قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرأ عكرمة: [الْمُزَمِّل]، و[الْمُدَثِّر]، خفيفة الزاي، والدال، مشددة الميم، والثاء.
قال أبو الفتح: هذا على حذف المفعول، يريد: يأيها المزمل نفسه، والمدثر نفسه؛ فحذفه فيهما جميعا. وحذف المفعول كثير، وفصيح، وعذب. ولا يركبه إلا من قوى طبعه، وعذب وضعه. قال الله سبحانه: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، أي: أوتيت من كل شيء شيئا. وأنشدنا أبو علي للحطيئة:
منعمة تصون إليك منها ... كصونك من رداء شرعبي
أي: تصون حديثها وتخزنه، كقول الشنفرى:
كأن لها في الأرض نسيا تقصه ... على أمها وإن تخاطبك تبلت
ومن ذالك قراءة أبي السمال: [قُمُ اللَّيْل].
وروح -عن أبي اليقظان- قال: سمعت أعرابيا من بلعنبر يقرأ كذلك.
[المحتسب: 2/335]
قال أبو الفتح: علة جواز ذلك أن الغرض في هذه الحركة إنما التبلغ به هربا من اجتماع الساكنين، فبأي الحركات حركت أحدهما فقد وقع الغرض، ولعمري إن الكسر أكثر، فأما ألا يجوز غيره فلا. حكى قطرب عنهم: [قُمَ اللَّيْلَ]، [وَقُلَ الْحَقّ] وبع الثوب فمن كسره فعلى أصل الباب، ومن ضم، أو كسر أيضا أتبع، ومن فتح فجنوحا إلى خفة الفتح). [المحتسب: 2/336]
قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)}
قوله تعالى: {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {أَوِ انْقُصْ} [آية/ 3] بكسر الواو:-
قرأها عاصم وحمزة.
والوجه أنه إنما كسر لالتقاء الساكنين: أحدهما الواو من {أَوِ}، والثاني النون من {أَوُ انْقُصْ} بضم الواو.
والوجه أن الواو إنما ضمت وإن كان أصل التقاء الساكنين الكسر، اتباعًا لضمة القاف وتفاديًا من الخروج من كسرة إلى ضمة، وإن كان بينهما ساكن؛ لأن الساكن يصير لسكونه في حكم المعدوم، فكأن الكسرة تلي الضمة، فكما لم يجيئوا بمثل فعل في كلامهم، فكذلك تركوا هذه الكسرة فجعلوا مكانها الضمة إتباعًا). [الموضح: 1308]
قوله تعالى: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4)}
قوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)}
قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (أشدّ وطئًا).
قرأ أبو عمرو وابن عامر (أشدّ وطاءً) بكسر الواو، وفتح الطاء، والمد وقرأ الباقون (أشدّ وطئًا) بفتح الواو، وسكون الطاء، والهمزة.
قال أبو منصور: من قرأ (أشدّ وطاءً) فمعناه: أشد مواطئة أي: موافقة لقلة السمع، أراد: أن القراءة بالليل يتواطؤ فيها قلب المصلي ولسانه وسمعه تفهما وأداء ما لا يتواطؤ عليه بالنهار.
وكان أبو الهيثم يختار (وطاء) يقال: واطأني فلان على الأمر، إذا وافقني.
أراد: أن القلب لا يشتغل بغير ما اشتغل به السمع هدا واطأ ذاك، وذلك واطأ هذا.
وإذا اشتغل القلب بالفكر وجرى اللسان بالقراءة حذف الخطأ والإرتاج.
ومن قرأ (أشدّ وطئًا) فمعناه أبلغ في القيام، وأبين في القول وجائز أن يكون المراد في (أشدّ وطئًا): أغلظ على الإنسان من القيام بالنهار؛ لأن
[معاني القراءات وعللها: 3/99]
الله جعل الليل سكنًا.
وقيل: (أشدّ وطئًا) أي: أبلغ في الثواب؛ لأنه أجهد، وكل مجتهد فثوابه على قدر اجتهاده). [معاني القراءات وعللها: 3/100]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ أبو عمرو وابن عامر: وطاء [6] بكسر الواو ممدودة، وقرأ الباقون: وطأ بفتح الواو مقصورة.
روي عن مجاهد: أشد وطاء، قال: يواطئ السمع القلب.
ابن سلام عن يونس أشد وطاء قال: ملاءمة وموافقة. ومن ذلك قوله: ليواطئوا عدة ما حرم الله [التوبة/ 37] أي: ليوافقوا، فكأن المعنى: إن صلاة ناشئة الليل، أو عمل ناشئة الليل يواطئ السمع القلب فيها، أكثر مما يواطئ في ساعات النهار، لأن الليالي أفرغ للإفهام عن كثير مما يشغل بالنهار.
ومن قال: وطأ فالمعنى: أنه أشقّ على الإنسان من القيام بالنهار، لأن الليل للدّعة والسكون، ومنه الحديث: «اللهم اشدد وطأتك على مضر»
وهو أقوم قيلا: أي: أشدّ استقامة وصوابا لفراغ البال وانقطاع ما يشغل، قال:
[الحجة للقراء السبعة: 6/335]
له ولها وقع بكلّ قرارة ووضع بمستنّ الفضاء قويم أي: مستقيم، والنّاشئة: ما يحدث وينشأ من ساعات الليل، وروي عن الحسن أن ما كان بعد العشاء فهو ناشئة). [الحجة للقراء السبعة: 6/336]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك حدثنا عباس الدوري عن أبي يحيى الحماني عن الأعمش عن أنس أنه قرأ: [وَأَقْوَمُ قِيلًا]، و[وأَصْوَبُ]. فقيل له: يا أبا حمزة، إنما هي: [وَأَقْوَمُ قِيلًا]، فقال أنس: إن أقوم أصوب وأهيأ واحد.
قال أبو الفتح: هذا يؤنس بأن القوم كانوا يعتبرون المعاني، ويخلدون إليها، فإذا حصلوها وحصنوها سامحوا أنفسهم في العبارات عنها.
ومن ذلك ما رويناه عن أبي زيد أن أبا سرار الغنوي كان يقرأ: [فَحاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ]، والحاء غير معجمة. فقيل له: إنما هو {جاسوا}، فقال: حاسوا، وجاسوا واحد.
ومن ذلك حكاية ذي الرمة في قوله:
وظاهر لها من يابس الشخت
فقيل له: أنشدتنا بائس السخت فقال: بائس، ويابس واحد.
[المحتسب: 2/336]
وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال: قال بعض أصحاب ابن الأعرابي له في قوة الشاعر:
وموضع زبن لا أريد مبيته ... كأني به من شدة الروع آنس
أنشدتناه وموضع ضيق، فقال له أبن الأعرابي: سبحان الله! تصحبنا منذ كذا وكذا سنة ولا تدري أن [زَبْن] و[ضيق] واحد؟). [المحتسب: 2/337]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن ناشئة اللّيل هي أشد وطأ وأقوم قيلا}
قرأ أبو عمرو وابن عامر (وطاء) بكسر الواو ممدودة الألف وهو مصدر فاعلت مفاعلة وفعالا تقول واطأت فلانا على كذا مواطأة ووطاء أراد والله أعلم أن القراءة في اللّيل يواطئ فيها قلب المصلّي لسانه وسمعه على التفهم والأداء والاستماع أكثر ممّا يتوطأ عليه بالنّهار لأن اللّيل تنقطع فيه الأشغال وتهدأ فيه الأصوات والحركات عن ابن عبّاس (وطاء) قال يواطئ السّمع القلب
وعن يونس (أشد وطاء) قال ملاءمة وموافقة ومن ذلك {ليواطئوا} أي ليوافقوا
وقرأ الباقون {أشد وطأ} بفتح الواو أي أثقل على المصلّي من ساعات النّهار وهو من قولهم اشتدت على القوم وطأة سلطانهم أي ثقل عليهم ما يلزمهم ويأخذه منهم وفي الحديث
اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر قال الزّجاج ويجوز أن يكون أشد وطأ
[حجة القراءات: 730]
اغلظ وأشد على الإنسان من القيام بالنّهار لأن اللّيل جعل للنوم والسكون وقيل أشد وطأ أي أبلغ في الثّواب لأن كل مجتهد فثوابه على قدر اجتهاده
قال آخرون منهم الفراء {هي أشد وطأ} أي هي أثبت قياما قال قتادة أشد وطا أي اثبت في الخير وأثبت للقلب والحفظ). [حجة القراءات: 731]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {وطئًا} قرأه أبو عمرو وابن عامر بكسر الواو، وفتح الطاء، والمد، وقرأ الباقون بفتح الواو، وإسكان الطاء، من غير مد، وكلهم همز.
وحجة من مده أنه جعله مصدر «وطأ وطاء» على معنى: يواطئ السمع القلب في الليل، لأنهما لا يشتغلان في الليل بمسموع ولا بمبصر وقيل: معناه أشد موافقة من السمع للقلب، وقال الفراء في معنى هذه القراءة: هي أشد علاجًا، فهي أعظم أجرًا لصعوبة مفارقة الراحة بالنوم.
2- وحجة من لم يمده أنه جعله مصدر «وطئ يطأ وطأ» على معنى: هي أشد على الإنسان من القيام بالنهار، لأن الليل للدعة والسكون، وهذا في المعنى كقول الفراء في القراءة الأولى، وقيل معناه: هي أثبت قيامًا. قال المفسرون: قيام الليل أثبت في الخير، وأحفظ للقلب من قيام النهار، لأن النهار يضرب فيه الناس بمعايشهم، والليل أخلى للقلب، وأثبت في القيام، فالمعنى: إن قيام الليل، وإن كان أصعب على القائم لتركه الراحة والنوم، فهي أقوم قولًا، أي: أقوم قراءة، لأن المصلي يفهم ما يقرأ، ويسلم من كثير من الخطأ إذ ليس في الليل ما يشغل قلبه، وكثيرٌ من المفسرين على أن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/344]
معنى {أشد وطأ} أشد مكابدة واحتمال من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشدد وطأتك على مُضر» فهو من قولهم: وطئت وطأ، مثل شربت شربًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/345]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {وِطَاءً} [آية/ 6] بكسر الواو وفتح الطاء، ممدودة:-
قرأها أبو عمرو وابن عامر.
[الموضح: 1308]
والوجه أنه مصدر واطأ يواطئ مواطأة ووطاء، أي وافق، والوطاء الموافقة، والمعنى إن عمل ناشئة الليل وهي ساعته أشد موافقة فيه اللسان القلب يعني أن القلب بالليل أوفق للسان منه بالنهار لفراغه بالليل واشتغاله بالنهار.
وقرأ الباقون {وَطْئًا} بفتح الواو مقصورة.
والوجه أن {وَطْئًا} مصدر لوطئ يطأ، وشدة الوطأة عبارة عن المشقة، قال النبي صلى الله عليه: «اللهم اشدد وطأتك على مضر»، والمعنى إن عمل ساعة الليل أشق على الإنسان من القيام بالنهار؛ لأن الليل للسكون والنوم). [الموضح: 1309]
قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)}
قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)}
قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ربّ المشرق).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص " ربّ المشرق " بالرفع.
وقرأ الباقون "ربّ المشرق " خفضًا.
قال أبو منصور: من قرأ (ربّ) رفعه بـ (هو ربّ المشرق) ومن قرأ (ربّ المشرق)، أتبعه قوله: واذكر اسم ربّك.... ربّ المشرق). [معاني القراءات وعللها: 3/100]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {رب المشرق والمغرب} [9].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر غير حفص: {رب المشرق} بالكسر بدلا من قوله: {واذكر اسم ربك}.
وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/407]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم: رب المشرق [المزمل/ 9] رفع.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وابن عامر: رب المشرق* خفض.
الرفع في قوله: رب المشرق يحتمل أمرين، أحدهما: أن يكون لما قال: واذكر اسم ربك [المزمل/ 9] قطعه من الأول فقال: هو ربّ المشرق، فيكون على هذا خبر مبتدأ محذوف كقوله: بشر من ذلكم النار [الحج/ 72] وقوله: متاع قليل [آل عمران/ 197] أي: ذلك متاع قليل، أي أن تقلبهم متاع قليل.
والوجه الآخر: يرفعه بالابتداء، وخبره الجملة التي هي: لا إله إلا هو [المزمل/ 9] والعائد إليه الضمير المنفصل. ومن خفض فعلى اتباعه قوله: واذكر اسم ربك رب المشرق والمغرب [المزمل/ 9] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/336]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({رب المشرق والمغرب لا إله إلّا هو فاتخذه وكيلا}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص {رب المشرق} بالرّفع وقرأ الباقون بالخفض
الرّفع يحتمل أمرين أحدهما أن يكون كما قال قبلها {واذكر اسم ربك} قطعه من الأول فقال {رب المشرق} فيكون على هذا خبر ابتداء محذوف والوجه الآخر أن يرفعه بالابتداء وخبره الجملة الّتي هي {لا إله إلّا هو} ومن خفض فإنّه عطفه على قوله قبله {واذكر اسم ربك} فجعل ما بعده معطوفًا عليه إذ كان في سياقه). [حجة القراءات: 731]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {ب المشرق} قرأه الحرميان وأبو عمرو وحفص بالرفع على الابتداء والقطع مما قبله، والجملة التي هي: لا إله إلا الله، الخبر، ويجوز رفعه على إضمار «هو»، وهو الاختيار، لأن فيه معنى التأكيد والإيجار، وقرأ الباقون بالخفض على النعت لـ {ربك} في قوله: {واذكر اسم ربك} «8» ويجوز أن يكون بدلًا من ربك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/345]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [آية/ 9] بالرفع:-
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو و-ص- عن عاصم.
والوجه أنه على الاستئناف، والتقدير: هو رب المشرق.
وقرأ الباقون {رَبُّ الْمَشْرِقِ} بالخفض.
والوجه أنه بدل من قوله {رَبِّكَ} من {اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} ). [الموضح: 1309]
قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين