سورة الإنسان
[ من الآية (11) إلى الآية (22) ]
{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)}
قوله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)}
قوله تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)}
قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)}
قوله تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)}
قوله تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قال جلّ وعزّ: (سلاسلًا) و(قواريرًا) (15 - 16).
قرأ ابن كثير " سلاسل " بغير تنوين، ووقف بغير ألف "كانت قواريرًا " منونة، ووقف بغير ألف " قوارير من فضة " غير منونة.
وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم " سلاسل " بغير تنوين، ووقفوا بألف " كانت قوارير " يقفون بألف، ويختارون الوقف عليها، فإذا وصلوا وصلوا بغير تنوين " قوارير من فضة " بغير تنوين، وبغير ألف.
وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي " سلاسلاً "، و(كانت قواريرًا قواريرًا) منونة (من فضة).
ويقفون عليها بألف.
وقرأ حمزة ويعقوب " سلاسل " و" قوارير " بغير تنوين، وبغير ألف.
قال أبو منصور: من قرأ (سلاسل) و(قوارير) بغير تنوين، وغير ألف؛ فلأنها لا تنصرف.
ومن قرأ (سلاسلاً) و(قواريرًا) فنوّن فلأنّ
[معاني القراءات وعللها: 3/108]
أصلها الصرف - ووافقتا رءوس آي بألف فأجريتا مجراها.
وأما من لم يجر (قوارير من فضة) وأجرى الثانية فلأن الأولى ليست برأس آية والثانية رأس آية.
قال أبو منصور: كل ما قرئ به فهو جائز حسن.
فاقرأ كيف شئت). [معاني القراءات وعللها: 3/109] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {قواريرا} [15، 16].
قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي: {قواريرًا} منونًا بالألف اتباعًا للمصحف؛ لأن الأولي رأس آية، وكرهوا أن يخالفوا بين لفظين معناهما سيان، كما قرأ الكسائي {ألا إن ثمودًا... ألا بعدًا لثمود} فصرف الثاني لقربه من الأول، والأول صرف، لأنه بألف.
وفيه قراءة ثانية: روي حفص عن عاصم: {قواريرًا قواريرا} يثبت الألف في الوقف، ولا ينون، كأنه ذهب إلى ما أنبأتك في وقف بعض العرب على ما لا ينصرف بألف. وإذا أدرج أسقط الألف.
وأما ابن عامر فإنه يقف برواية هشام: {قواريرا} بالألف، وبرواية ابن ذكوان بغير ألف.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/420]
وقراءة ثالثة: قرأ حمزة وابن عامر: {قوارير قوارير} بغير ألف، وهو محض العربية؛ لأن فواعيل لا ينصرف في معرفة ولا نكرة.
وكان حمزة يقف بغير ألف. ومعنى {قوارير من فضة} [16] أي: هي في صفاء الفضة وجوهرة ويؤدي ما وراءها كما تؤدي قوارير. ومثله {مزاجها كافورًا} [5] و{زنجبيلا} [27] أي: هذا الشراب في برد الكافور وذكاء المسك ولذع الزنجبيل.
وفيه قراءة رابعة: قرأ ابن كثيرك {قواريرًا قوارير} ينون الأول والثاني بغير ألف، وهو الاختيار؛ لأن الأولي رأس آية، وليست الثانية كذلك.
وفيه قراءة خامسة: قرأ أبو عمرو: {قوارير} بألف غير منون إذا وقف يقف وقفًا خفيفًا؛ إذ كان رأس آية، والثاني: بغير ألف؛ لأنه لا ينصرف، وليس رأس آية. فاللفظ على ما سمعت ابن مجاهد يقرأ: {قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرًا} ومعنى قدروها أي: قدروا شرابهم على مقاديرريهم لا يزيد ولا ينقص، وذلك ألذ الشراب، قال ابن جريح ومجاهد: لا يترع فيهراق ولا ينقص فيغيض.
وقال قتادة: قدر على ري القوم، فنسب الفعل إلى الخدام إذا كان جاريًا على أيديهم. ومعنى يترع: يملأ، يقال ملأت الإناء فأرهقته، وأترعته، وأفعمته، وأتأقته، وزبرته، وكرته، ورعبته: كل ذلك إذا ملأته إلى أصباره، الأصبار: واحدها صبر، وهو النواحي من أعلاه.
وقرأ ابن عباس والشعبي وعبيد بن عمير وعاصم الجحدري وقتادة وأبو عبد الرحمن وابن أبي أبزي: {قدروها تقديرًا} بضم القاف، وقال المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو: و{قدروها} بالفتح، وقال: {قدروها} محدثة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/421] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأكواب كانت قواريرا * قوارير من فضّة قدروها تقديرا} 16 15
قرأ نافع وأبو بكر والكسائيّ (قواريرا قواريرا) منونا كلاهما وإذا وقفوا وقفوا عليهما بألف اتباعا للمصحف ولأن الأولى رأس آية وكرهوا أن يخالفوا بين لفظين معناهما واحد كما قرأ الكسائي {ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود} فصرف الثّاني لقربه من الأول
قرأ ابن كثير {قواريرا} منونا و{قوارير من فضّة} بغير تنوين وهو الاختيار لأن الأولى رأس آية وليست الثّانية كذلك
فمن قرأ (قواريرا قواريرا) بإجرائهما جميعًا كانت له ثلاث حجج إحداهنّ أن يقول نونت الأولى لأنّها رأس آية ورؤوس
[حجة القراءات: 738]
الآيات جاءت بالتّنوين كقوله {مذكورا} {سميعا} {بصيرًا} فنون الأولى ليوافق بين رؤوس الآيات ونون الثّاني على الجوار للأول
والحجّة الثّانية أن العرب تجري ما لا يجرى في كثير من كلامها من ذلك قول عمرو بن كلثوم:
كأن سيوفنا فينا وفيهم ... مخاريق بأيدي لاعبينا
فأجرى مخاريق والثّالثة اتّباع المصاحف وذلك أنهم جميعًا في مصاحف أهل الحجاز والكوفة بالألف
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص {قواريرا قوارير} بغير تنوين وهو محض العربيّة لأن فواعل لا تنصرف في معرفة ولا نكرة ووقفوا على الأولى بالألف لأنّها رأس آية وآيتها على الألف ووقفوا على الثّانية بغير ألف لأنّها ليست ب رأس آية ووقف حمزة بغير ألف فيهما
قوله {كانت قواريرا قوارير من فضّة} يقول كانت كصفاء القوارير وبياض الفضة فاجتمع فيها صفاء القوراير وبياض الفضة {قدروها تقديرا} أي قدروا الكأس على ري أحدهم لا فضل فيه ولا عجز عن ريه). [حجة القراءات: 739] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {قواريرا . قوارير} قرأه نافع وأبو بكر والكسائي بالتنوين فيهما، وقرأ ابن كثير بالتنوين في الأول وبغير تنوين في الثاني، وقرأ الباقون بغير تنوين فيهما، وكلهم وقف على الأول بألف، إلا حمزة فإنه وقف عليه بغير ألف، إذ لا تنوين فيه في الوصل، ووقف نافع وأبو بكر وهشام والكسائي على الثاني بألف، ووقف الباقون بغير ألف، والحجة في تنوين ذلك، وترك تنوينه، والوقف بالألف، وبغير ألف كالحجة في {سلاسل} فقسه عليه فهو مثله في العلل كلها، غير أن الذين خصوا الأول من {قواريرا} بالتنوين في الأول، وبالألف في الوقف، إنما فعلوا ذلك لأنه رأس آية، ففرقوا بينه وبين الثاني بذلك؛ لأن رؤوس الآي يحسن الوقف عليها، مع ما يتأتى في ذلك من العلل المذكورة في {سلاسل} ومع شبه رؤوس الآي بالقوافي لأنهما تمام الكلام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/354] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {سَلَاسِلَ} [آية/ 4] و{قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ} [آية/ 15و16] بغير تنوين، فيهن، والوقف عليهن بغير ألف:-
قرأها ابن عامر وحمزة ويعقوب –يس- وكذلك ابن كثير إلا في {قَوَارِيرَ} الأولى فإنه نونها، ووقف عليها بالألف.
