قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا  خلاف بين أهل العلم فى أنه لا يحل تعمد إغراق المصحف لغير مصلحة دينية أو  ضرورة وقائية , وأن من أغرق المصحف عبثا يكون آثما مرتكبا لكبيرة من  الكبائر , بل قد يكفر بذلك إن فعله على سبيل الامتهان للمصحف , وقد مر طرف  من هذا فى غير موضع من هذا البحث , وقد يأتى له ولنظائره مزيد بيان .
أما لو كان إغراق المصحف  لغرض دينى على سبيل إتلاف ما ترجحت مفسدة  بقائه , فالظاهر من كلام السلف  جوازه , بل وجوبه درءا لمفسدة بقاءه المتمثلة بحصول فتنة تتحقق بعدم إتلافه  مثلا . 
وقد أخرج ابن أبى داود  بسنده عن حذيفة رضى الله عنه قال : ( يقول أهل الكوفة قراءة عبد الله ,  ويقول أهل البصرة قراءة أبى موسى , والله لئن قدمت على أمير المؤمنين  لأمرته أن يغرقها ......) . يعنى المصاحف المختلفة , كمصحف عبد الله بن  مسعود , ومصحف أبى موسى رضى الله عنهما , قال ذلك حذيفة رضى الله عنه لما  رأى اختلاف الناس فى القرآن , وخشى أن يفضى اختلافهم هذا إلى فتنة تترتب  عليها فرقة وانقسام بين المسلمين كالذى حدث فى الأمم قبلها حين اختلفت فى  كتبها . {183}
وقد تقتضى الضرورة الدنوية  كالخوف على الروح مثلا إغراق المصحف وحينئذ يجوز ذلك على ما صرح به بعض  فقهاء الشافعية كالشبراملسى ومن تابعه , حيث قال فى جواب له عن سؤال عما لو  اضطر إلى مأكول وكان لا يصل إليه إلا بشئ يضعه تحت رجليه , وليس عنده إلا  المصحف , فهل يجوز وضعه تحت رجليه فى هذه الحالة أم لا ؟ . قال : ( فأجبت  عنه بأن الظاهر الجواز معللا ذلك بأن حفظ الروح مقدم ولو من غير الآدمى على  غيره , ومن ثم لو أشرفت سفينة فيها مصحف ,وحيوان على الغرق , واحتيج إلى  إلقاء أحدهما لتخليص السفينة ألقى المصحف حفظا للروح التى فى السفينة . لا  يقال وضع المصحف على هذه الحالة امتهان , لأنا نقول كونه إنما فعل ذلك  للضرورة مانع عن كونه امتهانا , ألا ترى أنه يجوز السجود للصنم والتصور  بصورة المشركين عن الخوف على الروح , بل قد يقال : إنه إن يتوقف إنقاذ روحه  على ذلك وجب وضعه حينئذ , ويحتمل أنه لو وجد القوت بيد كافر ولم يصل إليه  إلا بدفع المصحف له جاز له الدفع , لكن ينبغى له تقديم الميتة ولو مغلظة إن  وجدها على دفعه للكافر ). 
وقد حكى ابن عابدين فى  حاشيته كلام الشبراملسى واقتصر عليه . وقد صرح غير واحد من أهل العلم بجواز  إتلاف البالى من المصاحف وما لا نفع فيه بالمحو أو الدفن , أو التغريق فى  الماء , أو التحريق على ما مضى تفصيله فى مسألة إتلاف المصاحف من هذا البحث  فليطلب فيها . {184}