{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}
تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {قل أعوذ بربّ الفلق...}
{الفلق}: الصبح، يقال: هو أبين من فلق الصبح، وفرق الصبح.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد اشتكى شكواً شديدا فكان يوما بين النائم واليقظان، فأتاه ملكان فقال أحدهما: ما علّته؟ فقال الآخر: به طبٌّ في بئر تحت صخرة فيها، فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث عمار بن ياسر في نفر إلى البئر، فاستخرج السحر، وكان وتراً فيه إحدى عشرة عقدة، فجعلوا كلما حلوا عقدة وجد راحة حتى حلت العقد، فكأنه أنشط من عقال، وأمر أن يتعوذ بهاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية على عدد العقد، وكان الذي سحره لبيد بن أعصم). [معاني القرآن: 3/301]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({الفلق} الصبح). [مجاز القرآن: 2/317]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الفلق}: الصبح). [غريب القرآن وتفسيره: 447]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الفلق}: الصبح). [تفسير غريب القرآن: 543]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل أعوذ بربّ الفلق (1)} وهو فلق الصبح وهو ضياؤه، ويقال أيضا فرق الصبح، يقال: "هو أبين من فلق الصبح".
ومعنى الفلق الخلق: قال اللّه عزّ وجلّ: {فالق الإصباح} و {فالق الحبّ والنّوى}. وكذلك فلق الأرض بالنبات والسحاب بالمطر، وإذا تأملت الخلق تبين لك أن خلقه أكثره عن انفلاق.
فالفلق جميع المخلوقات وفلق الصبح من ذلك). [معاني القرآن: 5/379]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({الفلق}: جهنم، والفلق - أيضا: ضوء الفجر، والفلق - أيضا: المطمئن بين الربوتين، والفلق - أيضا: القيد الذي يكون من خشب يقال له: الأدهم). [ياقوتة الصراط: 609]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْفَلَقِ} الصبح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 309]
تفسير قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)}
تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {ومن شرّ غاسقٍ إذا وقب...}. والغاسق: الليل.
{إذا وقب} إذا دخل في كل شيء وأظلم، ويقال: غسق وأغسق). [معاني القرآن: 3/301]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن شرّ غاسقٍ إذا وقب} قوله: {من شرّ غاسقٍ إذا وقب} تقول "غسق" "يغسق" "غسوقاً" وهي: "الظلمة". و"وقب" "يقب" "وقوباً" وهو الدخول في الشيء). [معاني القرآن: 4/54]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({غاسق إذا وقب}: الغاسق في التفسير القمر وقالوا الليل.
{وقب}: دخل وغاب). [غريب القرآن وتفسيره: 447]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( و(الغاسق): الليل، و«الغسق»: الظلمة.
{إذا وقب}: دخل في الكسوف. أي دخل في كل شيء.
ويقال «الغاسق» القمر إذا كسف فاسود . {إذا أوقب}: دخل في الكسوف). [تفسير غريب القرآن: 543]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ومن شرّ غاسق إذا وقب (3)} {غاسق} يعنى به الليل.
{إذا وقب} إذا دخل. وقيل لليل غاسق -واللّه أعلم- لأنه أبرد من النهار. والغاسق البارد). [معاني القرآن: 5/379]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (و{غاسق إذا وقب} قال ثعلب: فيه قولان: هو القمر، وهو الليل، والقمر هو: قول رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- لعائشة رضي الله عنها: ((تعوذي من شر هذا الغاسق)) وهو الاختيار.
{وقب} أي: دخل في كل شيء، ويقال -أيضا- وقب إذا انكشف، وهو دخوله في غير أبراجه). [ياقوتة الصراط: 609-611]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((الغاسق) الليل.
{وَقَبَ} دخل في كلّ شيء، وقيل: (الغاسق) القمر، و{وَقَبَ} دخل في الكسوف فاسودّ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 309]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غَاسِقٍ}: القمر، الليل {وَقَبَ}: دخل). [العمدة في غريب القرآن: 361]
تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {ومن شرّ النّفّاثات في العقد...}. وهن السواحر ينفثن سحرهن). [معاني القرآن: 3/301]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (و {النّفّاثّات} السحرة ينفثن، قال عنترة:
فإن يبرأ فلم أنفث عليه = وإن يفقد فحقّ له الفقود).
[مجاز القرآن: 2/317]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({النفاثات}: السحرة ينفثن في الناس العقد، والنفث شبيه بالنفخ والتفل لا يكون إلا ومعه ريق). [غريب القرآن وتفسيره: 447]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({النّفّاثات}: السّواحر. و«ينفثن»: يتفلن إذا سحرن ورقين). [تفسير غريب القرآن: 543]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأنكروا مع هذا (السّحر) إلا من جهة الحيلة.
وقالوا: مِنْهُ رُقَاةُ التَّمِيمَةٍ يُفَرَّقُ بها بين المرء وزوجه، والكذب تصرف به القلوب عن المحبة إلى البغضة، وعن البغضة إلى المحبة.
وقالوا: منه السّموم يُسحر بها فتقطع عن النساء، وتحتّ الشّعر وتغيّر الخلق.
والله تعالى يقول: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 4-5] فأعلمنا أنهن ينفثن- والنّفث كالتّفل- كما ينفث الرّاقي في عقد يعقدها.
قال الشاعر:
يُعَقِّدُ سِحْرَ البَابِلِيِّينَ طَرْفُهَا = مِرَاراً ويسقينا سلافاً من الخمر
فأراد أنَّ طرفها يذهب بعقولنا كما يذهب السّحر والراح بالعقل.
وقد سُحر رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وجعل سحره في بئر ذي أروان، واستخرجه (عليّ) منها، وجعل يحلّه عقدة عقدة، فكلما حل عقدة وجد النبي، صلّى الله عليه وسلّم راحة وخفّا، فلما فرغ من حلّه قام النبي، صلّى الله عليه وسلّم، كأنما أنشط من عقال.
وقال الله تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102]. أفتراهما كانا يعلّمان التّمائم، والكذب وسقي السّموم؟!). [تأويل مشكل القرآن: 115](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {ومن شرّ النّفّاثات في العقد (4)} {النّفّاثات}: السواحر، تنفث: تتفل بلا ريق كأنه نفخ كما يفعل كل من يرقى). [معاني القرآن: 5/379]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({النَّفَّاثَاتِ} السّواحر يَنْفُثن، أي [يَتْفُلْنَ] إذا سحرن ورَقَيْن. والنّفث ريحٌ يخرج من الفم، لا ريق معه. والتفل: ريح معه شيء من ريق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 309]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({النَّفَّاثَاتِ}: السحرة). [العمدة في غريب القرآن: 361]
تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}، يعني: الذي سحره لبيداً). [معاني القرآن: 3/301]