والوجه أن ترك التنوين في {سَلَاسِلَ} و{قَوَارِيرَ} هو القياس؛ لأن ما كان من هذا المثال أعني ما كان جمعًا ثالثه ألف وبعد الألف حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن، وهو الجمع الذي لا نظير له في الآحاد نحو مساجد وقناديل، فإنه لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؛ لأن السبب فيه يقوم مقام سببين.
وقرأ أبو عمرو وعاصم –ص- ويعقوب –ح- {سَلَاسِلَ} و{قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ} بغير تنوين فيهن، ووقفوا على {سَلَاسِلَ} و{كَانَتْ قَوَارِيرَ} بالألف فيهما، و{قَوَارِيرَ} الثانية بغير ألف.
والوجه في إلحاق الألف بسلاسلا وقواريرًا في حال الوقف أنه على التشبيه بالإطلاق في القوافي، كما ألحق الألف في قوله {الظُّنُونَا} و{الرَّسُولَا}
[الموضح: 1321]
و {السَّبِيلَا} لذلك، وإنما وقفوا على {قَوَارِيرَا} الأولى بالألف، وعلى الثانية بغير ألف؛ لأن الأولى رأس آية، فهي فاصلة، فصارت مشبهة بالقافية، والثانية ليست برأس آية.
وقرأ نافع والكسائي و-ياش- عن عاصم بالتنوين فيهن كلهن، والوقف عليهن بالألف.
والوجه في التنوين أنهم اضطروا إليه في الشعر فصرفوه وسموه لغة الشعر، ثم جرت ألسنتهم بذلك فأجروه في غير الشعر مجراه في الشعر؛ لأنه رد شيء إلى أصله.
وقال أبو علي: هذا في الشعر يحتمل لأنه موضع يحتمل فيه الزيادة والنقصان لكونه موضع ضرورة، والتنوين زيادة، فاحتمل فيه، فلما دخل التنوين دخل الصرف، وذكر أبو علي في ذلك وجهًا آخر وهو أن هذه الجموع أشبهت الآحاد من حيث إنهم قالوا صواحبات يوسف، فلما جمعت جمع الآحاد جعلت في حكمها، فصرفت لذلك). [الموضح: 1322] (م)
قوله تعالى: {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قال جلّ وعزّ: (سلاسلًا) و(قواريرًا) (15 - 16).
قرأ ابن كثير " سلاسل " بغير تنوين، ووقف بغير ألف "كانت قواريرًا " منونة، ووقف بغير ألف " قوارير من فضة " غير منونة.
وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم " سلاسل " بغير تنوين، ووقفوا بألف " كانت قوارير " يقفون بألف، ويختارون الوقف عليها، فإذا وصلوا وصلوا بغير تنوين " قوارير من فضة " بغير تنوين، وبغير ألف.
وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي " سلاسلاً "، و(كانت قواريرًا قواريرًا) منونة (من فضة).
ويقفون عليها بألف.
وقرأ حمزة ويعقوب " سلاسل " و" قوارير " بغير تنوين، وبغير ألف.
قال أبو منصور: من قرأ (سلاسل) و(قوارير) بغير تنوين، وغير ألف؛ فلأنها لا تنصرف.
ومن قرأ (سلاسلاً) و(قواريرًا) فنوّن فلأنّ
[معاني القراءات وعللها: 3/108]
أصلها الصرف - ووافقتا رءوس آي بألف فأجريتا مجراها.
وأما من لم يجر (قوارير من فضة) وأجرى الثانية فلأن الأولى ليست برأس آية والثانية رأس آية.
قال أبو منصور: كل ما قرئ به فهو جائز حسن.
فاقرأ كيف شئت). [معاني القراءات وعللها: 3/109] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {قواريرا} [15، 16].
قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي: {قواريرًا} منونًا بالألف اتباعًا للمصحف؛ لأن الأولي رأس آية، وكرهوا أن يخالفوا بين لفظين معناهما سيان، كما قرأ الكسائي {ألا إن ثمودًا... ألا بعدًا لثمود} فصرف الثاني لقربه من الأول، والأول صرف، لأنه بألف.
وفيه قراءة ثانية: روي حفص عن عاصم: {قواريرًا قواريرا} يثبت الألف في الوقف، ولا ينون، كأنه ذهب إلى ما أنبأتك في وقف بعض العرب على ما لا ينصرف بألف. وإذا أدرج أسقط الألف.
وأما ابن عامر فإنه يقف برواية هشام: {قواريرا} بالألف، وبرواية ابن ذكوان بغير ألف.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/420]
وقراءة ثالثة: قرأ حمزة وابن عامر: {قوارير قوارير} بغير ألف، وهو محض العربية؛ لأن فواعيل لا ينصرف في معرفة ولا نكرة.
وكان حمزة يقف بغير ألف. ومعنى {قوارير من فضة} [16] أي: هي في صفاء الفضة وجوهرة ويؤدي ما وراءها كما تؤدي قوارير. ومثله {مزاجها كافورًا} [5] و{زنجبيلا} [27] أي: هذا الشراب في برد الكافور وذكاء المسك ولذع الزنجبيل.
وفيه قراءة رابعة: قرأ ابن كثيرك {قواريرًا قوارير} ينون الأول والثاني بغير ألف، وهو الاختيار؛ لأن الأولي رأس آية، وليست الثانية كذلك.
وفيه قراءة خامسة: قرأ أبو عمرو: {قوارير} بألف غير منون إذا وقف يقف وقفًا خفيفًا؛ إذ كان رأس آية، والثاني: بغير ألف؛ لأنه لا ينصرف، وليس رأس آية. فاللفظ على ما سمعت ابن مجاهد يقرأ: {قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرًا} ومعنى قدروها أي: قدروا شرابهم على مقاديرريهم لا يزيد ولا ينقص، وذلك ألذ الشراب، قال ابن جريح ومجاهد: لا يترع فيهراق ولا ينقص فيغيض.
