سورة الناس
[ من الآية (1) إلى آخر السورة ]
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}
قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قرأ الكسائي وحده في رواية أبي عمر: {برب الناس} [1] بالإمالة.
وقرأ الباقون بالتفخيم، فمن أمال فمن أجل كسرة السين مثل النار، ومن فتح فعلى الأصل؛ لأن الأصل؛ لأن الأصل في الناس النيس أو النوس فصارت الواو والياء ألفا لانفتاح ما قبلهما.
وقال آخرون: الأصل النسي فجعل لام الفعل ياء من نسيت قال: ثم قدموا وأخروا كما قال عاث وعثا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/551]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلهم قرأ: الناس [1] غير ممالة: إلا ما روى الحلواني عن أبي عمر الدوري عن الكسائي أن قراءته كانت بإمالة النون في الناس في موضع الخفض، ولا يميل في الرفع والنصب.
قال أبو علي: القول في ذلك: أن إمالة الناس في الآية لا
[الحجة للقراء السبعة: 6/466]
إشكال في حسنه وجوازه، وذلك أنه لو كان مكان الناس، نحو: المال والعاب، لجازت إمالة الألف فيه لكسرة الإعراب، فإذا كان الناس كان أحسن، لأن هذا الحرف قد أميل في الموضع الذي لا يوجب القياس إمالته فيه، كما أميل: الحجّاج، إذا كان علما، لأنهما كثرا في الكلام واستجيز ذلك فيهما للكثرة.
فإذا أميل الناس* حيث لم يكن معه شيء يوجب الإمالة للكثرة، فأن يمال لكسرة الإعراب، أجدر، والناس* أصله: الأناس، فحذفت الهمزة التي هي فاء، ويدلّك على ذلك الأنس والأناس، فأما قولهم في تحقيره: نويس، فإن الألف لمّا كانت ثانية زائدة أشبهت ألف فاعل، فكما قلبت واوا لشبهه ألف فاعل، كذلك جازت الإمالة فيه في المواضع التي أميل الاسم فيه لذلك). [الحجة للقراء السبعة: 6/467]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {النَّاسِ} [آيةُ 1 و2 و3 و5 و6]: -
جَمِيعُ الْقُرَّاءِ فَتَحُوا النُّونَ مِنَ {النَّاسِ} إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنِ الدُّورِيِّ عَنِ (الْكِسَائِيِّ) أَنَّهُ كَانَ يُمِيلُ {النَّاسِ} فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ.
وَالْوَجْهُ فِي الإِمَالَةِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ حَسَنَةٌ؛ لِكَسْرَةِ الإِعْرَابِ، وَقَدْ أَمَالُوا: النَّاسَ فِي مَوَاضِعَ لا يُوجِبُ الْقِيَاسُ إِمَالَتَهُ فِيهَا؛ لِكَثْرَةِ الاسْتِعْمَالِ، لَمَّا كَثُرَ فِي كَلامِهِمْ، جُوِّزَتْ إِمَالَتُهُ لِلْكَثْرَةِ، وَذَلِكَ حَيْثُ لا كَسْرَةَ فِيهِ، فَلأَنْ تَجُوزُ إِمَالَتُهُ مَعَ وُجُودِ الْكَسْرَةِ الْجَالِبَةِ لَهَا أَوْلَى.
ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الأَلِفَ وَإِنْ كَانَتْ أَلِفَ فُعَالٍ فَإِنَّهَا شُبِّهَتْ بِأَلِفِ فَاعِلٍ، بِأَنْ قُلِبَتْ فِي التَّصْغِيرِ وَاوًا، فَقِيلَ: نُوَيْسٌ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمُكَبَّرِ أُنَاسًا، فَلَمَّا كَانَتْ مُشَبَّهَةً بِأَلِفِ فَاعِلٍ، أُجِيزَتْ فِيهَا الإِمَالَةُ، كَمَا تَجُوزُ فِي فَاعِلٍ). [الموضح: 1418]
قوله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ (2)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
اتفق القراء على (ملك النّاس (2). بغير ألف.
وروى أبو عمر الدوري عن الكسائي أنه كان يميل النون من (النّاس) في موضع الخفض، ولا يميلها في مرضع الرفع والنصب.
وسائر القرّاء فخموا الناس في جميع الوجوه). [معاني القراءات وعللها: 3/174]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (لم يختلف الناس في {مَلِكِ النَّاسِ} أنها بغير ألف.
[المحتسب: 2/375]
قال أبو الفتح: ينبغي أنه يكون -والله أعلم- إنما وقع الإجماع على ذلك لأنه من جملة الثناء على الله -سبحانه- بالربوبية والإلهية، فكان معنى الملك أليق بالربوبية والإلهية من معنى الملك؛ إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكا، فكما يوفق بين الألفاظ. في القوافي والسجوع والمقاطع ينبغي أن يوفق أيضا بين المعاني.
ألا ترى إلى بعضهم قد سمع قارئا يقرأ. ............). [المحتسب: 2/376]
قوله تعالى: {إِلَهِ النَّاسِ (3)}
قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {من شر الوسواس} [4].
بفتح الواو؛ إجماع لأن الوسواس اسم الشيطان، وهو الغرور والخناس، والجان، والعفريت، والجلان، والبلان، والعطب، والدلس، والدلامن، والخيتعور، والشيصبان، والمهذب، والشيطان، واللعين، والموسوس، والأزنيب، والسفيه، قيل في قوله تعالى: {إنه كان يقول سفيهنا على الله شططا} قال: السفيه: إبليس، والوسواس: صوت حلي النساء أيضا وأنشد:
تسمح الحلي وسواسا إذا انصرفت = كما استغاث بريح عشرق زجل
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/551]
فأما الوسواس بكسر الواو فمصدر وسوس يوسوس وسوسة ووسواسا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/552]
قوله تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): ({في صدور الناس} [3] والناس جنهم وأنسهم والناس يقع على الجن والإنس رأيت ناسا من الجن، وناسا من بني آدم، ويقال لمن لا خير فيه: نسناس. وحدثنا عن ابن حميد، قال حدثنا سلمة قال: حدثنا المبارك بن الأزهر، عن شريك ابن عبد الله بن أبي نمر، عن صالح مولى التؤمة عن ابن عباس، قال: «إن من الملائكة قبيلا يقال: لهم: الجن. فكان إبليس يوسوس ما بين السماء والأرض فمسخه الله شيطانًا».
وحدثنا عن ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا أبو إسحق، قال: النسناس: خلق باليمن لأحدهم يد ورجل، وعين واحد ينقر، أي: يقفز، قفزا أهل اليمن يصطادونهم فخرج قوم في صيد فرأوا ثلاثة منهم فأدركوا واحدًا فعقروه، وذبحوه، وتوارى اثنان في الشجر، فقال: اذبحه فإنه سمين، قال: ويقول أحد الاثنين: أكل ضرو، والضرو: شجر، فدخلوا شجر الزيتون فأخذوا الثاني فذبحوه فقال للذي ذبحه ما أنفع الصمت، فقال الثالث: أنا الصميميت، فأخذوه فذبحوه أيضًا.
وحدثنا عن ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن الشرقي بن القطامي، قال: النسناس: خلق باليمن لأحدهم يد ورجل، وعين ينقز بها، وهو صيد لأهل اليمن، قال: فخرج رجلان في طلب واحد منهم هرم فأدركاه فعرفاه، فالتفت إليهما، وهو يقول:
يا رب يوم لو أردتماني
لمتما أو لتركتماني
والناس في القرآن على أقسام: فقوله: {أم يحسدون الناس على ما آتيهم الله من فضله} فإنه يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} يعني إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/552]
قوله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (والمعنى عند القرّاء في قوله: (من الجنّة والنّاس (6)
الذين هم جن و(يوسوس في صدور النّاس) يعني الإنس.
وقال الزجاج: المعنى فيه: قل يا محمد أعوذ برب الناس، من شر الوسواس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنّة: أي: من الذين هم من الجنّ.
قال: وقوله (والناس) معطوف على الوسواس.
المعنى: من شر الوسواس، ومن شر الناس.
كما يستعيذ الرجل باللّه من شر الجن والإنس.
ودليل ذلك قوله: (من شرّ ما خلق) ). [معاني القراءات وعللها: 3/174]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين