{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) }
تفسير قوله تعالى: (حم (1) )
تفسير قوله تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) )
تفسير قوله تعالى: { إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {إنّ في السّماوات والأرض لآيات للمؤمنين (3)}
المعنى - واللّه أعلم إن في خلق السّماوات والأرض لآيات ويدل عليه قوله:{وفي خلقكم وما يبثّ من دابّة آيات لقوم يوقنون (4)} ). [معاني القرآن: 4/431]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله جل وعز: {إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين}
والمعنى : إن في خلق السموات والأرض , ودل عليه قوله: {وفي خلقكم وما يبث من دابة} ). [معاني القرآن: 6/421]
تفسير قوله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {وفي خلقكم وما يبثّ من دآبّةٍ آياتٌ...}.
يقول: في خلق الآدميين وسواهم من كل ذي روح آيات.
تقرأ: الآيات بالخفض على تأويل النصب, يرد على قوله: {إنّ في السمّوات والأرض لآياتٍ}, ويقوّي الخفض فيها أنها في قراءة عبد الله: {لآيات}.
وفي قراءة أبي: لآيات لآيات لآياتٍ ثلاثهن.
والرفع قراءة الناس على الاستئناف فيما بعد إنّ، والعرب تقول: إن لي عليك مالا، وعلى أخيك مال كثير. فينصبون الثاني ويرفعونه.
وفي قراءة عبد الله: {وفي اختلاف اللّيل والنهار}, فهذا يقوي خفض الاختلاف، ولو رفعه رافع فقال:واختلاف الليل والنهار آياتٌ أيضا يجعل الاختلاف آياتٍ، ولم نسمعه من أحد من القراء قال: ولو رفع رافع الآيات، وفيها اللام كان صوابا. قال: أنشدني الكسائي:
إنّ الخلافة بعدهم لذميمة =وخلائف طرف لمما أحقر
فجاء باللام، وإنما هي جواب لأنّ، وقد رفع لأن الكلام مبني على تأويل إنّ). [معاني القرآن: 3/45]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {وفي خلقكم وما يبثّ من دابّة آيات لقوم يوقنون (4)}
يقرأ {آياتِ} . و {آيات} بخفض التاء ورفعها وهي في موضع نصب على النسق على قوله: {إنّ في السّماوات والأرض لآيات}
المعنى إن في خلقكم لآيات، ومن قرأ {لآيات}فعلى ضربين: على الاستئناف على معنى وفي خلقكم آيات, وعلى موضع أن مع ما عملت فيه.
تقول: إن زيدا قائم وعمرا وعمر, فتعطف بعمرو على زيد إذا نصبت، وإذا رفعت فعلى موضع إنّ مع زيد، فإن معنى إنّ زيدا قائم زيد قائم). [معاني القرآن: 4/430-431]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قوله: {وفي خلقكم وما يبث من دابة} : وكل ما فيه الروح فهو دابة). [معاني القرآن: 6/421]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَبُثُّ}: يفرق). [العمدة في غريب القرآن: 271]
تفسير قوله تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{واختلاف اللّيل والنّهار وما أنزل اللّه من السّماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرّياح آيات لقوم يعقلون (5)}
{آيات لقوم يعقلون} : يقرأ بالرفع وبكسر التاء والتنوين، والموضع موضع نصب ويكون قوله: {واختلاف اللّيل والنّهار} عطف على قوله: {وفي خلقكم}، وعلى قوله: {إن في السّماوات والأرض}، وإن في {اختلاف اللّيل والنّهار}آيات.
وهذا عطف على عاملين , ومثله من الشعر:
أكلّ امرىء تحسبين امرأ= ونار توقّد بالليل نارا
عطف على ما عملت فيه كل، وما عملت فيه أتحسبين.
وقد أباه بعض النحويين، وقالوا: لا يجوز إلا الرفع في قوله: {وتصريف الرّياح آيات}
وجعله عطفا على عامل واحد على معنى , واختلاف الليل والنهار , وتصريف الرياح آيات، وهذا أيضا عطف على عاملين لأنه يرفع{آيات}على العطف على ما قبلها كما خفض , {واختلاف} على العطف على ما قبلها.
ويكون معطوفا إن شئت على موضع أن وما عملت فيه، وإن شئت على قراءة من قرأ: {وفي خلقكم وما يبثّ من دابّة آيات} ). [معاني القرآن: 4/432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون}
قال قتادة: إن شاء جعلها رحمة , وإن شاء جعلها عذابا). [معاني القرآن: 6/422-421]
تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ {فبأيّ حديث بعد اللّه وآياته يؤمنون (6)}
و{تؤمنون}: جميعا، والمعنى - واللّه أعلم - فبأيّ حديث بعد كتاب اللّه وآياته يؤمنون.
قال اللّه عزّ وجلّ: {اللّه نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني}: فجعل القرآن أحسن الحديث.
وقوله: {ويل لكل أفاك أثيم}, {أفاك}: كذاب). [معاني القرآن: 4/432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون}
أي بعد قرآن الله كما قال تعالى: {واسأل القرية} ). [معاني القرآن: 6/422]
تفسير قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ويل لكل أفاك أثيم}:الأفاك: الكذاب). [معاني القرآن: 6/422]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وإذا علم من آياتنا شيئاً اتّخذها هزواً أولئك لهم عذابٌ مّهينٌ * مّن ورائهم جهنّم ولا يغني عنهم مّا كسبوا شيئاً ولا ما اتّخذوا من دون اللّه أولياء ولهم عذابٌ عظيمٌ}
وقال: {وإذا علم من آياتنا شيئاً} , ثم قال: {مّن ورائهم جهنّم ولا يغني عنهم مّا كسبوا شيئاً} , فجمع لأنه قد قال: {ويلٌ لّكلّ أفّاكٍ أثيمٍ} , فهو في معنى جماعة مثل الأشياء التي تجيء في لفظ واحد , ومعناها معنى جماعة , وقد جعل {الذي} بمنزلة {من} , وقال: {والّذي جاء بالصّدق وصدّق به أولئك هم المتّقون} , فـ"الذي" في لفظ واحد, ثم قال: {أولئك هم المتّقون}). [معاني القرآن: 4/15]
تفسير قوله تعالى: {(مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ من ورائهم جهنّم }: أي : من بين أيديهم). [مجاز القرآن: 2/210]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وإذا علم من آياتنا شيئاً اتّخذها هزواً أولئك لهم عذابٌ مّهينٌ * مّن ورائهم جهنّم ولا يغني عنهم مّا كسبوا شيئاً ولا ما اتّخذوا من دون اللّه أولياء ولهم عذابٌ عظيمٌ}
وقال: {وإذا علم من آياتنا شيئاً} , ثم قال: {مّن ورائهم جهنّم ولا يغني عنهم مّا كسبوا شيئاً} , فجمع : لأنه قد قال: {ويلٌ لّكلّ أفّاكٍ أثيمٍ} , فهو في معنى جماعة مثل الأشياء التي تجيء في لفظ واحد ومعناها معنى جماعة وقد جعل {الذي} بمنزلة {من} , وقال: {والّذي جاء بالصّدق وصدّق به أولئك هم المتّقون} , فـ"الذي" في لفظ واحد, ثم قال: {أولئك هم المتّقون}). [معاني القرآن: 4/15] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({من ورائهم جهنّم} : أي : أمامهم). [تفسير غريب القرآن: 405]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(وراء) تكون بمعنى (خلف) وبمعنى (قدّام).
ومنها المواراة والتّواري. فكلّ ما غاب عن عينك فهو وراء، كان قدّامك أو خلفك.
قال الله عز وجل: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79]، أي أمامهم.
وقال: {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} [الجاثية: 10]، أي أمامهم). [تأويل مشكل القرآن: 189] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ}: أي أمامهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 227]
تفسير قوله تعالى: {هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)}
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({رِّجْزٍ}: عذاب). [العمدة في غريب القرآن: 271]
تفسير قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وسخّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعا منه}.
ويقرأ (منّة), (جميعا) منصوب على الحال، والمعنى كل ذلك منه تفضّل وإحسان.
و(منّة) على معنى المفعول له، والمعنى فعل ذلك منّة، أي: منّ منّة؛ لأن تسخيره بمعنى منّ عليكم). [معاني القرآن: 4/436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه}
روى إسرائيل , عن سماك عن عكرمة, عن ابن عباس قال: منه النور , ومنه الشمس , ومنه القمر .
ويقرأ جميعا منة بمعنى: من به منة
ويقرأ منة, بمعنى ذلك منة
ويجوز منه على أنه مصدر كما قال تعالى: {صنع الله} ). [معاني القرآن: 6/422-423]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:{قل لّلّذين آمنوا يغفروا...}.
معناه في الأصل: حكاية بمنزلة الأمر، كقولك: قل للذين آمنوا اغفروا؛ فإذا ظهر الأمر مصرحا فهو مجزوم؛ لأنه أمر، وإذا كان على الخبر مثل قوله: {قل للذين آمنوا يغفروا}، {وقل لّعبادي يقولوا} ,و{قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}: فهذا مجزوم بالتشبيه بالجزاء والشرط كأنه قولك: قم تصب خيرا، وليس كذلك، ولكن العرب إذا خرج الكلام في مثال غيره وهو مقارب له عرّبوه بتعريبه، فهذا من ذلك، وقد ذكرناه في غير موضع، ونزلت قوله: {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه} في المشركين قبل أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال أهل مكة.
وقوله: {ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون...}.
قرأها يحيى بن وثاب: لنجزي بالنون، وقرأها الناس بعد {ليجزي قوما} بالياء وهما سواء بمنزلة قوله: {وقد خلقتك من قبل}، {وقد خلقناك من قبل} , وقد قرأ بعض القراء فيما ذكر لي: {ليجزي قوماً} , وهو في الظاهر لحن، فإن كان أضمر في {يجزي} فعلا يقع به الرفع كما تقول: أعطي ثوبا ليجزي ذلك الجزاء قوما فهو وجه). [معاني القرآن: 3/45-46]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ للّذين لا يرجون أيّام اللّه }: لا يخافون). [مجاز القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ومن ذلك قوله في سورة الأنبياء: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] كتبت في المصاحف بنون واحدة، وقرأها القرّاء جميعا ننجي بنونين إلا عاصم بن أبي النّجود فإنه كان يقرؤها بنون واحدة، ويخالف القرّاء جميعا، ويرسل الياء فيها على مثال (فعل).
فأما من قرأها بنونين، وخالف الكتاب، فإنه اعتل بأن النون تخفى عند الجيم، فأسقطها كاتب المصحف لخفائها، ونيّته إثباتها.
واعتلّ بعض النحويين لعاصم فقالوا: أضمر المصدر، كأنه قال: نجّي النجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب الضرب زيدا، ثم تضمر الضّرب، فتقول: ضرب زيدا.
وكان أبو عبيد يختار في هذا الحرف مذهب عاصم كراهية أن يخالف الكتاب، ويستشهد عليه حرفا في سورة الجاثية، كان يقرأ به أبو جعفر المدني، وهو قوله: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14] أي ليجزى الجزاء قوما.
وأنشدني بعض النحويين:
ولو ولدت فقيرةُ جروَ كلب = لسُبَّ بذلك الجرو الكلابا
). [تأويل مشكل القرآن: 54-55] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله}
قال مجاهد : أي : لا يبالون نعم الله أي لا يعلمون أنه أنعم بها عليهم كما قال تعالى: {وذكرهم بأيام الله}
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون المعنى لا يرجون البعث , أي: لا يؤمنون به .
وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ). [معاني القرآن: 424-6/423]
تفسير قوله تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {على شريعةٍ...}.: على دين وملة ومنهاج كل ذلك يقل). [معاني القرآن: 3/46]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ على شريعةٍ }: على طريقة وسنة). [مجاز القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ثمّ جعلناك على شريعةٍ}: أي على ملة ومذهب.
ومنه يقال: شرعت لك كذا، وشرع فلان في كذا: إذا أخذ فيه. ومنه «مشارع الماء», وهي : الفرض التي يشرع فيها الناس والواردة). [تفسير غريب القرآن: 405]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}
روى سعيد , عن قتادة قال: الشريعة: الفرائض , والحدود , والأمر , والنهي
قال أبو جعفر : الشريعة في اللغة المذهب والملة , ومنه شرع فلان في كذا , ومنه الشارع : لأنه طريق إلى المقصد
فالشريعة : ما شرع الله لعباده من الدين , والجمع الشرائع , أي: المذاهب). [معاني القرآن: 425-6/424]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شَرِيعَةٍ}: طريقة). [العمدة في غريب القرآن: 271]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإنّ الظّالمين بعضهم أولياء بعضٍ واللّه وليّ المتّقين...}.
ترفع الله، وهو وجه الإعراب إذا جاء الاسم بعد إنّ، وخبر فارفعه كان معه فعل أو لم يكن.
فأما الذي لا فعل معه , فقوله: {أنّ اللّه بريٌ من المشركين ورسوله} ,وأمّا الذي معه فعل فقوله جل وعز: {واللّه وليّ المتقين}). [معاني القرآن: 3/46]
تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({هذا بصائر للنّاس }: مجازها: هذا القرآن بصائر للناس). [مجاز القرآن: 2/210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هذا بصائر للنّاس وهدى ورحمة لقوم يوقنون (20)}
(هذا): إشارة إلى القرآن، المعنى هذا القرآن بصائر للناس). [معاني القرآن: 433-4/432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون} : أي : هذا القرآن). [معاني القرآن: 6/425]
تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات...}.
الاجتراح: الاقتراف، والاكتساب.
وقوله: {سواء مّحياهم ومماتهم...}
تنصب سواء، وترفعه، والمحيا والممات في موضع رفع بمنزلة قوله: رأيت القوم سواء صغارهم وكبارهم، تنصب سواء؛ لأنك تجعله فعلا لما عاد على الناس من ذكرهم، وما عاد على القوم وجميع الأسماء بذكرهم، وقد تقدم فعله، فاجعل الفعل معربا بالاسم الأول.
تقول: مررت بقوم سواء صغارهم وكبارهم، ورأيت قوم سواء صغارهم وكبارهم.
وكذلك الرفع - وربما جعلت العرب: (سواءً) في مذهب اسم بمنزلة حسبك، فيقولون: رأيت قوما سواء صغارهم وكبارهم، فيكون كقولك: مررت برجل حسبك أخوه ولو جعلت مكان سواء مستوٍ لم ترفع، ولكن تجعله متبعا لما قبله، مخالفا لسواء؛ لأن مستويا من صفة القوم، ولأن سواء - كالمصدر، والمصدر اسم.
ولو نصبت: المحيا والممات - كان وجها تريد أن تجعلهم سواء في محياهم ومماتهم). [معاني القرآن: 3/47]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ أم حسب الّذين اجترحوا السّيئات }: اكتسبوا , { أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات }, تم الكلام ثم استأنف فقال { سواءٌ محياهم ومماتهم }: أي: سواء حياة الكافر ومماته , هو كافر حياته ومماته , والمؤمن مؤمن حياته ومماته). [مجاز القرآن: 2/210]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نّجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواء مّحياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}
وقال: {سواء مّحياهم ومماتهم} رفع.
وقال بعضهم: إنّ المحيا والممات للكفار , كأنه قال:{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن تجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات}, , ثم قال "سواءٌ محيا الكفار ومماتهم", أي محياهم محيا سوء ومماتهم ممات سوء فرفع "السواء" على الابتداء.
ومن فسر "المحيا" و"الممات" للكفار والمؤمنين فقد يجوز في هذا المعنى نصب السواء , ورفعه لأن من جعل السواء مستويا فينبغي له أن يرفعه لأنه الاسم إلا أن ينصب المحيا والممات على البدل ونصب السواء على الاستواء, وإن شاء رفع السواء إذا كان في معنى مستوي لأنها صفة لا تصرف كما تقول "رأيت رجلاً خيراً منه أبوه" , والرفع أجود). [معاني القرآن: 4/15-16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اجترحوا السّيّئات} : أي: اكتسبوها, ومنه قيل لكلاب الصيد: جوارح). [تفسير غريب القرآن: 405]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21)}
{سواء محياهم ومماتهم}, ويقرأ{سواء محياهم ومماتهم} ، وقد قرئت سواء محياهم ومماتهم بنصب الممات.
وحكى بعض النحويين أن ذلك جائز في العربية.
ومعنى {اجترحوا}: اكتسبوا، ويقال: فلان جارحة أهله , أي : كاسبهم، والاختيار عند سيبويه , والخليل , وجميع البصريين {سواءٌ}برفع سواء.
وعليه - أكثر القراء، ويجيزون النصب، وتقول: ظننت زيدا - سواء أبوه وأمّه، وسواء أبوه وأمّه.
والرفع أجود، لأن سواء في مذهب المصدر كما تقول: ظننت زيدا ذو استواء أبوه وأمّه.
ومن قرأ {سواءً} بالنصب جعله في موضع مستويا محياهم ومماتهم ومن نصب محياهم ومماتهم، فهو عند قوم من النحويين {سواء} في محياهم وفي مماتهم، ويذهب به مذهب الأوقات، وهو يجوز على غير ذلك على أن يجعله بدلا من الهاء والميم.
ويكون المعنى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعل محياهم ومماتهم سواء كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، أي كمحيا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ومماتهم). [معاني القرآن: 4/433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}
اجترحوا السيئات: أي : كسبوا السيئات ,ومنه :{ويعلم ما جرحتم بالنهار }, ومنه : الجوارح , أي: الكواسب
وقوله تعالى: {سواء محياهم ومماتهم}
قال: مجاهد المؤمن يموت مؤمنا ويبعث مؤمنا , والكافر يموت كافرا ويبعث كافرا
ويقرأ : {سواء محياهم ومماتهم } , وقرأ الأعمش:{ سواء محياهم ومماتهم }
قال أبو جعفر: القراءة الأولى أحسن من جهة المعنى على قول مجاهد , وهي أيضا أجود عند النحويين من جهة الإعراب , وقراءة الأعمش على البدل , وعند الفراء بمعنى الظرف.). [معاني القرآن: 6/426]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ}: أي: اكتسبوها , ومنها قيل للكلاب : جوارح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 227]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {اجْتَرَحُوا}: اكتسبوا). [العمدة في غريب القرآن: 271]