سورة الطلاق
[ من الآية (8) إلى الآية (12) ]
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)}
قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها} [8].
قرأ ابن كثير وحده: {وكاين}.
والباقون {وكأين} وقد ذكرت علة ذلك في (آل عمران) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/373]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {وعذبناها عذابا نكرًا} [8].
قرأ ابن عامر وحده: {نكرا} بضمتين.
وقرأ الباقون: {نكرا}وهما لغتان كما بينت في سورة (الكهف) غير أن الاختيار في هذه السورة الإسكان ليكون أشبه برءوس الآي، لأن قبله {قدرًا} و{عسرا} و{أمرا} كما كان الاختيار في سورة (القمر) {نكر} لقوله: {الدبر} و{مستطر} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/373]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ابن كثير: وكائن* [الطلاق/ 8] ممدود مهموز، عبيد عن أبي عمرو مثله، وقرأ الباقون: وكأين مهموز مشدّد.
قولهم: كأين إنما هو: أي دخلت عليها الكاف الجارّة، كما دخلت على ذا من قولهم: كذا وكذا درهما، ولا موقع للكاف في كأيّ، كما أنه لا موضع للتي في كذا، فموضع كأي رفع بالابتداء، كما أن موضع كذا كذلك، ومثل هذا في أنه دخل على المبتدأ حرف الجر، فصار مع المجرور في موضع رفع قولهم: بحسبك أن تفعل كذا، يريدون: حسبك فعل كذا، فالجار مع المجرور في موضع رفع،
[الحجة للقراء السبعة: 6/297]
أنشد أبو زيد:
بحسبك في القوم أن يعلموا بأنّك فيهم غنيّ مضرّ وأكثر العرب يستعملها مع من، وكذلك ما جاء منه في التنزيل نحو قوله: وكأي من قرية عتت [الطلاق/ 8]، وكأين من دابة لا تحمل رزقها [العنكبوت/ 60]، وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير [آل عمران/ 146]، وكذلك ما جاء في الشعر منه كقول جرير:
وكائن بالأباطح من صديق يراني لو أصبت هو المصابا وقول الآخر:
وكائن إليكم قاد من رأس فتنة جنودا وأمثال الجبال كتائبه فأما قوله: وكائن*، وقراءة من قرأ بذلك، فالأصل: كأيّ، كما أن الأصل في كذا أنه كاف دخلت على الاسم، إلا أنه لما لزم الاسم، وكثر الكلام به، صارت الكلمات بمنزلة كلمة واحدة، كما أن لعمرى، لما لزمت فيه الاسم اللام، وصارت معه كالكلمة الواحدة، استجازوا فيها القلب، فقالوا: لعمري ورعملي، فقلبت كما قلب قسيّ ونحوه
[الحجة للقراء السبعة: 6/298]
من المفرد، قلب على هذا الحد أيضا كأي، فقالوا: كائن، والأصل كيّاء فقدّمت الياءان على الهمزة من أيّ فصار كيّاء بعد القلب، مثل كيّنونة في أنه وقعت بعد الكاف ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى، فحذفت الثانية المدغم فيها، كما حذفت الثانية من كيّنونة، فبقيت كينونة خفيفة الياء، كذلك بقيت كياء فأبدلت من الياء الساكنة الألف كما أبدلت من طيّئ في الإضافة، فقالوا: طائيّ، وكذلك حاحيت وعاعيت، فصار كائن. ومثل ذلك في أن الكلمتين لما لزمت إحداهما الأخرى، صارتا بمنزلة شيء واحد، قولهم في جواب هلمّ: لا أهلمّ مثل: لا أهريق، وقولهم: بأبأ الصبي أباه، وقولهم: هلّل ودعدع، ونحو ذلك من الكلم المركبة التي أجريت مجرى المفردة في الاشتقاق منها على حدّ الاشتقاق في المفردة، وقد جاء كائن في الشعر كما جاء في القراءة قال:
وكائن رددنا عنكم من مدجّج يجيء أمام الألف يردي مقنّعا فكائن تجري مجرى كم في الخبر، وإرادة الكثرة فيكون: مبتدأ كقوله: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها [الطلاق/ 8]، فهذا مبتدأ في اللفظ، وفاعل في المعنى كما أن: كم رجل قام، كذلك، ويكون مفعوله كقوله: كأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة [الحج/ 45] فهذه مفعول بها في المعنى ومبتدأ في اللفظ، ومن قال: زيدا ضربته،
[الحجة للقراء السبعة: 6/299]
كان كأيّن عنده في موضع نصب، وأتت على المعنى، كما حمل على المعنى في قوله: كم من قرية أهلكناها [الأعراف/ 4] ولو حمل الكلام على لفظ كم كان حسنا، ومثله في الحمل على المعنى: وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا [النجم/ 26]، وقال: وكل آتوه داخرين [النمل/ 87]، وقال: إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا [مريم/ 93] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/300]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (هشام بن عمّار عن ابن عامر: نكرا [الطلاق/ 8] خفيف، ابن ذكوان: نكرا* مثقل.
قد مضى القول في ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 6/300]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَكَأَيِّنْ} [آية/ 8] بالمد على وزن كاعن:-
قرأها ابن كثير وحده.
وقرأ الباقون {وَكَأَيِّنْ} في وزن كعين.
وقد سبق الكلام على ذلك في سورة آل عمران وغيرها). [الموضح: 1276]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {نُكْرًا} [آية/ 8] بضم الكاف:-
قرأها نافع- ش- و- ن- وابن عامر وعاصم- ياش- ويعقوب.
وقرأ الباقون {نُكْرًا} بسكون الكاف.
وقد سبق الكلام فيه في الكهف والقمر). [الموضح: 1276]
قوله تعالى: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)}
قوله تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)}
قوله تعالى: {رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يدخله جنّاتٍ).
قرأ نافع، وابن عامر، والمفضل عن عاصم " ندخله جناتٍ " بالنون.
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: المعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 3/75]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {يدخله} [11].
قرأ نافع وابن عامر بالنون.
والباقون بالياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/373]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن عامر ونافع: صالحا ندخله [11] بالنون. المفضل عن عاصم مثله بالنون، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو علي: الوجه الياء، لتقدّم الاسم الذي على لفظ الغيبة، والنون معناها معنى الياء وقد تقدم ذكر هذا النحو). [الحجة للقراء السبعة: 6/297]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحا يدخله جنّات} 11
قرأ نافع وابن عامر (ندخله جنّات) إخبار الله عن نفسه وقرأ الباقون بالياء وحجتهم قوله {ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحا}). [حجة القراءات: 712]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} [آية/ 11] بالنون:-
قرأها نافع وابن عامر.
وقرأ الباقون {يُدْخِلْهُ} بالياء.
[الموضح: 1276]
والوجه فيهما ما قد سبق في أمثالهما، وأن المعنى فيهما واحد.
فمن قرأ بالنون فللحمل على قوله {فَحَاسَبْنَاهَا} و{وَعَذَّبْنَاهَا}.
ومن قرأ بالياء فلتقدم قوله {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِالله وَيَعْمَلْ صَالِحًا}، كأنه قال: ومن يؤمن بالله يدخله الله جناتٍ). [الموضح: 1277]
قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين