والإخوة والإخوان: جمع الأخ من النسب، والأخ في الدين، وإخوان الصفا يجوز هذا في ذاك، وذاك في هذا). [معاني القراءات وعللها: 3/24]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن عامر وحده: وأصلحوا بين إخوتكم [الحجرات/ 10] بالتاء جماعة، كذا في كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان عن أيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عن عبد الله بن عامر. وروى هشام بن عمّار عن سويد بن عبد العزيز وأيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عن عبد الله بن عامر أنّه قرأ:
أخويكم مثل النّاس.
وقرأ الباقون بين أخويكم على اثنين.
الأخ من النّسب، والأخ الصّديق. قال:
أخاك أخاك إنّ من لا أخا له كساع إلى الهيجا غير سلاح وقالوا لمن عانى شيئا: هو أخوه، قال:
[الحجة للقراء السبعة: 6/207]
أخا الحرب لبّاسا لديها جلالها وقال:
كأنّه أخو فجرة عالى به الجذع صالبه وأنشد أبو زيد:
أخو الذّئب يعوي والغراب ومن يكن شريكيه تطمع نفسه كلّ مطمع وأكثر الاستعمال في جمع الأخ من النّسب إخوة وآخاء، وفي التنزيل: فإن كان له إخوة [النساء/ 11]، وقال الشاعر:
وجدتم أخاكم دوننا إذ نسبتم وأيّ بني الآخاء تنبو مناسبه
[الحجة للقراء السبعة: 6/208]
وقال في الذي ليس من النسب إخوانا على سرر متقابلين [الحجر/ 47] وقال: فإخوانكم في الدين ومواليكم [الأحزاب/ 5]، وإذا كان هذا فقول الجمهور: أخويكم أبين من قول ابن عامر، لأنّ المراد النسب، وإن كان لا ينكر استعمال بعض ذا في موضع بعض، ألا ترى أنّ قوله: إنما المؤمنون إخوة لا يراد به النسب؟ إنما هو أخوّة الدّين، فإن قلت: فلم لا يكون قول ابن عامر: فأصلحوا بين إخوتكم أرجح من قول من قال: أخويكم، لأنّ المراد هنا الجمع وليس التثنية، وقد يوضع الجمع القليل موضع الجمع الكثير، نحو:
الأقدام، والأرسان، والتثنية ليست كالجمع في هذا؟
قيل: إنّ التثنية قد تقع موقع الكثرة في نحو ما حكاه من قولهم:
«لا يدين بها لك»، ليس يريد نفي قوّتين اثنتين، إنّما يريد الكثرة، كذلك قولهم: لبّيك، وقولهم: نعم الرجلان زيد، وكذلك قوله: بل يداه مبسوطتان [المائدة/ 64] يريد: بل نعمتاه، وليس هذه النعم بنعمتين اثنتين، إنما يراد نعم الدّنيا، ونعم الآخرة، فكذلك يكون قوله: فأصلحوا بين أخويكم يراد به الطائفتان، والفريقان ونحوهما، ممّا يكون كثرة، وإن كان اللّفظ لفظ التثنية، كما أنّ لفظ ما ذكرنا لفظ التثنية، والمراد به الكثرة والعموم. وقال:
فاعمد لما تعلو فما لك بالّذي لا تستطيع من الأمور يدان
[الحجة للقراء السبعة: 6/209]
وروي أنّ الحسن قرأ: بين إخوتكم وبين أخويكم، وبين إخوانكم، وقد جاء الإخوان في جمع الأخ من النسب وهو قوله: أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم [النور/ 61] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/210]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة زيد بن ثابت وابن مسعود والحسن -بخلاف- وعاصم الجحدري: [فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إخْوَانِكُمْ].
قال أبو الفتح: هذه القراءة تدل على أن القراءة العامة التي هي: {بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} لفظها لفظ التثنية، ومعناها الجماعة، أي: كل اثنين فصاعدا من المسلمين اقتتلا فأصلحوا بينهما. ألا ترى أن هذا حكم عام في الجماعة، وليس يختص به منهم اثنان مقصودان؟ ففيه إذا شيئان:
أحدهما لفظ التثنية يراد به الجماعة.
والآخر لفظ الإضافة لمعنى الجنس، وكلاهما قد جاء منه قولهم: لبيك وسعديك، فليس المراد هنا إجابتين ثنتين، ولا إسعادين اثنين. ألا ترى أن الخليل فسره فقال: معناه كلما
[المحتسب: 2/278]
كانت في أمرين فدعوتني له أجبتك إليه، وساعدتك عليه. فقوله: كلما يؤكد ما نحن عليه ومنه قولهم:
فلو كنت مولى العز أو في ظلاله ... ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلم
ألا تراه لا ينفي قوتين وثنتين، وإنما ينفي جميع قواه؟ وكذلك قول الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} . ونعم الله تعالى أكثر من أن تحصى، وكذلك قوله:
إذا شق برد شق بالبرد مثله ... دواليك حتى ليس للبرد لابس
أي: مداولة بعد مداولة، وكقول العجاج:
شربا هذا ذيك وطعنا وخضا
أي: بعد هذ، ولا هذين اثنين ليس غير، ونظائره كثيرة.
وأما إفادة المضاف لمعنى الجنسية فقولهم: منعت العراق قفيزها ودرهمها، أي: قفزانها
[المحتسب: 2/279]
ودراهمها، ومنعت مصر إردبهان، أي: أرادبها، ومنه قوله تعالى : {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، ومنه قولهم: نعم الرجلان الزيدان، وله أشباه). [المحتسب: 2/280]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم}
قرأ ابن عامر في رواية الثّعلبيّ (فأصلحوا بين إخوتكم) بالتّاء على الجمع وحجته أن الطّائفة جمع وإن كان واحدًا في اللّفظ كما قال {خصمان اختصموا} وقال ها هنا قبلها {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}
[حجة القراءات: 675]
على المعنى لا على اللّفظ
وقرأ الباقون {بين أخويكم} بالياء تثنية أخ لأن كل طائفة جنس واحد فردّوه على اللّفظ دون المعنى). [حجة القراءات: 676]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَتِكُمْ} [آية/ 10] بالتاء على الجمع:-
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه جمع أخ، وإنما جمع؛ لأنه قد تقدم ذكر الإخوة في قوله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} فقال {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَتِكُمْ} يعني إن الذين يتخاصمون من المؤمنين هم إخوة بسبب إيمانهم، فأصلحوا بين إخوتكم.
وقرأ الباقون {أَخَوَيْكُمْ} بالياء على التثنية.
والوجه أن الفريقين أو الطائفتين هما من المؤمنين، والمؤمنون إخوة، فهما إذًا أخواكم، فأصلحوا بين أخويكم، وقيل: كنى بالآخرين عن رئيسي الطائفتين، وقيل: أصلحوا بين كل أخوين من المؤمنين، فإن المؤمنين إخوة، والأخوان على هذا غير معينين). [الموضح: 1196]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين