تمهيد:
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فإنّ مسائل التفسير على أربعة أصناف:
الصنف الأول: مسائل الخلاف القوي.
والصنف الثاني: مسائل الخلاف المتوسّط.
والصنف الثالث: مسائل الخلاف الضعيف.
والصنف الرابع: مسائل الإجماع.
وطالب العلم الذي يريد التخصص في علم التفسير والتوسّع في دراسته ينبغي له أن يكون على معرفة حسنة بتحرير مسائل الخلاف القويّ في التفسير وبعض مسائل الخلاف المتوسّط والضعيف، وأن يدرسها بإشراف علميّ، حتى يتعرّف طرق العلماء في دراسة المسائل التفسيرية وتحريرها، ويتبيّن مسالكهم في الجمع والترجيح، والنقد والإعلال، والاختيار والإهمال، ويتمرّن على محاكاتهم في تلك دراسة مسائل التفسير وتحريرها وعرضها.
فإذا أحسن طالب العلم ضبط تلك المسائل، وتمرّن على دراسة نظائرها، كان ما بعدها من مسائل التفسير أيسر عليه، وانفتح له باب دراستها وتحريرها.
ولذلك كان من المسالك المعتبرة في تدريس التفسير انتخاب جملة من المسائل وتدريسها لطلاب العلم تدريساً مفصّلاً يُراعي فيه المعلّم الوفاء بما ما يحتاجه الطالب ليتدرّب على دراسة أمثالها من المسائل.
وهذه الدراسة التطبيقية قد تكون أنفع لطالب العلم من كثير من الدروس النظرية.
وهذا المسلك قد أفردت فيه مؤلفات، وبرع فيه مفسّرون، وممن اتّخذه طريقة لتدريس علم التفسير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ فلما لم يكن له كتاب جامع في تفسير القرآن اختار أن يكتب في "تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء"، وقد طبع كتابه بهذا الاسم.
- قال ابن رشيّق المغربي وهو من أخصّ تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية وأبصرهم بخطّه: (رأيت له سورًا وآيات يفسرها ويقول في بعضها: كتبته للتذكّر، ونحو ذلك.
ثم لما حُبِس في آخر عمره كتبتُ له: أن يكتب على جميع القرآن مرتبًا على السور، فكتب يقول: "إن القرآن فيه ما هو بيِّن في نفسه، وفيه ما بيَّنه المفسرون في غير كتاب؛ ولكن بعض الآيات أشكلت على جماعة من العلماء، فربما يطالع الإنسان عليها عدّة كتب ولا يَبِيْن له تفسيرها، وربما كتب المصنف الواحد في آيةٍ تفسيرًا، ويفسّر نظيرها بغيره، فقصدت تفسير تلك الآيات بالدليل؛ لأنّه أهم من غيره، وإذا تبين معنى آية تبين معاني نظائرها")ا.هـ.
ثمّ سرد ابن رشيّق مما وقف عليه أكثر من سبعين رسالة مفردة في تفسير بعض الآيات لشيخ الإسلام ابن تيمية، بعضها في مجلّد، وبعضها في بضع ورقات.
ومن المفسّرين الذين لهم تفاسير مرتبة على سور القرآن من إذا وقف على مسألة من مسائل الخلاف القويّ أسهب في بيانها إسهاباً طويلاً.
وقد جمعت جملة من هذه المسائل وعنيت بدراستها وتحريرها رجاء أن أنتفع بها وينتفع بها طلاب العلم.
ومما ينبغي أن يُعلم أنّ مسائل الخلاف القوي في التفسير على أنواع:
النوع الأول: المسائل التي يكون فيها اختلاف على قولين أو أكثر، لكن هذه الأقوال لها حجج وأدلة يتنازع فيها العلماء، فهذه تعدّ من مسائل الخلاف القويّ وإن لم يحكَ فيها إلا قولان.
والنوع الثاني: المسائل التي تكثر فيها الأقوال، ويكون في تحريرها وتخليص المعنى شيء من الصعوبة والخفاء وإن لم يكن فيها نزاع قوي بين المفسرين.
والنوع الثالث: المسائل التي تفسّرها طائفة لها غلبة على بلد من البلدان بما يوافق أهواءها ويتفشّى ذلك في العامّة؛ فيحتاج العلماء إلى تفصيل القول فيها وتحريره بما يكشف الشبهة ويبيّن الحقّ فيها بياناً جليّاً.
وهذا أوان الشروع في نشر هذه المسائل، والله والمستعان عليه التكلان، وبه التوفيق، وإياه نسأل القبول والبركة في القول والعمل.