قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (حتّى مطلع الفجر (5).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة (هي حتّى مطلع الفجر) بفتح اللام.
وقرأ الكسائي (مطلع الفجر) بكسر اللام، وكذلك روى عبيد عن أبي عمرو بكسر اللام.
قال أبو منصور: من قرأ (مطلع الفجر) فهو مصدر بمعنى الطلوع.
يقال: طلعت الشمس مطلعًا وطلوعًا.
ومن قرأ (مطلع) بكسر اللام فمعناه: وقت طلوع الشمس. والعرب تضع الاسم موضع المصدر). [معاني القراءات وعللها: 3/155]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {حتى مطلع الفجر}.
قرأ الكسائي وحده: {حتى مطلع الفجر} [5] بكسر اللام، أراد به الموضع والاسم.
وقرأ الباقون: {مطلع} بالفتح أرادوا المصدر حتى طلوع الفجر، تقول العرب: طلعت الشمس مطلعا وطلوعا.
فإن قيل: بم خفضت حتى مطلع الفجر وقد رأيت «حتى» تنصب في نحو قوله: {حتى يقول الرسول}؟
فالجواب في ذلك أن «حتى» إذا كانت غاية خفضت الاسم بإضمار «إلى» ونصب الفعل بإضمار «إلى» كقولك: دخلت البلاد حتى الكوفة أي: حتى انتهيت إلى الكوفة، وإلى مطلع الفجر.
وأما الفعل فقولك: أسير حتى أدخلها أي: إلى أن أدخلها وإلى أن يقول الرسول. ولها وجوه قد بينتها في سورة (البقرة) فالوقف على قوله: {من كل أمر} [4] ثم تبتدئ: {سلام} أي: هي سلام حتى مطلع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/510]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ الكسائي: مطلع* [5] بكسر اللام، وروى عبيد عن أبي عمرو مطلع* بكسر اللام.
وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة:
مطلع بفتح اللام.
قال أبو علي: المطلع في قوله: حتى مطلع الفجر مصدر يدلّ على ذلك أن المعنى: سلام هي حتى وقت طلوعه، وإلى وقت طلوعه، فهذا نحو: مقدم الحاج، وخفوق النجم، تجعل المصدر فيه زمانا على تقدير حذف المضاف، فكذلك المطلع، وإذا كان كذلك، فالقياس أن يفتح اللام، كما أن مصادر سائر ما كان من فعل يفعل مفتوح العين نحو: المقتل، والمخرج، فأما الكسر، فلأن من المصادر التي ينبغي أن تكون على المفعل ما قد كسر، نحو: علاه المكبر والمعجز وقوله: ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222]، وكذلك كسر المطلع وإن كان القياس الفتح، وأما المسجد فكان القياس فيه إذا كان اسم الموضع من سجد يسجد الفتح. وسيبويه يحمله على أنه
[الحجة للقراء السبعة: 6/427]
اسم للبيت، ولو كان اسم الموضع على القياس لوجب أن يفتح على قياس ما عليه سائر هذا الباب، فقول من كسر اللام من المطلع على أنه جاء شاذّا عمّا عليه بابه والكثرة). [الحجة للقراء السبعة: 6/428]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({سلام هي حتّى مطلع الفجر} 5
قرأ الكسائي {حتّى مطلع الفجر} بكسر اللّام وقرأ الباقون {مطلع} بفتح اللّام يعني طلوع الفجر وهو المصدر من طلعت الشّمس مطلعا وطلوعا والمعنى سلام هي حتّى طلوعه وإلى وقت طلوعه
وكل ما كان على فعل يفعل مثل قتل يقتل وطلع يطلع فالمصدر والمكان على مفعل بفتح العين نحو المقتل والمدخل وقد جاء مثل المطلع والمنبت على غير الفعل
وحجّة الكسائي أن المطلع يكون الموضع الّذي تطلع فيه ويكون بمعنى المصدر قال الكسائي من كسر اللّام فإنّه من طلع يطلع ومات يطلع قال وقد مات من لغات العرب كثير
