{الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)}
تفسير قوله تعالى:{الم (1) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الم} قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/684]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" الم " ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي , ومجاز موضعه في المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السور.). [مجاز القرآن: 2/130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الم (1) تنزيل الكتاب} , قد شرحنا ما قيل في " الم "). [معاني القرآن: 4/203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ورفع {تنزيل} على خبر الابتداء على إضمار الذي نتلو تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون في المعنى خبرا عن (الم)، أي: (الم) من تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون رفعه على الابتداء، ويكون خبر الابتداء {لا ريب فيه} ). [معاني القرآن: 4/203] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين}
المعنى : هذا تنزيل الكتاب , وقيل المعنى : {الم} من تنزيل الكتاب .
ويجوز أن يكون المعنى : تنزيل الكتاب لا شك فيه , وقد بينا معنى : الم ولا ريب فيه , في سورة البقرة.). [معاني القرآن: 5/297-298]
تفسير قوله تعالى:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {تنزيل الكتاب لا ريب فيه} [السجدة: 2] حدّثني أبي أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: يعني: لا شكّ فيه.
قوله عزّ وجلّ: {من ربّ العالمين}، أي: لا شكّ فيه أنّه من ربّ العالمين). [تفسير القرآن العظيم: 2/684]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ورفع {تنزيل} على خبر الابتداء على إضمار الذي نتلو تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون في المعنى خبرا عن (الم)، أي : (الم) من تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون رفعه على الابتداء، ويكون خبر الابتداء : {لا ريب فيه} ). [معاني القرآن: 4/203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {الم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} : المعنى : هذا تنزيل الكتاب .
وقيل : المعنى : {الم} من تنزيل الكتاب .
ويجوز أن يكون المعنى : تنزيل الكتاب , لا شك فيه , وقد بينا معنى : الم ولا ريب فيه في سورة البقرة). [معاني القرآن: 5/297-298] (م)
تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أم يقولون افتراه}، يعني: المشركين يقولون: إنّ محمّدًا افترى القرآن، أي: قد قالوه، وهو على الاستفهام.
قال: {بل هو}، يعني: القرآن.
{الحقّ من ربّك} يقوله للنّبيّ عليه السّلام.
{لتنذر} لكي تنذر.
[تفسير القرآن العظيم: 2/684]
{قومًا} وهو تفسير السّدّيّ.
قال: {ما أتاهم من نذيرٍ من قبلك}، يعني: قريشًا تنذرهم العذاب {لعلّهم يهتدون} لكي يهتدوا). [تفسير القرآن العظيم: 2/685]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أم يقولون افتراه }: مجازه مجاز " أم " التي توضع في موضع معنى الواو , ومعنى " بل ": سبيلها, ويقولون:" وبل" , ويقولون، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ=غلس الظّلام من الرّباب خيالا
أي : بل رأيت.
" افتراه " أي: تكذبه , واخترقه , وتخلقه من قبل نفسه.). [مجاز القرآن: 2/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وتكون أم بمعنى ألف الاستفهام، كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54]، أراد: أيحسدون الناس؟.
وقوله: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ}، أي زاغت عنهم الأبصار وألف اتخذناهم موصولة.
وكقوله: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}، أراد: أله البنات {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}. أراد: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}، أراد: أعندهم الغيب.
وهذا في القرآن كثير، يدلّك عليه قوله: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}، ولم يتقدم في الكلام: أيقولون كذا وكذا فترد عليه: أم تقولون؟ وإنما أراد أيقولون: افتراه، ثم قال: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}). [تأويل مشكل القرآن: 546-547] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{أم يقولون افتراه بل هو الحقّ من ربّك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلّهم يهتدون (3)} معناه : بل , أيقولون افتراه؟!
وقوله:{لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك}, ومثله :{لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم}
و " ما " في جمع الموضعين نفي، أي : لم يشاهدوا هم , ولا آباؤهم نبيّا.
فأما الإنذار بما قدم من رسل اللّه صلى اللّه عليهم , فعلى آبائهم به الحجة، لأن اللّه عزّ وجلّ لا يعذب إلا من كفر بالرسل.
والدليل على ذلك قوله:{وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} ). [معاني القرآن: 4/203-204]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أم يقولون افتراه} : أي : بل : أيقولون افتراه ؟!.
وقوله جل وعز: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} : أي: يقضي القضاء في السماء , ثم ينزله إلى الأرض.). [معاني القرآن: 5/298]
تفسير قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {اللّه الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ} [السجدة: 4] اليوم منها ألف سنةٍ.
{ثمّ استوى على العرش ما لكم من دونه من وليٍّ} [السجدة: 4] يؤمّنكم من عذابه إذا أراد عذابكم.
{ولا شفيعٍ} يشفع لكم عنده حتّى لا يعذّبكم.
قال: {أفلا تتذكّرون} يقوله للمشركين). [تفسير القرآن العظيم: 2/685]
تفسير قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يدبّر الأمر}، يعني: ينزل الوحي، وهو تفسير السّدّيّ.
قال: {من السّماء إلى الأرض} قال: ينزله مع جبريل من السّماء إلى الأرض.
{ثمّ يعرج إليه} يصعد إليه جبريل إلى السّماء.
{في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} [السجدة: 5] يقول: ينزل ويصعد في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ.
قال السّدّيّ: من أيّام الدّنيا.
قال يحيى: إنّ بين السّماء والأرض مسيرة خمس مائة سنةٍ، فينزل مسيرة خمس مائة سنةً ويصعد مسيرة خمس مائة سنةٍ في يومٍ، وفي أقلّ من يومٍ، وربّما سأل النّبيّ عليه السّلام عن الأمر يحضره، فينزل عليه في
[تفسير القرآن العظيم: 2/685]
أسرع من الطّرف.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن محمّد بن المنكدر، أنّ رسول اللّه عليه السّلام، قال: «ما أشاء أن أرى جبريل في بعض الأفق يزجي أمرًا من أمر اللّه إلا رأيته».
وقال السّدّيّ: يعني: مقدار نزول جبريل وصعوده إلى السّماء ألف سنةٍ ممّا تعدّون لغير جبريل). [تفسير القرآن العظيم: 2/686]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ثمّ يعرج إليه}: مجازه: ينزل وهو من المعارج , أي : الدرج.). [مجاز القرآن: 2/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يعرج إليه}: يصعد وينزل {والمعارج} الدرج).[غريب القرآن وتفسيره: 300]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :( {يدبّر الأمر} :أي : يقضي القضاء {من السّماء}، فينزله {إلى الأرض}, {ثمّ يعرج إليه} :أي : يصعد إليه , {في يومٍ} واحد {كان مقداره} أي مسافة نزوله وصعوده {ألف سنةٍ} , يريد: نزول الملائكة , وصعودها). [تفسير غريب القرآن: 346]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (في سورة السجدة {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}.
يريد سبحانه: أنه يقضي الأمر في السماء وينزله مع الملائكة إلى الأرض فتوقعه، ثم تعرج إلى السماء، أي تصعد، بما أوقعته من ذلك الأمر، فيكون نزولها به ورجوعها في يوم واحد مقداره ألف سنة مما تعدّون. يريد مقدار المسير فيه على قدر مسيرنا وعددنا ألف سنة؛ لأن بعد ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم، فإذا قطعته الملائكة، بادئة وعائدة في يوم واحد، فقد قطعت مسيرة ألف سنة في يوم واحد). [تأويل مشكل القرآن: 353]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأمر: القضاء، قال الله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ}، أي يقضي القضاء. وقال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} أي القضاء). [تأويل مشكل القرآن: 515] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون (5)}
أعلم الله عزّ وجلّ أنه يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثم يعرج الأمر إليه في يوم، وذلك اليوم مقداره ألف سنة مما تعدون.
ومعنى يعرج : ينزل , ويصعد , يقال : عرجت في السّلم , أعرج، ويقال: عرج يعرج؛ إذا صار أعرج.).[معاني القرآن: 4/204]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون}
قال أبو جعفر : هذه الآية مشكلة , وقد قال في موضع آخر : {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة }
ولأهل التفسير فيها أقوال:
أ- من ذلك ما حدثنا بكر بن سهل , قال : حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس :{في يوم كان مقداره ألف سنة }, قال :(هذا في الدنيا , وقوله جل وعز: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}, قال : فهذا يوم القيامة جعله الله عز وجل على الكفار مقدار خمسين ألف سنة) .
ب- وحدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام , قال : حدثنا أبو داود سليمان بن داود , قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن ابن أبي نجيح , عن وهب بن منبه : {في يوم كان مقداره ألف سنة }, قال : (ما بين أسفل الأرض إلى العرش) .
ج- قال ابن أبي نجيح , عن مجاهد : (وفي ذلك , قال: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى منها , ولا كم بقي) .
قال أبو جعفر : وقيل يوم القيامة أيام : فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة .
قال أبو جعفر : يوم في اللغة بمعنى وقت فالمعنى على هذا : تعرج الملائكة , والروح إليه في وقت مقداره ألف سنة , وفي وقت آخر أكثر من ذاك , وعروجا أكثر من ذاك مقداره خمسون ألف سنة.). [معاني القرآن: 5/298-300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْرُجُ}: يصعد, {المعراج}: الدرج.).[العمدة في غريب القرآن: 241]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال عزّ وجلّ: {ذلك عالم الغيب والشّهادة} وهذا تبعٌ للكلام الأوّل: {لا ريب فيه من ربّ العالمين} ثمّ أخبر بقدرته ثمّ قال: {عالم الغيب والشّهادة العزيز الرّحيم}، يعني: نفسه، والغيب السّرّ، والشّهادة العلانية و {العزيز} في نقمته، {الرّحيم} بخلقه.
- حدّثني الصّلت بن دينارٍ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الفارسيّ قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق يوم خلق السّموات والأرض مائة رحمةٍ، كلّ رحمةٍ منها طباقها السّموات والأرض، فأنزل منها رحمةً واحدةً فبها تتراحم الخليقة حتّى ترحم البهيمة بهيمتها والوالدة ولدها، حتّى إذا كان يوم القيامة جاء بتلك التّسعة وتسعين رحمةً، ونزع تلك الرّحمة من قلوب
الخليقة، فأكملها مائة رحمةٍ، ثمّ نصبها بينه وبين خلقه، فالخائب من خاب من تلك المائة رحمةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/686]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ} [السجدة: 7]، يعني: آدم، خلق اللّه تبارك وتعالى آدم من طينٍ قبضه من جميع الأرض بيضاء، وحمراء، وسوداء، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فمنهم
[تفسير القرآن العظيم: 2/686]
الأبيض والأحمر، والأسود، والسّهل، والحزن، والخبيث، والطّيّب). [تفسير القرآن العظيم: 2/687]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه...}
يقول: أحسنه فجعله حسناً, ويقرأ :{أحسن كلّ شيء خلقه} , قرأها أبو جعفر المدنيّ , كأنه قال: ألهم خلقه كلّ ما يحتاجون إليه فالخلق، منصوبون بالفعل الذي وقع على (كلّ) , كأنك قلت : أعلمهم كل شيء , وأحسنهم.
وقد يكون الخلق منصوبا كما نصب قوله: {أمراً من عندنا} , في أشباه له كثيرة من القرآن؛ كأنك قلت: كلّ شيء خلقاً منه , وابتداء بالنعم.). [معاني القرآن: 2/330-331]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أحسن كلّ شيءٍ خلقه }: مجازه: أحسن خلق كل شيء , والعرب تفعل هذا يقدمون , ويؤخرون , قال الشاعر:
وطعني إليك الليل حضنيه إنّني= لتلك إذا هاب الهدان فعول
معناه: وطعني حضني الليل إليك , وقال الراعي:
كان هنداً ثناياها وبهجتها= يوم التقينا على أدحال دبّاب
أي : كأن ثنايا هند , وبهجة هند، دباب: مكان سمي أدحال دباب , وهو اسم مكان , أو رجل، واحد الأدحال دحلٌ، قال ذو الرمة
= عفا الّزرق من أطلال ميّة فالدّحل .).[مجاز القرآن: 2/130-131]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {الّذي أحسن كلّ شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين (7)}
وقد قرئ : {خلقه}: بتحريك اللام , وتسكينها جميعا , ويجوز خلقه بالرفع , ولا أعلم أحدا قرأ بها.
فأمّا {خلقه}: فعلى الفعل الماضي.
وتأويل الإحسان في هذا : أنه خلقه على إرادته , فخلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلق القرد على ما أحب عزّ وجلّ , وخلقه إياه على ذلك من أبلغ الحكمة .
من قرأ {خلقه}بتسكين اللام , فعلى وجهين:
أحدهما : المصدر الذي دل عليه أحسن، والمعنى : الذي خلق كل شيء خلقه.
ويجوز أن يكون على البدل , فيكون المعنى: الذي أحسن خلق كل شيءخلقه، والرفع على إضمار: " ذلك خلقه ".
وقوله عزّ وجلّ: {وبدأ خلق الإنسان من طين}
يعني : آدم وذريته، فآدم خلق من طين.). [معاني القرآن: 4/204-205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {الذي أحسن كل شيء خلقه}
قال , وهو مثل قوله تعالى: {أعطى كل شيء خلقه}
أي : لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة , ولا خلق البهيمة على خلق الإنسان
وقيل : أي : لم يعجزه , وأحسن ما قيل في هذا ما رواه خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس في قوله جل وعز: {أحسن كل شيء خلقه} قال: (أحسن في خلقه , جعل الكلب في خلقه حسنا).
قال أبو جعفر : ومعنى هذا : أحسن في فعله , كما تقول أحسن فلان في قطع اللص.). [معاني القرآن: 5/300-301]
تفسير قوله تعالى:{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ثمّ جعل نسله} نسل آدم بعد.
{من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ} [السجدة: 8]، يعني: النّطفة، تفسير مجاهدٍ والسّدّيّ وغيرهما.
وقال مجاهدٌ: {ماءٍ مهينٍ} [السجدة: 8] ضعيفٍ، يعني: نطفة الرّجل). [تفسير القرآن العظيم: 2/687]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ ثمّ جعل نسله من سلالة مّن ماءٍ مهينٍ }: مجازه ثم خلق ولده من ماء انسل , فخرج من مائه , أي : هراقته يقال: انسل فلان وفلان لم ينسل، مهين , أي : ضعيف مائع رقيق, قال:
فجاءت به غضب الأديم غضنفراً= سلالة فرج كان غير حصين). [مجاز القرآن: 2/131]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين (8)}
ومعنى : مهين: ضعيف، ومعنى : السلالة في اللغة : ما ينسل من الشيء القليل، وكذلك الفعالة : نحو الفضالة , والنّخامة , والقوارة.). [معاني القرآن: 4/205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين}
{السلالة} : للقليل مما ينسل , والمهين : الضعيف.). [معاني القرآن: 5/301]
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ثمّ سوّاه} [السجدة: 9]، يعني: سوّى خلقه كيف شاء.
{ونفخ فيه من روحه} [السجدة: 9] قال: {وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} [السجدة: 9] أقلّكم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/687]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قليلاً ما تشكرون}: مجازه: تشكرون قليلا , و" ما " من حروف الزوائد , قال الشاعر:
فعن ما ساعة وفداو إليه= بما أعدمنهم أهلاً ومالا
أي : ففي ساعة , أي: بعد ساعة.). [مجاز القرآن: 2/131]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وقالوا}، يعني: المشركين.
{أئذا ضللنا في الأرض} [السجدة: 10]، أي: إذا كنّا عظامًا ورفاتًا.
{أئنّا لفي خلقٍ جديدٍ} [السجدة: 10] على الاستفهام منهم، وهذا استفهامٌ على إنكارٍ، أي: أنّا لا نبعث بعد الموت.
قال اللّه تبارك وتعالى: {بل هم بلقاء ربّهم كافرون} [السجدة: 10] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/687]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ضللنا...}
و{ضللنا} لغتان.
وقد ذكر , عن الحسن , وغيره أنه قرأ : (إذا صللنا) حتى لقد رفعت إلى عليّ (صللنا) بالصاد , ولست أعرفها، إلا أن تكون لغةً لم نسمعها , إنما تقول العرب: قد صلّ اللحم فهو يصلّ، وأصلّ يصلّ، وخمّ يخمّ , وأخمّ يخمّ.
قال الفرّاء: لو كانت: صللنا بفتح اللام لكان صوابا، ولكني لا أعرفها بالكسر.
والمعنى في: {إذا ضللنا في الأرض} يقول: إذا صارت لحومنا وعظامنا تراباً كالأرض, وأنت تقول: قد ضلّ الماء في اللبن، وضلّ الشيء في الشيء إذا أخفاه , وغلبه.). [معاني القرآن: 2/331]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وقالوا أئذا ضللنا في الأرض }: مجازه: همدنا فلم يوجد لنا لحم ولا عظم.). [مجاز القرآن: 2/131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقالوا أإذا ضللنا في الأرض}:أي: بطلنا , وصرنا تراباً.). [تفسير غريب القرآن: 346]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والضلال: الهلكة والبطلان، ومنه قوله تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ}. أي: بطلنا ولحقنا بالتراب: ويقال: أضلّ القوم ميّتهم، أي: قبروه.
قال النابغة: وَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَينٍ جَلِيَّةٍ
أي: قَابِرُوهُ). [تأويل مشكل القرآن: 457-458]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنّا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربّهم كافرون (10)}
ويقرأ : (أنّا لفي خلق جديد)، ويقرأ :(إنّا لفي خلق جديد) , وموضع (إذا) نصب.
فمن قرأ (أإنّا) فعلى معنى : أنبعث إذا ضللنا في الأرض؟!.
ويكون يدلّ عليه " إنا لفي خلق جديد "، ومن قرأ إنا لفي خلق – جديد فإذا منصوبة بـ ضللنا، ويكون بمعنى الشرط والجزاء، ولا يضر ألا يذكر الفاء؛ لأن " إذا " قد وليها الفعل الماضي، ولا يجوز أن ينتصب " إذا " بما بعد " أن "، لا خلاف بين النحويين في ذلك.
ومعنى " إذا ضللنا " : إذا متنا , فصرنا ترابا وعظاما , فضللنا في الأرض , فلم يتبين شيء من خلقنا، ويقرأ صللنا بالصاد، ومعناه على ضربين:
أحدهما : أنتنّا , وتغيّرنا، وتغيّرت صورنا، يقال: صلّ اللحم وأصلّ إذا أنتن وتغيّر.
والضرب الثاني : صللنا صرنا من جنس الصّلّة، وهي الأرض اليابسة.). [معاني القرآن: 4/205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد}
وروى عن الحسن أنه قرأ : (صللنا) بفتح اللام .
وروى بعضهم بكسر اللام.
قال مجاهد : (ضللنا, أي: أهلكنا) .
قال أبو جعفر : معنى : ضللنا : صرنا ترابا وعظاما , فلم نتبين , وهو يرجع إلى قول مجاهد.
ومعنى صللنا بفتح اللام : أنتنا , وتغيرنا, وتغيرت , صورنا يقال : صل اللحم , وأصل إذا أنتن وتغي, ويجوز أن يكون من الصلة , وهي الأرض اليابسة , لا يعرف صللنا بكسر اللام). [معاني القرآن: 5/302]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل يتوفّاكم ملك الموت الّذي وكّل بكم} [السجدة: 11]، يعني: يقبض أرواحكم، تفسير السّدّيّ قال: {ملك الموت الّذي وكّل بكم} [السجدة: 11] جعلت لملك الموت الأرض مثل الطّست يقبض أرواحهم كما يلتقط الطّير الحبّ.
عاصم بن حكيمٍ، أنّ مجاهدًا قال: جوّنت له الأرض فجعلت مثل
[تفسير القرآن العظيم: 2/687]
الطّست ينال منها حيث يشاء.
قال يحيى: وبلغنا أنّه يقبض روح كلّ شيءٍ في البرّ والبحر.
قال: {ثمّ إلى ربّكم ترجعون} [السجدة: 11] يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 2/688]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ قل يتوفاكم ملك الموت }: مجازه منتوفى العدد من الموتى.
قال منظور الزبيري:
إن بني الأدرم ليسوا من أحد= ليسوا إلى قيسٍ وليسوا من أسد
ولا توفّاهم قريشٌ في العدد.). [مجاز القرآن: 2/131-132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({قل يتوفّاكم ملك الموت}: هو من «توفّي العدد واستيفائه», وأنشد أبو عبيدة:
إنّ بني الأدرم ليسوا من أحد = ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد
ولا توفّاهم قريش في العدد, أي : لا تجعلهم قريش, وفاء لعددها, والوفاء: التّمام.). [تفسير غريب القرآن: 346]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل يتوفّاكم ملك الموت الّذي وكّل بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون (11)}
من توفية العدد، تأويله أنه يقبض أرواحكم أجمعين , فلا ينقص واحد منكم، كما تقول: قد استوفيت من فلان , وتوفيت من فلان مالي عنده، فتأويله : أنه لم يبق لي عليه شيء). [معاني القرآن: 4/205]
تفسير قوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولو ترى إذ المجرمون} [السجدة: 12] المشركون.
{ناكسو رءوسهم عند ربّهم} [السجدة: 12] خزايا نادمين.
{ربّنا أبصرنا وسمعنا} [السجدة: 12] يقولون: {ربّنا أبصرنا وسمعنا} [السجدة: 12] سمعوا حين لم ينفعهم السّمع، وأبصروا حين لم ينفعهم البصر.
{فارجعنا} [السجدة: 12] إلى الدّنيا.
{نعمل صالحًا إنّا موقنون} [السجدة: 12] بالّذي أتانا به محمّدٌ أنّه حقٌّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/688]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وربما جعلت العرب (الإضلال) في معنى الإبطال والإهلاك؛ لأنه يؤدّي إلى الهلكة، ومنه قوله تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة: 10]، أي بطلنا ولحقنا بالتراب وصرنا منه. والعرب تقول: ضلّ الماء في اللبن: إذا غلب اللبن عليه فلم يتبيّن.
وقال النابغة الذبياني يرثي بعض الملوك:
وآبَ مضلّوه بعينٍ جَلِيَّةٍ = وَغُودِرَ بالجَوْلانِ حَزْمٌ وَنَائِلُ
أي قَابِرُوه، سمَّاهم مضلّين لأنهم غيَّبُوهُ وَأَفْقَدُوهُ فَأبطَلوه). [تأويل مشكل القرآن: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك: حذف الكلمة والكلمتين.
كقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} والمعنى فيقال لهم: أكفرتم؟
وقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} والمعنى يقولون: ربنا أبصرنا.
وقوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}.
والمعنى يقولان: ربنا تقبّل منا.
وقال ذو الرّمة يصف حميرا:
فلمّا لبسن اللّيل أو حين نصَّبَتْ = له من خَذَا آذانِها وهو جانح
أراد أو حين أقبل الليل نصّبت.
وقال: ........... وقد بدا = لذي نُهْيَةٍ أن لا إِلَى أُمِّ سَالِم
أراد: أن لا سبيل إلى أم سالم). [تأويل مشكل القرآن: 216] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنّا موقنون (12)}
هذا متروك الجواب، وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب الخلق : الدليل عليه ذلك: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}, فهو بمنزلة : {ولو ترون }, فالجواب: لرأيتم ما يعتبر به غاية الاعتبار.
وقوله:{ربّنا أبصرنا وسمعنا}: فيه إضمار " يقولون : ربّنا أبصرنا.). [معاني القرآن: 4/206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعما صالحا}
في الكلام حذف , والمعنى : ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم , لرأيت ما تعتبر به اعتباره شديدا , والمعنى : يقولون ربنا , حذف القول أيضاً.). [معاني القرآن: 5/303]
تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولو شئنا لآتينا} [السجدة: 13] لأعطينا.
{كلّ نفسٍ هداها} [السجدة: 13] كقوله: {أفلم ييئس الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا} [الرعد: 31] هداها، وكقوله: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا} [يونس: 99] قال: {ولكن حقّ القول منّي} [السجدة: 13] سبق القول منّي.
وتفسير السّدّيّ، يعني: وجبت كلمة العذاب منّي.
{لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} [السجدة: 13]، يعني: المشركين من كلا الفريقين.
وكقوله لإبليس: {اخرج منها مذءومًا مدحورًا لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين} [الأعراف: 18]
- وحدّثني يزيد بن إبراهيم، والحسن بن دينارٍ، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: اختصمت الجنّة والنّار، فقالت النّار: يا ربّ ما لي يدخلني
[تفسير القرآن العظيم: 2/688]
الجبّارون والمتكبّرون؟ وقالت الجنّة: يا ربّ، ما لي يدخلني ضعفاء النّاس وسقطهم؟ فقال للنّار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، وقال للجنّة: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها، فأمّا الجنّة فإنّ
اللّه تبارك وتعالى لا يظلم النّاس شيئًا، وينشئ لها ما يشاء من خلقه، وأمّا النّار فيقذف فيها {وتقول هل من مزيدٍ} [ق: 30] ويقذف فيها {وتقول هل من مزيدٍ} [ق: 30] ويقذف فيها {وتقول هل من مزيدٍ} [ق: 30] حتّى يضع عليها قدمه فحينئذٍ تمتلئ وتنزوي بعضها إلى بعضٍ وتقول: قد، قد.
وقال بعضهم: قد، قد ثلاث مرّاتٍ.
خداشٌ، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله، غير أنّه قال: قط، قط، قط، قط، قط، قط). [تفسير القرآن العظيم: 2/689]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها ولكن حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين (13)}
تأويله مثل قوله: {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى}
ومثله : {فظلّت أعناقهم لها خاضعين}
وقوله: {ولكن حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين}
قال قتادة : (بذنوبهم، وهذا حسن؛ لأن اللّه عز وجل قال:{إنّما تجزون ما كنتم تعملون}) ). [معاني القرآن: 4/206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها}
أي: لو شئنا لأريناهم آية تضطرهم إلى الإيمان , كما قال تعالى: {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين}, ثم قال جل وعز: {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}
قال قتادة : (أي: بذنوبهم)). [معاني القرآن: 5/303]
تفسير قوله تعالى:{فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال عزّ وجلّ: {فذوقوا} [السجدة: 14]، أي: عذاب جهنّم.
{بما نسيتم لقاء يومكم هذا} [السجدة: 14] بما تركتم الإيمان بلقاء يومكم هذا.
{إنّا نسيناكم} [السجدة: 14] إنّا تركناكم في النّار، وهو تفسير السّدّيّ، تركوا من الخير ما لم يتركوا من الشّرّ.
قال: {وذوقوا عذاب الخلد} [السجدة: 14] الدّائم، الّذي لا ينقطع.
{بما كنتم تعملون} [السجدة: 14] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/689]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ إنّا نسيناكم}: مجازه: إنا تركناكم , ولم ننظر إليكم , والله عز وجل لا ينسى , فيذهب الشيء من ذكره , قال النابغة:
كأنه خارجاً من جنب صفحته= سفّود شربٍ نسوه عند مفتأد
أي : تركزه.).[مجاز القرآن: 2/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والنسيان: الترك، كقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ}، أي ترك.
وقوله: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}، أي بما تركتم الإيمان بلقاء هذا اليوم {إِنَّا نَسِينَاكُمْ}، أي تركناكم.
وقوله: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}، أي لا تتركوا ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 500] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنّا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون (14)}
تأويل النسيان ههنا : الترك، المعنى : فذوقوا بما تركتم عمل لقاء يومكم هذا , فتركناكم من الرحمة.). [معاني القرآن: 4/206]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّما يؤمن بآياتنا الّذين إذا ذكّروا بها خرّوا سجّدًا وسبّحوا بحمد ربّهم} [السجدة: 15] في سجودهم.
{وهم لا يستكبرون} [السجدة: 15]، يعني: لا يتكبّرون عن عبادة اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/689]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما يؤمن بآياتنا الّذين إذا ذكّروا بها خرّوا سجّداً...}
كان المنافقون إذا نودي بالصلاة أتوها, فإن خفوا عن أعين المسلمين تركوها، فأنزل الله. {إنّما يؤمن بآياتنا الّذين إذا ذكّروا بها} , إذا نودوا إلى الصّلاة أتوها , فركعوا , وسجدوا غير مستكبرين.).[معاني القرآن: 2/331]
تفسير قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} [السجدة: 16]
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} [السجدة: 16] لذكر اللّه تبارك وتعالى، يعني: الصّلاة.
- المعلّى، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: كانوا يتناومون إذا أمسوا من قبل أن تفترض صلاة العشاء، فلمّا فرضت جعلوا لا ينامون حتّى يصلّوا، فشقّ ذلك عليهم فنزلت: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} [السجدة: 16] حتّى أتمّ الآية.
- الخليل بن مرّة، عن أبان بن أبي عيّاشٍ قال: جاءت امرأةٌ إلى أنس بن مالكٍ عابدةً، فقالت: إنّما لي من اللّيل هذه النّومة، ما بين المغرب إلى العشاء، وإنّي أوكل من أهلي من يوقظني عند الأذان بالعشاء، فقال أنسٌ: وكّلي من أهلك من لا يدعك تنامين حتّى تصلّيها فإنّ فيها أنزلت: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} [السجدة: 16] وكان القوم قبل أن تفترض عليهم ينامون،
فلمّا فرضت عليهم اجتنبوا مضاجعهم حتّى يصلّوها.
- الحسن، عن الحسن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن النّوم قبل العشاء والحديث بعدها.
وسمعت سعيدًا يذكر عن قتادة، عن الحسن أنّه قال: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} [السجدة: 16] قال: هو قيام اللّيل.
- قال: وسمعت حمّاد بن سلمة يذكر عن عاصم بن بهدلة، عن شهر بن حوشبٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أوصى معاذ بن جبلٍ بأشياء، فقال في آخر ذلك: والقيام من اللّيل ثمّ تلا هذه الآية: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} [السجدة: 16].
- وأخبرنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ قال: كانوا يتيقّظون ما بين
[تفسير القرآن العظيم: 2/690]
المغرب والعشاء يصلّون ما بينهما.
قال: {يدعون ربّهم خوفًا وطمعًا} [السجدة: 16] خوفًا من عذابه.
تفسير السّدّيّ: {وطمعًا} [السجدة: 16] في رحمته، يعني: الجنّة.
{وممّا رزقناهم ينفقون} [السجدة: 16] الزّكاة المفروضة). [تفسير القرآن العظيم: 2/691]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع...}
يقال: هو النوم قبل العشاء., كانوا لا يضعون جنوبهم بين المغرب والعشاء حتى يصلّوها, ويقال: إنهم كانوا في ليلهم كلّه {تتجافى}: تقلق {جنوبهم عن المضاجع} عن النوم في الليل كلّه {خوفاً وطمعاً} ). [معاني القرآن: 2/331]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تتجافى جنوبهم عن المضاجع }: مجازه: ترتفع عنها وتنحى لأنهم يصلون بالليل، قال الزفيان من بني عوافة:
وصاحبي ذات هبابٍ دمشق= كأنها غبّ الكلال زورق
أذلّ برءاً الثافرين دوسق= شوارها قتودها والنمرق
وبرةٌ فيها زمامٌ معلق= كأن ثنيين شجاعٌ مطرق
وابن ملاطٍ متجافٍ أدفق
برءاً: متعوج على خلقه الطير زين، وثافر الزور مقدمه , ومؤخره، وبيت دوسق ليس بعظيم , لا صغيرٍ وسطٌ، متجافٍ: أي: منتحى عن كركرتها.). [مجاز القرآن: 2/132-133]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({تتجافى جنوبهم}: ترتفع). [غريب القرآن وتفسيره: 300]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تتجافى جنوبهم}: أي: ترتفع). [تفسير غريب القرآن: 346]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفا وطمعا وممّا رزقناهم ينفقون (16)}
معنى : {تتجافى}: ترتفع , وتفارق المضاجع، ومعنى : {خوفا وطمعا}: خوفا من عذاب اللّه , وطمعا في رحمة اللّه.
وانتصاب {خوفا وطمعا}لأنه مفعول له، كما تقول: فعلت ذلك حذار الشرّ , أي : لحذار الشرّ , وحقيقته أنه في موضع المصدر؛ لأن {يدعون ربّهم}في هذا الموضع يدل على أنهم يخافون عذابه , ويرجون رحمته، فهو في تأويل : يخافون خوفا , ويطمعون طمعا.
وقوله: {وممّا رزقناهم ينفقون}:أي : ينفقون في طاعة اللّه، وقد اختلف في تفسيرها، وأكثر ما جاء في التفسير : أنهم كانوا يصلون في الليل وقت صلاة العتمة المكتوبة , لا ينامون عنها، وقيل : التطوع بين الصلاتين: صلاة المغرب , والعشاء الآخرة.). [معاني القرآن: 4/206-207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا}
روى قتادة , عن أنس قال : (يتيقظون بين العشاء , والعتمة , فيصلون).
وقال عطاء : (لا ينامون قبل العشاء حتى يصلوها).
وقال الحسن , ومجاهد : (يصلون في جوف الليل) , وكذلك قال مالك , والأوزاعي , وهذا القول أشبهها , لجهتين :-
إحداهما : أن أبا وائل روى , عن معاذ بن جبل قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم :(( ألا أدلك على أعمال الخير : الصوم جنة , والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار , وصلاة الرجل في جوف الليل , ثم تلا :{تتجافى جنوبهم عن المضاجع } , حتى :{يعملون}.)). والجهة الأخرى أنه جل وعزقال :{فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}
حدثنا محمد بن أحمد يعرف بالجريجي , قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن السلمي , قال : حدثنا عمرو بن عبد الوهاب , قال : حدثنا أبو أسامة , عن الأعمش , عن أبي صالح , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ : {من قرات أعين }, فهذه بصلاة الليل أشبه ؛ لأنهم جوزوا على ما أخفوا بما خفي .
روى أبو سلمة , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( قال ربكم : أعددت لعبادي الصالحين : ما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر , اقرءوا إن شئتم :{فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}.)).). [معاني القرآن: 5/304-306]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}: أي: تترافع عن المضاجع للصلاة.). [ياقوتة الصراط: 407]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَتَجَافَى}: ترتفع.).[العمدة في غريب القرآن: 241]
تفسير قوله تعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون} [السجدة: 17] على قدر أعمالهم.
حدّثني الخليل بن مرّة أنّ اللّه تبارك وتعالى يقول: ادخلوا الجنّة برحمتي واقتسموها بأعمالكم.
- وحدّثنا عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " إنّ اللّه تبارك وتعالى قال: " أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشرٍ، اقرءوا إن شئتم، قال اللّه: {فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون} [السجدة: 17]
- وإنّ في الجنّة شجرةً يسير الرّاكب في ظلّها مائة عامٍ ما يقطعها، اقرءوا إن شئتم، قال اللّه: {وظلٍّ ممدودٍ} [الواقعة: 30] وزاد فيه خداشٌ، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ عليه السّلام: ولقاب قوس أحدكم من الجنّة، وموضع سوطه في الجنّة خيرٌ من الدّنيا وما فيها، اقرءوا إن شئتم قال اللّه تبارك وتعالى: {فمن زحزح عن النّار وأدخل الجنّة فقد فاز وما الحياة الدّنيا إلا متاع الغرور} [سورة آل عمران: آية 185].
[تفسير القرآن العظيم: 2/691]
- أبان العطّار، عن أبي طلالٍ، عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ العبد ليعطى على باب الجنّة ما يكاد فؤاده يطير لولا أنّ اللّه تبارك وتعالى يبعث إليه ملكًا فيشدّ فؤاده»). [تفسير القرآن العظيم: 2/692]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّا أخفي...}
وكلّ ينصب بالياء؛ لأنه فعل ماض؛ كما تقول: أهلك الظالمون. وقرأها حمزة (مّا أخفي لهم مّن قرّة أعينٍ) بإرسال الياء. وفي قراءة عبد الله {مّا نخفي لهم مّن قرّة أعينٍ} فهذا اعتبار وقوّة لحمزة. وكلٌّ صواب, وإذا قلت : {أخفي لهم}, وجعلت (ما) في مذهب (أي) كانت (ما) رفعاً بما لم تسمّ فاعله.
ومن قرأ : {أخفي لهم} بإرسال الياء وجعل (ما) في مذهب (أيّ) كانت نصباً في {أخفي} , و{نخفي} , ومن جعلها بمنزلة الشيء أوقع عليها (تعلم) , فكانت نصباً في كلّ الوجوه. وقد قرئت : {قرّات أعين} : ذكرت عن أبي هريرة.). [معاني القرآن: 2/332]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون (17)}
دليل على أنها الصلاة في جوف الليل؛ لأنه عمل يستسرّ الإنسان به , فجعل لفظ ما يجازى به (أخفي).
ويقرأ بإسكان الياء، ويكون المعنى : ما أخفي أنا لهم. إخبار عن اللّه.
وإذا قرئت: {أخفي لهم من قرّة أعين} بفتح الياء , فعلى تأويل الفعل الماضي، ويكون اسم ما لم يسم فاعله ما في أخفي من ذكر " ما ". وقرأ الناس كلهم :{من قرّة أعين} إلا أبا هريرة , فإنه قرأ : {من قرّات أعين} .
ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم :{جزاء بما كانوا يعملون}
" جزاء " أيضا منصوب مفعول له, وقرئت: {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم}, أي: ما أخفى اللّه لهم.). [معاني القرآن: 4/207-208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) قال :( { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}
حدثنا محمد بن أحمد يعرف بالجريجي , قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن السلمي , قال: حدثنا عمرو بن عبد الوهاب, قال: حدثنا أبو أسامة , عن الأعمش , عن أبي صالح , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ: {من قرات أعين} , فهذه بصلاة الليل , أشبه لأنهم جوزوا على ما أخفوا بما خفي.
روى أبو سلمة , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال ربكم : (( أعددت لعبادي الصالحين , ما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر , اقرءوا إن شئتم : {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}. )). ). [معاني القرآن: 5/305-306] (م)
تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا} [السجدة: 18]، يعني: كمن كان مشركًا.
{لا يستوون} [السجدة: 18] وهو على الاستفهام). [تفسير القرآن العظيم: 2/692]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لاّ يستوون}
ولم يقل: يستويان؛ لأنها عامّ، وإذا كان الاثنان غير مصمود لهما , ذهبا مذهب الجمع , تقول في الكلام: ما جعل الله المسلم كالكافر فلا تسوّينّ بينهم، وبينهما. وكلّ صواب.). [معاني القرآن: 2/332]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون (18)}
جاء في التفسير : أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام, وعقبة بن أبي معيط.
فالمؤمن: عليّ رضي اللّه عنه، والفاسق : عقبة ابن أبي معيط، فشهد الله لعليّ بالإيمان , وإنه في الجنة بقوله: {أمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم جنّات المأوى}.
وقال: {لا يستوون}, ولو كان قال: لا يتسويان , لكان جائزا.
ولكن {من}: لفظها لفظ الواحد، وهي تدل على الواحد وعلى الجماعة , فجاء {لا يستوون}, على معنى : لا يستوي المؤمنون, والكافرون, ويجوز أن يكون {لا يستوون}للاثنين، لأن معنى الاثنين جماعة.). [معاني القرآن: 4/208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا}
روى أبو عمرو بن العلاء , عن مجاهد , عن ابن عباس قال: (نزلت في رجلين من قريش) , إلى تمام الآيات الثلاث .
وقال ابن أبي ليلى : نزلت في علي بن أبي طالب صلوات الله عليه , ورجل من قريش .
وقيل : نزلت في علي عليه السلام , والوليد بن عقبة بن أبي معيط , فشهد الله جل وعز لعلي بن أبي طالب بالإيمان , وأنه في الجنة.). [معاني القرآن: 5/306-307]
تفسير قوله تعالى: {أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم جنّات المأوى} [السجدة: 19] يعني أنّه يأوي إليها أهل الجنّة، وجنّة المأوى اسمٌ من أسماء الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/692]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (فقال جل وعز: {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى}
وجاء على الجمع ؛ لأن الاثنين جماعة , ويكون لجميع المؤمنين , وإن كان سبب النزول مخصوصا لإبهام «من».). [معاني القرآن: 5/307]
تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وأمّا الّذين فسقوا} [السجدة: 20]، يعني: أشركوا.
{فمأواهم النّار كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} [السجدة: 20] أنّهم إذا كانوا في أسفلها رفعتهم بلهبها، حتّى إذا كانوا في أعلاها رجوا أن يخرجوا منها، فضربوا بمقامع من حديدٍ، فهووا إلى أسفلها.
{وقيل لهم ذوقوا عذاب النّار الّذي كنتم به تكذّبون} [السجدة: 20]، يعني: العذاب الّذي كنتم تكذّبون به في الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 2/692]
تفسير قوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولنذيقنّهم من العذاب الأدنى} [السجدة: 21] سفيان، عن إسماعيل السّدّيّ، عن مسروقٍ، عن ابن مسعودٍ قال: هو يوم بدرٍ.
الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: العذاب الأدنى بالسّيف يوم بدرٍ.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: عذاب الدّنيا وعذاب القبر دون
[تفسير القرآن العظيم: 2/692]
العذاب الأكبر جهنّم، والأكبر الأشدّ.
وقال السّدّيّ: يعني بالعذاب الأدنى: العذاب الأقرب، وهو الجوع في الدّنيا.
{دون العذاب الأكبر} [السجدة: 21]، يعني: النّار في الآخرة، كقوله في والنّجم: {فكان قاب قوسين أو أدنى} [النجم: 9]، يعني: أقرب.
{لعلّهم} لعلّ من يبقى منهم.
{يرجعون} عن الشّرك إلى الإيمان، فعذّبهم بالسّيف يوم بدرٍ، ومن بعدهم على من شاء الإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 2/693]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولنذيقنّهم مّن العذاب الأدنى...}...
- حدثني شريك بن عبد الله , عن منصور , عن إبراهيم , أو عن مجاهد - شكّ الفراء - في قوله: {ولنذيقنّهم مّن العذاب الأدنى} , قال: (مصائب تصيبهم في الدنيا دون عذاب الله يوم القيامة)). [معاني القرآن: 2/332]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ولنذيقنّهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلّهم يرجعون (21)} الأدنى : ما يصيبهم في الدنيا، وقد اختلف في تفسيرها.
فقيل: ما يصيبهم من الجدب والخوف، ويكون دليل هذا القول قوله:{ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات}
وقيل " العذاب الأدنى " ههنا : السّباء , والقتل، وجملته أن كل ما يعذّب به في الدنيا , فهو العذاب الأدنى، والعذاب الأكبر : عذاب الآخرة.). [معاني القرآن: 4/208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون}
روى أبو الضحى , عن مسروق , عن عبد الله بن مسعود : {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى }, قال: يوم بدر.
{لعلهم يرجون}: لعل من بقي منهم يتوب.
وروى إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , وأبي عبيدة , عن عبد الله :{ولنذيقنهم من العذاب الأدنى}, قال: (سنون أصابت قوما قبلكم).
وروى عكرمة , عن ابن عباس :{ولنذيقنهم من العذاب الأدنى }, قال: (الحدود).
وقال علقمة , والحسن , وأبو العالية , والضحاك, قالوا : (المصيبات في الدنيا) .
وروى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: (القتل , والجوع لقريش في الدنيا دون العذاب الأكبر يوم القيامة في الآخرة) .
وروى أبو يحيى , عن مجاهد قال : (العذاب الأدنى : عذاب القبر , وعذاب الدنيا).
وروى الأعمش, عن مجاهد قال: (المصيبات) , وهذه الأقوال ليست بمتناقضة , وهي ترجع إلى أن معنى : الأدنى: ما كان قبل يوم القيامة). [معاني القرآن: 5/309]