أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري (ت:44هـ)
أصله ونسبه:
هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حُضار من بني الأشعر، وهم بطن من العرب القحطانية.
وأصله من اليمن، من بلدة يقال لها "رِمَع" قُرب زبيد.
- قال ياقوت الحموي: (رمع: بكسر أوّله، وفتح ثانيه، وعين مهملة، مرتجل، موضع باليمن، وقيل: هو جبل باليمن).
قال: (وقال نصر: رمع قرية أبي موسى ببلاد الأشعريّين من اليمن قرب غسّان وزبيد)ا.هـ..
إسلامه وهجرته:
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فأسلم، ثم رجع إلى أرض قومه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قدم هو وأناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه؛ فقسم لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد ما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قال أبو أسامة الكوفي الحافظ: حدثني بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جدّه أبي بردة، عن أبي موسى، قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأَخَوانِ لي، أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال: بضعاً، وإما قال: ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي.
قال: فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده.
فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا.
قال: فوافقنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر؛ فأسهم لنا، أو قال: أعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم.
قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة -: نحن سبقناكم بالهجرة.
قال: فدخلتْ أسماء بنت عميس -وهي ممن قدم معنا- على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرةً، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه؛ فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها؛ فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟
قالت: أسماء بنت عميس.
قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟
فقالت أسماء: نعم.
فقال عمر: سبقناكم بالهجرة؛ فنحن أحقّ برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم.
فغضبت، وقالت كلمة: كذبتَ يا عمر كلا، والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعَكم، ويعظ جاهلَكم، وكنَّا في دار -أو في أرض - البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلتَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نُؤذَى ونُخَاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذبُ ولا أزيغُ ولا أزيد على ذلك.
قال: فلما جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبيَّ الله إنَّ عمر قال: كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهلَ السفينة هجرتان»
قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً، يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيءٌ هم به أفرحُ ولا أعظمُ في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بردة: فقالت أسماء: (فلقد رأيت أبا موسى وإنَّه ليستعيدُ هذا الحديثَ مني). رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو أسامة: حدثنا بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان» رواه البخاري.
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي؛ فبلغ ذلك قريشاً؛ فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد، وجمعوا للنجاشي هدية، فقدمنا وقدموا على النجاشي). رواه ابن سعد.
مناقبه وفضائله:
لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه مناقب كثيرة؛ فقد كان من السابقين إلى الإسلام؛ وهاجر هجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهد له الني صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن منيب، وأنه من قوم يحبهم الله ويحبونه، وأثنى على تلاوتهم للقرآن، وقيامهم به.
وكان من كبار علماء الصحابة وقرائهم وفقهائهم، وكان حسن الصوت بتلاوة القرآن، حسن القيام به.
دعا له النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع، وبعثه إلى اليمن قاضياً ومعلّماً، وأميراً على مخلافٍ منها.
وقاد الجيوش في بعض فتوح فارس، وهو الذي افتتح أصبهان وتستر والسوس والأهواز وهمذان وغيرها من بلاد فارس.
- قال أبو أسامة الكوفي: حدثني بريد بن عبد الله عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال في دعائه: (( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريماً)). متفق عليه.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا حُميد، عن أنس قال: إنه لما أقبل أهل اليمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد جاءكم أهل اليمن، هم أرق منكم قلوباً)).
قال أنس: (وهم أول من جاء بالمصافحة). رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في سننه.
- وقال يحيى بن أيوب المصري، عن حميد الطويل قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقدم عليكم غداً أقوام هم أرقّ قلوباً للإسلام منكم».
قال: (فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون، يقولون:
غدا نلقى الأحبة ... محمدا وحزبه
فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا هم أولَّ من أحدث المصافحة). رواه أحمد والضياء المقدسي في المختارة.
- وقال شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياضاً الأشعري، يقول: (لما نزلت {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم قومك يا أبا موسى» وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري). رواه ابن سعد وابن أبي شيبة والحاكم وصححه وأبو نعيم في تاريخ أصبهان.
- وقال مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة بن الحصيب قال: خرج بريدة عشاء فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت رجل يقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تراه مرائيا؟» فأسكت بريدة.
فإذا رجل يدعو؛ فقال: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت. الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده - أو قال والذي نفس محمد بيده - لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب».
قال: فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاء؛ فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأخذ بيده فأدخله المسجد؛ فإذا صوت الرجل يقرأ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتقوله مرائيا؟»
فقال بريدة: أتقوله مرائيا يا رسول الله؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا. بل مؤمن منيب، لا. بل مؤمن منيب»؛ فإذا الأشعري يقرأ بصوت له في جانب المسجد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريَّ، -أو إن عبد الله بن قيس- أعطي مزمارا من مزامير داود».
فقلت: ألا أخبره يا رسول الله؟
قال: «بلى فأخبره» فأخبرته، فقال: (أنت لي صديق أخبرتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث). رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو في السنن الكبرى للنسائي مختصرا.ً
- وقال بريد بن عبد الله، عن جدّه أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: «أبشر» فقال: قد أكثرت علي من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: «رد البشرى، فاقبلا أنتما» قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال: «اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا». فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة). رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو بردة، عن أبي موسى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار)). علّقه البخاري في صحيحه، ووصله مسلم من طريق أبي أسامة الحافظ عن بريد بن عبد الله عن جدّه أبي بردة.
- وقال أبو أسامة الحافظ: حدثني بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد، بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم» رواه البخاري ومسلم.
حسن صوته بالقرآن
مما اشتهر عن أبي موسى رضي الله عنه حُسن صوته بالقرآن، بل ذكر بعض التابعين أنه أحسن الصحابة صوتاً بالقرآن.
وقد استمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تلاوته وعجب من حسن صوته، وعجب منه الصحابة، وكان ربما إذا قام يتهجّد من الليل استمعوا إلى تلاوته، وفي ذلك أحاديث وآثار.
- قال أبو يحيى الحِمَّاني: حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود » رواه البخاري.
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: حدثنا طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» رواه مسلم.
- وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري قام ليلة يصلي، فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته، وكان حلو الصوت، فقُمْن يستمِعْن، فلما أصبح، قيل له: إن النساء كنَّ يستمعن، فقال: (لو علمت لحبرتكن تحبيرا ولشوقتكن تشويقا). رواه ابن سعد.
- وقال ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر كان إذا رأى أبا موسى قال: (ذكّرنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده). رواه ابن سعد، وهو منقطع لكن يعضده ما رواه شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة العبدي قال: قال عمر لأبي موسى: (شوّقنا إلى ربنا) فقرأ، فقالوا: الصلاة، فقال عمر: (أولسنا في صلاة؟). وقد أخرجه ابن سعد أيضاً، وأحمد في الزهد.
- وقال علي بن الجعد: حدثنا معاوية، حدثنا ثابت عن أنس قال: قدمنا البصرة مع أبي موسى وهو أمير على البصرة.
قال: فقام من الليل يتهجَّد؛ فلما أصبح قيل له: أصلح الله الأمير، لو رأيت إلى نسوتك وقرابتك وهم يستمعون لقراءتك!
فقال: (لو علمت أنَّ أحداً يستمع قراءتي لزيَّنت كتابَ الله بصوتي ولحبرته تحبيرا). رواه ابن عساكر.
- وقال يحيى بن صالح: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن أبي يوسف حاجب معاوية قال: (قدم أبو موسى الأشعري؛ فنزل بعض الدور بدمشق، فكان معاوية يخرج ليلاً يستمع قراءته). رواه أبو زرعة الدمشقي وابن عساكر.
- وقال صفوان بن عيسى القسام: حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي قال: (صلى بنا أبو موسى الأشعري صلاةَ الصبحِ فما سمعتُ صوتَ صنجٍ ولا بربطٍ قطّ كان أحسن صوتاً منه). رواه أبو القاسم البغوي وابن سعد وأبو عوانة وأبو نعيم.
وفي رواية عند أبي سعد: (ولا نايٍ أحسن من صوته؛ فنود أنه قرأ البقرة من حسن صوته)..
ورواه البخاري في خلق أفعال العباد بسياق مقارب.
- وقال علي بن عاصم: حدثني سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال: (كان الأشعريّ - يعني أبا موسى الأشعري - من أحسن الناس صوتاً، كأنه مزمار من مزامير داود، وكان يصلّي بنا الغداة؛ فأتمنى أن يقرأ بنا البقرة من حسن صوته). رواه ابن عساكر.
- وقد قدم أبو موسى على معاوية في دمشق وهو خليفة، فرُوي أن معاوية كان يخرج من الليل إلى منزل أبي موسى يستمع إلى قراءته.
جهاده وأعماله وأخباره في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كان أبو موسى رضي الله عنه شجاعاً مقداماً لا يفرّ، بل كان يعيب على من يفرّ، وقد شهد مع النبيّ صلى الله عليه وسلم مشاهده بعد خيبر؛ فشهد غزوة ذات الرقاع، وفتح مكة وحنين، ثم كان مع السرية التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أوطاس؛ وكانت الراية مع أبي عامر الأشعري عمّ أبي موسى؛ فقتل أبو عامر تسعةً من المشركين مبارزة يومئذ، ثمّ رماه أحدهم بسهم في ركبته؛ فجرح منها جرحاً شديداً ثم مات منها؛ فأخذ الرايةَ أبو موسى، وقتل قاتل عمّه، وقاتل حتى فتح الله له.
ثمّ غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن معلّما وقاضياً وأميراً ثمّ أتبعه بمعاذ بن جبل، واليمن مخلافان؛ والمخلاف بمعنى الإقليم والناحية؛ فكان معاذ على المخلاف الشمالي وهو من صنعاء إلى الجَنَد، وأبو موسى على المخلاف الجنوبي وهو من جنوب صنعاء إلى عدن، ويشمل زبيد والساحل ورِمَع وهي أرض قوم أبي موسى الأشعري.
ثم حجّ أبو موسى مع النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع، وقال في إهلاله: لبيّك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قد ساق الهدي، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أنّ يطوف ويسعى ثم يحلّ؛ فيكون متمتّعاً.
ثمّ عاد بعد الحجّ إلى اليمن، وتوفّي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو موسى باليمن، ثم إنّ أبا بكر الصدّيق استعمل على اليمن المهاجرَ بن أبي ميّة المخزومي، أخو أمّ سلمة رضي الله عنها، وكتب إليه معاذ يستأذنه في القفول إلى المدينة هو ومن معه من العمّال الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لهم؛ فرجعوا؛ بعد أن علّموا الناس القرآن وفقّهوهم في دين الله، وانتشر العلم في اليمن، وانتظم الأمر فيه.
وفي جهاده وأعماله وأخباره زمن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وآثار.
- قال بريد، عن جدّه أبي بردة، عن أبيه، قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامرٍ على جيش إلى أوطاس، فلقي دريدَ بن الصمَّة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه، فقال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، قال: فرُمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهم، فأثبته في ركبته فانتهيت إليه؛ فقلت: يا عم من رماك؟
فأشار أبو عامر إلى أبي موسى؛ فقال: إنَّ ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني، قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته، فلما رآني ولى عني ذاهبا، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحيي؟ ألست عربيا؟ ألا تثبت؟ فكفَّ، فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف فقتلته، ثم رجعتُ إلى أبي عامر؛ فقلت: إن الله قد قتل صاحبك.
قال: فانزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء، فقال: يا ابن أخي انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي.
قال: واستعملني أبو عامر على الناس، ومكث يسيرا ثم إنه مات، فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه، وهو في بيت على سرير مرمل، وعليه فراش، وقد أثر رمال السرير بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقلت له: قال: قل له: يستغفرْ لي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء؛ فتوضأ منه، ثم رفع يديه، ثم قال: «اللهم اغفر لعبيدٍ أبي عامر» حتى رأيت بياض إبطيه، ثم قال: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك » أو من الناس
فقلت: ولي يا رسول الله فاستغفرْ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» رواه البخاري ومسلم.
- قال أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ونحن ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا نلفّ على أرجلنا الخِرَق، فسمّيت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا»
وحدّث أبو موسى بهذا ثم كره ذاك، قال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه. رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: (أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحُملان لهم، إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك..). فذكر الحديث، وهو في الصحيحين، وفيه: (فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((خذ هذين القرينين، وهذين القرينين، وهذين القرينين، لستة أبعرة ابتاعهنَّ حينئذ من سعد، فانطلق بهنَّ إلى أصحابك)). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم».
قال: وأنا خلفه، وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال يا عبد الله بن قيس: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة.
فقلت: بلى، يا رسول الله.
قال: ((قل: لا حول ولا قوة إلا بالله)). رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق أيوب السختياني عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى قال: ثم أتى عليَّ وأنا أقول في نفسي: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ فقال لي: ((يا عبد الله بن قيس، قل لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة)).
- وقال عمر بن علي بن مقدم: حدثنا أبو عميس، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري قال: أتاني ناس من الأشعريين فقالوا: اذهب معنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لنا حاجة.
قال: فقمت معهم؛ فقالوا: يا رسول الله استعن بنا في عملك فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قالوا.
وقلت: لم أدر ما حاجتهم.
فصدَّقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرني وقال: «إنا لا نستعين في عملنا من سألَناه» رواه أحمد.
- وقال حميد بن هلال: حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى، قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل العمل؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك.
فقال: «ما تقول يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس؟»
قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت.
فقال: «لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن» ثم أتبعه معاذ بن جبل). رواه أحمد والبخاري.
- وقال أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمّرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: «إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحداً حَرَص عليه» رواه مسلم.
- وقال شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو عوانة: حدثنا عبد الملك، عن أبي بردة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، وبعث كلَّ واحد منهما على مخلاف، واليمن مخلافان.
ثم قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا» فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا، فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس، وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟
قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه.
قال: لا أنزل حتى يُقتل.
قال: إنما جيء به لذلك فانزل.
قال: ما أنزل حتى يقتل.
فأمر به فقتل، ثم نزل؛ فقال: يا عبد الله! كيف تقرأ القرآن؟
قال: أتفوَّقه تفوقاً.
قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟
قال: (أنام أوَّل الليل؛ فأقوم وقد قضيتُ جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي). رواه البخاري.
- قال قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم باليمن، فجئت وهو بالبطحاء، فقال: «بما أهللت؟»
قلت: أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: «هل معك من هدي؟»
قلت: لا، فأمرني، فطفت بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم أمرني، فأحللت). رواه البخاري ومسلم.
أعماله وأخباره في زمن الخلفاء الراشدين
عاد أبو موسى إلى المدينة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم غزا مع من غزا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الشام، وشهد فتوح الشام، ومنها فتح بيت المقدس وشهد خطبة عمر بالجابية، وحضر وفاة أبي عبيدة بن الجراح بالأردن.
ثمّ في عام سبع عشرة للهجرة استقدمه عمر من الشام، وبعثه إلى الكوفة والبصرة أميراً عليهما، وقاضياً ومعلّماً لأهل البصرة يعلّمهم القرآن ويفقّههم في الدين، ويغزو بهم.
فأقرأ وعلّم وفقّه وقضى بينهم، وقاد جيوش المسلمين فافتتح كثيراً من بلاد فارس منها أصبهان وتستر والأهواز والسوس ونصيبين وهمذان وغيرها.
ثمّ إنّ عمر أمّر على الكوفة عمار بن ياسر، وأبقى أبا موسى أميراً على البصرة، فلم يزل أميراً عليها حتى عزله عثمان بعبد الله بن عامر بعد سنوات من خلافته.
- قال أحمد بن حنبل في المسند: حدثنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، قال: كتب عمر في وصيته: «أن لا يقرَّ لي عاملٌ أكثر من سنة، وأقرّوا الأشعريَّ - يعني أبا موسى - أربع سنين».
فأقرّه عثمان ثم عزله سنة 29هـ بعبد الله بن عامر بن كُريز.
وولّى على الكوفة الوليد بن عقبة، ثمّ عزل الوليدَ بعد أن شكاه أهل الكوفة، وأمّر مكانه سعيد بن العاص؛ ثمّ إنّ أهل الكوفة خرجوا على سعيد وطردوه وأمّروا أبا موسى الأشعري؛ فأبى أبو موسى أن يقبل منهم إلا أن يجددوا البيعة لعثمان ثم يكتب له فيستأذنه؛ فجدّدوا البيعة لعثمان؛ وكتب أبو موسى لعثمان، فأعجبه ما صنع أبو موسى وأقرّه على إمرة الكوفة.
وكان شاعر أهل الكوفة عتبة بن الوعل التغلبي قد أرسل قصيدة إلى عثمان وفيها:
تصدّق علينا يا ابنَ عفّان واحتسب ... وأمّر علينا الأشعريّ لياليا
فقال عثمان: (نعم وشهورا وسنين إن بقيت). ذكره ابن سعد في الطبقات في خبر طويل.
ومات عثمان وأبو موسى أميرٌ على الكوفة.
ثمّ عزله عليّ وولّى قرظة بن كعب الأنصاري، وكان قرظة من المعلّمين الذين بعثهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة يقرئون الناس القرآن ويفقّهونهم في الدين.
- قال ضمرة بن ربيعة الفلسطيني عن عبد الله بن شوذب عن الحسن البصري قال: بعث عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري وهو بالشام؛ فقدم عليه فلما قدم عليه قال له: أني إنما بعثت إليك لخير، لتؤثر حاجتي على حاجتك.
قال: (أما حاجتك فالجهاد في سبيل الله، وأما حاجتي فأبعثك إلى البصرة؛ فتعلّمهم كتاب ربهم وسنة نبيهم وتجاهد بهم عدوَّهم، وتقسم بينهم فيئَهم).
قال الحسن: (ففعل والله، لقد علَّمهم كتاب ربهم وسنة نبيهم، وجاهد بهم عدوهم، وقسم بينهم فيئهم؛ فوالله ما قدم عليهم راكب كان خيرا لهم من أبي موسى).
قال ابن شوذب: (ودخل على جمل أورق وخرج عليه حين عزل). رواه ابن عساكر.
- وقال شعبة عن أبي عامر الخزاز عن الحسن عن أبي موسى قال: (إنَّ أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم أعلّمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم وأنظّف لكم طرقكم). رواه ابن عساكر.
- وقال صالح بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قال: (أبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس سكن الكوفة، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثه عمر إلى البصرة أميراً عليها؛ فأقرأهم القرآن وفقَّههم، وهو فتح تستر، ولم يكن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحسن صوتا منه). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو القاسم البغوي: (أبو موسى عبد الله بن قيس الاشعري حليف سعيد بن العاص، سكن الكوفة، وابتنى بها دارا إلى جانب المسجد).
- وقال أبو نعيم الأصبهاني: (ولي لعمر بن الخطاب البصرة، واستعمله عثمان بن عفان على الكوفة بعد أن فتح الله به البلدان الكبيرة، وبنى بها دارا إلى جنب المسجد، وقتل عثمان وهو على الكوفة، وله بها عقب).
- وقال يحيى بن أيوب، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: بعثني عمر بن الخطاب وأبا موسى الأشعري إلى العراق، فجعل أبا موسى على الصلاة، وجعلني على الجباية، وقال: «إذا بلغ مال المسلم مائتي درهم، فخذ منها خمسة دراهم، وما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم»رواه أبو عبيد في كتاب الأموال.
- وقال سهل بن يوسف، عن حميد، عن أنس، قال: «كان النعمان بن مقرّن على جند أهل الكوفة، وأبو موسى الأشعري على جند أهل البصرة» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو يوسف الفسوي: حدثني عمار عن سلمة عن ابن إسحاق قال: (سار أبو موسى في أهل البصرة من نهاوند؛ ففتح أصبهان سنة ثلاث وعشرين). رواه ابن عساكر.
- وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا زهير، حدثنا حميد الطويل، حدثنا أنس بن مالك (أن الهرمزان نزل على حكم عمر أمير المؤمنين؛ فبعث به أبو موسى مع أنس إلى أمير المومنين؛ فقدمت عليه؛ فقال له عمر: تكلّمْ لا بأس عليك؛ فاستحياه فأسلم وفرض له). رواه ابن عساكر.
- وقال عرعرة بن البرند السامي: حدثنا زياد الجصاص، عن أبي إسحاق، عن كثير، قال: «غزونا مع أبي موسى الأشعري أصبهان وهمذان ففتحهما الله عز وجل» رواه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان.
- قال مرزوق بن عمرو: حدثني أبو فرقد قال: (كنا مع أبي موسى الأشعري يوم فتحنا سوق الأهواز) فذكر الخبر، رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عتاب بن زهير بن ثعلبة: حدثني مرداس بن نمير، عن أبيه، قال: (كنت من حرس عبد الله بن قيس حين قدم أصبهان، فقام على شرف الحصن علج، فرمى ابنه بسهم فغرز السهم في عجزه، فاستشهد وهو ساجد، وجزع عليه أبوه جزعا شديداً حتى أغمي عليه فأفاق، وظفرنا بالعلج فقتلناه، ثم نزع عن ابنه الخف، ودفنه بكلمه وثيابه، وسوى قبره، ووكل به جماعة يحفظون قبره حتى يأتيهم أمره). رواه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان.
- وقال سليمان بن مسلم اليشكري: حدثني خالي بشير بن أبي أمية، عن أبيه، (أن الأشعري نزل بأصبهان، فعرض عليهم الإسلام فأبوا، فعرض عليهم الجزية فصالحوه على ذلك، فباتوا على صلح حتى إذا أصبحوا أصبحوا على غدر، فبارزهم القتال، فلم يكن أسرع من أن أظهره الله عليهم). رواه ابن سعد.
- وقال عفان بن مسلم: حدثنا همام، عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن مطرف بن مالك، أنه قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري.
قال: فأصبنا دانيال بالسوس.
قال: فكان أهل السوس إذا أسنتوا أخرجوه فاستسقوا به، وأصبنا معه ستين جرة مختمة.
قال: ففتحنا جرَّة من أدناها، وجرَّة من أوسطها وجرَّة من أقصاها؛ فوجدنا في كل جرّة عشرة آلاف.
قال همام: ما أراه إلا قال: «عشرة آلاف».
قال: وأصبنا معه ريطتين من كتان، وأصبنا معه رَبْعَة فيها كتاب). ثم ساق الخبر بطوله، وهو في مصنّف ابن أبي شيبة.
والرَّبْعَة الصندوق الذي يوضع فيه الكتاب.
- وقال حسان بن عبد الله، عن السري بن يحيى، عن قتادة، قال: لما فتحت السوس، وعليهم أبو موسى الأشعري وجدوا دانيال في إيوان، وإذا إلى جنبه مال موضوع وكتاب فيه: من شاء أتى فاستقرض منه إلى أجل، فإن أتى به إلى ذلك الأجل وإلا برص، قال: فالتزمه أبو موسى، وقبله، وقال: دانيال ورب الكعبة، ثم كتب في شأنه إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن كفنه، وحنطه، وصل عليه وادفنه كما دفنت الأنبياء صلوات الله عليهم، وانظر ماله فاجعله في بيت مال المسلمين.
قال: (فكفنه في قباطي بيض، وصلى عليه، ودفنه). رواه أبو عبيد في كتاب "الأموال"، وابن زنجويه، وتمّام في فوائده.
وهو مرسل لأن قتادة إنما ولد بعد موت أبي موسى بنحو عشرين سنة، لكن يعضده ما قبله في أصل القصة.
- وقال أبو خلدة خالد بن دينار: حدثنا أبو العالية، قال: لما افتتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميّت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف، فحملناه إلى عمر بن الخطاب؛ فدعا له كعبا فنسخه بالعربية.
أنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثل ما أقرأ القرآن هذا.
فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟
فقال: سيرتكم، وأموركم، ودينكم، ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد.
قلت: فما صنعتم بالرجل؟
قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة، فلما كان في الليل دفناه وسوينا القبور كلها، لنعمّيه على الناس لا ينبشونه). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- وقال أبو بردة بن أبي موسى: حدثتني أمي، قالت: (خرج أبو موسى حين نُزع عن البصرة وما معه إلا ستمائة درهم، عطاء عياله). رواه ابن سعد.
- وقال محمد بن المنتشر، عن مسروق بن الأجدع، قال: (كنت مع أبي موسى أيام الحكمين وفسطاطي إلى جانب فسطاطه، فأصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية من الليل، فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه، فقال: يا مسروق بن الأجدع، قلت: لبيك أبا موسى قال: إن الإمرة ما اؤتمر فيها، وإنَّ الملك ما غلب عليه بالسيف). رواه ابن سعد وابن عساكر.
صفاته وشمائله
كان أبو موسى رضي الله عنه خفيف الجسم قليل شعر الوجه، حيّياً كريماً، عظيم الأمانة، حسن الصوت بالقرآن، عالماً بالقرآن والقضاء والفتوى، حريصاً على اتّباع سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معلّماً كيّساً، ومجاهداً مقداماً، وأميراً محبوباً، وخطيباً مسدّداً حتى شُبّه بالجزار الذي لا يخطئ المفصل من سداد قوله.
- قال أبو لبيد الجهضمي: (ما كنَّا نشبه كلام أبي موسى إلا بالجزار الذي لا يخطئ المفصل). رواه ابن سعد من طريق حماد بن زيد، عن الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد.
- وقال حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أبي مجلز، أن أبا موسى قال: (إني لأغتسل في البيت المظلم، فأحني ظهري حياء من ربي). رواه ابن سعد.
- وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: (كان أبو موسى الأشعري إذا نام لبس ثيابا عند النوم مخافة أن تنكشف عورته). رواه ابن سعد.
- وقال القاسم بن مخيمرة: حدثني أبو بردة بن أبي موسى رضي الله عنه، قال: وجع أبو موسى وجعا شديدا، فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئا، فلما أفاق، قال: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «برئ من الصالقة والحالقة والشاقة» رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو عميس: سمعت أبا صخرة يذكر عن عبد الرحمن بن يزيد، وأبي بردة بن أبي موسى قالا: أغمي على أبي موسى وأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنّة، قالا: ثم أفاق، قال: ألم تعلمي وكان يحدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق» رواه مسلم.
- وقال روح بن عبادة: حدثنا حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة أنه وصف الأشعري، فقال: (رجل خفيف الجسم قصير أثط). رواه ابن سعد في الطبقات والحاكم في المستدرك.
والأثط قليل شعر الوجه.
- قال أبو غسان: حدثنا عباد، عن الشيباني قال: سمعت الشعبي، يقول: (القضاء في ستة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة بالمدينة، وثلاثة بالكوفة فبالمدينة: عمر، وأبي، وزيد بن ثابت، وبالكوفة: علي، وعبد الله، وأبو موسى). رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال أبو التياح: سمعت الحسن، يقول: «ما قدم البصرة راكب خير لأهلها من أبي موسى الأشعري» رواه البخاري في التاريخ الكبير والحاكم في المستدرك.
- وقال أحمد بن يونس: حدثنا زهير عن عبد الملك بن عمير قال: (رأيت أبا موسى داخلا من هذا الباب، وعليه مقطَّعة ومطرف حبري، يعني باب كندة). رواه أبو القاسم البغوي.
علمه وفقهه
- قال عباد بن العوام: أخبرنا [أبو إسحاق] الشيباني، عن الشعبي، قال: (كان يؤخذ العلم عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان عمر وعبد الله وزيد يشبه علمهم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض، وكان عليّ وأبي والأشعريّ يشبه علمهم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض).
قال: فقلت له: وكان الأشعري إلى هؤلاء؟
قال: (كان أحد الفقهاء). رواه أبو خيثمة زهير بن حرب في كتاب العلم، وابنه في تاريخه، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال يحيى بن آدم: حدثنا حسن [ابن صالح] عن مطرف، عن عامر الشعبي، قال: (كان الفقهاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ستة: عمر وعلي وعبد الله وزيد وأبو موسى وأبي بن كعب). رواه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن مسروق قال: (كان القضاء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستة: عمر وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبي موسى، وكان نصفهم لأهل الكوفة: علي وابن مسعود وأبو موسى). رواه أبو زرعة الدمشقي وابن عساكر.
عبادته وهديه
كان أبو موسى رضي الله عنه، عالماً فقيهاً، وعابداً زاهداً، حريصاً على التفقّه في الدين واتّباع السنّة، ثم لمّا تولّى الولايات لم تغيّره عمّا كان عليه من الزهد وطلب العلم، وقد تولّى إمارة البصرة والكوفة وهما من أغنى بلاد المسلمين في ذلك الزمان، ولم يخرج منها بعد عزله بشيء من مالها، إلا نحو ستمائة درهم عطاء أولاده كسائر رعيّته.
وكان صاحب ليلٍ وقرآن معروف بذلك، متقلّلاً من الدنيا، صادق الوعد، عظيم الأمانة، لا يخلف، ولا يخون.
- قال قتادة: حدَّث أبو بردة بن عبد الله بن قيس، عن أبيه قال: قال أبي: «لو شهدتنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم، إذا أصابتنا السماء حسبت أن ريحنا ريح الضأن، إنما لباسنا الصوف» رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه.
- قال أبو عيسى الترمذي: (ومعنى هذا الحديث أنه كان ثيابهم الصوف، فإذا أصابهم المطر يجيء من ثيابهم ريح الضأن).
- وقال عاصم الأحول، عن أبي مجلزٍ قال: صلى أبو موسى بأصحابه وهو مرتحل من مكة إلى المدينة، فصلى العشاء ركعتين وسلَّم، ثم قام فقرأ مئةَ آية من سورة النساء في ركعة، فأُنكر ذلك عليه.
فقال: (ما ألوتُ أن أضعَ قدمي حيثُ وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه، وأن أصنع مثلَ ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى.
- وقال أبو غلاب يونس بن جبير الباهلي، عن أنس بن مالك، قال: قال الأشعري وهو على البصرة: (جهّزني فإني خارج يوم كذا وكذا، فجعلت أجهزه، فجاء ذلك اليوم، وقد بقي من جهازه شيء لم أفرغ منه، فقال: يا أنس إني خارج، فقلت: لو أقمت حتى أفرغ من بقية جهازك، فقال: إني قد قلت لأهلي: إني خارج يوم كذا وكذا، وإني إن كذبت أهلي كذبوني، وإن خنتهم خانوني، وإن أخلفتهم أخلفوني. فخرج وقد بقي من حوائجه بعض شيء لم يفرغ منه). رواه ابن سعد.
- وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: خرجنا مع أبي موسى في غزاة فجننا الليل إلى سكن خرب فقام؛ فصلَّى، وقرأ قراءة حسنة وقال: (اللهم أنت المؤمن تحب المؤمن وأنت المهيمن تحب المهيمن وأنت السلام تحب السلام). رواه ابن عساكر.
- وقال جعفر بن سليمان: حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، قال: سمعت أبي، وهو بحضرة العدو، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف».
فقام رجل رث الهيئة، فقال: يا أبا موسى، آنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟
قال: نعم
قال: " فرجع إلى أصحابه، فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قُتل). رواه أحمد ومسلم.
- وقال زيد بن الحباب: حدثنا صالح بن موسى الطلحي عن أبيه قال: اجتهد الأشعري قبل موته اجتهادا شديدا؛ فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك بعض الرفق؛ فقال: (إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك).
قال: (فلم يزل على ذلك حتى مات). رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر.
- وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن انس( أن أبا موسى كان له سراويل يلبسه بالليل إذا نام مخافة أن ينكشف). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو عمرو الشيباني قال: قال أبو موسى: (لأن يمتلئ منخري من ريح جيفة أحب إليَّ من أن يمتلئ من ريح امرأة). رواه ابن سعد.
قراءته ورواياته
أخذ أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين وعن عائشة ومعاذ وابن مسعود وجابر بن عبد الله.
وذكر أبو القاسم الهذلي في " الجامع " أنه جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
تعليمه القرآن
كان أبو موسى من كبار المعلّمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم وزمن الخلفاء الراشدين، فعلَّم في اليمن حتى توفّي النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ علّم في البصرة في خلافة عمر، حتّى كثر القراء فيهم، وجمع مرةً الذين جمعوا القرآن في البصرة فكانوا نحو ثلاثمائة.
- قال أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه، قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: (أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم، كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة، كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة، فأنسيتها، غير أني قد حفظت منها:[لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب]
وكنا نقرأ سورة، كنا نشبهها بإحدى المسبحات؛ فأنسيتها، غير أني حفظت منها: [يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة]). رواه مسلم في صحيحه.
- وقال النضر بن شميل: حدّثنا قرّة بن خالد، قال: أخبرنا أبو رجاء العُطارديّ، قال: (كنا في المسجد الجامع، ومقرئنا أبو موسى الأشعري، كأني أنظر إليه بين بُردين أبيضين).
قال أبو رجاء: (عنه أخذت هذه السورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وكانت أوّل سورة نزلت على محمد). رواه ابن جرير في تفسيره.
ورواه الحاكم في المستدرك من طريق أبي عامر العقدي عن قرة عن أبي رجاء قال: (تعلَّمنا القرآن في هذا المسجد - يعني مسجد البصرة - وكنا نجلس حلقاً حلقاً). ثم ذكر باقيه بمثل حديث النضر عن قرّة.
- وقال هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: (بعثني الأشعري إلى عمر، فقال عمر: كيف تركت الأشعري؟)
فقلت له: تركته يعلم الناس القرآن.
فقال: (أما إنه كيّس، ولا تسمعها إياه). رواه ابن سعد.
مذهبه في كتابة العلم:
كان أبو موسى رضي الله عنه لا يرى كتابة العلم، يخشى دخول الغلط على الكاتب، وعلى من يقرأ الكتاب من بعده، وأن يُشتغل به عن القرآن، وهذا مذهب لجماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم: ابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم.
ومنهم من كان يكتب أو يرخّص في الكتابة ومنهم: عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وغيرهم.
ومنهم من يرخّص للخاصّة من أهل العلم دون العامّة لأنّهم أجدر أن يرعوا حدود الله، ويحفظوا أمانة ما كتبوه، وهو ظاهر صنيع عمر بن الخطاب وابن عباس وأبي هريرة وابن عمر.
ومن التابعين من كان يرخّص في الكتابة لمن يخشى النسيان إلى أن يحفظ ثم يمحو كتابه، وهو قول سعيد بن المسيّب.
ومنهم من كان يكتب لنفسه ثمّ لا يخوّلها أحداً، وربما أتلفها عند موته، خشية أن تقع بيد من يقرأها وهو لا يفقه ما فيها فيدخل عليه الغلط ويخطئ في الرواية منها، وممن ذهب هذا المذهب عبيدة السلماني وابن سيرين وغيرهم.
ثمّ استقرّ القول على جواز كتابة العلم، ولم يعد يسع أهل العلم مع كثرة الأسانيد وتفاوت أحوال الرواة سوى ضبط العلم بالكتاب، ودراسة الأسانيد.
وإنما ذكرت الخلاف في هذه المسألة قبل ذكر ما روي عن أبي موسى من النهي عن كتابة العلم لئلا يُظنّ أنّ هذا قول قد أجمع عليه الصحابة.
- قال عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه «أنَّ بني إسرائيل كتبوا كتابا؛ فتبعوه، وتركوا التوراة» رواه الدارمي.
- وقال غيلان بن جرير: حدثني أبو بردة بن أبي موسى قال: (كتبت عن أبي أحاديث ففطن بي فقال: تكتب؟ فقلت: نعم، قال: فدعا بكتبي فمحاها بالماء وقال: خذ كما أخذنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال أبو خيثمة: حدثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة قال: (كتبت عن أبي كتاباً فظهرَ عليَّ فأمر بمركَن؛ فقال بكتبي فيها فغسلها). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال حبيب بن الشهيد ويونس بن عبيد عن أبي بردة بن أبي موسى قال: كنت آتي أبي فكلما حدث بحديث عن النبي فكتبته فغضب؛ وقال لي: أتكتب كلَّما أحدّث به؟
فقلت: نعم.
فقال: اذهب وائتني بكتابك.
فجئته؛ فدعا بطست فغسل ما فيها). رواه ابن عساكر.
الرواة عنه
ممن قرأ على أبي موسى من الأئمة القراء: حطان بن عبد الله الرقاشي وأبو رجاء العطاردي.
وممن له رواية عنه في كتب التفسير المسندة:
من الصحابة: عياض بن عمرو الأشعري رضي الله عنه.
ومن التابعين: ابنه أبو بردة، ومعاوية بن قرّة، وأبو عثمان النهدي، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو تميمة الهجيمي، وسعيد بن المسيب، وقسامة بن زهير، وأبو العالية الرياحي، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعبادة بن نسي الكندي قاضي طبرية.
وأرسل عنه: سعيد بن جبير، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة السدوسي.
وفاته
توفي أبو موسى رضي الله عنه في ذي الحجة من سنة 44هـ على أرجح الأقوال.
وفي سنة وفاته أقوال أخرى: فقيل سنة 42هـ، وقيل: سنة 51هـ، وقيل: سنة 52هـ، وقيل: سنة 55هـ.
- قال أبو نعيم الفضل بن دُكين: مات أبو موسى سنة أربع وأربعين.
- وكذلك قال محمد بن عبد الله بن نمير.
- وقال الهيثم بن عدي: مات سنة ثنتين وأربعين.
- وقال خليفة بن خياط: (مات سنة خمسين، ويقال: سنة إحدى وخمسين بالكوفة).
- وقال الواقدي: سنة 55هـ. وهو خطأ.
- وقال أبو القاسم البغوي: (بلغني أن أبا موسى توفي سنة ثنتين أو سنة أربع وأربعين وهو ابن نيف وستين سنة).
- وقال أبو بكر بن أبي شيبة: (وهو ابن ثلاث وستين).
- قال غسان بن برزين: حدثنا سيار بن سلامة، قال: لما حضر أبا موسى الأشعري الموت دعا بنيه؛ فقال: (انظروا إذا أنا متّ، فلا تؤذننّ بي أحداً، ولا يتبعنّي صوت ولا نار، وليكن ممشى أحدكم بحذاء ركبتي من السرير). رواه ابن سعد.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا سعيد الجريري، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري أنه قال: (أعمقوا لي قبري). رواه ابن سعد.
- وقال معتمر بن سليمان التيمي: قرأت على الفضيل بن ميسرة في حديث أبي حَريز أن أبا بردة حدّثه قال: أوصى أبو موسى حين حضره الموت؛ فقال: (إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي، ولا يتبعني مجمر، ولا تجعلوا في لحدي شيئاً يحول بيني وبين التراب، ولا تجعلوا على قبري بناء، وأشهدكم أني بريء من كلّ حالقة وسالقة وخارقة).
قالوا: وسمعت فيه شيء؟
قال: نعم، من رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن عساكر.
- وقال الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب الأشعري: دعا أبو موسى فتيانه حين حضرته الوفاة، قال: اذهبوا فاحفروا وأوسعوا وأعمقوا.
فجاءوا فقالوا: قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا.
فقال: (والله إنها لإحدى المنزلتين: إما ليوسّعن عليَّ قبري حتى تكونَ كلُّ زاوية منه أربعين ذراعاً، ثم ليفتحنَّ لي باب إلى الجنة؛ فلأنظرنَّ إلى أزاوجي ومنازلي وما أعدَّ الله لي من الكرامة، ثم لأكوننَّ أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبنّي من ريحها ورَوْحها حتى أبعث، وإن كانت الأخرى، ونعوذ بالله منها ليضيَّقنَّ عليَّ قبري حتى يكون في أضيق من القناة في الزجّ، ثم ليفتحنَّ لي باب من أبواب جهنم فلأنظرنَّ إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكوننَّ إلى مقعدي من جهنَّم أهدى مني اليوم إلي بيتي، ثمَّ ليصيبنّي من سمومها وحميمها حتى أبعث). رواه ابن عساكر.
قال أبو عيسى الترمذي: (والضحاك هو ابن عبد الرحمن بن عرزب، ويقال ابن عرزم، وابن عرزم أصحّ).
وقال ابن حبان: (كنيته أبو زرعة، من صالحي أهل الشام، ومن قال: إنه عرزم بالميم؛ فقد وهم).
وابن عرزب كان والي دمشق زمن عمر بن عبد العزيز، وكان من خيرة الولاة، لكن روايته عن أبي موسى مختلف فيها؛ فأعلّها أبو حاتم الرازي بالإرسال، وقال البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة ابن عرزب: سمع أبا موسى.
فيُحتمل أن يكون سمعه وهو صغير.
من وصاياه:
- وقال يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي بردة أن أبا موسى الأشعري قال لبنيه عند موته: (أي بني اذكروا صاحب الرغيف! إنَّ رجلاً كان يتعبَّد في صومعة له أربعين سنة ثم شيب أن زين الشيطان في عينه امرأة؛ فنزل، وكان معها سبع ليال ثم تركه فخرج تائبا فجعل يخطو ويبعد حتى أجنَّه الليل إلى دكّان عليه ثلاثة أو اثنا عشر مسكيناً، ورجل يعطي كل واحد منهم رغيفا كل ليلة).
قال: (فأعطاهم رغيفا رغيفا، وأعطاه رغيفا، وترك رجلاً منهم؛ فقال: "حبست عني الرغيف أما كان بك عنه غنا؟"
قال: "تراني حبسته عليك! لا والله لا أعطيك الليلة شيئا"
فدسَّ الرجل الرغيف إلى الرجل الذي لم يعط شيئا وأصبح ميتاً).
قال: (فوُزنت الليالي بالسنين فربحت الليالي، ثم وزنت الليالي بالرغيف؛ فربح الرغيف). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
مما رُوي عنه في التفسير:
- وقال حرملة بن قيس، عن محمد بن أبي أيوب، عن أبي موسى قال: «أمانان كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رفع أحدهما، وبقي الآخر: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}» رواه أحمد في المسند.
- وقال الحسن بن الصباح البزار: حدثنا أبو بردة عن أبي موسى قال: (إنه كان فيكم أمانان قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}).
قال: (أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة). رواه ابن جرير.
ب: الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي موسى: {فرت من قسورة} قال: الرماة. رواه ابن جرير.
ج: وقال الحسن بن مكرم: حدثنا علي بن عاصم، عن عاصم بن كليب عن أبي بردة، قال: كان أبو موسى إذا قرأ: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } قال: (يعني الجهل) ويبكي.
وإذا قرأ: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو} بكى). رواه ابن عساكر.