قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا)
قرأ الكوفيون) (إحسانًا).
وقرأ الباقون (حسنًا).
[معاني القراءات وعللها: 2/379]
قال أبو منصور: من قرأ (إحسانًا) فعلى المصدر؛ لأن معناه: ووصينا بوالديه، أمرناه بأن يحسن إليهما إحسانا.
ومن قرأ (حسنًا) جعله اسمًا، أقامه مقام الإحسان). [معاني القراءات وعللها: 2/380]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وحمله وفصاله).
قرأ يعقوب وحده (وحمله وفصله) ساكنة الصاد، مفتوحة الفاء، بغير ألف.
وقرأ الباقون (وفصاله).
قال أبو منصور: من قرأ (وفصاله) فهو بمعنى: فطامه.
ومن قرأ (وفصله) فهو من: فصلت الأم الصبي تفصله فصلاً، إذا فطمته. والفصال مثل الفطام.
وفي الحديث: "لا رضاع بعد فصالٍ " معناه: رضاع يحرّم بعد فصال الولد، وانقضاء السنتين من ولادة المولود). [معاني القراءات وعللها: 2/380]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {بوالديه إحسانا} [15].
قرأ أهل الكوفة: {إحسانا} اتباعًا لمصاحفهم.
وقرأ الباقون: {حسنًا} جعلوه مصدر حسن يحسن حسنًا.
والباقون جعلوه مصدر أحسن يحسن إحسانًا.
قال بعض النحويين: الاختيار {حسنًا} لا تفاقهم على قوله في (العنكبوت): {ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/316]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {حملته أمه كرهًا ووضعته كرهًا} [15].
قرأ أبو عمرو وهشام عن ابن عامر ونافع وابن كثير، بالفتح.
وقرأ الباقون بالضم. وقد ذكرت عله ذلك فيما سلف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/316]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- [وقوله تعالى]: {وحمله وفصاله} [15].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/316]
اتفق القراء على هذه إلا الحسن فإنه قرأ: {وفصاله ثلاثون شهرًا}.
وأكثر كلام العرب فصال، في الحديث: «لا رضاع بعد فصال» {حتى إذا بلغ أشده} واحد الأشد شد فأعلم، في قول النحويين إلا الأخفش فإنه قال: شدة وأشد مثل نعمة وأنعم.
وقال المفسرون: بلغ أشدة اثنتي عشرة سنة، وقيل ثمان عشرة سنة، وقيل: ثلاثين سنة، وقيل: أربعين سنة: {قال ربي أوزعني أن أشكر}: ألهمني). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/317]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {أوزعني أن} [15].
فتح الياء ابن كثير في رواية القواس، ونافع في رواية أحمد بن صالح، وفتح الياء من {أتعدانني} نافع والبزي.
والباقون يسكنون، واتفقوا على ضم الهمزة من {أن أخرج} [17]. إلا الحسن البصري فإنه قرأ: {أن أخرج}بفتح الهمزة. وفتح الياء من: {ولكني أراكم} [23] نافع وابن عامر والبزي عن ابن كثير. وحرك الياء من: {إني أخاف} [21] أبو عمرو ونافع وابن كثير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/322]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: بوالديه إحسانا وحسنا* [15] فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: إحسانا بألف.
وقرأ الباقون: حسنا* بغير ألف.
قال أبو علي: الباء في قوله: بوالديه يجوز أن يتعلق بوصينا، بدلالة قوله: ذلكم وصاكم به [الأنعام/ 151] ويجوز أن تتعلق بالإحسان، يدلّ على ذلك قوله: وقد أحسن بي إذا أخرجني من السجن [يوسف/ 100] ولا يجوز أن تتعلق الباء في الآية بالإحسان لتقدّمها على الموصول، ولكن يجوز أن تعلقها بمضمر يفسره الإحسان، كما جاز ذلك في الفعل في نحو: وكانوا فيه من الزاهدين [يوسف/ 20] ومثل ذلك:
كان جزائي بالعصا أن أجلدا
[الحجة للقراء السبعة: 6/182]
في قول من لم يعلّقه بالجزاء، ألا ترى أن الجزاء يتعلق بالباء في نحو قوله: إني جزيتهم اليوم بما صبروا [المؤمنون/ 111] ولكن في قول من علّقه بمضمر يبيّنه: أن أجلدا: والإحسان خلاف الإساءة، والحسن خلاف القبح، فمن قال: إحسانا كان انتصابه على المصدر، وذلك أنّ معنى قوله: ووصينا الإنسان بوالديه: أمرناه بالإحسان، أي: ليأتي الإحسان إليهما دون الإساءة، ولا يجوز أن يكون انتصابه بوصّينا، لأنّ وصّينا قد استوفى مفعوليه اللّذين أحدهما منصوب، والآخر المتعلق بالياء وحجّته قوله في الأنعام: وبالوالدين إحسانا [151].
ومن قال: بوالديه حسنا فمعناه: ليأت في أمرهما أمرا ذا حسن، أي: ليأت الحسن في أمرهما دون القبح، وحجّته ما في العنكبوت: ووصينا الإنسان بوالدين حسنا [8] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/183]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: كرها* وكرها* [الأحقاف/ 15] نصبا.
وقرأ الباقون: كرها بضمّ الكاف في الحرفين.
الكره: كأنه المصدر، والكره: الاسم، كأنّه الشيء المكروه، وقال: كتب عليكم القتال وهو كره لكم [البقرة/ 216] فهذا بالضّمّ، وقال: أن ترثوا النساء كرها [النساء/ 19] فهذا في موضع حال، ولم يقرأ- زعموا- بغير الفتح، فعلى هذا ما كان مصدرا أو في موضع حال الفتح فيه أحسن، وما كان اسما نحو: ذهب به على كره، كان الضّمّ فيه أحسن، وقد قيل: إنّهما لغتان، فمن ذهب إلى ذلك جعلهما مثل الشّرب والشّرب، والضّعف والضّعف، والفقر والفقر، ومن غير المصادر: الدفّ والدفّ، والشّهد والشّهد). [الحجة للقراء السبعة: 6/184]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي وأبي عبد الرحمن السلمي: [بِوَالِدَيْهِ حَسَنًا].
قال أبو الفتح: تحتمل اللغة أن تكون حسنا هنا مصدرا، كالمصادر التي اعتقب عليها الفعل والفعل، نحو الشغل والشغل، والبخل والبخل، وهو واضح.
وتحتمل أن يكون "الحسن" هنا اسما صفة لا مصدرا، لكنه رسيل القبيح كقولنا: الحسن من الله، والقبيح من الشيطان، أي: وصيناه بوالديه فعلا حسنا، ونصبه وصيناه به؛ لأنه يفيد مفاد ألزمنا الحسن في أبويه. وإن شئت قلت: هو منصوب بفعل غير هذا، لا بنفس هذا؛ فيكون منصوبا بنفس ألزمناه، لا بنفس وصيناه؛ لأنه في معناه). [المحتسب: 2/265]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها} 15
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا} بالألف مصدرا من أحسن يحسن إحسانا لأن معنى وصينا الإنسان بوالديه أي أمرناه بأن يحسن إليهما إحسانا أي ليأتي الإحسان إليهما دون الإساءة وحجتهم إجماع الجميع على قوله {وبالوالدين إحسانا}
وقرأ الباقون {حسنا} مصدر من حسن يحسن حسنا وحجتهم قوله في سورة العنكبوت {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} قالوا فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه أولى
قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو {حملته أمه كرها ووضعته كرها} بفتح الكاف فيهما وقرأ الباقون بالرّفع فيهما
[حجة القراءات: 663]
قال الزّجاج الكره بالرّفع المشقّة تقول فعلت ذلك على كره أي مشقة والكره من الإكراه وهو ما أكرهت عليه صاحبك فالكره فعل الإنسان والكره ما أكره عليه صاحبه وقال قوم هما لغتان مثل القرح والقرح وقال قوم الكره المصدر تقول كره زيد كرها والكره الاسم). [حجة القراءات: 664]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {بوالديه إحسانًا} قرأه الكوفيون «إحسانا» على وزن «إفعالا» مثل «إكرام» وقرأ الباقون «حسنا» على وزن «فعل» مثل «قفل».
وحجة من قرأ على وزن «إفعال » أنه جعله مصدرًا لـ «أحسن» على تقدير: أن يحسن إليهما إحسانًا.
3- وحجة من قرأ على «فعل» أنه على تقدير حذف مضاف وحذف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/271]
موصوف، تقديره: ووصينا الإنسان بوالديه أمرًا ذا حسن، أي: ليأت الحسن في أمرهما، فحذف المنعوت، وقام النعت مقامه وهو «ذا» ثم حذف المضاف وقام المضاف إليه مقامه، وهو حسن، ذكر هذا في سورة البقرة بأشبع من هذا، والاختيار «حسن» على وزن «فعل» لأن الأكثر عليه، والقراءة الأخرى حسنة لقلة الإضمار والحذف فيها.
4- {كُرهًا} قرأه الكوفيون وابن ذكوان بالضم في الكاف، وقرأ الباقون بالفتح، وهما لغتان، وقد تقدم ذكر هذا في النساء بأشبع من هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/272]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [آية/ 15] بالألف:-
قرأها الكوفيون.
[الموضح: 1173]
والوجه أن {إِحْسَانًا} منصوب على المصدر، والعامل فيه محذوف، والتقدير: وصينا الإنسان أن يحسن إلى الوالدين إحسانًا، يقويه قوله تعالى في سورة الأنعام {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
قيل: وإنما انتصب {إِحْسَانًا} ههنا على المصدر، لأن في قوله {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} دليلاً على الأمر بالإحسان إلى الوالدين، فلذلك جاز أن ينتصب المصدر به.
وقرأ الباقون {حُسْنًا} بضم الحاء وإسكان السين من غير ألف.
والوجه أنه صفة على حذف المضاف، والموصوف محذوف أيضًا، والتقدير: ووصينا الإنسان بوالديه ليأتي في حقهما أمرًا ذا حسن، ثم حذف ذا، وأقيم الحسن مقامه، كما تقول: هذا رجل صوم، أي ذو صوم، فهو على حذف المضاف). [الموضح: 1174]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [آية/ 15] بفتح الكاف منهما:-
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وقرأ الباقون {كُرْهًا} و{كُرْهًا} بضم الكاف منهما.
والوجه أن الكره والكره لغتان، كالضعف والضعف والفقر والفقر والشرب والشرب.
[الموضح: 1174]
وقيل: الكره بالفتح: المصدر، وبالضم الاسم، وهو الشيء المكروه، وهو ههنا حال، فإذا جعل مصدرًا فهو مصدر في موضع الحال وهو حسن، وإذا جعل بمعنى المكروه فهو جائز أيضًا أن يكون حالاً، وأما قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} فإنه بمعنى المكروه). [الموضح: 1175]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {وَفَصْلُهُ} [آية/ 15] بغير ألف، مفتوحة الفاء:-
قرأ يعقوب وحده.
والوجه أن الفصل مصدر فصل الولد عن أمه فصلاً، إذا فطم.
وقرأ الباقون {وَفِصَالُهُ} بالألف وكسر الفاء.
والوجه أنه يجوز أن يكون مصدرًا أيضًا، ويجوز أن يكون وقتًا للفطام، كما يقال هذا جداد النخل وصرامه وقطاعه). [الموضح: 1175]
قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)} قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (الّذين يتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيّئاتهم)
قرأ حفص عن عاصم (نتقبّل عنهم) بالنون، (أحسن ما عملوا) بالنصب، (ونتجاوز) بالنون، وكذلك قرأ حمزة والكسائي بالنون.
وقرأ الباقون (يتجاوز)، و(يتقبّل) بالياء، (أحسن) رفعًا.
[معاني القراءات وعللها: 2/380]
قال أبو منصور: من قرأ نصب (أحسن) لوقوع الفعل عليه.
ومن قرأ (يتقبل عنهم... ويتجاوز) رفع (أحسن)؛ لأنه مفعول لم يسم فاعله). [معاني القراءات وعللها: 2/381]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز} [16].
قرأ حمزة، والكسائي وحفص عن عاصم {نتقبل} {ونتجاوز} بالنون، الله تعالى يخبر عن نفسه، وإنما اختاروا هذه القراءة لقوله {ووصينا}.
وقرأ الباقون: {يتقبل} {ويتجاوز} بالياء على ما لم يسم فاعله، «وأحسن» اسمه. ومن قرأ بالنون نصب «أحسن» لأنه مفعول به). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/317]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والنون من قوله: أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم [الأحقاف/ 16] فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو وابن عامر: يتقبل عنهم، ويتجاوز بالياء جميعا.
وقرأ حمزة والكسائي: نتقبل ونتجاوز بالنون جميعا، حفص عن عاصم بالنون مثل حمزة فيهما.
[الحجة للقراء السبعة: 6/184]
حجة من قال: يتقبل عنهم: أنّ الفعل وإن كان مبنيا للمفعول، فمعلوم أنّه لله عزّ وجلّ، كما جاء في الأخرى: إنما يتقبل الله من المتقين [المائدة/ 27] وتقبل دعائي [إبراهيم/ 40]، ونحو هذا الفعل الذي هو لله سبحانه، ولم يكن لغيره، كان بناؤه للمفعول في العلم بالفاعل كبنائه للفاعل، كقوله: إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال/ 38] والفعل معلوم أنّه لله سبحانه وإن بني للمفعول، ألا ترى أنّه قد جاء في الأخرى: ومن يغفر الذنوب إلا الله [آل عمران/ 135] فيغفر ويغفر في هذا يفهم من كلّ واحد منهما ما يفهم من الآخر، وعلى هذا جاء: فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر [المائدة/ 27] ثم جاء إنما يتقبل الله من المتقين [المائدة/ 27] وكذلك: يتقبل عنهم [الأحقاف/ 16].
وحجّة من قال: نتقبل ونتجاوز بالنون أنّه قد تقدّم الكلام: ووصينا الإنسان [الأحقاف/ 15] وكلاهما حسن، ألا ترى أنّه قد قال: فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال إنما يتقبل الله من المتقين). [الحجة للقراء السبعة: 6/185]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أولئك الّذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم}
قرأ حمزة والكسائيّ يوحفص {أولئك الّذين نتقبل عنهم} بالنّون {أحسن ما عملوا} بالنّصب {ونتجاوز} بالنّون أي نحن نتقبل عنهم ونتجاوز وحجتهم أن الكلام أتى عقيب قوله ووصينا الإنسان فأجرى ما بعده لفظه إذ كان في سياقه ليأتلف الكلام على نظام واحد
وقرأ الباقون (يتقبّل عنهم) بالياء {أحسن} رفع على ما لم يسم فاعله ويتجاوز بالياء وحجتهم قوله {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض} و{لن تقبل توبتهم} و{ما تقبل منهم} فأجرى هذا مجرى نظائره ليأتلف الكلام على نظم واحد). [حجة القراءات: 664]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {نتقبل}، {ونتجاوز} قرأ ذلك حفص وحمزة والكسائي بالنون فيهما، وهي مفتوحة، وبنصب {أحسن}، وقرأ الباقون بياء مضمومة فيهما، ورفع {أحسن}.
وحجة من قرأ بالنون أنه حمله على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه بالتقبل والمجازاة، وحسن ذلك؛ لأن قبله إخبارًا عن الله جل ذكره عن نفسه في قوله: {ووصينا الإنسان} ونصب {أحسن} بوقوع «يتقبل» عليه.
6- وحجة من قرأ بالياء، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، أنه بنى الفعل للمفعول، فأقام {أحسن} مقام الفاعل فرفعه، والفاعل في القراءتين هو الله جل ذكره، كما قال: {إنما يتقبل الله من المتقين} «المائدة 27»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/272]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {نَتَقَبَّلُ}، و{نَتَجاوَزُ} بالنون فيهما، {أَحْسَنَ} بالنصب [آية/ 16]:-
قرأها حمزة والكسائي و–ص- عن عاصم.
والوجه أنه على الإخبار عن النفس بلفظ الجمع على سبيل التعظيم وفاقًا لقوله تعالى {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ}، فلما تقدمه ذلك قال {نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ} بالنون فيهما، ليتشاكل اللفظ، و{أَحْسَنَ} منصوب بأنه مفعول {نَتَقَبَّلُ}
[الموضح: 1175]
وقرأ الباقون {يُتَقَبَّلْ} و{يُتَجَاوَزُ} بالياء مضمومة، و{أَحْسَنُ} بالرفع.
والوجه أن الفعل مبني للمفعول به؛ لأنه وإن لم يسم الفاعل، فقد علم أن المتقبل إنما هو الله تعالى، كما قال سبحانه {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ} بعد قوله {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ}، إذ علم أن الفاعل هو الله سبحانه). [الموضح: 1176]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين