{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واجنبني وبنيّ أن نّعبد الأصنام...}
أهل الحجاز يقولون: جنبني، وهي خفيفة. وأهل نجد يقولون: أجنبني شرّه وجنّبني شرّه. فلو قرأ قارئ: (وأجنبني وبني) لأصاب ولم أسمعه من قارئ). [معاني القرآن: 2/78]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {واجنبني وبنيّ} : جنبت الرجل الأمر، وهو يجنب أخاه الشرّ وجنّبته واحد،
وقال:
وتنفض مهده شفقاً عليه= وتجنبه قلائصنا الصعابا
وشدّده ذو الرّمة فقال:
وشعرٍ قد أرقت له غريبٍ= أجنّبه المساند والمحالا).
[مجاز القرآن: 1/342]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واجنبني وبنيّ} أي اجنبني وإيّاهم). [تفسير غريب القرآن: 233]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام}يعني مكة
{واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام}.
وتقرأ {واجنبني وبني} على أجنبته كذا وكذا إذا جعلته ناحية منه، وكذلك جنبته كذا وكذا.
ومعنى الدعاء من إبراهيم عليه السلام أن يجنب عبادة الأصنام، وهو غير عابد لها على معنى ثبّتني على اجتناب عبادتها كما قال: {واجعلنا مسلمين لك} أي ثبّتنا على الإسلام).
[معاني القرآن: 3/164]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}
وقرأ الجحدري وعيسى (واجنبني) بقطع الآلف ومعناه اجعلني جانبا
وكذلك معنى اجنبني وجنبني معناه ثبتني على توحيدك كما قال تعالى: {واجعلنا مسلمين لك} وهما مسلمان). [معاني القرآن: 3/535]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {واجنبني} أي جنبني). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 122]
تفسير قوله تعالى: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ربّ إنّهنّ أضللن كثيراً من النّاس} أي ضل بهن كثير من الناس). [تفسير غريب القرآن: 233]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ربّ إنّهنّ أضللن كثيرا من النّاس فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفور رحيم}
أي ضلّلوا بسببها، لأن الأصنام لا تعقل ولا تفعل شيئا، كما تقول قد فتنتني هذه الدار.، أي أنا أحببتها واستحسنتها، وافتتنت بها.
{فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفور رحيم} أي فإنك غفور رحيم له إن تاب وإن آمن، لا أنه يقول إن من كفر فإن اللّه غفور رحيم،
فإن اللّه لا يغفر له، ألا ترى قوله في أبيه: {فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ للّه تبرّأ منه} ). [معاني القرآن: 3/164]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} وهن لا يعقلن فالمعنى إن كثيرا من الناس ضلوا بسببهن
وهذا كثير في اللغة يقال فتنتني هذه الدار أي استحسنتها فافتتنت بسببها فكأنها فتنتني). [معاني القرآن: 3/535]
تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّي أسكنت من ذرّيّتي...}
وقال {إنّي أسكنت من ذرّيّتي} ولم يأت منهم بشيء يقع عليه الفعل. وهو جائز: أن تقول: قد أصبنا من بني فلان، وقتلنا من بني فلان وإن لم تقل: رجالا، لأن (من) تؤدّى عن بعض القوم كقولك: قد أصبنا من الطعام وشربنا من الماء. ومثله {أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم الله}.
وقوله: {تهوي إليهم} يقول: اجعل أفئدة من الناس تريدهم؛ كقولك: رأيت فلانا يهوي نحوك أي يريدك. وقرأ بعض القرّاء (تهوى إليهم) بنصب الواو، وبمعنى تهواهم
كما قال {ردف لكم} يريد ردفكم، وكما قالوا: نقدت لها مائة أي نقدتها). [معاني القرآن: 2/78]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {رّبّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصّلاة فاجعل أفئدةً مّن النّاس تهوي إليهم وارزقهم مّن الثّمرات لعلّهم يشكرون}
وكذلك قال: {إنّي أسكنت من ذرّيّتي بوادٍ} يقول: "أسكنت من ذرّيّتي أناساً" ودخلت الباء على "وادٍ" كما تقول: "هو بالبصّرة" و"هو في البصرة".
وقال: {تهوي إليهم} زعموا أنه في التفسير "تهواهم"). [معاني القرآن: 2/61]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاجعل أفئدةً من النّاس تهوي إليهم} أي تنزع إليهم). [تفسير غريب القرآن: 233]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصّلاة فاجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم وارزقهم من الثّمرات لعلّهم يشكرون}
{فاجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم} أي اجعل أفئدة جماعة من الناس تنزع إليهم، ويجوز تهوى إليهم.
فمن قرأ تهوي إليهم فهو على هوى يهوي إذا ارتفع، ومن قرأ تهوى إليهم فعلى هوي يهوى إذا أحب، والقراءة الأولى هي المختارة). [معاني القرآن: 3/165]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم}
وقرأ مجاهد تهوى إليهم
معنى تهوي تنزع وتهوى تحب
حدثنا محمد بن الحسن بن سماعة قال نا أبو نعيم قال نا عيسى بن قرطاس قال أخبرني المسيب بن رافع قال: قال ابن عباس إن إبراهيم حين قال رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع إلى قوله: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} فلو أن إبراهيم قال اجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لغلبكم عليه الترك والديلم
وقرئ على علي بن الحسين القاضي بمصر عن الحسن ابن محمد عن يحيى بن عباد قال حدثنا شعبة عن الحكم قال سألت عطاء وطاووسا وعكرمة عن قوله جل وعز:
{فاجعل أفئدة من الناس} قالوا الحج). [معاني القرآن: 3/537-535]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تهوي إليهم} أي: تهوي إليهم، فتحج البيت. أخبرنا أبو عمر - قال: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي،
قال: معنى تهوي إليهم، أي: تهواهم، فتحج إلى البيت، قال وهذا من الهوي المحمود). [ياقوتة الصراط: 287]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تهوي إليهم} أي تنزع إليهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 122]
تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)}
تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)}
تفسير قوله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ربّ اجعلني مقيم الصّلاة ومن ذرّيّتي} مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقوله: واجعل من ذريتي من يقيم الصلاة).[مجاز القرآن: 1/342]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ربّ اجعلني مقيم الصّلاة ومن ذرّيّتي ربّنا وتقبّل دعاء} أي واجعل من ذرّيّتي من يقيم الصلاة.
{ربّنا وتقبّل دعاء} القراءة بغير " ياء " في دعائي، إذا وقفت، فإذا وصلت فأنت بالخيار إن شئت قلت دعاء بغير ياء، وكانت الكسرة في الهمزة تنوب عن الياء، والأجود إثبات الياء، وإن شئت أسكنتها، وإن شئت فتحتها).
[معاني القرآن: 3/165]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} المعنى واجعل من ذريتي من يقيم الصلاة). [معاني القرآن: 3/537]
تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ربّنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} هذا قبل أن يتبين لإبراهيم أن أباه عدوّ للّه، فلما تبيّن له ذلك تبرأ منه.
وقيل إنه يعني بوالديه هنا آدم وحواء وقيل أيضا ولولديّ، يعني به إسماعيل وإسحاق، وهذه القراءة ليست بشيء لأنها خلاف ما عليه أهل الأمصار من أهل القراءات.
{يوم يقوم الحساب} يعني يوم القيامة، و " يوم " منصوب بـ {اغفر لي} ). [معاني القرآن: 3/165]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}
قيل إنما دعا بهذا أولا فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه
وقيل يعني بوالديه آدم وحواء
وقرأ سعيد بن جبير اغفر لي ولوالدي يعني أباه
وقرأ النخعي ويحيى بن يعمر اغفر لي ولولدي يعني ابنيه). [معاني القرآن: 3/537]
تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)}
تفسير قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا يرتدّ إليهم طرفهم...}
رفعت الطرف بيرتد واستأنفت الأفئدة فرفعتها بهواء؛ كما قال في آل عمران {وما يعلم تأويله إلاّ الله والرّاسخون في العلم} استأنفتهم فرفعتهم بيقولون لا بيعلم). [معاني القرآن: 2/78]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مهطعين} أي مسرعين،
قال الشاعر:
بمهطعٍ سرح كأنّ زمامه= في رأس جذع من أوال مشذّب
وقال:
بمستهطعٍ رسلٍ كأنّ جديله= بقيدوم رعنٍ من صؤام ممنّع
الرّسل الذي لا يكلّفك شيئاً، بقيدوم: قدام، رعن الجبل أنفه، صؤام: جبل،
قال يزيد بن مفرّغ الحميريّ:
بدجلة دارهم ولقد أراهم= بدجلة مهطعين إلى السّماع
{مقنعي رؤوسهم} مجازه: رافعي رؤوسهم،
قال الشّمّاخ بن ضرار:
يباكرن العضاة بمقنعاتٍ= نواجذهن كالحدأ الوقيع
أي بؤوس مرفوعات إلى العضاه ليتناولن منه والعضاة: كل شجرة ذات شوك؛ نواجذهن أضراسهن وقال: الحدأ الفأس وأراه: الذي ليس له خلف، وجماعها حدأ، وحدأه الطير،
الوقيع أي المرققة المحددة، يقال وقع حديدتك، والمطرقة يقال لها ميقعة،
وقال:
أنفض نحوي رأسه وأقنعا= كأنّما أبصر شيئاً أطعما
{وأفئدتهم هواءٌ} أي جوف، ولا عقول لهم،
قال حسان ابن ثابت:
ألا أبلغ أبا سفيان عني=فأنت مجوّفٌ نخبٌ هواءٌ
وقال:
ولا تك من أخذان كل يراعةٍ= هواءٍ كسقب البان جوف مكاسره
اليراعة القصبة، واليراعة هذه الدواب الهمج بين البعوض والذبّان، واليراعة النعامة.
قال الراعيّ:
جاؤا بصكّهم واحدب أخرجت= منه السياط يراعةٌ إجفيلا
أي يذهب فزعاً، كسقب البان عمود البيت الطويل).[مجاز القرآن: 1/344-342]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء}
ونصب {مهطعين} على الحال وكذلك {مقنعي} كأنه قال: "تشخص أبصارهم مهطعين" وجعل "الطرف" للجماعة كما قال: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} ). [معاني القرآن: 2/61]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({مهطعين}: مسرعين. وقال المفسرون: الإهطاع أن يديم النظر فلا يطرف.
{مقنعي رؤوسهم}: رافعي رؤوسهم.
{وأفئدتهم هواء}: جوف منخرقة لا تعي شيئا من الخير). [غريب القرآن وتفسيره: 198]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مهطعين} أي مسرعين. يقال: أهطع البعير في سيره واستهطع، إذا أسرع.
{مقنعي رؤسهم} والمقنع رأسه: الذي رفعه وأقبل بطرفه على ما بين يديه. والإقناع في الصلاة هو من إتمامها.
{لا يرتدّ إليهم طرفهم} أي نظرهم إلى شيء واحد.
{وأفئدتهم هواءٌ} يقال: لا تعي شيئا من الخير. ونحوه قول الشاعر في وصف الظّليم:
... جؤجؤه هواء
أي ليس لعظمه مخّ ولا فيه شيء.
ويقال: أفئدتهم هواء منخوبة من الخوف والجبن). [تفسير غريب القرآن: 234-233]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قوله: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} يريد أنها لا تعي خيرا، لأن المكان إذا كان خاليا فهو هواء حتى يشغله الشيء).
[تأويل مشكل القرآن: 139]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء }
{مهطعين} منصوب على الحال، المعنى إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه أبصارهم مهطعين أي مسرعين.
قال الشاعر:
بدجلة أهلها ولقد أرأهم=بدجلة مهطعين إلى السماع
أي مسرعين.
و {مقنعي رءوسهم} رافعيها ملتصقة بأعناقهم، والمقنع الرافع.
والمقنع المرتفع
قال الشاعر:.
يبادرن العضاه بمقنعات= نواجذهنّ كالحدأ الوقيع
يصف إبلا ترعى الشجر وأن أسنانها مرتفعة كالفؤوس.
وقوله: {وأفئدتهم هواء} أي منحرفة لا تعي شيئا من الخوف، وقيل نزعت أفئدتهم من أجوافهم
قال الشاعر:
كأنّ الرّحل منها فوق صعل= من الظّلمان جؤجؤه هواه).
[معاني القرآن: 3/166-165]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقول جل وعز: {مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم}
قوله: {مهطعين}
قال مجاهد وأبو الضحى أي مديمي النظر
وقال قتادة أي مسرعين
والمعروف في اللغة أن يقال أهطع إذا أسرع
قال أبو عبيدة وقد يكون الوجهان جميعا يعني الإسراع مع إدامة النظر
ثم قال تعالى: {مقنعي رؤوسهم}
قال مجاهد أي رافعيها
وقال قتادة المقنع الرافع رأسه شاخصا ببصره لا يطرف
قال أبو جعفر وهذا قول أهل اللغة إلا أن أبا العباس قال يقال اقنع إذا رفع رأسه وأقنع إذا طأطأ رأسه ذلا وخضوعا قال وقد قيل في الآية القولان جميعا
قال ويجوز أن يرفع رأسه مديما لنظر ثم يطأطئه خضوعا وذلا
قال أبو جعفر والمشهور في اللغة أن يقال للرافع رأسه مقنع
وروي أنهم لا يزالون يرفعون رؤوسهم وينظرون ما يأتي من عند الله جل وعز وأنشد أهل اللغة:
يباكرن العضاه بمقنعات = نواجذهن كالحدإ الوقيع
يصف أبلا وأنهن رافعات رؤوسهن كالفؤوس
ومنه قيل مقنعة لارتفاعها
ومنه قنع الرجل إذا رضي وقنع إذا سال أي أتى ما يتقنع منه
وقوله جل وعز: {لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء}
روى سفيان عن أبي إسحاق عن مرة وأفئدتهم هواء قال متخرقة لا تعي شيئا يعني من الخوف
وروى حجاج عن ابن جريج قال هواء ليس فيها شيء من الخير كما يقال للبيت الذي ليس فيه شيء هواء
وقيل وصفهم بالجبن والفزع أي قلوبهم منخوبة
وأصل الهواء في اللغة المجوف الخالي ومنه قول زهير:
كان الرحل منها فوق صعل = من الظلمان جؤجؤه هواء
أي ليس فيها مخ ولا شيء وقال حسان:
ألا ابلغ أبا سفيان عني = فأنت مجوف نخب هواء).
[معاني القرآن: 3/541-538]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مهطعين} مسرعين. يقال: أهطع البعير في سيره إذا أسرع، وقيل: هو أن يديم النظر فلا يطرف. [تفسير المشكل من غريب القرآن: 122]
{مقنعي رؤوسهم} المقنع رأسه: الذي رفعه وأقبل بطرفه إلى ما بين يديه.
{لا يرتد إليهم طرفهم} أي نظرهم إلى شيء واحد.
{وأفئدتهم هواء} أي لا تعي شيئا من الخير. وقيل: هواء: منخوبة، من الخوف والجبن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 123]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُهْطِعين}: رافعين رؤوسهم.
{مُقْنِعِي}: قد رفعوا رؤوسهم.
{أَفْئِدَتُهُمْ}: قلوبهم.
{هَوَاءٌ}: في خوف متحرّقة). [العمدة في غريب القرآن: 170]
تفسير قوله تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يأتيهم العذاب فيقول...}
رفع تابع ليأتيهم وليس بجواب للأمر ولو كان جوابا لجاز نصبه ورفعه،
كما قال الشاعر:
يا ناق سيري عنقاً فسيحا = إلى سليمان فنستريحا
والرفع على الاستئناف.
والاستئناف بالفاء في جواب الأمر حسن، وكان شيخ لنا يقال له: العلاء بن سيابة - وهو الذي علم معاذا الهرّاء وأصحابه - يقول: لا أنصب بالفاء جوابا للأمر). [معاني القرآن: 2/79]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب} أي خوفهم
وقوله جل وعز: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال}
قال مجاهد أي أقسمتم أنكم لا تموتون لقريش). [معاني القرآن: 3/541]
تفسير قوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وتبيّن لكم...}
وأصحاب عبد الله: {ونبيّن لكم} ). [معاني القرآن: 2/79]
تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال...}
فأكثر القراء على كسر اللام ونصب الفعل من قوله: {لتزول} يريدون: ما كانت الجبال لتزول من مكرهم. وقرأ عبد الله بن مسعود {وما كان مكرهم لتزول منه الجبال} ... يقال له غالب بن نجيح - وكان ثقة ورعاً - أن عليّا كان يقرأ: {وإن كان مكرهم لتزول منه} بنصب اللام الأولى ورفع الثانية. فمن قرأ: {وإن كان مكرهم لتزول منه} فعلى معنى قراءة عليّ أي مكروا مكراً عظيماً كادت الجبال تزول منه). [معاني القرآن: 2/79]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال، في قول من كسر لام لتزول الأولى ونصب اللام الآخرة ومن فتح اللام الأولى ورفع اللام الآخرة فإن مجازه المثل كأنه قال: وإن كان مكرهم تزول منه الجبال في المثل وعند من لم يؤمن). [مجاز القرآن: 1/345]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن هذا الباب قول الله عز وجل: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ}
يريد أنهم ينظرون إليك بالعداوة نظرا شديدا يكاد يزلقك من شدّته، أي يسقطك.
ومثله قول الشاعر:
يتقارضون إذا التقوا في موطن = نظرا يزيل مواطئ الأقدام
أي ينظر بعضهم إلى بعض نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء، يزيل الأقدام عن مواطئها.
فتفهّم قول الله عز وجل: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} أي يقاربون أن يفعلوا ذلك، ولم يفعلوا.
وتفهّم قول الشاعر: (نظرا يزيل) ولم يقل: يكاد يزيل، لأنه نواها في نفسه.
وكذلك قول الله عز وجل: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} إعظاما لقولهم.
وقوله جل وعز: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}.
إكبارا لمكرهم. وقرأها بعضهم: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ}.
وأكثر ما في القرآن من مثل هذا فإنه يأتي بكاد، فما لم يأت بكاد ففيه إضمارها، كقوله: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}، وأي كادت من شدّة الخوف تبلغ الحلوق.
وقد يجوز أن يكون أراد: أنها ترجف من شدّة الفزع وتجف ويتصل وجيفها بالحلوق، فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب). [تأويل مشكل القرآن: 171] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وقد مكروا مكرهم وعند اللّه مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}
القراءة بكسر اللام الأولى، من " لتزول " وفتح اللام الأخيرة، هي قراءة حسنة جيدة، والمعنى وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، أي ما كان مكرهم ليزول به أمر النبي -
صلى الله عليه وسلم - وأمر دين الإسلام وثبوته كثبوت الجبال الراسية، لأن الله عزّ وجلّ وعد نبيّه عليه السلام إظهار دينه على كل الأديان فقال: {ليظهره على الدّين كلّه}
ودليل هذا قوله:{فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إنّ اللّه عزيز ذو انتقام }أي لا يخلفهم ما وعدهم من نصرهم وإظهار نبوتهم وكلمتهم،
ويقرأ {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} على الرفع وفتح اللام الأولى.
ومعناه معنى حسن " صحيح.
والمعنى: وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال، فإن الله ينصر دينه، ومكرهم عنده لا يخفى عليه.
فإن قال قائل: فهل زالت الجبال لمكرهم؛ فقد روي في بعض التفسير قصة التابوت والنّسور، وأن الجبال ظنت أن ذلك أمر من أمر اللّه عظيم فزالت، وقيل هذا في قصة النمرود ابن كنعان؛ ولا أرى لنمرود ههنا ذكرا، ولكنه إذا صحت الأحاديث به فمعناه أن مكر هؤلاء لو بلغ مكر ذاك لم ينتفعوا به، وأمّا ما توحيه اللغة وخطاب العرب فأن يكون المعنى وإن لم يكن جبل قط، زال لمكر المبالغة في وصف الشيء أن يقال: لو بلغ ما لا يظن أنه يبلغ ما انتفع به.
قال الأعشى:
لئن كنت في جبّ ثمانين قامة= ورقّيت أسباب السماء بسلّم
ليستدرجنك الأمر حتى تهرّه= وتعلم أني لست عنك بمحرم
فإنما بالغ في الوصف وهو يعلم أنه لا يرقّى أسباب السماء، ولا يكون في جبّ ثمانين قامة فيستدرجه القول.
فالمعنى على هذا: لو أزال مكرهم الجبال لما زال أمر الإسلام وما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 3/168-166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}
قرأ عمر بن الخطاب رحمه الله عليه وإن كاد بالدال
وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال بفتح اللام ورفع الفعل وكاد بالدال هذا المعروف من قراءته
والمشهور من قراءة عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وإن كاد بالدال
وقرأ مجاهد وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال وهي قراءة الكسائي ومجاهد وإن معناها لو أي ولو كان مكرهم لتزول منه الجبال لم يبلغوا هذا ولن يقدروا على الإسلام
وقد شاء الله تبارك وتعالى أن يظهره على الدين كله
قال أبو جعفر وهذا معروف في كلام العرب كما يقال لو بلغت أسباب السماء وهو لا يبلغها فمثله هذا
وروي في قراءة أبي بن كعب رحمه الله ولولا كلمة الله لزال مكرهم الجبال
وقال قتادة وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال قال حين دعوا لله ولد وقد قال سبحانه: {تكاد السموات يتفطرن منه}
ومن قرأ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ذهب إلى أن المعنى ما كان مكرهم ليزول به القرآن على تضعيفه وقد ثبت ثبوت الجبال
وقال الحسن مكرهم أوهى وأضعف من أن تزول منه الجبال وقرأ بهذه القراءة
وقد قيل في معنى الرفع قول آخر يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن نمروذ لما جوع النسور وعلق لها اللحم في الرماح فاستعلى فيل فقيل له أين تريد أيها الفاسق فاهبط
قال فهو قوله جل وعز: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}
وقال عبد الله بن عباس مكرهم ههنا شركهم وهو مثل قوله تعالى: {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا} ). [معاني القرآن: 3/544-541]
تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله...}
أضفت (مخلف) إلى الوعد ونصبت الرسل على التأويل. وإذا كان الفعل يقع على شيئين مختلفين مثل كسوتك الثوب وأدخلتك الدار فابدأ بإضافة الفعل إلى الرجل
فتقول: هو كاسي عبد الله ثوباً، ومدخله الدار. ويجوز: هو كاسي الثوب عبد الله ومدخل الدار زيداً، جاز ذلك لأن الفعل قد يأخذ الدار كأخذه عبد الله
فتقول: أدخلت الدار وكسوت الثوب.
ومثله قول الشاعر:
ترى الثور فيها مدخل الظلّ رأسه = وسائره بادٍ إلى الشمس أجمع
فأضاف (مدخل) إلى (الظل) وكان الوجه أن يضيف (مدخل) إلى (الرأس)
ومثله:
ربّ ابن عمّ لسليمى مشمعلّ = طبّاخ ساعات الكرى زاد الكسل
ومثله:
فرشني بخير لا أكونن ومدحتي = كناحت يوم صخرةً بعسيل
وقال آخر:
* يا سارق الليلة أهل الدار *
فأضاف سارقا إلى الليلة ونصب (أهل الدار) وكان بعض النحويّين ينصب (الليلة) ويخفض (أهل) فيقول: يا سارق الليلة أهل الدار.
* وكناحت يوماً صخرةٍ *
وليس ذلك حسناً في الفعل ولو كان اسماً لكان الذي قالوا أجوز. كقولك: أنت صاحب اليوم ألف دينار، لأن الصّاحب إنما يأخذ واحداً ولا يأخذ الشيئين، والفعل قد ينصب الشيئين، ولكن إذا اعترضت صفة بين خافض وما خفض جاز إضافته؛ مثل قولك: هذا ضارب في الدار أخيه، ولا يجوز إلاّ في الشعر،
مثل قوله:
تروّح في عمّيّةٍ وأغاثه = على الماء قوم بالهراوات هوج
مؤخّر عن أنيابه جلد رأسه = لهنّ كأشباه الزّجاج خروج
وقال الآخر:
وكرّار دون المجحرين جواده = إذا لم يحام دون أنثى حليلها
وزعم الكسائي أنهم يؤثرون النصب إذا حالوا بين الفعل المضاف بصفة فيقولون: هو ضارب في غير شيء أخاه، يتوهّمون إذا حالوا بينهما أنهم نوّنوا.
وليس قول من قال {مخلف وعده رسله} ولا {زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركائهم} بشيء، وقد فسّر ذلك.
ونحويّو أهل المدينة ينشدون قوله:
فزججتها متمكّناً = زجّ القلوص أبي مزاده
... باطل والصواب:
* زجّ القلوص أبو مزاده *). [معاني القرآن: 2/82-79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إنّ اللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ}
وقال: {مخلف وعده رسله} فأضاف إلى الأول ونصب الآخر على الفعل، ولا يحسن أن نضيف إلى الآخر لأنه يفرق بين المضاف والمضاف إليه وهذا لا يحسن.
ولا بد من إضافته لأنه قد ألقى الألف ولو كانت "مخلفا" نصبهما جميعا وذلك جائز في الكلام. ومثله "هذا معطي زيدٍ درهما" و"معطٍ زيداً درهما"). [معاني القرآن: 2/61]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن المقلوب: أن يُقدَّمَ ما يُوضِّحه التأخير، ويؤخَّرَ ما يوضِّحُه التقديم.
كقول الله تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ}، أي مخلف رسله وعده، لأنّ الإخلاف قد يقع بالوعد كما يقع بالرّسل، فتقول: أخلفت الوعد، وأخلفت الرّسل،
وكذلك قوله سبحانه: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} أي: فإنّي عدوّ لهم، لأنّ كل من عاديته عاداك). [تأويل مشكل القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إنّ اللّه عزيز ذو انتقام}
وقرئت مخلص وعده رسله، وهذه القراءة التي بنصب الوعد وخفض الرسل شاذّة رديئة، لا يجوز أن يفرق بين المضاف والمضاف إليه.
وأنشدوا في مثل هذا:
فزجّجتها بمزجّة= زجّ القلوص أبي مزاده
المعنى فزججتها بمزجّة زجّ أبي مزادة القلوص.
والقراءة: {مخلف وعده رسله}، كما تقول: هذا معطي درهم زيدا). [معاني القرآن: 3/169-168]
تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، فإن للعرب في معنى (الأبد) ألفاظا يستعملونها في كلامهم، يقولون: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما طمى البحر، أي ارتفع، وما أقام الجبل، وما دامت السموات والأرض، في أشباه لهذا كثيرة، يريدون لا أفعله أبدا،
لأن هذه المعاني عندهم لا تتغير عن أحوالها أبدا، فخاطبهم الله بما يستعملونه فقال: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} أي مقدار دوامهما، وذلك مدة العالم.
وللسماء وللأرض وقت يتغيّران فيه عن هيئتهما، يقول الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ}، ويقول: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}.
أراد أنهم خالدون فيها مدة العالم، سوى ما شاء الله أن يزيدهم من الخلود على مدة العالم. ثم قال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع.
و(إلّا) في هذا الموضع بمعنى (سوى) ومثله من الكلام: لأسكننّ في هذه الدار حولا إلا ما شئت. تريد سوى ما شئت أن أزيد على الحول.
هذا وجه.
وفيه قول آخر، وهو: أن يجعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد، على ما تعرف العرب وتستعمل، وإن كانتا قد تتغيّران، وتستثنى المشيئة من دوامهما، لأن أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة وخالدين في النار دوام السماء والأرض، إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك.
وفيه وجه ثالث: وهو أن يكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار حتى تلحقهم رحمة الله، وشفاعة رسوله، فيخرجوا منها إلى الجنة.
فكأنه قال سبحانه: خالدين في النار ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من إخراج المذنبين من المسلمين إلى الجنة،
وخالدين في الجنة ما دامت السموات والأرض، إلا ما شاء ربك من إدخال المذنبين النار مدة من المدد، ثم يصيرون إلى الجنة). [تأويل مشكل القرآن: 76-77] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات وبرزوا للّه الواحد القهّار}
إن شئت نصبت اليوم على النعت لقوله: يوم يقوم الحساب يوم تبدل الأرض.
وإن شئت أن يكون منصوبا بقوله ذو انتقام، المعنى أن الله عزّ وجل ذو انتقام أي بينهم يوم تبدل الأرض غير الأرض، والأرض مرفوعة على اسم ما لم يسمّ فاعله، وغير منصوبة على مفعول ها لم يسم فاعله، تقول: بدّل الخاتم خاتما آخر إذا كسر وصيغ صيغة أخرى، وقد تقول بدّل زيد إذا تغيرت حاله، فمعنى تبدل الأرض غير الأرض تسيير جبالها وتفجير بحارها وكونها مستوية لا يرى فيها عوج ولا أمت، فهذا - والله أعلم - تبديلها.
{والسّماوات} أي وتبدل السّماوات غير السّماوات، وتبديل السّماوات انتثار كواكبها وانفطارها وانشقاقها وتكوير شمسها وخسوف قمرها.
{وبرزوا للّه الواحد القهّار} أي خرجوا من قبورهم بارزين). [معاني القرآن: 3/169]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار}
روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال تبدل أرضا بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم حرام ولا يفعل فيها خطيئة
وقال جابر سالت أبا جعفر محمد بن علي عن قول الله عز وجل: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} قال تبدل خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة ثم قرأ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام
حدثنا الحسن بن فرج بغزة قال نا يوسف بن عدي قال حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز:
{يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات} فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله قال على الصراط
وقال الحسن تبدل الأرض كما يقول القائل لقد تبدلت يدينا قال تذهب شمسها وقمرها ونجومها وأنهارها وجبالها فذلك هو التبديل). [معاني القرآن: 3/545-544]
تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مقرّنين في الأصفاد} أي في الأغلال، وواحدها صفد والصفّد في موضع آخر: العطاء
وقال الأعشى:
تضيفته يوماً فقرّب مقعدي= وأصفدني على الزًّمانة قائدا
وبعضهم يقول: صفدني). [مجاز القرآن: 1/345]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وترى المجرمين يومئذٍ مّقرّنين في الأصفاد}
وواحد {الأصفاد} صفد). [معاني القرآن: 2/61]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الأصفاد}: واحدها صفد وهي الأغلال). [غريب القرآن وتفسيره: 198]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وترى المجرمين يومئذٍ مقرّنين في الأصفاد} أي قد قرن بعضهم إلى بعض في الأغلال واحدها: صفد).
[تفسير غريب القرآن: 234]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وترى المجرمين يومئذ مقرّنين في الأصفاد}
والأصفاد الأغلال، واحدها صفد، يقال صفدته بالحديد، وأصفدته.
وصفدت في الحديد أكثر، وأصفدته إذا أعطيته، وصفدته إذا أعطيته أيضا إلا أن الاختيار في العطية أصفدته وفي الحديد صفدته.
قال الشاعر:
وإن جئته يوما فقرّب مجلسي= وأصفدني على الزّمانة قائدا
معناه أعطاني قائدا). [معاني القرآن: 3/1701-69]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد}
قال قتادة في الأغلال والأقياد). [معاني القرآن: 3/546]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مقرنين في الأصفاد} أي قرن بعضهم إلى بعض في الأغلال. والأصفاد واحدها صفد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 123]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الأَصْفَاد}: الأغلال). [العمدة في غريب القرآن: 171]
تفسير قوله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {سرابيلهم مّن قطرانٍ...}
عامّة القراء مجمعون على أن القطران حرف واحد مثل الظّربان. ... وحدثني حبّان عن الكلبيّ عن أبي صالح أن ابن عباس فسّرها {من قطرانٍ}: قد انتهى حرّه، قرأها ابن عبّاس كذلك.
قال أبو زكريّا، وهو من قوله: {قال آتوني أفرغ عليه قطراً} ). [معاني القرآن: 2/82]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سرابيلهم من قطرانٍ} أي قمصهم، وواحدها سربال). [مجاز القرآن: 1/345]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سرابيلهم من قطران}: واحدها سربال وهو القميص). [غريب القرآن وتفسيره: 198]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سرابيلهم} أي قمصهم. واحدها: سربال. {من قطرانٍ}.
ومن قرأ: «من قطر آن» أراد: نحاسا قد بلغ منتهى حرّه. أنى فهو آن). [تفسير غريب القرآن: 234]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النّار}
السربال كل ما لبس.
وجعلت سرابيلهم من قطران - واللّه أعلم - لأن القطران يبالغ في اشتعال النار في الجلود، ولو أراد الله المبالغة في إحراقهم
بغير نار وغير قطران لقدر على ذلك، لكن عذب بما يعقل العباد العذاب من جهته وحذرهم ما يعرفون حقيقته، وقرئت (من قطر آن)، قرأ بها جماعة.
والقطر النحاس، وآن قد انتهى حرّه). [معاني القرآن: 3/170]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار}
قال الحسن هو قطران الإبل
وروي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا هو النحاس
والمعروف في اللغة أنه يقال للنحاس قطر قال الله عز وجل: {وأسلنا له عين القطر}
وقرأ ابن عباس وعكرمة سرابيلهم من قطر آن وفسراه بالنحاس
قال أبو جعفر وهذا هو الصحيح ومنه قوله تعالى: {وأسلنا له عين القطر} والسرابيل القمص
وقال عكرمة وآن انتهى حره ويقال إن الهمزة بدل من الحاء
فإن قيل فلعل الحاء بدل الهمزة قيل ذلك أولى لأنه مأخوذ من الحين). [معاني القرآن: 3/547-546]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سرابيلهم} أي قمصهم {من قطران} ومن قرأ (قطر آن) أي من نحاس قد بلغ في حره). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 123]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَرَابيلُهُمْ}: ثيابهم.
{القَطِرانُ}: النحاس). [العمدة في غريب القرآن: 171]
تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)}
تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}