وأعلم أن كل ما كان من فعل يفعل بكسر العين فالموضع منه المفعل والمصدر منه مفعل تقول جلس يجلس مجلسا والموضع المجلس وكذلك يطلع يطلّ مطلعا والمطلع اسم الموضع قال الفراء من كسر اللّام فإنّه وضع الاسم موضع المصدر كما تقول أكرمتك كرامة وأعطيتك عطاء فيجتزأ بالاسم من الموضع). [حجة القراءات: 768]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قَوْلُهُ: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} قَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ اللاَّمِ جَعَلَهُ مَصْدَرًا وَاسْمَ مَكَانٍ نَادِرًا أَتَى بِالْكَسْرِ، وَفِعْلُهُ «فَعَلَ يَفْعَلُ»، وَحَقُّهُ الْفَتْحُ كـ (الْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ، مِنْ: دَخَلَ يَدْخُلُ، وَخَرَجَ يَخْرُجُ. وَقَدْ أَتَتْ لَهُ نَظَائِرُ بِالْكَسْرِ خَارِجَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ نَحْوُ الْمَسْجِدِ، وَالْمَحِيضِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا «الْمَسْكَنَ» فِي قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ الْكَافَ فَهُوَ مِثْلُهُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ عَلَى الأَصْلِ فِي اسْمِ الْمَكَانِ وَالْمَصْدَرِ مِنْ «فَعَلَ يَفْعُلُ» نَحْوُ: الْمَقْتَلُ، وَالْمَسْكَنُ، وَالْمَخْرَجُ،
وَالْمَدْخَلُ، وَعَلَى هَذَا تَأْتِي نَظَائِرُهُ، فَحَمَلُوهُ عَلَى الأَصْلِ وَعَلَى الأَكْثَرِ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/385]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- (مَطْلِعِ الْفَجْرِ) [آيَةُ/5] بِكَسْرِ اللاَّمِ: -
قَرَأَهَا الْكِسَائِيُّ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ عَنْ يَعْقُوبَ.
وَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا كَقِرَاءَةِ الْبَاقِينَ، وَلا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فَقَدْ جَاءَ مَفْعِلٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَصْدَرًا نَحْوُ الْمَرْجِعُ وَالْمَحِيضُ، وَإِذَا كَانَ مَصْدَرًا كَانَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالتَّقْدِيرُ: حَتَّى وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِوَقْتِ الطُّلُوعِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى مَفْعِلٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ فَتْحَهَا، فَقَدْ جَاءَ كَثِيرٌ مِنْ أَمْثَالِهِ الَّتِي هِيَ عَلَى فَعَلَ يَفْعُلُ بِالضَّمِّ، وَالْمَكَانُ مِنْهُ عَلَى مَفْعِلٍ بِالْكَسْرِ نَحْوُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَالْكَلِمَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا شَذَّ اسْمًا كَانَتْ أَوْ مَصْدَرًا.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حَتَّى مَطْلَعِ} بِفَتْحِ ِاللاَّمِ.
وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمَصَادِرُ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ يَقْتَضِي الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ
[الموضح: 1384]
عَلَى مَفْعَلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، نَحْوُ قَتَلَ وَخَرَجَ مَخْرَجًا وَذَهَبَ مَذْهَبًا وَضَرَبَ مَضْرَبًا، سَوَاءً كَانَ الْمُضَارِعُ مِنْهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا، فَالْمَطْلَعُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الطُّلُوعِ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالتَّقْدِيرُ: حَتَّى وَقْتِ مَطْلَعِ الْفَجْرِ أَيْ طُلُوعِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْوَقْتِ أَيْضًا، فَهُوَ عَلَى مَفْعَلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ؛ لأَنَّهُ مِنْ طَلَعَ يَطْلُعُ بِالضَّمِّ فِي الْمُضَارِعِ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ عَلَى فَعَلَ يَفْعُلُ بِالضَّمِّ، فَالْقِيَاسُ فِي اسْمِ الزَّمَانِ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى مَفْعَلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ). [الموضح: 1385]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين