(حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14) )
تفسير قوله تعالى: (حم (1) )
تفسير قوله تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) )
تفسير قوله تعالى: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : قوله عزّ وجلّ: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) )
جاء في التفسير: ما خلقناهما إلّا للحقّ، أي لإقامة الحق، وتكون على معنى ما قامت السماوات والأرض إلا بالحق.
وقوله بعقب هذا: ({وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}) أي أعرضوا بعد أن قام لهم الدليل بخلق الله السماوات والأرض، وما بينهما). [معاني القرآن: 4/437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله جل وعز: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ } [آية: 3] أي الإقامة الحق
ثم قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [آية: 3] أي أعرضوا بعدما تبين لهم الحق من خلق الله عز وجل). [معاني القرآن: 6/437]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، ثم قال: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا ...} ولم يقل: خلقت، ولا خلقن؛ لأنه إنما أراد الأصنام، فجعل فعلهم كفعل الناس وأشباههم؛ لأن الأصنام تكلّم وتعبد وتعتاد وتعظم كما تعظم الأمراء وأشباههم، فذهب بها إلى مثل الناس. وهي في قراءة عبد الله: [بن مسعود]: من تعبدون من دون الله، فجعلها (من)، فهذا تصريح بشبه الناس في الفعل وفي الاسم. وفي قراءة عبد الله: أريتكم، وعامة ما في قراءته من قول الله أريت، وأريتم فهي في قراءة عبد الله بالكاف، حتى إن في قراءته: "أريتك الذي يكذّب بالدين".
وقوله: {أو أثارةٍ مّن علمٍ...}.
قرأها العوامّ: "أثارة"، وقرأها بعضهم قال: قرأ أبو عبد الرحمن فيما أعلم و"أثرةً" خفيفة. وقد ذكر عن بعض القراء "أثرة". والمعنى فيهن كلهن: بقية من علم، أو شيء مأثور من كتب الأولين.
فمن قرأ "أثارة" فهو كالمصدر مثل قولك: السماحة، والشجاعة.
ومن قرأ "أثرة" فإنه بناه على الأثر، كما قيل: قترة.
ومن قرأ "أثرة" كأن أراد مثل قوله: {إلا من خطف الخطفة}، والرّجفة). [معاني القرآن: 3/49-50]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ("{أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ }{" ما "} هاهنا في موضع جميع.
" {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ }" أي بقية وقال راعي الإبل:
وذات أثارةٍ أكلت عليه... نباتاً في أكمتّه قفارا
أي بقية من شحمٍ أكلت عليه. ومن قال أثرة فهو مصدر أثره يأثره يذكره). [مجاز القرآن: 2/212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أو أثارة من علم}: أي بقية. ومن قرأ {أثره} فهو مصدر أثره يأثره: يذكره ويرويه. وحديث مأثور من ذلك). [غريب القرآن وتفسيره: 337]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أي بقية من علم تؤثر عن الأولين.
ويقرأ: (أثرة)، اسم مبني على «فعلة» من ذلك. والأول على «فعالة»). [تفسير غريب القرآن: 407]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({والّذين كفروا عمّا أنذروا معرضون}).
أي أعرضوا بعد أن قام لهم الدليل بخلق الله السماوات والأرض، وما بينهما ثم دعاهم إلى الدليل لهم على بطلان عبادة ما يعبدون من الأوثان فقال:
({قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)}
ويقرأ أريتم بغير ألف.
( {مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}) ما تدعونه إلها من دون اللّه.
({أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} ) أي في خلق السّماوات، أي فلذلك أشركتموهم في عبادة الله عزّ وجلّ.
({اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا}) أي ايتوني بكتاب أنزل فيه برهان ما تدّعون.
({أو أثرة من علم}) ويقرأ ( {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ})، وقرئت أو أثرة من علم - بإسكان الثاء - ومعناها؛ إذا قال: أثارة على معنى علامة من علم، ويجوز أن يكون على معنى بقية من علم، ويجوز أن يكون على معنى ما يؤثر من العلم). [معاني القرآن: 4/437-438]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم احتج عليهم فيما يعبدون فقال: {قُل أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آية: 4]
المعنى ما تدعونه إلها من دون الله
{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ }. [معاني القرآن: 6/437] أي في خلق السموات
({اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} ) أي بكتاب فيه برهان على ما قلتم
{ أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} قال مجاهد أحد يأثر علما ،
وقال الحسن شيء يثار أو يستخرج
وقال أبو عبيدة أثارة بقية
قال أبو جعفر وهذه القوال متقاربة لأن البقية هو شيء يؤثر ومعروف في اللغة أن يقال سمنت الناقة على أثارة أي على بقية من سمن
ويقرأ "أو أثرة"
روى أبو سلمة عن ابن عباس "أو أثرة" من علم قال الخط
حدثنا محمد بن أحمد يعرف بالجريجي حدثنا بندار أنبأنا يحيي بن سعيد عن سفيان الثوري عن صفوان بن سليم عن أم سلمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} قال الخط
وروى سعيد عن قتادة "أو أثرة" من علم قال خاصة من علم
قال أبو جعفر يقال لفلان عندي أثرة أو أثرة أي شيء أخصه به ومنه آثرت فلانا على فلان
ويجوز أن يكون أثرة خبرا عن بعض الأنبياء صلى الله عليهم من أثرت الحديث وذا قول أبي عبيدة). [معاني القرآن: 6/438-440]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أي: بقية أو {آثاره} مثله). [ياقوتة الصراط: 467]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( { أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ}: أي بقية). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 229]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَثَارَةٍ}: بقية
4- {أَثَرَةٍ}: مأثورة). [العمدة في غريب القرآن: 272]
تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن أضلّ ممّن يدعوا من دون اللّه من لاّ يستجيب له...}.
عني بـ {من} الأصنام، وهي في قراءة عبد الله: "مالا يستجيب له"، فهذا مما ذكرت لك في: من، وما). [معاني القرآن: 3/50]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)} أي من أضل ممن عبد غير اللّه.
وجميع ما خلق اللّه دليل على وحدانيّته فمن أضل ممن عبد حجرا لا يستجيب له.
وقال و{من}وقال {وهم} وهو لغير ما يعقل، لأن الذين عبدوها أجروها مجرى ما يميز فخوطبوا على مخاطباتهم كما قالوا: {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى}
ولو كانت " ما " لكان جيدا كما قال: {لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر} ). [معاني القرآن: 4/438]
تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)}
أي كانت الأصنام كافرة بعبادتهم إياها، تقول ما دعوهم إلى عبادتنا). [معاني القرآن: 4/438]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8)} أي فلستم تملكون من اللّه شيئا، أي اللّه أملك بعباده.
{كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}أي كفى هو شهيدا.
و{ بِهِ} في موضع رفع.
وقوله في هذا الموضع: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } معناه أنه من أتى من الكبائر العظام ما أتيتم به من الافتراء على اللّه جلّ وعزّ وعلا - ثم تاب فإن الله غفور رحيم له).
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } [آية: 8]
قال مجاهد أي تقولونه). [معاني القرآن: 6/438-440]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ...}.
يقول: لم أكن أول من بعث، قد بعث قبلي أنبياء كثير.
وقوله: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ...} نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه، وذلك أنهم شكوا إليه ما يلقون من أهل مكة قبل أن يؤمر بقتالهم، فقال النبي صلى الله عليه: إني قد رأيت في منامي أني أهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فاستبشروا بذلك، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك؛ فقالوا للنبي صلى الله عليه: ما نرى تأويل ما قلت: وقد اشتد علينا الأذى؟ فأنزل الله عز وجل: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ } أخرج إلى الموضع الذي أريته في منامي أم لا؟ ثم قال لهم: إنما هو شيء أريته في منامي، وما أتبع إل ما يوحى إليّ. يقول: لم يوح إليّ ما أخبرتكم به، ولو كان وحيا لم يقل صلى الله عليه: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ }). [معاني القرآن: 3/50-51]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" {قل ما كنت بدعاً من الرّسل} " ما كنت أولهم معناها بدأ من الرسل قال الأحوص:
فخرت فانتمت فقلت انظريني... ليس جهل أتيته ببديع). [مجاز القرآن: 2/212]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ }
قال: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ } والبدع: البديع وهو: الأوّل). [معاني القرآن: 4/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {بدعا}: أي بديعا والمعنى ما كنت أولهم. والعرب تقول: ما هذا مني ببدع). [غريب القرآن وتفسيره: 337]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قل ما كنت بدعاً من الرّسل} أي بدءا منهم ولا أولا). [تفسير غريب القرآن: 407]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : وقوله: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ(9)}أي ما كنت أول من أرسل. قد أرسل قبلي رسل كثيرون.
وقوله عزّ وجلّ:{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - رأى في منامه أنه سيصير إلى أرض ذات نخل وشجر، وقد شكا أصحابه الشدة التي نالتهم فلما أعلمهم أنه سيصير إلى أرض ذات نخل وشجر، وتأخّر ذلك استبطأوا ما قال عليه السلام، فأعلمهم أن الذي يتبعه ما يوحى إليه، إن أمر بقتال أو انتقال، وكان ذلك الأمر وحيا فهو متّبعه، ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي). [معاني القرآن: 4/439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ } [آية: 9]
قال مجاهد في قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} أي أول من أرسل
[معاني القرآن: 6/440]
وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ } وقد قال في موضع آخر ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر
فالجواب في هذا أنه ليس من ذاك وإنما المعنى والله أعلم وما أدري ما يفعل بي ولا بكم من جدب أو غيره
ويبين هذا أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا سرت أصحابه فاستبطأوا تأويلها فانزل الله جل وعز: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ } ). [معاني القرآن: 6/440-442]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}: أي أولاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 229]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بِدْعًا }: بديعاً). [العمدة في غريب القرآن: 272]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وشهد شاهدٌ مّن بني إسرائيل على مثله....}.
شهد رجل من اليهود على مثل ما شهد عليه عبد الله بن سلام من التصديق بالنبي صلى الله عليه وأنه موصوف في التوراة، فآمن ذلك الرجل واستكبرتم). [معاني القرآن: 3/51]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}
جاء في التفسير أن عبد اللّه بن سلام صار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قآمن به، وقال له: سل اليهود عني فإنهم سيزكونني عندك ويخبرونك بمكاني من العلم، فسالهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه من قبل أن يعلموا أنه قد آمن. فأخبروا عنه بأنه أعلمهم بالتوراة وبمذهبهم، وأنه عالم ابن عالم ابن عالم.
قآمن بحضرتهم وشهد أن محمدا رسول اللّه فقالوا بعد إيمانه أنت شرّنا وابن شرّنا.
قال: ألم يأتكم في التوراة عن موسى عليه السلام: إذا رأيتم محمدا فأقرئوه السلام مني وآمنوا به، وأقبل يقفهم من التوراة على أمكنة فيها ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفته، وهم يستكبرون ويجحدون ويتعمدون ستر ذلك بأيديهم.
وجواب: (إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) أتؤمنون.
ثم أعلم أن هؤلاء المعاندين خاصة لا يؤمنون،
فقال: (إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين) أي قد جعل جزاءهم على كفرهم بعدما تبين لهم الهدى مدّهم في الضلالة.
وقيل في تفسير قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ )
على مثل شهادة عبد اللّه بن سلام.
والأجود - واللّه أعلم - أن يكون (عَلَى مِثْلِهِ) على مثل شهادة النبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 4/439-440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ } [آية: 10]
قيل في الكلام حذف لعلم السامع به
والمعنى أرأيتم إن كان من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل ممن تثقون به وتقفون على صدقه وعلمه على ما شهد النبي صلى الله عليه وسلم وكفرتم به أليس قد غررتم وأتيتم أمرا قبيحا واجترأتم عليه ، فأما الشاهد من بني إسرائيل فقيل إنه عبد الله بن سلام
روى مالك عن أبي النضر عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم
وقال الحسن ومجاهد والضحاك وشهد شاهد من بني إسرائيل عبد الله بن سلام
قال أبو جعفر وفي الآية قولان آخران:
أ-قال مسروق ليس هو عبد الله بن سلام لأن السورة مكية والمعنى لموسى والتوراة وأهل الكتاب أنزل الله جل وعز التوراة على موسى فآمن بها أهل الكتاب وكفرتم به مخاطبة لقريش قال وسبقونا إليه يعني أهل الكتاب
ب- روى ابن عون عن الشعبي في قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ } قال هو رجل من أهل الكتاب وليس بعبد الله بن سلام لأن السورة مكية وإنما اسلم عبد الله بن سلام قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين
قال أبو جعفر هذا الاعتراض لا يلزم وسئل محمد بن سيرين عن هذا بعينه فقال كانت الآية تنزل فيقال لهم ألحقوها في سورة كذا وكذا
قال أبو جعفر فهذا جواب عن ذاك
ويجوز أن تكون الآية نزلت بمكة ويكون المعنى أرأيتم إن كان من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أتؤمنون
وقال الحسن نزل هذا بمكة فآمن عبد الله بن سلام بالمدينة). [معاني القرآن: 6/442-445]
تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ...}.
لمّا أسلمت: مزينة، وجهينة، وأسلم، وغفار، قالت بنو عامر بن صعصعة وغطفان، وأشجع وأسد: لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه رعاة البهم، فهذا تأويل قوله: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}). [معاني القرآن: 3/51]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: { وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم (11) } جاء في التفسير أنه لما أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار، قالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع: لو كان ما دخل فيه هؤلاء من الذين خيرا ما سبقونا إليه، ونحن أعز منهم، وإنما هؤلاء رعاة البهم). [معاني القرآن: 4/440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وقال الذين كفروا لو كان خيرا ما سبقونا إليه} [آية: 11]
3- قال مسروق هم أهل الكتاب
وقال الحسن اسلم وغفار فقالت قريش لو كان خيرا ما سبقونا إليه). [معاني القرآن: 6/445]
تفسير قوله تعالى: (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا ...}.
وفي قراءة عبد الله: مصدق لما بين يديه لسانا عربيا، فنصبه في قراءتنا على تأويل قراءة عبد الله، أي هذا القرآن يصدق التوراة عربيا مبينا، وهي في قراءة عبد الله يكون [نصبا] من مصدق. على ما فسرت لك، ويكون قطعا من الهاء في بين يديه.
وقوله عز وجل: {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ...}.
البشرى تكون رفعا ونصبا، الرفع على: وهذا كتاب مصدق وبشرى، والنصب على لتنذر الذين ظلموا وتبشر، فإذا أسقطت تبشر، ووضعت في موضعه بشرى أو بشارة نصبت،
ومثله في الكلام: أعوذ بالله منك، وسقيا لفلان، كأنه قال: وسقى الله فلانا، وجئت لأكرمك وزيارة لك وقضاء لحقك، معناه: لأزورك وأقضى حقك، فنصبت الزيارة والقضاء بفعل مضمر). [معاني القرآن: 3/51-52]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : { وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ }
وقال: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً } نصب لأنه خبر معرفة.
وقال: {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا } فنصب اللسان والعربي لأنه ليس من صفة الكتاب فانتصب على الحال أو على فعل مضمر كأنه قال: "أعني لسانا عربيّاً" وقال بعضهم: إن انتصابه على "مصدّق" جعل الكتاب مصدّق اللسان). [معاني القرآن: 4/17]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : وقوله عزّ وجلّ: ({وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)} )
{إماما} منصوب على الحال وقوله: {ورحمة} عطف عليه.
{وهذا كتاب مصدّق لسانا عربيّا}المعنى واللّه أعلم، وهو مصدق لما بين يديه لسانا عربيّا، لما جاء بعد هذا الموضع.
{قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدّقا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ}.
وحذف {له} ههنا أعني من قوله {وهذا كتاب مصدّق} لأن قبله {ومن قبله}
كتاب موسى، فالمعنى وهذا كتاب مصدّق له، أي مصدّق التوراة و{لسانا عربيّا} منصوبان على الحال.
المعنى مصدق لما بين يديه عربيّا، وذكر {لسانا} توكيدا.
كما تقول جاءني زيد رجلا صالحا، تريد: جاءني زيد صالحا.
وتذكر رجلا توكيدا، وفيه وجه آخر، على معنى وهذا كتاب مصدق لسانا عربيّا. المعنى مصدق النبي عليه السلام، فيكون المعنى مصدق ذا لسان عربى.
وقوله: {لينذر الّذين ظلموا}
ويقرأ {لتنذر الّذين ظلموا}.
{وبشرى للمحسنين} الأجود أن يكون {بشرى} في موضع رفع، المعنى وهو بشرى للمحسنين، ويجوز أن يكون بشرى في موضع نصب على معنى لينذر الذين ظلموا ويبشر المحسنين بشرى). [معاني القرآن: 4/440-441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ } [آية: 12]
فيه جوابان
أحدهما أن المعنى مصدق له أي لكتاب موسى ثم حذف لأن قبله ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة
و عربيا حال ولسانا توطئه للحال أي توكيد كما يقال جاءني زيد رجلا صالحا ويقوي هذا أنه في قراءة عبد الله وهذا كتاب مصدق لما بين يديه لسانا عربيا
والجواب الآخر أن يكون لسانا مفعولا يراد به النبي صلى الله عليه وسلم ويكون المعنى ذا لسان عربي
ثم قال: {لتنذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين} [آية: 12]
يجوز أن يكون المعنى وهو بشرى
وأن يكون المعنى وتبشر المحسنين بشرى). [معاني القرآن: 6/445-447]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)}
معنى (ثم استقاموا) أي أقاموا على توحيد اللّه وشريعة نبيه عليه السلام). [معاني القرآن: 4/441-442]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [آية: 13] قد بينا معنى ثم استقاموا فيما تقدم). [معاني القرآن: 6/447]
تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14) )