وقال قتادة: قدر على ري القوم، فنسب الفعل إلى الخدام إذا كان جاريًا على أيديهم. ومعنى يترع: يملأ، يقال ملأت الإناء فأرهقته، وأترعته، وأفعمته، وأتأقته، وزبرته، وكرته، ورعبته: كل ذلك إذا ملأته إلى أصباره، الأصبار: واحدها صبر، وهو النواحي من أعلاه.
وقرأ ابن عباس والشعبي وعبيد بن عمير وعاصم الجحدري وقتادة وأبو عبد الرحمن وابن أبي أبزي: {قدروها تقديرًا} بضم القاف، وقال المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو: و{قدروها} بالفتح، وقال: {قدروها} محدثة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/421] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي: سلاسلا منوّنة، قواريرا، قواريرا من فضة [الإنسان/ 15، 16] كلاهما بألف ولا ينوّن فيهما.
وقرأ ابن عامر وحمزة: قوارير، قوارير بغير ألف، ووقف حمزة بغير ألف فيهما.
[الحجة للقراء السبعة: 6/348]
وقرأ ابن كثير: قواريرا منوّنة، قوارير من فضة غير منوّنة.
وقرأ أبو عمرو: قواريرا غير منونة، ووقف بألف. قوارير من فضة غير منوّنة أيضا، ووقف بغير ألف. وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: كانت قواريرا يثبت الألف، ولا ينوّن، قوارير من فضة [بغير ألف ولا تنوين، وقال أبو زيد فيما كتب به إلي أبو حاتم عن أبي زيد عن أبي عمرو: كانت قوارير من فضة [ولا يصل قوارير.
قال أبو علي: حجّة من صرف: سلاسلا، وقواريرا في الوصل والوقف أمران: أحدهما: أن أبا الحسن قال: سمعنا من العرب من يصرف هذا، ويصرف جميع ما لا ينصرف،
وقال: هذا لغة الشعراء لأنهم اضطروا إليه في الشعر، فصرفوه، فجرت ألسنتهم على ذلك، واحتملوا ذلك في الشعر لأنه يحتمل الزيادة كما يحتمل النقص، فاحتملوا زيادة التنوين، فلما دخل التنوين، دخل الصرف.
والأمر الآخر: أن هذه الجموع أشبهت الآحاد، لأنهم قد قالوا:
صواحبات يوسف، فيما حكاه أبو الحسن وأبو عثمان، فلما جمعه جمع الآحاد المنصرفة جعلوه في حكمها، فصرفوها.
قال أبو الحسن: وكثير من العرب يقولون: مواليات ويريدون الموالي، وأنشد للفرزدق:
[الحجة للقراء السبعة: 6/349]
وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرّقاب نواكسي الأبصار فهذا كأنه جمع نواكس، ويؤكّد هذا الذي قاله أبو الحسن قول العجّاج:
جذب الصّراريّين بالكرور فجمع صرّاء الذي هو فعّال مثل: حسّان، على فعاعيل وشبهه بكلّاب وكلاليب، وجمع بالواو والنون، ويدلّ على أن صرّاء واحد مثل حسّان قول الفرزدق:
أشارب خمرة وخدين زير وصرّاء لفسوته بخار وأما قراءة حمزة: قوارير قوارير بغير نون ولا ألف، وكذلك:
سلاسل* بغير نون ولا ألف، فإنه جعله كقوله: لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد [الحج/ 40] وكذلك قول ابن عامر إلا أنه يشبه أن
[الحجة للقراء السبعة: 6/350]
يلحق الألف في الوقف في فحوى ما حكاه أحمد عنه، وإلحاق الألف في سلاسل، وقوارير كإلحاقها في قوله: الظنونا والسبيلا والرسولا ويشبه ذلك بالإطلاق في القوافي من حيث كانت مثلها في أنها كلام تام، وقياس من نوّن القوافي فقال:
أقلّي اللوم عاذل والعتابا أن ينوّن سلاسلا، وقواريرا على هذا المذهب، قال أبو الحسن: ولا يعجبني ذلك، لأنها ليست لغة أهل الحجاز، قال أبو الحسن: سلاسلا، وأغلالا منوّنة في الوصل والسكت على لغة من يصرف نحو ذا من العرب والكتاب بألف، وهي قراءة أهل مكّة وأهل المدينة والحسن، وبها نقرأ، قال: وقوارير ينوّنهما أهل المدينة كلتيهما ويثبتون الألف في السكت.
قال: ونحن نثبت ذلك الألف فيهما ونوّنهما إذا وصلنا، نحمل ذلك على لغة من يصرف أشباه ذا. وإن شئت لم تنوّن إذا وصلت لأنها رأس آية، وأهل الكوفة يقولون: الظنونا والسبيلا، والرسولا وأهل مكة وأبو عمرو يثبتون الألف في هذا في الوصل والسكوت، وكذلك نقرؤه لأنه رأس آية، ولا يجوز فيه تنوين إلا على لغة من ينوّن القوافي، ولا تعجبني تلك اللغة لأنها ليست لغة أهل الحجاز. انتهت الحكاية عن أبي الحسن.
فأما قوله: قوارير قوارير من فضة فإن قلت: كيف تكون القوارير من فضة، وإنما القوارير من الرمل دونها، فالقول في ذلك أن الشيء إذا قاربه شيء ولزمه ذلك واشتدّ ملابسته له، قيل فيه: هو من
[الحجة للقراء السبعة: 6/351]
كذا، وإن لم يكن منه في الحقيقة، كالحلقة من الفضة، والقفل من الحديد كقول البعيث:
ألا أصبحت خنساء جاذمة الوصل وضنّت علينا والضّنين من البخل وصدّقت فأعدانا بهجر صدودها وهنّ من الإخلاف قبلك والمطل وأنشد أحمد بن يحيى:
ألف الصّفون فما يزال كأنه ممّا يقوم على الثلاث كسيرا وأنشد:
ألا في سبيل اللّه تغبير لمّتي ووجهك ممّا في القوارير أصفرا فعلى هذا يجوز: قوارير من فضة أي هي في صفاء الفضة ونقائها، كما قال في النساء:
[الحجة للقراء السبعة: 6/352]
وهنّ من الإخلاف...
وكما قال:
ووجهك مما في القوارير ولا يمتنع على هذا أن يقدّر حذف المضاف، كأنك أردت:
قوارير من صفاء الفضّة، فتحذف المضاف ويكون قوله: من فضة صفة للقوارير، كما أن قوله: قدروها [الإنسان/ 16] صفة لقوله، والضمير في: قدروها يكون للخزّان والملائكة، أي: قدّروها على ربهم، لا ينقص من ذلك ولا يزيد عليه.
ومن قرأ: قدروها فهو هذا المعنى يريد، وكأن اللفظ قدّروا عليها، فحذف الجار كما حذف من قوله:
كأنّه واضح الأقراب في لقح أسمى بهنّ وعزّته الأناصيل فلما حذف الحرف وصل الفعل، فكذلك قوله: قدروها إلا أن المعنى: قدّرت عليهم، أي: على ربهم، فقلب كما قال:
لا تحسبنّ دراهما سرّقتها تمحو مخازيك التي بعمان
[الحجة للقراء السبعة: 6/353]
وعلى هذا يتأوّل قوله: ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة [القصص/ 76]، ومثل هذا ما حكاه أبو زيد: إذا طلعت الجوزاء أوفى العود في الجرباء). [الحجة للقراء السبعة: 6/354] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأكواب كانت قواريرا * قوارير من فضّة قدروها تقديرا} 16 15
قرأ نافع وأبو بكر والكسائيّ (قواريرا قواريرا) منونا كلاهما وإذا وقفوا وقفوا عليهما بألف اتباعا للمصحف ولأن الأولى رأس آية وكرهوا أن يخالفوا بين لفظين معناهما واحد كما قرأ الكسائي {ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود} فصرف الثّاني لقربه من الأول
قرأ ابن كثير {قواريرا} منونا و{قوارير من فضّة} بغير تنوين وهو الاختيار لأن الأولى رأس آية وليست الثّانية كذلك
فمن قرأ (قواريرا قواريرا) بإجرائهما جميعًا كانت له ثلاث حجج إحداهنّ أن يقول نونت الأولى لأنّها رأس آية ورؤوس
[حجة القراءات: 738]
الآيات جاءت بالتّنوين كقوله {مذكورا} {سميعا} {بصيرًا} فنون الأولى ليوافق بين رؤوس الآيات ونون الثّاني على الجوار للأول
والحجّة الثّانية أن العرب تجري ما لا يجرى في كثير من كلامها من ذلك قول عمرو بن كلثوم:
كأن سيوفنا فينا وفيهم ... مخاريق بأيدي لاعبينا
فأجرى مخاريق والثّالثة اتّباع المصاحف وذلك أنهم جميعًا في مصاحف أهل الحجاز والكوفة بالألف
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص {قواريرا قوارير} بغير تنوين وهو محض العربيّة لأن فواعل لا تنصرف في معرفة ولا نكرة ووقفوا على الأولى بالألف لأنّها رأس آية وآيتها على الألف ووقفوا على الثّانية بغير ألف لأنّها ليست ب رأس آية ووقف حمزة بغير ألف فيهما
قوله {كانت قواريرا قوارير من فضّة} يقول كانت كصفاء القوارير وبياض الفضة فاجتمع فيها صفاء القوراير وبياض الفضة {قدروها تقديرا} أي قدروا الكأس على ري أحدهم لا فضل فيه ولا عجز عن ريه). [حجة القراءات: 739] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {قواريرا . قوارير} قرأه نافع وأبو بكر والكسائي بالتنوين فيهما، وقرأ ابن كثير بالتنوين في الأول وبغير تنوين في الثاني، وقرأ الباقون بغير تنوين فيهما، وكلهم وقف على الأول بألف، إلا حمزة فإنه وقف عليه بغير ألف، إذ لا تنوين فيه في الوصل، ووقف نافع وأبو بكر وهشام والكسائي على الثاني بألف، ووقف الباقون بغير ألف، والحجة في تنوين ذلك، وترك تنوينه، والوقف بالألف، وبغير ألف كالحجة في {سلاسل} فقسه عليه فهو مثله في العلل كلها، غير أن الذين خصوا الأول من {قواريرا} بالتنوين في الأول، وبالألف في الوقف، إنما فعلوا ذلك لأنه رأس آية، ففرقوا بينه وبين الثاني بذلك؛ لأن رؤوس الآي يحسن الوقف عليها، مع ما يتأتى في ذلك من العلل المذكورة في {سلاسل} ومع شبه رؤوس الآي بالقوافي لأنهما تمام الكلام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/354] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {سَلَاسِلَ} [آية/ 4] و{قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ} [آية/ 15و16] بغير تنوين، فيهن، والوقف عليهن بغير ألف:-
قرأها ابن عامر وحمزة ويعقوب –يس- وكذلك ابن كثير إلا في {قَوَارِيرَ} الأولى فإنه نونها، ووقف عليها بالألف.
والوجه أن ترك التنوين في {سَلَاسِلَ} و{قَوَارِيرَ} هو القياس؛ لأن ما كان من هذا المثال أعني ما كان جمعًا ثالثه ألف وبعد الألف حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن، وهو الجمع الذي لا نظير له في الآحاد نحو مساجد وقناديل، فإنه لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؛ لأن السبب فيه يقوم مقام سببين.
وقرأ أبو عمرو وعاصم –ص- ويعقوب –ح- {سَلَاسِلَ} و{قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ} بغير تنوين فيهن، ووقفوا على {سَلَاسِلَ} و{كَانَتْ قَوَارِيرَ} بالألف فيهما، و{قَوَارِيرَ} الثانية بغير ألف.
والوجه في إلحاق الألف بسلاسلا وقواريرًا في حال الوقف أنه على التشبيه بالإطلاق في القوافي، كما ألحق الألف في قوله {الظُّنُونَا} و{الرَّسُولَا}
[الموضح: 1321]
و {السَّبِيلَا} لذلك، وإنما وقفوا على {قَوَارِيرَا} الأولى بالألف، وعلى الثانية بغير ألف؛ لأن الأولى رأس آية، فهي فاصلة، فصارت مشبهة بالقافية، والثانية ليست برأس آية.
وقرأ نافع والكسائي و-ياش- عن عاصم بالتنوين فيهن كلهن، والوقف عليهن بالألف.
والوجه في التنوين أنهم اضطروا إليه في الشعر فصرفوه وسموه لغة الشعر، ثم جرت ألسنتهم بذلك فأجروه في غير الشعر مجراه في الشعر؛ لأنه رد شيء إلى أصله.
وقال أبو علي: هذا في الشعر يحتمل لأنه موضع يحتمل فيه الزيادة والنقصان لكونه موضع ضرورة، والتنوين زيادة، فاحتمل فيه، فلما دخل التنوين دخل الصرف، وذكر أبو علي في ذلك وجهًا آخر وهو أن هذه الجموع أشبهت الآحاد من حيث إنهم قالوا صواحبات يوسف، فلما جمعت جمع الآحاد جعلت في حكمها، فصرفت لذلك). [الموضح: 1322] (م)
قوله تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17)}
قوله تعالى: {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)}
قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)}
قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)}
قوله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (عاليهم ثياب سندسٍ خضرٌ وإستبرقٌ).
قرأ حمزة ونافع (عاليهم) بسكون الياء، وكذلك روى أبان والمفضل عن عاصم.
وقرأ الباقون " عاليهم " بفتح الياء.
قال أبو منصور: من قرأ (عاليهم) بسكون الياء فهو في موضع الرفع، المعنى: الذي يعلوهم ثياب سندس.
وهو اسم على (فاعل) من علا يعلو.
ومن فتح الياء فقرأ (عاليهم) فإن الفرّاء قال: نصبه على الظرف، تقول: فوقهم ثياب.
[معاني القراءات وعللها: 3/109]
وقال الزّجّاج: نصبه على الحال من شيئين:
أحدهما: من الهاء والميم، المعنى: يطوف على الأبرار ولدان مخلّدون عاليًا الأبرار ثياب سندس؛ لأنه وصف أحوالهم في الجنة، فيكون المعنى: يطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء.
قال: ويجوز أن يكون حالاً من الولدان، المعنى: إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورًا في حال علو الثياب إياهم. قال: فالنصب على هذا بيّن). [معاني القراءات وعللها: 3/110]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (خضرٌ وإستبرقٌ).
قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم " خضرٍ "، خفضًا، (وإستبرقٌ) رفعا.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر ويعقوب (خضرٌ)، رفعا، و(إستبرقٍ) خفضًا.
وقرأ نافع، وحفص عن عاصم (خضرٌ وإستبرقٌ)، رفعًا جميعًا.
وقرأ حمزة والكسائي (خضرٍ وإستبرقٍ)، خفضا جميعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (خضرٌ) فهو جيد؛ لأنه نعتٌ لقوله (ثياب)، والثياب جمع، و(خضرٌ) نعت للجمع.
ومن قرأ (خضرٍ) فهو من نعت السندس، والسندس في المعنى راجع إلى الثياب.
ومن رفع (وإستبرقٌ) فهو معطوف على الثياب، المعنى: وعليهم إستبرقٌ.
ومن خفض نسق على (سندس)، ويكون المعنى: عليهم ثيابٌ من هذين النوعين: ثياب سندسٍ، وإستبرقٍ). [معاني القراءات وعللها: 3/110]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {عاليهم ثياب سندس} [21].
قرأ نافع وحمزة: {عاليهم} بإسكان الياء جعلاه اسمًا لا ظرفًا، كما تقول: فوقك واسع، ومنزلك باب البردان تجعل الباب هو المنزل، وكذلك تجعل الثياب هي العالي.
وقرأ الباقون: {عاليهم} بالنصب على الظرف؛ لأنه ظرف مكان، وهو الأحسن في العربية؛ لأن الثاني غير الأول، وإنما رفع من هذا القبيل إذا كان آخر الكلام هو الأول كقولك: فوقك رأسك وأمامك صدرك، فإن قلت: فوقك السقف، وأمامك الأسد فالنصب لا غير.
وفيها قراءة ثالثة: قرأ ابن مجاهد: {عليهم ثياب سندس}.
وفيها قراءة رابعة: حدثني أحمد عن علي عن أبي عبيد قال: قال هرون: في حرف ابن مسعود: {عليتهم} بالتاء قال: فوافق قول ابن عباس الذي حدثنا حجاج عن هرون عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: ما رأيت الرجل يكون عليه الثياب يعلوها أفضل منها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/422]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {خضر وإستبرق} [21].
قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: {خضر} خفض نعت للسندس و{استبرق} نعت للثياب.
وقرأ نافع وحفص عن عاصم بالرفع فيهما جميعًا {خضر} نعت للثياب، و{استبرق} نسق، لأن الله قال: {ويلبسون ثيابًا خضرًا} فجعل الخضر نعتًا للثياب والإستبرق: الديباج الغليظ.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/422]
وقال بعضهم: أصله فارسي معرب استبره، كما أن قوله: {مقاليد السموات والأرض} واحدها إقليد، وهو بالفارسية إكليد، كما قال {من سجيل} أي: صك. وكل ألفاظ وافقت العربية الفارسية.
وقال آخرون: هذا محال، لا يكون في القرآن غير العربية، وقد فسرت الحجة للفريقين في كتاب «الإيضاح في القرآن».
وقرأ أبو عمرو وابن عامر: {خضر} بالرفع و{إستبرق} بالخفض على تقدير: ثياب سندس وثياب استبرق والحجة في ذلك: أن الله قال: {ثيابًا خضرًا من سندس وإستبرق} وكذلك هذا مثل ذلك.
وقرأ حمزة والكسائي بالخفض كليهما.
وفي {إستبرق} قراءة ثالثة: قرأ ابن محيصن {خضر واستبرق} بفتح القاف، ويصل بالألف يجعله استفعل من البريق.
وقال آخرون: بل قرأ {وإستبرق} بقطع الألف وفتح القاف جعله اسمًا أعجميًا لم يصرفه، والاختيار الصرف وإن كان أعجميًا؛ لأن الأعجمي إذا حسنت الألف واللام فيه صرف نحو: راقود وجاموس وآجر، لأنه يصلح أن تقول: الراقود والجاموس والإستبراق.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/423]
قال الفراء: وجمع إستبرق سبارق، وعبارق وأبارق). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/424]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ نافع وأبان عن عاصم: عاليهم [الإنسان/ 21] ساكنة الياء، وكذلك المفضّل عن عاصم مثله.
وقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر والكسائي:
عاليهم بفتح الياء.
قال أبو علي: من قال: عاليهم فنصب، احتمل النصب أمرين: أحدهما: أن يكون حالا، وقد يجوز أن يكون ظرفا، فأما الحال فيحتمل أن يكون العامل فيها أحد شيئين: أحدهما: لقاهم من قوله: لقاهم نضرة [الإنسان/ 11] والآخر: وجزاهم من قوله: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا [الإنسان/ 12]، ومثل قوله:
عاليهم في كونه حالا قوله: متكئين فيها على الأرائك [الإنسان/ 13]، فإن قلت: لم لا يكون قوله: متكئين صفة جنة وفيها ذكر لها؟ قيل: لا يجوز هذا، ألا ترى أنه لو كان كذلك للزمك أن تبرز الضمير الذي في اسم الفاعل من حيث كان صفة للجنّة، وليس الفعل لها؟ فإذا لم يجز ذلك كان حالا، وكذلك قوله: ودانية عليهم ظلالها [الإنسان/ 14]. إلّا أنه يجوز في قوله: ودانية عليهم ظلالها أمران: أحدهما: ما ذكرنا من الانتصاب على الحال، والآخر: أن
[الحجة للقراء السبعة: 6/354]
يكون الانتصاب على أنه مفعول بها، ويكون المعنى: وجزاهم جنّة وحريرا، أي: لبس حرير، ودخول جنّة دانية عليهم ظلاله، فيكون على هذا التقدير كقوله: لمن خاف مقام ربه جنتان [الرحمن/ 46].
وإن لم تحمله على هذا وقلت: إنه يعترض فيه إقامة الصفة مقام الموصوف، فإن ذلك ليس بالمطرح في كلامهم، وإن شئت حملته على ما ذكروا من الحال ليكون مثل ما عطفته عليه من قوله: متكئين فيها ودانية، فكذلك يكون: عاليهم ثياب سندس معطوفا على ما انتصب على الحال في السورة، ويكون: ثياب سندس مرتفعة باسم الفاعل والضمير قد عاد إلى ذي الحال من قوله: عاليهم. ومن قرأ من غير هؤلاء القرّاء:
عاليتهم وهي قراءة الأعمش زعموا فإنه بمنزلة قوله: خاشعا أبصارهم وخاشعة أبصارهم [القلم/ 43، المعارج/ 44] وثياب مرتفع باسم الفاعل، وقد أجيز أن يكون ظرفا، كأنه لما كان عال بمعنى فوق أجري مجراه في هذا، والوجه الآخر أبين في كونه صفة جعل ظرفا، وإن كان صفة، كما كان قوله: والركب أسفل منكم [الأنفال/ 42] كذلك، وكما قالوا: هو ناحية من الدار.
ومن قرأ: عاليهم ثياب سندس [الإنسان/ 21] فسكن الياء، كان عاليهم في موضع رفع بالابتداء، وثياب سندس خبره، ويكون عاليهم المبتدأ في موضع الجماعة، كما أن الخبر جماعة وقد جاء اسم الفاعل في موضع جماعة، قال:
[الحجة للقراء السبعة: 6/355]
ألا إنّ جيراني العشيّة رائح دعتهم دواع من هوى ومنادح وفي التنزيل: مستكبرين به سامرا تهجرون [المؤمنون/ 67] فقطع دابر القوم الذين ظلموا [الأنعام/ 45]، وكأنه أفرد من حيث جعل بمنزلة المصدر في نحو:
ولا خارجا من فيّ زور كلام وكما جمع المصدر جمع فاعل في نحو:
فنوّاره ميل إلى الشمس زاهر وقد قالوا: الجامل والباقر، يراد بهما الكثرة، ويجوز على قياس قول أبي الحسن في: قائم أخواك، وإعمال اسم الفاعل عمل الفعل، وإن لم يعتمد على شيء، أن يكون ثياب سندس مرتفعة بعاليهم، وأفردت عاليها لأنه فعل متقدّم. ومن نصب، فقال: عاليهم لم يعترض فيه هذا، ويقوّي أن عاليا على الإعمال عمل الفعل، تأنيث من أنّث، فقال: عاليتهم، واسم الفاعل، وإن كان مضافا إلى الضمير فهو في تقدير الانفصال والتنوين، لأنه مما لم يمض، فهو بمنزلة: زيد ضارب أخيك غدا، فهو ابتداء بالنكرة، إلا أنه قد اختصّ بالإضافة، وإن كانت الإضافة في تقدير الانفصال). [الحجة للقراء السبعة: 6/356]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: خضر وإستبرق [الإنسان/ 21] رفع، وقرأ نافع وحفص عن عاصم: خضر وإستبرق
[الحجة للقراء السبعة: 6/356]
رفع جميعا، وأبو عمرو وابن عامر: خضر رفع وإستبرق* خفض.
خارجة عن نافع مثله.
وقرأ حمزة والكسائي: خضر واستبرق كسرا جميعا، عبيد عن أبي عمرو مثل حمزة والكسائي.
الخضر والإستبرق من صفة السندس. قال أبو علي: أوجه هذه الوجوه قول من قال: ثياب سندس خضر واستبرق برفع الخضر، لأنه صفة مجموعة لموصوف بمجموع، فأتبع الخضر الذي هو جمع مرفوع، الجميع المرفوع الذي هو ثياب، وأما إستبرق فجرّ من حيث كان جنسا أضيفت إليه الثياب، كما أضيفت إلى سندس، فكأن المعنى ثيابهما، فأضاف الثياب إلى الجنسين، كما تقول: ثياب خزّ، وكتّان، فتضيفهما إلى الجنسين، ودلّ على ذلك قوله: ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق [الكهف/ 31] وأما من قال: خضر وإستبرق فإنه أجرى الخضر، وهو جمع على السندس لما كان المعنى أن الثياب من هذا الجنس. وأجاز أبو الحسن وصف بعض هذه الأجناس بالجمع، فقال: يقول: أهلك الناس الدينار الصّفر والدرهم البيض، على استقباح له، وممّا يدلّ على قبحه: أن العرب تجيء بالجمع الذي هو في لفظ الواحد، فيجرونه مجرى الواحد، وذلك قولهم:
حصى أبيض، وفي التنزيل: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا [يس/ 80] وأعجاز نخل منقعر [القمر/ 20]، فإذا كانوا قد أفردوا صفات هذا الضرب من الجموع، فالواحد الذي في معنى الجميع أولى أن تفرد صفته، ويقوّي جمع وصف الواحد الذي يعنى به
[الحجة للقراء السبعة: 6/357]
الجمع، ما جاء في هذه الأوصاف من الجمع كقوله وينشىء السحاب الثقال [الرعد/ 12] وجاء فيه التأنيث أيضا كقوله: أعجاز نخل خاوية [الحاقة/ 7] وإنما التأنيث من أجل الجمع.
ومن رفع إستبرق فإنما أراد عطف الاستبراق على الثياب كأنه:
ثياب سندس، وثياب استبرق، فحذف المضاف الذي هو الثياب، وأقام الإستبرق مقامه، ومما جاء في هذا على الحذف قوله:
وداويتها حتى شتت حبشيّة كأنّ عليها سندسا وسدوسا المعنى: ثياب سندس، يدلّك على ذلك أنه عطف عليه بالسّدوس، وهو ضرب من الثياب، وكذلك السندس، يريد أنه كأنه عليها ثيابه، وليس يريد نفس الجنس الذي تكون الثياب وغير الثياب، ألا ترى أنك إذا قلت: عليه خزّ، فالمعنى عليه ثوب خزّ، وليس المعنى أن عليه الدابّة الذي هو الخزّ، وعلى هذا قال:
كأنّ خزّا تحته وقزّا أو فرشا محشوة إوزّا وقول أبي عبيد الراوي عن أبي عمرو: الخضر والإستبرق من
[الحجة للقراء السبعة: 6/358]
صفة السندس، ترجمة فيها تجوّز وذاك أن الخضر وإن جاز أن يكون من صفة السندس على المعنى وعلى ما غيره أوجه منه، فالإستبرق لا يجوز أن يكون صفة للسندس، لأنه جنس، فلا يجوز أن يكون وصفا لما ليس منه، كما لا يكون ثوب كتّان خزّا، ولا يكون الخزّ كتّانا. فأما الإستبرق فلا تخلو حروفه من أن تكون أصولا كلها، أو يكون بعضها أصولا وبعضها زائدا، فلا يجوز أن تكون كلّها أصولا، لأنه ليس في كلامهم في الأسماء والأفعال ما هو على ستّة أحرف أصول، فإذا لم يجز ذلك، ثبت أن منها أصولا، ومنها زائدا، فإن حكمت أن الهمزة وحدها هي الزائدة، لم يجز، لأن الهمزة إذا لم تلحق زائدة أوائل بنات الأربعة، فأن لا تلحق بنات الخمسة أجدر، فإذا لم يجز أن تكون أصلا، ولم يجز أن تكون وحدها زائدة، فلا بدّ من أن ينضمّ معها في الزيادة غيرها، فلا يجوز أن يكون في المنضمّ معها في الزيادة السين، لأن السين لم تزد مع الهمزة أولا، ولا يجوز أن تكون التاء والهمزة، كما لم يجز أن تكون الزيادة مع السين، فإذا لم يجز أن تكون التاء ولا السين زائدين على انفرادهما، لأنهما لم يجيئا على هذا الوصف، علمت أن الزيادة هي التاء والسين مع الهمزة، وأن الكلمة من الثلاثة، ولما نقلت فأعربت وافق التعريب وزن استفعل الذي هو مثال من أمثلة الماضي، إلا أن الهمزة منه قطعت للنقل من مثال الفعل إلى الاسم، وكان قطع الهمزة أحد ما نقل به الفعل إلى أحكام الاسم، ألا ترى أنه ليس من حكم الأسماء أن تلحق همزة الوصل أوائلها، لأن أواخرها قد أعربت، ودخلها للإعراب ضروب حركات، فإذا دخلت أواخرها هذه الحركات، وجب أن تتحرك أوائلها التي قد تحركت من غير المعربات التي لا تدخل أواخرها الحركات ولا تتعاقب
[الحجة للقراء السبعة: 6/359]
عليها، فإن قلت: فقد جاءت أحرف وهي: ابن، واسم، وابنة، قيل:
هذه أشبهت الأفعال عند النحويين لمّا لحقها في الأواخر الحذف الذي لحق الأفعال في الجزم والوقف، فلحق أوائلها همزة الوصل أيضا لهذه المشابهة التي بينهما، وجعل النحويون هذا الحرف، ومجيء الهمزة مقطوعة فيه أصلا لجميع ما في أوّله همزة موصولة، إذا نقل فسمّي به، فقطعوا الهمزة في جميع ذلك فقالوا: لو سمّيت رجلا ب: اضرب أو اشرب أو اقتل، لقطعت الهمزة في جميع ذلك.
فأما قراءة ابن محيصن واستبرق* موصولة الألف مفتوحة الآخر، فالقول فيه: أنه لا يخلو من أن يريد به مثال الماضي، أو اسم الجنس، فإن كان أراد مثال الماضي وقال: وصفته بالماضي، كما وصف بمثال الماضي في قوله: وهذا كتاب أنزلناه مبارك [الأنعام/ 92]، والنكرة توصف بالفعل، كما وصفت بالظرف في قوله: ويلبسون ثيابا خضرا من سندس، وأردت باستبرق معنى برق، كما يقال: عجب واستعجب وسخر واستسخر، قيل: إنّا لا نعلم إستبرق استعمل في معنى برق، وإنما وافق اللفظ اللفظ في التعريب، فوافق لفظه استفعل، كما أن سراويل في التعريب وافق هذا اللفظ، وإن لم يكن في كلامهم، فكذلك إستبرق، وإذا كان كذلك لم ينبغ أن يجعل مثال الماضي، ولكنه اسم جنس، ولا ينبغي أن يحمل الضمير الذي يحتمله نحو: استخرج، ويدلّ على ذلك دخول لام المعرفة عليه، والجار في قوله: بطائنها من إستبرق [الرحمن/ 54]، فإذا كان كذلك ففتحه لا يجوز، إذ ليس بفعل، وإذا لم يكن فعلا كان اسما أعجميا معربا، واقعا على الجنس، كما أن السندس والخزّ والكتّان كذلك، فإذا كان اسما أعجميا، كان بمنزلة الدّيباج والفرند
[الحجة للقراء السبعة: 6/360]
والإبريسم، ونحو ذلك من الأسماء المنقولة، نكرة، وليس من باب إسماعيل، وإبراهيم، وإذا كان من هذا الضرب لم يكن فيه إلا الصرف، إلا أن يسمّى به شيء فينضمّ إلى مثال الفعل التعريف، وإذا لم يكن كذلك، فترك الصرف منه لا يستقيم). [الحجة للقراء السبعة: 6/361]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرأ: [وَاسْتَبْرَق]، بوصل الألف، وفتح القاف - ابن محيصن.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على هذا عند قول الله تعالى: [بَطَائِنُهَا مِنْ اسْتَبْرَقَ] وغيره). [المحتسب: 2/344]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق} 21
قرأ نافع وحمزة {عاليهم} ساكنة الياء وهي في موضع رفع على الابتداء وخبره ثياب سندس لأن العالي هو الثّياب
[حجة القراءات: 739]
وقرأ الباقون عاليهم بفتح الياء على الحال قال الزّجاج نصب على الحال من شيئين أحدهما من الهاء والميم المعنى يطوف على الأبرار ولدان مخلدون على الأبرار ثياب سندس لأنّه قد وصفت أحوالهم في الحنة فيكون المعنى يطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء ويجو أن يكون حالا من الولدان المعنى إذا رأيته حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثّياب إيّاهم وقال قوم نصب على الظّرف بمعنى فوقهم
وقرأ ابن كثير وأبو بكر {ثياب سندس خضر} خفضا {وإستبرق} رفعا
وقرأ أبو عمرو وابن عامر {خضر} رفع {وإستبرق} خفض وقرأ نافع وحفص بالرّفع فيهما
وقرأ حمزة والكسائيّ بالخفض فيهما
فمن قرأ خضر بالرّفع فهو أحسن لأنّه يكون نعتا للثياب ولفظ الثّياب لفظ الجمع و{خضر} لفظها لفظ الجمع
ومن قرأ {خضر} فهو من نعت السندس والسندس في المعنى راجع إلى الثّياب
ومن قرأ إستبرق بالرّفع فهو نسق على {ثياب} المعنى وعليهم إستبرق ومن خفض فهو نسق على السندس وثياب إستبرق
[حجة القراءات: 740]
ويكون المعنى عليهم ثياب من هذين النّوعين ثياب سندس وإستبرق
وأجود هذه الوجوه قول أبي عمرو ومن معه فرفع الخضر لأنّه صفة مجموعة لموصوف مجموع فأتبع الخضر الّذي هو جمع مرفوع الجمع المرفوع الّذي هو {ثياب} وأما {إستبرق} فجر من حيث كان جنسا أضيف إليه الثّياب كما أضيف إلى {سندس} فأضاف الثّياب إلى الجنسين كما تقول ثياب خز وكتان ويدل على ذلك قوله تعالى {ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندس وإستبرق} وأما خفض {خضر} {وإستبرق} بالرّفع فإنّه أجرى الخضر وهو جمع على السندس لما كان المعنى أن الثّياب من هذا الجنس
وأجاز أبو الحسن الأخفش وصف بعض هذه الأجناس بالجمع فقال تقول أهلك النّاس الدّينار الصفر والدّرهم البيض والصفر والبيض جمعان والدّرهم لفظه واحد أراد به الجنس). [حجة القراءات: 741]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {عاليهم} قرأه نافع وحمزة بإسكان الياء، وقرأ الباقون بالفتح.
وحجة من أسكن أنه جعله مبتدأ، و{ثياب سندسٍ} خبره، و{عاليهم} بمعنى الجمع، كما كان الخبر جمعا، ويجوز على مذهب الأخفش أن يكون {عاليهم} مبتدأ، و{ثياب سندس} رفع بفعله، وهو العلو، وسد مسد الخبر، فيكون على هذا {عاليهم} مفردًا؛ لأنه بمنزلة الفعل المتقدم على الفاعل، و{عاليهم} نكرة، لأنه يُراد به الانفصال، لأنه أمر يكون، فمن ههنا يدخله الضعف، لأنه ابتدأ بنكرة، لكن حسن ذلك لأنه قد اختص إذ صار في ظاهر اللفظ كلفظ المعرفة.
7- وحجة من نصب أنه جعله ظرفًا، كأنه قال: فوقهم ثياب سندس.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/354]
ويجوز نصبه على الحال من الضمير المنصوب في {ولقاهم} أو حالًا من الضمير المنصوب في {وجزاهم}، كما جاز ذلك في {متكئين}، ويكون {ثياب سندس} مبتدأ، والظرف الخبر، ويجوز رفع {ثياب}، بـ «عال» إذا جعلته حالًا، أو بالاستقرار إذا جعلت «عاليا» ظرفًا، فإذا رفعت {ثياب} بالابتداء كان في {عاليهم} ضمير مرفوع، وإن رفعته بالاستقرار لم يكن في {عاليهم} ضمير لأنه كالفعل المتقدم، وكذلك إن رفعت {ثياب سندس} بالحال لم يكن في الحال ضمير، فافهمه، وقد بينا هذه الأصول في كتاب «تفسير مشكل الإعراب»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/355]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {خضرٌ واستبرق} قرأه ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي بالخفض في «خضر»، ورفعه الباقون، وقرأ الحرميان وعاصم بالرفع في «إستبرق» وخفضه الباقون.
وحجة من رفع {خضر} أنه جعله نعتًا لـ «الثياب»، وحسن ذلك لأن «الخضر» جمع، و«الثياب» جمع،، فوصب جمعًا بجمع، مع أن وصف «الثياب» بـ «الخضرة» مجمع عليه في قوله: {ويلبسون ثيابًا خضرًا} «الكهف 31».
9- وحجة من خفض {خضرا} أنه جعله وصفا لـ {سندس}، وبعده بعض النحويين؛ لأن «الخضر» جمع و{السندس} واحد، وقد قيل: إن «السندس» جمع «سندسة» فتحسن صفته بـ {خضر} على هذا، وقيل: إنه إنما جاز لأن «السندس» اسم جنس، فهو من معنى الجمع، وقد أجاز الأخفش وصف الواحد، الذي يدل على الجنس بالجمع، فأجاز: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، وهو عنده وعند غيره قبيح من جهة اللفظ، وحسن من جهة المعنى.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/355]
10- وحجة من رفع «الإستبرق» أنه عطفه على «الثياب»، أي: عاليهم إستبرق، أي: ثياب إستبرق، لكنه حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، فهو مثل قولك: على زيد ثوب خز وكتان، أي: وثوب كتان، ثم حذف المضاف.
11- وحجة من خفض {وإستبرق} أنه عطفه على {سندس} لأنه جنس من الثياب مثله، فلا يكون في الكلام حذف، فهو بمنزلة قولك: عندي ثياب خز وكتان، أي: من هذين النوعين، فالمعنى: فوقهم ثياب من هذين النوعين، أي: من السندس ومن الإستبرق، ولا يحسن عطف {وإستبرق} على «خضر» في قراءة من خفضهما جميعًا، لأنك توجب أن يكون «الإستبرق» من صفة «السندس»، والجنس لا يكون صفة لجنس آخر، لأنه يلزم منه أن يكونا جنسًا واحدًا، وليسا كذلك، هما جنسان: السندس مارق من الديباج، والإستبرق ما غلظ منه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/356]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {عَالِيَهُمْ} [آية/ 21] بسكون الياء وكسر الهاء:-
قرأها نافع وحمزة.
[الموضح: 1322]
والوجه أن قوله {عَالِيَهُمْ} بالرفع مبتدأ، و{ثِيَابُ سُنْدُسٍ} خبره، والمراد بعاليهم الجمع، كما أن الخبر جمع، فالقياس عاليتهم، لكن اسم الفاعل قد جاء بمعنى الجمع، وإن كان اللفظ واحدًا، قال الشاعر:
178- ألا إن جيراني العشية رائح = دعتهم دواع من هوى ومنادح
وقال الله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا}، وقالوا: الجامل والباقر يراد به الجمع والكثرة، وإنما جاء لفظ الفاعل للكثرة؛ لأنه مشتق من المصدر، والمصدر جنس، فهو يتضمن الكثرة.
ويجوز على قياس قول أبي الحسن أن يكون {عَالِيَهُمْ} عمل عمل الفعل، و{ثِيَابُ سُنْدُسٍ} فاعله، كأنه قال يعلوهم ثياب سندس، فإن أبا الحسن جوز أن يعمل اسم الفاعل عمل الفعل وإن لم يكن خبر مبتدأ ولا صفة ولا حالاً.
وقرأ الباقون {عَالِيَهُمْ} بالنصب وضم الهاء.
والوجه أنه يجوز أن يكون نصبًا على الحال من قوله {لَقَّاهُمْ نَضْرَةً} أو
[الموضح: 1323]
من قوله {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا}.
ويجوز أن يكون نصبًا على الظرف فيكون في موضع حال أيضًا، وقوله {عَالِيَهُمْ} بمعنى فوقهم، وأما {عَالِيَهُمْ} {ثِيَابُ سُنْدُسٍ} على هذه القراءة فإنه رفع بكونه فاعل {عَالِيَهُمْ}، وذلك إذا نصبت {عَالِيَهُمْ}؛ لأنه يعمل عمل الفعل حينئذ). [الموضح: 1324]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {خُضْرٍ} بالجر، {وَإِسْتَبْرَقٌ} بالرفع [آية/ 21]:-
قرأها ابن كثير و-ياش- عن عاصم.
والوجه أن قوله {خُضْرٍ} صفة لسندس، فهو جر؛ لأن موصوفة أيضًا جر.
وإنما جاز أن يكون {خُضْرٍ} وهو جمع صفة لسندس؛ لأن السندس اسم جنس، وأجاز أبو الحسن وصف الأجناس بالجمع، فقال: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، وقال الله تعالى {يُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} فوصف السحاب وهو جنس بالثقال وهو جمع.
وأما رفع {إِسْتَبْرَقٍ} فعلى أنه معطوف على الثياب، كأنه قال: عاليهم ثياب سندس وعاليهم استبرق، وهو على حذف المضاف، والتقدير: ثياب استبرق، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.
[الموضح: 1324]
وقرأ أبو عمرو وابن عامر ويعقوب {خُضْرٍ} بالرفع {وَإِسْتَبْرَقٍ} بالجر.
والوجه أن خضرًا على هذا صفة للثياب، فالصفة رفع؛ لأن موصوفها رفع، وجمع خضر لأجل جمع الثياب، فإنه لما جمع الموصوف جمعت الصفة. وأما جر {وَإِسْتَبْرَقٍ} فلأنه معطوف على {سُنْدُسٍ} وهو جر بإضافة ثياب إليه، وأراد أن الثياب من هذين الجنسين.
وقرأ نافع و-ص- عن عاصم بالرفع فيهما.
وقرأ حمزة والكسائي بالجر فيهما.
والوجه قد سبق). [الموضح: 1325]
قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين