{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}
تفسير قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {والشّمس وضحاها...} ضحاها: نهارها، وكذلك قوله: {والضّحى} هو النهار بكسر الضحى: من ضحاها، وكل الآيات التي تشاكلها، وإن كان أصل بعضها بالواو. من ذلك: تلاها، وطحاها، ودحاها لما ابتدئت السورة بحروف الياء والكسر اتّبعها ما هو من الواو، ولو كان الابتداء للواو لجاز فتح ذلك كله. و
كان حمزة يفتح ما كان من الواو، ويكسر ما كان من الياء، وذلك من قلة البصر بمجاري كلام العرب، فإذا انفرد جنس الواو فتحته، وإذا انفرد جنس الياء، فأنت فيه بالخيار إن فتحت وإن كسرت فصواب). [معاني القرآن: 3/266]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ضحاها}: نهارها كلّه). [تفسير غريب القرآن: 529]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {والشّمس وضحاها (1)} هذا قسم، وجوابه: {قد أفلح من زكّاها}، ومعناه لقد أفلح، ولكن اللام حذفت لأن الكلام طال فصار طوله عوضا منها.
ومعنى (وضحاها) وضيائها. وقيل: ضحاها النهار.
- وقرأ الأعمش وأصحابه: (ضحاها) و(تلاها) و(طحاها) بالفتح، وقرأوا باقي السّورة بالكسر.
- وقرأ الكسائي: السورة كلها بالإمالة.
- وقرأها أبو عمرو بن العلاء بين اللفظين.
وهذا الذي يسميه الناس الكسر ليس بكسر صحيح، يسميه الخليل وأبو عمرو الإمالة، وإنما كسر من هذه الحروف ما كان منها من ذوات الياء ليدلوا على أن الشيء من ذوات الياء.
ومن فتح (ضحاها) و(تلاها) و(طحاها) فلأنه من ذوات الواو، ومن كسر فلأن ذوات الواو كلها إذا رد الشيء إلى ما لم يسم فاعله انتقل إلى الياء، تقول قد تلي ودحي وطحي). [معاني القرآن: 5/331]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَضُحَاهَا} معناه ونهارها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 303]
تفسير قوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {والقمر إذا تلاها...} ... أنا أكسر كلاّ، يريد اتبعها يعني اتبع الشمس، ويقال: إذا تلاها فأخذ من ضوئها، وأنت قائل في الكلام: اتبعت قول أبي حنيفة، وأخذت بقول أبي حنيفة، والاتباع والتلوّ سواء). [معاني القرآن: 3/266]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والقمر إذا تلاها} أي تبع الشمس). [تفسير غريب القرآن: 529]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {والقمر إذا تلاها (2)} معناه حين تلاها، وقيل: حين - استدار فكان يتلو الشمس في الضياء والنور). [معاني القرآن: 5/331]
تفسير قوله تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {والنّهار إذا جلاّها...}: جلّى الظلمة، فجاز الكناية عن الظلمة ولم تذكر لأنّ معناها معروف، ألا ترى أنك تقول: أصبحت باردةً، وأمست باردة، وهبت شمالا، فكنى عن مؤنثات لم يجر لهن ذكر؛ لأن معناها معروف). [معاني القرآن: 3/266]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والنّهار إذا جلّاها} يعني: جلّي الظّلمة، أو الدنيا). [تفسير غريب القرآن: 529]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الاختصار أن تضمر لغير مذكور...وقال: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس: 3]، يعني: الدنيا أو الأرض). [تأويل مشكل القرآن: 226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {والنّهار إذا جلّاها (3)} قالوا: معناه إذا جلّى الظلمة، وإن لم يكن في الكلام ذكر الظلمة فالمعنى يدل عليها كما تقول: أصبحت باردة، تريد أصبحت غداتنا باردة. وقيل: {والنّهار إذا جلّاها} إذا بين الشمس لأنها تبين إذا انبسط النهار). [معاني القرآن: 5/331-332]
تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)}
تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({والسّماء وما بناها والأرض وما طحاها} ومن طحاها ومن بناها بسطها يميناً وشمالاً ومن كل جانب). [مجاز القرآن: 2/300]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {والسّماء وما بناها (5)} معناه والسماء وبنائها، وكذلك {والأرض وما طحاها} معناه والأرض وطحوها.
وكذلك: {ونفس وما سوّاها (7)} وقيل معنى "ما" ههنا معنى (من) المعنى والسماء والذي بناها.
ويحكى عن أهل الحجاز "سبحان ما سبّحت له" أي سبحان الذي سبحت، ومن سبّحت له.
فأقسم اللّه - عزّ وجلّ - بهذه الأشياء العظام من خلقه لأنها تدل على أنه واحد والذي ليس كمثله شيء). [معاني القرآن: 5/332]
تفسير قوله تعالى: {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({والسّماء وما بناها والأرض وما طحاها} ومن طحاها ومن بناها بسطها يميناً وشمالاً ومن كل جانب). [مجاز القرآن: 2/300](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({طحاها}: بسطها). [غريب القرآن وتفسيره: 430]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والأرض وما طحاها} أي بسطها. يقال: حيّ طاح، أي كثير متسع). [تفسير غريب القرآن: 529]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ما ومن ما ومن، أصلهما واحد، فجعلت من للناس، وما لغير الناس. نقول: من مرّ بك من القوم؟ وما مرّ بك من الإبل؟.
وقال أبو عبيدة في قوله تعالى {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3]: أي ومن خلق الذّكر والأنثى. وكذلك قوله تعالى: {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 6-8] هي عنده في هذه المواضع بمعنى «من».
وقال أبو عمرو: هي بمعنى (الذي). قال: وأهل مكة يقولون إذا سمعوا صوت الرعد: سبحان ما سبّحت له.
وقال الفرّاء: هو: وخلقه الذّكر والأنثى، وذكر أنها في قراءة عبد الله والذكر والأنثى). [تأويل مشكل القرآن: 533]
راجع كلام إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): عند تفسير الآية رقم 5.
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَمَا طَحَاهَا} أي بسطها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 303]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({طَحَاهَا}: بسطها). [العمدة في غريب القرآن: 348]
تفسير قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ونفسٍ وما سوّاها} قال: {ونفسٍ وما سوّاها} يقول "والّذي سوّاها" فاقسم الله تبارك وتعالى بنفسه وأنه رب النفس التي سوّاها. ووقع القسم على {قد أفلح من زكّاها} [الشمس: 9]). [معاني القرآن: 4/50]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قوله سبحانه: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10]. أقسم بالنفس وخلقه لها ثم قال: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}). [تأويل مشكل القرآن: 345](م)
راجع كلام إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): عند تفسير الآية رقم 5.
تفسير قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {فألهمها فجورها وتقواها...}: عرفها سبيل الخير، وسبيل الشر، وهو مثل قوله: {وهديناه النّجدين}). [معاني القرآن: 3/266]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فألهمها فجورها}: أعلمها ذلك). [غريب القرآن وتفسيره: 430]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فألهمها فجورها وتقواها} أي عرّفها في الفطرة). [تفسير غريب القرآن: 529]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، أي: فهّمها أعمال البر وأعمال الفجور، حتى عرف ذلك الجاهل والعاقل، ثم قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}). [تأويل مشكل القرآن: 344]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فألهمها فجورها وتقواها (8)} قيل: علمها طريق الفجور وطريق الهدى. والكلام على أن ألهمها التقوى، وفقها للتقوى.
و{ألهمها فجورها}: خذلها، واللّه أعلم). [معاني القرآن: 5/332]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَأَلْهَمَهَا}: أعلمها). [العمدة في غريب القرآن: 348]
تفسير قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {قد أفلح من زكّاها...} يقول: قد أفلحت نفس زكّاها الله، وقد خابت نفس دسّاها، ويقال: قد أفلح من زكّى نفسه بالطاعة والصدقة، وقد خاب من دسّى نفسه، فأخملها بترك الصدقة والطاعة.
ونرى -والله أعلم- أنّ {دساها} من: دسّست، بدّلت بعض سيناتها ياء، كما قالوا: تظينت من: الظن، وتقضيت يريدون: تقضضت من: تقضّض البازي، وخرجت أتلعّى: ألتمس اللّعاع أرعاه. والعرب تبدل في المشدد الحرف منه بالياء والواو من ذلك ما ذكرنا لك، وسمعت بعض بني عقيل ينشد:
* يشبو بها نشجانه [من النشيج] *
هذا آخر بيت، يريد: يشب: يظهر، يقال: الخمار الأسود يشب لون البيضاء فجعلها واوا، وقد سمعته في غير ذلك.
ويقال: دويّه وداويّه، ويقال: أما فلان فصالح وأيما، ومن ذلك قولهم: دينار أصله دنّار، يدل على ذلك جمعهم إياه دنانير، ولم يقولوا: ديانير، وديوان كان أصله: دوّان لجمعهم إياه: دواوين، وديباج: ديابيج، وقيراط، قراريط، كأنه كان قرّاط، ونرى أن دسّاها دسسها؛ لأن البخيل يخفى منزله وماله، وأن الآخر يبرز منزله على الأشراف والروابي، لئلا يستتر عن الضيفان، ومن أراده، وكل صواب). [معاني القرآن: 3/267]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({خاب من دسّاها} هي من دسست والعرب تقلب حروف المضاعف إلى الياء، قال العجاج:
تقضّى البازي إذا البازي كسر
وإنما هو الفضاض.
و"تظنيت" إنما هو تظننت. و"رجل ملب" وإنما هو من ألببت؛ أي قد أقمت بالمكان، وقد ألب الرجل، قال المضرب بن كعب:
فقلت لها فيئ إليك فإنني = حرامٌ وإنى بعد ذاك لبيب
أي مقيم أي مع ذلك). [مجاز القرآن: 2/300]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({دساها}:أدخلها، من دسست، قلبت السين ياء كما قالوا تظنيت إنما هو تظننت، ورجل ملب إنما هو من ألبيت). [غريب القرآن وتفسيره: 430]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قد أفلح من زكّاها} أي من زكي نفسه بعمل [البر]، واصطناع المعروف). [تفسير غريب القرآن: 530]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وقد خاب من دسّاها} أي دسّ نفسه -أي أخفاها- بالفجور والمعصية. والأصل من «دسّست»، فقلبت السين ياء. كما قالوا: قصّيت أظفاري، أي قصّصتها). [تفسير غريب القرآن: 530]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} يريد أفلح من زكى نفسه، أي: أنماها وأعلاها بالطاعة والبرّ والصّدقة واصطناع المعروف. وأصل التزكية: الزّيادة، ومنه يقال: زكا الزرع، يزكوا: إذا كثر ريعه، وزكت النّفقة: إذا بورك فيها، ومنه زكاة الرّجل عن ماله، لأنها تثمّر ماله وتنمّيه. وتزكية القاضي للشّاهد منه، لأنه يرفعه بالتّعديل والذّكر الجميل). [تأويل مشكل القرآن: 345]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، أي: نقصها وأخفاها بترك عمل البرّ، وبركوب المعاصي. والفاجر أبدا خفيّ المكان، زمر المروءة، غامض الشّخص، ناكس الرأس. ودسّاها: من دسّست، فقلبت إحدى السيّنات ياء، كما يقال: لبّبت، والأصل لبّيت، و: قصّيت أظفاري، وأصله قصصت. ومثله كثير.
فكأنّ النّطف بارتكاب الفواحش دسّ نفسه وقمعها، ومصطنع المعروف شهر نفسه ورفعها.
وكانت أجواد العرب تنزل الرّبا وأيفاع الأرض، لتشتهر أماكنها للمعتفين، وتوقد النّيران في الليل للطّارقين. وكانت اللئام تنزل الأولاج والأطراف والأهضام: لتخفى أماكنها على الطّالبين. فأولئك أعلوا أنفسهم وزكّوها، وهؤلاء أخفوا أنفسهم ودسوها، قال الشاعر:
وبوّأت بيتك في معلم = رحيب المباءة والمسرح
كفيت العفاة طلاب القرى = ونبح الكلاب لمستنبح
ترى دعس آثار تلك المطيّ = أخاديد كاللّقم الأفيح
ولو كنت في نفق زائغ = لكنت على الشّرك الأوضح
ومثل هذا كثير). [تأويل مشكل القرآن: 344-345]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قد أفلح من زكّاها (9)} أي قد أفلحت نفس زكاها اللّه). [معاني القرآن: 5/332]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقد خاب من دسّاها (10)} خابت نفس دسّاها اللّه. ومعنى {دسّاها} جعلها قليلة خسيسة.والأصل دسّسها، ولكن الحروف إذا اجتمعت من لفظ واحد أبدل من أحدها ياء.
قال الشاعر:
تقضّي البازي إذا البازي كسر
قالوا: معناه تقضض.
وقيل: قد أفلح من زكّى نفسه بالعمل الصالح). [معاني القرآن: 5/332-333]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({دَسَّاهَا} أي أخفاها بعمل الفجور والمعاصي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 303]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({دَسَّاهَا}: من دسست). [العمدة في غريب القرآن: 348]