إذاً، أي بعدك، قال:
عفت الديار خلافها فكأنما= بسط الشواطب بينهن حصيرا
أي بعدهن ويقرؤه آخرون خلفك والمعنى واحد). [مجاز القرآن: 1/387]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذاً لا يلبثون خلافك} أي بعدك). [تفسير غريب القرآن: 259]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإن كادوا ليستفزّونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلّا قليلا }
كانوا قد كادوا أن يخرجوا النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة فأعلمهم الله أنهم لو فعلوا ذلك لم يلبثوا بعده إلا قليلا.
وقيل {ليستفزّونك أي ليقتلونك). [معاني القرآن: 3/254]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجونك منها} قيل المعنى يستفزونك بالقتل
قال عوف عن الحسن هموا بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وأراد الله بقاء أهل مكة فأمره أن يخرج منها مهاجرا إلى المدينة فخرج بأمر الله ولو أخرجوه لهلكوا كما قال سبحانه: {وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا}
قال أهل التفسير {خلافك} أي بعدك
وحكي عن العرب جاء فلان خلف فلان وخلافة أي بعده وقد يجيء خلاف بمعنى مخالفة). [معاني القرآن: 4/180-181]

تفسير قوله تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({سنّة من قد أرسلنا} [الإسراء: 77] إنّهم إذا قتلوا نبيّهم أهلكهم اللّه بالعذاب.
{ولا تجد لسنّتنا تحويلا} [الإسراء: 77] سعيدٌ، عن قتادة قال: إنّ سنّة الرّسل والأمم كانت قبلك كذلك، إذا كذّبوا رسلهم وأخرجوهم لم يناظروا أن يبعث اللّه عليهم عذابه.
- قرّة بن خالدٍ، أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: إنّ أشدّ النّاس عذابًا من قتل نبيًّا، أو قتله نبيٌّ، أو مصوّرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/153]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {سنّة من قد أرسلنا قبلك...}

نصب السنّة على العذاب المضمر، أي يعذّبون كسنّة من قد أرسلنا {ولا تجد لسنّتنا تحويلاً}.
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {سنّة من قد أرسلنا قبلك من رّسلنا ولا تجد لسنّتنا تحويلاً}
وقال: {سنّة من قد أرسلنا قبلك} أي: سننّاها سنّة. كما قال: {رحمةً مّن رّبّك} ). [معاني القرآن: 2/73-72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {سنّة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنّتنا تحويلا}
(سنّة) منصوب بمعنى أنا سننّا هذه السنة فيمن أرسلنا قبلك من رسلنا.
أنهم إذا أخرجوا نبيهم من بين أظهرهم أو قتلوه لم يلبثهم العذاب أن ينزل بهم، وكان خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة مهاجرا بأمر اللّه). [معاني القرآن: 3/255]

تفسير قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس} [الإسراء: 78] سعيدٌ، عن قتادة قال: إذا زالت الشّمس عن بطن السّماء لصلاة الظّهر.
{إلى غسق اللّيل} [الإسراء: 78] قال: بدوّ اللّيل لصلاة المغرب.
قال يحيى: يقول لزوال الشّمس عن كبد السّماء، يعني صلاة الظّهر والعصر بعدها.
{إلى غسق اللّيل} [الإسراء: 78] بدوّ اللّيل واجتماعه وظلمته.
صلاة المغرب عند بدوّ اللّيل، وصلاة العشاء عند اجتماع اللّيل، وظلمته إذا غاب الشّفق.
- مالك بن أنسٍ، عن داود بن الحصين، أنّ ابن عبّاسٍ قال: دلوك الشّمس: إذا فاء الفيء، وغسق اللّيل: اجتماع اللّيل وظلمته.
- مالك بن أنسٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: دلوك الشّمس ميلها.
- سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، أنّ رسول اللّه لمّا جاء بالصّلوات الخمس إلى قومه خلّى عنهم، حتّى إذا زالت الشّمس عن بطن السّماء نودي فيهم: الصّلاة جامعةً.
ففزعوا لذلك واجتمعوا، فصلّى بهم الظّهر أربع ركعاتٍ، لا يعلن فيهنّ القراءة، جبريل بين يدي نبيّ اللّه، ونبيّ اللّه بين أيدي النّاس، يقتدي النّاس بنبيّهم، ويقتدي نبيّ اللّه بجبريل.
ثمّ خلّى عنهم، حتّى إذا تصوّبت الشّمس وهي بيضاء نقيّةٌ نودي فيهم: الصّلاة جامعةً.
فاجتمعوا، فصلّى بهم العصر أربع ركعاتٍ دون صلاة الظّهر، لا يعلن فيهنّ القراءة، جبريل بين يدي نبيّ اللّه، ونبيّ اللّه بين أيدي النّاس، يقتدي النّاس بنبيّهم، ويقتدي نبيّ اللّه بجبريل.
ثمّ خلّى عنهم، حتّى إذا غربت الشّمس نودي فيهم: الصّلاة جامعةً.
فصلّى بهم المغرب ثلاث ركعاتٍ يعلن في
[تفسير القرآن العظيم: 1/153]
الرّكعتين الأوليين ولا يعلن في الرّكعة الآخرة، جبريل بين يدي نبيّ اللّه، ونبيّ اللّه بين أيدي النّاس، يقتدي النّاس بنبيّهم، ويقتدي نبيّ اللّه بجبريل.
ثمّ خلّى عنهم، حتّى إذا غاب الشّفق وأظلم العشاء نودي فيهم: الصّلاة جامعةً.
فاجتمعوا، فصلّى بهم العشاء أربع ركعاتٍ يعلن في الرّكعتين الأوليين ولا يعلن في الآخرتين، جبريل بين يدي نبيّ اللّه، ونبيّ اللّه بين أيدي النّاس، يقتدي النّاس بنبيّهم، ويقتدي نبيّ اللّه بجبريل.
ثمّ بات النّاس ولا يدرون أيزادون على ذلك أم لا.
حتّى إذا طلع الفجر نودي فيهم: الصّلاة جامعةً.
فاجتمعوا.
فصلّى بهم الصّبح ركعتين أطالهما وأعلن فيهما القراءة، جبريل بين يدي نبيّ اللّه، ونبيّ اللّه بين أيدي النّاس، يقتدي النّاس بنبيّهم، ويقتدي نبيّ اللّه بجبريل.
- المعلّى، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعودٍ، قال: دلوكها غروبها.
- المسعوديّ، عن سلمة بن كهيلٍ، عن عبد الرّحمن بن يزيد، قال: غابت الشّمس فقال عبد اللّه بن مسعودٍ: والّذي لا إله غيره إنّ هذه السّاعة لميقات هذه الصّلاة، ثمّ تلا هذه الآية: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} [الإسراء: 78].
قال المسعوديّ: فدلوكها حين تغيب في قول عبد اللّه، وغسق اللّيل: مجيء اللّيل والصّلاة فيما بينهما.
قال يحيى: وتفسير ابن عبّاسٍ: هو زوالها، هو قول العامّة، يعني وقت صلاة الظّهر فيما حدّثني المسعوديّ وغيره.
ثمّ قال المسعوديّ: قال السّدّيّ، وكان يعالج التّفسير: لو كان دلوك الشّمس زوالها لكانت الصّلاة فيما بين زوالها إلى أن تغيب.
وكان قول ابن عبّاسٍ أعجب إلى المسعوديّ.
قوله: {وقرءان الفجر} [الإسراء: 78] قال قتادة: وهي صلاة الصّبح.
{إنّ قرءان الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78] يشهده ملائكة اللّيل وملائكة النّهار، يجتمعون عند صلاة الصّبح وعند صلاة العصر فيما
- حدّثنا عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ: " فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم فيقول: كيف تركتم
[تفسير القرآن العظيم: 1/154]
عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلّون، وتركناهم وهم يصلّون ".
- سعيدٌ، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، أنّ أبا عبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ كتب إليه أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ كان يقول عند صلاة المغرب: يجتمع الحرسان من ملائكة اللّه: ملائكة اللّيل، وملائكة النّهار.
سعيدٌ، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: كنّا نحدّث أنّ عند صلاة الفجر يجتمع الحرسان من ملائكة اللّه: حرس اللّيل، وحرس النّهار، ويقرأ هذه الآية: {وقرءان الفجر إنّ قرءان الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78].
- المسعوديّ، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعودٍ، قال: يتدارك الحرسان عند صلاة الصّبح والمغرب.
وقال: اقرءوا إن شئتم: {وقرءان الفجر إنّ قرءان الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/155]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل...}

جاء عن ابن عباس قال: هو زيغوغتها وزوالها للظهر. قال أبو زكريّا: ورأيت العرب تذهب بالدلوك إلى غياب الشمس أنشدني بعضهم:
هذا مقام قدمي رباح = ذبّب حتى دلكت براح
يعني الساقي ذبّب: طرد الناس. براح يقول: حتى قال بالراحة على العين فينظر هل غابت قال: هكذا فسّروه.
وقوله: {إلى غسق اللّيل}: أوّل ظلمته للمغرب والعشاء.
وقوله: {وقرآن الفجر} أي وأقم قرآن الفجر {إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً} يعني صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار). [معاني القرآن: 2/129]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل} ودلوك الشمس من عند زوالها إلى أن تغيب وقال:
هذا مقام قدمى رباح= غدوة حتى دلكت براح
ألا ترى أنها تدفع بالراح، يضع كفه على حاجبيه من شعاعها لينظر ما بقي من غيابها والدلوك دنوها من غيبوبتها،
قال العجاج:
والشمس قد كادت تكون دنفاً= أدفعها بالراح كي تزحلفا
{إلى غسق اللّيل}، أي ظلامه قال: ابن قيس الرّقيّات:
إنّ هذا الليل قد غسقا= واشتكيت الهمّ والأرقا
{وقرآن الفجر} أي ما يقرأ به في صلاة الفجر.
{إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً} مجازه: إن ملائكة الليل تشهده وإذا صليت الغداة أعقبتها ملائكة النهار). [مجاز القرآن: 1/388-387]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً}
[وقال] {وقرآن الفجر} أي: وعليك قرآن الفجر). [معاني القرآن: 2/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لدلوك الشمس إلى غسق الليل}: دلوكها من عند زوالها إلى الليل و{غسق الليل}: سواده.
{كان مشهودا}: ذكروا أن ملائكة الليل وملائكة النهار تشهدها). [غريب القرآن وتفسيره: 219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لدلوك الشّمس}: غروبها. ويقال: زوالها. والأول أحب إليّ، لأن العرب تقول: دلك النجم، إذا غاب.
قال ذو الرّمّة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها نجوم ولا بالآفلات الدّوالك
وتقول في الشمس: دلكت براح يريدون غربت. والناظر قد وضع كفه على حاجبه ينظر إليها. قال الشاعر:
والشمس قد كادت دنفا أدفعها بالراح كي تزحلفا
فشبهها بالمريض في الدّنف، لأنها قد همّت بالغروب. كما قارب الدّنف الموت. وإنما ينظر إليها من تحت الكف، ليعلم كم بقي لها إلى أن تغيب ويتوقي الشعاع بكفه.
{وغسق اللّيل}: ظلامه.
{وقرآن الفجر} أي قراءة الفجر). [تفسير غريب القرآن: 260-259]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودا}
دلوك الشمس زوالها وميلها في وقت الظهيرة، وكذلك ميلها إلى الغروب هو دلوكها أيضا، يقال: قد دلكت براح وبراح.
أي قد مالت للزوال حتى صار الناظر يحتاج إذا تبصرها أن يكسر الشعاع عن بصره براحته.
قال الشاعر:
هذا مقام قدمي رباح= للشمس حتى دلكت براح
وقوله: {إلى غسق اللّيل} أي ظلمة الليل.
{وقرآن الفجر} أي فأقم قرآن الفجر، وفي هذا الموضع فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة، لأن قوله أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر قد أمر أن
نقيم الصلاة بالقراءة حتى سميت الصلاة قرآنا، فلا تكون صلاة إلا بقراءة.
وقوله: {إنّ قرآن الفجر كان مشهودا}.
جاء في التفسير أن ملائكة الليل يحضرون قراءة الفجر، وملائكة النهار يحضرونها أيضا). [معاني القرآن: 3/256-255]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}
روى سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله قال دلوكها غروبها
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس لدلوك الشمس لغروبها
وروى الشعبي عن ابن عباس دلوكها زوالها
وروى الزهري عن سالم عن ابن عمر دلوك الشمس بعد نصف النهار وهو وقت الظهر
وروى مالك والليث عن نافع عن ابن عمر قال دلوك الشمس زوالها
وكذلك روي عن جعفر بن محمد رحمة الله عليه
قال أبو جعفر الدلوك في اللغة الميل فهي تميل عند الزوال وعند الغروب إلا أن الزوال في هذا أكثر على ألسن الناس
ويدل عليه أن بعده إلى غسق الليل فيدخل فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبعده وقرآن الفجر فلا يمتنع أن يكون غسق الليل أوله وذلك عند غروب الشمس،
قال ذلك أبو هريرة وهو يقوي قول من قال الدلوك ميلها للزوال
قال أبن عباس غسق الليل اجتماع الليل وظلمته
وقال قتادة أوله). [معاني القرآن: 4/182-181]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وقرآن الفجر} فسمى الصلاة قرآنا لأنها لا تكون إلا بالقرآن). [معاني القرآن: 4/183]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {إن قرآن الفجر كان مشهودا}
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الفجر تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار واقرءوا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا). [معاني القرآن: 4/183]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لدلوك الشمس} قال ثعلب: اختلف الناس، فقالت طائفة: الدلوك: زوالها عند الظهور، وقالت طائفة: الدلوك: زوالها عند المغيب. والغسق: الإظلام). [ياقوتة الصراط: 313]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {دلوك الشمس} غروبها، وقيل: زوالها. ويقال: دلك النجم: إذا غاب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {دُلُوك}: زوال). [العمدة في غريب القرآن: 184]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {غَسَقِ اللّيل}: سواده). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك} [الإسراء: 79] عطيّةً من اللّه لك.
وقال الكلبيّ: النّافلة: الفضل.
قال يحيى: وسمعت بعضهم يقول: إنّ صلاة اللّيل على النّبيّ فريضةٌ، وهي للنّاس تطوّعٌ.
وقال الحسن: لم يقم النّبيّ أقلّ من ثلث اللّيل.
- الحسن بن دينارٍ، عن عونٍ العقيليّ، عن أنس بن مالكٍ، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا شغله شيءٌ عن صلاة اللّيل صلّى من النّهار اثنتي عشرة ركعةً.
- حمّاد بن سلمة، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة، قال: النّافلة لا تكون إلا للنّبيّ.
- حمّادٌ، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة، قال: إذا توضّأ الرّجل فأحسن الوضوء فإن قعد قعد مغفورًا له، وإذا قام يصلّي كانت له فضيلةً.
فقيل له: نافلةً؟ فقال: إنّما النّافلة للنّبيّ.
قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] وعسى من اللّه واجبةٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/155]
قال: سيبعثك ربّك مقامًا محمودًا: الشّفاعة.
- يونس بن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن أبيه، عن صلة بن زفر، عن حذيفة بن اليمان، قال: يجمع اللّه النّاس يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ حفاةً، عراةً، كما خلقوا، يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر حتّى يلجمهم العرق، ولا تكلّم نفسٌ إلا بإذنه، قال: فأوّل من يدعى محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، يا محمّد فيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّرّ ليس إليك،
والمهديّ من هديت، وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، وعلى عرشك استويت، سبحانك ربّ البيت.
ثمّ يقال له: اشفع، قال: فذلك المقام المحمود الّذي وعده اللّه.
وفي تفسير الكلبيّ قال: إذا أدخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، فبقيت زمرةٌ من آخر زمر الجنّة وهم على الصّراط لمّا خرج المؤمنون من الصّراط بإيمانهم على قدر أعمالهم، فمنهم من قد خرج كهيئة البرق، ومنهم من خرج كهيئة الرّيح، ومنهم من خرج كركض الفرس الجواد، ومنهم من خرج سعيًا، ومنهم من خرج زحفًا على قدر ما بقي له من نوره، إن قام لم يره
وإن جلس نظر إليه بين يديه، فهو يزحف على استه، وهم الّذين يقولون: {ربّنا أتمم لنا نورنا} [التحريم: 8] فذلك حين تقول لهم آخر زمرةٍ من زمر النّار: أمّا نحن فأخذنا بما في قلوبنا من الشّكّ والتّكذيب، فما نفعكم أنتم توحيدكم ربّكم؟ قال: وقد بلغت النّار منهم كلّ مبلغٍ.
- وفي حديث سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي نضرة، عن سمرة بن جندبٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ منهم من تأخذه النّار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النّار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته».
قال يحيى: وبلغني أنّها لا تصيب وجوههم لمكان السّجود.
قال الكلبيّ: فيصرخون عند ذلك يدعون ربّهم، فيسمعهم أهل الجنّة، فيسعون،
[تفسير القرآن العظيم: 1/156]
أو قال: يمشون إلى آدم فيقولون: يا آدم، أناسٌ من ذرّيّتك لم يشركوا باللّه شيئًا حبسوا مع أهل الشّرك، فيقول آدم: إنّي قد أخطأت خطيئةً فأستحيي أن أكلّم ربّي، فعليكم بنوحٍ.
فيأتون نوحًا فيردّهم إلى إبراهيم.
ثمّ يأتون إبراهيم فيردّهم إلى موسى.
ثمّ يأتون موسى فيردّهم إلى عيسى.
ثمّ يأتون عيسى فيردّهم إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيأتون محمّدًا فيذكرون ذلك له، فينطلق نبيّ اللّه فيأتي ربّ العزّة فيسجد له حتّى يأمره أن يرفع رأسه، ثمّ يسأل اللّه عن ما يريد وهو أعلم به، فيقول: ربّ، أناسٌ من عبادك أصحاب ذنوبٍ لم يشركوا بك وأنت أعلم بهم يعيّرهم أهل النّار بعبادتهم إيّاك، فيقول اللّه: وعزّتي لأخرجنّهم منها.
فيخرجهم وقد احترقوا، فيدخلون الجنّة ثمّ ينضح عليهم من الماء حتّى ينبتوا، تنبت أجسادهم ولحومهم، ثمّ يدخلون الجنّة فيسمّون الجهنّميّين.
فيغبط....
عند ذلك الأوّلون من أهل الجنّة والآخرون، فذلك قوله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79].
- صاحبٌ له، عن جبيرٍ، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي الزّعراء، عن ابن مسعودٍ، قال: يأمر اللّه تبارك وتعالى بالصّراط، فيضرب على جهنّم، فيمرّ النّاس على قدر أعمالهم زمرًا، أوّلهم كلمح البرق، ثمّ كمرّ الرّيح، ثمّ كمرّ الطّير، ثمّ كأسرع البهائم، ثمّ كذلك حتّى يمرّ الرّجل سعيًا، وحتّى يمرّ الرّجل مشيًا، حتّى يكون آخرهم رجلٌ يتلبّط على بطنه فيقول: يا ربّ، لم
أبطأت بي؟ فيقول: لم أبطئ بك، إنّما أبطأ بك عملك.
قال: ثمّ يأذن اللّه في الشّفاعة، فيكون أوّل شافعٍ يوم القيامة روح القدس جبريل، ثمّ يقوم خليل اللّه إبراهيم، ثمّ موسى أو عيسى.
قال أبو الزّعراء: لا أدري أيّهما، قال: ثمّ يقوم نبيّكم رابعًا لا يشفع أحدٌ بعده فيما يشفّع فيه، وهو المقام المحمود الّذي ذكره اللّه: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/157]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {نافلةً لّك...}

ليست لأحد نافلة إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه ليس من أحد إلاّ يخاف على نفسه، والنبيّ صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فعمله نافلةٌ).
[معاني القرآن: 2/129]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك} أي اسهر بصلاة أو بذكر الله، وهجدت: نمت أيضاً وهو الهجود، قال لبيد بن ربيعة.
قال هجّدنا فقد طال السّرى
يقول: نوّمنا {نافلةً لك} أي نفلاً وغنيمة لك). [مجاز القرآن: 1/389]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لّك عسى أن يبعثك ربّك مقاماً مّحموداً}
وقال: {عسى أن يبعثك ربّك} و{عسى ربّكم أن يكفّر عنكم} فيقال "عسى" من الله واجبه والمعنى أنّك لو علمت من رجل أنه لا يدع شيئا هو أحسن من شيء يأتيه فقال لك "عسى أن أكافئك" استنبت بعلمك به أنه سيفعل الذي يجب إذ كان لا يدع شيئا هو أحسن من شيء يأتيه). [معاني القرآن: 2/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فتهجد}: اسهر يقال تهجدت إذا سهرت وهجدت إذا نمت وهو الهجود.
{نافلة لك}: أي غنيمة لك ومنه النفل). [غريب القرآن وتفسيره: 219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فتهجّد به} أي اسهر به. يقال: تهجدت: إذا سهرت.
وهجدت: إذا نمت.
{نافلةً لك} أي تطوعا). [تفسير غريب القرآن: 260]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا}
يقال تهجد الرجل إذا سهر، وهجد إذا نام، وقد هجّدته إذا نوّمته قال لبيد:
قلت هجّدنا فقد طال السّرى= وقدرنا إن خنا الدّهر غفل
وهذه نافلة لك زيادة للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصّة ليست لأحد غيره لأن اللّه - عز وجل - أمره بأن يزداد في عبادته على ما أمر به الخلق أجمعون، لأنه فضله عليهم،
ثم وعده أن يبعثه مقاما محمودا.
والذي صحت به الرواية والأخبار في المقام المحمود أنه الشفاعة). [معاني القرآن: 3/256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} قال علقمة والأسود التهجد بعد النوم
قال أبو جعفر التهجد عند أهل اللغة التيقظ والسهر والهجود النوم يقال تهجد إذا سهر وهجد إذا نام
يروى عن مجاهد أن هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خصيصا وأن معنى نافلة لك للنبي صلى الله عليه وسلم خاص لأنه قد غفر له ذنوبه فهي ناقلة من أجل أنه لا يعملها في كفارة الذنوب والناس يعملون ما سوى المكتوبات لكفارات الذنوب
وقال غيره نافلة لك أي ليست بفرض لأن النفل كل ما لا يجب فعله والنافلة في اللغة الزيادة). [معاني القرآن: 4/184-183]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}
روى داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي
وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال كل عسى واجبة
قال أبو عبيدة يعني في القرآن). [معاني القرآن: 4/185-184]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والتهجد) السهر، ويقال: تهجدت إذا سهرت، وهجدت: إذا نمت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَتَهَجَّدَ}: اسهر). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ} [الإسراء: 80]، يعني: مدخله المدينة حين هاجر إليها.
أمره اللّه بهذا الدّعاء.
{وأخرجني مخرج صدقٍ} [الإسراء: 80]
[تفسير القرآن العظيم: 1/157]
تفسير الحسن: مخرج صدقٍ أي: إلى قتال أهل بدرٍ.
وقد كان أعلمه اللّه أنّه سيقاتل المشركين ببدرٍ، ويظهره اللّه عليهم.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: {مدخل صدقٍ} [الإسراء: 80] الجنّة {وأخرجني مخرج صدقٍ} [الإسراء: 80] أخرجه اللّه من مكّة إلى الهجرة بالمدينة.
{واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا} [الإسراء: 80] فأظهره اللّه عليهم يوم بدرٍ فقتلهم.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: علم نبيّ اللّه ألا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطانٍ، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب اللّه ولحدوده ولفرائضه ولإقامة الدّين.
وقال مجاهد: {سلطانًا نصيرًا} [الإسراء: 80] حجّةً بيّنةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/158]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وقل رّبّ أدخلني مدخل صدقٍ...}

قال له في المنصرف لمّا رجع من معسكره إلى المدينة حين أراد الشأم {وأخرجني مخرج صدقٍ} إلى مكة). [معاني القرآن: 2/129]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أدخلني مدخل صدقٍ} من أدخلت ومن جعله من دخلت قال: مدخل صدقٍ بفتح الميم). [مجاز القرآن: 1/389]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا}
{أدخلني مدخل صدق}.
ومدخل صدق، {وأخرجني مخرج صدق}.
وجاء في التفسير {أدخلني مدخل صدق} الجنّة،
{وأخرجني مخرج صدق} أي وأخرجني من مكة إلى المدينة.
وجاء أيضا مدخل ومخرج صدق دخوله المدينة وخروجه من مكة.
وجاء مدخل صدق ومخرج صدق الإدخال في الدين والخروج من الدنيا وهو على الحقّ، وجاء أيضا - وهو حسن - دخوله في الرسالة وخروجه مما يجب عليه فيها - صلى الله عليه وسلم - وكل ذلك حسن.
فمن قال مدخل - بضم الميم - فهو مصدر أدخلته مدخلا.
ومن قال مدخل صدق فهو على أدخلته فدخل مدخل صدق.
وكذلك شرح مخرج مثله.
وقوله: {واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} أي اجعل نصرتي من عندك بتسليطي بالقدرة والحجة، وقد أجاب اللّه - عزّ وجلّ - دعاءه وأعلمه أنه يعصمه من الناس،
فقال: واللّه يعصمك من النّاس)
وقال: {فإن حزب اللّه هم الغالبون}.
وقال: {ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون} ). [معاني القرآن: 3/257-256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق}
قال الحسن وقتادة هو دخول المدينة وخروجه من مكة
وقال الضحاك هو خروجه من مكة ودخوله مكة يوم الفتح آمنا
وقال مجاهد هو دخوله في الرسالة وأمر الله جل وعز). [معاني القرآن: 4/186-185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} قال الشعبي وعكرمة أي حجة ثابتة،
وقال مجاهد أي حجة وذهب الحسن إلى أنه العز والنصر وإظهار دينه على الدين كله). [معاني القرآن: 4/186]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقل جاء الحقّ} [الإسراء: 81] وهو القرآن.
{وزهق الباطل} [الإسراء: 81] وهو إبليس.
وهذا تفسير قتادة.
قال: {إنّ الباطل كان زهوقًا} [الإسراء: 81] والزّهوق: الدّاحض الذّاهب). [تفسير القرآن العظيم: 1/158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ)
: ({وزهق الباطل}: ذهب، يقال للسهم قد زهق إذا جاوز الغرض واستمر على جهته وزهقت نفسه إذا خرجت وأزهقتها أنا والزاهق الذاهب من قوله {فإذا هو زاهق}).
[غريب القرآن وتفسيره: 220]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}
روى معمر عن قتادة قال الحق القرآن والباطل الشيطان قال وزهق هلك). [معاني القرآن: 4/186]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وزهق الباطل} أي: بطل، وزهق - أيضا: مات، وزهق - أيضا: خرج، وزهق: سمن، وزهق: سقط،
يقال فيه كله: زهق). [ياقوتة الصراط: 313]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَزَهَقَ}: ذهب). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وننزّل من القرءان} [الإسراء: 82] ينزّل اللّه من القرآن.
{ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خسارًا} [الإسراء: 82] كلّما جاء في القرآن شيءٌ كذّبوا به فازدادوا فيه خسارًا إلى خسارهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/158]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
( وقوله جل وعز: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}

ليست من ههنا للتبعيض وإنما هي لبيان الجنس
والمعنى وننزل ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ثم بين فقال من القرآن كما قال سبحانه: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} ). [معاني القرآن: 4/187]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا أنعمنا على الإنسان} [الإسراء: 83]، يعني: المشرك، أعطيناه السّعة والعافية.
{أعرض} [الإسراء: 83] عن اللّه.
{ونأى بجانبه} [الإسراء: 83] وقال مجاهدٌ: تباعد منّا.
وهو واحدٌ.
{وإذا مسّه الشّرّ} [الإسراء: 83] الأمراض والشّدائد.
{كان يئوسًا} [الإسراء: 83] قال قتادة: يئس وقنط.
[تفسير القرآن العظيم: 1/158]
قال يحيى: يقول: يئس أن يفرج ذلك عنه؛ لأنّه ليست له نيّةٌ ولا حسبةٌ ولا رجاءٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/159]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كان يئوساً...}

إذا تركت الهمزة من قوله: {يؤوساً} فإن العرب تقول يوساً ويووساً تجمعون بين ساكنين وكذلك {ولا يؤوده حفظهما} وكذلك {بعذابٍ بئيسٍ} يقول بيس و(بييسٍ) و(ويؤوده) يجمعون ساكنين. فهذا كلام العرب: والقراء يقولون (يووساً) و(يووده) فيحرّكون الواو إلى الرفع و(بييسٍ) يحرّكون الياء الأولى إلى الخفض. ولم نجد ذلك في كلامهم،
لأن تحرك الياء والواو أثقل من ترك الهمزة، فلم يكونوا ليخرجوا من ثقل إلى ما هو أثقل منه). [معاني القرآن: 2/130]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نأي بجانبه} أي تباعد بناحيته وقربه.
{وإذا مسّه الشّرّ كان يئوساً} أي قنوطاً، أي شديد اليأس لا يرجو). [مجاز القرآن: 1/389]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشّرّ كان يئوساً}
وقال: {يئوساً} لأنه من "يئس"). [معاني القرآن: 2/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {نأى بجانبه}: أي تباعد.
{كان يؤسا}: من اليأس). [غريب القرآن وتفسيره: 220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ونأى بجانبه} أي تباعد.
{كان يؤساً} أي قانطا يائسا). [تفسير غريب القرآن: 260]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه}
قال مجاهد أي تباعد منا وقرأ يزيد بن القعقاع وناء بجانبه الهمزة مؤخرة واللغة الأولى أعرف وهذا على قلب الهمزة). [معاني القرآن: 4/187]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وإذا مسه الشر كان يؤوسا}
روى سعيد عن قتادة قال يئس قنط). [معاني القرآن: 4/188-187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أَعْرَضَ وَنئا بِجَانِبِهِ} أخبرنا أبو عمر - قال: أنا ثعلب عن ابن الأعرابي،
قال: يقال للمتكبر على الحق: أعرض ونأى بجانبه). [ياقوتة الصراط: 314]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَؤُوسا}: من اليأس). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قل كلٌّ يعمل على شاكلته} [الإسراء: 84] سعيدٌ، عن قتادة، قال: على ناحيته وما ينوي، أي: المؤمن على إيمانه والكافر على كفره.
{فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا} [الإسراء: 84]، أي: فهو يعلم أنّ المؤمن أهدى سبيلا من الكافر). [تفسير القرآن العظيم: 1/159]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قل كلٌّ يعمل على شاكلته...}:

ناحيته. وهي الطريقة والجديلة. وسمعت بعض العرب من قضاعة يقول: وعبد الملك إذ ذاك على جديلته وابن الزبير على جديلته. والعرب تقول: فلان على طريقة صالحة، وخيدبة صالحة، وسرجوجة. وعكل تقول. سرجيجة). [معاني القرآن: 2/130]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يعمل على شاكلته} أي على ناحيته وخليقته ومنها قولهم: هذا من شكل هذا). [مجاز القرآن: 1/389]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {على شاكلته}: أي على نيته التي هي من شكل فعله في التفسير. وقالوا على شاكلته: على ناحيته،
ويقال: إن لفلان لشاكلة من فلان أي ناحية). [غريب القرآن وتفسيره: 220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كلٌّ يعمل على شاكلته} أي على خليقته وطبيعته. وهو من الشّكل، يقال: لست على شكلي ولا شاكلتي).
[تفسير غريب القرآن: 260]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل كلّ يعمل على شاكلته فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا }
معناه على طريقته وعلى مذهبه، ويدل عليه: {فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا}.
أي أهدى طريقا. ويقال هذا طريق ذو شواكل، أي يتشعّب منه طرق جماعة). [معاني القرآن: 3/257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل كل يعمل على شاكلته} قال الحسن على نيته
وقال مجاهد أي على حدته وعلى طبيعته وقال الضحاك على ناحيته وهذا يرجع إلى قول الحسن ومجاهد
وحقيقة المعنى والله أعلم كل يعمل على النحو الذي جرت به عادته وطبعة
والمعنى وليس ينبغي أن يكون كذلك إنما ينبغي أن يتبع الحق حيث كان وقد ظهرت البراهين وتبين الحق
قال أبو جعفر وهذا يرجع إلى قول الحسن). [معاني القرآن: 4/188]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {على شاكلته} : على طبعه وشكله). [ياقوتة الصراط: 314]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {على شاكلته} أي على طبيعته وخليقته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شَاكِلَتِهِ}: نيته طريقته). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح} [الإسراء: 85]
يحيى، عن صاحبٍ له، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، أنّ ناسًا من اليهود لقوا نبيّ اللّه وهو على بغلته، فسألوه عن الرّوح، فأنزل اللّه: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85].
وفي تفسير الكلبيّ أنّ المشركين بعثوا رسلا إلى المدينة فقالوا لهم: سلوا اليهود عن محمّدٍ، وصفوا لهم نعته وقوله، ثمّ ائتونا فأخبرونا.
فانطلقوا حتّى قدموا المدينة فوجدوا بها علماء اليهود من كلّ أرضٍ قد اجتمعوا فيها لعيدٍ لهم، فسألوهم عن محمّدٍ ونعتوا لهم نعته، فقال لهم حبرٌ من أحبار اليهود: إنّ هذا لنعت النّبيّ الّذي نتحدّث أنّ اللّه باعثه في هذه الأرض.
فقالت لهم رسل قريشٍ: إنّه فقيرٌ، عائلٌ، يتيمٌ، لم يتبعه من قومه من أهل الرّأي أحدٌ ولا من ذوي الأسنان.
فضحك الحبر وقال كذلك نجده.
قالت لهم رسل قريشٍ: فإنّه يقول قولا عظيمًا، يدعو إلى الرّحمن، ويقول: إنّ الّذي باليمامة السّاحر الكذّاب، يعنون مسيلمة.
فقالت لهم اليهود: اذهبوا فسلوا صاحبكم عن خلالٍ ثلاثٍ، فإنّ الّذي باليمامة قد عجز عنهنّ.
فأمّا اثنتان من الثّلاث فإنّه لا يعلمهما إلا نبيٌّ، فإن أخبركم بهما فقد صدق.
وأمّا الثّالثة فلا يجترئ عليها أحدٌ.
فقالت لهم رسل قريشٍ: أخبرونا بهنّ.
فقالت لهم اليهود: سلوه عن أصحاب الكهف والرّقيم.
فقصّوا عليهم قصّتهم.
وسلوه عن ذي القرنين، وحدّثوهم بأمره.
وسلوه عن الرّوح، فإن أخبركم فيه بشيءٍ فهو كاذبٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/159]
فرجعت رسل قريشٍ إليهم فأخبروهم بذلك، فأرسلوا إلى النّبيّ فلقيهم، فقالوا: يابن عبد المطّلب، إنّا سائلوك عن خلالٍ ثلاثٍ فإن أخبرتنا بهنّ فأنت صادقٌ وإلا فلا تذكرنّ آلهتنا بشيءٍ.
فقال لهم رسول اللّه: «وما هنّ؟».
قالوا: أخبرنا عن أصحاب الكهف فإنّا قد أخبرنا عنهم بآيةٍ بيّنةٍ، وأخبرنا عن ذي القرنين فإنّا قد أخبرنا عنه بأمرٍ بيّنٍ، وأخبرنا عن الرّوح.
فقال لهم رسول اللّه: أنظروني حتّى أنظر ماذا يحدث إليّ فيه ربّي.
قالوا: فإنّا ناظروك فيه ثلاثًا.
فمكث نبيّ اللّه ثلاثة أيّامٍ لا يأتيه جبريل، ثمّ أتاه، فاستبشر به النّبيّ وقال: «يا جبريل، قد رأيت ما سأل عنه قومي ثمّ لم تأتني»، قال له جبريل: {وما نتنزّل إلا بأمر ربّك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربّك نسيًّا} [مريم: 64] فإذا شاء ربّك أرسلني إليك، ثمّ قال له جبريل: إنّ اللّه قال: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من
العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85].
ثمّ قال له: {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم} [الكهف: 9] فذكر قصّتهم.
قال: {ويسألونك عن ذي القرنين} [الكهف: 83] فذكر قصّته.
ثمّ لقي رسول اللّه قريشًا في آخر اليوم الثّالث فقالوا: ماذا أحدث إليك ربّك في الّذي سألناك عنه؟ فقصّه عليهم.
فعجبوا، وغلب عليهم الشّيطان أن يصدّقوه.
- هشامٌ، عن قتادة، أنّ ابن عبّاسٍ فسّر الرّوح مرّةً واحدةً ثمّ كفّ عن تفسيرها.
وأحسب أنّ هشامًا أو غيره ذكر أنّ قتادة فسّرها مرّةً ثمّ كفّ.
وقال السّدّيّ: الرّوح ملكٌ من الملائكة في السّماء السّابعة، ووجهه على صورة الإنسان وجسده على صورة الملائكة، وذلك قوله في عم يتساءلون: {يوم يقوم الرّوح} [النبأ: 38]، يعني ذلك الملك، وهو أعظم من كلّ مخلوقٍ، وتحت العرش، وهو حافظٌ على الملائكة يقوم على يمين العرش صفًّا واحدًا والملائكة صفٌّ، فذلك قوله: {ويسألونك عن الرّوح} [الإسراء: 85]، يعني ذلك الملك {قل الرّوح من
أمر ربّي} [الإسراء: 85] لم يحيطوا به علمًا.
[تفسير القرآن العظيم: 1/160]
وتفسير الحسن أنّ الرّوح القرآن.
قال: {قل الرّوح من أمر ربّي} [الإسراء: 85] من وحي ربّي {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]، أي: إنّ علمكم الّذي أتاكم اللّه قليلٌ في علم اللّه.
وبلغني عن الأعمش، عن بعض أصحابه التّابعين قال: الرّوح خلقٌ من خلق اللّه لهم أيدٍ وأرجلٌ.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: لقيت اليهود نبيّ اللّه فتعنّتوه وسألوه عن الرّوح، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين.
فأنزل اللّه: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]، أي: اليهود.
- مالك بن أنسٍ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " خمسٌ لا يعلمهنّ إلا اللّه: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزّل الغيث} [لقمان: 34] إلى آخر السّورة.
الآيات الخمس "). [تفسير القرآن العظيم: 1/161]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قل الرّوح من أمر ربّي...}

يقول: من علم ربّي، ليس من علمكم). [معاني القرآن: 2/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرُّوح- فيما ذكر المفسرون-: مَلَكٌ عظيم من ملائكة الله يقوم وحده فيكون صفا وتقوم الملائكة صفّا
قال: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} ، وقال عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}.
ويقال للملائكة: الرُّوحانيُّون، لأنهم أرواح، نسبوا إلى الرُّوح- بالألف والنون- لأنها نسبة الخلقة، كما يقال: رقبانيّ وشعرانيّ). [تأويل مشكل القرآن: 486]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا}
سألت اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم -عن الروح وهم مقدرون أن يجيبهم بغير ما علم من تفسيرها، فأعلمهم أن الروح من أمر اللّه.
ثم قال: {وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا} فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أوتينا التوراة، وفيها الحكمة، وقد تلوت: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}.
فأعلمهم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ علم التوراة قليل في علم اللّه.
فقال: {ولو أنّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه}
أي ما نفدت الحكمة التي يأتي بها اللّه عزّ وجلّ، فالتوراة قليلة بالإضافة إلى كلمات اللّه.
وقليل وكثير لا يصح إلا بالإضافة، فإنما يقل الشيء عندما يعلم أكثر منه، وكذلك يكثر عند معلوم هو أقل منه.
وقد اختلف الناس في تفسير الروح فقيل إن الروح جبريل ومن تأول ذلك فدليله قوله: {نزل به الرّوح الأمين * على قلبك}.
وقيل إن الروح خلق لخلق بني آدم في السماء.
وقال بعض المفسرين: إن الروح إنما يعنى به القرآن.
قال: ودليل ذلك قوله: ({كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} وكذلك قيل: الروح من أمر ربي، وتأويله تسمية القرآن بالروح أن القرآن حياة القلوب وحياة النفس فيما تصير إليه من الخير عند اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 3/258-257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}
روي عن عبد الله بن مسعود قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسألته اليهود عن الروح فسكت فحسبت أنه يوحى اليه فتنحيت فأنزل عليه {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
يعني اليهود فقالوا نجد مثله في التوراة قل الروح من أمر ربي
قال أبو جعفر وقد تكلم العلماء في الروح
فروى عطاء عن ابن عباس قال الروح ملك له أحد عشر ألف جناح وألف وجه يسبح الله إلى يوم القيامة
وقال أبو صالح الروح خلق كخلق بني آدم وليسوا بني آدم لهم أيد وأرجل
وقيل الروح جبريل عليه السلام واحتج صاحب هذا القول بقوله سبحانه: {نزل به الروح الأمين}
قال محمد بن إسحاق وزعموا أنه ناداهم يعني النبي صلى الله عليه وسلم الروح جبريل وكذا روى عن ابن عباس والحسن
قال ابن عباس وجبريل قائم بين يدي الله جل ثناؤه يوم القيامة
وقيل هو عيسى صلى الله عليه وسلم أي هو من أمر الله وليس كما يقول النصارى
وقيل الروح القرآن لقوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} والله أعلم بما أراد غير أنه قد أخبرنا أنه من أمر الله جل وعز
فإن قال قائل كيف قيل لليهود وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وقد أوتوا التوراة
فالجواب أن قليلا وكثيرا إنما يعرفان بالإضافة إلى غيرهما فإذا أضيفت التوراة إلى علم الله جل وعز كانت قليلا من كثير ألا ترى إلى قوله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} ). [معاني القرآن: 4/191-189]

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك} [الإسراء: 86]، يعني القرآن حتّى لا يبقى منه شيءٌ.
{ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلا} [الإسراء: 86] وليًّا يمنعك من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/161]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلا}

أي لو شئنا لمحوناه من القلوب ومن الكتب حتى لا يوجد له أثر.
{ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلا} أي لا تجد من يتوكل في رد شيء منه). [معاني القرآن: 3/259-258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}
أي لو شئنا لأذهبناه من الصدور والكتب ثم لا تجد لك به علينا وكيلا أي من يتوكل في رده
قال الحسن أي يمنعك منا إذا أردناك). [معاني القرآن: 4/192-191]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({إلا رحمةً من ربّك} [الإسراء: 87] فيها إضمارٌ، يقول: وإنّما أنزلناه عليك رحمةً من ربّك.
{إنّ فضله كان عليك كبيرًا} [الإسراء: 87] يقول: أعطاك النّبوّة وأنزل عليك القرآن.
- حمّادٌ، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: ليسرينّ على القرآن ليلةً، فلا تبقى منه آية في قلب رجلٍ ولا مصحفٍ إلا رفعت). [تفسير القرآن العظيم: 1/161]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إلاّ رحمةً مّن رّبّك...}

استثناء كقوله: {إلاّ حاجةً في نفس يعقوب قضاها}). [معاني القرآن: 2/130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إلّا رحمة من ربّك إنّ فضله كان عليك كبيرا }
استثناء ليس من الأول، والمعنى ولكن اللّه رحمك فأثبت ذلك في قلبك وقلوب المؤمنين. ثم احتج اللّه عليهم بعد احتجاجه بقوله {قل كونوا حجارة أو حديدا} بالقرآن فأعلمهم - وهم العرب العاربة أهل البيان، ولهم تأليف الكلام - فقال لهم:
{قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} ). [معاني القرآن: 3/259]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {إلا رحمة من ربك} إن فضله كان عليك كبيرا وهذا استثناء ليس من الأول أي لكن الله ثبته رحمة منه وتفضلا). [معاني القرآن: 4/192]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 06:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 88 إلى آخر السورة]

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}


تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا} [الإسراء: 88]، أي: عوينًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/161]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون...}

جواب لقوله: {لئن} والعرب إذا أجابت (لئن) (لا) جعلوا ما بعد لا رفعا؛ لأن (لئن) كاليمين، وجواب اليمين (لا) مرفوعٌ. وربما جزم الشاعر، لأن (لئن) إن التي يجازى بها زيدت عليها لام، فوجّه الفعل فيها إلى فعل، ولو أتى بيفعل لجاز جزمه. وقد جزم بعض الشعراء بلئن، وبعضهم بلا التي هي جوابها.
قال الأعشى:

لئن منيت بنا عن غبّ معركة = لا تلفنا من دماء القوم ننتفل
وأنشدتني امرأة عقيليّة فصيحة:

لئن كان ما حدّثته اليوم صادقاً = أصم في نهار القيظ للشمس باديا
وأركب حماراً بين سرج وفروة = وأعر من الخاتام صغرى شماليا
قال وأنشدني الكسائي للكميت بن معروف:
لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم = ليعلم ربّي أنّ بيتي واسع
وقوله: {لبعضٍ ظهيراً} الظهير العون). [معاني القرآن: 2/131-130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً} أي عونا). [تفسير غريب القرآن: 261]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا }
والظهير المعين). [معاني القرآن: 3/259]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} قال الحسن أي معينا). [معاني القرآن: 4/192]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ظهيرا} أي: معينا). [ياقوتة الصراط: 314]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ظهيرا} عونا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد صرّفنا للنّاس} [الإسراء: 89] ضربنا للنّاس، {في هذا القرءان من كلّ مثلٍ فأبى أكثر النّاس إلا كفورًا {89} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/161]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ولقد صرّفنا للنّاس في هذا القرآن} أي وجّهنا وبيّنا).
[مجاز القرآن: 1/390]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولقد صرّفنا} أي وجهنا القول فيه بكل مثل. وهو من قولك: صرفت إليك كذا، أي عدلت به إليك.
وشدد ذلك للتكثير. كما يقال: فتّحت الأبواب). [تفسير غريب القرآن: 261]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} أي وجهنا القول بكل مثل وهو من قوله صرفت اليك كذا أي عدلت به إليك). [معاني القرآن: 4/193]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({في هذا القرءان من كلّ مثلٍ فأبى أكثر النّاس إلا كفورًا {89} وقالوا لن نؤمن لك} [الإسراء: 89-90] لن نصدّقك.
{حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90]، أي: عيونًا ببلدنا هذا). [تفسير القرآن العظيم: 1/161]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير الكلبيّ في قوله: {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90]، قال: بلغنا، واللّه أعلم، أنّ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزوميّ هو الّذي قال ذلك حين اجتمع الرّهط من قريشٍ بفناء الكعبة فسألوا نبيّ اللّه أن يبعث لهم بعض أمواتهم، ويسخّر لهم الرّيح، أو يسيّر لهم جبال مكّة، فلم يفعل شيئًا ممّا أرادوا، فقال عبد اللّه بن أبي أميّة عند ذلك: أما
تستطيع يا محمّد أن تفعل بقومك بعض ما سألوك، فوالّذي يحلف به عبد اللّه بن أبي أميّة لا أومن لك، أي: لا أصدّقك أبدًا حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا: عيونًا في تفسير مجاهدٍ وقتادة والكلبيّ.
{أو تكون لك جنّةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها} [الإسراء: 91] يقول: بينها
{تفجيرًا {91} أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} [الإسراء: 91-92] قطعًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/162]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {من الأرض ينبوعاً...}.

الذي ينبع، ويقال: ينبع لغتان. و(تفجر) قرأها يحيى بن وثّاب وأصحاب عبد الله بالتخفيف. وكأن الفجر مرة واحد و(تفجّر) فكأن التفجير من أماكن.
وهو بمنزلة فتحت الأبواب وفتّحتها). [معاني القرآن: 2/131]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً} وهي يفعول من تبع الماء، أي ظهر وفاض). [مجاز القرآن: 1/390]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ينبوعا}: من نبع الماء). [غريب القرآن وتفسيره: 220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ينبوعاً} أي عينا. وهو مفعول من نبع ينبع. ومنه يقال لمال على رحمه اللّه: ينبع). [تفسير غريب القرآن: 261]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا}
هذا قولهم بعد أن انقطعت حجتهم ولم يأتوا بسورة من القرآن ولا دفعوا أن يكون معجزة، فاقترحوا من الآيات ما ليس لهم، لأن الذي أتاهم به من القرآن وانشقاق القمر وما دلهم به على توحيد اللّه أبلغ وأعجز في القدرة مما اقترحوا، فقالوا: {حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا}.
والينبوع تقديره تقدير يفعول، من نبع الشيء). [معاني القرآن: 3/259]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم أخبر الله أنهم لما عجزوا أن يأتوا بمثله وانقطعت حجتهم اقترحوا الآيات،
فقال جل وعز: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} وقد أراهم الله من الآيات ما هو أكثر من هذا من انشقاق القمر وغير ذلك
وقال مجاهد ينبوع عيون
قال أبو جعفر وهو عند أهل اللغة من نبع ينبع وينبع
ومنه سمي مال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينبع). [معاني القرآن: 4/194-193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ينبوعا} عينا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَنْبوعاً}: فهو ينبع من الأرض). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({أو تكون لك جنّةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها} [الإسراء: 91] خلال تلك الجنّة، {تفجيرًا {91} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/162]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير الكلبيّ في قوله: {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90]، قال: بلغنا، واللّه أعلم، أنّ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزوميّ هو الّذي قال ذلك حين اجتمع الرّهط من قريشٍ بفناء الكعبة فسألوا نبيّ اللّه أن يبعث لهم بعض أمواتهم، ويسخّر لهم الرّيح، أو يسيّر لهم جبال مكّة، فلم يفعل شيئًا ممّا أرادوا، فقال عبد اللّه بن أبي أميّة عند ذلك: أما
تستطيع يا محمّد أن تفعل بقومك بعض ما سألوك، فوالّذي يحلف به عبد اللّه بن أبي أميّة لا أومن لك، أي: لا أصدّقك أبدًا حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا: عيونًا في تفسير مجاهدٍ وقتادة والكلبيّ.
{أو تكون لك جنّةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها} [الإسراء: 91] يقول: بينها
{تفجيرًا {91} أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} [الإسراء: 91-92] قطعًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/162] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({تفجيرًا {91} أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} [الإسراء: 91-92] قطعًا في تفسير قتادة.
وقال في آية أخرى: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفًا من السّماء} [سبأ: 9] وقال: {وإن يروا كسفًا} [الطور: 44] والكسف: القطعة {من السّماء ساقطًا يقولوا سحابٌ مركومٌ} [الطور: 44] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/162]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير الكلبيّ في قوله: {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90]، قال: بلغنا، واللّه أعلم، أنّ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزوميّ هو الّذي قال ذلك حين اجتمع الرّهط من قريشٍ بفناء الكعبة فسألوا نبيّ اللّه أن يبعث لهم بعض أمواتهم، ويسخّر لهم الرّيح، أو يسيّر لهم جبال مكّة، فلم يفعل شيئًا ممّا أرادوا، فقال عبد اللّه بن أبي أميّة عند ذلك: أما
تستطيع يا محمّد أن تفعل بقومك بعض ما سألوك، فوالّذي يحلف به عبد اللّه بن أبي أميّة لا أومن لك، أي: لا أصدّقك أبدًا حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا: عيونًا في تفسير مجاهدٍ وقتادة والكلبيّ.
{أو تكون لك جنّةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها} [الإسراء: 91] يقول: بينها
{تفجيرًا {91} أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} [الإسراء: 91-92] قطعًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/162] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا} [الإسراء: 92] قال قتادة: أي نعاينهم معاينةً.
وقال مجاهدٌ: قبيلا: على حدّتها.
قال يحيى: وقال في آية أخرى: {أو جاء معه الملائكة مقترنين} [الزخرف: 53] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/162]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كما زعمت علينا كسفاً...}.

و {كسفاً} الكسف: الجماع. قال: سمعت أعرابيّا يقول لبزّاز ونحن بطريق مكة: أعطني كسفة أي قطعة. والكسف مصدر. وقد تكون الكسف جمع كسفة وكسف.
وقوله: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} أي كفيلا). [معاني القرآن: 2/131]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {علينا كسفاً} من القطع فيجوز أن يكون واحداً أي قطعة، ويجوز أن يكون جميع كسفة فيخرج مخرج سدرة والجميع سدر، ويجوز أن تفتح ثاني حروفه فيخرج مخرج كسرة والجميع كسر، يقال: جاءنا بثريد كف، أي قطع خبز لم تثرد.
{والملائكة قبيلاً} مجازه: مقابلة، أي معاينة وقال:
نصالحكم حتى تبوؤا بمثلها= كصرخة حبلى بشّرتها قبيلها
أي قابلتها؛ فإذا وصفوا بتقدير فعيل من قولهم: قابلت ونحوها جعلوا لفظ صفة الأثنين والجميع من المذكر والمؤنث على لفظ واحد، نحو قولك: هي قبيلي وهما قبيلي وهم قبيلي وكذلك هن قبيلي). [مجاز القرآن: 1/391-390]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {كسفا}: قطعا ومن قال كسفا جعله جمع كسفة وهي القطعة.
[غريب القرآن وتفسيره: 220]
{والملائكة قبيلا}: جميعا وقال بعضهم معاينة ومقابلة). [غريب القرآن وتفسيره: 220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كسفاً} أي قطعا. الواحد: كسفة.
{أو تأتي باللّه والملائكة قبيلًا} أي ضمينا. يقال: قبلت به، أي كفلت به. وقال أبو عبيدة: معاينة. ذهب إلى المقابلة). [تفسير غريب القرآن: 261]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا }
(كسفا) و (كسفا)، فمن قرأ (كسفا) جعلها جمع كسفة، وهي القطعة.
ومن قرأ (كسفا) فكأنّه قال أو تسقطها طبقا علينا، واشتقاقه من كسفت الشيء إذا غطيته.
وقوله: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا}.
في " قبيل " قولان، جائز أن يكون. تأمر بهم حتى نراهم مقابلة.
وأن يكون قبيلا كفيلا، يقال قبلت به أقبل قبالة، كقولك: كفلت به أكفل كفالة،
وكذلك قول الناس: قد تقبل فلان بهذا أي تكفل به). [معاني القرآن: 3/260-259]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا}
روى معمر عن قتادة قال كسفا قطعا
وحكى الفراء أنه سمع أعرابيا يقول أعطني كسفه من هذا الثوب أي قطعة
ويقرأ كسفا والمعنى على هذه القراءة للسماء كلها أي طبقا
واشتقاقه من كسفت الشيء أي غطيته). [معاني القرآن: 4/194]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا}
روى معمر وسعيد عن قتادة قال {قبيلا} أي عيانا
قال أبو جعفر ذهب إلى أنه من المقابلة
وقال غيره قبيلا أي كفيلا يقال قبلت به أي كفلت وتقبل فلان بكذا أي تكفل به). [معاني القرآن: 4/195-194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والملائكة قبيلا} أي ضمينا وقيل: معاينة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 140]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كِسَفاً}: قطعا.
{قَبيلاً}: جميعا). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} [الإسراء: 93] والزّخرف: الذّهب في تفسير قتادة والسّدّيّ، وقد ذكر ذلك قتادة عن ابن عبّاسٍ.
قال: {أو ترقى} [الإسراء: 93] تصعد.
{في السّماء ولن نؤمن لرقيّك} [الإسراء: 93] لصعودك.
{حتّى تنزّل علينا كتابًا نقرؤه} [الإسراء: 93] من اللّه إلى عبد اللّه بن أبي أميّة بن المغيرة: إنّي أرسلت محمّدًا، وتجيء بأربعةٍ من الملائكة يشهدون أنّ اللّه هو كتبه، ثمّ واللّه ما أدري بعد ذلك هل أؤمن لك، يقول أصدّقك أم لا.
قال اللّه لنبيّه: {قل سبحان ربّي هل كنت إلا بشرًا رسولا} [الإسراء: 93] وقال مجاهدٌ: {حتّى تنزّل علينا كتابًا نقرؤه} [الإسراء: 93] من ربّ العالمين، كلّ رجلٍ منّا تصبح عند رأسه صحيفةٌ موضوعةٌ يقرؤها.
وقال قتادة: {حتّى تنزّل علينا كتابًا نقرؤه} [الإسراء: 93] خاصّةٌ نؤمر فيه باتّباعك.
قال: {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} [الإسراء: 93] من ذهبٍ {أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك} [الإسراء: 93] أيضًا، فإنّ السّحرة قد تفعل ذلك فتأخذ بأعين النّاس، {حتّى تنزّل علينا كتابًا نقرؤه} [الإسراء: 93] إلى كلّ إنسانٍ منّا بعينه: من اللّه إلى فلان بن فلانٍ، وفلان بن فلانٍ وفلان بن فلانٍ، أن آمن بمحمّدٍ فإنّه رسولي.
أظنّه في تفسير الحسن وهو قوله: {بل يريد كلّ امرئٍ منهم أن يؤتى صحفًا منشّرةً} [المدثر: 52]، يعني: كتابًا من اللّه.
{قل سبحان ربّي هل كنت إلا بشرًا رسولا} [الإسراء: 93] هل كانت الرّسل تأتي بهذا فيما مضى، أن تأتي بكتابٍ من اللّه إلى كلّ إنسانٍ بعينه؟ كلا أنتم أهون على اللّه من أن يفعل بكم هذا.
فقالوا: لن نؤمن لك، لن نصدّقك حتّى تأتينا بخصلةٍ من هذه الخصال). [تفسير القرآن العظيم: 1/163]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أو ترقى في السّماء...}

المعنى: إلى السماء. غير أن جوازه أنهم قالوا: أو تضع سلّما فترقى عليه إلى السماء، فذهبت (في) إلى السلّم.
وقوله: {وما منع النّاس أن يؤمنوا} أن في موضع نصب {إلاّ أن قالوا} (أن) في موضع رفع.
{أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} ... حدثني حبّان عن الكلبيّ قال: الزخرف: الذهب). [معاني القرآن: 2/132-131]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بيتٌ من زخرفٍ} وهو مصدر المزخرف وهو المزيّن). [مجاز القرآن: 1/391]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {زخرف}: مزخرف مزين). [غريب القرآن وتفسيره: 221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بيتٌ من زخرفٍ} أي من ذهب). [تفسير غريب القرآن: 261]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربّي هل كنت إلّا بشرا رسولا}
جاء في التفسير أن معناه بيت من ذهب، وأصل الزخرف في اللغة والزخرفة الزينة، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها} أي أخذت كمال زينتها.
وزخرفت الشيء إذا أكملت زينته، ولا شيء في تزيين بيت وتحسينه، وزخرفته كالذهب.
فليس يخرج ما فسروه عن الحق في هذا.
وقوله: {أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك}.
يقال في الصعود: رقيت أرقى رقيا، ويقال فيما تداويه بالعوذة: رقيت أرقى رقية ورقيا.
وقوله: {حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه}.
أي حتى تنزّل علينا كتابا يشهد بنبوتك.
فأعلم اللّه - جل ثناؤه - أن ذلك لو نزل عليهم لم يؤمنوا فقال: {ولو نزّلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحر مبين}.
فإذا كانوا يدعون فيما يعجز عنه أنه سحر فكيف يوصل إلى تبصيرهم والتبيين لهم بأكثر مما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الآية الباقية، وهي القرآن، ومن الأنباء ما يدبرونه بينهم وبما يخبرهم به من أخبار الأمم السالفة، وهو لم يقرأ كتابا ولا خطه بيمينه، وقد أنبأ - صلى الله عليه وسلم - ودل على نبوته كل ما يخطر بالبال). [معاني القرآن: 3/260]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أو يكون لك بيت من زخرف}
روى مجاهد قال كنا لا ندري ما الزخرف فرأيناه في قراءة ابن مسعود أو يكون لك بيت من ذهب
وقال أبو جعفر الزخرف في اللغة الزينة والذهب من الزينة). [معاني القرآن: 4/195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} أي كتابا بنبوتك
فأعلم الله أنه لو فعل بهم ذلك ما آمنوا فقال تعالى: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} ). [معاني القرآن: 4/196-195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا}
فاعلم الله أن الأعدل الأبلغ أن يبعث إلى كل خلق من كان من جنسه فقال قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا فقالوا من يشهد لك بهذا فقال جل وعز: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم} ). [معاني القرآن: 4/196]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من زخرف} الزخرف - هاهنا: الذهب). [ياقوتة الصراط: 315]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بيت من زخرف} أي من ذهب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 140]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {زُخْرُفٍ}: مزيّن حسن). [العمدة في غريب القرآن: 185]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما منع النّاس} [الإسراء: 94]، يعني: المشركين.
{أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث اللّه بشرًا رسولا} [الإسراء: 94] على الاستفهام.
وهذا الاستفهام على إنكارٍ منهم.
أي: لم يبعث اللّه بشرًا رسولا فلو كان من الملائكة لآمنّا به). [تفسير القرآن العظيم: 1/163]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وما منع النّاس أن يؤمنوا} أن في موضع نصب {إلاّ أن قالوا} (أن) في موضع رفع).
[معاني القرآن: 2/132]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما منع النّاس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلّا أن قالوا أبعث اللّه بشرا رسولا}
موضع (أن) نصب.
وقوله: {إلّا أن قالوا}.
موضع {أن قالوا} رفع، المعنى ما منعهم من الإيمان إلا قولهم: (أبعث اللّه بشرا رسولا).
فأعلم اللّه أن الأعدل عليهم، والأبلغ في الأداء إليهم بشر مثلهم وأعلمهم أن {لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنّين} أي يمشون مستوطنين الأرض {لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا}، لأنه لا يرسل إلى خلق إلا ما كان من جنسه). [معاني القرآن: 3/261-260]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه لنبيّه: {قل لو كان} [الإسراء: 95] معه.
{في الأرض ملائكةٌ يمشون مطمئنّين} [الإسراء: 95] قد اطمأنّت بهم الدّار، أي: هي مسكنهم.
{لنزّلنا عليهم من السّماء ملكًا رسولا} [الإسراء: 95] ولكن فيها بشرٌ، فأرسلنا إليهم بشرًا مثلهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/164]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قل كفى باللّه شهيدًا بيني وبينكم} [الإسراء: 96] أنّي رسوله.
{إنّه كان بعباده خبيرًا بصيرًا} [الإسراء: 96] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/164]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم إنّه كان بعباده خبيرا بصيرا}

قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - من يشهد لك بأنك رسول اللّه، فقال: اللّه يشهد لي.
و {كفى باللّه شهيدا} في موضع رفع، المعنى كفى اللّه شهيدا.
و (شهيدا) منصوب على نوعين، إن شئت على التمييز، كفى اللّه من الشهداء، وإن شئت على الحال، المعنى كفى اللّه في حال الشهادة). [معاني القرآن: 3/261]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن يهد اللّه فهو المهتد} [الإسراء: 97] ولا يستطيع أحدٌ أن يضلّه.
{ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء} [الإسراء: 97] وقال يحيى: أولياءٌ من دونه، يمنعونهم من عذاب اللّه.
قال: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميًا وبكمًا وصمًّا} [الإسراء: 97] إمّا عميًا: فعموا في النّار حين دخلوها فلم يبصروا فيها شيئًا، وهي سوداء مظلمةٌ لا يضيء لهبها.
وبكمًا: خرسًا، انقطع كلامهم حين قال: {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 108] وقد فسّرناه في غير هذا الموضع.
وصمًّا: ذهب الزّفير والشّهيق بسمعهم فلا يسمعون معه شيئًا.
وقال في آية أخرى: {وهم فيها لا يسمعون} [الأنبياء: 100].
قوله: {كلّما خبت} [الإسراء: 97] وخبوّها أنّها تأكل كلّ شيءٍ: الجلد، والعظم، والشّعر، والبشر، والأحشاء، حتّى تهجم على الفؤاد، فلا يريد اللّه أن تأكل أفئدتهم، فإذا انتهت إلى الفؤاد خبت، سكنت فلم تشعر بهم وتركت فؤاده تصيح، ثمّ يجدّد خلقهم فيعود فتأكلهم.
فلا يزالون كذلك، وهو قوله: {كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها} [النساء: 56].
وقال المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ: {كلّما خبت} [الإسراء: 97] كلّما طفئت أسعرت). [تفسير القرآن العظيم: 1/164]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {كلّما خبت زدناهم سعيراً} أي تأججا، وخبت سكنت قال الكميت:

ومنّا ضرارٌ وأبنماه وحاجبٌ= مؤجّج نيران المكارم لا المخبى
قال: ولا تكون لزيادة إلا على أقل منها قبل الزيادة قال القطامىّ:
وتخبو ساعة وتشبّ ساعا
ولم يذكر ها هنا جلودهم فيكون الخبوّ لها). [مجاز القرآن: 1/391]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {كلما خبت}: سكنت). [غريب القرآن وتفسيره: 221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كلّما خبت} أي سكنت. يقال: خبت النار - إذا سكن لهبها - تخبو. فإن سكن اللهب ولم يطفأ الجمر.
قلت: خمدت تخمد خمودا.
فإن طفئت ولم يبق منها شيء، قيل: همدت تهمد همودا.
{زدناهم سعيراً} أي نارا تتسعّر، أي تتلهب). [تفسير غريب القرآن: 261]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصمّا مأواهم جهنّم كلّما خبت زدناهم سعيرا }
{كلّما خبت زدناهم سعيرا} أي كلما خمدت، ونضجت جلودهم ولحومهم بدلهم اللّه غيرها ليذوقوا العذاب). [معاني القرآن: 3/261]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما}
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم
قال ابن عباس عميا لا يرون شيئا يسرهم وبكما لا ينطقون بحجة وصما لا يسمعون ما يسرون به). [معاني القرآن: 4/197-196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا}
قال مجاهد كلما خبت أي كلما طفئت أو قدت وقال الضحاك كلما سكنت
قال أبو جعفر يقال خبت النار إذا سكن لهبها فإن سكن لهبها وعاد الجمر رمادا قيل كبت فإن طفيء بعض الجمر وسكن اللهب قيل خمدت فإن طفئت كلها قيل:
همدت تهمد همودا.
ومعنى زدناهم سعيرا زدناهم نارا تسعر أي تلتهب). [معاني القرآن: 4/198-197]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {كلما خبت} أي: سكن لهيبها، فإذا تغير جمرها عن بريقه قيل: همدت). [ياقوتة الصراط: 315]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خبت} سكنت من اللهب، فإن سكن الجمر قيل: خمدت، فإن طفئت قيل: همدت همودا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 140]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خَبَتْ}: سكنت). [العمدة في غريب القرآن: 185]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك جزاؤهم بأنّهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنّا عظامًا ورفاتًا أإنّا لمبعوثون خلقًا جديدًا} [الإسراء: 98] على الاستفهام، أي: إنّ هذا ليس بكائنٍ، يكذّبون بالبعث). [تفسير القرآن العظيم: 1/165]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :
( {ورفاتا} الرفات: فتات الطعام، إذا فتت).
[ياقوتة الصراط: 315]


تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {أولم يروا أنّ اللّه الّذي خلق السّموات والأرض} [الإسراء: 99] وهم يقرّون أنّه خلق السّموات، وهو قوله: {ولئن سألتهم من خلق السّموات والأرض ليقولنّ اللّه} [لقمان: 25].
فخلق السّموات والأرض أكبر من خلق النّاس، واللّه خلقهم فهو {قادرٌ على أن يخلق مثلهم} [الإسراء: 99]، يعني: البعث.
وقال في آية أخرى: {أوليس الّذي خلق السّموات والأرض بقادرٍ على أن يخلق مثلهم} [يس: 81].
قال: {وجعل لهم أجلا لا ريب فيه} [الإسراء: 99] لا شكّ فيه، القيامة.
{فأبى الظّالمون} [الإسراء: 99] المشركون.
{إلا كفورًا} [الإسراء: 99] بالقيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/165]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي} [الإسراء: 100].
قال: {إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق} [الإسراء: 100] قال قتادة: خشية الفاقة.
{وكان الإنسان قتورًا} [الإسراء: 100] بخيلا، يقتر على نفسه وعلى غيره.
يخبر أنّهم بخلاء أشحّاء، يعني المشركين.
هذا تفسير الحسن.
وقال قتادة: بخيلا، مسيكًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/165]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {قل لو أنتم تملكون} معناه: لو تملكون أنتم.

{وكان الإنسان قتوراً} أي مقتراً). [مجاز القرآن: 1/392]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قتورا}: مقترا). [غريب القرآن وتفسيره: 221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وكان الإنسان قتوراً} أي ضيّقا بخيلا). [تفسير غريب القرآن: 261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} يعني مفاتيح رزقه). [تأويل مشكل القرآن: 146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا}
هذا جواب لقولهم: {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا}
فأعلمهم اللّه - جل وعلا - أنهم لو ملكوا خزائن الأرزاق لأمسكوا شحّا وبخلا، فقال:
{إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا} يعنى بالإنسان ههنا الكافر خاصة كما قال - عزّ وجلّ: {إنّ الإنسان لربّه لكنود}أي لكفور،
{وإنّه لحبّ الخير لشديد} أي من أجل حب الخير وهو المال لبخيل.
فأمّا (أنتم) فمرفوع بفعل مضمر، المعنى قل لو تملكون أنتم - لأن لو يقع بها الشيء لوقوع غيره، فلا يليها إلا الفعل، وإذا وليها الاسم عمل فيها الفعل المضمر، ومثل ذلك من الشعر قول المتلمس:
فلو غير أخوالي أرادوا نقيصتي= جعلت لهم فوق العرانين ميسما
المعنى لو أراد غير أخوالي.
والقتور: البخيل). [معاني القرآن: 3/262-261]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق}
روى حجاج عن ابن جريج قال الإنفاق الفقر عن ابن عباس
وروى معمر عن قتادة قال الإنفاق الفقر وحكى أهل اللغة أنفق وأصرم وأعدم وأقتر إذا قل ماله). [معاني القرآن: 4/198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وكان الإنسان قتورا}
روى حجاج عن ابن جريج قال قتورا بخيلا عن ابن عباس). [معاني القرآن: 4/199-198]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قتورا} بخيلا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 140]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَتُوراً}: مقترا بخيلا). [العمدة في غريب القرآن: 185]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيّناتٍ} [الإسراء: 101] الحسن بن دينارٍ، عن يزيد الرّقاشيّ، قال: يده، وعصاه، والطّوفان، والجراد، والقمّل، والضّفادع، والدّم، {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات} [الأعراف: 130].
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ مثل ذلك.
قوله: {فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم} [الإسراء: 101] يقول للنّبيّ: {فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم} [الإسراء: 101] موسى.
{فقال له فرعون إنّي لأظنّك يا موسى مسحورًا {101} } ). [تفسير القرآن العظيم: 1/165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إنّي لأظنّك يا موسى مسحورا}

قيل في التفسير إنها أخذ آل فرعون بالسنين وهي الجدب حتى ذهبت ثمارهم، وذهبت من أهل البوادي مواشيهم.
ومنها إخراج موسى يده بيضاء للناظرين، ومنها إلقاؤه عصاه فإذا هي ثعبان مبين، وأنها تلقفت إفك السّحرة.
ومنها إرسال اللّه عليهم الطوفان - نعوذ بالله منه، والجراد والقمّل والضفادع والدّم، فذلك تسع آيات.
وقد قيل إن البحر منها.
ومن آياته انفجار الحجر ولكنه لم يرو في التفسير.
وقوله: {إنّي لأظنّك يا موسى مسحورا}
لم يجد فرعون ما يدفع به الآيات إلا إقراره على نفسه بأنه ظانّ أن موسى مسحور، فأعلمه اللّه أن فرعون قد بين أنها آيات فقال:
{قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلّا ربّ السّماوات والأرض بصائر وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبورا} ). [معاني القرآن: 3/263-262]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات}
روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال أن يهوديا قال لصاحبه تعال حتى نسأل هذا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الآخر لا تقل له النبي صلى الله عليه وسلم فإنه إن سمعها صارت له أربعة أعين قال فأتاه فسأله عن هذه الآية ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فقال لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود ألا تعدوا في السبت قال فقبلوا يده وقالوا نشهد إنك رسول الله قال فما يمنعكم أن تتبعوني قالوا إن داود صلى الله عليه وسلم دعا ألا يزال في ذريته نبي وإنا نخشى إذا اتبعناك أن تقتلنا اليهود
وقال الحسن والشعبي ومجاهد والضحاك في قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنون ونقص من الثمرات واليد والعصا
هذا معنى قولهم). [معاني القرآن: 4/200-199]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم}
روى عن أبن عباس أنه قرأ {فسأل بني إسرائيل}.
والمعنى على هذه القراءة فسأل بني إسرائيل والمعنى فلم يرد فرعون ما جاء به موسى صلى الله عليه وسلم من الآيات والبراهين بأكثر من أنه أخبر أنه ظان أن موسى عليه السلام ساحر فقال إني لأظنك يا موسى مسحورا). [معاني القرآن: 4/201-200]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {فقال له فرعون إنّي لأظنّك يا موسى مسحورًا {101} قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء} [الإسراء: 101-102]، يعني: الآيات.
[تفسير القرآن العظيم: 1/165]
{إلا ربّ السّموات والأرض بصائر} [الإسراء: 102] حججٌ.
قال: لقد علمت يا فرعون.
وهذا مقرأ ابن عبّاسٍ والعامّة.
وقال ابن عبّاسٍ: قال اللّه: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا} [النمل: 14] وقرأه عليّ بن أبي طالبٍ فيما حدّثني أشعث، عن من حدّثه عنه، قال: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء} [الإسراء: 102]، موسى يقوله.
أي: قد علمت ما أنزل هؤلاء الآيات {إلا ربّ السّموات والأرض} [الإسراء: 102].
قوله: {وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبورًا} [الإسراء: 102] المعلى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: «محسورًا»، أي: يدعو بالحسرة والثّبور في النّار.
قال يحيى: الدّعاء بالويل والهلاك.
قال: {دعوا هنالك ثبورًا} [الفرقان: 13] ويلا وهلاكًا.
سعيدٌ، عن قتادة قال: {مثبورًا} [الإسراء: 102]، أي: مهلكًا.
وقال الكلبيّ: {مثبورًا} [الإسراء: 102] ملعونًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/166]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لقد علمت ما أنزل...}

قرأها ابن عباس وابن مسعود (علمت) بنصب التاء. ... وحدثني هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير (لقد علمت) مثله بنصب التاء. ... وحدثني قيس وأبو الأحوص جميعاً عن أبي إسحاق عن شيخ من مراد عن عليّ أنه قال: والله ما علم عدوّ الله، وإنما علم موسى. وكان يقرأ (علمت) برفع التاء. وفسرّه الكلبيّ بإسناده على قراءة عليّ وتفسيره.
وأمّا ابن عباس وابن مسعود فقالا: قد قال الله عزّ وجل: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} ... والفتح أحبّ إليّ
وقال بعضهم: قرأ الكسائي بالرفع، فقال: أخالفه أشدّ الخلاف.
وقوله: {يا فرعون مثبوراً} ممنوعاً من الخير. والعرب تقول: ما ثبرك عن ذا أي ما منعك منه وصرفك عنه). [معاني القرآن: 2/132]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يا فرعون مثبوراً} أي مهلكاً قال ابن الزبعري:
إذا أجارى الشيطان في سنن الغ= يّ ومن مال ميله مثبور
الزّبعري الرجل الغليظ الأزبّ، وكذلك الناقة زبعري). [مجاز القرآن: 1/392]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مثبورا}: مهلكا والمثبور في التفسير الملعون والمبثور أيضا نفسك وشيطانك). [غريب القرآن وتفسيره: 221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبوراً} أي مهلكا. والثّبور: الهلكة.
وفي رواية الكلبي: إني لأعلمك يا فرعون ملعونا). [تفسير غريب القرآن: 262-261]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلّا ربّ السّماوات والأرض بصائر وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبورا }
يعنى الآيات.
{إلّا ربّ السّماوات والأرض بصائر}.
وقرأ بعضهم لقد علمت - بضم التاء - والأجود في القراءة لقد علمت - بفتح التاء - لأن علم فرعون بأنها آيات من عند اللّه أوكد في الحجة عليه.
ودليل ذلك قوله عزّ وجلّ في فرعون وقومه: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا}.
وقوله: {وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبورا} أي لأظنك مهلكا، يقال: ثبر الرجل فهو مثبور إذا هلك). [معاني القرآن: 3/263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر}
وروى عن علي بن أبي طالب رحمه الله عليه أنه قرأ لقد علمت بضم التاء وقال والله ما علم فرعون وإنما هو موسى الذي علم
قال أبو جعفر والقراء كلهم على فتح التاء إلا الكسائي فإنه ضمها ولو صح الحديث عن علي رحمة الله لم يحتج في ذلك إلى نظر وكانت القراءة به أولى ولكن إنما رواه أبو إسحاق عن رجل من مراد عن علي رحمة الله عليه
وعلم فرعون بذلك أوكد في الحجة عليه وقد احتج في ذلك عبد الله بن عباس بحجة قاطعة فقال إنما هو {لقد علمت} كما قال تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم}
حدثنا إبراهيم بن شريك قال نا أحمد بن عبد الله بن يونس قال نا زهير قال حدثنا أبو إسحاق قال سمعت أبا عبيدة يسأل سعد بن عياض عن قوله تعالى: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء} قال سعد هو كقول الرجل لصاحبه وهو يحاوره لقد علمت
قال زهير قال أبو إسحاق وحدثني رجل من مراد أنه سمع عليا يقول والله ما علم عدو الله ولكن موسى الذي علم قال لقد علمت أنا ثم قال {وإني لأظنك يا فرعون مثبورا}
روى المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ملعونا
وروى ابن جريج عن مجاهد قال هالكا
وروى معمر عن قتادة قال مهلكا
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال ملعونا وروى عنه جويبر قال هالكا
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد لأنه حكى أهل اللغة ما ثبرك عن هذا أي ما منعك منه وصرفك عنه فالمعنى ممنوع من الخير). [معاني القرآن: 4/203-01]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مثبورا} أي: هالكا، ومثبورا: أي ممنوعا من الخير، قال: والعرب تقول: ما ثبرك عني: أي ما منعك مني،
وما بترك عني: أي ما حبسك، وما ثبر فلانا، أي: ما أهلكه). [ياقوتة الصراط: 316]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مثبورا} أي مهلكا، وقيل: ملعونا. (والظن) هنا بمعنى اليقين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 140]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَثْبُوراً}: مهلكا). [العمدة في غريب القرآن: 185]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فأراد أن يستفزّهم} [الإسراء: 103] أن يخرجهم.
{من الأرض} [الإسراء: 103] أرض مصر، تفسير الحسن: يقتلهم، يخرجهم منها بالقتل.
{فأغرقناه ومن معه جميعًا {103} } ). [تفسير القرآن العظيم: 1/166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {فأراد أن يستفزّهم من الأرض} أي يستخفّهم حتى يخرجوا).
[تفسير غريب القرآن: 262]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فأراد أن يستفزّهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا}
أي فأراد فرعون أن يستفز موسى وقومه من الأرض فجائز أن يكون استفزارهم إخراجهم منها بالقتل أو بالتنحية.
{فأغرقناه ومن معه جميعا} ). [معاني القرآن: 3/263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فأراد أن يستفزهم من الأرض} أي يزيلهم عنها إما بقتل أو بتنحيه). [معاني القرآن: 4/203]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يستفزهم} يستخفهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 140]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {فأغرقناه ومن معه جميعًا {103} وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة} [الإسراء: 103-104] القيامة.
{جئنا بكم} [الإسراء: 104]، يعني: بني إسرائيل، وفرعون، وقومه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/166]
{لفيفًا} [الإسراء: 104] جميعًا في تفسير مجاهدٍ وغيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/167]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {جئنا بكم لفيفاً...}

من ها هنا وها هنا وكلّ جانب). [معاني القرآن: 2/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جئنا بكم لفيفاً} أي جميعا). [تفسير غريب القرآن: 262]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا}
{جئنا بكم لفيفا} أي آتينا بكم من كل قبيلة، واللفيف الجماعات من قبائل شتى). [معاني القرآن: 3/263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض} فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا،
قال مجاهد وقتادة أي جميعا وروى سفيان عن منصور عن أبي رزين قال من كل قوم قال أبو جعفر وهذا أولى عند أهل اللغة لأنه يقال لففت الشيء إذا خلطته،
وقال الأصمعي اللفيف جمع ليس له واحد وهو مثل الجميع). [معاني القرآن: 4/204]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لفيفا} أي جميعا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 140]

تفسير قوله تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وبالحقّ أنزلناه} [الإسراء: 105] القرآن.
{وبالحقّ نزل وما أرسلناك إلا مبشّرًا} [الإسراء: 105] بالجنّة.
{ونذيرًا} [الإسراء: 105] تنذر النّاس). [تفسير القرآن العظيم: 1/167]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
( وقوله جل وعز: {وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا} أي تبشر المطيعين الجنة وتنذر العاصين بالنار).
[معاني القرآن: 4/204]


تفسير قوله تعالى: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وقرءانًا فرقناه لتقرأه على النّاس على مكثٍ ونزّلناه تنزيلا} [الإسراء: 106] أنزله اللّه في ثلاثٍ وعشرين سنةً.
{وقرءانًا فرقناه} [الإسراء: 106]، من قرأها بالتّخفيف قال: فرّق فيه بين الحقّ والباطل والحلال والحرام.
الحسن بن دينارٍ، أنّه كان يقرأها مثقّلةً فرّقناه.
قال: فرّقه اللّه؛ فأنزله يومًا بعد يومٍ، وشهرًا بعد شهرٍ، وعامًا بعد عامٍ، حتّى بلغ به ما أراد.
وقال مجاهدٌ: مكثٌ: على ترسّلٍ في قريشٍ.
- همّامٌ، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: نزل القرآن إلى السّماء الدّنيا جملةً واحدةً ليلة القدر، ثمّ جعل بعد ذلك ينزل نجومًا: ثلاث آياتٍ، وأربع وخمس آياتٍ وأقلّ من ذلك وأكثر.
ثمّ تلا هذه الآية: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} [الواقعة: 75] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/167]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وقرآناً فرقناه...}

نصبت القرآن بأرسلناك أي ما أرسلناك إلا مبشّراً ونذيراً وقرآنا أيضا كما تقول: ورحمة؛ لأن القرآن رحمة. ويكون نصبه بفرقناه على راجع ذكره. فلمّا كانت الواو قبله نصب.
مثله {وفريقاً حقّ عليهم الضلالة} وأما (فرقناه) بالتخفيف فقد قرأه أصحاب عبد الله. والمعنى أحكمناه وفصّلناه؛ كما قال {فيها يفرق كلّ أمرٍ حكيمٍ} أي يفصّل.
وروي عن ابن عباس (فرّقناه يقول: لم ينزل في يوم ولا يومين. ... وحدثني الحكم بن ظهير عن السّدّي عن أبي مالك عن ابن عباس {وقرآناً فرقناه} مخففة). [معاني القرآن: 2/133-132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فرقناه}: من خفف فالمعنى بيناه ومن شدد أراد أنه نزل متفرقا). [غريب القرآن وتفسيره: 221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وفيه وجه آخر، وهو: أن القرآن كان ينزل شيئا بعد شيء وآية بعد آية، حتى لربما نزل الحرفان والثلاثة.
قال زيد بن ثابت: كنت أكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله. فجاء عبد الله ابن أمّ مكتوم،
فقال: يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الضرر ما ترى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، على فخذي حتى خشيت أن ترضّها،
ثم قال: اكتب:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
وروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات، جوابا لهم عما يسألون وردّا على النبي.
وكذلك معنى قوله سبحانه: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} شيئا بعد شيء.
فكأن المشركين قالوا له: أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}. يريد إن لم تؤمنوا حتى أفعل ذلك.
ثم غبروا مدّة من المدد وقالوا: تعبد آلهتنا يوما أو شهرا أو حولا، ونعبد إلهك يوما أو شهرا أو حولا، فأنزل الله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}.
على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت.
قال أبو محمد: وهذا تمثيل أردت أن أريك به موضع الإمكان). [تأويل مشكل القرآن: 238-237] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على النّاس على مكث ونزّلناه تنزيلا}
وتقرأ (فرّقناه) - بالتشديد، وقرآنا منصوب بفعل مضمر، المعنى: وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا، تبشر المؤمنين بالجنة وتنذر من عصى اللّه بالنار، وقرآنا فرقناه.
أنزل اللّه " عزّ وجلّ القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في عشرين سنة، فرقه اللّه في التنزيل ليفهمه الناس،
فقال: {لتقرأه على النّاس على مكث}.
ومكث جميعا، والقراءة بضم الميم). [معاني القرآن: 3/264-263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقرآنا فرقناه} قال أبو عمرو رحمه الله فرقناه بيناه). [معاني القرآن: 4/205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {لتقرأه على الناس على مكث} قال مجاهد أي على تؤدة). [معاني القرآن: 4/205]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَرَقْناهْ}: بيّنّاه). [العمدة في غريب القرآن: 185]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل آمنوا به} [الإسراء: 107]، يعني: القرآن، يقول: قل للمشركين.
{أو لا تؤمنوا إنّ الّذين أوتوا العلم من قبله} [الإسراء: 107] قبل القرآن، يعني: المؤمنين من أهل الكتاب.
{إذا يتلى عليهم} [الإسراء: 107] القرآن.
{يخرّون للأذقان سجّدًا} [الإسراء: 107] للوجوه في تفسير قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 1/167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إنّ الّذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجّدا}

{يخرّون للأذقان سجّدا}
لأن الذي يخر وهو قائم يخر لوجهه، والذّقن مجتمع اللّحيين وهو عضو من أعضاء الوجه، وكما يبتدئ المبتدئ يخر فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذّقن.
و (سجّدا) منصوب على الحال). [معاني القرآن: 3/264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : وقوله جل وعز: {إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا} قال الحسن أي للجباه وقال قتادة أي للوجوه والذقن عند أهل اللغة مجتمع اللحيين وهو أقرب الأشياء إلى الأرض من الوجوه إذا ابتدئ السجود). [معاني القرآن: 4/206-205]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (إن الخفيفة: تكون بمعنى (ما)...، وقال المفسرون: وتكون بمعنى لقد، كقوله: {إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}
و{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} و{تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} و{فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} ). [تأويل مشكل القرآن: 552]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويقولون سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا} معناه ما كان وعد ربنا إلا مفعولا.
وإن واللام دخلتا للتوكيد). [معاني القرآن: 3/264]

تفسير قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ويقولون سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا {108} ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا {109}} [الإسراء: 108-109] والخشوع: الخوف الثّابت في القلب). [تفسير القرآن العظيم: 1/168]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ويخرّون للأذقان} واحدها ذقن وهو مجمع اللّحيين).
[مجاز القرآن: 1/392]


تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن} [الإسراء: 110] وذلك أنّ المشركين قالوا: أمّا اللّه فنعرفه، وأمّا الرّحمن فلا نعرفه، فقال اللّه: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن} [الإسراء: 110].
سعيدٌ، عن قتادة، قال: أي أنّه هو اللّه وهو الرّحمن.
قال: {أيًّا ما تدعوا} [الإسراء: 110] قرّة بن خالدٍ، عن قتادة، قال: هي بلسان كلبٍ.
يقول: تدعوا أيّ الاسمين دعوتموه به.
{فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] وقال: {وهم يكفرون بالرّحمن قل هو ربّي} [الرعد: 30] أبو الأشعث، عن الحسن، قال: اللّه والرّحمن اسمان ممنوعان، لا يستطيع أحدٌ من الخلق أن ينتحلهما.
قوله: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} [الإسراء: 110] تفسير الكلبيّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذ هو بمكّة كان يجتمع إليه أصحابه، فإذا صلّى بهم ورفع صوته سمع المشركون صوته فآذوه، وإن خفض صوته لم يسمع من خلفه، فأمره اللّه أن يبتغي بين ذلك سبيلا.
وقال مجاهدٌ في حديث الأعمش: حتّى لا يسمعك المشركون فيسبّوك.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان نبيّ اللّه وهو بمكّة إذا سمع المشركون صوته رموه بكلّ خبثٍ، فأمره اللّه أن يغضّ من صوته وأن يقتصد في صلاته، وكان يقال: ما أسمعت أذنيك فليس تخافتٌ.
عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] في
[تفسير القرآن العظيم: 1/168]
الدّعاء والمسألة.
- ابن لهيعة، عن عبد اللّه بن هبيرة، أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول: إنّ من الصّلاة سرًّا، ومنها جهرًا، فلا تجهر فيما تسرّ فيه، ولا تسرّ فيما تجهر فيه، وابتغ بين ذلك سبيلا.
قال يحيى: هي على هذا التّفسير: أي تجهر فيما يجهر فيه وتسرّ فيما يسرّ فيه.
- عثمان، عن زيد بن أسلم، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سمع أبا بكرٍ وهو يصلّي من اللّيل وهو يخفي صوته، وسمع عمر وهو يجهر صوته، وسمع بلالا وهو يقرأ من هذه السّورة ومن هذه، فقال لأبي بكرٍ: لم تخفي صوتك؟ قال: إنّ الّذي أناجي ليس ببعيدٍ.
فقال: صدقت.
وقال لعمر: لم تجهر صوتك؟ قال: أرضي الرّحمن، وأرغم الشّيطان، وأوقظ الوسنان.
قال: صدقت.
وقال لبلالٍ: لم تقرأ من هذه السّورة ومن هذه السّورة؟ فقال: أخلط طيّبًا بطيّبٍ قال: صدقت.
قال: فأمر أبا بكرٍ أن يرفع من صوته، وأمر عمر أن يخفض من صوته، وأمر بلالا إذا أخذ في سورةٍ أن يفرغ منها.
وأنزل اللّه: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} [الإسراء: 110] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/169]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أيّاً مّا تدعوا...}

(ما) قد يكون صلة، كما قال تبارك وتعالى: {عمّا قليلٍ ليصبحنّ نادمين} وتكون في معنى أي معادة لمّا اختلف لفظهما:
وقوله: {وابتغ بين ذلك سبيلاً} أي قصدا). [معاني القرآن: 2/133]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تخافت بها} مجازه: لا تخفت بها، ولاتفوة بها، ولكن أسمعها نفسك ولا نجهر بها فترفع صوتك، وهذه في صلاة النهار العجما؛ كذلك تسميها العرب ولم نسمع في صلاة الليل شيئاً). [مجاز القرآن: 1/392]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيّاً مّا تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً}
وقال: {أيّاً مّا تدعوا} كأنه قال "أيّا تدعوا".
وقال: {أيّاً مّا تدعوا فله الأسماء الحسنى} يقول: "أيّ: الدّعائين تدعوا فله الأسماء الحسنى"). [معاني القرآن: 2/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تخافت بها}: تخفي). [غريب القرآن وتفسيره: 222]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا تخافت بها} أي لا تخفها.
{وابتغ بين ذلك سبيلًا} أي بين الجهر وبين الإخفاء طريقا قصدا وسطا.
والترتيل في القراءة: التّبيين لها. كأنه يفصل بين الحرف والحرف ومنه قيل: ثغر رتل ورتل، إذا كان مفلّجا. يقال: كلام رتل، أي مرتل، وثغر رتل، يعني إذا كان مستوي النبات،
ورجل رتل - بالكسر - بيّن الرّتل: إذا كان مفلّج الأسنان). [تفسير غريب القرآن: 262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(ما) قد تزاد، كقوله: {قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} و{أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ).
[تأويل مشكل القرآن: 252] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (مهما
مهما: هي بمنزلة «ما» في الجزاء. قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}، أي ما تأتنا به من آية.
وقال الخليل في مهمما: هي (ما) أدخلت معها (ما) لغوا كما أدخلت مع (متى) لغوا، تقول: متى تأتني آتك، ومتى ما تأتني آتك. وكما أدخلت مع (ما) أيّ لغوا،
كقوله: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} أي أيّا تدعوا.
قال: ولكنهم استقبحوا أن يكرروا لفظا واحدا فيقولوا: (ما، ما) فأبدلوا الهاء من الألف التي في الأولى.
هذا قول الخليل.
وقال سيبويه: وقد يجوز أن تكون (مه) ضم إليها (ما) ). [تأويل مشكل القرآن: 532] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا }
لما سمعت العرب ذكر الرحمن قالت: أتدعونا إلى اثنين إلى اللّه وإلى الرحمن.
واسم الرحمن في الكتب الأول المنزلة على الأنبياء.
فأعلمهم اللّه أن دعاءهم الرحمن ودعاءهم اللّه يرجعان إلى شيء واحد فقال: {أيّا ما تدعوا} المعنى أي أسماء اللّه تدعوا {فله الأسماء الحسنى}.
{ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}.
المخافتة الإخفاء، والجهر رفع الصوت، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جهر بالقرآن سب المشركون القرآن، فأمره اللّه - جلّ وعزّ - ألا يعرض القرآن لسبهم،
وألا يخافت بها مخافتة لا يسمعها من يصلي خلفه من أصحابه.
{وابتغ بين ذلك سبيلا} أي اسلك طريقا بين الجهر والمخافتة). [معاني القرآن: 3/265-264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ثم قال جل وعز: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} فيروى أنهم قالوا ندعو اثنين فأعلم اله جل جلاله أنه لا يدعى غيره بأسمائه فقال أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى). [معاني القرآن: 4/206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} فيها وجهان:
أحدهما رواه الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن إذا قرأ فيسب المشركون القرآن ومن أنزله ومن جاء به فصار يخفي القراءة فأنزل الله جل وعز: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}
والقول الآخر رواه هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي عائشة يا ابن أختي أتدري فيم أنزل ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال قلت لا قالت أنزل في الدعاء
قال أبو جعفر والإسنادان حسنان والدعاء يسمى صلاة ولا يكاد يقع ذلك للقراءة قال الأعمش:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا = يا رب جنب أبي الأوصابا والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي = نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
ويقال إنه إنما قيل صلاة أنها لا تكون إلا بدعاء والدعاء صلاة فسميت باسمه). [معاني القرآن: 4/208-206]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك. ولا تخافت بقراءة صلاتك.
وهو من المختصر). [ياقوتة الصراط: 316]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقل الحمد للّه الّذي لم يتّخذ ولدًا} [الإسراء: 111] يتكثّر به من القلّة.
{ولم يكن له شريكٌ في الملك} [الإسراء: 111] خلق معه شيئًا.
{ولم يكن له وليٌّ من الذّلّ} [الإسراء: 111] يتعزّز به.
{وكبّره تكبيرًا} [الإسراء: 111] عظّمه تعظيمًا.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان يقال أنّ النّبيّ كان يعلّمها الصّغير والكبير من أهله.
سفيان الثّوريّ، عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهدٍ، قال: {ولم يكن له وليٌّ من الذّلّ} [الإسراء: 111]، قال: لم يكن له حليفٌ ولا ناصرٌ من خلقه.
وقال السّدّيّ: يعني: ولم يكن له صاحبٌ يتعزّز به من ذلٍّ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/169]
حمّادٌ، عن ثابتٍ البنانيّ، عن مطرّف بن عبد اللّه، عن كعبٍ، قال: فتحت التّوراة بـ: {الحمد للّه الّذي خلق السّموات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون} [الأنعام: 1]، وختمت بـ: {الحمد للّه الّذي لم يتّخذ ولدًا ولم يكن له شريكٌ في الملك ولم يكن له وليٌّ من الذّلّ وكبّره تكبيرًا} [الإسراء: 111].
- الفرات بن سلمان قال: قالت عائشة: كان رسول اللّه عليه السّلام إذا صلّى ركعتي الفجر قال: اللّهمّ إنّا نشهد أنّك لست بإلهٍ استحدثناه، ولا بربٍّ يبيد ذكره، ولا مليكٍ معه شركاء يقضون معه، ولا كان قبلك إلهٌ ندعوه ونتضرّع إليه، ولا أعانك على خلقنا أحدٌ فنشكّ فيك، لا إله إلا أنت، اغفر لي إنّه لا يغفر الذّنوب إلا أنت). [تفسير القرآن العظيم: 1/170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {وقل الحمد للّه الّذي لم يتّخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليّ من الذّلّ وكبّره تكبيرا}

يعاونه على ما أراد.
{ولم يكن له وليّ من الذّلّ} أي لم يحتج إلى أن ينتصر بغيره.
{وكبّره تكبيرا} أي عظّمه عظمة تامّة). [معاني القرآن: 3/265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل} أي لم يحتج إلى من ينتصر له). [معاني القرآن: 4/208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال عز وجل: {وكبره تكبيرا} أي عظمه تعظيما). [معاني القرآن: 4/208]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة