العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:03 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة الأعراف

التفسير اللغوي لسورة الأعراف

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 02:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 18]

{المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}

تفسير قوله تعالى: {المص (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({المص}
قلت: أرأيت ما يأتي بعد حروف الهجاء مرفوعا؛ مثل قوله: {المص كتابٌ أنزل إليك} ومثل قوله: {الم تنزيل الكتاب}، وقوله: {الر كتابٌ أحكمت آياته} وأشباه ذلك بم رفعت الكتاب في هؤلاء الأحرف؟
قلت: رفعته بحروف الهجاء إلى قبله؛ كأنك قلت: الألف واللام والميم والصاد من حروف المقطّع كتابٌ أنزل إليك مجموعا. فإن قلت: كأنك قد جعلت الألف واللام والميم والصاد يؤدّين عن جميع حروف المعجم، وهو ثلاثة أحرف أو أربعة؟ قلت: نعم، كما أنك تقول: ا ب ت ث ثمانية وعشرون حرفا، فتكتفي بأربعة أحرف من ثمانية وعشرين. فإن قلت: إن ألف ب ت ث قد صارت كالاسم لحروف الهجاء؛ كما تقول: قرأت الحمد، فصارت اسما لفاتحة الكتاب. قلت: إن الذي تقول ليقع في الوهم، ولكنك قد تقول: ابني في ا ب ت ث، ولو قلت في حاط لجاز ولعلمت بأنه يريد: ابني في الحروف المقطّعة. فلما اكتفى بغير أوّلها علمنا أن أوّلها ليس لها باسم وإن كن أوّلها آثر في الذكر من سائرها. فإن قلت: فكيف جاءت حروف (المص)، (كهيعص) مختلفة ثم أنزلا منزل باتاثا وهنّ متواليات؟ قلت: إذا ذكرن متواليات دللن على أ ب ت ث
بعينها مقطّعة، وإذا لم يأتين متواليات دللن على الكلام المتصل لا على المقطّع. أنشدني الحارثيّ:


تعلمت باجاد وآل مرامرٍ = وسوّدت أثوابي ولست بكاتب
وأنشدني بعض بني أسد:

لّما رأيت أمرها في حطّي = وفنكت في كذب ولط
أخذت منها بقرونٍ شمط = ولم يزل ضربي لها ومعطي
* حتى على الرأس دم يغطي * =
فاكتفى بحطى من أبي جاد، ولو قال قائل: الصبي في هوّز أو كلمن، لكفى ذلك من أبى جاد.
وقد قال الكسائي: رفعت {كتابٌ أنزل إليك} وأشباهه من المرفوع بعد الهجاء بإضمار (هذا) أو (ذلك) وهو وجه. وكأنه إذا أضمر (هذا) أو (ذلك) أضمر لحروف الهجاء ما يرفعها قبلها؛ لأنها لا تكون إلا ولها موضع.
قال: أفرأيت ما جاء منها ليس بعده ما يرافعه؛ مثل قوله: حم. عسق، ويس، وق، وص، مما يقلّ أو يكثر، ما موضعه إذ لم يكن بعده مرافع؟ قلت:
قبله ضمير يرفعه، بمنزلة قول الله تبارك وتعالى: {براءة من اللّه ورسوله} المعنى والله أعلم: هذه براءة من الله. وكذلك {سورة أنزلناها} وكذلك كل حرف مرفوع مع القول ما ترى معه ما يرفعه فقبله اسم مضمر يرفعه؛ مثل قوله: {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا} المعنى والله أعلم: لا تقولوا هم ثلاثة، يعني الآلهة. وكذلك قوله: {سيقولون ثلاثة رابعهم} المعنى والله أعلم: سيقولون هم ثلاثة.
وقد قيل في {كهيعص}: إنه مفسّر لأسماء الله. فقيل: الكاف من كريم، والهاء من هاد، والعين والياء من عليم، والصاد من صدوق. فإن يك كذلك (فالذكر) مرفوع بضمير لا بـ (كهيعص). وقد قيل في {طه} إنه: يا رجل، فإن يك كذلك فليس يحتاج إلى مرافع؛ لأن المنادى يرفع بالنداء؛ وكذلك {يس} جاء فيها يا إنسان، وبعضهم: يا رجل، والتفسير فيها كالتفسير في طه). [معاني القرآن: 1/369-371]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({آلمص}: ساكن لأنه جرى مجرى سائر فواتح السور اللواتي جرين مجرى حروف التّهجّي، وموضعه ومعناه على تفسير سائر ابتداء السور). [مجاز القرآن: 1/210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {المص}
قد فسرنا هذه الحروف في أول سورة البقرة، إلا أنا أعدنا ههنا شيئا من تفسيرها لشي في إعرابها، والذي اخترنا في تفسيرها قول ابن عباس أن (المص) معناه: أنا اللّه أعلم وأفصّل. وقال بعض النحويين موضع هذه الحروف رفع بما بعدها، قال: {المص * كتاب..}، كتاب مرتفع بـ(المص)، وكأن معناه المص حروف كتاب أنزل إليك، وهذا لو كان كما وصف لكان بعد هذه الحروف أبدا ذكر الكتاب؛ فقوله: {الم اللّه لا إله إلا هو} يدل على أن (الم) لا مرافع لها على قوله، وكذلك: {يس * والقرآن الحكيم}، وكذلك: {حم عسق * كذلك يوحى إليك}، وقوله: {حم والكتاب المبين إنا أنزلناه}.. فهذه الأشياء تدل على أن الأمر على غير ما ذكر، ولو كان كذلك أيضا لما كان (الم) مكررا، ولا (حم) مكررا.
وقد أجمع النحويون على أن قوله عزّ وجلّ {كتاب أنزل إليك} مرفوع بغير هذه الحروف، المعنى هذا كتاب أنزل إليك، وهو مجمع معهم على أن ما قالوه جائز فيجب اتباعهم من قوله وقولهم، ويجب على قائل هذا القول التثبيت على مخالفتهم، ولو كان كما يصف لكان مضمرا اسمين فكان المعنى (الم) بعض حروف كتاب أنزل إليك، فيكون قد أضمر المضاف وما أضيف إليه، وهذا ليس بجائز.
فإن قال قائل قد يقول ألف. با. تا. ثا. ثمانية وعشرون حرفا، وإنما ذكرت أربعة فمن أين جاز ذلك، قيل قد صار اسم هذه ألف. با. تا. ثا، كما أنك تقول: الحمد سبع آيات فالحمد اسم لجملة السورة، وليس اسم الكتاب (الم)، ولا اسم القرآن (طسم). وهذا فرق بين.
وهذه الحروف كما وصفنا حروف هجاء مبنية على الوقف، وهي في موضع جمل، والجملة إذا كانت ابتداء وخبرا فقط لا موضع لها. فإذا كان معنى كهيعص، معنى الكاف كاف، ومعنى الهاء هاد، ومعنى الياء والعين من عليم ومعنى الصاد من صدوق، وكان معنى " الم " أنا أعلم، فإنما موضعها كموضع الشيء الذي هو تأويل لها. ولا موضع في الإعراب لقولك: أنا اللّه أعلم، ولا لقولك؛ هو هاد، وهو كاف، إنما يرتفع بعض هذا ببعض.
والجملة لا موضع لها). [معاني القرآن: 2/313-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (قوله جل وعز: {المص}
قال أبو جعفر قد بين معنى فواتح السور في أول سورة البقرة فمن قال معنى آلم أنا الله أعلم قال معنى آلمص أنا الله أفصل
وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير). [معاني القرآن: 3/7]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن تفسير {المص} أنا الله الملك الصادق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 83]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({المص}: أنا الله أعلم وأفصل). [العمدة في غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلا يكن في صدرك حرجٌ مّنه...}
يقول: لا يضيق صدرك بالقرآن بأن يكذبوك، وكما قال الله تبارك وتعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا}. وقد قيل: {فلا يكن في صدرك حرج}: شك.
{لتنذر به} مؤخر، ومعناه: المص كتاب أنزل إليك لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج منه.
{وذكرى للمؤمنين} في موضع نصب ورفع. إن شئت رفعتها على الردّ على الكتاب؛ كأنك قلت: كتاب حقّ وذكرى للمؤمنين؛ والنصب يراد به: لتنذر وتذّكر به المؤمنين). [معاني القرآن: 1/371]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({كتابٌ أنزل إليك} رفع من موضعين؛ أحدهما: أنزل إليك كتاب، والآخر: على الاستئناف.
{فلا يكن} ساكن لأنه نهىٌ.
{في صدرك حرجٌ منه} أي ضيق.
{بياتاً}: أي ليلا؛ بيّتهم بياتاً وهم نيام). [مجاز القرآن: 1/210]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ مّنه لتنذر به وذكرى للمؤمنين}
[قال] {كتابٌ أنزل إليك} على الابتداء.
وقال: {فلا يكن في صدرك حرجٌ مّنه} على النهي كما قال: {ولا تعد عيناك عنهم} أي: "الحرج فلا يكن في صدرك"، و"عيناك فلا تعدوا عنهم"). [معاني القرآن: 2/1]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فلا يكن في صدرك حرجٌ منه} أي شك. وأصل الحرج: الضيق، والشاك في الأمر يضيق صدرا، لأنه لا يعلم حقيقته. فسمي الشك حرجا). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الحرج: أصله الضيق. ومن الضيق: الشك، كقول الله تعالى: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}، أي شك، لأنّ الشّاكّ في الشيء يضيق صدرا به). [تأويل مشكل القرآن: 484]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين}
فمعنى الحرج الضيق. وفيه وجهان:
أحدهما: أن يكون لا يضق صدرك بالإبلاغ ولا تخافن، لأنه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: رب إني أخاف أن يثلغوا رأسي فيجعلوه كالخبزة، فأعلم الله عزّ وجلّ أنّه في أمان منهم، فقال: {واللّه يعصمك من النّاس}، وقال: {فلا يكن في صدرك حرج منه}.
أي فلا - يضيقن صدرك من تأدية ما أرسلت به.
وقيل أيضا: فلا تشكن فيه.
وكلا التفسيرين له وجه، فأما تأويل فلا تشكنّ، وتأويل {فلا تكونن من الممترين}، وتأويل: (فإن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك) فإن ما خوطب به - صلى الله عليه وسلم - فهو خطاب لأمته، فكأنه بمنزله " فلا تشكوا ولا ترتابوا ".
وقوله: {لتنذر به} معناه التقديم، والمعنى واللّه أعلم - كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرج منه.
{وذكرى} يصلح أن يكون في موضع رفع ونصب وجرّ فأمّا النصب فعلى قولك: أنزل لتنذر به وذكرى للمؤمنين، أي ولتذكر به ذكرى، لأن في الإنذار معنى التذكير.
ويجوز أن يكون وهو ذكرى للمؤمنين كقولك وهو ذكر للمؤمنين.
فأما الجر فعلى معنى لتنذر، لأن معنى {لتنذر} لأن تنذر فهو في موضع جر. المعنى للإنذار والذكرى. فأما ذكرى فمصدر فيه ألف التأنيث، بمنزلة دعوت دعوى، وبمنزلة رجعته رجعى. واتقيت تقوى، إلا أنه اسم في موضع المصدر). [معاني القرآن: 2/ 315-316]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {كتاب أنزل إليك}
المعنى هذا كتاب أنزل إليك). [معاني القرآن: 3/7]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فلا يكن في صدرك حرج منه}
قال مجاهد وقتادة: "الحرج": الشك. والمعنى على هذا القول: فلا تشكوا فيه لأن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته.
والحرج في اللغة: الضيق،
- فيجوز أن يكون سمي ضيق لأن الشاك لا يعرف حقيقة الشيء فصدره يضيق به،
- ويجوز أن يكون المعنى فلا يكن في صدرك ضيق من أن تبلغه لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إني أخاف أن يثلغوا رأسي"،
وفي الكلام تقديم وتأخير المعنى كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين فلا يكن في صدرك حرج منه). [معاني القرآن: 3/7-8]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} أي شك، وأصله الضيق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {اتّبعوا ما أنزل إليكم...}
وإنما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم وحده لأن ما أنذر به فقد أنذرت به أمته؛ كما قال: {يأيها النبي إذا طلقتم النساء} فخاطبه، ثم جعل الفعل للجميع، وأنت قد تقول للرجل: ويحك أما تتقون الله، تذهب إليه وإلى أهل بيته أو عشيرته. وقد يكون قوله: (اتبعوا) محكيا من قوله (لتنذر به) لأن الإنذار قول، فكأنه قيل له: لتقول لهم اتبعوا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين} لأن الوصية قول.
ومثله: {يأيها النبي لم تحرّم ما أحلّ الله لك}. ثم قال: {قد فرض الله لكم} فجمع). [معاني القرآن: 1/372]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أوهم قائلون}: أي نهاراً إذا قالوا). [مجاز القرآن: 1/210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكّرون}
أي اتبعوا القرآن، وما أتي به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه مما أنزل عليه لقوله جلّ وعزّ: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
{ولا تتبعوا من دونه أولياء}
أي لا تتولّوا من عدل عن دين الحق، ومن ارتضى مذهبا من المذاهب، فالمؤمن وليّ المؤمن {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}.
وقوله عزّ وجلّ: {قليلا ما تذكرون}
ما زائدة مؤكدة، المعنى قليلا تذكرون، وفي تذكرون وجهان في القراءة: قليلا ما تذّكرون - بالتشديد - في الذال، والمعنى: قليلا ما تتذكرون، إلا أن التاء تدغم في الذال لقرب مكان هذه من مكان هذه.
ومن قرأ (تذكّرون) فالأصل - أيضا - تتذكرون، إلّا أنّه حذف إحدى التاءين، وهي التاء الثانية لأنهما زائدتان، إلا أن الأولى تدل على معنى الاستقبال فلا يجوز حذفها، والثانية إنما دخلت على معنى فعلت الشيء على تمهّل، نحو تفهّمت وتعلّمت، أي أحدثت الشيء على مهل، وتدخل على معنى إظهار الشيء والحقيقة غيره، كقولك تقيّست أي أظهرت أني قيسيّ.
فإنما المحذوف من تتفعلون الثانية، لأن الباقي في الكلمة من تشديد العين من تفعل يدل على معنى الكلمة، ولو حذفت تاء " استقبال " لبطل معنى الاستقبال). [معاني القرآن: 2/316-317]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم}
قيل هو القرآن والسنة لقوله جل وعز: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
ثم قال جل وعز: {ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون}
أي لا تتخذوا من عدل عن دين الحق وليا وكل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه.
وروي عن مالك بن دينار رحمه الله أنه قرأ (ولا تبتغوا من دونه أولياء) أي لا تطلبوا). [معاني القرآن: 3/8-9]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وكم مّن قريةٍ أهلكناها فجاءها...}
يقال: إنما أتاها البأس من قبل الإهلاك، فكيف تقدم الهلاك؟ قلت: لأن الهلاك والبأس يقعان معا؛ كما تقول: أعطيتني فأحسنت، فلم يكن الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله: إنما وقعا معا، فاستجيز ذلك. وإن شئت كان المعنى: وكم من قرية أهلكناها فكان مجيء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كان. وإنما جاز ذلك على شبيه بهذا المعنى، ولا يكون في الشروط التي خلفتها بمقدّم معروف أن يقدم المؤخر أو يؤخر المقدم؛ مثل قولك: ضربته فبكى، وأعطيته فاستغنى، إلا أن تدع الحروف في مواضعها.
وقوله: {أهلكناها فجاءها} قد يكونان خبرا بالواو: أهلكناها وجاءها البأس بياتا). [معاني القرآن: 1/372-373]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أو هم قائلون...}
ردّ الفعل إلى أهل القرية وقد قال في أولها {أهلكناها} ولم يقل: أهلكناهم فجاءهم، ولو قيل، كان صوابا. ولم يقل: قائلة، ولو قيل لكان صوابا.
وقوله: {أو هم قائلون} واو مضمرة. المعنى أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو وهم قائلون، فاستثقلوا نسقا على نسق، ولو قيل لكان جائزا؛ كما تقول في الكلام: أتيتني واليا، أو وأنا معزول، وإن قلت: أو أنا معزول، فأنت مضمر للواو). [معاني القرآن: 1/373]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أوهم قائلون}: من القائلة). [غريب القرآن وتفسيره: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فجاءها بأسنا} يعني العذاب. {بياتاً} ليلا. {أو هم قائلون} من القائلة نصف النهار). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون}
المعنى وكم من أهل قرية أهلكناهم، إلا أن أهل حذف لأن في الكلام دليلا عليه.
وقوله: {فجاءها بأسنا بياتا} محمول على لفظ القرية، ولو قيل فجاءهم لكان صوابا.
وقوله: {أو هم قائلون}
قال بعض النحويين: المعنى: وهم قائلون، والواو فيما ذكر محذوفة وهذا لا يحتاج إلى ضمير الواو، ولو قلت: جاءني زيد راجلا أو وهو فارس، أو جاءني زيد هو فارس لم تحتج إلى واو، لأن الذكر قد عاد إلى الأول.
ومعنى {بياتا}: ليلا، يقال بات بياتا حسنا، وبيتة حسنة، والمصدر في الإصابات بيتا. والبيت بيت الشعر وكذلك بيت المدر، وإنما أصل تسميته من أنه يصلح للمبيت، ويقال لفلان بيتة وليلة وبيت ليلة، أي ما يكفيه من القوت في ليلة.
ومعنى {أو هم قائلون}
أي أو جاءهم بأسنا نهارا في وقت القائلة، يقال قلت من القائلة، فالمعنى: إنهم جاءهم بأسنا غفلة، وهم غير متوقعين له، إما ليلا وهم نائمون.
أو نهارا وهم قائلون كأنهم غافلون.
و{أو} ههنا دخلت على جهة تصرف الشيء ووقوعه، إما مرة كذا، وإما مرة كذا، فهي في الخبر ههنا بمنزلة أو في الإباحة، تقول جالس زيدا أو عمرا، أي كل واحد منهما أهل أن يجالس، واو ههنا أحسن من الواو، لأن الواو تتضمن اجتماع الشيئين، لو قلت: ضربت القوم قياما وقعودا، لأوجبت الواو أنك ضريتهم وهم على هاتين الحالتين، وإذا قلت: ضربتهم قياما أو ضربتهم قعودا، ولم تكن شاكا، فإنما المعنى أنك ضربتهم مرة على هذه الحال، ومرة على هذه الحال.
وموضع "كم" رفع بالابتداء وخبرها أهلكناها، وهو أحسن من أن تكون في موضع نصب، لأن قولك زيد ضربته أجود من زيدا ضربته. -
والنصب جيد عربي أيضا مثله قوله جلّ وعزّ: {إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر}). [معاني القرآن: 2/317-318]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون}
المعنى: فجاءهم العذاب على غفلة بالليل وهم نائمون أو نصف النهار وهم قائلون
ومعنى {أو} ههنا التصرف مرة كذا ومرة كذا وهي بمنزلة أو التي تكون للإباحة في الأمر). [معاني القرآن: 3/9]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (قوله عز وجل: {بَيَاتاً} أي: ليلاً.
{أو هم قائلون} أي: نصف النهار، وقت النوم). [ياقوتة الصراط: 227]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قَائِلُونَ}: من القائلة). [العمدة في غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فما كان دعواهم...}
"الدعوى" في موضع نصب لكان. ومرفوع كان قوله: {إلاّ أن قالوا} فأن في موضع رفع. وهو الوجه في أكثر القرآن: أن تكون أن إذا كان معها فعل، أن تجعل مرفوعة والفعل منصوبا؛ مثل قوله: {فكان عاقبتهما أنهما في النار} و{ما كان حجتهم إلا أن قالوا}. ولو جعلت الدعوى مرفوعة (وأن) في موضع نصب كان صوابا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {ليس البرّ أن تولوا} وهي في إحدى القراءتين: ليس البر بأن تولوا). [معاني القرآن: 1/373]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فما كان دعواهم} أي قولهم وتداعيهم). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلّا أن قالوا إنّا كنّا ظالمين}
المعنى - واللّه أعلم - أنهم لم يحصلوا مما كانوا ينتحلونه من المذهب والدّين ويدعونه إلاّ على اعتراف بأنهم كانوا ظالمين، والدعوى اسم لما يدّعيه، والدعوى يصلح أن تكون في معنى الدعاء لو قلت: اللهم أشركنا في صالح دعاء المسلمين ودعوى المسلمين جاز، حكى سيبويه ذلك وأنشد:
ولّت ودعواها كثير صخبه.
وموضع "أن" الأحسن أن يكون رفعا، وأن تكون الدعوى في موضع نصب، كما قال جل ثناؤه: {ما كان حجتهم إلا أن قالوا} ويجوز أن يكون في موضع نصب، ويكون الدعوى في موضع رفع إلا أن الدعوى إذا كانت في موضع رفع فالأكثر في اللفظ "فما كانت دعواهم كذا وكذا إلا أن" لأنّ الدعوى مؤنثة في اللفظ، ويجوز كان دعواه باطلا وباطلة). [معاني القرآن: 2/318-319]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا}
الدعوى ههنا بمنزلة الدعاء والدعوى تكون بمنزلة الادعاء وتكون بمنزلة الدعاء وأجاز النحويون اللهم أشركنا في صالح دعوى من دعاك
والمعنى أنهم لم يحصلوا عند الهلاك إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين). [معاني القرآن: 3/10]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}
وقال{فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم} يقول [لنسألنّ] القوم الذين بعث إليهم وأنذروا {ولنسألنّ المرسلين}). [معاني القرآن: 2/1]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}
وهذا سؤال توبيخ وتقرير.
فأما قوله تعالى: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} فمعناه أنه لا يسأل سؤال استعلام والله أعلم). [معاني القرآن: 3/10]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين}
{فلنقصّنّ} أدخل النون واللام لأن قوله: {فلنسألنّ}، {ولنسألنّ المرسلين} على القسم). [معاني القرآن: 2/1]

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {والوزن يومئذٍ الحقّ...}
وإن شئت رفعت الوزن بالحقّ، وهو وجه الكلام. وإن شئت رفعت الوزن بيومئذ، كأنك قلت: الوزن في يوم القيامة حقّاً، فتنصب الحقّ وإن كانت فيه ألف ولام؛ كما قال: {فالحقّ والحقّ أقول}الأولى منصوبة بغير أقول. والثانية بأقول.
وقوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك} ولم يقل (فذلك) فيوحّد لتوحيد من، ولو وحّد لكان صوابا. و(من) تذهب بها إلى الواحد وإلى الجمع. وهو كثير). [معاني القرآن: 1/374]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والوزن يومئذ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}
اختلف الناس في ذكر الميزان في القيامة، وجاء في بعض التفسير أنه ميزان له كفّتان، وأن الميزان أنزل إلى الدنيا ليتعامل الناس بالعدل وتوزن به الأعمال، وقال بعضهم: الميزان العدل، وذهب إلى قولك هذا في وزن هذا، وإن لم يكن مما يوزن، وتأويله أنه قد قام في النفس مساويا لغيره كما يقوم الوزن في مرآة العين.
وقال بعضهم: الميزان الكتاب الذي فيه أعمال الخلق، وهذا كله في باب اللغة - والاحتجاج سائغ، إلا أن الأولى من هذا أن يتبع ما جاء بالأسانيد الصحاح. فإن جاء في الخبر أنه ميزان له كفّتان، من حيث ينقل أهل الثقة، فينبغي أن يقبل ذلك.
وقد روي عن جرير عن الضحاك أن الميزان العدل، والله أعلم بحقيقة ذلك، إلا أن جملة أعمال العباد موزونة على غاية العدل والحق.
وهو قوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}.
وقد فسرنا المفلح فيما تقدم). [معاني القرآن: 2/319-320]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}
قال عبيد بن عمير: يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة.
قال عمرو بن دينار: إن الميزان له كفتان). [معاني القرآن: 3/11]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {بما كانوا بآياتنا يظلمون} أي يجحدون. والظلم يتصرف على وجوه قد ذكرناها في «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ويكون الظلم: الجحد، قال الله تعالى: {وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} أي: جحدوا بأنّها من الله تعالى.
وقال: {بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} أي: يجحدون). [تأويل مشكل القرآن: 468]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وجعلنا لكم فيها معايش...}
لا تهمز؛ لأنها -يعني الواحدة- مفعلة، الياء من الفعل، فلذلك لم تهمز، إنما يهمز من هذا ما كانت الياء فيه زائدة؛ مثل مدينة ومدائن، وقبيلة وقبائل لما كانت الياء لا يعرف لها أصل ثم قارفتها ألف مجهولة أيضا همزت، ومثل معايش من الواو مما لا يهمز لو جمعت، معونة قلت: (معاون) أو منارة قلت مناور. وذلك أن الواو ترجع إلى أصلها؛ لسكون الألف قبلها.
وربما همزت العرب هذا وشبهه، يتوهمون أنها فعلية لشبهها بوزنها في اللفظ وعدّة الحروف؛ كما جمعوا مسيل الماء أمسلة، شبّه بفعيل وهو مفعل. وقد همزت العرب المصائب وواحدتها مصيبة؛ شبهت بفعيلة لكثرتها في الكلام). [معاني القرآن: 1/374-375]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولقد مكّنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً مّا تشكرون}
وقال: {وجعلنا لكم فيها معايش} فالياء غير مهموزة وقد همز بعض القراء وهو رديء لأنها ليست بزائدة. وإنّما يهمز ما كان على مثال "مفاعل" إذا جاءت الياء زائدة في الواحد والألف والواو التي تكون الهمزة مكانها نحو "مدائن" لأنها "فعايل".
ومن جعل "المدائن" من "دان" "يدين" لم يهمز لأن الياء حينئذ من الأصل. وأما "قطائع" و"رسائل" و"عجائز" و"كبائر" فان هذا كله مهموز لأن واو "عجوز" زائدة، ألا ترى أنك تقول: "عجز" وألف "رسالة" زائدة [إذ] تقول "أرسلت" فتذهب الألف منها. وتقول في "كبيرة" "كبرت" فتذهب الياء منها. وأما "مصايب" فكان أصلها "مصاوب" لأن الياء إذا كانت أصلها الواو فجاءت في موضع لا بد من أن تحرك [فيه] قلبت الواو في ذلك الموضع إذا كان الأصل من الواو فلما قلبت صارت كأنها قد أفسدت حتى صارت كأنها الياء الزائدة فلذلك همزت ولم يكن القياس أن تهمز. وناس من العرب يقولون "المصاوب" وهي قياس). [معاني القرآن: 2/1-2]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولقد مكّنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون}
معنى التمكين في الأرض: التمليك والقدرة.
ومعنى "المعايش": يحتمل أن يكون ما يعيشون به، ويمكن أن يكون الوصلة إلى ما يعيشون به.
وأكثر القراء على ترك الهمز في معايش، وقد رووها عن نافع مهموزة.
وجميع النحويين البصريين يزعمون أن همزها خطأ، وذكروا أن الهمز إنما يكون في هذه الياء إذا كانت زائدة نحو صحيفة وصحائف، فأما معايش فمن العيش، الياء أصلية وصحيفة من الصحف لأن الياء زائدة، وإنما همزت لأنه لا حظّ لها في الحركة، وقد قربت من آخر الكلمة ولزمتها الحركة فأوجبوا فيها الهمز، وإذا جمعت مقاما قلت مقاوم.
وأنشد النحويون:
وإني لقوام مقاوم لم يكن..=. جرير ولا مولى جرير يقومها
وقد أجمع النحويون على أن حكوا مصائب في جمع مصيبة، بالهمز.
وأجمعوا أن الاختيار مصاوب.
وهذه عندهم من الشاذ، أعني "مصايب".
وهذا عندي إنما هو بدل من الواو المكسورة، كما قالوا في وسادة: إسادة، إلا أن هذا البدل في المكسورة يقع أولا كما يقع في المضمومة، نحو {أقّتت} وإنما هو من الوقت والمضمومة تبدل في غير أول نحو "ادؤر"، يقولون "ادؤ" فحملوا المكسورة على ذلك.
ولا أعلم أحدا فسّر ذلك غيري، وهو أحسن من أن يجعل الشيء خطأ إذ نطقت به العرب وكان له وجه من القياس، إلا أنه من جنس البدل الذي إنما يتبع فيه السماع، ولا يجعل قياسا مستمرا.
فأما ما رواه نافع من معائش بالهمز فلا أعرف له وجها، إلا أن لفظ هذه الياء التي من نفس الكلمة أسكن في معيشة فصار على لفظ صحيفة، فحمل الجمع على ذلك، ولا أحب القراءة بالهمز إذ كان أكثر النّاس إنّما يقرأون بترك الهمز، ولو كان مما يهمز لجاز تحقيقه وترك همزه، فكيف وهو مما لا أصل له في الهمز؛ وهو كتاب اللّه عزّ وجلّ الذي ينبغي أن يقال فيه إلى ما عليه الأكثر لأن القراءة سنة فالأولى فيها الاتباع، والأولى اتباع الأكثر.
وزعم الأخفش أن مصائب إنما وقعت الهمزة فيها بدلا من الواو أعلّت في مصيبة، - وهذا رديء. لا يلزم أن أقول في مقام مقائم ولفي معونة معائن). [معاني القرآن: 2/320-321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولقد مكناكم في الأرض} أي ملكناكم
{وجعلنا لكم فيها معايش} أي ما تعيشون به، ويجوز أن يكون المعنى ما تتوصلون به إلى المعيشة). [معاني القرآن: 3/11]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلاّ إبليس لم يكن مّن السّاجدين}
وقال: {ثمّ صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة}
لأنّ "ثمّ" في معنى الواو ويجوز أن يكون معناه {لآدم} كما تقول للقوم: "قد ضربناكم" وإنما ضربت سيدهم). [معاني القرآن: 2/2]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الرِّجْزُ: العذاب.
قال الله تعالى- حكاية عن قوم فرعون: {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} أي العذاب.
ثم قد يسمّى كيد الشيطان: رجزا، لأنّه سبب العذاب. قال الله تعالى: {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}). [تأويل مشكل القرآن: 471](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ}
أراد: خلقنا آدم وصوّرناه، فجعل الخلق لهم، إذ كانوا منه). [تأويل مشكل القرآن: 152]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس لم يكن من السّاجدين}
زعم الأخفش أن (ثم) ههنا في معنى الواو، وهذا خطأ لا يجيزه الخليل وسيبويه وجميع من يوثق بعربيته، إنما ثم للشيء الذي يكون بعد المذكور قبله لا غير، وإنما المعنى في هذا الخطاب ذكر ابتداء خلق آدم أولا، فإنما المعنى إنا بدأنا خلق آدم ثم صورناه، فابتداء خلق آدم التراب، الدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ {إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب} فبدأ اللّه خلق آدم ترابا، وبدأ خلق حواء من ضلع من أضلاعه، ثم وقعت الصورة بعد ذلك، فهذا معنى {خلقناكم ثم صورناكم} أي هذا أصل خلقكم. ثم خلق الله نطفا ثم صوّروا. فـ"ثمّ" إنما هي لما بعد.
وقوله جلّ وعزّ: {ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم}
أي بعد الفراغ من خلق آدم أمرت الملائكة بالسجود.
وقوله: {إلّا إبليس لم يكن من السّاجدين}
استثناء ليس من الأول، ولكنه ممن أمر بالسجود، الدليل على ذلك قوله: {ما منعك ألّا تسجد إذ أمرتك}؛ فدل بقوله: {إذ أمرتك} أنّ إبليس أمر بالسجود مع الملائكة، ومعنى (ما منعك ألّا تسجد) إلغاء " لا " وهي مؤكدة، المعنى: ما منعك أن تسجد فمسألته عن هذا واللّه قد علم ما منعه، توبيخ له وليظهر أنه معاند، وأنه ركب المعصية خلافا للّه، وكل من خالف اللّه في أمره فلم يره واجبا عليه كافر بإجماع، لو ترك تارك صلاة قال إنها لا تجب كان كافرا بإجماع الأمة.
فأعلم اللّه جل ثناؤه أن معصية إبليس معصية معاندة وكفر، وقد أعلم الله أنه من الكافرين فقال: {إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}
فالفصل بين معصية إبليس ومعصية آدم وحوّاء أنّ إبليس عاند وأقام ولم يتب، وأن آدم وحواء اعترفا بالذنب وقالا: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}.
ومثل "ألّا" في قوله: {ألّا تسجد}، قوله: {لئلّا يعلم أهل الكتاب} أي: لأن يعلم أهل الكتاب، وقول الشاعر:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به = نعم من فتى لا يمنع الجوع قاتله
قالوا معناه أبى جوده البخل.
وقال أبو عمرو بن العلاء: الرواية أبى جوده البخل.
واستعجلت به "نعم"، والذي قاله أبو عمرو حسن، المعنى أبى جوده "لا" التي تبخل الإنسان، كأنّه إذا قيل: لا تسرف ولا تبذر مالك أبى جوده "لا" هذه، واستعجلت به "نعم"، فقال: نعم أفعل ولا أترك الجود.
وهذان القولان في البيت هما قولا العلماء، وأرى فيه وجها آخر وهو عندي حسن؛ أرى أن تكون "لا" غير لغو، وأن يكون البخل منصوبا بدلا من "لا"، المعنى: أبى جوده البخل واستعجلت به "نعم".
وموضع "ما" في قوله: {ما منعك ألّا تسجد} رفع، المعنى أي شيء منعك في السجود، فلم يقل منعني كذا وكذا فأتى بالشيء في معنى الجواب.
ولفظه غير جواب، لأن قوله: {أنا خير منه} في معنى منعني من السجود فضلى عليه. ومثل هذا في الجواب أن يقول الرجل كيف كنت، فيقول: أنا صالح، وإنما الجواب كنت صالحا، ولكن المعنى إنّه قد أجابه بما احتاج إليه وزاده أنه في حال مسألته إياه صالح فقال اللّه عز وجلّ:
{قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فاخرج إنّك من الصّاغرين} ). [معاني القرآن: 2/321-324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم}
في هذه الآية أقوال:
- قال الأخفش -وهو أحد قول قطرب-: "ثم" ههنا بمعنى الواو.
وهذا القول خطأ على مذهب أهل النظر من النحويين ولا يجوز أن تكون ثم بمعنى الواو لاختلاف معنييهما.
- وقيل: "ثم" للإخبار.
- وقيل: {ولقد خلقناكم} يعني في ظهر آدم ثم صورناكم أي في الأرحام هذا صحيح، عن ابن عباس: {ولقد خلقناكم} يعني ابن آدم وقد علم جل وعز أنه يخلق ذريته فهو بمنزلة ما خلق.
- وقال مجاهد: رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح معنى ولقد خلقناكم ثم صورناكم في ظهر آدم.
قال أبو جعفر وهذا أحسن الأقوال يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم ثم صورهم حين أخذ عليهم الميثاق ثم كان السجود لآدم بعد
ويقوي هذا وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم
والحديث أنه أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق.
قال الزجاج: المعنى خلقنا آدم من تراب ثم صورناه. قال: ويدل عليه خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، فالتقدير خلقنا أصلكم.
وقيل المعنى: خلقناكم نطفا ثم صورناكم.
ثم قال جل وعز: {فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين}
قيل: استثنى إبليس من الملائكة وليس منهم لأنه أمر بالسجود معهم قال جل وعز: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك}
وقيل إنه كان منهم.
قال أبو جعفر: وقد استقصينا هذا في سورة البقرة). [معاني القرآن: 3/12-14]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قال ما منعك ألاّ تسجد...}
المعنى -والله أعلم- ما منعك أن تسجد. و(أن) في هذا الموضع تصحبها لا، وتكون (لا) صلة. كذلك تفعل بما كان في أوّله جحد. وربما أعادوا على خبره جحدا للاستيثاق من الجحد والتوكيد له؛ كما قالوا:

ما إن رأينا مثلهن لمعشر =سود الرءوس فوالج وفيول
و(ما) جحد و(إن) جحد فجمعتا للتوكيد. ومثله: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}. ومثله: {وحرام على قريةٍ أهلكناها أنهم لا يرجعون}. ومثله: {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون} إلا أن معنى الجحد الساقط في لئلا من أوّلها لا من آخرها؛ المعنى: ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون. وقوله: {ما منعك} (ما) في موضع رفع. ولو وضع لمثلها من الكلام جواب مصحح كان رفعا، وقلت: منعني منك أنك بخيل. وهو مما ذكر جوابه على غير بناء أوله، فقال: {أنا خيرٌ مّنه} ولم يقل: منعني من السجود أني خير منه؛ كما تقول في الكلام: كيف بتّ البارحة؟ فيقول: صالح، فيرفع؛ أو تقول: أنا بخير، فتستدلّ به على معنى الجواب، ولو صحح الجواب لقال صالحا، أي بتّ صالحا). [معاني القرآن: 1/375]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ما منعك ألاّ تسجد} مجازه: ما منعك أن تسجد، والعرب تضع لا في موضع الإيجاب وهي من حروف الزوائد، قال أبو النجم:
فما ألوم البيض ألاّ تسخرا = ممّا رأين الشمط القفندرا
أي ما ألوم البيض أن يسخرن، القفندر: القبيح السّمج، وقال الأحوص:

ويلحينني في اللّهو ألاّ أحبّه..=. وللّهو داعٍ دائبٌ غير غافل
أراد: في اللهو أن أحبه، قال العجاج:
في بئر لا حورٍ سرى وما شعر
الحور: الهلكة، وقوله لا حور: أي في بئر حور، ولا في هذا الموضع فضل (اخرج منها مذءوماً) وهي من ذأمت الرجل، وهي أشد مبالغة من ذممت ومن ذمت الرجل تذيم، وقالوا في المثل: لا تعدم الحسناء ذاماً، أي ذماً، وهي لغات). [مجاز القرآن: 1/211]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قال ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك قال أنا خيرٌ مّنه خلقتني من نّارٍ وخلقته من طينٍ}
وقال: {ما منعك ألاّ تسجد} ومعناه: ما منعك أن تسجد، و{لا} ههنا زائدة. وقال الشاعر: أبى جوده
لا" البخل واستعجلت به = "نعم" من فتىً لا يمنع الجوع قاتله
وفسرته العرب: أبى جوده البخل "وجعلوا {لا} زائدة حشوا ههنا وصلوا بها الكلام. وزعم يونس أن أبا عمرو كان يجرّ "البخل" ولا يجعل "لا" مضافة إليه أراد: أبى جوده {لا} التي هي للبخل لأن {لا} قد تكون للجود والبخل. لأنه لو قال له: "امنع الحقّ" أو "لا تعط المساكين" فقال "لا" كان هذا جودا منه). [معاني القرآن: 2/2-3]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ما منعك ألّا تسجد إذ أمرتك} أي أن تسجد. و«لا» زائدة للعلة التي ذكرناها في «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقد تزاد {لا} في الكلام والمعنى: طرحها لإباء في الكلام أو جحد.
كقول الله عز وجل: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} أي ما منعك أن تسجد؛ فزاد في الكلام {لا} لأنه لم يسجد). [تأويل مشكل القرآن: 243-244]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك}
هذا سؤال توبيخ وتقرير لأنه قد علم جل وعز ذلك.
و"لا" زائدة للتوكيد كما قال:
فما ألوم البيض أن لا تسخرا = لما رأينا الشمط القفندرا
فجاء بجواب لغير ما سئل عنه فقال أنا خير منه ولم يقل منعني كذا وإنما هو جواب من قيل له أيكما خير ولكنه محمول على المعنى كأنه قال منعني فضلي عليه). [معاني القرآن: 3/14-15]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و{مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} أي: أن تسجد، و(لا) صلة للتأكيد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فاخرج إنّك من الصّاغرين (13)
لأنه قد استكبر بهذا الجواب فأعلمه اللّه أنه صاغر بهذا الفعل). [معاني القرآن: 2/324]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (قال أنظرني إلى يوم يبعثون (14)
أي أخرني إلى يوم البعث، فلم يجب إلى الإنظار إلى يوم البعث بعينه، وأعلم أنه منظور إلى يوم الوقت المعلوم). [معاني القرآن: 2/324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال أنظرني إلى يوم يبعثون} [آية: 14]
أي أخرني فلم يجب إلى هذا بعينه فأجيب إلى النظرة إلى يوم الوقت المعلوم). [معاني القرآن: 3/15]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) )

تفسير قوله تعالى: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم...}
المعنى - والله أعلم -: لأقعدن لهم على طريقهم أو في طريقهم. وإلقاء الصفة من هذا جائز؛ كما قال: قعدت لك وجه الطريق، وعلى وجه الطريق؛ لأن الطريق صفة في المعنى، فاحتمل ما يحتمله اليوم والليلة والعام إذا قيل: آتيك غدا أو آتيك في غد). [معاني القرآن: 1/376]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم}
وقال: {لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم} أي: على صراطك. وكما تقول: "توجّه مكّة" أي: إلى مكة. وقال الشاعر:
كأنّي إذ أسعى لأظفر طائراً = مع النّجم في جوّ السّماء يصوب
يريد: لأظفر بطائرٍ. فألقى الباء ومثله {أعجلتم أمر ربّكم} يريد: عن أمر ربكم). [معاني القرآن: 2/3]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم} أي دينك. يقول: لأصدّنهم عنه). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم (16)
في قوله: (أغويتني) قولان. قال بعضهم: فبما أضللتني
وقال بعضهم: فبما دعوتني إلى شيء غويت به، أي غويت من أجل آدم.
(لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم).
ولا اختلاف بين النحويين في أن " على " محذوفة، ومن ذلك قولك: ضرب زيد الظهر والبطن). [معاني القرآن: 2/324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم} [آية: 16]
[معاني القرآن: 3/15]
قيل معناه فبما أضللتني
وقيل معناه خيبتن
وقيل أي فبما دعوتني إلى شيء ضللت من أجله والله أعلم بالمراد
قال مجاهد معنى {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} لأقعدن لهم على الحق
والصراط في اللغة الطريق والمعنى على صراطك ثم حذف على فتعدى الفعل). [معاني القرآن: 3/16]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم} مفسر في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17)
معناه - واللّه أعلم - ثم لآتينهم في الضلال من جميع جهاتهم.
وقيل من بين أيديهم أي لأضلنّهم في جميع ما يتوقع.
وقيل أيضا: لأخوّفنهم الفقر.
والحقيقة - واللّه أعلم - أي أنصرف لهم في الإضلال في جميع جهاتهم). [معاني القرآن: 2/324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} [آية: 17]
روى سفيان عن منصور عن الحكم بن عتيبة قال:
{من بين أيديهم} من دنياهم ومن خلفهم من آخرتهم وعن أيمانهم يعني حسناتهم وعن شمائلهم يعني سيئاتهم
وهذا قول حسن وشرطه أن معنى ولآتينهم من بين أيديهم من دنياهم حتى يكذبوا بما فيها من الآيات وأخبار الأمم السالفة
{ومن خلفهم} من آخرتهم حتى يكذبوا بها
{وعن أيمانهم} من حسناتهم وأمور دينهم
ويدل على هذا قوله تعالى: {إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين}
{وعن شمائلهم} يعني سيئاتهم أي يتبعون الشهوات لأنه يزينها لهم
وقيل: {ثم لأتينهم من بين أيديهم من آخرتهم}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}
أما قوله تعالى: {من بين أيديهم} فيقول أشككهم في
آخرتهم ومن خلفهم أرغبهم في دنياهم وعن أيمانهم أشبه عليهم أمر دينهم وعن شمائلهم أشهي لهم المعاصي ولا تجد أكثرهم شاكرين يقول موحدين
وبهذا الإسناد من بين أيديهم يعني من الدنيا ومن خلفهم من الآخرة وعن أيمانهم قبل حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم
قال أبو جعفر وذلك القول لا يمتنع لأن الآخرة لم تأت بعد فهي بين أيدينا وهي تكون بعد موتنا فمن هذه الجهة يقال هي خلفنا
وقيل معنى ومن خلفهم يخوفهم على تركاتهم ومن يخلفون بعدهم
وقيل معنى وعن أيمانهم وعن شمائلهم من كل جهة يعملون منها ويكون تمثيلا لأن أكثر التصرف باليدين قال الله عز وجل: {ذلك بما قدمت يداك}
وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من الحسنات ومن خلفهم وعن شمائلهم من السيئات). [معاني القرآن: 3/16-19]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (مدحوراً) (17) أي مبعداً مقصىً، ومنه قولهم: ادحر عنك الشيطان، وقال العجّاج:
فأنكرت ذا جمّةٍ نميراً... دجر عراكٍ يدجر المدحورا). [مجاز القرآن: 1/212]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال اخرج منها مذءوماً مّدحوراً لّمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين}
وقال: {اخرج منها مذءوماً مّدحوراً} لأنه من "الذأم" تقول: "ذأمته" فـ"هو مذؤومٌ" والوجه الآخر من "الذمّ": "ذممته" فـ"هو مذمومٌ" تقول: "ذأمته" و"ذممته" و"ذمته" كله في معنى واحد ومصدر: "ذمته" "الذّيم".
وقال: {ولّمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم} فاللام الأولى للابتداء والثانية للقسم). [معاني القرآن: 2/3]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مذؤوما}: يقال ذأمت الرجل أذأمه إذا سببته وعبته. ويقال ذمته أذيمه ذيما مثله.
{مدحورا}: مقصى ودحرت الشيطان من ذلك). [غريب القرآن وتفسيره: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مذءوماً}: مذموما بأبلغ الذم.
{مدحوراً} أي مقصيا مبعدا. يقال: اللهم ادحر عني الشيطان). [تفسير غريب القرآن: 166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين (18)
معنى مذءوم كمعنى مذموم، يقال: ذأمته أذأمه ذأما، إذا رعبته وذممته.
ومعنى (مدحورا) مبعدا من رحمة اللّه.
وقوله: (لمن تبعك منهم).
هذه اللام لام القسم تدخل توطئة للأمر.
(لأملأنّ).
والكلام بمعنى الشرط والجزاء، كأنه قيل: من تبعك أعذبه، فدخلت اللام للمبالغة والتوكيد، ولام لأملأنّ لام القسم ولام " من تبعك " توطئة لها ويجوز في الكلام: واللّه من جاءك لأضربنه، ولا يجوز : واللّه لمن جاءك أضربه، وأنت تريد لأضربنه، ولكن يجوز: واللّه لمن جاءك أضربه تريد لأضربنّه.
وقال بعضهم في قوله: {ثمّ لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم} أي: لأغوينهم فيما أمروا به.
وقوله: {وعن شمائلهم} أي: لأغوينهم فيما نهوا عنه والذي أظنه – والله أعلم - على هذا المذهب: أني أغويهم حتى يكذّبوا بأمور الأمم السالفة - بالبعث، كما ذكر في هذا.
ومعنى: {وعن أيمانهم وعن شمائلهم}: أي لأضلنهم فيما يعقلون، لأن الكسب يقال فيه: ذلك بما كسبت يداك، وإن كانت اليدان لم تجنيا شيئا، إلا أنه يقال لكل ما عمله عامل كسبت يداك، لأن اليدين الأصل في التصرف فجعلتا مثلا لجميع ما عمل بغيرهما.
قال اللّه عزّ وجلّ {ذلك بما قدّمت يداك}، وقال: (ذلك بما قدّمت أيديكم).
وقال: {تبّت يدا أبي لهب وتبّ}، ثم فسّر فقال: {ما أغنى عنه ماله وما كسب}). [معاني القرآن: 2/324-326]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قال اخرج منها مذءوما مدحورا}
يقال ذأمته وذمته وذممته بمعنى واحد، وقرأ الأعمش منوما والمعنى واحد إلا أنه خفف الهمزة.
وقال مجاهد: "المذؤم": المنفي، والمعنيان متقاربان.
و"المدحور": المطرود المبعد، يقال: اللهم ادحر عنا الشيطان). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({مَذْءُوماً} أي: معيباً، ومذموماً، أي مهجوراً، يقال: ذممته، أي: هجرته، وذأمته، أي: عبته). [ياقوتة الصراط: 227]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({مدحورا} أي: مطروداً، ويقال: منفيا). [ياقوتة الصراط: 228]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَذْءُوماً} مذموماً بأبلغ الذم.
{مَدْحُوراً} أي مُقصىً مبعداً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 83]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَذْؤُمًا}: مسبوباً
{مَّدْحُورًا}: مباعداً). [العمدة في غريب القرآن: 133]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 02:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 19 إلى 30]

(وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) )

تفسير قوله تعالى: (وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين (19)
هذا الاختيار، أعني ذكر أنت، تقول اذهب أنت وزيد، ولو قلت: اذهب وزيد كان قبيحا.
وقد فسرناه فيما سلف:
وقوله: (ولا تقربا هذه الشّجرة).
قال بعضهم: هي السنبلة، وقيل هي شجرة الكرم.
وقوله: (فتكونا من الظّالمين).
الأجود أن يكون. " فتكونا " في موضع نصب على جوانب الأمر بالفاء.
أي فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين.
ويجوز أن يكون في موضع جزم عطفا على قوله: ولا تقربا فتكونا، أي فلا تكونا من الظالمين). [معاني القرآن: 2/326]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا تقربا هذه الشجرة} [آية: 19]
روي عن ابن عباس أنها السنبلة). [معاني القرآن: 3/20]

تفسير قوله تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فوسوس لهما الشّيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}
وقال: {فوسوس لهما الشّيطان} والمعنى: فوسوس إليهما الشيطان. ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل، ومنهم من تقول: "غرضت" في معنى: اشتقت إليه. وتفسيرها: غرضت من هؤلاء إليه.
وقال: {إلاّ أن تكونا ملكين} يقول: {ما نهاكما إلاّ} كراهة {أن تكونا} كما تقول: "إياك أن تفعل" أي: كراهة أن تفعل). [معاني القرآن: 2/3-4]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ليبدي لهما} أي ليظهر. ما ووري عنهما أي ستر.
والتّواري والمواراة منه). [تفسير غريب القرآن: 166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فوسوس لهما الشّيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20)
تدل واللّه أعلم على معنى قوله: (قال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين).
ويجوز ملكين، لأن قوله: (هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)
يدل على ملكين وأحسبه قد قرئ به، فتدل - واللّه أعلم - على أن القول إنّما كان وسوسة من إبليس.
والأجود أن يكون خطابا، لقوله (وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين (21) ). [معاني القرآن: 2/326]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما} [آية: 20]
أي ليظهر لهما ما ستر عنهما من فروجهما ومن هذا تواريت من فلان
وقرأ الضحاك ويحيى بن أبي كثير ما أوري عنهما
وقوله جل وعز: {إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} [آية: 20]
وأكثر الناس على فتح اللام وقال من احتج بكسر اللام قوله جل وعز: {وملك لا يبلى} يدل على القراءة ملكين لأن ملكا من ملك
وأنكر أبو عمرو بن العلاء كسر اللام وقال لم يكن قبل
آدم عليه السلام ملك فيصيرا ملكين). [معاني القرآن: 3/20-21]

تفسير قوله تعالى: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وقاسمهما) (20) أي حالفهما، وله موضع آخر في موضع معنى القسمة). [مجاز القرآن: 1/212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وقاسمهما}: من القسم. أي حلف لهما). [غريب القرآن وتفسيره: 144]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين (21)
أي فحلف لهما). [معاني القرآن: 2/326-327]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} [آية: 21]
أقسم لهما مثل طارقت النعل
وقيل حلفا أن لا يقبلا منه إلا أن يحلف فحلف لهما). [معاني القرآن: 3/21]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وقَاسَمَهُمَا}: حلف لهما). [العمدة في غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (سوءاتهما) (21) كناية عن فرجيهما.
(وطفقا يخصفان عليهما) (21) يقال؛ طفقت أصنع كذا وكذا كقولك: ما زلت أصنع ذا وظللت، ويخصفان الورق بعضه إلى بعض). [مجاز القرآن: 1/212]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فدلاّهما بغرورٍ فلمّا ذاقا الشّجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لّكما إنّ الشّيطان لكما عدوٌ مّبينٌ}
وقال: {وطفقا} وقال بعضهم {وطفقا} فمن قال: "طفق" قال: "يطفق" ومن قال "طفق" قال "يطفق".
وقال: {يخصفان} جعلها من "يختصفان" فأدغم التاء في الصاد فسكنت وبقيت الخاء ساكنة فحركت الخاء بالكسر لاجتماع السكانين. ومنهم من يفتح الخاء ويحول عليها حركة التاء وهو كقوله: {أمّن لاّ يهدّي} وقال بعضهم {يهدّي إلا أن يهدى} ). [معاني القرآن: 2/4]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وطفقا يخصفان}: ظلا يخيطان الورق بعضه إلى بعض). [غريب القرآن وتفسيره: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وطفقا} أي جعلا وأقبلا. يقال: طفقت أفعل كذا.
{يخصفان} أي يصلان الورق بعضه ببعض، ويلصقان بعضه على بعض. ومنه يقال: خصفت نعلي: إذا طبّقت عليها رقعة). [تفسير غريب القرآن: 166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (فدلّاهما بغرور فلمّا ذاقا الشّجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما إنّ الشّيطان لكما عدوّ مبين (22)
أي دلاهما في المعصية بأن غرهما.
(فلمّا ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما).
أي ظهرت لهما فروجهما، وإنما السّوءة كناية عن الفرج، إلا أن الأصل - في التسمية السّوءة.
وقوله عزّ وجلّ (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة).
معنى طفقا أخذا في الفعل، والأكثر طفق يطفق. وقد رويت طفق يطفق، بكسر الفاء.
وقيل: كان ورق الجنة ذلك ورق التين، ومعنى يخصفان، يجعلان ورقة على ورقة، ومنه قيل للخصّاف الذي يرقع النعل: هو يخصف.
قال الشاعر:
أو يخصف النعل لهفي أيّة صنعا
ويجوز يخصفان ويخصّفان، والأصل الكسر في الخاء، وفتحها وتشديد الصّاد، ويكون المعنى: يختصفان.
وفي هذه الآية دليل على أن أمر التكشف وإظهار السوءة قبيح من لدن
آدم. ألا ترى أنه ذكر عظم شأنها في المعصية فقال:
(فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما).
وأنهما بادرا يستتران لقبح التكشف.
وقوله: (ووري عنهما).
يجوز فيه أورى، لأنّ الواو مضمومة، إن شئت أبدلت منها همزة، إلا أن القراءة تتبع في ذلك.
والقراءة المشهورة وخط المصحف (ووري) بالواو.
ومعنى (إلا أن تكونا ملكين) وقوله: (ذاقا الشجرة).
يدل على أنهما ذاقاها ذوقا ولم يبالغا في الأكل.
وقوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التّقوى ذلك خير ذلك من آيات اللّه لعلّهم يذّكّرون (26)
ويقرأ (ورياشا)
والريش اللباس. العرب تقول: أعطيته بريشته، أي بكسوته، والريش.
كل ما ستر الرجل في جسمه ومعيشته، يقال: تريّش فلان أي صار له ما يعيش به، أنشد سيبويه وغيره.
فريشي منكمو وهواي معكم... وإن كانت زيارتكم لماما
(ولباس التّقوى).
برفع اللباس، فمن نصب عطف به على الريش يكون المعنى: أنزلنا عليكم لباس التقوى، ويرفع خيرا بذلك.
ومن رفع اللباس فرفعه على ضربين:
أحدهما أن يكون مبتدأ ويكون ذلك من صفته، ويكون (خير) خبر الابتداء. المعنى ولباس التقوى المشار إليه خير.
ويجوز أن يكون. (ولباس التقوى) مرفوعا بإضمار " هو " المعنى هو
لباس التقوى: أي وستر العورة لباس المتقين.
ثم قال: (ذلك خير) ويكون على أن لباس التقوى مرفوع بالابتداء، ويكون (ذلك) خير يرتفع به " خير " على أنه خبر ذلك.
ويكون ذلك بمنزلة " هو " كأنه - واللّه أعلم - ولباس التقوى هو خير، لأن أسماء الإشارة تقرب فيما يعود من الذكر من المضمر.
والوجهان الأوّلان أبين في العربية). [معاني القرآن: 2/327-329]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فدلاهما بغرور} [آية: 22]
المعنى فدلاهما في المعصية
ثم قال جل وعز: {فلما ذاقا الشجرة} [آية: 22]
وهذا يدل على أنهما لم يمعنا في الأكل
وقوله جل وعز: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} [آية: 22]
أي أخذ يلزقان ومنه خصفت النعل أي رقعتها
قال ابن عباس وهو ورق التين أخذاه فجعلاه على سوءاتهما
والفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس أن إبليس أقام على الذنب وتاب آدم ورجع قال الله جل وعز: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} ). [معاني القرآن: 3/21-22]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَطَفِقَا} أي عمدا وأقبلا.
{يخْصِفَانِ} أي يصلان بعض الورق إلى بعض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وطَفِقَا}: جعلا
{يَخْصِفَانِ}: يحيطان الورق). [العمدة في غريب القرآن: 133-134]

تفسير قوله تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لّم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}
وقال: {وإن لّم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين} فكأنه على القسم والله أعلم كأنه قال: "و الله لنكوننّ من الخاسرين إن لم تغفر لنا وترحمنا"). [معاني القرآن: 2/4]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومتاعٌ إلى حينٍ) (23) إلى وقت يوم القيامة، وقال:

وما مزاحك بعد الحلم والدّين.=.. وقد علاك مشيب حين لاحين
أي وقت لا وقت). [مجاز القرآن: 1/212]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) )

تفسير قوله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً...}
"ورياشا". فإن شئت جعلت رياش جميعا واحده الريش، وإن شئت جعلت الرياش مصدرا في معنى الريش كما يقال لبس ولباس؛ قال الشاعر:
فلما كشفن اللّبس عنه مسحنه = بأطراف طفلٍ زان غيلا موشّما
وقوله: {وريشاً ولباس التقوى} و"لباس التقوى" يرفع بقوله: ولباس التقوى خير، ويجعل (ذلك) من نعته. وهي في قراءة أبيّ وعبد الله جميعا: ولباس التقوى خير. وفي قراءتنا (ذلك خير) فنصب اللباس أحب إليّ؛ لأنه تابع الريش، (ذلك خير) فرفع خير بذلك). [معاني القرآن: 1/376]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ورياشاً) (25) الرياش والريش واحد)، وهو ما ظهر من اللباس والشارة وبعضهم يقول: أعطاني رجلاً بريشه أي بكسوته وجهازه وكذلك السرج بريشه، والرياش أيضاً: الخصب والمعاش). [مجاز القرآن: 1/213]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التّقوى ذلك خيرٌ ذلك من آيات اللّه لعلّهم يذّكّرون}
وقال: {قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التّقوى ذلك خيرٌ} فرفع قوله: {ولباس التّقوى} على الابتداء وجعل خبره في قوله: {ذلك خيرٌ} وقد نصب بعضهم {ولباس التّقوى} وقرأ بعضهم {وريشاً} وبها نقرأ وكلّ حسنٌ ومعناه واحد). [معاني القرآن: 2/4-5]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({الريش}: والرياش واحد وهو ما ظهر من اللباس). [غريب القرآن وتفسيره: 145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ((و الرّيش) و(الرّياش): ما ظهر من اللباس. وريش الطائر:
ما ستره اللّه به.
{ولباس التّقوى ذلك خيرٌ} أي خير من الثياب، لأن الفاجر وإن كان حسن الثوب فإنه بادي العورة. و«ذلك» زائدة قال الشاعر في مثل هذا المعنى:
إنّي كأنّي أرى من لا حياء له ولا أمانة وسط القوم عريانا
وقيل في التفسير: إن لباس التقوى: الحياء). [تفسير غريب القرآن: 166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال في موضع آخر: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26]، أي ما ظهر عنه من السّكينة والإخبات والعمل الصالح، وكما تقول: تعرّفت سوء أثر الخوف والجوع على فلان، وَذُقْتُ بمعنى: تعرَّفت، واللّباس: بمعنى سُوءِ الأثرِ، كذلك تقول: ذقت لباس الجوع والخوف، وأذاقني الله ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
وأصل الذَّوَاقِ: بالفم، ثم قد يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختبار، تقول في الكلام: ناظر فلانا وَذُقْ ما عنده، أي تعرّف واختبر، واركب الفرس وَذُقْهُ.
قال الشمّاخ في وصف قوس:
فَذَاقَ فأعطته من اللّين جانبا = كَفَى وَلَها أن تُفْرِقَ السَّهْمَ حَاجِزُ
يريد: أنه ذاق القوس بالنَّزع فيها ليعلم أليِّنَةٌ هي أم صَلبة؟
وقال آخر:
وإنَّ الله ذاق حُلُوم قيس = فلمّا راء خِفَّتَها قلاها
وهذه الآية نزلت في أهل مكة، وكانوا آمنين بها لا يغار عليهم، مطمئنين لا ينتجعون ولا يتنقَّلون، فأبدلهم الله بالأمن الخوف من سرايا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبعوثه، وبالكفاية الجوع سبع سنين، حتى أكلوا القِدَّ والعظام.
ولباس الجوع والخوف: ما ظهر عليهم من سوء آثارهما بالضّمر والشّحوب ونهكة البدن، وتغيّر الحال، وكسوف البال.
وقال في موضع آخر: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26]، أي ما ظهر عنه من السّكينة والإخبات والعمل الصالح، وكما تقول: تعرّفت سوء أثر الخوف والجوع على فلان، وَذُقْتُ بمعنى: تعرَّفت، واللّباس: بمعنى سُوءِ الأثرِ، كذلك تقول: ذقت لباس الجوع والخوف، وأذاقني الله ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 164-165]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم} [آية: 26]
قال مجاهد كان قوم من العرب يطوفون بالبيت عراة فأنزل الله عز وجل:
{يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا}
قال مجاهد الريش المال
وقال الكسائي الريش اللباس
وقال أبو عبيدة الريش والرياش ما ظهر من اللباس والشارة
والريش عند أكثر أهل اللغة ما ستر من لباس أو معيشة
وأنشد سيبويه:
فريشي منكم وهواي معكم = وإن كانت زيارتكم لماما
وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة وهبت له دابة بريشها أي بكسوتها وما عليها من اللباس
قال الفراء يكون الرياش جمعا للريش وبمعناه أيضا مثل
لبس ولباس
ثم قال جل وعز: {ولباس التقوى ذلك خير} [آية: 26]
أي لباس التقوى خير من الثياب لأن الفاجر وإن لبس الثياب فهو دنس
وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهيني قال لباس التقوى الحياء
وقرأ الأعمش ولباس التقوى خير ولم يقرأ ذلك). [معاني القرآن: 3/22-24]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (وريشا) كل شيء يعيش به الإنسان، فهو ريش من مال أو متاع أو مأكول أو مشروب، قال: والرياش مثله). [ياقوتة الصراط: 228]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (ولباس التقوى) قال: هو الحياء). [ياقوتة الصراط: 228]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والريش) و(الرِياش) ما ظهر من الثياب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الرِيش}: اللباس). [العمدة في غريب القرآن: 134]

تفسير قوله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إنّه يراكم هو وقبيله) (26) أي وجيله الذي هو منه). [مجاز القرآن: 1/213]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {هو وقبيله}: شيعته وأمته). [غريب القرآن وتفسيره: 145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّه يراكم هو وقبيله} أصحابه: وجنده). [تفسير غريب القرآن: 166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا بني آدم لا يفتننّكم الشّيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنّا جعلنا الشّياطين أولياء للّذين لا يؤمنون (27)
(حيث) في موضوع جر إلا أنها بنيت على الضّم، وأصلها أن تكون موقوفة، لأنها ليست لمكان بعينه وأن ما بعدها صلة لها، ليست بمضافة إليه.
من العرب من يقول: ومن حيث خرجت، فيفتح لالتقاء السّاكنين، ومنهم من يقول من حوث خرجت.
ولا تقرأ بهاتين اللغتين لأنهما لم يقرأ بواحد منهما ولا هما في جودة حيث المبنيّة على الضم.
وقوله: (إنّا جعلنا الشّياطين أولياء للّذين لا يؤمنون).
(جعلنا) في اللغة على ضروب، منها جعلت بعض الشيء فوق بعض.
أي عملته وهيأته على هذه الصيغة، ومنها جعل - زيد فلانا عاقلا، تأويله: سماه عاقلا، ومنها جعل يقول كذا وكذا، تأويله أنه أخذ في القول.
فأما معنى الآية فعلى ضربين - واللّه أعلم -.
أحدهما أن يكون الكفار عوقبوا بأن سلّطت عليهم الشياطين تزيدهم في غيّهم عقوبة على كفرهم كما قال عزّ وجلّ:
(ألم تر أنّا أرسلنا الشّياطين على
الكافرين تؤزّهم أزّا (83).
أي تحملهم على المعاصي حملا شديدا، تزعجهم في شدّة الغي.
ويجوز إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون، أي سوينا بين الشياطين والكافرين في الذهاب عن اللّه. كما قال: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض) ). [معاني القرآن: 2/329-330]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} [آية: 27]
قبيله جنوده
قال مجاهد يعني الجن والشياطين). [معاني القرآن: 3/24]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَبِيلُهُ}: شيعته). [العمدة في غريب القرآن: 134]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا واللّه أمرنا بها قل إنّ اللّه لا يأمر بالفحشاء أتقولون على اللّه ما لا تعلمون (28)
معنى الفاحشة ما يشتد قبحه من الذنوب.
(قالوا وجدنا عليها آباءنا واللّه أمرنا بها).
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنه لا يأمر بالفحشاء لأن حكمته وجميع ما خلق تدل على أنه لا يفعل إلا المستحسن، فكيف يأمر بالفحشاء.
وقد احتج عليهم في غير هذا الموضوع بما قد بينّاه في سورة الأنعام). [معاني القرآن: 2/330]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا} [آية: 28]
قال مجاهد كانت النساء تطوف بالبيت عراة عليهن الرهاط
وقال الرهاط جمع رهط خرقة من صوف أو سيور كذا قال الفراء
فهذه الفاحشة الذي قالوا وجدنا عليها آباءنا
وقال غيره كان الرجال يطوفون نهارا عراة والنساء بالليل ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها). [معاني القرآن: 3/25]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأقيموا وجوهكم عند كلّ مسجدٍ...}
يقول: إذا أدركتك الصلاة وأنت عند مسجد فصلّ فيه، ولا تقولن: آتي مسجد قومي. فإن كان في غير وقت الصلاة صليت حيث شئت). [معاني القرآن: 1/377]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كما بدأكم تعودون...}
يقول: بدأكم في الخلق شقيا وسعيدا، فكذلك تعودون على الشقاء والسعادة). [معاني القرآن: 1/377]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأقيموا وجوهكم عند كلّ مسجدٍ} يقول: إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد من المساجد، فصلوا فيه ولا يقولن أحدكم:
لا أصلي حتى آتي مسجدي). [تفسير غريب القرآن: 167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل أمر ربّي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كلّ مسجد وادعوه مخلصين له الدّين كما بدأكم تعودون (29)
أي بالعدل، فكيف يأمر بالفحشاء من يعلم أنه لا يفعل إلا الحكمة.
ولا يثبت إلا العدل من أمره، فإذا كان يأمر بالعدل - والعدل ما قام في النفوس أنه مستقيم لا ينكره مميز - فكيف بالفحشاء، والفحشاء ما عظم قبحه.
ثم وبّخهم فقال:
(أتقولون على اللّه ما لا تعلمون).
أي أتكذبونه.
وقوله: (وأقيموا وجوهكم عند كلّ مسجد).
أي وقت كل صلاة اقصدوه بصلاتكم.
[معاني القرآن: 2/330]
(وادعوه مخلصين له الدّين).
أي مخلصين له الطاعة.
احتج عليهم في إنكارهم البعث.
وهو متصل بقوله: (فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون).
فقال: (كما بدأكم تعودون).
أي فليس بعثكم بأشد من ابتدائكم). [معاني القرآن: 2/331]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل أمر ربي بالقسط} [آية: 29]
أي بالعدل {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد}
قال مجاهد أي استقبلوا القبلة أينما كنتم ولو كنتم في كنيسة
وقال غيره معناه إذا أدركتكم الصلاة في مسجد فصلوا ولا يقل أحدكم لا أصلي إلا في مسجدي
ثم قال جل وعز: { كما بدأكم تعودون} [آية: 29]
قال مجاهد من بدئ سعيدا عاد سعيدا ومن بدئ شقيا عاد شقيا
وقال محمد بن كعب يختم للمرء بما بدئ به ألا ترى أن السحرة كانوا كفارا ثم ختم لهم بالسعادة وأن إبليس كان مع الملائكة مؤمنا ثم عاد إلى ما بدئ به). [معاني القرآن: 3/25-26]

تفسير قوله تعالى: (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فريقاً هدى وفريقاً حقّ عليهم الضّلالة...}
ونصب الفريق بتعدون، وهي في قراءة أبيّ: تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضلالة. ولو كانا رفعا كان صوابا؛ كما قال تبارك وتعالى: {كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ} و"فئةً" ومثله: {وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السّعير}. وقد يكون الفريق منصوبا بوقوع "هدى" عليه؛ ويكون الثاني منصوبا بما وقع على عائد ذكره من الفعل؛ كقوله: {يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدّ لهم عذاباً أليماً}). [معاني القرآن: 1/377]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (كما بدأكم تعودون فريقاً هدى وفريقاً حقّ عليهم الضّلالة) (28، 29) نصبهما جميعاً على إعمال الفعل فيهما أي هدى فريقاً ثم أشرك الآخر في نصب الأول وإن لم يدخل في معناه؛ والعرب تدخل الآخر المشرك بنصب ما قبله على الجوار وإن لم يكن في معناه، وفي آية أخرى (يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدّ لهم عذاباً أليماً) (7631) وخرج فعل الضلالة مذكراً والعرب تفعل ذلك إذا فرّقوا بين الفعل وبين المؤنثة لقولهم: مضى من الشهر ليلة). [مجاز القرآن: 1/213]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فريقاً هدى وفريقاً حقّ عليهم الضّلالة إنّهم اتّخذوا الشّياطين أولياء من دون اللّه ويحسبون أنّهم مّهتدون}
وقال: {وفريقاً حقّ عليهم الضّلالة} فذكّر الفعل لما فصل كما قال: {لا يؤخذ منكم فديةٌ} ). [معاني القرآن: 2/5]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضّلالة إنّهم اتّخذوا الشّياطين أولياء من دون اللّه ويحسبون أنّهم مهتدون (30)
معناه إنه أضل فريقا حق عليهم الضلالة.
ثم قال: (إنّهم اتّخذوا الشّياطين أولياء من دون اللّه).
ولو قرئت أنّهم اتخذوا الشياطين لكانت تجوز، ولكن الإجماع على الكسر.
وقوله: (ويحسبون أنّهم مهتدون).
يدل على أن دوما ينتحلون الإسلام ويزعمون أن من كان كافرا، وهو لا يعلم إنّه كافر فليس بكافر مبطلون لأمر نحلتهم، لأن الله جل ثناؤه قد أعلمنا أنهم يحسبون أنهم مهتدون، ولا اختلاف بين أهل اللغة في أن الحسبان ليس تأويله غير ما يعلم من معنى حسب.
والدليل على أن الله قد سماهم بظنهم كفرة قوله عزّ وجل:
(وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الّذين كفروا فويل للّذين كفروا من النّار (27).
فأعلم أنهم بالظن كافرون، وأنهم معذبون). [معاني القرآن: 2/331]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 02:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 31 إلى 43]

(يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) )

تفسير قوله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( وقوله: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ وكلوا واشربوا} كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة بالنهار، والنساء منهم بالليل إلّا الحمس - وهم قريش ومن دان بدينهم - ولا يأكلون من الطعام إلّا اليسير إعظاما لحجّهم. فأنزل اللّه هذه الآية). [تفسير غريب القرآن: 167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين (31)
هذا أمر بالاستتار في الصلوات، وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة.
ويقولون: لا نطوف حول البيت في ثياب قد أذنبنا فيها، وكانت المرأة تطوف عريانة أيضا إلا أنها كانت تشدّ في حقويها أشياء من سيور مقطعة، تسمّي العرب ذلك الرهط، قالت امرأة تطوف وعليها رهط:

اليوم يبدو بعضه أوكلّه..=. فما بدا منه فلا أحلّه
تعني الفرج، لأن السيور لا تستر سترا تامّا.
فأمر الله بعد ذكره عقوبة آدم وحواء في أن بدت لهما سوءاتهما.
بالاستتار في وقت كل صلاة، بعد أن أعلم أن التعرّي وظهور السوءة مكروه من لدن آدم، وقوله بعقب الاستتار:
(وكلوا واشربوا).
لأنهم ادّعوا أنّ اللّه جلّ ثناؤه قد حرم عليهم شيئا مما في بطون الأنعام، وحرم عليهم البحيرة والسائبة، وكانوا يزعمون فيما يأتون من الفحشاء كالتعري وما أشبهه - أن الله جل ثناؤه - أمرهم بذلك فأمرهم اللّه بالاستتار، وأن يأكلوا - ما زعموا أن الله عزّ وجلّ حرّمه مما لم يحرمه، وأن يشربوا مما
زعموا أن اللّه - جلّ وعزّ - حرم عليهم شربه، لأن ألبان البحيرة والسائبة كانت عندهم حراما.
وقوله: - جلّ وعزّ -: (ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين).
والإسراف أن يأكل ما لا يحل أكله مما حرم اللّه تعالى أن يؤكل شيء منه، أو تأكل مما أحل لك فوق القصد ومقدار الحاجة، فأعلم اللّه عزّ وجل أنه لا يحب من أسرف، ومن لم يحببه اللّه عزّ وجلّ فهو في النار ثم قررهم ووبخهم فقال:
(قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقوم يعلمون (32) ). [معاني القرآن: 2/332-333]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [آية: 31]
قال عطاء وطاووس والضحاك يعني اللباس لأن قوما من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وهو مذهب مجاهد
وروى شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت مسلم البطين يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فنزلت: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}
قال الزهري كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس قريشا وأحلافها فقال الله جل وعز: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} ). [معاني القرآن: 3/26-27]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة...}
نصبت خالصة على القطع وجعلت الخبر في اللام التي في الذين، والخالصة ليست بقطع من اللام، ولكنها قطع من لام أخرى مضمرة. والمعنى - والله أعلم -: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا؛ يقول: مشتركة، وهي لهم في الآخرة خالصة. ولو رفعتها كان صوابا، تردّها على موضع الصفة التي رفعت لأن تلك في موضع رفع. ومثله في الكلام قوله: إنا بخير كثير صيدنا. ومثله قول الله عز وجل: {إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسّه الشرّ جزوعا. وإذا مسّه الخير منوعا}. المعنى: خلق هلوعا، ثم فسر حال الهلوع بلا نصب؛ لأنه نصب في أوّل الكلام. ولو رفع لجاز؛ إلا أن رفعه على الاستئناف لأنه ليس معه صفة ترفعه. وإنما نزلت هذه الآية أن قبائل من العرب في الجاهلية كانوا لا يأكلون أيام حجهم إلا القوت، ولا يأكلون اللحم والدسم، فكانوا يطوفون بالبيت عراةً، الرجال نهارا والنساء ليلا، وكانت المرأة تلبس شيئا شبيها بالحوف ليواريها بعض المواراة؛ ولذلك قالت العامرية:
اليوم يبدو بعضه أو كله = وما بدا منه فلا أحله
قال المسلمون: يا رسول الله، نحن أحق بالاجتهاد لربنا، فأرادوا أن يفعلوا كفعل أهل الجاهلية، فأنزل الله تبارك وتعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ} يعني اللباس. {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} حتى يبلغ بكم ذلكم تحريم ما أحللت لكم، والإسراف ها هنا الغلوّ في الدين). [معاني القرآن: 1/3778-378]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومثله قوله سبحانه: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 32].
أي هي للذين آمنوا- يعني في الدنيا- مشتركة، وفي الآخرة خالصة). [تأويل مشكل القرآن: 222]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ((قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقوم يعلمون (32)
أي من حرم أن تلبسوا في طوافكم ما يستركم.
(والطّيّبات من الرّزق).
أي ومن حرم الطيبات مما رزق اللّه، أي من حرم هذه الأشياء التي ذكرتم أنها حرام.
ثم قال عزّ وجلّ: (قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة).
وتقرأ (خالصة) و (خالصة) يوم القيامة.
المعنى أنها حلال للمؤمنين، وقد يشركهم فيها الكافرون.
أعلم عزّ وجلّ أن الطّيبات تخلص للمؤمنين في الآخرة ولا يشركهم فيها كافر.
فأما إعراب " خالصة " فهو أنه. خبر بعد خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب. فالمعنى قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة.
ومن قرأ (خالصة) جعل خالصة منصوبا على الحال، على أن العامل في قولك في الحياة الدنيا في تأويل الحال. كأنك قلت: هي ثابتة للمؤمنين مستقرة في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة). [معاني القرآن: 2/333]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز موبخا لهم: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [آية: 32] هو عام
وقيل أي من حرم لبس الثياب في الطواف ومن حرم ما حرموا من البحيرة وغيرها
قال الفراء إن قبائل من العرب كانوا لا يأكلون اللحم أيام حجهم ويطوفون عراة فأنزل الله جل وعز هذا
ثم قال جل وعز: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} [آية: 32]
قال الضحاك يشترك فيها المسلمون والمشركون في الدنيا وتخلص للمسلمين يوم القيامة
وقيل في الحياة الدنيا في الصلة أي آمنوا في ذا الوقت خالصة من الغم والتنغيص). [معاني القرآن: 3/27-28]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم...}
(والإثم) ما دون الحدّ (والبغي) الاستطالة على الناس). [معاني القرآن: 1/379]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما لم ينزّل به سلطاناً}: أي حجّة). [تفسير غريب القرآن: 167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون (33)
(وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانا)
موضع (أن) نصب: المعنى حرم اللّه الفواحش تحريم الشرك.
ومعنى (لم ينزّل به سلطانا) أي لم ينزل به حجة). [معاني القرآن: 2/334]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [آية: 33]
روى روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال {ما ظهر منها} نكاح الأمهات في
الجاهلية {وما بطن} الزنا
وقال قتادة سرها وعلانيتها
ثم قال جل وعز: {والإثم} [آية: 33]
وقال في موضع آخر يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير فدل بهاتين الآيتين على أن الخمر والميسر حرام). [معاني القرآن: 3/28-29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} أي حجة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ (ولكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (34)
أي وقت مؤقت.
(فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
المعنى: ولا يستقدمون ساعة، ولا أقل من ساعة، ولكن ذكرت الساعة لأنها أقل أسماء الأوقات). [معاني القرآن: 2/334]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولكل أمة أجل} [آية: 34] أي وقت مؤقت
فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة
المعنى لا يستأخرون ساعة ولا أقل من ساعة إلا أن الساعة خصت بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات). [معاني القرآن: 3/29-30]

تفسير قوله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ مّنكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
وقال: {يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ مّنكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم} كان كأنّه قال فأطيعوهم). [معاني القرآن: 2/5]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (35)
آدم لا ينصرف لأنه على قدر أفعل وهو معرفة، وهو مشتق من أدمة الأرض، وهو وجهها، فسمي بما خلق منه،، اللّه عزّ وجلّ أعلم.
وقوله: (إمّا يأتينّكم رسل منكم).
هذه " إن " التي للجزاء، ضمّت إليها ما.
والأصل في اللفظ " إن ما " مفصولة، ولكنها مدغمة، وكتبت على الإدغام، فإذا ضمّت إن إلى ما، لزم الفعل النون الثقيلة أو الخفيفة، وجواب الجزاء في الفاء أي" في قوله: (فمن اتقى وأصلح).
فإنما تلزم " ما " النون لأن ما تدخل مؤكدة فتلزمها النون كما تلزم اللام النون في القسم إذا قلت: واللّه لتفعلنّ، فما توكيد، كما أن اللام توكيد.
فلزمت النون كما لزمت لام القسم). [معاني القرآن: 2/334]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) )

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أولئك ينالهم نصيبهم مّن الكتاب...}
يقال: ينالهم ما قضى الله عليهم في الكتاب من سواد الوجوه وزرقة الأعين. وهو قوله: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} ويقال هو ما ينالهم في الدنيا من العذاب دون عذاب الآخرة، فيكون من قوله: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر} ). [معاني القرآن: 1/379]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} أي حظهم مما كتب عليهم من العقوبة). [تفسير غريب القرآن: 167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (37)
أيّ ظلم أشنع من الكذب على الله؟؟!!!
وقوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب).
أي ما أخبر الله جلّ ثناؤه عن جزائهم نحو قوله: (فأنذرتكم نارا
تلظّى (14).
ونحو قوله: (يسلكه عذابا صعدا)
ونحو قوله: (إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار).
ونحو: (إذ الأغلال في أعناقهم والسّلاسل يسحبون (71) في الحميم)، فهذه أنصبتهم من الكتاب على قدر ذنوبهم في كفرهم.
(حتّى إذا جاءتهم رسلنا).
زعم سيبويه - والخليل - أن " حتّى " و " إمّا " و " إلّا " لا تجوز فيهن الإمالة. لا يجيز: (حتى إذا جاءتهم) ولا يجيز " أمّا "، ولا " لا إله إلّا اللّه "، هذا لحن كله، وزعم أن هذه ألفات الفتح لأنّها أواخر حروف جاءت لمعنى، ففصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف نحو حبلى وهدى، إلا أن حتى كتبت بالياء، لأنها على أربعة أحرف، فأشبهت سكرى.
و " إمّا " التي للتخيير شبهت بأن التي ضمت إليها " ما " مثل قوله: (إمّا أن تعذّب وإمّا أن تتّخذ فيهم حسنا).
كتبت بالألف لما وصفنا، و " إلا " أيضا كتبت بالألف أنها لو كتبت بالياء لأشبهت إلى.
وقوله: (حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم).
فيه - واللّه أعلم - وجهان:
يكون: حتى إذا جاءتهم ملائكة الموت يتوفونهم سألوهم عند المعاينة.
فيعرفون عند موتهم أنهم كانوا كافرين، لأنهم (قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا).
أي بطلوا وذهبوا.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون: - حتى إذا جاءتهم رسلنا ملائكة العذاب يتوفونهم، فيكون (يتوفونهم) في هذا الموضع على ضربين:
أحدهما يتوفونهم عذابا، وهذا كما تقول: قد قتلت فلانا بالعذاب وإن لم يمت.
ودليل هذا القول قوله عز وجلّ: (ويأتيه الموت من كلّ مكان وما هو بميّت).
وجائز وهو أضعف الوجهين أنهم يتوفون عدّتهم واللّه أعلم). [معاني القرآن: 2/334-336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته} [آية: 37]
المعنى أي ظلم أشنع من الافتراء على الله والتكذيب بآياته
ثم قال جل وعز: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} [آية: 37]
روى جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال ما قدر لهم من خير وشر
وروى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال من الشقوة والسعادة
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال ما وعدوا فيه من خير وشر
ومعنى هذا القول أنهم ينالهم نصيبهم من العذاب على قدر
كفرهم نحو قوله إن الله لا يغفر أن يشرك به
و إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار
وقال جل وعز: {يسلكه عذابا صعدا}
وكذلك قال الضحاك معناه ينالهم نصيبهم من العذاب
ثم قال جل وعز: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم} [آية: 37]
قيل أعوان ملك الموت لما جاءوهم أقروا أنهم كانوا كافرين
وقيل ملائكة العذاب
ومعنى يتوفونهم على هذا يتوفونهم عذابا كما تقول قتلته بالعذاب
ويجوز أن يكون من استيفاء العدد). [معاني القرآن: 3/30-32]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( { يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ} أي حظهم مما كتب الله عليهم من العقوبة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كلّما دخلت أمّةٌ لّعنت أختها...}
يقول: التي سبقتها، وهي أختها في دينها لا في النسب. وما كان من قوله: {وإلى مدين أخاهم شعيبا} فليس بأخيهم في دينهم ولكنه منهم). [معاني القرآن: 1/379]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعاً) (37) أي اجتمعوا فيها، ويقال تدارك لي عليه شئ أي اجتمع لي عنده شئ، وهو مدغم التاء في الدال فثقّلت الدال.
(عذاباً ضعفاً) (37) أي عذابين مضعف فصار شيئين). [مجاز القرآن: 1/214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حتى إذا اداركوا}: اجتمعوا يقال تدارك لي عليه شيء إذا اجتمع). [غريب القرآن وتفسيره: 145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم} أي ادخلوا مع أمم.
{حتّى إذا ادّاركوا فيها} تداركوا. أدغمت التاء في الدال. وأدخلت الألف ليسلم السكون لما بعدها. يريد: تتابعوا فيها واجتمعوا). [تفسير غريب القرآن: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: 65، 66].
أصل ادّارك: تدارك، فأدغمت التاء في الدال، وأدخلت ألف الوصل ليسلم للدّال الأولى السكون، ومثله: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا} [الأعراف: 38] و{اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة: 38]، و{قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ} [النمل: 47]، إنما هو: تداركوا، وتثاقلتم، وتطيّرنا.
ومعنى تدارك: تتابع، وعلمهم: حكمهم على الآخرة، وحدسهم الظّنون.
وأراد وما يشعرون متى يبعثون إلّا بتتابع الظّنون في علم الآخرة، فهم يقولون تارة: إنها تكون، وتارة: إنها لا تكون، وإلى كذا تكون، وما يعلم غيب ذلك إلّا الله تعالى.
ثم قال: بل هم في شكٍّ منها بل هم من علمها عمون.
وكان ابن عباس يقرؤها بلى أدارك علمهم.
[تأويل مشكل القرآن: 354]
وهذه القراءة أشدّ إيضاحا للمعنى، لأنه قال: وما يشعرون متى يبعثون، ثم قال: بل تداركت ظنونهم في علم الآخرة، فهم يحدسون ولا يدرون). [تأويل مشكل القرآن:354- 355] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّة لعنت أختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابا ضعفا من النّار قال لكلّ ضعف ولكن لا تعلمون (38)
(كلّما دخلت أمّة لعنت أختها).
لأنهم ضل بعضهم باتباع بعض.
(حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعا).
أي تداركوا، وأدغمت التاء في الدال، فإذا وقفت على قوله " حتى إذا " لم تبتدئ حتى تأتي بألف الوصل، فتقول: ادّاركوا فتأتي بألف الوصل لسكون الدال فيها.
ومعنى تداركوا اجتمعوا.
وقوله " (جميعا) منصوب على الحال، المعنى حتى إذا تداركوا فيها مجتمعين.
(قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا).
أي قالت أخراهم: دعتهم أولاهم فاتبع الآخر - الأول. فأعلم التابعون أن المتبوعين أضلّوهم بأن دعوهم إلى الضلال، والمعنى قالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلونا، لأولاهم، تعني أولاهم.
وقوله: (فآتهم عذابا ضعفا من النّار).
أي عذابا مضاعفا لأن الضعف في كلام العرب على ضربين أحدهما المثل، والآخر أن يكون في معنى تضعيف الشيء.
(قال لكلّ ضعف).
أي للتابع والمتبوع لأنهم قد دخلوا في الكفر جميعا، أي لكل عذاب مضاعف، فمن قرأ: (ولكن لا تعلمون) بالتاء.
أي ولكن لا تعلمون أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم من العذاب.
ومن قرأ (ولكن لا يعلمون) - بالياء، أي ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر.
ويجوز - واللّه أعلم - ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ذلك). [معاني القرآن: 2/336-337]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم} [آية: 38]
قيل معنى في معنى مع وهذا لا يمتنع لأن قولك زيد في القوم معناه مع القوم وتجوز أن تكون في على بابها
وقال الأصمعي في قول امرئ القيس:
هل ينعمن من كان آخر عهده = ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
معنى في معنى مع
وقوله جل وعز: {حتى إذا اداركوا فيها} [آية: 38]
[معاني القرآن: 3/32]
أي تتابعوا واجتمعوا
{قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا}
المعنى قالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلونا لأولاهم أي يعني أولاهم
وقوله جل وعز: {قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون} [آية: 38]
يجوز أن يكون المعنى ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ما هم فيه من العذاب
ويجوز أن يكون المعنى لا تعلمون أيها المخاطبون
ومن قرأ ولكن لا يعلمون فمعناه عنده ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر). [معاني القرآن: 3/33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و{ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} أي مع الأمم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ادَّارَكُوا}: اجتمعوا). [العمدة في غريب القرآن: 134]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل} [آية: 39]
قال مجاهد أي من تخفيف العذاب
وقال السدي قد ضللتم كما ضللنا
وقوله جل وعز: {لا تفتح لهم أبواب السماء} [آية: 40]
قيل يعني أبواب الجنة لأن الجنة في السماء
وأحسن ما قيل في هذا ما رواه سفيان عن منصور عن مجاهد قال لا تفتح أبواب السماء لكلامهم ولا لعملهم ويدل على صحة هذا القول قوله جل وعز: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}
وفي هذا حديث مسند رواه المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم إن العبد الكافر أو المنافق إذا خرجت نفسه أخذتها الملائكة حتى تنتهي إلى سماء الدنيا يفوح منها كأنتن ريح جيفة كانت على وجه الأرض فيستفتح له فلا يفتح ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفتح لهم أبواب السماء فيقول الله اجعلوا كتابه في سجين
وأعيدوه إلى الأرض فتطرح طرحا ثم قرأ عليه السلام ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء). [معاني القرآن: 3/34-35]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تفتّح لهم...}
ولا يفتّح وتفتّح. وإنما يجوز التذكير والتأنيث في الجمع لأنه يقع عليه التأنيث فيجوز فيه الوجهان؛ كما قال: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} و"يشهد" فمن ذكّر قال: واحد الألسنة ذكر فأبني على الواحد إذ كان الفعل يتوحد إذا تقدّم الأسماء المجموعة، كما تقول ذهب القوم.
وربما آثرت القراء أحد الوجهين، أو يأتي ذلك في الكتاب بوجه فيرى من لا يعلم أنه لا يجوز غيره وهو جائز. ومما آثروا من التأنيث قوله: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} فآثروا التأنيث. ومما آثروا فيه التذكير قوله: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} والذي أتى في الكتاب بأحد الوجهين قوله: {فتحت أبوابها} ولو أتى بالتذكير كان صوابا.
ومعنى قوله: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}: لا تصعد أعمالهم. ويقال: إن أعمال الفجار لا تصعد ولكنها مكتوبة في صخرة تحت الأرض، وهي التي قال الله تبارك وتعالى: {كلا إن كتاب الفجار لفي سجين}.
وقوله: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط} الجمل هو زوج الناقة. وقد ذكر عن ابن عباس الجمّل يعني الحبال المجموعة. ويقال الخياط والمخيط ويراد الإبرة. وفي قراءة عبد الله (المخيط) ومثله يأتي على هذين المثالين يقال: إزار ومئزر، ولحاف وملحف، وقناع ومقنع، وقرام ومقرم). [معاني القرآن: 1/379-380]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (في سمّ الخياط) (39) أي في ثقب الإبرة وكل ثقب من عين أو أنف أو أذن أو غير ذلك فهو سمّ والجميع سموم.
(لهم من جهنّم مهادٌ) أي فراش وبساط ولا تنصرف جهنم لأنه اسم مؤنثة على أربعة أحرف.
(ومن فوقهم غواشٍ) واحدتها غاشية وهي ما غشاهم فغطاهم من فوقهم). [مجاز القرآن: 1/214]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط وكذلك نجزي المجرمين}
وقال: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط} من"ولج" "يلج" "ولوجاً"). [معاني القرآن: 2/5]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حتى يلج الجمل في سم الخياط}: يدخل في ثقب
الإبرة والثقوب كلها سموم: المنخران والقبل والدبر. وقرؤوا {الجمل} وهي قلوس البحر. وهو القلس الغليظ). [غريب القرآن وتفسيره: 145-146]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا تفتّح لهم أبواب السّماء} [أي ليس لهم عمل صالح تفتح لهم به أبواب السماء] ويقال: لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء إذا ماتوا.
{حتّى يلج الجمل} أي يدخل البعير. {في سمّ الخياط} أي في
ثقب الإبرة. وهذا كما يقال: لا يكون ذاك حتى يشيب الغراب. وحتى يبيضّ القار). [تفسير غريب القرآن: 167-168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط وكذلك نجزي المجرمين (40)
أي كذبوا بحججنا وأعلامنا التي تدل على نبوة الأنبياء وتوحيد اللّه.
(لا تفتّح لهم أبواب السّماء).
أي لا تصعد أرواحهم ولا أعمالهم، لأن أعمال المؤمنين وأرواحهم تصعد إلى السماء، قال اللّه عزّ وجلّ: (إليه يصعد الكلم الطّيّب).
ويجوز لا تفتح ولا تفتّح بالتخفيف والتشديد، وبالياء والتاء.
وقال بعضهم: لا تفتح لهم أبواب السماء، أي أبواب الجنة، لأن الجنة في السماء، والدليل على ذلك قوله: (ولا يدخلون الجنّة).
فكأنه لا تفتح لهم أبواب الجنة ولا يدخلونها (حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط).
فالخياط الإبرة، وسمها ثقبها.
المعنى لا يدخلون الجنة أبدا.
وسئل ابن مسعود عن الجمل فقال هو زوج الناقة. كأنه استجهل من سأله عن الجمل.
وقرأ بعضهم الجمل، وفسّروه فقالوا قلس السفينة.
وقوله عزّ وجلّ (وكذلك نجزي المجرمين)
أي ومثل ذلك الذي وصفنا نجزي المجرمين.
والمجرمون - واللّه أعلم - ههنا الكافرون، لأن الذي ذكر من قصتهم التكذيب بآيات اللّه، والاستكبار عنها). [معاني القرآن: 2/337-338]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} [آية: 40]
والمعنى لا يدخلون الجنة ألبتة والعرب تستعمل أمثال هذا كثيرا
وسئل عبد الله بن مسعود عن الجمل فقال هو زوج الناقة
كأنه استجهل من سأله عما يعرفه الناس جميعا
ويروى عن ابن عباس أنه قرأ حتى يلج الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وقال هو القلس من حبال السفن
[معاني القرآن: 3/35]
وقال أحمد بن يحيى هي الحبال المجموعة جمع جملة
وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ (حتى يلج الجمل) بضم الجيم وتخفيف الميم
قيل هو القلس أيضا
والسم والسم ثقب الإبرة وقرا ابن سيرين بضم السين
والخياط والمخيط الإبرة ونظيره قناع ومقنع
ثم قال جل وعز: {وكذلك نجزي المجرمين} [آية: 40]
يعني الكافرين لأنه قد تقدم ذكرهم). [معاني القرآن: 3/36]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} أي ليس لهم عمل صالح يفتح لهم أبواب السماء، وقيل: لأرواحهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَلِجَ} يدخل
{سَمِّ الْخِيَاطِ}: ثقب الإبرة). [العمدة في غريب القرآن: 134]

تفسير قوله تعالى: (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لهم مّن جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ وكذلك نجزي الظّالمين}
وقال: {لهم مّن جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ} فإنما انكسر قوله (غواشٍ) لأن هذه الشين في موضع عين "فواعل" فهي مكسورة. وأما موضع اللام منه فالياء، والياء والواو إذا كانت بعد كسرة وهما في موضع تحرك برفع أو جرّ صارتا ياء ساكنة في الرفع وانجرّ ونصبا في النصب. فلما صارتا ياء ساكنة وأدخلت عليها التنوين وهو ساكن ذهبت الياء لاجتماع الساكنين). [معاني القرآن: 2/5-6]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({مهاد}: بساط.
{غواش}: ما غشوا به من فوق). [غريب القرآن وتفسيره: 146]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لهم من جهنّم مهادٌ} أي فراش {ومن فوقهم غواشٍ} أي ما يغشاهم من النار). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (لهم من جهنّم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظّالمين (41)
أي فراش من نار.
(ومن فوقهم غواش).
أي غاشية فوق غاشية من النار.
وقوله: (وكذلك نجزي الظّالمين).
والظالمون ههنا الكافرون.
وقوله " غواش) زعم سيبويه والخليل جميعا أن النون هنا عوض من الياء لأن غواشي لا تنصرف، والأصل فيها غواشي، بإسكان الياء.
فإذا ذهبت الضمة أدخلت التنوين عوضا منها، كذلك فسر أصحاب سيبويه، وكان سيبويه يذهب إلى أن التنوين عوض من ذهاب حركة الياء، والياء سقطت لسكونها وسكون التنوين. فإذا وقفت فالاختيار أن تقف بغير ياء، فتقول
غواش، لتدل أن الياء كانت تحذف في الوصل.
وبعض العرب إذا وقف قال غواشي، بإثبات الياء.
ولا أرى ذلك في القرآن لأن الياء محذوفة في المصحف، والكتاب على الوقف). [معاني القرآن: 2/338-339]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لهم من جهنم مهاد} [آية: 41]
أي فراش
ومن فوقهم غواش أي غاشية فوق غاشية من العذاب
وكذلك نجزي الظالمين قيل يعني الكفار والله أعلم). [معاني القرآن: 3/36-37]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِهَادٌ}: فراش
{غوَاشٍ}: أغطية). [العمدة في غريب القرآن: 134-135]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لا نكلّف نفساً إلاّ وسعها) (41): طاقتها، يقال لا أسع ذلك). [مجاز القرآن: 1/215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لا نكلّف نفسا إلّا وسعها أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (42)
أي عملوا الصالحات بقدر طاقتهم، لأن معنى الوسع ما يقدر عليه.
وقوله: (أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون).
أولئك رفع بالابتداء، وأصحاب خبر، وهم والجملة خبر الذين، ويرجع على الذين أسماء الإشارة، أعني أولئك). [معاني القرآن: 2/339]

تفسير قوله تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ونزعنا ما في صدورهم مّن غلٍّ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون ونادى أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً فهل وجدتّم مّا وعد ربّكم حقّاً قالوا نعم فأذّن مؤذّنٌ بينهم أن لّعنة اللّه على الظّالمين}
وقال: {ونزعنا ما في صدورهم مّن غلٍّ} وهو ما يكون في الصدور، وأما الذي يغلّ به الموثق فهو "الغلّ".
وقال: {الحمد للّه الّذي هدانا لهذا} كما قال: {اللّه يهدي للحقّ} وتقول العرب: "هو لا يهتدي لهذا" أي: لا يعرفه. وتقول: "هديت العروس إلى بعلها". وتقول أيضاً: أهديتها إليه" و"هديت له" وتقول: "أهديت له هديّةً". وبنو تميم يقولون "هديت العروس إلى زوجها" جعلوه في معنى "دللتها" وقيس تقول: "أهديتها" جعلوها بمنزلة الهدية.
وقال: {ونودوا أن تلكم الجنّة} و{أن لّعنة اللّه على الظّالمين} وقال في موضع آخر {أن الحمد للّه} و{أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً} فهذه "أنّ" الثقيلة خفّفت وأضمر فيها [و] ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة لأن بعدها اسما. والخفيفة لا يليها الأسماء. وقال الشاعر:
في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا = أن هالكٌ كلّ من يخفى وينتعل
وقال الشاعر:
أكاشره واعلم أن كلانا = على ما ساء صاحبه حريص
فمعناه: أنه كلانا. وتكون {أن قد وجدنا} في معنى: "أي"). [معاني القرآن: 2/6-7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (الغلّ)، الحسد والعداوة). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («اللام» مكان «إلى»
قال الله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 5]، أي أوحى إليها.
قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: 43]، أي إلى هذا.
يدلك على ذلك قوله في موضع آخر: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] وقوله: {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 121]). [تأويل مشكل القرآن: 572]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: (ونزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)
قال بعضهم: ذهبت الأحقاد التي كانت في قلوبهم، وحقيقته – والله أعلم - أنه لا يحسد بعض أهل الجنّة بعضا في علو الرتبة، لأن الحسد غل.
وقوله تعالى: (تجري من تحتهم الأنهار).
في معنى الحال، المعنى ونزعنا ما في صدورهم من غل في هذه الحال، ويجوز أن يكون " تجري " إخبارا عن صفة حالهم، فيكون تجري مستأنفا.
ومعنى (هدانا لهذا).
أي هدانا لما صيرنا إلى هذا، يقال: هديت الرجل هداية وهدى وهديا.
وأهديت الهدية فهي مهداة، وأهديت العروس إلى زوجها وهديتها.
وقوله جلّ وعز: (ونودوا أن تلكم الجنّة).
في موضع نصب، وههنا الهاء مضمرة، وهي مخففة من الثقيلة.
والمعنى نودوا بأنه تلكم الجنّة.
والأجود - عندي - أن تكون أن في موضع تفسير النداء، كان المعنى، ونودوا أن تلكم الجنة، أي قيل لهم،: تلكم الجنة، وإنما قال: تلكم، لأنهم وعدوا بها في الدنيا، فكأنه قيل: هذه تلكم التي وعدتم بها.
وجائز أن يكون عاينوها فقيل لهم من قبل دخولها إشارة إلى ما يرونه: تلكم الجنة، كما تقول لما تراه: ذلك الرجل أخوك. ولو قلت: هذا الرجل لأنه يراك جاز، لأن هذا وهؤلاء لما قرب منك، وذاك وتلك لما بعد عنك.
رأيته أو لم تره). [معاني القرآن: 2/339-340]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} [آية: 43]
الغل في اللغة الحقد المعنى إن بعضهم لا يحقد على بعض بما كان بينه وبينه في الدنيا
ويجوز أن يكون المعنى أنه لا يحسد بعضهم على علو المرتبة
ويدل على أن القول هو الأول أنه روي عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم {ونزعنا ما في صدورهم من غل}
وقوله جل وعز: {وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا} [آية: 43]
أي لما صيرنا إلى هذا
وقوله جل وعز: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} [آية: 43]
ويجوز أن يكون المعنى بأنه تلكم الجنة
ويجوز أن تكون أن مفسرة للنداء
والبصريون يعتبرونها بأي والكوفيون يعتبرونها بالقول والمعنى واحد كأنه ونودوا قيل لهم تلكم الجنة أي هذه تلكم الجنة التي وعدتموها في الدنيا
ويجوز أن يكون لما رأوها قيل لهم قبل أن يدخلوها تلكم الجنة
والقول في معنى أن قد وجدنا وأن لعنة الله على الظالمين على ما قلنا في أن تلكم الجنة). [معاني القرآن: 3/37-38]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (من غل) أي: من حقد). [ياقوتة الصراط: 229]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 02:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 44 إلى 64]

(وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) )

تفسير قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم...}
وذلك أنهم على سور بين الجنة والنار يقال له الأعراف، يرون أهل الجنة فيعرفونهم ببياض وجوههم، ويعرفون أهل النار بسواد وجوههم، فذلك قوله:
{يعرفون كلا بسيماهم}. وأصحاب الأعراف أقوام اعتدلت حسناتهم وسيئاتهم فقصّرت بهم الحسنات عن الجنّة، ولم تبلغ بهم سيئاتهم النار، كانوا موقوفين ثم أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته). [معاني القرآن: 1/380-381]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه قالوا إنّ اللّه حرّمهما على الكافرين}
وقوله: {أن أفيضوا علينا من الماء} تكون "أي أفيضوا" وتكون على "أن" التي تعمل في الأفعال لأنك تقول: "غاظني أن قام" و"غاظني أن ذهب" فتقع على الأفعال وإن كانت لا تعمل فيها وفي كتاب الله {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} معناها: أي امشوا). [معاني القرآن: 2/7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأذّن مؤذّنٌ بينهم} أي نادى مناد بينهم: {أن لعنة اللّه على الظّالمين}). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ونادى أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا قالوا نعم فأذّن مؤذّن بينهم أن لعنة اللّه على الظّالمين (44)
معنى " أن " ههنا إن شئت كان مفسرا لما نادى به أصحاب الجنة.
والمعنى أي قد وجدنا، ويجوز أن تكون أن الشديدة وخففت، المعنى أنه قد وجدنا.
قال الشاعر:

في فتية كسيوف الهند قد علموا.=.. أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقوله: (قالوا نعم).
وفي بعض اللغات قالوا نعم في معنى نعم - موقوفة الآخر - لأنها حرف جاء لمعنى.
وقوله: (فأذّن مؤذّن بينهم أن لعنة اللّه على الظّالمين).
ويجوز أنّ لعنة اللّه على الظّالمين، وقد قرئ بهما جميعا والمخففة مخففة من الشديدة، ويجوز أن تكون المخففة في معنى أي الخفيفة التي هي تفسير، كأنّها تفسير لما أّذّنوا فيه). [معاني القرآن: 2/340-341]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) )
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (الذين يصدون) قال: يصدون: يعرضون، ويصدون، أي: يضجون). [ياقوتة الصراط: 229]

تفسير قوله تعالى: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وعلى الأعراف رجالٌ يعرفون) (45) مجازها: على بناء سورٍ لأن كل مرتفع من الأرض عند العرب أعراف، قال:

كل كناز لحمه نياف.=.. كالعلم الموفى على الأعراف
وقال الشّمّاخ:
وظلّت بأعرافٍ تفالى كأنها..=. رماحٌ نحاها وجهة الرّيح راكز
). [مجاز القرآن: 1/215]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (أي على نشزٍ: (بسيماهم) (45) منقوصة، والمعنى: بعلاماتهم). [مجاز القرآن: 1/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {بسيماهم}: علاماتهم). [غريب القرآن وتفسيره: 146]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و(الأعراف) سور بين الجنة والنار، سمي بذلك لارتفاعه، وكل مرتفع عند العرب: أعراف. قال الشاعر:
كلّ كنار لحمه نياف كالعلم الموفي على الأعراف
و(السّيماء): العلامة). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يعرفون كلا بسيماهم} [آية: 46]
قال قتادة يعرف أهل الجنة ببياض وجوههم وأهل النار
بسواد وجوههم
ثم قال جل وعز: {لم يدخلوها وهم يطعمون} [آية: 46]
قال أكثر أهل التفسير يعني أصحاب الأعراف). [معاني القرآن: 3/38-39]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{الأَعْرَافِ} سور بين الجنة والنار، يسمى بذلك لارتفاعه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بِسِيمَاهُمْ}: بعلاماتهم). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النّار) (46) أي حيال أصحاب النار، وفي آية أخرى (تلقاء مدين) (28/22) أي حيال مدين وتجاهه). [مجاز القرآن: 1/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تلقاء أصحاب النار}: جذاة). [غريب القرآن وتفسيره: 146]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تِلْقَاء}: حذاء). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم} [آية: 48]
قال حذيفة أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فهم بين الجنة والنار ثم إن الله اطلع عليهم فرحمهم فقالوا ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون
وروى عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه قال الأعراف الشيء المشرف
وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال الأعراف سور له عرف كعرف الديك
والأعراف في اللغة المكان المشرف جمع عرف
وقال أبو مجلز هم من الملائكة
قال والذين صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار أهل الجنة
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا داود الضبي قال حدثنا مسلم بن خالد قال عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في أصحاب الأعراف قال هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وهم على سور بين الجنة والنار وهم على طمع في دخول الجنة وهم داخلون
وقيل إن أصحاب الأعراف ملائكة بين الجنة والنار
قال أبو جعفر والقول الأول أشهر وأعرف
قال ابن عباس فقال الله جل وعز لهم: {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}
قال عبد الله بن الحارث وهم يدعون مساكين أهل الجنة). [معاني القرآن: 3/39-41]

تفسير قوله تعالى: (أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) )

تفسير قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) )
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (أو مما رزقكم الله) قال: يعني الخبز والطعام، قال أبو عبد الله: فلم يصرح الله - عز وجل - بذكر الخبز والطعام، لقلته عنده، وصرح بذكر الماء، لأنه شرفه، لأن كل شيء خلقه - من الحيوان والفاكهة وغير ذلك - حياته بالماء، وهو قوله - جل
وعز: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ) ). [ياقوتة الصراط: 229-230]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فاليوم ننساهم) (50) مجازه: نؤخرهم ونتركهم، (كما نسوا لقاء يومهم هذا) (50) أي كما تركوا أمر ربهم وجحدوا يوم القيامة). [مجاز القرآن: 1/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاليوم ننساهم} أي نتركهم). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (الّذين اتّخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرّتهم الحياة الدّنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون (51)
(فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا).
أي نتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا.
ومعنى: (وما كانوا بآياتنا يجحدون).
و " كجحدهم " و " ما " نسق على " كما، في موضع جر). [معاني القرآن: 2/341]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا} [آية: 51]
قال مجاهد أي نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا
والمعنى فاليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل لقاء يومهم هذا
وما كانوا بآياتنا يجحدون أي بجحودهم لآياتنا). [معاني القرآن: 3/41]

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد جئناهم بكتابٍ فصّلناه على علمٍ هدًى ورحمةً...}
تنصب الهدى والرحمة على القطع من الهاء في فصّلناه. وقد تنصبهما على الفعل. ولو خفضته على الإتباع للكتاب كان صوابا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} فجعله رفعا بإتباعه للكتاب). [معاني القرآن: 1/381]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون (52)
هدى في موضع نصب، أي فصلناه هاديا وذا رحمة.
ويجوز هدى ورحمة لقوم يؤمنون على الاستئناف، المعنى هو هدى ورحمة لقوم يؤمنون). [معاني القرآن: 2/341]

تفسير قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هل ينظرون إلاّ تأويله...}
الهاء في تأويله للكتاب. يريد عاقبته وما وعد الله فيه.
وقوله: {فهل لّنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ} ليس بمعطوف على (فيشفعوا)، إنما المعنى - والله أعلم -: أو هل نردّ فنعمل غير الذي كنا نعمل. ولو نصبت (نردّ) على أن تجعل (أو) بمنزلة حتّى، كأنه قال: فيشفعوا لنا أبدا حتى نرد فنعمل، ولا نعلم قارئا قرأ به). [معاني القرآن: 1/381]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هل ينظرون إلاّ تأويله) (52) أي هل ينظرون إلاّ بيانه ومعانيه وتفسيره.
(خسروا أنفسهم) (52) مجازه: غبنوا أنفسهم وأهلكوا قال الأعشى:
لا يأخذ الرّشوة في حكمه... ولا يبالي غبن الخاسر). [مجاز القرآن: 1/216]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {هل ينظرون إلاّ تأويله يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربّنا بالحقّ فهل لّنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل قد خسروا أنفسهم وضلّ عنهم مّا كانوا يفترون}
وقال: {فهل لّنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل} فنصب ما بعد الفاء لأنه جواب استفهام). [معاني القرآن: 2/7-8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هل ينظرون إلّا تأويله} أي هل ينتظرون إلّا عاقبته. يريد ما وعدهم اللّه من أنه كائن {يوم يأتي تأويله} في القيامة {يقول الّذين نسوه من قبل} أي تركوه وأعرضوا عنه). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (هل: تكون للاستفهام...، ويجعلونها أيضا بمعنى: (ما) في قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ
تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [الأنعام: 158] و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210]، و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ} [الزخرف: 66]، و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}؟ [الأعراف: 53]، و: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؟ [النحل: 35].
هذا كله عندهم بمعنى: (ما).
وهو والأوّل عند أهل اللغة تقرير). [تأويل مشكل القرآن:538- 539] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هل ينظرون إلّا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربّنا بالحقّ فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل قد خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون (53)}
{هل ينظرون إلّا تأويله}.
معناه هل ينظرون إلا ما يؤول إليه أمرهم من البعث، وهذا التأويل والله أعلم - هو قوله (وما يعلم تأويله إلا اللّه)، أي ما يعلم متى يكون البعث.
وما يؤول إليه إلا اللّه: (والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به)
بالبعث - واللّه أعلم -.
وقوله: (يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل).
(يوم) منصوب بقوله: (يقول) و (الذين نسوه) على ضربين:
جائز أن يكون صاروا في الإعراض عنه بمنزلة من نسي وجائز أن يكونوا نسوه وتركوا العمل له والإيمان به.
وقوله:. (أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل).
(أو) نسق على قوله (من شفعاء)، " كأنهم قالوا: هل يشفع لنا شافع أو هل نرد.
وقوله عزّ وجلّ (فنعمل) منصوب على جواب الفاء للاستفهام.
ويجوز أن تنصب (أو نردّ فنعمل)، أي إن رددنا استغنينا عن الشفاعة). [معاني القرآن: 2/341-342]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هل ينظرون إلا تأويله} [آية: 53]
قال مجاهد أي جزاءه
وقال قتادة أي عاقبته
وهذا قول حسن ومعناه ما وعدوا فيه أنه كائن
ثم قال جل وعز: {يوم يأتي تأويله} [آية: 53]
يعني يوم القيامة
يقول الذين نسوه من قبل
قال مجاهد أي أعرضوا عنه). [معاني القرآن: 3/41-42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} أي عاقبته.
{الَّذِينَ نَسُوهُ} أي تركوه وأعرضوا عنه). [تفسير المشكل من غريب القرآن:84 -85]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثاً والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين}
وقال: {والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره} عطف على قوله: {خلق السماوات والأرض} وخلق {الشمس والقمر}). [معاني القرآن: 2/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأمر: القضاء، قال الله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5]، أي يقضي القضاء. وقال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] أي القضاء). [تأويل مشكل القرآن: 515]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثا والشّمس والقمر والنّجوم مسخّرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين (54)
(يغشي اللّيل النّهار).
و (يغشّي اللّيل النّهار)، جميعا يقرأ بهما.
والمعنى أن الليل يأتي على النهار فيغطيه، ولم يقل يغشى النهار الليل.
لأن في الكلام دليلا عليه، وقد جاء في موضع آخر: (يكوّر اللّيل على النّهار ويكوّر النّهار على اللّيل).
وقوله تعالى: (والنّجوم مسخّرات بأمره).
أي خلق النجوم جاريات مجاريهنّ بأمره.
وقوله: (وعلى الأعراف رجال).
وقوله: (ونادى أصحاب الأعراف)
اختلف الناس في أصحاب الأعراف، فقال قوم: هم قوم استوت
حسناتهم وسيئاتهم، فلم يستحقوا الجنة بالحسنات، ولا النار بالسيئات.
فكانوا على الحجاب الذي بين الجنة والنار.
والأعراف أعالي السّور، ويقال لكل عال عرف وجمعه أعراف.
ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - على الأعراف على معرفة - أهل الجنة
وأهل النار هؤلاء الرجال، فقال قوم ما ذكرنا، وإن اللّه يدخلهم الجنة، وقال قوم أصحاب الأعراف أنبياء وقال قوم ملائكة.
ومعرفتهم كلّا بسيماهم يعرفون أصحاب الجنة بأن سيماهم إسفار الوجوه والضحك والاستبشار كما قال عزّ وجل: (وجوه يومئذ مسفرة (38) ضاحكة مستبشرة (39).
ويعرفون أصحاب النار بسيماهم وسيماهم اسوداد الوجوه وغبرتها - كما قال جلّ وعزّ: (يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه).
و (ووجوه يومئذ عليها غبرة (40) ترهقها قترة (41)
والقترة كالدّخان.
وقوله: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون).
هذا - واللّه أعلم - خطاب أصحاب الأعراف لأهل النار، وقرئت تستكثرون بالثاء.
وأما تجوله: (أهؤلاء الّذين أقسمتم).
يعني أهل الجنة كأنه قيل لهم: يا أهل النار أهؤلاء الذين حلفتم لا ينالهم الله برحمة).
(ادخلوا الجنّة لا خوف عليكم).
وإن شئت بالفتح لا خوف عليكم.
فجائز أن يكون (ادخلوا الجنّة) خطابا من أصحاب الأعراف لأهل
الجنة، لأن كل ما يقوله أصحاب الأعراف فعن اللّه تعالى. وجائز أن يكون خطابا من اللّه عزّ وجلّ لأهل الجنة.
وقوله: (ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه).
فأعلم اللّه عز وجل: أن ابن آدم غير مستغن عن الطعام والشراب وإن كان معذبا.
فأعلمهم أهل الجنة أن اللّه حرمها على الكافرين، يعنون أن اللّه حرم طعام أهل الجنة وشرابهم على أهل النار، لأنهم إنما يشربون الحميم الذي يصهر به ما في بطونهم). [معاني القرآن: 2/342-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن ربكم الله الذي خلق السموات ولأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار}[آية: 54]
المعنى يغشي الليل النهار ويغشي النهار الليل ثم حذف لعلم السامع
أي يدخل هذا في هذا وهذا في هذا
وقوله جل وعز: {ألا له الخلق والأمر} [آية: 54]
ففرق بين الشيء المخلوق وبين الأمر وهو كلامه فدل على
أن كلامه غير مخلوق وهو قوله كن وقيل هو مثل قوله جل ثناؤه: {فيهما فاكهة ونخل ورمان}
وقيل المعنى وتصرف الأمر ثم حذف). [معاني القرآن: 3/42-43]

تفسير قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ادعوا ربّكم تضرّعا وخفية إنّه لا يحبّ المعتدين (55)
قال قوم: تضرعوا تملقا، وحقيقته - واللّه أعلم - أن يدعوه خاضعين متعبدين.
و(خفية) أي اعتقدوا عبادته في أنفسكم، لأن الدعاء معناه العبادة.
وقوله: (إنّه لا يحبّ المعتدين).
والمعتدون المجاوزون ما أمروا به، وهم الظالمون). [معاني القرآن: 2/344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ادعوا ربكم تضرعا} [آية: 55]
أي مستكينين متعبدين وخفية أي وأخفوا العبادة لأن الدعاء عبادة
ثم قال تعالى: {إنه لا يحب المعتدين} [آية: 55]
قال قتادة فدل هذا على أن من الدعاء ما فيه اعتداء أي فلا تعتدوا في الدعاء). [معاني القرآن: 3/43]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ رحمت اللّه قريبٌ مّن المحسنين...}
ذكرت قريبا لأنه ليس بقرابة في النسب. قال: ورأيت العرب تؤنث القريبة في النسب لا يختلفون فيها، فإذا قالوا: دارك منّا قريب، أو فلانة منك قريب
في القرب والبعد ذكّروا وأنّثوا. وذلك أن القريب في المعنى وإن كان مرفوعا فكأنه في تأويل: هي من مكان قريب. فجعل القريب خلفا من المكان؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد} وقال: {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} ولو أنّث ذلك فبنى على بعدت منك فهي بعيدة وقربت فهي قريبة كان صوابا حسنا. وقال عروة:

عشيّة لا عفراء منك قريبة = فتدنو ولا عفراء منك بعيد
ومن قال بالرفع وذكّر لم يجمع قريبا [ولم] يثنّه. ومن قال: إنّ عفراء منك قريبة أو بعيدة ثنّى وجمع). [معاني القرآن: 1/381-382]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إنّ رحمة الله قريبٌ من المحسنين) (55) هذا موضع يكون في المؤنثة والثنتين والجميع منها بلفظ واحد ولا يدخلون فيها الهاء لأنه ليس بصفة ولكنه ظرف لهن وموضع، والعرب تفعل ذلك في قريب وبعيد قال:

فإن تمس ابنة السّهمىّ منا..=. بعيداً لا نكلّمها كلاما
وقال الشّنفري:

تؤرقني وقد أمست بعيداً..=. وأصحابي بعيهم أو تباله
فإذا جعلوها صفة في معنى مقتربة قالوا: هي قريبة وهما قريبتان وهن قريبات). [مجاز القرآن: 1/216-217]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إنّ رحمت اللّه قريبٌ مّن المحسنين}
وقال: {إنّ رحمت اللّه قريبٌ مّن المحسنين} فذكّر {قريب} وهي صفة "الرحمة" وذلك كقول العرب "ريحٌ خريقٌ" و"ملحفةٌ جديدٌ" و"شاةٌ سديسٌ". وإن شئت قلت: تفسير "الرحمة" ههنا: المطر، ونحوه. فلذلك ذكر. كما قال: {وإن كان طائفةٌ مّنكم آمنوا} فذكر لأنه أراد "الناس". وإن شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث كقول الشاعر:
فلا مزنةٌ ودقت ودقها= ولا أرض أبقل إبقالها
). [معاني القرآن: 2/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وادعوه خوفاً وطمعاً} أي خوفا منه ورجاء لما عنده). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إنّ رحمت اللّه قريب من المحسنين (56)
(وادعوه خوفا وطمعا).
أي ادعوه خائفين عذابه وطامعين في رحمته، ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه برحمته.
وقوله: (إنّ رحمت اللّه قريب من المحسنين).
إنما قيل (قريب) لأن الرحمة والغفران في معنى واحد وكذلك كل تأنيث ليس بحقيقي.
وقال الأخفش جائز أن تكون الرحمة ههنا في معنى المطر.
وقال بعضهم: هذا ذكر ليفصل بين القريب من القرابة، والقريب من القرب، وهذا غلط، أن كل ما قرب من مكان أو نسب فهو جار على ما يصيبه من التأنيث والتذكير). [معاني القرآن: 2/344-345]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وادعوه خوفا وطمعا} [آية: 56]
والمعنى خوفا منه ورجاء لما عنده). [معاني القرآن: 3/44]

تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وهو الّذي يرسل الرّياح نشراً...}
والنشر من الرياح: الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب. فقرأ بذلك أصحاب عبد الله. وقرأ غيرهم (بشرا) ... حدثني قيس بن الربيع الأسديّ عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي عبد الرحمن السلميّ عن عليّ أنه قرأ (بشرا) يريد بشيرة، و(بشرا) كقول الله تبارك وتعالى: (يرسل الرياح مبشّرات).
وقوله: {فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى} جواب لأنزلنا فأخرجنا به. يقال: إن الناس يموتون وجميع الخلق في النفخة الأولى. وبينها وبين الآخرة أربعون سنة. ويبعث الله المطر فيمطر أربعين يوما كمنيّ الرجال، فينبتون في قبورهم؛ كما ينبتون في بطون أمّهاتهم. فذلك قوله: {كذلك نخرج الموتى} كما أخرجنا الثمار من الأرض الميتة). [معاني القرآن: 1/382-383]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يرسل الرّياح نشراً) (56) أي متفرقة من كل مهب وجانب وناحية.
(أقلّت سحاباً) أي ساقت). [مجاز القرآن: 1/217]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وهو الّذي يرسل الرّياح بشراً بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلدٍ مّيّتٍ فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون}
وقال: {وهو الّذي يرسل الرّياح بشراً بين يدي رحمته} لأنّها جماعة "النشور" وتقول: "ريحٌ نشور" و"رياحٌ نشر". وقال بعضهم "نشرا" من "نشرها" "نشراً".
وقال في أول هذه السورة {كتابٌ أنزل إليك} [2] {لتنذر به} [2] {فلا يكن في صدرك حرجٌ مّنه} [2] هكذا تأويلها على التقديم والتأخير. وفي كتاب الله مثل ذلك كثير قال: {اذهب بّكتابي هذا فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون} والمعنى - والله أعلم - {فانظر ماذا يرجعون} {ثمّ تولّ عنهم} وفي كتاب الله {وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نّوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون [43] بالبيّنات والزّبر} والمعنى - والله أعلم - {وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نّوحي إليهم} {بالبيّنات والزّبر} {فاسألوا أهل الذّكر} {إن كنتم لا تعلمون} وفي "حم المؤمن" {فلمّا جاءتهم رسلهم بالبيّنات فرحوا بما عندهم مّن العلم} والمعنى - والله أعلم - {فلمّا جاءتهم رسلهم بالبيّنات} {مّن العلم} {فرحوا بما عندهم}. وقال بعضهم {فرحوا بما} هو {عندهم من العلم} أي: كان عندهم العلم وهو جهل ومثل هذا في كلام العرب وفي الشعر كثير في التقديم والتأخير. يكتب الرجل: "أمّا بعد حفظك الله وعافاك فإنّي كتبت إليك" فقوله "فإنّي" محمول على "أمّا بعد" [و] إنما هو "أمّا بعد فإنّي" وبينهما كما ترى كلام. قال الشاعر:

خيرٌ من القوم العصاة أميرهم = يا قوم فاستحيوا النساء الجلّس
والمعنى: خيرٌ من القوم العصاة أميرهم النّساء الجلّس يا قوم فاستحيوا. قال الآخر:
الشّمس طالعةٌ ليست بكاسفةٍ = تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا
ومعناه: الشمس طالعةٌ لم تكسف نجوم الليل والقمرا لحزنها على "عمر". وذلك أن الشمس كلما طلعت كسفت القمر والنجوم فلم تترك لها ضوءا.
ومن معاني القرآن قول الله عزّ وجل: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم مّن النّساء إلاّ ما قد سلف} فليس المعنى: انكحوا ما قد سلف. وهذا لا يجوز في الكلام والمعنى - والله أعلم - "لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فإنّكم تعذّبون به إلاّ ما قد سلف فقد وضعه الله عنكم" وكذلك قوله: {حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم} ثم قال: {وأن تجمعوا بين الأختين إلاّ ما قد سلف} والمعنى - والله أعلم - أنّكم تؤخذون بذلك إلاّ ما قد سلف فقد وضعه الله عنكم.
وقوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} ثم قال: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} فـ"الكاف" تزاد في الكلام. والمعنى: ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه أو الذي مرّ على قريةٍ. ومثلها في القرآن {ليس كمثله شيءٌ} والمعنى: ليس مثله شيء. لأنه ليس لله مثل. وقال الشاعر: * فصيّروا مثل كعصفٍ مأكول *
والمعنى: صيّروا مثل عصفٍ، والكاف زائدة. وقال الآخر:
* وصالباتٍ ككما يؤثفين *
إحدى الكافين زائدة.
وقوله: {بدّلناهم جلوداً غيرها} يعني غيرها في النضج، لأنّ الله عز وجل يجددها فيكون أشد للعذاب عليهم. وهي تلك الجلود بعينها التي عصت الله تعالى ولكن أذهب عنها النضج، كما يقول الرجل للرجل: "أنت اليوم غيرك أمس" وهو ذلك بعينه إلا أنه نقص منه شيء أو زاد فيه. وفي كتاب الله عز وجل: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} فيسأل السائل فيقول كيف كانوا كاذبين ولم يعودوا بعد. [و] إنما يكونون كاذبين إذا عادوا. وقد قلتم إنه لا يقال له كافر قبل أن يكفر إذا علم أنه كافر. وهذا يجوز أن يكون أنّهم الكاذبون بعد اليوم كما يقول الرجل: "أنا قائمٌ" وهو قاعد يريد "إني سأقوم" أو يقول {إنّهم لكاذبون} يعني ما وافوا به القيامة من كذبهم وكفرهم لأن الذين دخلوا النار كانوا كاذبين كافرين.
وقوله: {وجوهٌ يومئذٍ نّاضرةٌ [22] إلى ربّها ناظرةٌ} يقول "تنظر في رزقها وما يأتيها من الله" كما يقول الرجل: "ما أنظر إلاّ إليك" ولو كان نظر البصر كما يقول بعض الناس كان في الآية التي بعدها بيان ذلك. ألا ترى أنه قال: {ووجوهٌ يومئذٍ باسرةٌ [24] تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ} ولم يقل: "ووجوهٌ لا تنظر ولا ترى" وقوله: {تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ} يدلّ "الظن" ههنا على أن النظر ثم الثقة بالله وحسن اليقين ولا يدل على ما قالوا. وكيف يكون ذلك والله يقول {لاّ تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} وقوله: {وما تشاءون إلاّ أن يشاء اللّه} يعني ما تشاؤون من الخير شيئاً إلاّ أن يشاء الله أن تشاؤوه.
وقوله: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} حمل على المعنى وذلك أنه لا يراها وذلك أنك إذا قلت: "كاد يفعل إنما. تعني قارب الفعل ولم يفعل فإذا قلت "لم يكد يفعل" كان المعنى أنه لم يقارب الفعل ولم يفعل على صحة الكلام وهكذا معنى هذه الآية. إلاّ أنّ اللّغة قد أجازت: "لم يكد يفعل" في معنى: فعل بعد شدة، وليس هذا صحة الكلام [لـ] أنه إذا قال: "كاد يفعل" فإنما يعني: قارب الفعل. وإذا قال: "لم يكد يفعل" يقول: "لم يقارب الفعل" إلا أنّ اللغة جاءت على ما فسرت لك وليس هو على صحة الكلمة). [معاني القرآن: 2/8-12]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {نشرا}: منتشرة متفرقة من كل جانب وقرىء
{بشرا}: أي مبشرات). [غريب القرآن وتفسيره: 146-147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بشراً بين يدي رحمته} كأنه تبشر. ورحمته هاهنا: المطر، سماه رحمة: لأنه كان برحمته.
ومن قرأها نشرا بين يدي رحمته أراد جمع نشور، ونشر الشيء ما تفرق منه. يقال: اللهم اضمم إليّ نشرى. أي ما تفرق من أمري.
{حتّى إذا أقلّت سحاباً} أي حملت. ومنه يقال: ما أستقل به). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقد توضع (الرحمة) موضع (المطر) لأنه ينزل برحمته.
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57] يعني المطر). [تأويل مشكل القرآن: 146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وهو الّذي يرسل الرّياح بشرا بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون (57)
(بشرا بين يدي رحمته).
و (نشرا) أيضا بضم النون وفتحها - وقرأ عاصم بشرى بالياء.
فمن قرأ (نشرا) فالمعنى وهو الذي ينشر الرياح منشرة نشرا.
ومن قال نشرا فهو جمع نشور ونشر.
ومن قرأ بشرا فهو جمع بشيرة وبشر كما قال جلّ وعزّ: (وهو الّذي يرسل الرياح بشرا).
وقوله: (بين يدي رحمته).
أي بين يدي المطر الذي هو رحمة، (حتّى إذا أقلّت سحابا) أي حتى إذا أقلّت الريح سحابا، يقال: أقل فلان الشيء إذا هو حمله، وفلان لا يستقلّ بحمله.
فالمعنى حتى إذا حملت سحابا ثقالا، والسحاب جمع سحابة.
(ثقالا) أي ثقالا بالماء.
(سقناه لبلد ميّت).
وميت جميعا.
(فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات).
جائز أن يكون: فأنزلنا بالسحاب الماء، فأخرجنا به من كل الثمرات.
الأحسن - واللّه أعلم - فأخرجنا بالماء من كل الثمرات، وجائز أن يكون أخرجنا بالبلد من كل الثمرات، لأن البلد ليس يخصّ به ههنا بلد سوى سائر البلدان.
وقوله عز وجلّ: (كذلك نخرج الموتى).
أي مثل ذلك الإخراج الذي أشرنا إليه نخرج الموتى.
وقوله: (لعلّكم تذكّرون).
لعل ترج، وإنما خوطب العباد على قدر علمهم، وما يرجوه بعضهم من بعض، واللّه يعلم أي تذكرون أم لا.
وقوله: (لعلّكم تذكّرون).
أي لعلكم بما بينّاه لكم تستدلّون على توحيد اللّه وأنه يبعث الموتى). [معاني القرآن: 2/345-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته} [آية: 57]
نشر جمع نشور يقال ريح نشور إذا أتت من ههنا وههنا وقيل نشر مصدر
ومن قرأ نشرا بضم النون وإسكان الشين فإلى هذا المعنى يذهب عند البصريين
وأما الفراء فزعم أنها لغة بمعنى النشر كما يقال خسف وخسف
ومن قرأ نشرا فإنه يذهب إلى أن المعنى تنشر نشرا
ومن قرأ بشرا فهو جمع بشير عنده مخففة وقد تكون جمع بشرة وقد يكون مصدرا مثل العمر وتقرأ {بشرا} وبشرا
مصدر بشره يبشره بمعنى بشره
ومعنى بين يدي رحمته بين يدي المطر الذي هو من رحمته تعالى
ثم قال جل وعز: {حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء} [آية: 57]
حتى إذا أقلت سحابا ثقالا أي حتى إذا حملت الريح سحابا ثقالا بالماء سقناه يعني السحاب لبلد ميت فأنزلنا به الماء
يجوز أن يكون المعنى فأنزلنا بالبلد الماء
ويجوز أن يكون المعنى فأنزلنا بالسحاب الماء فأخرجنا به من كل الثمرات أي بالماء ويجوز أن يكون المعنى بالبلد
وقوله تعالى: {كذلك نخرج الموتى} [آية: 57]
قال مجاهد يبعث الله مطرا فيمطر فينبت الناس كما ينبت الزرع
ثم قال جل وعز: {لعلكم تذكرون} [آية: 57]
أي لتكونوا على رجاء من الاتعاظ بما تذكرون وتخبرون به). [معاني القرآن: 3/44-46]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً} أي حملت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نشرا}: من كل جانب.
{بُشْرى}: البشارة). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذي خبث لا يخرج إلاّ نكداً...}
قراءة العامة؛ وقرأ بعض أهل المدينة: نكدا؛ يريد: لا يخرج إلا في نكدٍ. والنكد والنكد مثل الدنف والدنف. قال: وما أبعد أن يكون فيها نكد، ولم أسمعها، ولكني سمعت حذر وحذر وأشر وأشر وعجل وعجل). [معاني القرآن: 1/383]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لا يخرج إلاّ نكداً) (57) أي قليلاً عسراً في شدة قال:
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن... أعطيت أعطيت تافهاً نكدا
تافه: قليل). [مجاز القرآن: 1/217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا يخرج إلّا نكداً} أي إلّا قليلا. يقال: عطاء منكود: منزور). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58]- لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها، وتصل مقطوعها وتظهر مستورها، فتقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد، فخفت منهم خيانة ونقضا، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم، وآذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنّقض على استواء). [تأويل مشكل القرآن: 21]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه والّذي خبث لا يخرج إلّا نكدا كذلك نصرّف الآيات لقوم يشكرون (58)
وقرأها أهل المدينة نكدا - بفتح الكاف - ويجوز فيه وجهان آخران: إلّا نكدا ونكدا - بضم النون وإسكان الكاف ولا يقرأ بالمضمومة، لأنه لم تثبت به رواية في القرآن). [معاني القرآن: 2/346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} [آية: 58]
النكد في اللغة النزر القليل وهذا تمثيل
قال مجاهد يعني إن في بني آدم الطيب والخبيث). [معاني القرآن: 3/46]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِلاَّ نَكِداً} إلا قليلا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما لكم مّن اله غيره...}
تجعل (غير) نعتا للإله. وقد يرفع: يجعل تابعا للتأويل في إله؛ ألا ترى أن الإله لو نزعت منه (من) كان رفعا. وقد قرئ بالوجهين جميعا.
وبعض بني أسد وقضاعة إذا كانت (غير) في معنى (إلا) نصبوها، تمّ الكلام قبلها أو لم يتم. فيقولون: ما جاءني غيرك، وما أتاني أحد غيرك. قال: وأنشدني المفضّل:
لم يمنع الشرب منها غير أن هتفت =حمامةٌ من سحوقٍ ذات
أوقال
فهذا نصب وله الفعل والكلام ناقص. وقال الآخر:

لا عيب فيها غير شهلة عينها = كذاك عتاق الطير شهلاً عيونها
فهذا نصب والكلام تامّ قبله). [معاني القرآن: 1/383-384]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله (قال الملأ من قومه إنّا لنراك في ضلال مبين (60)
وهم الرؤساء والأشراف، وقال بعضهم يعنى به الرجال. -
وقد بيّنّا الملأ فيما سبق من الكتاب). [معاني القرآن: 2/346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال الملأ} [آية: 60]
الرؤساء والأشراف أي المليئون بما يفوض إليهم). [معاني القرآن: 3/46]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) )

تفسير قوله تعالى: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) )

تفسير قوله تعالى: (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أو عجبتم...}
هذه واو نسق أدخلت عليه ألف الاستفهام؛ كما تدخلها على الفاء، فتقول: أفعجبتم، وليست بأو، ولو أريد بها أو لسكّنت الواو.
وقوله: {أو عجبتم أن جاءكم ذكرٌ مّن رّبّكم على رجلٍ} يقال في التفسير: مع رجل. وهو في الكلام كقولك: جاءنا الخير على وجهك، وهدينا الخير على لسانك، ومع وجهك، يجوزان جميعا). [معاني القرآن: 1/384]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أو عجبتم أن جاءكم ذكرٌ مّن رّبّكم على رجلٍ مّنكم لينذركم ولتتّقوا ولعلّكم ترحمون}
وقال: {أو عجبتم أن جاءكم ذكرٌ مّن رّبّكم} كأنه قال: "صنعوا كذا وكذا وعجبوا" فقال "صنعتم كذا وكذا أو عجبتم" فهذه واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام). [معاني القرآن: 2/12]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم على رجلٍ منكم} أي على لسان رجل منكم). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربّكم على رجل منكم لينذركم ولتتّقوا ولعلّكم ترحمون (63)
هذه الواو واو العطف. دخلت عليها ألف الاستفهام، فبقيت مفتوحة.
وقد بيّنّا أمرها في الكتاب). [معاني القرآن: 2/346]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ} أي على لسان رجل منكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فكذّبوه فأنجيناه والّذين معه في الفلك وأغرقنا الّذين كذّبوا بآياتنا إنّهم كانوا قوما عمين (64)
(في الفلك).
والفلك السفينة، يكون الفلك واحدا، ويكون جمعا.
وقوله: (قوما عمين).
أي قد عموا عن الحق والإيمان). [معاني القرآن: 2/346-347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنهم كانوا قوما عمين} [آية: 64]
قال قتادة أي عن الحق). [معاني القرآن: 3/47]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 02:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 65 إلى 87]

(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) )

تفسير قوله تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإلى عادٍ أخاهم هوداً...} ). [معاني القرآن: 1/384]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإلى عادٍ أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم مّن إله غيره أفلا تتّقون}
وقال: {وإلى عادٍ أخاهم هوداً} {وإلى ثمود أخاهم صالحاً} [73] فكل هذا - والله أعلم - نصبه على الكلام الأول على قوله: {لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه} [59] وكذلك {لوطاً} [80]، وقال بعضهم: "واذكر لوطاً". وإنما يجيء هذا النصب على هذين الوجهين، أو يجيء على أن يكون الفعل قد عمل فيما قبله وقد سقط بعده فعل على شيء من سببه فيضمر له فعلا. فإنما يكون على أحد هذه الثلاثة وهو في القرآن كثير.
وقال: {خلائف الأرض} وقال: {خلفاء} [69] وكل جائز وهو جماعة "الخليفة"). [معاني القرآن: 2/12]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره أفلا تتّقون (65)
المعنى: لقد أرسلنا نوحا إلى قومه، وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا.
وقيل للأنبياء أخوهم وإن كانوا كفرة، يعني به أنّه قد أتاهم بشر مثلهم من ولد أبيهم آدم، وهو أرجح عليهم.
وجائز أن يكون أخاهم لأنه من قومهم ليكون أفهم لهم بأن يأخذوا عن رجل منهم). [معاني القرآن: 2/347]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قال الملأ...}
هم الرجال لا يكون فيهم امرأة. وكذلك القوم، والنفر والرّهط). [معاني القرآن: 1/384]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّا لنراك في سفاهةٍ} أي في جهل). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال الملأ الّذين كفروا من قومه إنّا لنراك في سفاهة وإنّا لنظنّك من الكاذبين (66)
السفاهة خفة الحلم والرأي، يقال ثوب سفيه إذا كان خفيفا.
وقوله: (وإنّا لنظنّك من الكاذبين).
وكفروا به ظانّين لا مستيقنين). [معاني القرآن: 2/347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة} [آية: 66]
السفاهة رقة الحلم والطيش يقال ثوب سفيه إذا كان خفيفا). [معاني القرآن: 3/47]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكنّي رسول من ربّ العالمين (67)
هذا موضع أدب للخلق في حسن الجوار وفي المخاطبة، أنه دفع ما نسبوه إليه من السفاهة بأن قال ليس بي سفاهة، فدفعهم بنفي ما قالوا فقط.
وقوله: (ولكنّي رسول من ربّ العالمين).
أي الذي أنبئكم به من عند الله، لأنه أمرهم بعبادة اللّه جلّ وعزّ وتوحيده). [معاني القرآن: 2/347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {جوابا لهم قال يا قوم ليس بي سفاهة} [آية: 67]
وهذا أدب في الاحتمال). [معاني القرآن: 3/47]

تفسير قوله تعالى: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأنا لكم ناصحٌ أمينٌ...}
يقول: قد كنت فيكم أمينا قبل أن أبعث. ويقال: أمين على الرسالة). [معاني القرآن: 1/384]

تفسير قوله تعالى: (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (آلاّء الله) (68) أي نعم الله، وواحدها في قول بعضهم ألى تقديرها قفاً، وفي قول بعضهم إلى تقديرها معي.
جعل الأعشى واحدها إلى خفيف فقال:

أبيض لا يرهب الهذال ولا.=.. يقطع رحماً ولا يخون إلا
). [مجاز القرآن: 1/217-218]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أو عجبتم أن جاءكم ذكرٌ مّن رّبّكم على رجلٍ مّنكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء اللّه لعلّكم تفلحون}
وقال: {وزادكم في الخلق بسطةً} أي: انبساطاً. وهو في موضع آخر {بسطةً في العلم والجسم} وهو مثل الأول). [معاني القرآن: 2/13]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({آلاء الله}: نعم الله وحدها إلى وإلو). [غريب القرآن وتفسيره: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {آلاء اللّه}: نعمة. واحدها ألى. ومثله في التقدير {غير ناظرين إناه}: أي وقته. وجمعه: آناء). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربّكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء اللّه لعلّكم تفلحون (69)
وخلفاء جمع خليفة على التذكير لا على اللفظ، مثل ظريف وظرفاء.
وجائز أن يجمع خلائف على اللفظ، مثل طريفة وطرائف.
وقوله - جلّ وعزّ -: (وزادكم في الخلق بسطة).
في التفسير أنّه كان أقصرهم، طوله ستون ذراعا وأطولهم مائة ذراع.
وقوله: (فاذكروا آلاء اللّه).
معناه نعم اللّه، واحدها إلى.
قال الشاعر:

أبيض لا يرهب الهزال ولا..=. يقطع رحما ولا يخون إلاّ
ويجوز أن يكون واحدها إلي وإليّ). [معاني القرآن: 2/347-348]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {آلاءَ اللَّهِ} نعمه، واحده إلي، مثل حمل وأحمال، ويجوز أن يكون واحده ألي مثل ثوب وأثواب، و(ألى وإلى) مثل واحد
(آناء الليل) وآناء الليل: أوقاته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {آلاء اللّهِ}: نعم الله). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) )

تفسير قوله تعالى: (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (رجسٌ) (70) أي عذاب وغضب). [مجاز القرآن: 1/218]

تفسير قوله تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) )

تفسير قوله تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً...}
منصوب بضمير أرسلنا. ولو رفع إذ فقد الفعل كان صوابا؛ كما قال: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} وقال أيضا: {فأخرجنا به ثمراتٍ مختلفا ألوانها}
ثم قال: {ومن الجبال جددٌ بيض} فالوجه ها هنا الرفع؛ لأن الجبال لا تتبع النبات ولا الثمار. ولو نصبتها على إضمار: جعلنا لكم (من الجبال جددا بيضا) كما قال الله تبارك وتعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةً} أضمر لها جعل إذا نصبت؛ كما قال: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} والرفع في غشاوة الوجه. وقوله: {ومن الناس والدوابّ والأنعام مختلف ألوانه} ولم يقل: ألوانهم، ولا ألوانها. وذلك لمكان (من) والعرب تضمر من فتكتفي بمن من من، فيقولون: منا من يقول ذلك ومنا لا يقوله. ولو جمع على التأويل كان صوابا مثل قول ذي الرمّة:

فظلّوا ومنهم دمعه سابق له= وآخر يثني دمعة العين بالمهل
وقوله: {وزادكم في الخلق بسطة} كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا). [معاني القرآن: 1/384-385]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم مّن إله غيره قد جاءتكم بيّنةٌ مّن رّبّكم هذه ناقة اللّه لكم آيةً فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تم سّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ أليمٌ}
وقال: {فذروها تأكل في أرض اللّه} جزم إذا جعلته جوابا ورفع إذا أردت "فذروها آكلةً" وقال: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} وقال: {قل لّلّذين آمنوا يغفروا للّذين} و{فذرهم يخوضوا ويلعبوا} فصار جواباً في اللفظ وليس كذلك في المعنى). [معاني القرآن: 2/13]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} [النمل: 12]. أراد في تسع آيات إلى هذه الآية، أي معها. ثم قال: إلى فرعون ولم يقل مرسلا ولا مبعوثا، لأن ذلك معروف.
ومثله: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73]. أي: أرسلنا.
قال الشاعر:
رأتني بحبلَيْها فصدَّتْ مَخافةً = وفي الحبلِ رَوعاءُ الفؤادِ فَرُوقُ
أراد مقبلا بحبليها). [تأويل مشكل القرآن: 217-218] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بيّنة من ربّكم هذه ناقة اللّه لكم آية فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم (73)
أي أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا.
وثمود في كتاب اللّه مصروف وغير مصروف.
فأما المصروف فقوله: (ألا إن ثمودا كفروا ربّهم ألا بعدا لثمود).
الثاني غير مصروف، فالذي صرفه جعله اسما للحي، فيكون مذكرا سمي به مذكر ومن لم يصرفه جعله اسما للقبيلة.
وقوله: (ما لكم من إله غيره).
وتقرأ غيره، فمن رفع فالمعنى ما لكم إله غيره، ودخلت " من " مؤكدة.
ومن جرّ جعله صفة لإله.
وأجاز بعضهم النصب في غير وهو جائز في غير القرآن، على النصب على الاستثناء وعلى الحال من النكرة.
ولا يجوز في القرآن لأنه لم يقرأ به.
وأجاز الفراء.. ما جاءني غيرك بنصب غير، وهذا خطأ
بيّن، إنما أنشد الخليل وسيبويه بيتا أجازا فيه نصب غير، فاستشهد هو بذلك البيت واستهواه اللفظ في قولهما إن الموضع موضع رفع.
وإنما أضيفت غير في البيت إلى شيء غير متمكن فبنيت على الفتح كما يبنى يوم إذا أضيف إلى إذ على الفتح.
والبيت قول الشاعر:
لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت.=.. حمامة في غصون ذات أوقال
وأكثرهم ينشده غير أن نطقت، فلما أضاف غير إلى " أن " فتح غير، ولو قلت: ما جاء في غيرك لم يجز. ولو جاز هذا لجاز ما جاءني زيدا.
وقوله: (قد جاءتكم بيّنة من ربكم).
دعاهم إلى التوحيد ودلهم على نبوته بالناقة فقال:
(هذه ناقة اللّه لكم آية).
(آية) انتصب على الحال، أي أنظروا إلى هذه الناقة آية أي علامة.
وقد اختلف في خبرها، فقيل في بعض التفسير: إن الملأ من قوم صالح كانوا بين يديه فسألوه آية وكانت بين يديه صفاة - وهي الصخرة - فأخرج الله منها ناقة معها سقبها أي ولدها.
وجاء في بعض التفسير أنه أخذ ناقة من سائر النوق، وجعل الله لها
شربا يوما ولهم شرب يوم. وذكرت قصته في غير هذا الموضع فقال:
(هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم (155).
فكانت تشرب يوما ثم تفحج يوما آخر في واد فلا تزال تحتلب ولا ينقطع حلبها ذلك اليوم.
فجائز أن يكون أمر خروجها من الصخرة صحيحا، وجائز أن يكون أمر حلبها صحيحا. وكل منهما آية معجزة تدل على النبوة.
وجائز أن تكون الرّوايتان صحيحتين فيجمع أنّها خرجت من صخرة وأن حلبها على ما ذكرنا.
ولم يكن ليقول: (قد جاءتكم بيّنة من ربّكم) فتكون آية فيها لبس). [معاني القرآن: 2/348-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإلى ثمود أخاهم صالحا} [آية: 73]
قيل إنما قال جل وعز أخاهم لأنه بشرا مثلهم من بني آدم يفهمون عنه فهو أوكد عليهم في الحجة
وقيل إنما قال أخاهم لأنه من عشيرتهم
وقوله جل وعز: {قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم} [آية: 6] [آية: 73]
يروى أنها خرجت من صخرة صماء). [معاني القرآن: 3/47-48]

تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وبوّأكم) (73) أي أنزلكم قال ابن هرمة:
وبوّئت في صميم معشرها... فتمّ في قومها مبوّؤها
وزوّجكم). [مجاز القرآن: 1/218]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {بوأكم}: أنزلكم). [غريب القرآن وتفسيره: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وبوّأكم في الأرض} أي أنزلكم). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء اللّه ولا تعثوا في الأرض مفسدين (74)
أي لما أهلكهم وورثكم الأرض.
(وبوّأكم في الأرض).
أي أنزلكم.
قال الشاعر:
وبوّئت في صميم معشرها..=. وتمّ في قومها مبوّؤها
أي أنزلت من الكرم في صميم النسب.
وقوله: (وتنحتون من الجبال).
يقال: نحت ينحت، ويقال أيضا نحت ينحت، لأن فيه حرفا من حروف ويروى أنهم لطول أعمارهم كانوا يحتاجون أن ينحتوا بيوتا في الجبال،
لأن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم). [معاني القرآن: 2/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وبوأكم في الأرض} [آية: 74]
أي أنزلكم وقال الشاعر:
وبوئت في صميم معشرها = فنم في قومها مبوؤها
وقيل إنما كانوا ينحتون من الجبال بيوتا لطول أعمارهم لأن السقف والحيطان كانت تنهدم قبل فناء أعمارهم
ثم قال جل وعز: {فاذكروا آلاء الله} [آية: 74]
قال قتادة الآلاء النعم
وحكى أبو عبيدة واحدها إلى وإلى
وزاد غيره إلي). [معاني القرآن: 3/48-49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَبَوَّأَكُمْ} أي أنزلكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بَوَّأَكُمْ}: أنزلكم). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) )

تفسير قوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) )

تفسير قوله تعالى: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وعتوا عن أمر ربّهم) (76) أي تكبروا وتجبروا، يقال جبّار عاتٍ). [مجاز القرآن: 1/218]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وعتوا}: من العتو وهي الجبرية). [غريب القرآن وتفسيره: 147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فعقروا النّاقة وعتوا عن أمر ربّهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين (77)
(وعتوا عن أمر ربّهم).
أي جاوزوا المقدار في الكفر). [معاني القرآن: 2/351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وعتوا عن أمر ربهم} [آية: 77] أي تجاوزا في الكفر). [معاني القرآن: 3/49]

تفسير قوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأخذتهم الرّجفة...}
والرجفة هي الزلزلة. والصاعقة هي النار. يقال: أحرقتهم.
وقوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} يقول: رمادا جاثما). [معاني القرآن: 1/385]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (جاثمين) (77) أي بعضهم على بعض جثوم، وله موضع آخر جثوم على الرّكب، قال جرير:
عرفت المنتأى وعرفت منها.=.. مطايا القدر كالحدأ الجثوم
). [مجاز القرآن: 1/218]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {جاثمين}: لا يتحركون كجثوم الأرنب). [غريب القرآن وتفسيره: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جاثمين} الأصل في الجثوم للطير والأرنب وما يجثم.
والجثوم البروك على الركب). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (78)
والرجفة: الزلزلة الشديدة.
ويروى أنه لما قال لهم: (تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام)
أصبحوا في أول يوم مصفرة وجوههم، وفي اليوم الثاني محمرة وجوههم وفي اليوم الثالث مسودّة وجوههم، وفي اليوم الرابع أتاهم العذاب.
ويقال إن ابتداء عقرهم الناقة كان في يوم الأربعاء، وأخذهم العذاب في يوم السبت.
وقوله: (فأصبحوا نادمين).
أي في وقت لا ينفعهم الندم.
وأصبحوا جاثمين. في اليوم الذي أخذتهم فيه الرجفة.
ومعنى (جاثمين) قد خمدوا من شدة العذاب.
وقال بعضهم أصبحوا كالرماد الجاثم). [معاني القرآن: 2/351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فأخذتهم الرجفة} [آية: 78]
الرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة
ثم قال تعالى: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} [آية: 78] أي ساقطين على ركبهم ووجوهم
وأصل الجثوم للأرانب وما أشبهها والموضع مجثم قال الشاعر:

بها العين والآرام يمشين خلفة = وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وروى معمر عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فأخذتهم الصيحة فأهمد الله من تحت السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه). [معاني القرآن: 3/49-50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الصيحة) و(الرجفة) الموت.
{جَاثِمِينَ} لا تتحركون، وأصله الطير والأرنب تجثم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {جَاثِمِينَ}: لا يتحركون). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فتولّى عنهم...}
يقال: إنه لم يعذب أمّة ونبيّها فيها حتى يخرج عنها). [معاني القرآن: 1/386]

تفسير قوله تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين (80)
أي وأرسلنا لوطا إذ قال لقومه.
وقال الأخفش ويجوز أن يكون منصوبا على واذكر لوطا إذ قال لقومه. والوجه أن يكون معطوفا على الإرسال.
وقال بعض أهل اللغة: لوط مشتق من لطت الحوض إذا ملّسته بالطين.
وهذا غلط. لأن لوطا من الأسماء الأعجمية ليس من العربية، فأما لطت
الحوض وهذا ألوط بقلبي من هذا، فمعناه ألصق بقلبي. واللّيط القشر. وهذا صحيح في اللغة.
ولكن الاسم أعجمي كإبراهيم وإسحاق، لا نقول إنه مشتق من السّحق وهو البعد. وهو كتاب الله الذي لا ينبغي أن يقدم على تفسيره إلا برواية صحيحة وحجة واضحة.
وقوله: (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين).
هذا دليل أن فاحشة اللواط لم يفعلها أحد قبل قوم لوط.
وقد اختلف الناس في حدّ اللّوطي، فقال بعضهم هو كالزاني.
وروي أن أبا بكر حرق رجلا يقال له الفجاءة بالنار في اللواط.
وقال بعضهم: يجب أن يقتل محصنا أو غير محصن، لأن الله تبارك وتعالى قتل فاعليه بالحجارة.
فخاطبهم لوط فقال: (أتأتون الفاحشة).
وقال في موضع آخر: (إنكم لتأتون الفاحشة).
والفاحشة الشيء الغليظ القبيح). [معاني القرآن: 2/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} [آية: 80]
دل بهذا على أنه لم يتقدمهم أحد في اللواط ومعنى {إنهم أناس يتطهرون} أي يتطهرون عن الفاحشة). [معاني القرآن: 3/51]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) )

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أخرجوهم...}
يعني لوطا أخرجوه وابنتيه.
وقوله: {إنّهم أناسٌ يتطهّرون} يقولون: يرغبون عن أعمال قوم لوط ويتنزهون عنها). [معاني القرآن: 1/386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وما كان جواب قومه إلّا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنّهم أناس يتطهّرون (82)
يجوز أن يكون " جواب " مرفوعا. (وما كان جواب قومه إلّا أن قالوا)
والأجود النصب وعليه القراءة.
(إلّا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنّهم أناس يتطهّرون).
أي يتطهرون عن عملكم). [معاني القرآن: 2/352-353]

تفسير قوله تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (امرأته كانت من الغابرين) (82) أي كانت قد غبرت من كبرها في الغابرين، في الباقين حتى هرموا وهرمت وهي قد أهلكت مع قومها فلم تغبر بعدهم فتبقى ولكنها كانت قبل ذلك من الغابرين، وجعلها من الرجال والنساء
وقال: من الغابرين، لأن صفة النساء مع صفة الرجال تذكّر إذا أشرك بينهما وقال العجاج:
فما ونى محمدٌ مذ أن غفر..=. له الإله ما مضى وما غبر
أي ما بقى وقال الأعشى:

عض بما أبقى المواسي له..=. من أمّه في الزّمن الغابر
ولم يختّن فيما مضى فبقى من الزمن الغابر أي الباقي ألا ترى أنه قد قال:
وكنّ قد أبقين منها أذىً..=. عند الملاقى وافر الشافر
). [مجاز القرآن: 1/218-219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الغابرين}: الباقين يقال ما مضى وما غبر). [غريب القرآن وتفسيره: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الغابرين}: الباقين. يقال: من مضى ومن غبر أي ومن بقي). [تفسير غريب القرآن: 170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فأنجيناه وأهله إلّا امرأته كانت من الغابرين (83)
في التفسير أنّ أهله ابنتاه.
(إلّا امرأته كانت من الغابرين)
قيل في الغابرين ههنا قولان.
قال أهل اللغة: من الغابرين من الباقين.
أي من الباقين في الموضع الذي عذبوا فيه.
وأنشد أبو عبيدة معمر بن المثنى.

فما ونى محمد مذ أن غفر.=.. له الإله ما مضى وما غبر
أي ما بقي.
وقال بعضهم: (من الغابرين) أي من الغائبين عن النجاة.
وكلاهما وجه. واللّه أعلم). [معاني القرآن: 2/353]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} [آية: 83]
قال قتادة الباقين
والغابر عند أهل اللغة من الأضداد يقال لما بقي غابر ولما ذهب وغاب غابر
وقد قيل في الآية إن معناها من الغابرين عن النجاة
قيل من الباقين مع قوم لوط في الموضع الذي عذبوا فيه
و أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من المعمرين أي أنها قد هرمت
وقال حذيفة رفع جبريل مدينتهم ثم قلبها فسمعت
امرأته الوجبة فالتفتت فأهلكت معهم
والأكثر في اللغة أن يكون الغابر الباقي قال الراجز:
فما ونى محمد مذ أن غفر = له الإله ما مضى وما غبر
أي وما بقي). [معاني القرآن: 3/51-52]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْغَابِرِينَ} الباقين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) )

تفسير قوله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها...}
وإصلاحها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالحلال وينهى عن الحرام. فذلك صلاحها. وفسادها العمل - قبل أن يبعث النبي - بالمعاصي.
وقوله شعيب: {قد جاءتكم بيّنةٌ مّن رّبّكم} لم يكن له آية إلا النبوّة. وكان لثمود الناقة، ولعيسى إحياء الموتى وشبهه). [معاني القرآن: 1/386]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ولا تّبخسوا النّاس أشياءهم) (84) مجازه: لا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوها وقالوا في المثل: (نحسبها حمقاء وهي باخسة) أي ظالمة). [مجاز القرآن: 1/219]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم مّن إله غيره قد جاءتكم بيّنةٌ مّن رّبّكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خيرٌ لّكم إن كنتم مّؤمنين}
وقال: {فأوفوا الكيل والميزان} ). [معاني القرآن: 2/13]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بيّنة من ربّكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين (85)
مدين لا ينصرف لأنه اسم للقبيلة أو البلدة، وجائز أن يكون أعجميا.
وقوله: (قد جاءتكم بيّنة من ربّكم فأوفوا الكيل والميزان).
قال بعض النحويين؛ لم يكن لشعيب آية إلا النبوة، وهذا غلط فاحش.
قال قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل فجاء بالفاء جوابا للجزاء، فكيف يقول: قد جاءتكم بينة من ربكم ولم يكن له آية إلا النبوة، فإن كان مع النبوة آية فقد جاءهم بها.
وقد أخطأ القائل بقوله: لم تكن له آية، ولو ادّعى مدّع النبوة بغير آية لم تقبل منه، ولكن القول في شعيب أن آيته كما قال بينة.
إلا
أن الله جل ثناؤه ذكر بعض آيات الأنبياء في القرآن وبعضهم لم يذكر آيته، فمن لم تذكر آيته لا يقال: لا آية له.
وآيات محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تذكر كلها في القرآن ولا أكثرها.
وقوله: (ولا تبخسوا النّاس أشياءهم)
البخس النقص والقلّة، يقال بخست أبخس بالسين، وبخصت عينه بالصاد لا غير مثل فقأت عينيه.
(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها).
أي لا تعملوا فيها بالمعاصي وبخس الناس بعد أن أصلحها الله بالأمر بالعدل وإرسال الرسل). [معاني القرآن: 2/353-354]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [آية: 85]
البخس النقصان). [معاني القرآن: 3/52]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} [آية: 85] أي بعد أن أصلحها الله بالأمر بالعدل وإرسال الرسل). [معاني القرآن: 3/52]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقعدوا بكلّ صراطٍ توعدون...}
كانوا يقعدون لمن آمن بالنبيّ على طرقهم يتوعّدونهم بالقتل. وهو الإيعاد والوعيد. إذا كان مبهما فهو بألف، فإذا أوقعته فقلت: وعدتك خيرا أو شرا كان بغير ألف؛ كما قال تبارك وتعالى: {النار وعدها الله الذين كفروا} ). [معاني القرآن: 1/386]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (تبغونها عوجاً) (85) مكسورة الأول مفتوح ثاني الحروف وهو الإعوجاج في الدين وفي الأرض، وفي آية أخرى:
(لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً) (20/107) والعوج إذا فتحوا أوله والحرف الثاني فهو الميل فيما كان قائماً نحو الحائط والقناة والسّن ونحو ذلك). [مجاز القرآن: 1/219-220]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولا تقعدوا بكلّ صراطٍ توعدون وتصدّون عن سبيل اللّه من آمن به وتبغونها عوجاً واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثّركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين}
ثم قال: {ولا تقعدوا بكلّ صراطٍ توعدون} تقول: "هم في البصرة" و"بالبصرة" و"قعدت له في الطّريق" و"بالطّريق"). [معاني القرآن: 2/13-14]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولا تقعدوا بكلّ صراط توعدون وتصدّون عن سبيل اللّه من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثّركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين (86)
أي بكل طريق.
ومعنى توعدون أي توعدون من آمن بشعيب بالعذاب والتهدد يقال: وعدته خيرا، ووعدته شرّا، فإذا لم تذكر واحدا منهما.
قلت في الخير وعدته وفي الشر أوعدته.
وقوله: (وتصدّون عن سبيل اللّه).
أي عن الطريق التي آمن اللّه من آمن بها.
(وتبغونها عوجا).
أي وتريدون الاعوجاج والعدول عن القصد.
يقال في الدين وفيما يعلم إذا كان على غير استواء عوج بكسر العين وفي الحائط والعود عوج بفتح العين.
وقوله: (واذكروا إذ كنتم قليلا فكثّركم).
جائز أن يكون (فكثّركم) جعلكم أغنياء بعد أن كنتم فقراء، وجائز أن يكون كان عددهم قليلا فكثرهم، وجائز أن يكونوا غير ذوي مقدرة وأقدار فكثرهم، إلا أنه ذكرهم بنعمة الله عليهم كما قال: (فاذكروا آلاء اللّه) أي نعم اللّه). [معاني القرآن: 2/354-355]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} [آية: 86]
قال قتادة أي توعدون من أتى شعيبا وغشية وأراد الإسلام بالأذى
ويقال وعدته خيرا أو شرا فإذا قلت وعدته لم يكن إلا للخير وإذا قلت أوعدته لم يكن إلا للشر
ثم قال جل وعز: {وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا} [آية: 86]
قال قتادة أي وتبغون السبيل عوجا عن الحق
والسبيل الطريق والمذهب
ثم قال جل وعز: {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم} [آية: 86]
1 - يجوز أن يكونوا قليلي العدد.
2-ويجوز أن يكونوا فقراء فكثرهم بالغنى.
3-ويجوز أن يكونوا غير ذوي مقدرة
والله أعلم بما أراد إلا أنه ذكرهم نعمة من نعم الله جل وعز كما قال تعالى: {فاذكروا آلاء الله} ). [معاني القرآن: 3/54]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) )


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 02:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 88 إلى 116]

(قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ 94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) )

تفسير قوله تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال الملأ الّذين استكبروا من قومه لنخرجنّك يا شعيب والّذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملّتنا قال أولو كنّا كارهين (88)
المعنى: ليكونن أحد الأمرين، ولا تقارّ على مخالفتنا.
وقوله: (قال أولو كنّا كارهين).
أي أتعيدوننا في ملتكم وإن كرهناها.
فإن قال قائل: كيف قالوا لشعيب: أو لتعودنّ في ملّتنا، وشعيب نبيّ؟
ففيه قولان:
أحدهما: لما أشركوا الذين كانوا على ملّتهم قالوا: أو لتعودنّ في ملّتنا. وجائز أن يقال: قد عاد عليّ من فلان مكروه، وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك وإنما تأويله إنّه قد لحقني منه مكروه). [معاني القرآن: 2/355]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا} [آية: 88]
يقال كيف قالوا هذا لشعيب وهو نبي فعلى هذا جوابان
أحدهما أن يكون معنى لتعودن لتصيرن كما تقول عاد علي من فلان مكروه
والجواب الآخر أنهم لما خلطوا معه من آمن منهم جاز أن يقولوا أو لتعودن في ملتنا يعنون من آمن
قال أولو كنا كارهين أي أنعود في ملتكم ولو كنا
كارهين وقوله: {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا} على التسليم لله كما قال تعالى: {وما توفيقي إلا بالله}
والدليل على هذا أن بعده وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق قال قتادة أي اقض بيننا وبين قومنا بالحق
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى: {افتح بيني وبينهم فتحا} قال معناه النصر). [معاني القرآن: 3/54-55]

تفسير قوله تعالى: (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ربّنا افتح بيننا...}
يريد: اقض بيننا، وأهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح). [معاني القرآن: 1/386]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ) (88) أي احكم بيننا. قال: والقاضي يقال له الفتاح، قال:
ألا أبلغ بنى عصمٍ رسولا... بأني عن فتاحتكم غنىّ
وهو لبعض مراد). [مجاز القرآن: 1/220-221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {افتح بيننا وبين قومنا}: احكم ومنه {خير الفاتحين}). [غريب القرآن وتفسيره: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ربّنا افتح بيننا} أي احكم بيننا. ويقال للحاكم: الفتاح). [تفسير غريب القرآن: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال عز وجل: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} [سبأ: 26] أي: يقضي، {وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: 89]: أي خير القضاة.
وقال أعرابي لآخر ينازعه: بيني وبينكم الفتاح، يعني الحاكم.
وقال ابن عباس في قول الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] كنت أقرؤها ولا أدري ما هي، حتى تزوجت بنت مشرح فقالت: فتح الله بيني وبينك، أي حكم الله بيني وبينك). [تأويل مشكل القرآن: 492-493]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قد افترينا على اللّه كذبا إن عدنا في ملّتكم بعد إذ نجّانا اللّه منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلّا أن يشاء اللّه ربّنا وسع ربّنا كلّ شيء علما على اللّه توكّلنا ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين (89)
(وما يكون لنا أن نعود فيها إلّا أن يشاء اللّه).
اختلف الناس في تأويل هذا، فأولى التأويلات باللفظ أن يكون:
(وما يكون لنا أن نعود فيها إلّا أن يشاء اللّه)
لأنه لا يكون غير ما يشاء اللّه.
وهذا مذهب أهل السنة.
قال اللّه عز وجل: (وما تشاءون إلّا أن يشاء اللّه).
والمشيئة في اللغة بيّنة لا تحتاج إلى تأويل.
فالمعنى: ما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يكون الله عزّ وجلّ قد سبق في علمه ومشيئته أنا نعود فيها.
وتصديق ذلك قوله: (وسع ربّنا كلّ شيء علما).
ثم قال (على اللّه توكّلنا).
وفي موضع آخر: (وما توفيقي إلّا باللّه عليه توكّلت).
وقال قوم: (وما يكون لنا أن نعود فيها إلّا أن يشاء اللّه ربّنا)
أي فاللّه لا يشاء الكفر، قالوا: هذا مثل قولك: لا أكلّمك حتى يبيضّ الفار ويشيب الغراب، والفار لا يبيض، والغراب لا يشيب.
قالوا فكذلك تأويل الآية.
قال أبو إسحاق: وهذا خطأ لمخالفته أكثر من ألف موضع في القرآن لا تحتمل تأويلين، ولا يحدث شيء إلا بمشيئته وعن علمه.
إما أن يكون علمه حادثا فشاءه حادثا، أو علمه غير حادث فشاءه غير حادث.
ولا يجوز لما مكن الخلق من التصرف أن يحدث الممتنع موجودا، ولا يكون ما علمه أنّه يوجد ممتنعا.
وسنة الرسول عليه السلام تشهد بذلك ولكن اللّه تبارك وتعالى غيب عن الخلق علمه فيهم، ومشيئته من أعمالهم فأمرهم ونهاهم.
لأن الحجة إنما تثبت من جهة الأمر والنهي، وكل ذلك جائز على ما سبق في العلم وجرت به المشيئة، قال الله تعالى: (وما تسقط من ورقة إلّا يعلمها).. الآية.
فسقوط الورقة منسوب إليها وهو خلقه فيها كما خلقها، وكذلك إلى آخر الآية.
وقال: (يعلم ما في أنفسكم فاحذروه)، وما في النفوس من الخواطر الجائلة والهم الجائل والعزم الجائل فيها. فلا يجوز عدم ما علمه كائنا فيها، ولا يجوز كون ما علمه معدوما.
فحذرهم مخالفة ظاهر أمره ونهيه لأن عليهم السمع والطاعة للأمر إذا أمروا به، وهم جارون على ما علم منهم أنّهم يختارون الطاعة، ويختارون المعصية، فلا سبيل إلى أن يختاروا خلاف ما علم أنهم يختارونه.
وإن لم يكن الأمر على ما قلنا وجب أن يكون قولهم: علم اللّه أفعال العباد قبل كونها إنما هو علم مجاز لا علم حقيقة.
واللّه تعالى عالم على حقيقة لا مجاز، والحمد للّه.
وقال قوم - وهو بعد القول الأول قريب -:
إن المعنى: (وما يكون لنا أن نعود فيها إلّا أن يشاء اللّه ربّنا).
أي قد تبرأنا من جميع ملّتكم فما يكون لنا أن نعود في شيء منها إلا أن يشاء اللّه وجها من وجوه البر الذي تتقربون به إلى اللّه، فيأمرنا به، فنكون بهذا قد عدنا.
قال أبو إسحاق: والذي عندي - وهو إن شاء اللّه الحقّ - القول الأول.
لأن قوله: (بعد إذ نجّانا اللّه منها)، إنّما هو، النجاة من الكفر وأعمال المعاصي لا من أعمال البر.
وقوله: (وسع ربّنا كلّ شيء علما).
(علما) منصوب على التمييز.
وقوله: (ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ).
أهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح.
وجائز أن يكون افتح بيننا وبين قومنا بالحق، أي أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وبين قومنا وينكشف، فجائز أن يكون يسألون بهذا أن ينزل بقومهم من العذاب والهلكة ما يظهر به أن الحق معهم). [معاني القرآن: 2/355-358]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({افْتَحْ بَيْنَنَا} احكم، ويقال للحاكم: الفتاح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {افْتَحْ}: احكم). [العمدة في غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) )

تفسير قوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (الرّجفة) (90): من رجفت بهم الأرض أي تحركت بهم). [مجاز القرآن: 1/221]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (91)
هي الزلزلة الشديدة.
وقوله جلّ وعزّ: (فأصبحوا في دارهم جاثمين).
أي أجساما ملقاة في الأرض كالرماد الجاثم). [معاني القرآن: 2/358]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (كأن لم يغنوا فيها) (91) أي لم ينزلوا فيها ولم يعيشوا فيها، قال مهلهل


غنيت دارنا تهامة في الده..=. ر وفيها بنو معدٍّ حلولا
وقولهم مغاني الديار منها، واحدها مغنىً قال:
أتعرف مغنى دمنةٍ ورسوم). [مجاز القرآن: 1/221]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {الّذين كذّبوا شعيباً كأن لّم يغنوا فيها الّذين كذّبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين}
وقال: {كأن لّم يغنوا فيها} وهي من "غنيت" "تغنى" "غنى"). [معاني القرآن: 2/14]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يغنوا فيها}: يكونوا فيها والمغاني المنازل التي نزلوها. واحدها مغني). [غريب القرآن وتفسيره: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كأن لم يغنوا فيها} أي لم يقيموا فيها. يقال: غنينا بمكان كذا: أقمنا. ويقال للمنازل: مغان. واحدها مغنى). [تفسير غريب القرآن: 170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (الّذين كذّبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الّذين كذّبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين (92)
(كأن لم يغنوا فيها).
أي كأن لم ينزلوا فيها.
قال الأصمعي: المغاني المنازل التي نزلوا بها، يقال غنينا بمكان كذا وكذا، أي نزلنا به.
ويكون (كأن لم يغنوا فيها). كأن لم ينزلوا كان لم يعيشوا فيها مستغنين، كما قال حاتم طيّ:
غنينا زمانا بالتّصعلك والغنى... فكلاّ سقاناه بكأسيهما الدهر
فما زادنا بغيا على ذي قرابة... غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر
والعرب تقول للفقير الصعلوك). [معاني القرآن: 2/358]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {كأن لم يغنوا فيها} [آية: 92]
قال قتادة أي كأن لم يعيشوا ولم يتنعموا
قال الأصمعي يقال غنينا بمكان كذا أي أقمنا فيه والمنازل يقال لها المغاني
ومعنى فكيف آسى فكيف أحزن والأسى أشد الحزن). [معاني القرآن: 3/55-56]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي لم يُقيموا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لم يَغْنَوْا}: يكونوا). [العمدة في غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فكيف آسى) (92) أي أحزن وأتندم وأتوجع، ومصدره الأسى، وقال:
وانحلبت عيناه من فرط الأسى). [مجاز القرآن: 1/222]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربّي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين (93)
أي حين نزل بهم العذاب تولى عنهم.
(وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربّي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين).
معنى آسى أحزن - أي كيف يشتد حزني.
يقال: أسيت على الشيء آسى أسى إذا اشتد حزنك عليه.
قال الشاعر:
وانحلبت عيناه من فرط الأسى). [معاني القرآن: 2/358-359]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (وما أرسلنا في قرية من نبيّ إلّا أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يضّرّعون (94)
يقال لكل مدينة قرية، وإنما سمّيت بأنه يجتمع فيها الناس، يقال قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه، فسمّيت قرية لاجتماع الناس فيها.
ومكة أم القرى، لأن أهل القرى يؤمونها أي يقصدونها.
وقوله: (إلّا أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء).
قيل: البأساء كل ما نالهم من شدّة في أموالهم، والضراء ما نالهم من الأمراض، وقيل: الضراء ما نالهم في الأموال، والبأساء ما نالهم في أنفسهم.
وقوله: (لعلّهم يضّرّعون).
أي يخضعون، والأصل يتضرعون، فأدغمت التاء في الضاد). [معاني القرآن: 2/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء} [آية: 94]
قال مرة عن ابن مسعود البأساء الفقر والضراء المرض
وقيل البأساء المصائب في المال يقال بئس الرجل يبأس بأسا وبأساء إذا افتقر
والضراء ما لحق من الأمراض والمصائب في البدن
لعلهم يضرعون أي يخضعون ويستكينون). [معاني القرآن: 3/56]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (حتّى عفوا) (94) مجازه: حتى كثروا، وكذلك كل نبات وقوم وغيره إذا كثروا: فقد عفوا، قال لبيد:

فلا تتجاوز العطلات منها..=. إلى البكر المقارب والكروم
ولكنّا نعضّ السّيف منها.=.. بأسوق عافيات اللّحم كوم
أي كثيرات اللحم (الضّرّاء والسّرّاء) (94) أي الضّرّ، والسّرّ وهو السرور). [مجاز القرآن: 1/222]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({حتى عفوا}: كثروا. يقال قد عفا بنو فلان إذا كثروا. وعفا النبت إذا كثر). [غريب القرآن وتفسيره: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حتّى عفوا} أي كثروا. ومنه الحديث «أن رسول اللّه أمر أن تحفى الشّوارب وتعفى اللحى» أي توفّر). [تفسير غريب القرآن: 170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة حتّى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون (95)
أي كثروا وكثرت أموالهم.
وقوله: (قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء).
فأخذهم الله ليعتبروا ويقلعوا عن الكفر وتكذيب الأنبياء، فقالوا مسّ
آباءنا مثل هذا، أي قد جرت عادة الزمان بهذا، وليست هذه عقوبة، فبين اللّه تأولهم بخطئهم، وقد علموا أن الأمم قد أهلكت بكفرهم قبلهم.
وقوله: (فأخذناهم بغتة) أي فجأة (وهم لا يشعرون).
فهذا ما أخبر اللّه تعالى به عن الأمم السالفة لتعتبر أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال:
(ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96) ). [معاني القرآن: 2/359-360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة} [آية: 95]
قال مجاهد السيئة الشر والحسنة الرخاء والولد
ثم قال جل وعز: {حتى عفوا} [آية: 95]
قال مجاهد أي كثرت أموالهم وأولادهم
وذلك معروف في اللغة ومنه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أعفوا اللحى أي كثروها
ثم خبر جل وعز عنهم أنهم لم يعتبروا بما أصابهم وقالوا إن العادة في الزمان الخير والشر فقال تعالى: {وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة} [آية: 95]
أي فجأة). [معاني القرآن: 3/56-57]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَفَوا} كثروا، وهو من الأضداد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الضَّرَّاء}: من الضر.
{السَّرَّاء}: من السرور). [العمدة في غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لفتحنا عليهم) (95) أي لأنزلنا عليهم.
يقال: قد فتح الله على فلان ولفلان، وذلك إذا رزق وأصاب الخير وأقبلت عليه الدنيا؛ وإذا ارتج على القارئ فتحت عليه فلقنته). [مجاز القرآن: 1/222-223]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96)
أي أتاهم الغيث من السماء والنبات من الأرض. وجعل ذلك زاكيا كثيرا). [معاني القرآن: 2/360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا}[آية: 96]
يقال للمدينة قرية لاجتماع الناس فيها من قريت الماء إذا جمعته
والبركات التي تأتي من السماء المطر والتي تأتي من الأرض النبات). [معاني القرآن: 3/57]

تفسير قوله تعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون (97)
أي ليلا، أي أفأمنت الأمة التي كذبت النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم بأسنا بياتا. أي ليلا.
(وهم نائمون).
يقال نام الرجل ينام نوما فهو نائم. وهو حسن النيمة، ورجل نومة إذا كان خسيسا لا يؤبه له، ورجل نومة إذا كان كثير النوم، وفلان حسن النّيمة أي حسن هيئة النوم، والنّيم - الفرو.
والفاء في قوله: (أفأمن) والواو في قوله (أو أمن) أمن، فتحت لأنها واو عطف وفاء عطف دخلت عليها ألف الاستفهام.
وقوله: (وهم يلعبون).
يقال لكل من كان في شيء لا يجدي أو في ضلال: إنما أنت لاعب.
وإنّما قيل لهم: (ضحى وهم يلعبون). أي وهم في غير ما يجدي عليهم). [معاني القرآن: 2/360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون} [آية: 97]
أي أفأمن من كذب محمدا أن يأتيهم بأسنا بياتا أي ليلا). [معاني القرآن: 3/58]

تفسير قوله تعالى: (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون}
وقال: {أو أمن أهل القرى} فهذه الواو للعطف دخلت عليها ألف الاستفهام). [معاني القرآن: 2/14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون} [آية: 98]
ومعنى وهم يلعبون أي وهم فيما لا يجدي عليهم
يقال لكل من كان فيما يضره ولا يجدي عليه لاعب). [معاني القرآن: 3/58]

تفسير قوله تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أفأمنوا مكر اللّه فلا يأمن مكر اللّه إلّا القوم الخاسرون (99)
أي وأمنوا عذاب الله أن يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون). [معاني القرآن: 2/360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أفأمنوا مكر الله} [آية: 99]
أي عذابه إذا وقع بهم ولم يعلموا أنه واقع بهم). [معاني القرآن: 3/58]

تفسير قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أن لّو نشاء أصبناهم بذنوبهم...}
ثم قال: {ونطبع} ولم يقل: وطبعنا، ونطبع منقطعة عن جواب لو؛ يدلّك على ذلك قوله: {فهم لا يسمعون}؛ ألا ترى أنه لا يجوز في الكلام: لو سألتني لأعطيتك فأنت غنيّ، حتى تقول: لو سألتني لأعطيتك فاستغنيت. ولو استقام المعنى في قوله: {فهم لا يسمعون} أن يتصل بما قبله جاز أن تردّ يفعل على فعل في جواب لو؛ كما قال الله عز وجل: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون} فنذر مردودة على {لقضي} وفيها النون. وسهّل ذلك أنّ العرب لا تقول: وذرت، ولا ودعت؛ إنما يقال بالياء والألف والنون والتاء؛ فأوثرت على فعلت إذا جازت؛ قال الله تبارك وتعالى: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك} ثم قال: {ويجعل لك قصورا} فإذا أتاك جواب لو آثرت فيه (فعل على يفعل) وإن قلته ينفعل جاز، وعطف فعل على يفعل ويفعل على فعل جائز، لأن التأويل كتأويل الجزاء). [معاني القرآن: 1/387]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أو لم نهد للّذين) (99) مجازه: أو لم نبين لهم ونوضح لهم). [مجاز القرآن: 1/223]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ونطبع على قلوبهم) (96) مجازه: مجاز نختم). [مجاز القرآن: 1/223]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لّو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون}
وقال: {أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها} يقول: "أولم يتبيّن لهم" وقال بعضهم {نهد} بالنون أي: أولم نبيّن لهم {أن لّو نشاء أصبناهم بذنوبهم}). [معاني القرآن: 2/14]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ} [الأعراف: 100]، أي ألم يبيّن لهم.
فالإرشاد في جميع هذه بالبيان). [تأويل مشكل القرآن: 443]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون (100)
وتقرأ (نهد) بالنون، فمن قرأ نهدي بالنون فمعناه أولم نبين.
لأن قولك: هديته الطريق معناه بيّنت له الطريق.
ومن قرأ بالياء كان المعنى أو لم يبين الله لهم أنّه لو يشاء أصبناهم بذنوبهم.
وقوله: (ونطبع على قلوبهم).
ليس بمحمول على أصبناهم.
المعنى ونحن نطبع على قلوبهم، لأنه لو حمل على أصبناهم لكان ولطبعنا، لأنه على لفظ الماضي، وفي معناه.
ويجوز أن يكون محمولا على الماضي، ولفظه لفظ المستقبل كما أن لو نشاء معناه لو شئنا). [معاني القرآن: 2/361]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أولم يهد للذين يرثون الأرض} [آية: 100]
قال مجاهد أي أو لم يبين ومعنى يهد بالياء يتضح ويبين). [معاني القرآن: 3/58]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (وقوله: (أولم يهد للذين يرثون الأرض): أي: أولم يبين). [ياقوتة الصراط: 230]

تفسير قوله تعالى: (تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين}
وقال: {نقصّ عليك من أنبائها} صيّر "من" زائدة وأراد "قصصنا" كما تقول "هل لك في ذا" وتحذف "حاجة".
وقال: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل} فقوله: {بما كذبوا} والله أعلم يقول: "بتكذيبهم" جعل - والله أعلم - {ما كذّبوا} اسما للفعل والمعنى: "لم يكونوا ليؤمنوا بالتكذيب" أي لا نسميهم بالإيمان بالتكذيب). [معاني القرآن: 2/14]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله (تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين (101)
وهذا إخبار عن قوم لا يؤمنون.
كما قال جلّ وعزّ: (أنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن).
وكما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -:
(قل يا أيّها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3).
فهذا إخبار من الله جل وعز أنّ هؤلاء لا يؤمنون.
وقال قوم: (فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل..) أي ليسوا مؤمنين بتكذيبهم، وهذا ليس بشيء، لأن قوله: (كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين).. يدل على أنهم قد طبع على قلوبهم.
وموضع الكاف في " كذلك " نصب.
المعنى مثل ذلك يطبع الله على قلوب الكافرين). [معاني القرآن: 2/361-362]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} [آية: 101]
قال مجاهد هذا مثل قوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}
وقال غيره هذا مخصوص به أقوام بأعيانهم خبر الله جل وعلا أنهم لا يؤمنون
وأما قول من قال معنى فما كانوا ليؤمنوا ليحكم لهم بالإيمان فلا يصح في اللغة ويدل على بطلانه أن بعده كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين فدل بهذا على أنه قد طبع على قلوبهم هذا قول أبي إسحاق جزاء بما عملوا). [معاني القرآن: 3/59]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ) (101) مجازه وما وجدنا لأكثرهم عهداً أي وفاء ولا حفيظة؛ ومن من حروف الزوائد وقد فسرناها في غير هذا الموضع.
(وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) (101): أي لكافرين، ومجازه: إن وجدنا أكثرهم إلاّ فاسقين، أي ما وجدنا، وله موضع آخر أن العرب نؤكد باللام كقوله:
أمّ الحليس لعجوز شهر به
(فظلموا بها) (101) مجازه: فكفروا بها). [مجاز القرآن: 1/223]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين (102)
هذه " إن " تدخل واللام على معنى التوكيد واليمين.
وتدخل على الأخبار. تقول: إن ظننت زيدا لقائما). [معاني القرآن: 2/362]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} [آية: 102]
من زائدة وهي تدل على معنى الجنس ولولا من
لجاز أن يتوهم أنه واحد في المعنى
قال أبو عبيدة المعنى وما وجدنا لأكثرهم حفظا ولا وفاء). [معاني القرآن: 3/59-60]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ثمّ بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملإه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين (103)
(فظلموا بها).
أي بالآيات التي جاءتهم، لأنهم إذا جاءتهم الآيات فكفروا بها فقد ظلموا أبين الظلم، لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فجعلوا بدل وجوب الإيمان بها الكفر، فذلك معنى قوله (فظلموا بها) ). [معاني القرآن: 2/362]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} [آية: 103]
أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه فلما كفروا بها جعلوا موضع ما يجب من الإيمان الكفر فقيل ظلموا بها بمعنى كفروا بها). [معاني القرآن: 3/60]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) )

تفسير قوله تعالى: (حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حقيقٌ على أن لاّ أقول...}
ويقرأ: (حقيقٌ عليّ أن لا أقول) وفي قراءة عبد الله: (حقيق بأن لا أقول على الله) فهذه حجة من قرأ (على) ولم يضف. والعرب تجعل الباء في موضع على؛ رميت على القوس، وبالقوس، وجئت على حال حسنةٍ وبحال حسنةٍ). [معاني القرآن: 1/387]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (حقيقٌ علىّ أن لا أقول) (104): مجازه: حق علىّ أن لا أقول إلاّ الحقّ، ومن قرأها (حقيق على أن لا أقول ولم يضف على إليه فإنه يجعل مجازه مجاز حريص على أن لا أقول، أو فحق أن لا أقول). [مجاز القرآن: 1/224]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {حقيقٌ على أن لاّ أقول على اللّه إلاّ الحقّ قد جئتكم ببيّنةٍ مّن رّبّكم فأرسل معي بني إسرائيل}
وقال: {حقيقٌ على أن لاّ أقول على اللّه إلاّ الحقّ} وقال بعضهم {على أن لا أقول} والأولى أحسنهما عندنا، أراد: واجبٌ علي أن لا أقول. والأخرى: أنا حقيقٌ علي أن لا أقول على الله. ويريد: بأن لا أقول على الله. كما قال: {بكلّ صراطٍ توعدون} في معنى "على كلّ صراطٍ توعدون"). [معاني القرآن: 2/15]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله (حقيق على أن لا أقول على اللّه إلّا الحقّ قد جئتكم ببيّنة من ربّكم فأرسل معي بني إسرائيل (105)
(حقيق على أن لا أقول على اللّه إلّا الحقّ).
وتقرأ (حقيق عليّ أن لا أقول)
ومن قرأ حقيق عليّ أن لا أقول فالمعنى واجب عليّ: ترك القول على اللّه إلا بالحق). [معاني القرآن: 2/362]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق} [آية: 105]
قال أبو عبيدة أي حريص
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله وهي قراءة عبد الله حقيق أن لا أقول وهذا يدل على التخفيف لأن حروف الجر
تحذف مع أن
وقال الكسائي هي في قراءة عبد الله حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق
قال الفراء معنى على أن لا وبأن لا واحد كما يقال جاء فلان على حال حسنة وبحال حسنة
ومن قرأ (حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق) فإن معناه عنده واجب علي). [معاني القرآن: 3/60-61]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصّادقين (106)
قد أوجب فرعون أنّه ليس بآية كما ادعى، لأنه قد أوجب له الصدق إن أتى بآية يعجز عنها المخلوقون). [معاني القرآن: 2/362]

تفسير قوله تعالى: (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإذا هي ثعبانٌ...}
هو الذكر؛ وهو أعظم الحيّات). [معاني القرآن: 1/388]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ثعبانٌ مبين) (106) أي حية ظاهرة). [مجاز القرآن: 1/225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ثعبان}: حية). [غريب القرآن وتفسيره: 148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين (107)
إن شئت قلت: " عصا هو " بالواو. والأجود حذفها، أعني الواو لسكونها وسكون الألف، والهاء ليست بحاجز.
وقوله: (فإذا هي ثعبان مبين).
قال أبو عبيدة وغيره: الثعبان الحية.. وقال غيره: الحية الذكر.
وقال اللّه في موضع آخر (فإذا هي حيّة تسعى).
ومعنى (مبين).
أي مبين أنّها حيّة). [معاني القرآن: 2/362-363]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} [آية: 107]
الثعبان الحية الذكر ومعنى ونزع يده أظهرها
قال مجاهد أخرجها من جيبه بيضاء من غير برص
ويروى أن موسى كان آدم اللون فلما أخرج يده بيضاء كان ذلك آية). [معاني القرآن: 3/61]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ثُعْبَانٌ}: حية). [العمدة في غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ونزع يده) (107) أخرج يده (فإذا هي بيضاء) (107) من غير سوء، ولكنها كانت آية لأنه كان آدم). [مجاز القرآن: 1/225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ونزع يده فإذا هي بيضاء للنّاظرين (108)
معنى نزع يده أظهرها وأبانها.
وقال في موضع آخر (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء).
وفي موضع آخر (واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء).
فهذا دليل أن معنى نزع يده إخراجها من جيبه وإخراجها من جناحه.
وجناح الرجل عضده وقلّ جناح الرجل عطفه.
وتأويل الجناحين من الإنسان أنهما كالجناحين من الطائر.
وهما العضدان.
وقوله: (تخرج بيضاء من غير سوء).
أي تخرج لونها أبيض حوريّا.
وكان موسى فيما يروى أدم.
(من غير سوء).
أي تخرج بيضاء بياضا ليس ببرص، بياضا يدل على أنّه آية.
وكانت عصا موسى إنما تكون حيّة، عند إظهارها بها الآية، ثم تعود عصا، كما قال اللّه عزّ وجلّ: (سنعيدها سيرتها الأولى) ). [معاني القرآن: 2/363-364]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (نزع يده) أي: أخرج يده). [ياقوتة الصراط: 230]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال الملأ من قوم فرعون إنّ هذا لساحر عليم (109)
وفي هذا الموضع (قال الملأ من قوم فرعون).
الملأ هم الوجوه، وذوو الرأي، وإنما سمّوا ملأ لأنهم ملئوا بما يحتاج إليه منهم.
وقرئت لسحّار عليم). [معاني القرآن: 2/364]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال الملأ من قوم فرعون} [آية: 109]
الملأ عند أكثر أهل اللغة الأشراف وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قال يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى
وقال بعض أهل اللغة الملأ الرهط والنفر الرجال الذين لا نساء معهم). [معاني القرآن: 3/62]

تفسير قوله تعالى: (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يريد أن يخرجكم مّن أرضكم فماذا تأمرون...}
فقوله: {يريد أن يخرجكم مّن أرضكم} من الملأ {فماذا تأمرون} من كلام فرعون. جاز ذلك على كلامهم إياه، كأنه لم يحك وهو حكاية. فلو صرّحت بالحكاية لقلت: يريد أن يخرجكم من أرضكم، فقال: فماذا تأمرون. ويحتمل القياس أن تقول على هذا المذهب: قلت لجاريتك قومي فإني قائمة (تريد: فقالت: إني قائمة) وقلّما أتى مثله في شعر أو غيره، قال عنترة:

الشاتمي عرضي ولم أشتمهما =والناذرين إذا لقيتهما دمي
فهذا شبيه بذلك؛ لأنه حكاية وقد صار كالمتصل على غير حكاية؛ ألا ترى أنه أراد: الناذرين إذا لقينا عنترة لنقتلنّه، فقال: إذا لقيتهما، فأخبر عن نفسه، وإنما ذكراه غائبا. ومعنى لقيتهما: لقياني). [معاني القرآن: 1/388]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يتصل الكلام بما قبله حتى يكون كأنه قول واحد وهو قولان:
نحو قوله: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}، ثم قال: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34]، وليس هذا من قولها، وانقطع الكلام عند قوله: {أَذِلَّةً}، ثم قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.
وقوله: {الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 51]، هذا قول المرأة، ثم قال يوسف: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52]، أي ليعلم الملك أني لم أخن العزيز بالغيب.
وقوله: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}، وانقطع الكلام، ثم قالت الملائكة: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52].
وقوله حكاية عن ملأ فرعون: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ}
هذا قول الملأ، ثم قال فرعون: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110]). [تأويل مشكل القرآن: 294-295]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون (110)
قال فرعون مجيبا لهم: (فماذا تأمرون).
ويجوز أن يكون " فماذا تأمرون " من قول الملأ، كأنهم خاطبوا فرعون ومن يخصّه، وجائز أن يكون الخطاب لفرعون وحده، لأنه يقال للرئيس المطاع: ما ترون في هذا؟ أي ما ترى أنت وجندك.
و " ماذا " يصلح أن تكون " ماذا " اسما واحدا، ويكون في موضع نصب.
ويكون المعنى أي شيء تأمرون.
ويصلح أن يكون " ذا " في موضع الذي، وتكون ما في معنى رفع.
ويكون المعنى ما الذي تأمرون). [معاني القرآن: 2/364-365]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أرجه وأخاه...}
جاء التفسير: احبسهما عندك ولا تقتلهما، والإرجاء تأخير الأمر. وقد جزم الهاء حمزة والأعمش. وهي لغة للعرب: يقفون على الهاء المكنيّ عنها في الوصل إذا تحرك ما قبلها؛ أنشدني بعضهم:
أنحى عليّ الدهر رجلا ويدا = يقسم لا يصلح إلا أفسدا
* فيصلح اليوم ويفسده غدا *
وكذلك بهاء التأنيث؛ فيقولون: هذه طلحه قد أقبلت، جزم؛ أنشدني بعضهم:

لما رأى أن لاّدعه ولا شبع = مال إلى أرطاة حقف فاضطجع وأنشدني القنانيّ:
لست إذاً لزعبله إن لم أغـ = يّر بكلتي إن لم أساو بالطول
بكلتي: طريقتي: كأنه قال: إن لم أغيّر بكلتي حتى أساوى. فهذه لامرأة: امرأة طولى و[نساء] طول). [معاني القرآن: 1/389]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أرجه وأخاه) (110) مجازه: أخّره). [مجاز القرآن: 1/225]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين}
وقال: {أرجه وأخاه} وقال: {ترجي من تشاء منهنّ} لأنه من "أرجأت" وقد قرئت {أرجه وأخاه} خفيفة بغير همزة وبها نقرأ و{ترجي من تشاء} وهي لغة تقول: "أرجيت" وبعض العرب تقول: "أخطيت" و"توضّيت" لا يهمزون). [معاني القرآن: 2/15]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((أرجئه وأخاه): أخره. يقال أرجأت الأمر وأرجيته أخرته). [غريب القرآن وتفسيره: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (أرجه) أي أخره. وقد تهمز. يقال: أرجأت الشيء وأرجيته ومنه قوله تعالى: {ترجي من تشاء منهنّ} [سورة الأحزاب آية: 51] يقرأ بهمز وغير همز. ومنه سمت المرجئة). [تفسير غريب القرآن: 170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله (قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين (111)
تفسير (أرجه) أخرّه، ومعناه أخّر أمره ولا تعجل في أمره بحكم فتكون عجلتك حجة عليك.
وفي قوله (أرجه) ثلاثة أوجه قد قرئ بها.
قرأ أبو عمرو: أرجئه وأخاه.
وقرأ جماعة من القراء: أرجه وأخاه، وقرأ بعضهم أرجه وأخاه - بإسكان الهاء.
وفيها أوجه لا أعلمها قرئ بها. يجوز أرجهو وأخاه، وأرجهي.
وأرجئهي، وأرجهو بغير همز. فأمّا من قرأ أرجه بإسكان الهاء فلا يعرفها الحذاق بالنحو، ويزعمون أن هاء الإضمار اسم لا يجوز إسكانها.
وزعم بعض النحويين أن إسكانها جائز.
وقد رويت لعمري في القراءة إلا أن التحريك أكثر وأجود.
وزعم أيضا هذا أن هاء التأنيث يجوز إسكانها وهذا لا يجوز.
واستشهد في هذا بشعر مجهول، قال أنشدني بعضهم:
لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع مال إلى أرطاة حقف فاضطجع
وهذا شعر لا يعرف قائله ولا هو بشيء، ولو قاله شاعر مذكور لقيل أخطأت، لأنّ الشاعر قد يجوز أن يخطئ.
وأنشد أيضا آخر أجهل من هذا وهو قوله:
لست إذن لزغبله..=. إن لم أغيّر بكلتي
إن لم أساو بالطول.
فجزم الهاء في زغبله، وجعلها هاء، وإنما هي تاء في الوصل.
وهذا مذهب لا يعرج عليه). [معاني القرآن: 2/365-366]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: (قالوا أرجئه وأخاه) [آية: 111]
قال قتادة أي احبسه
والمعروف عند أهل اللغة أن يقال أرجأت الأمر إذا أخرته
ومن قرأ {أرجه وأخاه} ففي قراءته قولان:
أصحهما أنها لغة وإن كانت ليست مشهورة
والقول الآخر حكي عن أبي العباس قال هو من رجا يرجو أي اتركه يرجو). [معاني القرآن: 3/62-63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَرْجِهِ} أي أخره). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يأتوك بكلّ ساحر عليم (112)
وسحّار جميعا قد قرئ بهما). [معاني القرآن: 2/366]

تفسير قوله تعالى: (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إنّ لنا لأجراً) (113) ثواباً وجزاءً، واللام المفتوحة تزاد توكيداً). [مجاز القرآن: 1/225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّ لنا لأجراً} أي جزاء من فرعون). [تفسير غريب القرآن: 170]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال نعم وإنّكم لمن المقرّبين (114)
أي لكم مع الأجر المنزلة الرفيعة عندي). [معاني القرآن: 2/366]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إمّا أن تلقي وإمّا أن نّكون نحن الملقين...}
أدخل (أن) في (إما) لأنها في موضع أمر بالاختيار. فهي في موضع نصب في قول القائل: اختر ذا أو ذا؛ ألا ترى أن الأمر بالاختيار قد صلح في موضع إمّا.
فإن قلت: إن (أو) في المعنى بمنزلة (إمّا وإمّا) فهل يجوز أن يقول يا زيد أن تقوم أو تقعد؟ قلت: لا يجوز ذلك؛ لأن أول الاسمين في (أو) يكو خبرا يجوز السكوت عليه، ثم تستدرك الشكّ في الاسم الآخر، فتمضى الكلام على الخبر؛ ألا ترى أنك تقول: قام أخوك، وتسكت، وإن بدا لك قلت: أو أبوك، فأدخلت الشكّ، والاسم الأول مكتفٍ يصلح السكوت عليه. وليس يجوز أن تقول: ضربت إمّا عبد الله وتسكت. فلمّا آذنت (إمّا) بالتخيير من أول الكلام أحدثت لها أن. ولو وقعت إمّا وإمّا مع فعلين قد وصلا باسم معرفة أو نكرة ولم يصلح الأمر بالتمييز في موقع إمّا لم يحدث فيها أن؛ كقول الله تبارك وتعالى: {وآخرون مرجون لأمر الله إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم} ألا ترى أن الأمر لا يصلح ها هنا، فلذلك لم يكن فيه أن. ولو جعلت (أن) في مذهب (كي) وصيّرتها صلة لـ (مرجون) يريد أرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم، صلح ذلك في كل فعل تامّ، ولا يصلح في كان وأخواتها ولا في ظننت وأخواتها. من ذلك أن تقول آتيك إما أن تعطى وإما أن تمنع. وخطأ أن تقول: أظنك إما أن تعطى وإما أن تمنع، ولا أصبحت إما أن تعطى وإما أن تمنع. ولا تدخلنّ (أو) على (إما) ولا (إما) على (أو). وربما فعلت العرب ذلك لتآخيهما في المعنى على التوهّم؛ فيقولون: عبد الله إما جالس أو ناهض،
ويقولون: عبد الله يقوم وإما يقعد. وفي قراءة أبيّ: (وإنا وإيّاكم لإمّا على هدى أو في ضلال) فوضع أو في موضع إما. وقال الشاعر:

فقلت لهن امشين إمّا نلاقه =كما قال أو نشف النفوس فنعذرا
وقال آخر:

فكيف بنفس كلما قلت أشرفت =على البرء من دهماء هيض اندمالها
تهاض بدارٍ قد تقادم عهدها =وإمّا بأمواتٍ ألمّ خيالها
فوضع (وإمّا) في موضع (أو). وهو على التوهم إذا طالت الكلمة بعض الطول أو فرقت بينهما بشيء هنالك يجوز التوهم؛ كما تقول: أنت ضارب زيدٍ ظالما وأخاه؛ حين فرقت بينهما بـ (ظالم) جاز نصب الأخ وما قبله مخفوض. ومثله {يا ذا القرنين إمّا أن تعذّب وإمّا أن تتّخذ فيهم حسناً} وكذلك قوله: {إمّا أن تلقي وإمّا أن نّكون أوّل من ألقى}). [معاني القرآن: 1/390]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (سحروا أعين الناس) (115) أي غشّوا أعين الناس وأخذوها.
(واسترهبوهم) (115) وهو من الرهبة مجازه: خوفوهم). [مجاز القرآن: 1/225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واسترهبوهم}: أرهبوهم). [تفسير غريب القرآن: 170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال ألقوا فلمّا ألقوا سحروا أعين النّاس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم (116)
(واسترهبوهم).
أي استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس). [معاني القرآن: 2/366]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {واسترهبوهم} [آية: 116]
أي استدعوا منهم الرهبة). [معاني القرآن: 3/63]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 117 إلى 141]


{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تلقف ما يأفكون...}
و{تلقّف}: يقال لقفت الشيء فأنا ألقفه لقفا، يجعلون مصدره لقفانا، وهي في التفسير: تبتلع). [معاني القرآن: 1/390]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تلقف ما يأفكون} أي تلهم ما يسحرون ويكذبون أي تلقمه). [مجاز القرآن: 1/225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({تلقف}: تلتهم وتلقم). [تفسير غريب القرآن: 170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله {وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون}
وتلقف مخففة ومثقلة، يقال لقفت الشيء ألقفه.
ومعنى قوله (يأفكون): أي يأتون بالإفك وهو الكذب، وذلك أنهم زعموا أن حبالهم وعصيهم حيات فكذبوا في ذلك، وإنما قيل إنهم جعلوا الزئبق وصوّروها بصور الحيّات، فاضطرب الزئبق لأنه لا يستقر.
وقوله: {يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى} فلمّا ألقى موسى عصاه بلعت عصيهم وحبالهم.
قال الشاعر:
أنت عصا موسى التي لم تزل = تلقف ما يأفكه السّاحر
هذا البيت أنشد لأبي عبيدة، وزعم التوزي صاحب أبي عبيدة أنّه لا يعرفه. وهو صحيح في المعنى). [معاني القرآن: 2/366-367]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فإذا هي تلقف ما يأفكون}
ومعنى {تلقف}: تلتهم.
قال أبو حاتم: وبلغني في بعض القراءات (تلقم) بالميم والتشديد.
وقال خارجة: قرأ الحسن (تلقم) بفتح القاف.
قال مجاهد: معنى {ما يأفكون} ما يكذبون أي به، وكذبهم أنهم يجعلون الحبال حيات.
ويجوز أن يكون فماذا تأمرون جوابا من فرعون للملأ حين قالوا {إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فقال فرعون فماذا تأمرون}
ويجوز أن يكون الملأ قالوا هذا لفرعون ومن يخصه
قال مجاهد: معنى {فوقع الحق}: فظهر.
ومعنى {أفرغ علينا صبرا}: أنزل علينا صبرا يشملنا). [معاني القرآن: 3/63-64]

تفسير قوله تعالى: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فوقع الحقّ...}
معناه: أن السحرة قالوا: لو كان ما صنع موسى سحرا لعادت حبالنا وعصينّا إلى حالها الأولى، ولكنها فقدت. فذلك قوله (فوقع الحق): فتبين الحق من السحر). [معاني القرآن: 1/391]

تفسير قوله تعالى: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)}

تفسير قوله تعالى: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)}

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121)}

تفسير قوله تعالى: (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) )

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {آمنتم به...}
يقول: صدّقتموه. ومن قال: (آمنتم له) يقول: جعلتم له الذي أراد). [معاني القرآن: 1/391]

تفسير قوله تعالى: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ثمّ لأصلّبنّكم...}
مشدّدة، و(لأصلبنّكم) بالتخفيف قرأها بعض أهل مكة. وهو مثل قولك: قتلت القوم وقتّلتهم؛ إذا فشا القتل جاز التشديد). [معاني القرآن: 1/391]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أفرع علينا} أنزل علينا). [مجاز القرآن: 1/225]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وما تنقم منّا إلاّ أن آمنّا بآيات ربّنا لمّا جاءتنا ربّنا أفرغ علينا صبراً وتوفّنا مسلمين}
وقال: {وما تَنقِمُ منّا}، وقال بعضهم {وما تَنْقَمُ منّا} وهما لغتان "نَقَمَ يَنْقِمُ" و"نَقِمَ يَنْقَمُ" وبها نقرأ. أي بالأولى). [معاني القرآن: 2/15]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أفرغ علينا صبرا}: أنزل). [غريب القرآن وتفسيره: 149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({أفرغ علينا صبراً} أي صبّه علينا). [تفسير غريب القرآن: 170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعز: {وما تنقم منّا إلّا أن آمنّا بآيات ربّنا لمّا جاءتنا ربّنا أفرغ علينا صبرا وتوفّنا مسلمين}
يقال نقمت أنقم، ونقمت أنقم، الأجود نقمت أنقم والقراءة ما تنقم وهي أفصح اللغتين.
وقوله: {ربّنا أفرغ علينا صبرا} أي، يشتمل علينا.
وقوله: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتّل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنّا فوقهم قاهرون}
ويقرأ (وإلاهتك) ويجوز (ويذرك وآلهتك).
فمن نصب " (ويذرك) ردّه على جواب الاستفهام بالواو، المعنى أيكون منك أن تذر موسى، وأن يذرك.
ومن قال (ويذرك) جعلة مستأنفا، يكون المعنى: أتذر موسى وهو يذرك وآلهتك.
والأجود أن يكون معطوفا على (أتذر) فكون أتذر موسى وأيذرك موسى.
أي أتطلق هذا له.
وأمّا من قرأ وآلهتك، فإنّ المعنى أن فرعون كانت له أصنام يعبدها قومه تقربا إليه). [معاني القرآن: 2/367]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَفْرِغْ}: ثبت). [العمدة في غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويذرك وآلهتك...}
لك في (ويذرك) النصب على الصرف؛ لأنها في قراءة أبيّ (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وقد تركوك أن يعبدوك) فهذا معنى الصرف. والرفع لمن أتبع آخر الكلام أوّله؛ كما قال الله عز وجل: {من ذا الذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه} بالرفع. وقرأ ابن عباس (وإلاهتك) وفسّرها: ويذرك وعبادتك؛ وقال: كان فرعون يعبد ولا يعبد). [معاني القرآن: 1/391]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الملأ من قوم فرعون}: أشرافهم ووجوههم.
وكذلك الملأ من قومه [في كل موضع] ). [تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ويذرك وآلهتك}
وقرأ ابن عباس (إلاهتك) وقال معناه وعبادتك؛ لأن فرعون كان يعبد ولا يعبد.
وقال من احتج لهذه القراءة: الدليل على أنه كان يعبد ولا يعبد أنه قال (ما علمت لكم من إله غيري)
ومن قرأ (وآلهتك) فإنه يذهب إلى جهتين:
إحداهما: أنه يعني بالآلهة ههنا من كان يطيعه فرعون كما قيل في قول الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} أنهم ما عبدوهم ولكن أطاعوهم فصار تمثيلا.
والجهة الأخرى أن سليمان التيمي قال: بلغني أن فرعون كان يعبد البقر.
قال التيمي: فقلت للحسن: هل كان فرعون يعبد شيئا؟ فقال: نعم إن كان ليعبد شيئا قد جعله الله في عنقه
وقال إسماعيل: قول فرعون {أنا ربكم الأعلى} يدل على أنهم كانوا يعبدون شيئا غيره.
وقد يكون معنى {وآلهتك} أنها آلهة يأمرهم بعبادتها). [معاني القرآن: 3/64-66]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}
تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا...}
قال: فأما الأذى الأوّل فقتله الأبناء واستحياؤه النساء. ثم لمّا قالوا له: أنذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض قال: أعيد على أبنائهم القتل واستحي النساء كما كان فعل. وهو أذى بعد مجيء موسى). [معاني القرآن: 1/391]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قال عسى ربّكم} وعسى من الله عز وجل في كل القرآن أجمع واجبة). [مجاز القرآن: 1/225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربّكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}
"عسى" طمع وإشفاق، إلا أن ما يطمع اللّه فيه فهو واجب، وهو معنى قول المفسرين: إن عسى من اللّه واجب.
ومعنى: {فينظر كيف تعملون} أي يرى ذلك بوقوع منكم، لأن اللّه جلّ وعزّ لا يجازيهم على ما يعلمه منهم من خطيئاتهم التي يعلم أنهم عاملوها لا محالة، إنما يجازيهم على ما وقع منهم). [معاني القرآن: 2/367]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز قالوا: {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا}
قال مجاهد: أي من قبل أن ترسل إلينا.
وقال غيره: الأذى الذي لحقهم من قبل أن يرسل إليهم قتل أبنائهم، والأذى الذي لحقهم بعد أن فرعون قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم). [معاني القرآن: 3/66]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين...}
أخذهم بالسنين: القحط والجدوبة عاما بعد عام). [معاني القرآن: 1/392]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين} مجازه ابتليناهم بالجدوب في آل فرعون أهل دين فرعون وقومه). [مجاز القرآن: 1/225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أخذنا آل فرعون بالسنين}: بالجدوب يقال: أصابتهم سنة إذا أصابهم جدب). [غريب القرآن وتفسيره: 149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أخذنا آل فرعون بالسّنين} بالجدب. يقال: أصابت الناس سنة: أي جدب). [تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقص من الثّمرات لعلّهم يذّكّرون}
السنين في كلام العرب الجدوب، يقال مستهم السّنة، ومعناه جدب السنة وشدّة السنة ونقص الثمرات.
{لعلّهم يذّكّرون}.
إنما أخذوا بالضراء لأن أحوال الشدة ترق القلوب وترغب فيما عند اللّه وفي الرجوع إليه، ألا ترى إلى قوله جلّ وعزّ: {وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلّا إيّاه}، وقال جل وعز: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشّرّ فذو دعاء عريض}). [معاني القرآن: 2/368]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين}
قال مجاهد: أي بالجوائح.
وهذا معروف في اللغة أن يقال أصابتهم سنة أي جدب، وتقديره سنة جدب ثم حذف.
ثم قال جل وعز: {ونقص من الثمرات}
قال مجاهد: أي دون ذلك.
ثم قال جل وعز: {لعلهم يذكرون} أي يعتبرون بما أصابهم). [معاني القرآن: 3/66-67]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بِالسِّنِينَ} أي بالجدب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بالسِّنِينَ}: بالحرث
{آلَ فِرْعَونَ}: قومه). [العمدة في غريب القرآن: 136-137]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه...}
والحسنة ها هنا الخفض.
وقوله: {لنا هذه} يقولون: نستحقّها {وإن تصبهم سيّئةٌ} يعني الجدوبة (يّطّيروا) يتشاءموا (بموسى) كما تشاءمت اليهود بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا: غلت أسعارنا وقلّت أمطارنا مذ أتانا). [معاني القرآن: 1/392]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ألا إنّما طائرهم عند الله} مجازه: إنما طائرهم، وتزاد ألا للتنبيه والتوكيد، ومجاز طائرهم: حظهم ونصيبهم). [مجاز القرآن: 1/226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فإذا جاءتهم الحسنة} يعني الخصب. قالوا لنا هذه أي هذا ما كنا نعرفه وما جرينا على اعتياده.
{وإن تصبهم سيّئةٌ} أي قحط {يطّيّروا بموسى} قالوا: هذا بشؤمه.
{ألا إنّما طائرهم عند اللّه} لا عند موسى). [تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}.
الحسنة هاهنا: الخصب والمطر. يقول: إن أصابهم خصب وغيث قالوا: هذا من عند الله.
والسيئة: الجدب والقحط. يقول: وإن تصبهم سيئة يقولوا: هذه من عندك. أي بشؤمك، يقول الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.
ومثل هذا قوله حكاية عن فرعون وملئه: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ} يريد إذا جاءهم الخصب والمطر قالوا: هذا هو ما لم نزل نتعرّفه.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} أي يتشاءمون بهم.
{أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي ما تطيّروا بموسى- لمجيئه- من عند الله). [تأويل مشكل القرآن: 391](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئة يطّيّروا بموسى ومن معه ألا إنّما طائرهم عند اللّه ولكنّ أكثرهم لا يعلمون} أي إذا جاءهم الخصب قالوا أعطينا هذا باستحقاق.
{(وإن تصبهم سيّئة} أي جدب أو ضر.
{يطّيّروا بموسى ومن معه} المعنى: يتطيّروا. فأدغمت التاء في الطاء، لأنهما من مكان واحد من طرف اللسان وأصول الثنايا.
وتفسير قوله: (يطّيّروا): يتشاءموا، وإنما قالت العرب الطيرة ويتطير فيما يكرهون، على ما اصطلحوا عليه بينهم، جعلوا ذلك أمرا يتشاءمون به فقال عزّ وجلّ: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه} ، المعنى: ألا إنما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به في الآخرة لا ما ينالهم في الدنيا، وقال بعضهم: " طائرهم " حظهم، والمعنى واحد). [معاني القرآن: 2/368-369]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه}
قال مجاهد: الحسنة ههنا العافية والرخاء لنا هذه أي بحق أصابتنا.
وقال غير مجاهد: أي كذا العادة أن يصيبنا الخير.
ثم قال جل وعز: {وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه}
قال مجاهد: السيئة ههنا البلاء، ومعنى يطيروا يتشاءموا.
ثم قال جل وعز: {ألا إنما طائرهم عند الله}
قال مجاهد: ألا إنما طائرهم عند الله؛ أي إنما الشؤم فيما يلحقهم يوم القيامة مما وعدوا به من الشر.
ثم قال جل وعز: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي هم غافلون عن هذا). [معاني القرآن: 3/67-68]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ} أي الخصب.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي قحط. {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى} ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ لّتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين}
وقال: {وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ} لأن {مهما} من حروف المجازاة وجوابها {فما نحن}). [معاني القرآن: 2/15]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فأرسلنا عليهم الطّوفان} السيل العظيم. وقيل: الموت الكثير الذريع، وطوفان الليل: شدة سواده. وقال الراجز:
وعمّ طوفان الظلام الأثأبا).
[تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (مهما
مهما: هي بمنزلة «ما» في الجزاء. قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}، أي ما تأتنا به من آية.
وقال الخليل في مهما: هي (ما) أدخلت معها (ما) لغوا كما أدخلت مع (متى) لغوا، تقول: متى تأتني آتك، ومتى ما تأتني آتك. وكما أدخلت مع (ما) أيّ لغوا، كقوله: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} أي أيّا تدعوا.
قال: ولكنهم استقبحوا أن يكرروا لفظا واحدا فيقولوا: (ما، ما) فأبدلوا الهاء من الألف التي في الأولى.
هذا قول الخليل.
وقال سيبويه: وقد يجوز أن تكون (مه) ضم إليها (ما) ). [تأويل مشكل القرآن: 532]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين}
زعم بعض النحويين أن أصل "مهما": ما تأتنا به، ولكن أبدل من الألف الأولى الهاء، ليختلف اللفظ، فما الأولى هي ما الجزاء، وما الثانية هي التي تزاد تأكيدا للجزاء، ودليل النحويين على ذلك إنّه ليس شيء من حروف الجزاء إلا و " ما ".. تزاد فيه، قال اللّه جلّ ثناؤه: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم} كقولك إن تثقفهم في الحرب فشردهم.
وقوله: {وإما تعرضنّ عنهم} أيضا وهذا في كتاب الله كثير.
وقالوا: جائز أن تكون "مه" بمعنى الكف)، كما تقول مه أي أكفف.
وتكون "ما" الثانية للشرط والجزاء، كأنهم قالوا واللّه أعلم - أكفف ما تأتينا به من آية.
والتفسير الأول هو الكلام وعليه استعمال الناس.
وهذا ليس فيما فيه من التفسير شيء لأنه يخل اختلاف هذين التفسيرين بمعنى الكلام.
وقوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آيات مفصّلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين}
قال الأخفش: الطوفان جمع طوفانه.
وقيل في التفسير إن الطوفان المطر الذي يغرق من كثرته.
قال الله جلّ وعزّ في قصة نوح: (فأخذهم الطّوفان وهم ظالمون).
وقيل الطوفان الموت العظيم.
وقوله: (والقمّل).
قال فيه أبو عبيدة: هو الحنمان؛ صغار القردان.
واختلف في تفسيره فقال بعضهم هي دواب أصغر من القمل.
(والدّم).
قيل إن اللّه جلّ وعزّ: جعل ماءهم دما، فكان الإسرائيلي يستقي الماء عذبا صافيا، فإذا أخذه القبطى تحوّل دما صافيا.
وقوله: {آيات مفصّلات} أي إن بعضها منفصل من بعض، ويقال إنه كان بين الآية والآية ثمانية أيّام، وأرسلت عليهم الضفادع تدخل في ثيابهم وفي طعامهم.
و(آيات) منصوب على الحال، وهي العلامات). [معاني القرآن: 2/369-370]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان...}
أرسل الله عليهم السماء سبتا فلم تقلع ليلا ونهارا، فضاقت بهم الأرض من تهدّم بيوتهم وشغلهم عن ضياعهم، فسألوه أن يرفع عنهم، فرفع فلم يتوبوا، فأرسل الله عليهم (الجراد) فأكل ما أنبتت الأرض في تلك السنة. وذاك أنهم رأوا من غبّ ذلك المطر خصبا لم يروا مثله قطّ، فقالوا: إنما كان هذا رحمة لنا ولم يكن عذابا. وضاقوا بالجراد فكان قدر ذراع في الأرض، فسألوه أن يكشف عنهم ويؤمنوا، فكشف الله عنهم وبقي لهم ما يأكلون، فطغوا به وقالوا (لن نؤمن لك) فأرسل الله عليهم (القمل) وهو الدّبى الذي لا أجنحة له، فأكل كلّ ما كان أبقى الجراد، فلم يؤمنوا فأرسل الله (الضفادع) فكان أحدهم يصبح وهو على فراشه متراكب، فضاقوا بذلك، فلمّا كشف عنهم لم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم (الدم) فتحوّلت عيونهم وأنهارهم دما حتى موّتت الأبكار، فضاقوا بذلك وسألوه أن يكشفه عنهم فيؤمنوا، فلم يفعلوا، وكان العذاب يمكث عليهم سبتا، وبين العذاب إلى العذاب شهر، فذلك قوله: {آياتٍ مّفصّلاتٍ} ثم وعد الله موسى أن يغرق فرعون، فسار موسى من مصر ليلا. وبلغ ذلك فرعون فأتبعه - يقال في ألف ألف ومائة ألف سوى كتيبته التي هو فيها، ومجنّبتيه - فأدركهم هو وأصحابه مع طلوع الشمس. فضرب موسى البحر بعصاه فانفرج له فيه اثنا عشر طريقا. فلمّا خرجوا تبعه فرعون وأصحابه في طريقه، فلما كان أوّلهم يهمّ بالخروج وآخرهم في البحر أطبقه الله تبارك وتعالى عليهم فغرّقهم. ثم سأل موسى أصحابه أن يخرج فرعون ليعاينوه، فأخرج هو وأصحابه، فأخذوا من الأمتعة والسلاح ما اتخذوا به العجل). [معاني القرآن: 1/392-393]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الطّوفان} مجازه من السيل: البعاق والدّباش وهو دباش شديد سيله، ومن الموت الذريع المبالغ السريع.
{والقمّل} عند العرب هو الحمنان، والحمنان: ضرب من الفردان واحدتها حمنانة). [مجاز القرآن: 1/226]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آياتٍ مّفصّلاتٍ فاستكبروا وكانوا قوماً مّجرمين}
وقال: {الطّوفان} فواحدتها في القياس "الطوفانة". قال الشاعر:
* غير الجدّة من آياتها خرق الرّيح وطوفان المطر *
وهي من "طاف" "يطوف"). [معاني القرآن: 2/15-16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({القمل}: الدبا). [غريب القرآن وتفسيره: 149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({آياتٍ مفصّلاتٍ} بين الآية والآية فصل ومدّة). [تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فأرسلنا عليهم الطوفان}
قال عطاء: (الطوفان): الموت.
وقال مجاهد: هو الموت على كل حال.
وقال قتادة: سال عليهم الماء حتى قاموا قياما فسألوا موسى أن يدعو الله أن يكشفه ففعل.
وقال الضحاك: جاءهم من المطر شيء كثير فسألوا موسى أن يدعو الله أن يكشفه عنهم ويرسلوا معه بني إسرائيل، فدعا الله فكشفه عنهم وأمرعت البلاد وأخصبت، فعادوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل فصب الله على زرعهم الجراد فأكله، فسألوا موسى فدعا الله فكشف ذلك عنهم ثم عادوا.
قال أبو جعفر: "الطوفان" في اللغة: ما كان مهلكا من موت أو سيل أي ما يطيف بهم فيهلكهم
قال مجاهد: أرسل الله عليهم الجراد فأكل مسامير أرتجتهم وثيابهم، وأرسل عليهم القمل وهو الدبى فكان يدخل في ثيابهم وفرشهم
وقال عكرمة: (القمل): الجنادب بنات الجراد.
وقال حبيب بن أبي ثابت: (القمل) الجعلان.
و(القمل) عند أهل اللغة: ضرب من القردان.
قال أبو الحسن الأعرابي العدوي: القمل دواب صغار من جنس القردان إلا أنها أصغر منه، واحدتها قملة.
وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير؛ لأنه يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم وهي كلها تجتمع في أنها تؤذيهم.
قال مجاهد: كانوا يجدون الدم في ثيابهم وشرابهم وطعامهم.
ومعنى {آيات مفصلات} بعضها منفصل عن بعض بين كل واحدة منهم مدة
يروى أنه بين الآية والآية ثمانية أيام). [معاني القرآن: 3/68-71]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الطُّوفَانَ} السيل العظيم، وقيل: الموت الكثير.
{وَالْقُمَّلَ} الذر.
{آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} أي متفرقة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْقُمَّلَ}: الصغار من الجراد). [العمدة في غريب القرآن: 137]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الرّجز} مجازه: العذاب.
{بما عهد عندك} مجازه: أوصاك وأعلمك). [مجاز القرآن: 1/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والرّجز}: العذاب). [تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الرِّجْزُ: العذاب. قال الله تعالى- حكاية عن قوم فرعون: {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} أي العذاب.
ثم قد يسمّى كيد الشيطان: رجزا، لأنّه سبب العذاب. قال الله تعالى: {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} ). [تأويل مشكل القرآن: 471]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولمّا وقع عليهم الرّجز قالوا يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل}
و(الرجز) اسم للعذاب.
{قالوا يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل} وكانوا قد أخذوا بني إسرائيل بالكد الشديد حتى قالوا لموسى: {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا}.
فيقال إنهم كانوا يستعملون بنى إسرائيل في تلبين اللّبن، وكان فرعون وأصحابه من القبط يفعلون ذلك ببني إسرائيل، فلما بعث موسى أعطوهم اللّبن يلبّنونه، ومنعوهم التبن ليكون ذلك أشق عليهم). [معاني القرآن: 2/370-371]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولما وقع عليهم الرجز}
وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد (الرجز).
قال مجاهد: وهو العذاب.
{قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك} ، قال أبو عبيدة: بما أوصاك وأعلمك.
{لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل} يروى أنهم كدوهم في العمل.
قال مجاهد إلى أجل هم بالغوه إلى عدة مسماة من أيامهم فأغرقناهم في اليم وهو البحر). [معاني القرآن: 3/72-72]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون}
وهو البحر، وكذلك هو في الكتب الأول). [معاني القرآن: 2/371]

تفسير قوله تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({في اليمّ} أي في البحر، قال: كباذخ اليمّ سقاه اليمّ). [مجاز القرآن: 1/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(اليم): البحر). [تفسير غريب القرآن: 171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}
{وكانوا عنها غافلين} أي كانوا لا يعتبرون بالآيات التي تنزل بهم). [معاني القرآن: 2/371]

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها...}
فتنصب مشارق ومغارب تريد: في مشارق الأرض وفي مغاربها، وتوقع (وأورثنا) على قوله: {الّتي باركنا فيها}. ولو جعلت (وأورثنا) واقعة على المشارق والمغارب لأنهم قد أورثوها وتجعل (التي) من نعت المشارق والمغارب فيكون نصبا، وإن شئت جعلت (التي) نعتا للأرض فيكون خفضا.
وقوله: (وما ظلمونا) يقول: وما نقصونا شيئا بما فعلوا، ولكن نقصوا أنفسهم. والعرب تقول: ظلمت سقاءك إذا سقيته قبل أن يمخض ويخرج زبده. ويقال ظلم الوادي إذا بلغ الماء منه موضعا لم يكن ناله فيما خلا؛ أنشدني بعضهم:
يكاد يطلع ظلما ثم يمنعه = عن الشواهق فالوادي به شرق
ويقال: إنه لأظلم من حيّة؛ لأنها تأتي الجحر ولم تحفره فتسكنه. ويقولون: ما ظلمك أن تفعل، يريدون: ما منعك أن تفعل، والأرض المظلومة: التي لم ينلها المطر، وقال أبو الجراح: ما ظلمك أن تفيء، لرجل شكا كثرة الأكل. ويقال صعق الرجل وصعق إذا أخذته الصاعقة، وسعد وسعد ورهصت الدابة ورهصت). [معاني القرآن: 1/397-398]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} مجازه: يبنون وبعرش ويعرش لغتان، وعريش مكّة: خيامها). [مجاز القرآن: 1/227]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الّتي باركنا فيها وتمّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون}
وقال: {وما كانوا يعرشون} و"يعرشون" لغتان وكذلك {نبطش} و"نبطش" و"يحشر" و{يحشر}، و{يعكف} و{يعكف}، و{ينفر} و{ينفر}). [معاني القرآن: 2/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وما كانوا يعرشون}: يبنون والعرش في هذا الموضع البناء). [غريب القرآن وتفسيره: 149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وما كانوا يعرشون} أي: يبنون، والعروش: البيوت والعروش: السقوف). [تفسير غريب القرآن: 172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الّتي باركنا فيها وتمّت كلمت ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون}
يعني بني إسرائيل، وكان منهم داود وسليمان ملكوا الأرض
وقوله: {وتمّت كلمت ربّك الحسنى} يعنى ما وعدهم اللّه به من إهلاك عدوّهم واستخلافهم في الأرض.
(ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون).
و(يعرشون) جميعا. يقال عرش يعرش ويعرش، إذا هو بنى). [معاني القرآن: 2/371]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها}
(القوم) ههنا: بنو إسرائيل، وكان فيهم داود وسليمان عليهما السلام.
قال قتادة: التي بورك فيها الشام.
وقيل: مصر.
ثم قال عز وجل: {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا}
قيل يعني بالكلمة {عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض}
قال مجاهد في قوله جل وعز: {وما كانوا يعرشون} قال: يبنون البيوت والمساكن). [معاني القرآن: 3/72-73]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْرِشُونَ} أي يبنون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْرِشُونَ}: يبنون). [العمدة في غريب القرآن: 137]

تفسير قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} مجازه: قطعنا.
{يعكفون} أي يقيمون، ويعكفون لغتان). [مجاز القرآن: 1/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يعكفون على أصنامٍ لهم} أي يقيمون عليها معظّمين. كما يقيم العاكفون في المساجد). [تفسير غريب القرآن: 172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنّكم قوم تجهلون}
ومعنى: {(يعكفون على أصنام لهم} أي يواظبون عليها ويلازمونها، يقال لكل من لزم شيئا وواظب عليه.
عكف يعكف ويعكف. ومن هذا قيل للملازم للمسجد معتكف). [معاني القرآن: 2/371]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ومعنى {يعكفون} يواظبون ويلازمون ومنه قيل اعتكف فلان). [معاني القرآن: 3/73]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْكُفُونَ} أي يقيمون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({متبّرٌ ما هم فيه} أي مبيّتٌ ومهلك). [مجاز القرآن: 1/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({إن هؤلاء متبر ما هم فيه}: مهلك والتبار والتباب الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({متبّرٌ ما هم فيه} أي مهلك. والتّبار: الهلاك). [تفسير غريب القرآن: 172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّ هؤلاء متبّر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون}
(متبّر) مهلك ومدمّر، ويقال لكل إناء مكسّر متبّر، وكسارته يقال له التبر). [معاني القرآن: 2/371]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ومعنى {متبر}: مهلك ومدمر ويقال تبرت الشيء إذا كسرته واسم ما انكسر منه التبر). [معاني القرآن: 3/73]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({إن هؤلاء متبر ما هم فيه} أي: مهلك ما هم فيه، ومدمر عليهم). [ياقوتة الصراط: 230]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُتَبَّرٌ} أي مُهلَك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُتَبَّرٌ}: مهلك). [العمدة في غريب القرآن: 137]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أبغيكم إلها} أي أجعل لكم). [مجاز القرآن: 1/227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال أغير اللّه أبغيكم إلها وهو فضّلكم على العالمين}
أي أغير اللّه أطلب لكم إلها: (وهو فضّلكم على العالمين) ). [معاني القرآن: 2/371-372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قال أغير الله أبغيكم إلها}
معنى أبغي أطلب ومعنى يسومونكم يولونكم). [معاني القرآن: 3/73]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم} أي في إنجائه إياكم نعمة من اللّه عظيمة). [تفسير غريب القرآن: 172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتّلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربّكم عظيم}
المعنى: واذكروا إذ أنجيناكم من آل فرعون.
{يسومونكم سوء العذاب} معنى (يسومونكم) يولونكم). [معاني القرآن: 2/372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}
- يجوز أن يكون المعنى وفي إنجائه بني إسرائيل نعمة.
- ويجوز أن يكون المعنى في سومكم بني إسرائيل سوء العذاب بلية عظيمة). [معاني القرآن: 3/73]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 02:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 142 إلى 155]


{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}

تفسير قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتّبع سبيل المفسدين}
(وواعدنا موسى) (ووعدنا موسى).
{ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر}
- قيل أمره الله أن يصوم ثلاثين يوما، وأن يعمل فيها بما يقربه إلى اللّه.
- وقيل في العشر أنزلت عليه التوراة وكلّم فيها.
- وقال بعضهم لما صام ثلاثين يوما أنكر خلوف فيه فاستاك بعود خرّوب، فقالت الملائكة إنا كنا نستنشئ من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك. فزيدت عليه عشر ليال.
وقد قال في موضع آخر: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} فهذا دليل أن المواعدة كانت أربعين ليلة كاملة، واللّه جلّ وعزّ أعلم.
وقوله: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي}
يجوز (هارونَ) بالفتح وهو في موضع جر بدلا من أخيه، ويجوز (لأخيه هارونُ) بضم النون، ويكون المعنى: وقال موسى لأخيه، يا هارون {اخلفني في قومي}). [معاني القرآن: 2/372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر}
قال مجاهد: الثلاثون ذو القعدة والعشر عشر من ذي الحجة.
والفائدة في قوله: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} أنه قد دل على أن العشر ليال وأنها ليست بساعات
- وقيل هو توكيد.
- وقيل هو بمنزلة فذلك أي فليس بعدها شيء يذكر). [معاني القرآن: 3/74]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({جعله دكّاً} أي مستوياً مع وجه الأرض، وهو مصدرٌ جعله صفة، ويقال: ناقة دكّاء أي ذاهبة السّنام مستوٍ ظهرها أملس، وكذلك أرض دكّاء، قال الأغلب: هل غير غارٍ دكّ غاراً فانهدم). [مجاز القرآن: 1/228]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولمّا جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّاً وخرّ موسى صعقاً فلمّا أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين}
وقال: {جعله دكّاً} لأنه حين قال: {جعله} كان كأنه قال "دكّه" ويقال: {دكّاء} وإذا أراد ذا فـ[قد] أجري مجرى {وسئل القرية} لأنه يقال: "ناقةٌ دكّاء" إذا ذهب سنامها.
وقال: {فلمّا تجلّى ربّه للجبل} يقول "تجلّى أمره" نحو ما يقول الناس: "برز فلان لفلان" وإنّما برز جنده.
وأمّا قوله: {ربّ أرني أنظر إليك} فإنما أراد علما لا يدرك مثله إلاّ في الآخرة فأعلم الله موسى أن ذلك لا يكون في الدنيا. وقرأها بعضهم {دكّاء} جعله "فعلاء" وهذا لا يشبه أن يكون. وهو في كلام العرب: "ناقةٌ دكّاء" أي: ليس لها سنام. والجبل مذكر إلا أن يكون "جعله مثل دكّاء" وحذف "مثل"). [معاني القرآن: 2/16-17]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({جعله دكا}: مستويا يقال ناقة ذكاء إذا ذهب سنامها واستوى بظهرها). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({تجلّى ربّه} أي ظهر. أو ظهر من أمره ما شاء. ومنه يقال: جلوت العروس: إذا أبرزتها. ومنه يقال: جلوت المرآة والسيف: إذا أبرزته من الصدأ والطبع، وكشفت عنه.
{جعله دكًّا} أي ألصقه بالأرض. يقال: ناقة دكّاء: إذا لم يكن لها سنام. كأنّ سنامها دكّ - أي ألصق - ويقال: إنّ دككت، ودققت فأبدلت القاف فيه كافا. لتقارب المخرجين.
{وخرّ موسى صعقاً} أي مغشيا عليه). [تفسير غريب القرآن: 172]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه عام يراد به خاص:
كقوله سبحانه حكاية عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، وحكاية عن موسى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يرد كل المسلمين والمؤمنين، لأن الأنبياء قبلهما كانوا مؤمنين ومسلمين، وإنما أراد مؤمني زمانه ومسلميه). [تأويل مشكل القرآن: 281](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الصّعق: الموت، قال تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ، وقال تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} أي ميّتا، ثم ردّ الله إليه حياته). [تأويل مشكل القرآن: 501](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ولمّا جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا وخرّ موسى صعقا فلمّا أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين}
(ولمّا جاء موسى لميقاتنا) أي للوقت الذي وقتنا له.
{وكلّمه ربّه} كلم الله موسى تكليما. خصّه اللّه أنه لم يكن بينه وبين الله جل ثناؤه وفيما سمع أحد، ولا ملك أسمعه اللّه كلامه، فلما سمع الكلام {قال ربّ أرني أنظر إليك} أي قد خاطبتني من حيث لا أراك، والمعنى أرني نفسك.
وقوله: (أرني أنظر) مجزوم جواب الأمر.
(قال لن تراني) ولن نفي لما يستقبل.
{ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني}.
{فلمّا تجلّى ربّه للجبل} أي ظهر وبان.
(جعله دكّا).
يجوز "دكّا" بالتنوين، ودكاء بغير تنوين، أي جعله مدقوقا مع الأرض؛ يقال دككت الشيء إذا دققته، أدكه دكّا، والدكّاء والدّكاوات الروابي التي مع الأرض ناشزة عنها، لا تبلغ أن تكون جبلا.
وقوله: {وخرّ موسى صعقا}
(صعقا) منصوب على الحال، وقيل إنه خرّ ميّتا، وقيل خرّ مغشيا عليه.
{فلما أفاق}: ولا يكاد يقال للميت قد أفاق من موته، ولكن للذي غشي عليه والذي يذهب عقله قد أفاق من علته، لأن الله جلّ ثناؤه قال في الذين ماتوا: {ثمّ بعثناكم من بعد موتكم}.
وقوله: {قال سبحانك} أي تنزيها لك من السوء.
جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قوله " سبحان اللّه " تنزيه للّه من السوء.
وأهل اللغة كذلك يقولون من غير معرفة بما فيه.
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن تفسيره يجمعون عليه.
وقوله: {وأنا أوّل المؤمنين} أي أوّل المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا.
هذا معنى {أرني انظر إليك} إلى آخره الآية، وهو قول أهل العلم وأهل السنة.
وقال قوم: معنى (أرني أنظر إليك)، أرني أمرا عظيما لا يرى مثله في الدنيا مما لا تحتمله بنية موسى، قالوا فأعلمه أنّه لن يرى ذلك الأمر، وأن معنى. {فلمّا تجلّى ربّه للجبل}: تجلى أمر ربّه.
وهذا خطأ لا يعرفه أهل اللغة، ولا في الكلام دليل أن موسى أراد أن يرى أمرا عظيما من أمر اللّه، وقد أراه اللّه من الآيات في نفسه ما لا غاية بعده.
قد أراه عصاه ثعبانا مبينا، وأراه يده تخرج بيضاء من غير سوء وكان أدم، وفرق البحر بعصاه. فأراه من الآيات العظام ما يستغنى به عن أن يطلب أمرا من أمر الله عظيما، ولكن لما سمع كلام الله قال: رب أرني أنظر إليك، سمعت كلامك فأنا أحب أن أراك. فأعلمه الله جل ثناؤه إنّه لن يراه.
ثم أمره الله أن يشكره، فقال: {يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين}). [معاني القرآن: 2/372-374]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ولما جاء موسى لميقاتنا} أي للميقات الذي وقتناه له.
{وكلمه ربه} أي خصه بذلك.
وقوله جل وعز: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا}
- قال قتادة: دك بعضه بعضا.
- وقال عكرمة: إنما هو جعله دكاء من الدكاوات، والتقدير على هذه القراءة: جعله أرضا دكاء؛ وهي الناتئة لا تبلغ أن تكون جبلا.
قال عكرمة: لما نظر الله جل وعز إلى الجبل صار صحراء ترابا.
ثم قال جل وعز: {وخر موسى صعقا} قيل ميتا
وقال سعيد بن عروبة عن قتادة: مغشيا عليه {فلما أفاق قال سبحانك إني تبت إليك}
قال مجاهد: أي تبت من أن أسألك الرؤيا وأنا أول المؤمنين أي أول من آمن أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات؛ لأن سؤاله كان في الدنيا.
قال قتادة: لما أخذ الألواح فرأى فيها وصف أمة محمد وتقريظهم فقال: يا رب اجعلهم أمتي. فقال: تلك أمة أحمد، فقالك فاجعلني منهم، قال: إنك لن تدركهم، وقال: يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي. فرضي موسى). [معاني القرآن: 3/74-76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَجَلَّى} ظهر. أي ظهر من أمره ما شاء الله عز وجل.
{جَعَلَهُ دَكّاً} أي ألصقه بالأرض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({دَكًّا}: مستوياً). [العمدة في غريب القرآن: 137]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين}
أي اتخذتك صفوة على الناس.
(برسالاتي وبكلامي)
ولو كان إنما تبع كلام غير الله لما قال برسالاتي وبكلامي، لأن الملائكة تنزل إلى الأنبياء بكلام اللّه.
وقوله: {فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين}). [معاني القرآن: 2/374-375]

تفسير قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم أعلم اللّه جل ثناؤه أنّه قد أعطاه من كل شيء يحتاج من أمر الدّين مع ما أراه من الآيات فقال جلّ وعزّ: {وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء موعظة وتفصيلا لكلّ شيء فخذها بقوّة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين} وقيل في التفسير إنهما كانا لوحين. ويجوز في اللغة أن يقال للوحين ألواح. ويجوز أن يكون ألواح جمع أكثر من اثنين.
وقوله: {فخذها بقوة) أي خذها بقوة في دينك وحجتك.
وقوله: (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها).
في هذا وجهان، وهو نحو قوله: (الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه) ونحو قوله: (واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم).
فيحتمل وجهين:
أحدهما: أنّهم أمروا بالخير ونهوا عن الشر، وعرفوا ما لهم في ذلك، فقيل {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}
ويجوز أن يكون نحو ما أمرنا به من الانتصار بعد الظلم، ونحو القصاص في الجروح؛ إذ قال: {ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}.
{ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}
فهذا كله حسن والعفو أحسن من القصاص والصبر أحسن من الانتصار). [معاني القرآن: 2/375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء}
قال سفيان: أي من الحلال والحرام.
ثم قال تعالى: {موعظة وتفصيلا لكل شيء}
قال سعيد بن جبير: أي تفصيلا لما أمروا به ونهوا عنه.
ثم قال جل وعز: {فخذها بقوة} أي بقوة في دينك وحجتك وقيل بجد وعزم
ثم قال جل وعز وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} وكلها حسنة
- فقيل المعنى أنهم أمروا أن يأخذوا بما هو أحسن مما هو مطلق لهم وإن لن آتانا جعيعاء مطلقين نحو قوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} فهذا مباح والعفو أحسن.
- وقيل: بأحسنها بالأحسن منها.
- وقيل: أمروا بشيء وخبروا بما لهم فيه ونهوا عن شيء وخبروا بما عليهم فيه فقيل لهم خذوا بأحسنها
- وقيل: بالناسخ.
ثم قال تعالى: {سأريكم دار الفاسقين}
- قال الحسن: يعني جهنم.
- وقال مجاهد: يعني مصيرهم في الآخرة.
وقرأ قسامة بن زهير (سأورثكم دار الفاسقين)). [معاني القرآن: 3/76-78]

تفسير قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلا ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}
أي اجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي.
ومعنى (يتكبّرون) أي أنهم يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم.
وهذه الصفة لا تكون إلّا للّه جلّ ثناؤه خاصة لأن الله تبارك وتعالى هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس مثله، وذلك يستحق أن يقال له: المتكبر، وليس لأحد أن يتكبر لأن الناس في الحقوق سواء.
فليس لأحد ما ليس لغيره واللّه جل ثناؤه المتكبر.
أعلم الله أن هؤلاء يتكبرون في الأرض بغير الحق.
وقوله: {وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلا}.
وسبيل الغي هو سبيل الضلال، يقال: غوى الرجل يغوي غيّا وهو غاو إذا ضل.
وقوله: {ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا}.
"ذلك" يصلح أن يكون رفعا، أي إن أمرهم ذلك، ويجوز أن يكون نصبا على معنى فعل اللّه بهم ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا.
(وكانوا عنها غافلين).
"غافلين" يصلح أن يكون -واللّه أعلم- كانوا في تركهم الإيمان بها والنظر فيها والتدبر لها بمنزلة الغافلين.
ويجوز أن يكون (وكانوا) عن جوابها غافلين كما تقول: ما أغفل فلانا عما يراد به). [معاني القرآن: 2/376]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}
- قال سفيان بن عيينة: أي أمنعهم من كتابي.
- قال أبو إسحاق: المعنى سأجعل جزاءهم على كفرهم الإضلال عن هداية آياتي.
- وقيل: سأصرفهم عن نفعها
- وقيل: عن عزها
ومعنى {يتكبرون}: يحقرون الناس ويرون أن لهم فضلا عليهم ويتكبرون عن الإيمان واتباع النبي صلى الله عليه وسلم
وقوله جل وعز: {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا}
ويقرأ (سبيل الرشد)، وقرأ عبد الرحمن المقرئ (سبيل الرشاد)
- قال أبو عمرو بن العلاء: (الرشد) الصلاح والرشد في الدين.
- قال غيره: الغي الضلال.
وقوله جل وعز: {ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}
- ويجوز أن يكونوا في تركهم الإيمان وتدبر الحق بمنزلة الغافلين
- ويجوز أن يكون غافلين عما يجازون به كما يقال ما أغفل فلانا عما يراد به). [معاني القرآن: 3/78-80]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {عجلاً جسداً لّه خوارٌ...}
كان جسدا مجوّفا. وجاء في التفسير أنه خار مرة واحدة). [معاني القرآن: 1/393]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({له خوارٌ} أي صوت كخوار البقر إذا خار، وهو يخور). [مجاز القرآن: 1/228]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلاً جسداً لّه خوارٌ ألم يروا أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلاً اتّخذوه وكانوا ظالمين}
وقال: {من حليّهم} وقال بعضهم {حليّهم} و{حليهم} {عجلاً جسداً لّه خوارٌ} وقال بعضهم {جوارٌ} وكلٌّ من لغات العرب.
وأمّا قوله: {من حليّهم} بضم الحاء فإنه "فعول" وهي جماعة "الحلي" ومن قال: {حليّهم} في اللغة الأخرى [فـ] لمكان الياء كما قالوا: "قسيّ" و"عصيّ"). [معاني القرآن: 2/17]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({له خوار}: له صوت كما تخور البقرة). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلا اتّخذوه وكانوا ظالمين}
و (من حليّهم) و(من حليّهم)..
- فمن قرأ (من حليهم) فالحلي اسم لمّا يحسّن به من الذهب والفضة.
- ومن قرأ (من حليهم) بضم الحاء - فهو جمع حلي على حليّ مثل حقو وحقيّ، ومن كسر الحاء فقال - من حليّهم - أتبع الحاء كسر اللام.
ومعنى (من بعده) أي من بعد ما جاء الميقات، وخلفه هارون في قومه.
وكان لهم حلي يجمعونه في أيام زينتهم، وكان للقبة حلى عند بني إسرائيل.
فقال لهم السامري، وكان رجلا مطاعا فيهم ذا قدر، وكانوا قد سألوا موسى أن يجعل لهم إلها يعبدونه كما رأوا قوم فرعون يعبدون الأصنام.
فجمع السامري ذلك الحلي، وهو قولهم: (ولكنّا حمّلنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها) أي ألقيناها.
{فكذلك ألقى السّامريّ} أي وكذلك طرح السّامريّ ما كان عنده من الحلي فصاغه في العجل.
فقال اللّه تعالى: {واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدا}.
والجسد هو الذي لا يعقل ولا يميز، إنما معنى الجسد معنى الجثة فقط.
(له خوار): أي له صوت.
وقيل له خوار -بالحاء والجيم- وكلاهما من الصوت، وكان قد عمله.
كما تعمل هذه الآلات التي تصوّت بالخيل، فجعله في بيت وأعلمهم أن إلههم وإله موسى عندي.
ويقال في التفسير إنّه سمع صوته مرة واحدة فقط.
فقال الله عزّ وجلّ: {ألم يروا أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلا} أي لا يبين لهم طريقا إلى حجة). [معاني القرآن: 2/376-378]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار} أي من بعد ما جاء للميقات
{من حليهم} يقال لما حسن من الذهب والفضة حلي والجمع حلي وحلي.
{عجلا جسدا} أي عجلا جثة أي لا يعقل ولا يميز.
- وقيل لم يكن له رأس إنما كان جسدا فقط، له خوار؛ أي صوت.
قال مجاهد: جمع الحلي فأخذ قبضة من أثر فرس جبريل فرماها عليه). [معاني القرآن: 3/80-81]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ((له خوار) أي: صياح). [ياقوتة الصراط: 230]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خُوَارٌ}: صوت). [العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولمّا سقط في أيديهم...}
من الندامة. ويقال: أسقط لغة. و(سقط في أيديهم) أكثر وأجود. {قالوا لئن لّم يرحمنا ربّنا} نصب بالدعاء (لئن لم ترحمنا ربنا) ويقرأ (لئن لم يرحمنا ربّنا) والنصب أحبّ إليّ؛ لأنها في مصحف عبد الله (قالوا ربّنا لئن لم ترحمنا) ). [معاني القرآن: 1/393]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولّما سقط في أيديهم} يقال لكل من ندم وعجز عن شئ ونحو ذلك: سقط في يد فلان). [مجاز القرآن: 1/228]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولمّا سقط في أيديهم ورأوا أنّهم قد ضلّوا قالوا لئن لّم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا لنكوننّ من الخاسرين}
وقال: {ولمّا سقط في أيديهم} وقال بعضهم {سقط} وكل جائز والعرب تقول: "سقط في يديه" و{أسقط في أيديهم}). [معاني القرآن: 2/17]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ولما سقط في أيديهم}: ندموا). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولمّا سقط في أيديهم} أي ندموا. يقال: سقط في يد فلان: إذا ندم). [تفسير غريب القرآن: 172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولمّا سقط في أيديهم ورأوا أنّهم قد ضلّوا قالوا لئن لم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا لنكوننّ من الخاسرين}
يقال للرجل النادم على ما فعل الخسر على ما فرط منه، قد سقط في يده وأسقط، وقد رويت سقط في القراءة، فالمعنى: ولما سقط الندم في أيديهم، كما تقول للذي يحصل على شيء - وإن كان مما لا يكون في اليد - قد حصل في يده من هذا مكروه، تشبّه ما يحصل في القلب وفي النفس بما يرى بالعين). [معاني القرآن: 2/378]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا}
يقال للنادم المتحير سقط في يديه وأسقط.
و يقرأ (ولما سَقَطَ في أيديهم): أي ولما سقط الندم في أيديهم). [معاني القرآن: 3/81-82]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ((ولما سقط في أيديهم) أي: ندموا عندما فعلوا.
قال أبو عبد الله: ومنه قوله تعالى: (لم يروا أنه لا يكلمهم) أي: عاب العجل بذلك، وهذا دليل على أن الله يتكلم، ولم يزل متكلماً، لأنه لا يكون هو بصفة ما عاب). [ياقوتة الصراط: 231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (و{سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} ندموا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ}: ندموا). [العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أعجلتم أمر ربّكم...}
تقول: عجلت الشيء: سبقته، وأعجلته استحثثته.
وقوله: {وألقى الألواح} ذكر أنهما كانا لوحين. وجاز أن يقال الألواح للاثنين كما قال {فإن كان له إخوةٌ} وهما أخوان وكما قال {إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما} وهما قلبان.
وقوله تبارك وتعالى: {قال ابن أمّ} يقرأ (ابن أمّ، وأمّ) بالنصب والخفض، وذلك أنه كثر في الكلام فحذفت العرب منه الياء. ولا يكادون يحذفون الياء إلا من الاسم المنادى يضيف المنادي إلى نفسه، إلاّ قولهم: يا بن عمّ يا بن أمّ. وذلك أنه يكثرا استعمالهما في كلامهم. فإذا جاء مالا يستعمل أثبتوا الياء فقالوا: يا بن أبى، ويا ابن أخي، ويا بن خالتي، فأثبتوا الياء. ولذلك قالوا: يا بن أمّ، ويا بن عمّ فنصبوا كما تنصب المفرد في بعض الحالات، فيقال: حسرتا، ويا ويلتا، فكأنهم قالوا: يا أمّاه، ويا عمّاه. ولم يقولوا ذلك في أخ، ولو قيل كان صوابا. وكان هارون أخاه لأبيه وأمّه. وإنما قال له (يا ابن أم) ليستعطفه عليه.
وقوله: {فلا تشمت بي الأعداء} من أشمت...
- حدّثنا سفيان بن عيينة عن رجل - أظنه الأعرج - عن مجاهد أنه قرأ (فلا تشمت بي) ولم يسمعها من العرب، فقال الكسائيّ: ما أدري لعلهم أرادوا (فلا تشمت بي الأعداء) فإن تكن صحيحة فلها نظائر، العرب تقول فرغت: وفرغت.
فمن قال فرغت قال: أنا أفرغ، ومن قال فرغت قال أنا أفرغ، وركنت وركنت وشملهم شر، وشملهم، في كثير من الكلام.
و(الأعداء) رفع لأن الفعل لهم، لمن قال: تشمت أو تشمت). [معاني القرآن: 1/393-394]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({غضبان أسفاً} من شدة، يقال: أسف وعند وأضم، ومن شدّة الغضب يتأسف عليه أي يتغيظ). [مجاز القرآن: 1/228]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولمّا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربّكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه قال ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظّالمين}
وقال: {ابن أمّ إنّ القوم}. وذلك - والله أعلم - أنه جعله اسما واحدا مثل قولهم "ابن عمّ أقبل" وهذا لا يقاس عليه وقال بعضهم {يا ابن أمي لا تأخذ} وهو القياس ولكن الكتاب ليست فيه ياء فلذلك كره هذا.
وقال الشاعر:
يا ابن أميّ ولو شهدتك إذ تد = عو تميماً وأنت غير مجاب
وقال بعضهم {يا ابن أمّ}، فجعله على لغة الذين يقولون هذا غلام قد جاء "أو جعله اسما واحدا آخره مكسور" مثل "خازباز".
وقال: {وكادوا يقتلونني} فثبتت فيه نونان واحدة للفعل والأخرى للاسم المضمر وإنما ثبتت في الفعل لأنه رفع، ورفع الفعل إذا كان للجميع والاثنين بثبات النون إلا أن نون الجميع مفتوحة ونون الاثنين مكسورة، وقد قال: {أتعدانني أن أخرج} وقد يجوز في هذا الإدغام والإخفاء). [معاني القرآن: 2/17-18]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({غضبان آسفا}: الأسف أشد الغضب). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أسفاً} شديد الغضب. يقال: آسفني فأسفت. أي: أغضبني فغضبت. ومنه قوله: {فلمّا آسفونا انتقمنا منهم}). [تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه جمع يراد به واحد واثنان:
كقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: واحد واثنان فما فوق.
وقال قتادة في قوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ}-: كان رجل من القوم لا يمالئهم على أقاويلهم في النبي صلّى الله عليه وسلم، ويسير مجانبا لهم، فسماه الله طائفة وهو واحد.
وكان «قتادة» يقول في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ}: هو رجل واحد ناداه: يا محمد، إنّ مدحي زين، وإنّ شتمي شين.
فخرج إليه النبي، صلّى الله عليه وسلم، فقال: «ويلك، ذاك الله جل وعز»، ونزلت الآية.
وقوله سبحانه: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}، أي أخوان فصاعدا.
قوله سبحانه: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ}، جاء في التفسير: أنهما لوحان). [تأويل مشكل القرآن: 282-283](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولمّا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربّكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه قال ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظّالمين}
(غضبان) منصوب على الحال، وهو على مثال فعلان، وله فعلى نحو غضبى - لم ينصرف، لأن فيه الألف والنون، كألفي حمراء، والأسف:
الشديد الغضب، قال الله جلّ وعزّ: (فلما آسفونا انتقمنا منهم)، أي فلما أغضبونا.
وقوله: {أعجلتم أمر ربّكم}
يقال عجلت الأمر والشيء سبقته، وأعجلته استحثثته.
(قال ابن أمّ). بالفتح وإن شئت ابن أمّ بالكسر، فمن قال ابن أمّ بالفتح فإنه إنما فتحوا في ابن أمّ وابن عم لكثرة استعمالهم هذا الاسم.
وأن النداء كلام محتمل للحذف فجعلوا " ابن " و " أمّ " شيئا واحدا نحو خمسة عشر.
ومن قال ابن أمّ - بالكسر - فإنه أضافه إلى نفسه بعد أن جعله اسما واحدا، ومن العرب من يقول: يا ابن أمّي بإثبات الياء.
قال الشاعر:
يا ابن أمي ويا شقيق نفسي = أنت خليتني لدهر شديد). [معاني القرآن: 2/378-379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا}
الأسف الشديد الغضب المغيظ ويكون الحزين
ومعنى {أعجلتم أمر ربكم} أسبقتم ولم تنتظروا أمره ونهيه
ثم قال جل وعز: {وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه}
قال مجاهد: كانت من زمردة خضراء.
قال مجاهد في قوله: {ولا تجعلني مع القوم الظالمين}يعني الذين عبدوا العجل). [معاني القرآن: 3/82-83]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ((غضبان أسفا) أي: ممتلئ غيظاً). [ياقوتة الصراط: 232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((الأَسِف): أشد الغضب). [العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قال رب اغفر لي ولأخي}
أي: اغفر الغضب الذي ألقيت من أجله الألواح، واغفر لأخي ما كان من مساهلته في بني إسرائيل؛ إذ كان ذلك من خشية غضب موسى حين قال: (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي)
وقيل: إنما استغفر لذنوب كانت قبل هذا الوقت؛ لأن غضبه أيضا كان لله جل وعز، وهارون عليه السلام إنما أخر بني إسرائيل لئلا يتفرقوا ويتحاربوا.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لم يبق من الألواح إلا سدسها). [معاني القرآن: 3/83]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّ الّذين اتّخذوا العجل سينالهم غضب من ربّهم وذلّة في الحياة الدّنيا وكذلك نجزي المفترين}
المعنى: اتخذوا العجل إلها.
وقوله: {وذلّة في الحياة الدّنيا} لحقتهم الذلة أنهم رأوا أنهم قد ضلوا وذلّوا، والذلّة هو ما أمروا به من قتل أنفسهم، وقيل إن الذلّة أخذ الجزية، وأخذ الجزية لم يقع في الذين عبدوا العجل، لأن الله جلّ وعزّ تاب عليهم بقتلهم أنفسهم). [معاني القرآن: 2/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم}
المعنى: إن الذين اتخذوا العجل (إلها) حذف لعلم السامع.
وقيل معنى {وذلة في الحياة الدنيا} إنها الجزية.
وقيل هو ما أمروا به من أن يقتل بعضهم بعضا، وما رأوه من ضلالهم. قال الله جل وعز: ورأوا أنهم قد ضلوا.
قال أبو جعفر: وهذا القول أصح من الأول؛ لأن الجزية لم تؤخذ منهم، وإنما أخذت من ذريتهم). [معاني القرآن: 3/84]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (قال أبو عبد الله: وقوله جل وعز {وكذلك نجزي المفترين}
قال يعني: أهل البدع). [ياقوتة الصراط: 232]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولّما سكت عن موسى الغضب} أي سكن لأن كل كافٍ عن شيء فقد سكت عنه أي كف عنه وسكن، ومنه: سكت فلم ينطق). [مجاز القرآن: 1/229]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولماّ سكت عن مّوسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدًى ورحمةٌ لّلّذين هم لربّهم يرهبون}
وقال: {ولماّ سكت عن مّوسى الغضب} وقال بعضهم {سكن} إلاّ أنّها ليست على الكتاب فتقرأ {سكت} وكلٌّ من كلام العرب.
وقال: {لّلّذين هم لربّهم يرهبون}، كما قال: {إن كنتم للرّؤيا تعبرون} أوصل الفعل باللام.
وقال بعضهم {من أجل ربّهم يرهبون}). [معاني القرآن: 2/18]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ولما سكت عن موسى الغضب}: سكن). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولمّا سكت عن موسى الغضب} أي سكن.
{وفي نسختها} أي فيما نسخ منها). [تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(اللام) قد تزاد، كقوله سبحانه: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}). [تأويل مشكل القرآن: 250]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولمّا سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للّذين هم لربّهم يرهبون}
يقال: سكت يسكت سكتا؛ إذا هو سكن، وسكت يسكت سكوتا وسكتا؛ إذا قطع الكلام، ويقال: رجل سكّيت بيّن السّكوت والساكوتة إذا كان كثير السكوت، وأصاب فلانا سكّات إذا أصابه داء منعه من الكلام، والسّكيت - بالتخفيف والتشديد - الذي يجيء آخر الخيل.
وروى بعضهم: "ولما سكت عن موسى الغضب" ولا تقرأن به لأنه خلاف المصحف.
قول بعضهم: {ولمّا سكت عن موسى الغضب} معناه: ولمّا سكت موسى عن الغضب، على القلب، كما قالوا: أدخلت القلنسوّة في رأسي.
المعنى أدخلت رأسي في القلنسوة.
والقول الذي معناه (سكن) قول أهل العربية). [معاني القرآن: 2/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولما سكت عن موسى الغضب} معناه سكن
قال أبو إسحاق: يقال سكت يسكت سكتا؛ إذا سكن. وسكت يسكت سكوتا وسكتا؛ إذا قطع الكلام.
ومعنى {وفي نسختها} وفيما نسخ منها أي فيها هدى ورحمة.
قال ابن كيسان: {وفي نسختها} فيه قولان:
أحدهما: أنها جددت له في لوحين.
وقيل فيما انـتسخ منها، وكانت قد تكسرت فذهب أكثرها، وانتسخ ما قدر عليه منها، وفي تلك النسخة {هدى} أي بيان {ورحمة} أي ما يدل على ما يوجب الرحمة ولهذا قال {هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون}
- يجوز أن يكون معنى اللام معنى من أجل كما تقول أنا أكرم فلانا لك.
- ويجوز أن يكون المعنى رهبتهم لربهم). [معاني القرآن: 3/85-86]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({ولما سكت عن موسى الغضب} أي: سكن). [ياقوتة الصراط: 232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَلَمَّا سَكَتَ} أي سكن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَكَتَ}: سكن). [العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً...}
وجاء التفسير: اختار منهم سبعين رجلا. وإنما استجيز وقوع الفعل عليهم إذ طرحت (من) لأنه مأخوذ من قولك: هؤلاء خير القوم، وخير من القوم. فلما جازت الإضافة مكان (من) ولم يتغير المعنى استجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلا، واخترت منكم رجلا.
وقد قال الشاعر:
فقلت له اخترها قلوصا سمينة = وناباً علينا مثل نابك في الحيا
فقام إليها حبتر بسلاحه = فللّه عينا حبترٍ أيّما فتى
وقال الراجز:
* تحت الذي اختار له الله الشجو *
وقوله: {أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا} وذلك أن الله تبارك وتعالى أرسل على الذين معه - وهم سبعون - الرجفة، فاحترقوا، فظنّ موسى أنهم أهلكوا باتخاذ أصحابهم العجل، فقال: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا، وإنما أهلكوا بمسألتهم موسى (أرنا الله جهرة).
وقوله: {ثم اتخذوا العجل} ليس بمردود على قوله: {فأخذتهم الصاعقة} ثم اتخذوا؛ هذا مردود على فعلهم الأوّل. وفيه وجه آخر: أن تجعل (ثم) خبرا مستأنفا. وقد تستأنف العرب بثم والفعل الذي بعدها قد مضى قبل الفعل الأوّل؛ من ذلك أن تقول للرجل: قد أعطيتك ألفا ثم أعطيتك قبل ذلك مالا؛ فتكون (ثم) عطفا على خبر المخبر؛ كأنه قال: أخبرك أني زرتك اليوم، ثم أخبرك أني زرتك أمس.
وأمّا قول الله عزّ وجلّ: {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ ثم جعل منها زوجها} فإن فيه هذا الوجه؛ لئلا يقول القائل: كيف قال: خلقكم ثم جعل منها زوجها والزوج مخلوق قبل الولد؟ فهذا الوجه المفسّر يدخل فيه هذا المعنى. وإن شئت جعلت (ثم) مردودة على الواحدة؛ أراد - والله أعلم - خلقكم من نفس وحدها ثم جعل منها زوجها، فيكون (ثم) بعد خلقه آدم وحده. فهذا ما في ثم. وخلقة ثمّ أن يكون آخر. وكذلك الفاء. فأمّا الواو فإنك إن شئت جعلت الآخر هو الأوّل والأوّل الآخر. فإذا قلت: زرت عبد الله وزيدا، فأيهما شئت كان هو المبتدأ بالزيارة، وإذا قلت: زرت عبد الله ثم زيدا، أو زرت عبد الله فزيدا كان الأوّل قبل الآخر، إلا أن تريد بالآخر أن يكون مردودا على خبر المخبر فتجعله أوّلا). [معاني القرآن: 1/395-396]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({واختار موسى قومه سبعين رجلاً} مجازه: اختار موسى من قومه.
ولكن بعض العرب يجتازون فيحذفون من، قال العجاج:
تحت التي اختار له الله الشّجر
أي تحت الشجرة التي اختار له الله من الشجر). [مجاز القرآن: 1/229]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({واختار موسى قومه سبعين رجلاً لّميقاتنا فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم مّن قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلاّ فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين}
وقال: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} أي: اختار من قومه، فلما نزع "من" عمل الفعل. وقال الشاعر:
منا الذي اختير الرجال سماحةً = وجوداً إذا هبّ الرّياح الزعازع
وقال آخر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به = فقد تركتك ذا مالٍ وذا نشب
وقال النابعة:
نبّئت زرعة والسفاهة كاسمها = يهدي إليّ أوابد الأشعار). [معاني القرآن: 2/18-19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واختار موسى قومه} أي اختار من قومه. فحذف «من» والعرب تقول: اخترتك القوم. أي اخترتك من القوم). [تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك حذف الصفات...
وقوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}. أي اختار منهم.
وقال العجّاج:
تحت الذي اختار له الله الشّجر
أي اختار له من الشجر). [تأويل مشكل القرآن: 229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلّا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين}
معناه {واختار موسى من قومه} وكان موسى اختار من اثني عشر سبطا من كل سبط ستة رجال، فبلغوا اثنين وسبعين رجلا فخفّف منهم رجلين.
ومعنى اختار قومه، اختار من قومه فحذفت " من " ووصل الفعل فنصب.
يقال اخترت من الرجال زيد واخترت الرجال زيدا.
وأنشدوا:
ومنا الذي اختار الرجال سماحة = وجودا إذا هب الرياح الزعازع
وقوله: {فلمّا أخذتهم الرّجفة} وهي الحركة الشديدة والزلزلة الشديدة.
يقال إنه رجف بهم الجبل فماتوا فقال: {قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي} أي: لو شئت أمتّهم من قبل أن تأتيهم بما أوجب عليهم الرجفة). [معاني القرآن: 2/379-380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا}
أي: ممن لم يعبدوا العجل والمعنى من قومه.
ثم قال جل وعز: {فلما أخذتهم الرجفة}
- قال مجاهد: أميتوا ثم أحيوا.
والرجفة في اللغة: الزلزلة الشديدة. ويروى أنهم زلزلوا حتى ماتوا.
- قال ابن عباس: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا من عبد العجل ولم يرضوا عبادته.
{قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي} أي أمتهم كما قال تعالى: {إن امرؤ هلك}
قال ابن كيسان: أي لو شئت أهلكتهم من قبل لأنهم أذنبوا بأنهم لم ينهوا من عبد العجل، وإياي بذنبي حين قتلت القبطي فقد رحمتنا ولم تهلكنا بذنوبنا نحن أفتهلكنا بذنوب السفهاء الذين عبدوا العجل وأنت متفضل علينا بالعفو قبل هذا.
قال أبو جعفر: حقيقة المعنى لست تهلكنا وألف الاستفهام تدل على هذا المعنى في كثير من المواضع كما تقول ما أنا أفعل مثل هذا أي لست أفعله إن هي إلا فتنتك تضل بها أي بالفتنة من تشاء أن تبتليه فتجعله عاصيا). [معاني القرآن: 3/86-88]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 03:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 156 إلى 170]

(وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) )

تفسير قوله تعالى: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إنّا هدنا إليك) (155) مجازه: إنا تبنا إليك هو من التهويد في السير ترفق به وتعرج وتمكث). [مجاز القرآن: 1/229]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون}
وقال: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} أي: وسعت كل من يدخل فيها لا تعجز عن من دخل فيها، أو يكون يعني الرحمة التي قسمها بين الخلائق يعطف بها بضعهم على بعض حتى عطف البهيمة على ولدها). [معاني القرآن: 2/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (156- {هدنا إليك}: تبنا إليك). [غريب القرآن وتفسيره: 151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (156 - {إنّا هدنا إليك} أي تبنا إليك. ومنه: {ومن الّذين هادوا} [سورة المائدة آية: 41] كأنهم رجعوا عن شيء إلى شيء). [تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ويكون كتب بمعنى جعل، كقوله: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22].
وقوله: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53]. وقال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156]). [تأويل مشكل القرآن: 462-463] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنة وفي الآخرة إنّا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيء فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون (156)
(إنّا هدنا إليك).
معناه تبنا إليك.
(ورحمتي وسعت كلّ شيء).
أي كل ما خلقته فبرحمتي وفضلي يعيش، فمعناه ورحمتي وسعت كل شيء في الدنيا.
وقوله عزّ وجلّ: (فسأكتبها للذين يتقون).
في الآخرة، أي أجازيهم بها في الآخرة). [معاني القرآن: 2/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (140 - وقوله عز وجل: {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك} [آية: 156]
قال مجاهد وأبو العالية وقتادة في قوله تعالى: {إنا هدنا إليك قالوا تبنا}
141 - ثم قال جل وعز: {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء} [آية: 156]
قال الحسن وقتادة وسعت البر والفاجر في الدنيا وهي للتقي خاصة يوم القيامة
142 - وقوله جل وعز: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} [آية: 156]
روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كتبها الله جل وعز لهذه الأمة). [معاني القرآن: 3/88-89]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (156- {هُدْنَا إِلَيْكَ} أي تبنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (156- {هُدْنَـا}: تبنا). [العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (157 - {الّذي يجدونه مكتوباً عندهم} أي يجدون اسمه مكتوبا، أو ذكره.
{ويحرّم عليهم الخبائث} فكل خبيث عند العرب فهو محرّم.
{ويضع عنهم إصرهم} أي الثّقل الذي كان بنو إسرائيل ألزموه.
وكذلك {الأغلال} هي الفرائض المانعة لهم من أشياء رخّص فيها لأمة محمد صلّى اللّه عليه وعلى آله.
{عزّروه}: عظّموه.
(الأسباط): القبائل. واحدها سبط).[تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]. الإصر: الثُّقْلُ الذي ألزمه الله بني إسرائيل في فرائضهم وأحكامهم، ووضعه عن المسلمين، ولذلك قيل للعهد: إِصْر.
قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] أي عهدي، لأن العهد ثقل ومنع من الأمر الذي أخذ له.
والأغلال: تحريم الله عليهم كثيرا مما أطلقه لأمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، وجعله أغلالا لأن التحريم يمنع كما يقبض الغلّ اليد، فاستعير.
قال أبو ذؤيب:
فليس كعهد الدّار يا أمّ مالك = ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل = سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
يقول: ليس الأمر كعهدك إذ كنا في الدّار ونحن نتبَسَّط في كل شيء ولا نتوقَّى، ولكن أسلمنا فصرنا من موانع الإسلام في مثل الأغلال المحيطة بالرِّقاب القابضة للأيدي). [تأويل مشكل القرآن: 148-149] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: (الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157)
الأمّيّ: هو على خلقة الأمّة، لم يتعلم الكتاب فهو على جبلّته.
وقوله: (الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل).
وهذا أبلغ في الاحتجاج عليهم لأنه إخبار بما في كتبهم.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يكتب ولا قرأ التوراة والإنجيل، ولا عاشر أهلهما فإتيانه بما فيهما من آيات الله العظام.
ومحال أن يجيء مدّع إلى قوم فيقول لهم ذكري في كتابكم، وليس ذلك فيه. وذكره قد أنبأ من آمن من أهل الكتاب به.
وقوله: (يأمرهم بالمعروف).
يجوز أن يكون (يأمرهم) مستأنفا.
وقوله: (ويحلّ لهم الطّيّبات).
أي يحل لهم ما حرّم عليهم من طيبات الطّعام.
ويجوز (ويحلّ لهم الطّيّبات) أي ما أخذ من وجهه طيّبا.
(ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم).
والإصر ما عقدته من عقد ثقيل.
(والأغلال الّتي كانت عليهم)
والأغلال تمثيل، ألا ترى أنك تقول: جعلت هذا طوقا في عنقك.
وليس هناك طوق، وإنما تأويله أني قد ولّيتك هذا وألزمتك القيام به، فجعلت لزومه لك كالطوق في عنقك.
والأغلال التي كانت عليهم: - كان عليهم أنه من قتل قتل، لا يقبل في ذلك دية، وكان عليهم إذا أصاب جلودهم شيء من البول أن يقرضوه، وكان عليهم ألا يعملوا في السبت. فهذه الأغلال التي كانت عليهم.
وقوله: (فالّذين آمنوا به).
أي بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
(وعزّروه ونصروه).
اختلف أهل اللغة في معنى قوله: (وعزّروه) وقوله: عزرت فلانا أعزره وأعزره عزرا، قال بعضهم: معنى عزرته رددته، وقال بعضهم معنى عزرته أغثته، وقال بعضهم: يقال عزرت الرجل أعزره إذا لمته، ويقال عزّرت فلانا، قال بعضهم عزّرت فلانا نصرته، وقال بعضهم منعت منه.
فالمعنى: (فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه) معنى عزّروه منعوا أعداءه من الكفر به.
وقال بعضهم: عزّروه بمعنى نصروه، والمعنى قريب لأن منع الأعداء منه نصرته.
ومعنى عزّرت فلانا إذا ضربته ضربا دون الحدّ، يمنعه بضربه إياه عن معاودة مثل عمله.
وقوله: عزّرته رددته يجوز أن يكون منه التعزيز، أي فعلت به ما يردّه عن المعصية.
وقوله: (واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه).
أي واتبعوا الحقّ الذي بيانه في القلوب كبيان النور في العيون). [معاني القرآن: 2/381-382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (143 - وقوله جل وعز: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي} [آية: 157]
الأمي الذي لا يكتب
وقيل نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم القرى وهي مكة
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فكان هذا من براهينه صلى الله عليه وسلم لأنه خبرهم بما في كتابهم
فيجوز أن يكون يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر بما هو مكتوب عندهم
ويجوز أن يكون مستأنفا
ويحل لهم الطيبات
يجوز أن يكون الحلال
ويجوز أن يكون ما حرم عليهم من الطعام
{ويحرم عليهم الخبائث} العرب تقول لكل حرام خبيث
{ويضع عنهم إصرهم}
قال سعيد بن جبير الإصر شدة العبادة
وروي عن مجاهد فيه قولان:
روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال كانوا قد شدد عليهم في أشياء فمن أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم خفف عنه
وروى موسى بن قيس عنه أنه قال هي عهود كانت عليهم
والقولان متقاربان أي ما يثقل عليهم
وكذلك الأغلال التي كانت عليهم إنما هو تمثيل أي أشياء قد كلفوها وضمنوها فهي بمنزلة الأغلال
ويروى أن أحدهم كان إذا أصاب جلده بول وجب عليه أن يقطعه وإذا قتل رجل رجلا لم يكن بد من قتله ولا تؤخذ منه دية
144 - ثم قال جل وعز: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه} [آية: 157] وقيل معنى وعزروه وعظموه
وقيل ومنعوا منه أعداء والمعاني متقاربة
واتبعوا النور الذي أنزل معه بمنزلة النور في البيان). [معاني القرآن: 3/89-91]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (ويضع عنهم إصرهم) اْْلإصر: الثقل في كل شيء من الكلام والفعال والدين). [ياقوتة الصراط: 232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (157- {الْخَبَائِثَ} المحرمات.
{إِصْرَهُمْ} الثقل الذي ألزموه أنفسهم.
{عَزَّرُوهُ} عظموه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال: {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته} [آية: 158]
قال مجاهد معنى يؤمن بالله وكلمته يؤمن بالله وبعيسى
وقال غيره الكلمة والكلام ههنا واحد). [معاني القرآن: 3/91-92]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ومن قوم موسى أمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون (159)
أي يدعون الناس إلى الهداية بالحق.
(وبه يعدلون).
أي وبالحق يحكمون). [معاني القرآن: 2/382]

تفسير قوله تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقطّعناهم اثنتي عشرة...}
فقال: اثنتي عشرة والسبط ذكر لأن بعده أمم، فذهب التأنيث إلى الأمم. ولو كان (اثني عشر) لتذكير السبط كان جائزا). [معاني القرآن: 1/397]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أسباطاً) الأسباط (159) قبائل بنى إسرائيل واحدهم سبط يقال: من أي سبط أنت، أي من أي قبيلة وجنس.
قال أبو عبيدة: (فانبجست) (159) أي انفجرت). [مجاز القرآن: 1/230]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (المنّ) شيء يسقط على الشجر.
(والسّلوى) (12) طائر يظنون أنه السّمّاني، والسماني أيضاً مخفف، وله موضع آخر لكل شيء سلا عن غيره، ومنه السلوان قال:
لو أشرب السّلوان ما سليت
وعلى التخفيف: (سماني لبادي)، تقول الصبيان إذا نصبوا له يستدرجونه: سماني لبادي أي يلبد بالأرض أي لا يبرح). [مجاز القرآن: 1/229-230]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بّعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كلّ أناسٍ مّشربهم وظلّلنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المنّ والسّلوى كلوا من طيّبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
وقال: {اثنتي عشرة أسباطاً} أراد اثنتي عشرة فرقة ثم أخبر أن الفرق أسباط ولم يجعل العدد على الأسباط). [معاني القرآن: 2/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (160- {الأسباط}: القبائل وكل سبط قبيلة.
160- (انبجست): انفجرت يقال للرجل يستخرج العين قد بجسها). [غريب القرآن وتفسيره: 151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (160 - {فانبجست} أي انفجرت. يقال: انبجس الماء، كما يقال: تفجر). [تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كلّ أناس مشربهم وظلّلنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المنّ والسّلوى كلوا من طيّبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (160)
(وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطا)
ويجوز عشرة- بكسر الشين - المعنى قطعناهم اثنتي عشرة فرقة أسباطا
من نعت " فرقة " كأنه قال: جعلناهم أسباطا وفرقناهم أسباطا فيكون أسباطا بدلا من اثنتي عشرة. وهو الوجه.
وقوله: (أمما) من نعت (أسباطا).
قال بعضهم: " السّبط القرن الذي يجئ بعد قرن، والصحيح أن الأسباط في ولده إسحاق بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل " فولد كل من ولد من أولاد يعقوب سبط وولد كل من ولده من ولد إسماعيل قبيلة.
وإنما سمّي هؤلاء بالأسباط، وهؤلاء بالقبائل، ليفصل بين ولد إسماعيل وولد إسحاق.
ومعنى القبيلة من ولد إسماعيل معنى الجماعة يقال لكل جماعة من ولد قبيلة وكذلك يقال لكل جمع على شيء واحد:
قبيل، قال اللّه جلّ وعزّ: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم).
فأما الأسباط فهو مشتق من السّبط، والسّبط ضرب من الشجر تعلفة الإبل، ويقال للشجرة لها قبائل.
فكذلك الأسباط من السّبط. كأنه جعل إسحاق بمنزلة شجرة، وجعل إسماعيل بمنزلة شجرة.
وكذلك يفعل النسابون في النسب يجعلون الوالد بمنزلة الشّجرة ويجعلون الأولاد بمنزلة أغصانها، ويقال: طوبى لطرح فلان، وفلان من شجرة صالحة - فهذا - واللّه أعلم - معنى الأسباط والسّبط). [معاني القرآن: 2/382-383]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (145 - وقوله جل وعز: {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما} [آية: 160]
الأسباط الفرق والواحد سبط والأسباط في ولد إسحاق صلى الله عليه وسلم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل
والأسباط مأخوذ من السبط وهو شجر تعلفه الإبل
ومعنى فانبجست فانفجرت). [معاني القرآن: 3/92]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (160- {فَانْبَجَسَتْ} أي انفجرت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (160- (انبَجَسَتْ): انفجرت
160- {الأَسْبَاط}: القبائل).[العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) )

تفسير قوله تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) )

تفسير قوله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت...}
والعرب تقول: يسبتون ويسبتون وسبت وأسبت. ومعنى اسبتوا: دخلوا في السبت، ومعنى يسبتون: يفعلون سبتهم. ومثله في الكلام: قد أجمعنا، أي مرّت بنا جمعة، وجمّعنا: شهدنا الجمعة. قال وقال لي بعض العرب: أترانا أشهرنا مذ لم نلتق؟ أراد: مرّ بنا شهر.
{ويوم لا يسبتون} منصوب بقوله: {لا تأتيهم}). [معاني القرآن: 1/398]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إذ يعدون في السّبت) (162) إذ يتعدّون فيه عما أمروا به ويتجاوزونه (شرّعاً) (162) أي شوارع). [مجاز القرآن: 1/230]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (163- {يعدون في السبت}: يتعدون في السبت ويجوزون الحد). [غريب القرآن وتفسيره: 151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (163 - {إذ يعدون في السّبت} أي يتعدّون الحق. يقال: عدوت على فلان، إذا ظلمته.
{شرّعاً} أي شوارع في الماء. وهو جمع شارع). [تفسير غريب القرآن: 174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ ثناؤه: (واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون (163)
السؤال على ضربين، فأحد الضربين أن قال لتستخبر عما لا تعلم لتعلم، والضرب الثاني أن تسأل مستخبرا على وجه التقرير، فتقول للرجل أنا فعلت كذا؛ وأنت تعلم أنك لم تفعل، فإنما تسأله لتقرره وتوبخه.
فمعنى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل أهل الكتاب عن أهل هذه القرية - وقد أخبر الله جلّ ثناؤه بقصتها ليقررهم بقديم كفرهم، وأن يعلمهم ما لا يعلم إلّا بكتاب أو وحى.
(إذ يعدون في السّبت).
أي إذ يظلمون في السبت، يقال أعدا، فلان يعدو عدوانا، وعداء وعدوا، وعدوّا - إذا ظلم.
وقوله: (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم).
حيتان - جمع حوت، وأكثر ما تسمي العرب السمك الحيتان والنينان.
(إذ يعدون في السّبت)
موضع " إذ " نصب، المعنى سلهم عن عدوهم في السبت، أي سلهم عن وقت ذلك.
(إذ تأتيهم).
في موضع نصب أيضا ب (يعدون).
المعنى سلهم إذ عدوا في وقت الإتيان.
(شرّعا).
أي ظاهرة، وكانت الحيتان تأتي ظاهرة فكانوا يحتالون بحبسها في يوم السبت ثم يأخذونها في يوم الأحد ويقال إنهم جاهروا بأخذها في يوم السبت.
وقوله: (كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون).
أي مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم.
وموضع الكاف نصب بقوله: (نبلوهم بما كانوا يفسقون).
أي شددت عليهم المحنة بفسقهم. ويحتمل - على بعد - أن يكون: ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك أي لا تأتيهم شرعا، ويكون نبلوهم مستأنفة، وذلك القول الأول قول الناس وهو الجيّد). [معاني القرآن: 2/383-385]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (146 - وقوله جل وعز: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} [آية: 163]
أمره أن يسألهم سؤال توبيخ ليقررهم بما يعرفونه من عصيان آبائهم ويخبرهم بما لا يعرف إلا من كتاب أو وحي
حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن إدريس قال نا يونس قال أخبرنا ابن وهب وكذا أخبرني حيوة عن عقيل عن ابن شهاب قال القرية التي كانت حاضرة البحر طبرية والقرية التي قال فيها واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إنطاكية
وعن ابن عباس التي كانت حاضرة البحر أيلة
ومعنى يعدون يعتدون ويجاوزون الحق
والشرع الظاهرة
وقرأ الحسن يسبتون أي يدخلون في السبت
مثل أهللنا ومن فتح الباء قال معناه يعظمون السبت
كما كانوا يعظمونه هذا قول الكلبي وأبي عبيدة
قال مجاهد كانت الحيتان تأتيهم يوم السبت من غير أن يطلبوها ابتلاء من الله جل وعز لهم أي اختبارا). [معاني القرآن: 3/92-94]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (163- {يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} أي يتعدون.
{شُرَّعاً} أي شوارع، ظاهرة في الماء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (163- {يَعْدُونَ}: يتعدون).[العمدة في غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قالوا معذرةً...}
إعذارا فعلنا ذلك. وأكثر كلام العرب أن ينصبوا المعذرة. وقد آثرت القراء رفعها. ونصبها جائز. فمن رفع قال: هي معذرة كما قال: {إلا ساعة من نهارٍ بلاغ}). [معاني القرآن: 1/398]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (وإذ قالت أمّة منهم لم تعظون قوما اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون (164)
الأصل لما، ولكن الألف تحذف مع حروف الجر نحو لم وعم وبم.
قال الله تعالى: (فبم تبشّرون)، (عم يتساءلون).
ومعنى الآية أنهم لاموهم في عظة قوم يعلمون أنهم غير مقلعين.
هذا الأغلب عليهم في العلم بهم.
(اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابا شديدا).
ومعنى (أو) - واللّه أعلم - أنهم أخبروهم - على قدر ما رأوا من أعمالهم - أنهم مهلكون في الدنيا أو معذبون في الآخرة لا محالة.
وقوله: (قالوا معذرة إلى ربّكم).
المعنى قالوا موعظتنا إياهم معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.
فالمعنى أنهم قالوا: الأمر بالمعروف واجب علينا، فعلينا موعظة هؤلاء لعلهم يتقون، أي وجائز عندنا أن ينتفعوا بالمعذرة ويجوز النصب في " معذرة " فيكون المعنى في قوله: (قالوا معذرة إلى ربّكم) على معنى يعتذرون معذرة). [معاني القرآن: 2/385]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (147 - وقوله جل وعز: {وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا} [آية: 164]
معنى أو ههنا لأحد الأمرين أي قد ظهر منهم ما سيلحقهم من أجله أحد هذين
قالوا معذرة إلى ربكم أي موعظتنا معذرة أي إنما يجب علينا أن نأمرهم بالمعروف ولعلهم يرجعون بموعظتنا
فلما نسوا ما ذكروا به أي تركوا أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس
قال ابن عباس ما أدري ما فعل بالفرقة التي لم تأمر ولم تنه
وقال غيره نجيت لأنها لم تشارك كالذين عصوا
قال مجاهد بئيس أليم شديد وهذا معروف في اللغة يقال بؤس فهو يبأس إذا اشتد
ومن قرأ بيس ففيه قولان:
قال الكسائي الأصل فيه بئس خففت الهمزة فالتقت ياءان فحذفت إحداهما وكسر أوله كما يقال رغيف وشهيد
وقيل أراد بئس على فعل فكسر أوله وخففت الهمزة وحذفت الكسرة كما يقال رحم ورحم
قال أبو إسحاق بئيس أي شديد وقد بئس إذا افتقر وبؤس إذا اشتد
قال علي بن سليمان بيس رديء وليس بجار على الفعل أنما هو كما يقال ناقة نضو والعرب تقول جاء ببنات بيس أي ببنات شيء رديء
قال أبو جعفر وفيه قراءات سوى هاتين سنذكرها في الإعراب إن شاء الله). [معاني القرآن: 3/94-96]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بعذابٍ بئيسٍ) (164) أي شديد. قال ذو الإصبع العدوانيّ
أان رأيت بني أبي... ك مجمّحين إليك شوسا
حنقاً علىّ وما ترى... لي فيهم أثراً بئيسا).[مجاز القرآن: 1/231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (165- {بعذاب بئيس}: شديد من البأس). [غريب القرآن وتفسيره: 152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (165 - {بعذابٍ بئيسٍ} أي شديد). [تفسير غريب القرآن: 174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: (فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون (165)
(نسوا) يجوز أن يكون في معنى تركوا، ويجوز أن يكون تركهم بمنزلة من نسي.
وقوله: (أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس).
أي شديد، يقال بئس يبؤس بأسا إذا اشتد، وقيل إنّ القوم كانوا ثلاث فرق، فرقة عملت بالسوء، وفرقة نهت عن السوء، وفرقة أمسكت عن النهي.
وقيل كانوا فرقتين، فرقة نهت عن السوء وفرقة عملت بالسوء، وبعض الفرقة التي فيها من نهى عن السوء مؤمن غير راض بما فعل أهل السّوء فدخلوا في النجاة مع الذين ينهون عن السوء، ونزل العذاب بالذين عدوا في السبت). [معاني القرآن: 2/386]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (بعذاب بئيس) أي: شديد). [ياقوتة الصراط: 232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (165- {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي شديد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (165- {بَئِيسٍ}: شديد). [العمدة في غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (قردة خاسئين) (165) أي قاصين مبعدين، يقال: خسأته عنى وخسأ هو عني). [مجاز القرآن: 1/231]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين (166)
العاتي: الشديد الدخول في الفساد، المتمرد الذي لا يقبل موعظة.
وقوله: (قلنا لهم كونوا قردة خاسئين).
جائز أن يكونوا أمروا بأن يكونوا كذلك بقول سمع، فيكون أبلغ في الآية والنازلة بهم، وجائز أن يكون " فقلنا لهم " من قوله:
(إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (82).
ومعنى " خاسئين ": أي مبعدين.
وقال قوم: جائز أن تكون هذه القردة المتولّدة أصلها منهم وقال قوم المسخ لا يبقى ولا يتولد، والجملة أنا أخبرنا بأنهم جعلوا قردة، والقردة هي التي نعرفها.
وهي أكثر شيء في الحيوان شبها بابن آدم، واللّه أعلم كيف كان أمرهم بعد كونهم قردة).[معاني القرآن: 2/386-387]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {من يسومهم سوء العذاب...}
الجزية إلى يوم القيامة).[معاني القرآن: 1/398]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإذ تأذّن ربّك) (166) مجازه: وتأذن ربك، مجازه: أمر وهو من الإذن وأحلّ وحرّم ونهى). [مجاز القرآن: 1/231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (167- {وإذا تأذن ربك}: من الإذن). [غريب القرآن وتفسيره: 152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (167 - {وإذ تأذّن ربّك} أي أعلم. وهو من آذنتك بالأمر.
{من يسومهم سوء العذاب} أي يأخذهم بذلك ويوليهم إيّاه. يقال: سمت فلانا كذا. وسوء العذاب: الجزية التي ألزموها إلى يوم القيامة والذلة، والمسكنة). [تفسير غريب القرآن: 174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإذ تأذّن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفور رحيم (167)
قال بعضهم: تأذّن: تألّى ربك ليبعثن عليهم، وقيل: إن تأذّن أعلم.
والعرب تقول: تعلم أن هذا كذا، في معنى أعلم.
قال زهير:
تعلّم أن شرّ الناس حي... ينادي في شعارهمو يسار
وقال زهير أيضا:
فقلت تعلّم أن للصيد غرة... وإلا تضيعها فإنك قاتله.
وقوله: (ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب).
أي من يوليهم سوء العذاب.
فإن قال قائل قد جعلوا قردة فكيف يبقون إلى يوم القيامة؟
فالمعنى أن الذكر لليهود، فمنهم من مسخ، وجعل منهم القردة والخنازير ومن بقي فمعاند لأمر اللّه، فهم مذلّون بالقتل، إلا أن يعطوا الجزية، فهم مذلّون بها وهم في كل مكان أذلّ أهله.
قال الله عزّ وجلّ: (ضربت عليهم الذّلّة أين ما ثقفوا إلّا بحبل من اللّه وحبل من النّاس).
أي إلا أن يعطوا الذمّة والعهد). [معاني القرآن: 2/387-388]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (148 - وقوله جل وعز: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} [آية: 167]
قال أهل التفسير معناه أعلم ربك
وهذا قول حسن لأنه يقال تعلم بمعنى أعلم وأنشد أبو إسحاق لزهير في مثل هذا:
فقلت تعلم إن للصيد غرة = فإن لا تضيعها فإنك قاتله
وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله جل وعز: {ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} قال يعني أخذ الجزية
فإن قيل فهم قد مسخوا فكيف تؤخذ منهم الجزية
فالجواب إنها تؤخذ من أبنائهم وقد مسخوا ولحق أولادهم الذل فهم أذل قوم وهم اليهود
حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن محمد بن سلامة قال نا عيسى بن إسحاق الأنصاري قال نا يحيى بن عبد الحميد الحماني عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير في قول الله تعالى: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة} قال العرب من يسومهم سوء العذاب قال الخراج
وقيل عليهم على اليهود بين أنه كان أخبر بذلك). [معاني القرآن: 3/96-97]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (167- {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} أي أعلم.
{مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} أي يأخذهم بذلك، ويوليهم إياه. و(سوء العذاب) الجزية التي أُلزموها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]

تفسير قوله تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وقطّعناهم في الأرض أمماً) (167) أي فرّقناهم فرقاً). [مجاز القرآن: 1/231]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقطّعناهم في الأرض أمماً مّنهم الصّالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون}
وقال: {مّنهم الصّالحون ومنهم دون ذالك} لا نعلم أحدا يقرؤها إلاّ نصبا). [معاني القرآن: 2/20]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (168 - {وقطّعناهم في الأرض} أي فرقناهم.
{وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات} أي اختبرناهم بالخير والشر، والخصب والجدب). [تفسير غريب القرآن: 174]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ} [الأعراف: 168]، أي اختبرناهم).[تأويل مشكل القرآن: 469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (149 - ثم قال جل وعز: {وقطعناهم في الأرض أمما} [آية: 168]
أي فرقناهم فرقا
150 - وقوله جل وعز: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} [آية: 168] أي واختبرناهم بالشدة والرخاء والخصب والجدب). [معاني القرآن: 3/97-98]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (168- {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ} أي اختبرناهم بالخير والشر، والخصب والجذب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فخلف من بعدهم خلفٌ ورثوا الكتاب...}
و{خلف أضاعوا الصلاة} أي قرن، بجزم اللام، والخلف: ما استخلفته، تقول: أعطاك الله خلفا مما ذهب لك، وأنت خلف سوء، سمعته من العرب). [معاني القرآن: 1/399]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فخلف من بعدهم خلفٌ) (168) ساكن ثاني الحروف، وإن شئت حركت الحرف الثاني وهما في المعنى واحد كما قالوا: أثر وأثر، وقوم يجعلونه إذا سكّنوا ثاني حروفه إذا كانوا مشركين، وإذا حركوه جعلوه خلفاً صالحاً.
(عرض هذا الأدنى) (168) أي طمع هذا القريب الذي يعرض لهم في الدنيا.
(ودرسوا ما فيه) (168) مجازه: من دراسة الكتب ويقال: قد درست إمامي أي حفظته وقرأته، يقال: ادرس على فلان أي اقرأ عليه). [مجاز القرآن: 1/232]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فخلف من بعدهم خلفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مّثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم مّيثاق الكتاب أن لاّ يقولوا على اللّه إلاّ الحقّ ودرسوا ما فيه والدّار الآخرة خيرٌ لّلّذين يتّقون أفلا تعقلون}
وقال: {فخلف من بعدهم خلفٌ} إذا قلت "خلف سوءٍ" و"خلف صدقٍ" فهما سواء. و"الخلف" إنما يريد به الذي بعد ما مضى خلفاً كان منه أو لم يكن خلفاً إنّما يكون يعني به القرن الذي يكون بعد القرن و"الخلف" الذي هو بدل مما كان قبله قد قام مقامه وأغنى غناه. تقول: "أصبت منك خلفا".
وقال: {يأخذون عرض هذا الأدنى} فأضاف "العرض" إلى "هذا" وفسر "هذا" بـ"الأدنى" وكل شيء فهو عرضٌ سوى الدراهم والدنانير فإنها عينٌ. وما كان غير ذلك فهو عرضٌ وأما "العرض" فهو كل شيء عرض لك تقول: "قد عرض له بعدي عرضٌ" أي: "أصابته بليّةٌ وشرّ" وتقول: "هذا عرضةٌ للشرّ" و"عرضةٌ للخير" كلّ هذا تقوله العرب. وقال: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} وتقول: "أعرض لك الخير" و"عرض لك الخير" وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع عشر بعد المائتين]:
أعرفنّك معرضاً لرماحنا = في جفّ تغلب وارد الإمرار
و"العارض" من السحاب: ما استقبلك وهو قول الله عز وجل: {فلمّا رأوه عارضاً} وأما "الحبيّ": فما كان من كل ناحية وتقول: "خذوه من عرض الناس" أي: مما وليك منهم، وكذلك "اضرب به عرض الحائط" أي: ما وليك منه وأما "العرض" و"الطول" فإنه ساكن. وأما قوله [من الطويل وهو الشاهد الثامن عشر بعد المائتين]:
[لهنّ عليهم عادةٌ قد عرفنها] = إذا عرضوا الخطّيّ فوق الكواثب
وأعرضوا فهذا لأن: عرض عرضاً. و: "عرضت عليه المنزل عرضاً" و"عرض لي أمرٌ عرضاً" هذا مصدره. و"العرض من الخير والشرّ": ما أصبت عرضاً من الدنيا فانتفعت به تعني به الخير. و"عرض لك عرض سوءٍ"). [معاني القرآن: 2/20-21]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (169 - {فخلف من بعدهم خلفٌ} والخلف: الرّدئ من الناس ومن الكلام، يقال: هذا خلف من القول). [تفسير غريب القرآن: 174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلّا الحقّ ودرسوا ما فيه والدّار الآخرة خير للّذين يتّقون أفلا تعقلون (169)
يقال للذي يجئ في أثر قرن خلف.
والخلف ما أخلف عليك بدلا مما أخذ منك، ويقال: في هذا خلف أيضا، فأمّا ما أخلف عليك بدلا مما ذهب منك فهو الخلف بفتح اللام.
وقوله: (ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى).
قيل إنهم كانوا يرتشون على الحكم، ويحكمون بجور، وقيل إنهم كانوا يرتشون ويحكمون بحق، وكل ذلك عرض خسيس.
وقوله: (ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه).
فالفائدة أنهم كانوا يذنبون بأخذهم الرشي، ويقولوا سيغفر لنا من غير أن يتوبوا، لأن قوله: (وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه)
دليل على إصرارهم على الذنب، واللّه جلّ وعزّ وعد بالمغفرة في العظائم التي توجب النار مع التوبة. فقال:
(ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلّا الحقّ ودرسوا ما فيه).
أي فهم ذاكرون لما أخذ عليهم). [معاني القرآن: 2/388]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (151 - وقوله جل وعز: {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب} [آية: 169]
قال مجاهد يعني النصارى
وقال غيره يعني أبنائهم
قال أبو جعفر وهذا أولى القولين والله أعلم لأنه يقال لولد الرجل خلفه يقال للواحد وللاثنين والجمع والمؤنث على لفظ واحد والجمع خلوف
وقيل إنما يستعمل للردئ من الأبناء
فأما الخلف بتحريك اللام فهو البدل من الشيء من ولد أو غيره
152 - ثم قال جل وعز: {يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا} [آية: 169]
قال ابن عباس رحمه الله يستقبلون الدنيا فيأكلونها ويتأولون كتاب الله هذا معنى قوله تعالى: {وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه}
قال مجاهد يأخذون في يومهم ما كان من حلال أو حرام وإن وجدوا ذلك لغد أخذوه
وقال غيره يأخذون الرشى في الحكم ويقولون سيغفر لنا وهم لا يتوبون
ودل على أنهم لا يتوبون قوله تعالى: {وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه}
والعرض في اللغة متاع الدنيا أجمع
والعرض بتسكين الراء ما كان من المال سوى الدنانير والدراهم وما كان من الدنانير والدراهم قيل له نقد وغيره
ومعنى ودرسوا ما فيه أي قد قرأوه وهم قريبو عهد بقراءته). [معاني القرآن: 3/98-100]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (فخلف من بعدهم خلف) الخلف: الردئ من كل شيء). [ياقوتة الصراط: 233]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (169- {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} أي الردئ من الناس). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين يمسّكون بالكتاب...}
ويقرأ (يمسكون بالكتاب) ومعناه: يأخذون بما فيه). [معاني القرآن: 1/399]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (والّذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصّلاة إنّا لا نضيع أجر المصلحين (170)
" الذين " في موضع رفع، وفيها قولان، أعني في (إنّا لا نضيع أجر المصلحين)، قال قوم: إنا لا نضيع أجر المصلحين منهم، وهو الذي نختار؛ لأن كل من كان غير مؤمن وأصلح فأجره ساقط، قال اللّه جلّ وعزّ:
(الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم).
وقال: (وجوه يومئذ خاشعة (2) عاملة ناصبة (3) تصلى نارا حامية (4).
فالمعنى: (والّذين يمسّكون بالكتاب) أي يؤمنون به، ويحكمون بما فيه إنا لا نضيع أجر المصلح منهم والمصلح المقيم على الإيمان المؤدّى فرائضه اعتقادا وعملا، ومثله: (إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا) أي لا نضيع أجر من أحسن منهم عملا.
وقال قوم: المصلحون لفظ يخالف لفظ الأول، ومعناه معنى الأول فعاد الذكر في المعنى وإن لم يكن عائدا في اللفظ، ولا يجيز هؤلاء زيد قام أبو عمرو. لأن أبا عمرو لا يوجبه لفظ زيد.
فإن قال قائل: المؤمن أنا أكرم من اتقى اللّه، جاز، لأن معنى من اتقى اللّه معنى المؤمن، فقد صار بمنزلة قولك زيد ضربته، لأن الذكر إذا تقدّم فالهاء عائدة عليه، لا محالة، وإن كان لفظها غير لفظه، لأن ضمير الغائب لا يكون إلا هاء في النصب). [معاني القرآن: 2/388-389]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (153 - ثم قال تعالى: {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المحسنين} [آية: 170]
معنى يمسكون بالكتاب يتبعون ما فيه ويحكمون به
إنا لا نضيع أجر المحسنين أي من أصلح منهم وآمن ولم يعاند). [معاني القرآن: 3/100]


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 03:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 171 إلى 188]

(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) )

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ نتقنا الجبل...}
رفع الجبل على عسكرهم فرسخا في فرسخ. (نتقنا): رفعنا. ويقال: امرأة منتاق إذا كانت كثيرة الولد). [معاني القرآن: 1/399]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإذ نتقنا الجبل فوقهم) (170) أي رفعنا فوقهم، وقال العجّاج:
ينتق أقتاد الشّليل نتقا
أي يرفعه عن ظهره، وقال رؤبة:
ونتقوا أحلامنا الأثاقلا). [مجاز القرآن: 1/232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (171- {وإذ نتقنا الجبل فوقهم}: زعزعناه وحركناه. قال الشاعر:
ونتقوا أحلامنا الأثاقلا
وقال بعضهم علقناه فوقهم رفعناه. وامرأة منتاق إذا كانت كثيرة الولد. ونتق ما في الجراب إذا نثره). [غريب القرآن وتفسيره: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (171 - {وإذ نتقنا الجبل} أي زعزعناه. ويقال: نتقت السّقاء: إذا نفضته لتقتلع الزبدة منه. وكان نتق الجبل أنّه قطع منه شيء على قدر عسكر موسى فأظل عليهم. وقال لهم موسى: أما أن تقبلوا التوراة إما أن يسقط عليكم). [تفسير غريب القرآن: 174]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (154 - وقوله جل وعز: {وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة} [آية: 171]
يقال نتقت الشيء أنتقه نتقا ونتوقا إذا زعزعته ورميت به أو قطعته منه امرأة ناتق أي كثيرة الولد كأنها ترمي بالأولاد
ويقال نتقت السقاء إذا نقضته لتخرج ما فيه من الزبد
قال قتادة رفع الجبل على رؤوسهم وقال لهم موسى إن قبلتم ما في الكتاب وإلا سقط عليكم
ومعنى بقوة بجد). [معاني القرآن: 3/100-101]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (وإذ نتقنا الجبل) أي: رفعناه). [ياقوتة الصراط: 233]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (171- {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} أي زعزعناه وقلعناه.
وقيل: قطع منه قطعة على قدر عسكر موسى صلى الله عليه وسلم فأظلَ عليهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (171- {نَتَقنا}: علقنا). [العمدة في غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين (172)
موضع (إذ) نصب. المعنى واذكر (إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم).
(من ظهورهم) بدل من قوله: (من بني آدم) المعنى وإذ أخذ ربك ذريتهم وذرياتهم جميعا.
وقوله: (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى).
قال بعضهم: خلق اللّه الناس كالذّر من صلب آدم، وأشهدهم على توحيده، وهذا جائز أن يكون جعل لأمثال الذّر فهما تعقل به أمره.
كما قال:
(قالت نملة يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم)
وكما قال: (وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن).
وكل مولود يولد على الفطرة معناه أنه يولد وفي قلبه توحيد اللّه، حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه.
وقال قوم: معناه أنّ الله جل ثناؤه، أخرج بني آدم بعضهم من ظهور بعض.
ومعنى (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم).
أن كلّ بالغ يعلم أنّ اللّه واحد، لأن كل ما خلق الله تعالى دليل على توحيده، وقالوا لولا ذلك لم تكن على الكافر حجة.
وقالوا فمعنى (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم) دلّهم بخلقه على توحيده). [معاني القرآن: 2/389-390]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (155 - وقوله جل وعز: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} [آية: 172]
أحسن ما قيل في هذا ما تواترت به الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جل وعز مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق
فكأن يفهمهم ما أراد جل وعز كما قال تعالى: {قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم}
وفي الحديث كل مولود يولد على الفطرة
أي على ابتداء أمره حين أخذ عليهم العهد
حدثنا أبو جعفر قال نا عبد الله بن إبراهيم المقرئ البغدادي بالرملة قال نا عباس الدوري قال نا عبد الله بن موسى قال نا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} إلى قوله: {المبطلون} قال جمعهم فجعلهم أزواجا ثم صورهم ثم استنطقهم فقال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا إنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك قال فأرسل إليكم رسلي وأنزل عليكم كتبي فلا تكذبوا رسلي وصدقوا وعيدي وإني سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن بي فأخذ عهدهم وميثاقهم وذكر الحديث
قال أبو جعفر ونذكر حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في معنى هذه الآية في الإعراب وغيره إن شاء الله
156 - ثم قال جل وعز: {قالوا بلى} [آية: 172]
وهذا التمام على قراءة من قرأ أن تقولوا بالتاء
قال أبو حاتم وهي مذهبنا لقوله: {ألست بربكم} يخاطبهم فقال على المخاطبة {أن تقولوا} أي لأن لا تقولوا
وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما (أن يقولوا) بالياء والمعنى على هذه القراءة وأشهدهم على أنفسهم كراهة أن يقولوا). [معاني القرآن: 3/101-103]

تفسير قوله تعالى: (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) )

تفسير قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) )

تفسير قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (175- {فأتبعه الشيطان واتبعه}: لغتان. وكأن اتبعه قفاه واتبعه حذا حذوه. ولا يجوز أن تقول اتبعناك وأنت تريد اتبعناك: لأن معناها اقتدينا بك). [غريب القرآن وتفسيره: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (175 - {فأتبعه الشّيطان} أي أدركه. يقال: أتبعت القوم: إذا لحقتهم، وتبعتهم: سرت في إثرهم). [تفسير غريب القرآن: 174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (واتل عليهم نبأ الّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشّيطان فكان من الغاوين (175)
هذا نسق على ما قبله، المعنى اتل عليهم إذ أخذ ربك من بني آدم.
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها).
هذا فيه غير قول، قيل إنه كان عنده اسم اللّه الأعظم فدعا به على
موسى وأصحابه، وقيل إنه أميّة بن أبي الصلت، وكان عنده علم من الكتب، وقيل إنه يعني به منافقو أهل الكتاب.
وقوله: (فكان من الغاوين).
أي الفاسدين الهالكين). [معاني القرآن: 2/390-391]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (157 - وقوله جل وعز: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} [آية: 175]
وروى شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال هو بلعام
وروى ابن أبي جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس قال هو بلعام بن باعر من بني إسرائيل
قال سعيد بن جبير كان معه اسم الله الأعظم فسألوه أن يدعوا الله على موسى عليه السلام وأصحابه فقال أخروني وكان لا يدعو على أحد حتى يرى ذلك في نومه فبات فنهي في نومه فعادوا إليه وكان موسى قد جاءهم في ثمانين ألفا خلف الفرات فلما سألوه أن يدعو عليه بعدما نهي قال لهم أخرجوا إلى أصحابه النساء ليفتتنوا فتنتصروا عليهم فانسلخ مما كان فيه وكان قد أمر في نومه أن يدعو له
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رحمهما الله هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت
وقال عكرمة هو من كان من اليهود والنصارى لم يصح إسلامه
يذهب إلى أنهم منافقو أهل الكتاب
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {فانسلخ منها} هو ما نزع منه من العلم
158 - ثم قال جل وعز: {فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} [آية: 175]
يقال اتبعه إذا أدركه وتبعه إذا سار في أثره هذا الجيد
وقيل هما لغتان). [معاني القرآن: 3/103-105]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (175- {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} أي أدركه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولكنّه أخلد إلى الأرض...}
ركن إليها وسكن. ولغة يقال: خلد إلى الأرض بغير ألف، وهي قليلة. ويقال للرجل إذا بقى سواد رأسه ولحيته: إنه مخلد، وإذا لم تسقط أسنانه قيل: إنه لمخلد). [معاني القرآن: 1/399]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أخلد إلى الأرض) (176) لزم وتقاعس وأبطأ؛ يقال فلان مخلد أي بطئ الشّيب، والمخلد الذي تبقى ثنيتاه حتى تخرج رباعيتاه، وهو من ذاك أيضاً). [مجاز القرآن: 1/233]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ولو شئنا لرفعناه بها ولكنّه أخلد إلى الأرض واتّبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذّلك مثل القوم الّذين كذّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلّهم يتفكّرون}
وقال: {ولكنّه أخلد إلى الأرض} ولا نعلم أحدا يقول {خلد}. وقوله: {أخلد} أي: لجأ إليها). [معاني القرآن: 2/21]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (176- {أخلد إلى الأرض}: سكن إليها وركن وحكى الليحاني أخلد بي فلان وألظ بي إذا لزمني). [غريب القرآن وتفسيره: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (176 - {أخلد إلى الأرض} أي ركن إلى الدنيا وسكن. {إن
تحمل عليه} تطرده {يلهث} وهذا مفسر في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 174-175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176].
كلّ شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش أو علّة، خلا الكلب، فإنّه يلهث في حال الكلال، وحال الرّاحة، وحال الصحة والمرض، وحال الريّ والعطش.
فضربه الله مثلا لمن كذّب بآياته فقال: إن وعظته فهو ضالّ، وإن لم تعظه فهو ضالّ، كالكلب إن طردته وزجرته فسعى لهث، أو تركته على حاله أيضا لهث.
[تأويل مشكل القرآن: 369]
ونحوه قوله: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193]). [تأويل مشكل القرآن: 370]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنّه أخلد إلى الأرض واتّبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الّذين كذّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلّهم يتفكّرون (176)
أي لو شئنا أن نحول بينه وبين المعصية لفعلنا، (ولكنّه أخلد إلى الأرض).
معناه ولكنه سكن إلى الدنيا، يقال أخلد فلان إلى كذا وكذا، وخلد إلى كذا وكذا، وأخلد أكثر في اللغة، والمعنى أنه سكن إلى لذات الأرض.
(واتبع هواه).
أي لم يرفعه بها لاتباعه هواه.
وقوله: (فمثله كمثل الكلب).
ضرب اللّه عزّ وجلّ: بالتارك لآياته والعادل عنها. أحسن مثل في أخسّ أحواله، فقال عز وجل: (فمثله كمثل الكلب) إذا كان الكلب لهثان، وذلك أن الكلب إذا كان يلهث فهو لا يقدر لنفسه على ضر ولا نفع، لأن التمثيل به على أنه يلهث على كل حال حملت عليه أو تركته، فالمعنى فمثله كمثل الكلب لاهثا ثم قال:
(ذلك مثل القوم الّذين كذّبوا بآياتنا) ). [معاني القرآن: 2/391]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (159 - وقوله جل وعز: {ولو شئنا لرفعناه بها} [آية: 176]
قال مجاهد أي لرفعناه عنه ومعناه لعصمناه مما فعل
160 - ثم قال جل وعز: {ولكنه أخلد إلى الأرض} [آية: 176]
قال مجاهد أي سكن والتقدير إلى نعيم الأرض ولذاتها
161 - وقوله جل وعز: {فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} [آية: 176]
قال مجاهد أي إن تحمل عليه بدابتك أو رجلك يلهث أو تتركه يلهث وكذلك من يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه
وقال غير مجاهد هذا شر تمثيل في أنه قد غلب عليه هواه حتى صار لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بكلب لاهث أبدا حمل عليه أو لم يحمل عليه هو لا يملك ترك اللهثان). [معاني القرآن: 3/105-106]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (ولكنه أخلد إلى الأرض) أي: مال). [ياقوتة الصراط: 233]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (176- {أَخْلَدَ} أي ركن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (176- {أَخْلَدَ}: سكن). [العمدة في غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: (سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ساء مثلاً القوم الّذين كذّبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون}
وقال: {ساء مثلاً القوم} فجعل "القوم" هم "المثل" في اللفظ وأراد: مثل القوم، فحذف كما قال "واسأل القرية"). [معاني القرآن: 2/21]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقال: (ساء مثلا القوم الّذين كذّبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون (177)
المعنى: ساء مثلا مثل القوم). [معاني القرآن: 2/391]

تفسير قوله تعالى: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) )

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ولقد ذرأنا لجنهّم) (178) أي خلقنا). [مجاز القرآن: 1/233]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ولقد ذرأنا لجهنّم كثيراً مّن الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لاّ يفقهون بها ولهم أعينٌ لاّ يبصرون بها ولهم آذان لاّ يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون}
وقال: {ولقد ذرأنا لجهنّم} تقول: "ذرأ" "يذرأ" "ذرءاً"). [معاني القرآن: 2/21-22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (179- {ذرأنا}: خلقنا). [غريب القرآن وتفسيره: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (179 - {ولقد ذرأنا لجهنّم} أي خلقنا لجهنم. ومنه ذرّيّة الرجل: إنما هي الخلق. ولكن همزها يتركه أكثر العرب). [تفسير غريب القرآن: 175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، يريد المؤمنين منهم. يدلك على ذلك قوله في موضع آخر: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179]، أي خلقنا). [تأويل مشكل القرآن: 282]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرا من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون (179)
(أولئك كالأنعام بل هم أضلّ).
وصفهم بأنهم لا يبصرون بعيونهم ولا يعقلون بقلوبهم. جعلهم في تركهم الحق وإعراضهم عنه، بمنزلة من لا يبصر ولا يعقل.
ثم قال جلّ وعزّ (بل هم أضلّ).
وذلك أن الأنعام تبصر منافعها ومضارّها فتلزم بعض ما لا تبصره.
وهؤلاء يعلم أكثرهم أنّه معاند فيقدم على النار.
وقال جلّ وعزّ: (فما أصبرهم على النّار)
أي على عمل أهل النار).
[معاني القرآن: 2/391-392]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (162 - وقوله جل وعز: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} [آية: 179]
أي خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس
يقال ذرا الله خلقه يذرؤهم ذرءا أي خلقهم
وقوله تعالى: {أولئك كالنعام} وصفهم بأنهم بمنزلة من لا يعقل
163 - ثم قال جل وعز: {بل هم أضل} [آية: 179] لأن الأنعام إذا أبصرت مضارها اجتنبتها أو أكثرها ولا تكفر معاندة). [معاني القرآن: 3/107]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (179- {ذَرَأْنَا}: خلقنا). [العمدة في غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وذروا الذّين يلحدون في أسمائه) (179) يجورون ولا يستقيمون ومنه سمّى اللحد لأنه في ناحية القبر). [مجاز القرآن: 1/233]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون}
وقال: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} وقال بعضهم {يلحدون} جعله من "لحد" "يلحد" وهي لغة. وقال في موضع آخر {لّسان الّذي يلحدون} و{يلحدون} وهما لغتان و{يلحدون} أكثر وبها نقرأ ويقوّيها {ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ}). [معاني القرآن: 2/22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (180- {يلحدون ويلحدون}: لغتان، يجورون. والإلحاد الجور عن القصد والملحد المائل عن الحق وإنما سمي اللحد لأنهفي ناحية من القبر وإذا كان في وسطه سمي ضريحا). [غريب القرآن وتفسيره: 153-154]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (180 - {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها} أي الرحمن والرحيم والعزيز. وأشباه ذلك.
{وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} أي يجورون عن الحق ويعدلون.
فيقولون: اللات والعزى مناة، وأشباه ذلك. ومنه قيل: لحد القبر. لأنه في جانب). [تفسير غريب القرآن: 175]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180)
لا ينبغي أن يدعوه أحد بما لم يصف نفسه به، أو لم يسم به نفسه.
فيقول في الدعاء. يا الله يا رحمن يا جواد، ولا ينبغي أن يقول: " يا سبحان " لأنه لم يصف نفسه بهذه اللفظة. وتقول يا رحيم، ولا يقول: يا رفيق، وتقول يا قوي، ولا تقول يا جلد). [معاني القرآن: 2/392]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (164 - وقوله جل وعز: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [آية: 180]
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة
وقال بعض أهل اللغة يجب على هذا أن لا يدعى الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه فيقال يأجواد ولا يقال يا سخي
165 - وقوله جل وعز: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} [آية: 180]
قال ابن جريج اشتقوا العزى من العزيز واللات من الله
قال أبو جعفر والإلحاد في اللغة الجور والميل ومنه لحد القبر لأنه ليس في الوسط إنما هو مائل في ناحيته
قال أبو جعفر وفرق الكسائي بين ألحد ولحد فقال ألحد عدل عن القصد ولحد ركن إلى الشيء
وعلى هذا قرأ في النحل يلحدون بفتح الياء بمعنى الركون). [معاني القرآن: 3/107-109]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (180- {يُلْحِدُونَ} أي يجورون عن الحق ويعدلون عنه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (180- {يُلْحِدُونَ ْ}: يحورون). [العمدة في غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) )

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (سنستدرجهم) (182): والاستدراج أن تأتيه من حيث لا يعلم ومن حيث تلطف له حتى تغترّه.
(وأملى لهم) أي أؤخرهم، ومنه قوله: مضى ملىٌّ من الدهر عليه؛ وملاوة وملاوة وملاوة فيها ثلاث لغات: ضمة وكسرة وفتحة. ويقال: ملاّك الله ولدك، وتمليت حبيباً، أي مدّ الله لك في عمره. (واهجرني مليّاً) (19/46) منها قال العجّاج:
ملاوةً ملّيتها كأني... صاحب صنج نشوةٍ مغنّى
(إنّ كيدي متينٌ) (182) أي شديد). [مجاز القرآن: 1/233-234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (182- {سنستدرجهم}: والاستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم). [غريب القرآن وتفسيره: 154]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182]
والاستدراج: أن يدنيهم من بأسه قليلا قليلا من حيث لا يعلمون، ولا يباغتهم ولا يجاهرهم. ومنه يقال: درجت فلانا إلى كذا وكذا، واستدرج فلانا حتى تعرف ما عنده وما صنع. يراد لا تجاهره ولا تهجم عليه بالسؤال، ولكن استخرج ما عنده قليلا قليلا.
وأصل هذا من الدّرجة، وذلك أن الراقي فيها النازل منها ينزل مرقاة مرقاة، فاستعير هذا منها). [تأويل مشكل القرآن: 166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (166 - وقوله جل وعز: {والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} [آية: 182]
يقال استدرج فلان فلانا إذا أتى بأمر يريد ليلقيه في هلكة
ولا يكون الاستدراج إلا حالا بعد حال ومنه فلان يدرج فلانا ومنه أدرجت الثوب). [معاني القرآن: 3/109]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (182- (الاستدراج): أن تأتيه من حيث لا يعلم). [العمدة في غريب القرآن: 140]

تفسير قوله تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (183- {أملي لهم}: أوخرهم وهو من قولهم أتى عليه ملي من الدهر.
183- {كيدي متين}: المتين الشديد).[غريب القرآن وتفسيره: 154]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (183 - {وأملي لهم} أي أؤخرهم. {إنّ كيدي متينٌ} أي شديد). [تفسير غريب القرآن: 175]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (167 - وقوله جل وعز: {وأملي لهم إن كيدي متين} [آية: 183]
ومعنى أملي أؤخر والملاوة القطعة من الدهر ويقال بالضم والكسر ومنه تمل حبيبك والمتين الشديد). [معاني القرآن: 3/109]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (183- {وَأُمْلِي لَهُمْ} أُؤخرهم.
{إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي شديد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (183- {أُمْلِي لَهُمْ}: أؤخرهم
183- (المَتِينٌ): شاهد). [العمدة في غريب القرآن: 140]

تفسير قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ما بصاحبهم من جنّةٍ) (183) أي ما به جنون). [مجاز القرآن: 1/234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (184- {ما بصاحبهم من جنة}: الجنون). [غريب القرآن وتفسيره: 154]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (184 - {ما بصاحبهم من جنّةٍ} أي جنون). [تفسير غريب القرآن: 175]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (184- {مِنْ جِنَّةٍ} من جنون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أولم ينظروا في ملكوت السّماوات والأرض وما خلق اللّه من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأيّ حديث بعده يؤمنون (185)
أي ألم يستدلوا بما أنبأهم به من ملكوت السّماوات والأرض.
(وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم).
أي إن كانوا يسوفون بالتوبة فعسى أن يكون قد اقترب أجلهم.
فالمعنى: أولم ينظروا فيما دلّهم اللّه جل ثناؤه على توحيده فكفروا به بذلك فلعلّهم قد قربت آجالهم فيموتون على الكفر.
(فبأيّ حديث بعده يؤمنون) ). [معاني القرآن: 2/392]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (168 - وقوله جل وعز: {أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض} [آية: 185]
قال سفيان يعني خلق السموات والأرض). [معاني القرآن: 3/110]

تفسير قوله تعالى: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون (186)
الطغيان: الغلو في الكفر.
ويعمهون: يتحيّرون.
ويجوز الجزم والرفع في (يذرهم). فمن جزم عطف على موضع الفاء.
المعنى من يضلل الله يذره في طغيانه عامها.
ومن قرأ (ويذرهم) فهو رفع على الاستئناف). [معاني القرآن: 2/393]

تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أيّان مرساها...}
المرسى في موضع رفع.
{ثقلت في السّماوات والأرض} ثقل على أهل الأرض والسماء أن يعلموه.
وقوله: {كأنّك حفيٌّ} كأنك حفيّ عنها مقدّم ومؤخر؛ ومعناه يسألونك عنها كأنك حفي بها. ويقال في التفسير كأنك حفي أي كأنك عالم بها). [معاني القرآن: 1/399]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أيّان مرساها) (186) أي متى، وقال:
أيّان تقضى حاجتي أيّانا... أما ترى لنجحها إبّانا
أي متى خروجها.
(لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو) (186) مجازها: لا يظهرها ولا يخرجها إلاّ هو يقال جلّى لي الخبر وقال بعضهم: جله لي الخبر، والجلاء جلاء الرأس إذا ذهب الشعر قال طرفة:
سأحلب عيساً صحن سمٍّ فأبتغى... به جيرتي إن لم يجلّوا لي الخبر
أي يوضحون لي الأمر وهذا يهجوهم، يقال: عاسها يعيسها، والعيس ماء الفحل (ثقلت في السّموات والأرض) (186) مجازها: خفيت، وإذا خفى عليك شئ ثقل (كأنّك حفيٌّ عنها) (186) أي حفّي بها، ومنه قولهم: تحفيت به في المسألة). [مجاز القرآن: 1/234-235]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (187- {أيان مرساها}: متى وقوعها. ويقال أرساها الله وأرساها القوم إذا حبسوها ورست فهي ترسو.
187- {لا يجليها}: لا يظهرها ومن ذلك جلية الخبر.
187- {كأنك حفي عنها}: عالم بها. والمعنى يسألونك عنها كأنك حفي. وجاء عن ابن عباس أنه قال: كأنك حفي بهم حين يسألونك، ويقال للقاضي والحاكم الحافي وقد تحافينا إلى فلان إ تحاكمنا).[غريب القرآن وتفسيره: 154-155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (187 - {أيّان مرساها} أي متى ثبوتها. يقال: رسا في الأرض: إذا ثبت، ورسا في الماء: إذا رسب. ومنه قيل للجبال: رواس.
{لا يجلّيها لوقتها إلّا هو} أي لا يظهرها. يقال: جلّى لي الخبر: أي كشفه وأوضحه.
{ثقلت في السّماوات والأرض} أي خفي علمها على أهل السموات والأرض وإذا خفي الشيء ثقل.
{حفيٌّ عنها} أي معنيّ بطلب علمها. ومنه يقال: تحفّى فلان بالقوم). [تفسير غريب القرآن: 175]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلّا هو ثقلت في السّماوات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتة يسألونك كأنّك حفيّ عنها قل إنّما علمها عند اللّه ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (187)
والساعة ههنا التي يموت فيها الخلق.
ومعنى مرساها مثبّتها، يقال - رسا الشيء يرسو إذا ثبت فهو راس وكذلك جبال راسيات، أي ثابتات. وأرسيته إذا أثبتّه.
فالمعنى يسألونك عن الساعة متى وقوعها.
وقوله: (لا يجلّيها لوقتها إلّا هو).
أي لا يظهرها في وقتها إلا هو.
ومعنى: (ثقلت في السّماوات والأرض).
قيل فيه قولان، قال قوم: (ثقلت في السّماوات والأرض) ثقل وقوعها على أهل السماوات والأرض.
ثم أعلم جلّ ثناؤه كيف وقوعها فقال جلّ وعزّ: (لا تأتيكم إلّا بغتة).
أي إلا فجأة.
وقوله: (يسألونك كأنّك حفيّ عنها).
المعنى - واللّه أعلم - يسألونك عنها كأنك فرح بسؤالهم، يقال تحفيت بفلان
في المسألة إذا سألت سؤالا أظهرت فيه المحببّة والبربه، وأحفى فلان بفلان في المسألة، وإنما تأويله الكثرة ويقال حفت الدّابّة تحفى حفى، مقصور إذا كثر المشي حتى يؤلمها والحفاء ممدود أن يمشي الرجل بغير نعل.
وقيل: (كأنّك حفي عنها)، كأنك أكثرت المسألة عنها.
وقوله: (قل إنّما علمها عند اللّه).
معنى (إنّما علمها عند اللّه) لا يعلمها إلا هو). [معاني القرآن: 2/393-394]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (169 - وقوله جل وعز: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها} [آية: 187]
قال قتادة أي متى قيامها
وقال غيره يقال رسى الشيء يرسو رسوا إذا ثبت وأرسيته أثبته
170 - ثم قال جل وعز: {قل إنما علمها عند ربي} [آية: 187] ح
أي لا يعلم متى قيامها إلا الله
171 - ثم قال جل وعز: {لا يجليها لوقتها إلا هو} [آية: 187]
يقال جلى لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه
172 - ثم قال جل وعز: {ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة} [آية: 187]
أي خفي علمها وإذا خفي الشيء ثقل
وقيل أي ثقلت المسالة عنها أي عظمت
173 - ثم قال جل وعز: {لا تأتيكم إلا بغتة} [آية: 187]
أي فجأة
174 - وقوله جل وعز: {يسألونك كأنك خفي عنها} [آية: 187] ح
قال قتادة قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم نحن أقرباؤك فأسر إلينا متى الساعة فأنزل الله جل وعز: {يسألونك كأنك حفي عنها} أي حفي بهم
والمعنى على هذا التقديم والتأخير أي يسألونك عنها
كأنك حفي لهم أي فرح لسؤالهم
وهو معنى قول سعيد بن جبير أبي يسألونك كأنك حفي لهم). [معاني القرآن: 3/110-112]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (187- {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} أي متى ثبوتها.
{لا يُجَلِّيهَا} أي لا يظهرها.
{ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ} أي خفي علمها عن أهل السموات والأرض.
{كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} أي كأنك معني بطلب علمها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (187- {أَيَّانَ}: متى.
187- {مُرْسَاهَا}: وقوعها
187- {يُجَلِّيهَا}: يظهرها
187- {حَفِيٌّ عَنْهَا}: عالم بها). [العمدة في غريب القرآن: 140]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير...}
يقول: لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من السنة المخصبة، ولعرفت الغلاء فاستعددت له في الرخص. هذا قول محمد صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/400]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الضَرّ: بفتح الضاد- ضد النفع، قال الله عز وجل: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 72، 73] وقال: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} [الأعراف: 188] أي: لا أملك جرّ نفع ولا دفع ضرّ؟.
والضُّرّ: الشدة والبلاء، كقوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} [الأنعام: 17]، {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} [البقرة: 177]). [تأويل مشكل القرآن: 483] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرّا إلّا ما شاء اللّه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السّوء إن أنا إلّا نذير وبشير لقوم يؤمنون (188)
(ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير).
أي لادّخرت زمن الخصب لزمن الجدب.
وقيل (لو كنت أعلم الغيب) أي لو كنت أعلم ما أسأل عنه من الغيب في الساعة وغيرها.
وقوله: (وما مسّني السّوء).
أي لم يلحقني تكذيب.
وقيل أيضا: (وما مسّني السّوء) أي ما بي من جنون، لأنهم نسبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الجنون، فقال: (وما مسّني السّوء إن أنا إلّا نذير وبشير لقوم يؤمنون).
ثم بيّن لهم ما دلّهم على توحيد الله عزّ وجلّ فقال:
(هو الّذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملا خفيفا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشّاكرين (189). [معاني القرآن: 2/394]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (175 - وقوله جل وعز: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} [آية: 188] روي عن ابن عباس أنه قال لو أني أعلم سنة القحط والجدب لهيأت لها ما يكفيني
وقيل لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العبادة فيكون الخير ها ههنا هن العبادة
وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسال عما في قلوب الناس وما يسرونه فقال لو كنت أعلم الغيب أي ما يسرونه وما يقع بكم حتى تحذروا مكروهه لكان أحرى أن تجيبوني إلى ما أدعوكم
{لاستكثرت من الخير} أي من إجابتكم إلى ما أدعوكم وما مسني السوء منكم بتكذيب أو عداوة إذ كنت عندكم كذلك
ودل على هذا الجواب إن أنا إلا نذير أي لست أعلم من الغيب إلا ما علمني الله
وقيل ولو كنت أعلم الغيب أي كتب الله
وقال الحسن لاستكثرت من الخير من الوحي). [معاني القرآن: 3/112-113]


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 03:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 189 إلى آخر السورة]

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) )

تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حملت حملاً خفيفاً...}
الماء خفيف على المرأة إذا حملت.
{فمرّت به} فاستمرّت به: قامت به وقعدت.
{فلمّا أثقلت}: دنت ولادتها، أتاها إبليس فقال: ماذا في بطنك؟ فقالت: لا أدري. قال: فلعله بهيمة، فما تصنعين لي إن دعوت الله لك حتى يجعله إنسانا؟ قالت: قل، قال: تسمّينه باسمي. قالت: وما أسمك؟ قال: الحرث. فسّمته عبد الحارث، ولم تعرفه أنه إبليس). [معاني القرآن: 1/400]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (حملت حملاً خفيفاً) مفتوح الأول إذا كان في البطن وإذا كان على العنق فهو مكسور الأول وكذلك اختلفوا في حمل النخلة فجعله بعضهم من الجوف ففتحه وجعله بعضهم على العنق فكسره.
(فمرّت به) مجازه: استمرّ بها الحمل فأتمتّه). [مجاز القرآن: 1/236]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({هو الّذي خلقكم مّن نّفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلماّ تغشّاها حملت حملاً خفيفاً فمرّت به فلمّا أثقلت دّعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحاً لّنكوننّ من الشّاكرين}
وقال: {حملت حملاً خفيفاً} لأنّ "الحمل" ما كان في الجوف و"الحمل" ما كان على الظهر. وقال: {وتضع كلّ ذات حملٍ حملها} وأما قوله: {أثقلت} فيقول: "صارت ذات ثقلٍ" كما تقول "أتمرنا" أي: "صرنا ذوي تمرٍ" و"ألبنّا" [أي: صرنا ذوي لبن] و"أعشبت الأرض" و"أكمأت" وقرأ بعضهم {فلمّا أثقلت}). [معاني القرآن: 2/22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({حملت حملا}: {كل ذات حمل}: ولد. وحمل نخلة وحمل شجرة. فالحاء مفتوحة. وما كان من حمل: ثقل كان على ظهر أو وزر، فالحاء مكسورة ومنه {وإن تدع مثقلة إلى حملها} إلى ما عليها من يقل). [غريب القرآن وتفسيره: 155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فمرّت به} أي استمرت بالحمل.
{لئن آتيتنا صالحاً} ولدا سويا بشرا، ولم [تجعله بهيمة] مفسر في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 175-176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47]: أي سترا وحجابا لأبصاركم.
قال ذو الرّمة:
وَدَوِّيَّةٍ مثل السّماء اعتسفتها = وقد صبغ اللّيل الحصى بسواد
أي لمّا ألبسه الليل سواده وظلمته، كان كأنّه صبغه.
وقد يكنون باللباس والثوب عما ستر ووقى، لأنّ اللباس والثوب واقيان ساتران.
وقال الشاعر:
كثوب ابن بِيضٍ وَقَاهُم بهِ = فَسَدَّ على السَّالِكِينَ السَّبيلا
قال الأصمعي: (ابن بيض) رجل نحر بعيرا له على ثنيّة فسدّها فلم يقدر أحد أن يجوز، فضرب به المثل فقيل: سدّ ابن بيض الطريق.
وقال غير الأصمعي: (ابن بيض) رجل كانت عليه إتاوة فهرب بها فاتّبعه مطالبه، فلما خشي لحاقه وضع ما يطالبه به على الطريق ومضى، فلما أخذ الإتاوة رجع وقال: (سدّ ابن بيض الطريق) أي منعنا من اتباعه حين وفى بما عليه، فكأنه سدّ الطريق.
فكنَى الشاعر عن البعير- إن كان التفسير على ما ذكر الأصمعي.
أو عن الإِتَاوَةِ- إن كان التفسير ما ذكر غيره- بالثوب، لأنهما وقيا كما يقي الثوب.
وكان بعض المفسرين يقول في قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47] أي سكنا، وفي قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [البقرة: 187] أي سكن لكم.
وإنما اعتبر ذلك من قوله: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [يونس: 67] ومن قوله: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]). [تأويل مشكل القرآن: 144-145] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب الكناية والتّعريض
الكناية أنواع، ولها مواضع: فمنها أن تكنى عن اسم الرجل بالأبوّة، لتزيد في الدّلالة عليه إذا أنت راسلته أو كتبت إليه، إذ كانت الأسماء قد تتّفق.
أو لتعظّمه في المخاطبة بالكنية، لأنها تدلّ على الحنكة وتخبر عن الاكتهال.
وقد ذهب هؤلاء إلى أنّ الكنية كذب ما لم يكن الولد مسمّى بالاسم الذي كني به عن الأب، وتقع للرجل بعد الولادة.
وقالوا: إن كانت الكناية للتعظيم فما باله كنى أبا لهب وهو عدوّه، وسمّي محمدا، صلّى الله عليه وسلم، وهو وليّه ونبيّه.
والجواب عن هذا: أن العرب كانت ربّما جعلت اسم الرجل كنيته، فكانت الكنية هي الاسم.
قال أبو محمد:
خبّرني غير واحد عن الأصمعي: أن أبا عمرو بن العلاء، وأبا سفيان بن العلاء أسماؤها كناهما.
وربما كان للرجل الاسم والكنية، فغلبت الكنية على الاسم، فلم يعرف إلا بها، كأبي سفيان، وأبي طالب، وأبي ذرّ، وأبي هريرة.
ولذلك كانوا يكتبون: علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان، لأن الكنية بكمالها صارت اسما، وحظّ كلّ حرف الرفع ما لم ينصبه أو يجرّه حرف من الأدوات أو الأفعال. فكأنه حين كنّي قيل: أبو طالب، ثم ترك ذلك كهيئته، وجعل الاسمان واحدا.
وقد روي في الحديث أن اسم أبي لهب عبد العزّى، فإن كان هذا
صحيحا فكيف يذكره رسول الله بهذا الاسم، وفيه معنى الشرك والكذب، لأن الناس جميعا عبيد الله؟.
وقال المفسرون في قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189]-: إن حوّاء لما أثقلت أتاها إبليس في صورة رجل فقال لها: ما هذا الذي في بطنك؟ وذلك أول حملها، فقالت: ما أدري، فقال لها: أرأيت إن دعوت ربي فولدته إنسانا أتسمّينه بي؟
فقالت: نعم. وقالت هي وآدم: لئن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشّاكرين أي: لئن خلقته بشرا مثلنا ولم تجعله بهيمة. فلما ولدته أتاها إبليس ليسألها الوفاء، فقالت: ما اسمك؟ قال: الحارث، فتسمى بغير اسمه، ولو تسمى باسمه لعرفته، فسمته عبد الحارث، فعاش أياما ثم مات، فقال الله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا} [الأعراف: 190]، وإنما جعلا له الشرك بالتسمية لا بالنية والعقد، وانتهى الكلام في قصة آدم وحواء، ثم ذكر من أشرك به بالعقد والنّية من ذرّيتهما، فقال: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190] ولو كان أراد آدم وحواء لقال: عما يشركان.
فهذا يدلّك على العموم.
وإن كان اسم أبي لهب كنيته فإنما ذكره بما لا يعرف إلا به، والاسم والكنية علمان يميّزان بين الأعيان والأشخاص، ولا يقعان لعلة في المسمى كما تقع الأوصاف، فبأيّ شيء عرف الرجل، جاز أن تذكره به غير أن تكذب في ذلك.
ولو كان من دعا أبا القاسم بأبي القاسم ولا قاسم له، كان كاذبا- لكان من دعا المسمى بكلب وقرد وغراب وذباب- كاذبا، لأنه ليس كما ذكر.
وقد طعنت الشّعوبية على العرب بأمثال هذه الأسماء، ونسبوهم إلى سوء الاختيار، وجهلوا معانيهم فيها.
وكان القوم يتفاءلون ويتطيّرون، فمن تسمى منهم بالأسماء الحسنى أراد أن يكثر له الفأل بالحسن، ومن تسمّى بقبيح الأسماء أراد صرف الشرّ عن نفسه.
وذلك أن العرب كانت إذا خرجت للمغار قالوا: إلى من تقصد؟ فتطيروا من كلب وجعل وقرد ونمر وأسد، وقالوا: ميلوا بنا إلى بني سعد وإلى غنم وما أشبه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 256-260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والخلق: الإنشاء والابتداء، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189].
وأصل الخلق: التقدير، ومنه قيل: خالقة الأديم، قال زهير:
ولأنتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وبـَ = ـعضُ القومِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يفري). [تأويل مشكل القرآن: 507]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (هو الّذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملا خفيفا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشّاكرين (189)
(هو الّذي خلقكم من نفس واحدة).
يعني آدم.
(وجعل منها زوجها ليسكن إليها)
(فلمّا تغشّاها).
كناية عن الجماع أحسن كناية.
(حملت حملا خفيفا).
يعني المني، والحمل ما كان في البطن - بفتح الحاء - أو أخرجته الشجرة، والحمل بكسر الحاء ما يحمل.
وقوله: (فمرّت به).
معنى مرت به استمرت، قعدت وقامت لم يثقلها.
(فلمّا أثقلت).
أي دنت ولادتها، لأنه أول أمره كان خفيفا، فلما جعل إنسانا ودنت الولادة أثقلت.
وقوله: (دعوا اللّه ربّهما).
أي دعا آدم وحواء ربهما).
[معاني القرآن: 2/394-395]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} [آية: 189]
يعني آدم وجعل منها زوجها يعني حواء فلما تغشاها كناية عن الجماع حملت حملا خفيفا فمرت به
قال الحسن: أي فاستمرت به والمعنى أنها مرت به وجاءت لم يثقلها
وقرأ ابن يعمر فمرت به خفيف أي شكت في الحمل
روي عن ابن عباس رحمه الله فاستمرت به
قال أبو حاتم أي استمر بها الحمل فقلب الكلام كما يقال أدخلت الخف في رجلي فلما أثقلت أي استبان حملها دعوا الله ربهما لئن آتينا صالحا
قال الحسن أي غلاما
وقال أبو البختري خافا أن يكون بهيمة). [معاني القرآن: 3/113-114]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَمَرَّتْ بِهِ} أي استمرت بالحمل.
{لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاًً} أي ولداً سوياً بشراً، ولم تجعله بهيمة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {جعلا له شركاء...}
إذ قالت: عبد الحارث، ولا ينبغي أن يكون عبدا إلا لله. ويقرأ: "شركاً"). [معاني القرآن: 1/400]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فلمّا آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون}
وقال: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} وقال بعضهم {شركاً} لأنّ "الشرك" إنما هو: "الشركة" وكان ينبغي في قول من قال هذا أن يقول "فجعلا لغيره شركاً فيما آتاهما"). [معاني القرآن: 2/22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال المفسرون في قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189]-: إن حوّاء لما أثقلت أتاها إبليس في صورة
رجل فقال لها: ما هذا الذي في بطنك؟ وذلك أول حملها، فقالت: ما أدري، فقال لها: أرأيت إن دعوت ربي فولدته إنسانا أتسمّينه بي؟
فقالت: نعم. وقالت هي وآدم: لئن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشّاكرين أي: لئن خلقته بشرا مثلنا ولم تجعله بهيمة. فلما ولدته أتاها إبليس ليسألها الوفاء، فقالت: ما اسمك؟ قال: الحارث، فتسمى بغير اسمه، ولو تسمى باسمه لعرفته، فسمته عبد الحارث، فعاش أياما ثم مات، فقال الله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا} [الأعراف: 190]، وإنما جعلا له الشرك بالتسمية لا بالنية والعقد، وانتهى الكلام في قصة آدم وحواء، ثم ذكر من أشرك به بالعقد والنّية من ذرّيتهما، فقال: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190] ولو كان أراد آدم وحواء لقال: عما يشركان.
فهذا يدلّك على العموم.
وإن كان اسم أبي لهب كنيته فإنما ذكره بما لا يعرف إلا به، والاسم والكنية علمان يميّزان بين الأعيان والأشخاص، ولا يقعان لعلة في المسمى كما تقع الأوصاف، فبأيّ شيء عرف الرجل، جاز أن تذكره به غير أن تكذب في ذلك.
ولو كان من دعا أبا القاسم بأبي القاسم ولا قاسم له، كان كاذبا- لكان من دعا المسمى بكلب وقرد وغراب وذباب- كاذبا، لأنه ليس كما ذكر.
وقد طعنت الشّعوبية على العرب بأمثال هذه الأسماء، ونسبوهم إلى سوء الاختيار، وجهلوا معانيهم فيها.
وكان القوم يتفاءلون ويتطيّرون، فمن تسمى منهم بالأسماء الحسنى أراد أن يكثر له الفأل بالحسن، ومن تسمّى بقبيح الأسماء أراد صرف الشرّ عن نفسه.
وذلك أن العرب كانت إذا خرجت للمغار قالوا: إلى من تقصد؟ فتطيروا من كلب وجعل وقرد ونمر وأسد، وقالوا: ميلوا بنا إلى بني سعد وإلى غنم وما أشبه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 258-260] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشّاكرين (189) فلمّا آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون (190)
يروى في التفسير أنّ إبليس - عليه اللعنة - جاء إلى حواء فقال: أتدرين ما في بطنك؟ فقالت لا أدري، قال فلعله بهيمة ثم قال: إن دعوت الله أن يجعله إنسانا أتسمينه باسمي؟: فقالت، نعم فسمته عبد الحارث، وهو الحارث. وهذا يروى في التفسير.
وقيل إن آدم وحواء أصل. فضرب، هذا مثلا لمشركي العرب وعرفوا كيف بدأ الخلق، فقيل فلما آتاهما اللّه - لكل ذكر وأنثى - آتاه اللّه ولدا ذكرا أو أنثى - هو خلقه وصوّره.
(جعلا له شركاء) يعني الذين عبدوا الأصنام.
(فتعالى اللّه عمّا يشركون).
الأول هو الذي عليه التفسير، ومن قرأ " شركا "
فهو مصدر شركت الرجل أشركه شركا.
قال بعضهم: كان ينبغي أن يكون على قراءة من قرأ شركا جعلا لغيره شركا، يقول لأنهما لا ينكران أن الأصل الله عزّ وجلّ فالشرك إنما يجعل لغيره، وهذا على معنى جعلا له ذا شرك فحذف ذا مثل (واسأل القرية) ). [معاني القرآن: 2/395-396]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} [آية: 190]
روى خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال أتاهما إبليس فقال أنا أخرجتكما من الجنة فإن أطعتماني وإلا جعلت له قرنين فشق بطنك أو أخرجته ميتا فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقالت له حواء فيم تريد أن أطيعك قال سميه عبد الحارث فسمته فقال الله جل وعز: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}
قال غيره يعني في التسمية خاصة وكان اسم إبليس الحارث
178 - ثم قال تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} [آية: 190]
أي عما يشرك الكفار ويدل على هذا أيشركون ما لا يخلق شيئا يعني الأصنام
وروي عن عكرمة أنه قال لم يخص بهذا آدم وحواء وحدهما والتقدير على هذا الجنس كله أي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل منها أي من جنسها زوجها فلما تغشاها على الجنس كله وكذا دعوا يراد به الجنسان الكافران ثم حمل {فتعالى الله عما يشركون} على معنى الجميع فهذا أولى والله أعلم من أن ينسب إلى الأنبياء عليهم السلام مثل هذا
وقال بعض أهل النظر يراد به غير آدم وحواء وإنما ذكرا لأنهما أصل الناس). [معاني القرآن: 3/114-117]

تفسير قوله تعالى: (أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أيشركون ما لا يخلق شيئاً...}
أراد الآلهة بـ (ما)، ولم يقل: من، ثم جعل فعلهم كفعل الرجال. وقل: {وهم يخلقون} ولا يملكون). [معاني القرآن: 1/400]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يستطيعون...}
فجعل الفعل للرجال). [معاني القرآن: 1/400]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن تدعوهم إلى الهدى...}
يقول: إن يدع المشركون الآلهة إلى الهدى لا يتبعوهم.
وقوله: {سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} ولم يقل: أم صممتّم. وعلى هذا أكثر كلام العرب: أن يقولوا: سواء عليّ أقمت أم قعدت. ويجوز: سواء عليّ أقمت أم أنت قاعد؛ قال الشاعر:
سواء إذا ما أصلح الله أمرهم * علينا أدثرٌ ما لهم أم أصارم
وأنشدني الكسائي:
سواء عليك النفر أم بتّ ليلة * بأهل القباب من نمير بن عامر
وأنشده بعضهم (أو أنت بائت) وجاز فيها (أو) لقوله: النفر؛ لأنك تقول: سواء عليك الخير والشر، ويجوز مكان الواو (أو) لأن المعنى جزاء؛ كما تقول: اضربه قام أو قعد. فـ (أو) إلى معنى العموم كذهاب الواو). [معاني القرآن: 1/401]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176].
كلّ شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش أو علّة، خلا الكلب، فإنّه يلهث في حال الكلال، وحال الرّاحة، وحال الصحة والمرض، وحال الريّ والعطش.
فضربه الله مثلا لمن كذّب بآياته فقال: إن وعظته فهو ضالّ، وإن لم تعظه فهو ضالّ، كالكلب إن طردته وزجرته فسعى لهث، أو تركته على حاله أيضا لهث.
ونحوه قوله: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193]). [تأويل مشكل القرآن: 369-370] (م)

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} [آية: 194] أي الله جل وعز يهلكهم كما يهلككم
وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم وإن ههنا بمعنى ما والمعنى ما الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم أي هم الأصنام والقراءة الأولى أكثر وأعرف والسواد عليها). [معاني القرآن: 3/117]

تفسير قوله تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) )
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب} [آية: 196]
قال الأخفش وقرئ (إن ولي الله الذي نزل الكتاب) يعني جبريل صلى الله عليه وسلم
قال أبو جعفر هي قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أولى لقوله تعالى: {وهو يتولى الصالحين} ). [معاني القرآن: 3/117-118]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) )

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وتراهم ينظرون إليك...}
يريد الآلهة: أنها صور لا تبصر. ولم يقل: وتراها لأن لها أجساما وعيونا. والعرب تقول للرجل القريب من الشيء: هو ينظر، وهو لا يراه، والمنازل تتناظر إذا كان بعضها بحذاء بعض). [معاني القرآن: 1/401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (181 - وقوله جل وعز: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} [آية: 198]
يعني الأصنام
قال الكسائي: يقال داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت قريبة منها). [معاني القرآن: 3/118]

تفسير قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (خذ العفو) أي الفضل وما لا يجهده، يقال خذ من أخيك ما عفالك.
(بالعرف) مجازه: المعروف). [مجاز القرآن: 1/236]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (199- {خذ العفو}: الفضل).[غريب القرآن وتفسيره: 155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (199 - {خذ العفو} أي الميسور من الناس {وأمر بالعرف} [أي بالمعروف] ). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الحمد لله الذي نهج لنا سبل الرّشاد، وهدانا بنور الكتاب ... وجعله متلوّا لا يملّ على طول التّلاوة، ومسموعا لا تمجّه الآذان، وغضّا لا يخلق على كثرة الرد، وعجيبا لا تنقضي عجائبه، ومفيدا لا تنقطع فوائده، ونسخ به سالف الكتب.
وجمع الكثير من معانيه في القليل من لفظه، وذلك معنى قول رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أوتيت جوامع الكلم».
فإن شئت أن تعرف ذلك فتدبر قوله سبحانه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} كيف جمع له بهذا الكلام كل خلق عظيم، لأن في (أخذ العفو): صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين.
وفي (الأمر بالعرف): تقوى الله وصلة الأرحام، وصون اللّسان عن الكذب، وغضّ الطّرف عن الحرمات.
وإنما سمّي هذا وما أشبهه (عرفا) و(معروفا)، لأن كل نفس تعرفه، وكل قلب يطمئنّ إليه.
وفي (الإعراض عن الجاهلين): الصبر، والحلم، وتنزيه النفس عن مماراة السّفيه، ومنازعة اللّجوج). [تأويل مشكل القرآن:3- 4]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] أي: قبلتم عهدي، وقال تعالى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41] أي فاقبلوه.
وقال: {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] أي يقبلها.
وقال: {وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48] أي: لا يقبل.
وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] أي: اقبله). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199)
والعفو الفضل، والعفو ما أتى بغير كلفة.
(وأمر بالعرف).
أي بالمعروف.
(وأعرض عن الجاهلين) ). [معاني القرآن: 2/396]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (182 - وقوله جل وعز: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [آية: 199]
قال عطاء العفو الفضل
قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة ما كان فضلا ولم يكن بتكلف
حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال أنبأنا داود الضبي قال نا مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز: {خذ العفو} قال خذ من أخلاقهم وأعمالهم في غير تجسس
قال الضحاك والسدي هذا قبل أن تفرض الصدقة وقد نسخته الزكاة
وقال وهب بن كيسان سمعت ابن الزبير رحمه الله يقول خذ العفو والله ما أمر أن يؤخذ إلا من أخلاق الناس والله لآخذنه منهم ما صحبتهم
183 - ثم قال جل وعز: {وأمر بالعرف} [آية: 199]
والعرف المعروف). [معاني القرآن: 3/118-120]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (199- {خُذْ الْعَفْوَ} أي ما تيسر من الناس.
(العرف) المعروف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ) مجازه: وإما يستخفنك منه خفة وغضب وعجلة، ومنه قولهم: نزغ الشّيطان بينهم أي أفسد وحمل بعضهم على بعض). [مجاز القرآن: 1/236]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (200- {ينزغنك من الشيطان نزغ}: يستخفنك). [غريب القرآن وتفسيره: 156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (200 - {وإمّا ينزغنّك} أي يستخفنك. ويقال: نزغ بيننا: إذا أفسد). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغ فاستعذ باللّه إنّه سميع عليم (200)
لأدنى حركة تكون، تقول: قد نزغته إذا حركته.
فالمعنى إن نالك من الشيطان أدنى نزغ أي وسوسة.
وقوله: (مسّهم طائف من الشّيطان).
يقال: طفت أطوف، وطاف الخيال يطيف.
وقوله: (تذكّروا فإذا هم مبصرون).
أي تفكروا فيما هو أوضح لهم من الحجة.
(فإذا هم مبصرون) على بصيرة). [معاني القرآن: 2/396]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (184 - وقوله جل وعز: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} [آية: 200] النزغ أدنى حركة). [معاني القرآن: 3/120]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (200- {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ} أي يستخفنك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذا مسّهم طائفٌ...}
وقرأ إبراهيم النخعي (طيف) وهو اللمم والذنب {فإذا هم مّبصرون} أي منتهون إذا أبصروا). [معاني القرآن: 1/402]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (طيفٌ من الشّيطان) مجازه: لممٌ قال الأعشى:
وتصبح عن غب السّرى وكأنّما... ألمّ بها من طائف الجنّ أولق
وهو من طفت به أطيف طيفاً، قال:
أنّي ألمّ بك الخيال يطيف... ومطافه لك ذكرةٌ وشعوف
(يمدّونهم في الغيّ) مجازه: يزّينوه لهم الغى والكفر، ويقال: مدّ له في غيّة زيّنه له وحسّنه وتابعه عليه). [مجاز القرآن: 1/236-237]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ مّن الشّيطان تذكّروا فإذا هم مّبصرون}
وقال: {إذا مسّهم طائفٌ مّن الشّيطان} و{الطيف} أكثر في كلام العرب وقال الشاعر: [من المتقارب وهو الشاهد التاسع عشر بعد المائتين]:
ألا يا لقومٍ لطيف الخيال = أرّق من نازحٍ ذي دلال
ونقرؤها {طائف} لأنّ عامة القراء عليها). [معاني القرآن: 2/23]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (201- {طيف من الشيطان}: لمم يلم به).[غريب القرآن وتفسيره: 156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (185 - وقوله جل وعز: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا} [آية: 201]
قال مجاهد الطيف الغضب
قال الكسائي الطيف اللمم والطائف كل ما طاف حول الإنسان
وقال أبو عمرو الطيف الوسوسة وحقيقته في اللغة من طاف يطيف إذا تخيل في القلب أو رؤي في النوم وهو طائف وطيف بمعناه). [معاني القرآن: 3/120]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (201- {طيف} لمم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (201- (طَيِفٌ): لمم يلم به). [العمدة في غريب القرآن: 141]

تفسير قوله تعالى: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإخوانهم...}
إخوان المشركين (يمدّونهم) في الغيّ، فلا يتذكّرون ولا ينتهون، فذلك قوله: (ثم لا يقصرون) يعني المشركين وشياطينهم. والعرب تقول: قد قصر عن الشيء وأقصر عنه. فلو قرئت (يقصرون) لكان صوابا). [معاني القرآن: 1/402]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (202- {يمدونهم في الغي}: يزينون لهم). [غريب القرآن وتفسيره: 156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (202 - {يمدّونهم في الغيّ} أي يطيلون لهم فيه.
{وإخوانهم}: شياطينهم. يقال: لكل كافر شيطان يغويه). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون (202)
هذا معناه التقديم، المعنى (لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون).
(وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون).
يعني الشياطين، لأنّ الكفار إخوان الشياطين، والغيّ الجهل، والوقوع في الحركة. ويقال أقصر يقصر، وقصّر، يقصر). [معاني القرآن: 2/396-397]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (186 - وقوله جل وعز: {وإخوانهم يمدونهم في الغي} [آية: 202]
أي يزيدونهم). [معاني القرآن: 3/121]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (202- {يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ} أي يطيلون لهم فيه.
{وَإِخْوَانُهُمْ} شيطانيهم، لأن لكل كافر شيطانا يغويه بالشر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (202- {يَمُدُّونَهُمْ}: يزينون لهم). [العمدة في غريب القرآن: 141]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا لم تأتهم بآيةٍ قالوا لولا اجتبيتها...}
يقول: هلا افتعلتها. وهو من كلام العرب؛ جائز أن يقال: اختار الشيء، وهذا اختياره). [معاني القرآن: 1/402]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هذا بصائر من ربّكم) هذا القرآن ما يتلى عليكم، فلذلك ذكّره، والعرب تفعل ذلك، قال:
قبائلنا سبعٌ وأنتم ثلاثة... وللسبع أركى من ثلاث وأكثر
ذكرّ ثلاثة ذهب به إلى بطن ثم أنثه لأنه ذهب به إلى قبيلة ومجاز بصائر أي حجج وبيان وبرهان.
واحدتها بصيرة وقال الجعفيّ:
حملوا بصائرهم على أكتفاهم... وبصيرتي يعدو بها عتدٌ وأمي
البصيرة الترس، والبصيرة الحلقة من حلق الدرع، فيجوز أن يقال للدرع كلها بصيرة والبصيرة من الدم الذي بمنزلة الورق الرشاس منه والجدية أوسع من البصيرة والبصيرة مثل فرسن البعير فهو بصيرة والجدية أعظم من ذلك، والإسبأة والأسابي في طول، قال:
والعاديات أسابيّ الدّماء بها... كأنّ أعناقها أنصاب ترجيب). [مجاز القرآن: 1/237-238]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (203 - {وإذا لم تأتهم بآيةٍ قالوا لولا اجتبيتها} أي هلا اخترت لنا آية من عندك. قال اللّه: {قل إنّما أتّبع ما يوحى إليّ من ربّي}). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنّما أتّبع ما يوحى إليّ من ربّي هذا بصائر من ربّكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (203)
أي هلا اختلقتها، أي هلا أتيت بها من نفسك، فأعلمهم - صلى الله عليه وسلم - أن الآيات من قبل اللّه جل ثناؤه.
وقوله: (إنّما أتّبع ما يوحى إليّ من ربّي هذا بصائر من ربّكم).
أي هذا القرآن الذي أتيت به بصائر من ربكم، واحدة البصائر بصيرة.
والبصيرة والبصائر طرائق الدّم، قال الأشعر الجعفي.
راحوا بصائرهم على أكتافهم... وبصيرتي يعدو بها عتد وأيّ
والبصيرة التّرس، وجمعها بصائر.
وجميع هذا أيضا معناه ظهور الشيء وبيانه). [معاني القرآن: 2/397]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (187 - وقوله جل وعز: {وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها} [آية: 203]
قال قتادة: أي جئت بها من عند نفسك
وكذلك هو في اللغة يقال اجتبيت الشيء وارتجلته واخترعته واختلقته إذا جئت به من عند نفسك). [معاني القرآن: 3/121]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (203- {لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا} أي هلاَ اخترت لنا آية من عندك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا...}
قال: كان الناس يتكلمون في الصلاة المكتوبة، فيأتي الرجل القوم فيقول: كم صليتم؟ فيقول: كذا وكذا. فنهوا عن ذلك، فحرم الكلام في الصلاة لما أنزلت هذه الآية). [معاني القرآن: 1/402]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم ترحمون (204)
يروى أن الكلام في الصلاة كان جائزا، فكان يدخل الرجل فيقول: كم صلّيتم فيقال: صلينا كذا. فلما نزلت فاستمعوا له وأنصتوا حرم الكلام في الصلاة إلا ما كان مما يتقرب به إلى اللّه جل ثناؤه. ومما ذكرته الفقهاء نحو التسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار وما أشبه ذلك. من ذكر الله جلّ وعز ومسألته العفو.
ويجوز أن يكون فاستمعوا له وأنصتوا، اعملوا بما فيه ولا تجاوزوا لأن معنى قول القائل: سمع اللّه دعاءك. تأويله: أجاب الله دعاءك، لأن اللّه جلّ ثناؤه سميع عليم). [معاني القرآن: 2/398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (189 - وقوله جل وعز: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [آية: 204]
هذا عام يراد به الخاص
وقال إبراهيم النخعي وابن شهاب والحسن هذا في الصلاة
وقال عطاء هذا في الصلاة والخطبة
قال أبو جعفر القول الأولى أول لأن الخطبة يجب السكوت فيها إذا قرئ القرآن وإذا لم يقرأ
والدليل على صحة ما رواه إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة قال كانوا يتكلمون في الصلاة فأنزل الله جل وعز: {وإذا قرئ القرآن} إلى آخرها
قال أبو جعفر ولم يختلف في معنى قوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك} أنه في الدعاء
وقال بعضهم في قوله جل وعز: {فاستمعوا له وأنصتوا} كان هذا لرسول الله خاصة ليعيه عنه أصحابه). [معاني القرآن: 3/122-123]

تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (تضرّعاً وخيفةً) أي خوفاً وذهبت الواو بكسرة الخاء.
(والآصال) واحدتها أصل وواحد الأصل أصيل ومجازه: ما بين العصر إلى المغرب، وقال أبو ذؤيب:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله... وأقصد في أفيائه بالأصائل
يقال: آخر النهار). [مجاز القرآن: 1/238-239]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({واذكر رّبّك في نفسك تضرّعاً وخيفةً ودون الجهر من القول بالغدوّ والآصال ولا تكن مّن الغافلين}
وقال: {بالغدوّ والآصال} وتفسيرها "بالغدوات" كما تقول: "آتيك طلوع الشمس" أي: في وقت طلوع الشمس كما قال: {بالعشيّ والإبكار} وهو مثل "آتيك في الصّباح وبالمساء" وأما {الآصال} فواحدها: "أصيلٌ" مثل: "الأشرار" واحدها: "الشرير" و"الأيمان" واحدتها: "اليمين"). [معاني القرآن: 2/23]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (205- {الآصال}: واحدها أصيل وهو ما بين العصر والمغرب).[غريب القرآن وتفسيره: 156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (205 - {والآصال} آخر النهار. وهي العشي أيضا). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (واذكر ربّك في نفسك تضرّعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدوّ والآصال ولا تكن من الغافلين (205)
(بالغدوّ والآصال).
الآصال جمع. أصل، والأصل جمع أصيل، فالآصال جمع الجمع.
والآصال العشيات). [معاني القرآن: 2/398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (188 - وقوله جل وعز: {ودون الجهر من القول بالغدو والآصال} [آية: 205]
الآصال العشايا الواحد أصل وواحد أصل أصيل). [معاني القرآن: 3/121]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (والآصال): العشيات). [ياقوتة الصراط: 234]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (205- {الآصَالِ}: مابين العصر إلى المغرب). [العمدة في غريب القرآن: 141]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (206 - {إنّ الّذين عند ربّك} يعني الملائكة). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17].
قال قتادة والحسن: اللهو: المرأة.
وقال ابن عباس: هو الولد.
والتفسيران متقاربان، لأن امرأة الرجل لَهْوُهُ، وولده لَهْوُهُ ولذلك يقال: امرأة الرجل وولده ريحانتاه.
وأصل اللهو: الجماع، فكنّي عنه باللهو، كما كني عنه بالسِّرِّ، ثم قيلَ للمرأة: لَهْوٌ؛ لأنها تُجَامع.
قال امرؤ القيس:
ألا زَعَمَتْ بَسباسَةُ اليوم أنّني = كَبَرْتُ وألا يُحْسِنَ اللهوَ أمثالي
أي النكاح.
ويروى أيضا: (وألا يحسن السرَّ أمثالي): أي النكاح.
وتأويل الآية: أن النّصارى لما قالت في المسيح وأمّه ما قالت، قال الله جل وعز: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا}، أي صاحبة وولدا، كما يقولون، لاتخذنا ذلك من لدنا، أي من عندنا، ولم نتّخذه من عندكم لو كنّا فاعلين ذلك، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجه يكونان عنده وبحضرته لا عند غيره.
وقال الله في مثل هذا المعنى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [الأعراف: 206]، يعني الملائكة). [تأويل مشكل القرآن: 163] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّ الّذين عند ربّك لا يستكبرون عن عبادته ويسبّحونه وله يسجدون (206)
يعنى به الملائكة.
(ويسبّحونه) ينزهونه عن السوء.
فإن قال قائل: الله جل ثناؤه في كل مكان، قال الله تعالى: (وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض)
فمن أين قيل للملائكة: (عند ربّك)، فتأويله إنه من قرب من رحمة الله ومن تفضله وإحسانه). [معاني القرآن: 2/398]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة