سورة السجدة
[ من الآية (1) إلى الآية (9) ]
{الم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9)}
قوله تعالى: {الم (1)}
قوله تعالى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)}
قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)}
قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)}
قوله تعالى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)}
قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (أحسن كلّ شيءٍ خلقه)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي. (أحسن كلّ شيءٍ خلقه) بسكون اللام وقرأ الباقون (خلقه) بفتح اللام.
قال أبو إسحاق: من أسكن اللام فعلى وجهين:
أحدهما: المصدر الذي دل عليه (أحسن)، فالمعنى: الذي خلق كل شيء خلقه.
الوجه الثاني: البدل، معناه: أحسن خلق كل شيء.
ومثله قول الراجز:
فوردت تقتد برد مائها
أراد: وردت برد ماء تقتد.
ومن قرأ (خلقه) فعلى الفعل الماضي، وتأويل الإحسان ها هنا أنه خلقه على إرادته، فخلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلق القرد على ما أحب جلّ وعزّ.
وقال الفراء: من قرأ (أحسن كلّ شيءٍ خلقه) مخففًا
[معاني القراءات وعللها: 2/273]
كأنه قال: ألهم خلقه كل ما يحتاجون إليه فالخلق ها هنا منصوب بالفعل الذي وقع على (كل)، كأنه قال: أعلمهم كل شيء، وأحسنهم.
وأخبرني المنذري عن عبيد بن غنام عن إبراهيم بن أحمد بن زهير المروذي عن على بن الحسن بن الحسين بن واقد عن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: (أحسن كل شيء خلقه) قال: الإنسان في خلقه حسن، والحمار في خلقه حسن، والخنزير في خلقه حسن، وكل شيء في خلقه
حسن.
قال أبو منصور: قول ابن عباس هذا هو القول، جعل (أحسن) بمعنى (حسّن)، وهو يقارب ما فسّره أبو إسحاق الزجاج). [معاني القراءات وعللها: 2/274]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تحريك اللّام وسكونها من قوله تعالى: كل شيء خلقه [7] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (خلقه) ساكنة اللّام. وقرأ الباقون: (خلقه) بتحريك اللّام.
[قال أبو علي]: (خلقه) منتصب على أنّه مصدر دلّ عليه ما تقدّم من قوله سبحانه: (أحسن كل شيء) [السجدة/ 7] فأمّا الضّمير الذي أضيف خلق إليه فلا يخلو من أن يكون ضمير اسم الله تعالى، أو يكون كناية عن المفعول، فالذي يدلّ عليه نظائره أنّ الضّمير
[الحجة للقراء السبعة: 5/460]
لاسم الله، لأنّه مصدر لم يسند الفعل المنتصب عنه إلى فاعل ظاهر. وما كان من هذا النحو أضيف المصدر فيه إلى الفاعل نحو صنع الله [النحل/ 88] ووعد الله [النساء/ 122] وكتاب الله عليكم [النساء/ 24] فكما أضيفت هذه المصادر إلى الفاعل، فكذلك يكون (خلقه) مضافا إلى ضمير الفاعل لأنّ قوله: (أحسن كلّ شيء)، يدلّ على خلق كلّ شيء. فإن قلت: كيف يدلّ قوله: أحسن كلّ شيء على: خلق كلّ شيء، وقد تجعل أشياء حسنة ممّا لم يخلقها؟ قيل: هذا كما قال: خالق كل شيء [الأنعام/ 102] فأطلق اللّفظ عامّا، فكما جاء هذا على لفظ العموم، كذلك يدلّ قوله: أحسن كل شيء على: خلق كلّ شيء، وانتصب (خلقه) عمّا في هذا اللّفظ من الدّلالة على خلق.
وروي أن عكرمة سئل عن قوله تعالى: (الذي أحسن كل شيء خلقه) [السجدة/ 7] فقال: أما إنّ است الفرد ليست بحسنة، ولكنّه أبرم خلقها، أي: أتقن. وما تقدم ذكره من انتصاب (خلقه) على المصدر الذي دلّ فعل متقدّم مذهب سيبويه.
ويجوز في قوله: (أحسن كل شيء خلقه) [السجدة/ 7] أن
[الحجة للقراء السبعة: 5/461]
يجعل (خلقه) بدلا من كلّ، فيصير التقدير: الذي أحسن خلق كلّ شيء.
ومن قال: (كلّ شيء خلقه) كان خلقه وصفّا للنكرة المتقدمة، وموضع الجملة يحتمل وجهين: إن جعلت الجملة صفة لكلّ شيء كانت في موضع نصب، وإن جعلتها وصفا لشيء كانت في موضع جرّ، ومثل وصف النكرة بالجملة هنا قوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) [الأنعام/ 92] فقوله: (أنزلناه) وصف لكتاب وموضع الجملة رفع، والدليل على ذلك رفع (مبارك) بعده فيعلم بارتفاع المفرد أن الجملة قبله في موضع رفع). [الحجة للقراء السبعة: 5/462]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرأ الزهري: [وَبَدَا خَلْقَ الْإنْسَانِ]، بغير همز.
قال أبو الفتح: ترك الهمز في هذا عندنا على البدل، لا على التخفيف القياسي، ومثله بيت الكتاب:
رَاحَتْ بِمَسلَمَة البِغَالَ عَشِيَةً ... فَارْعَى فَزَارَةُ لا هَنَاكِ الْمَرْتَعُ
ولو كان تخفيفا قياسيا لجعل الهمزة بين بين، فقال: "بدا"، ولو أسندت الفعل إلى نفسك على التخفيف القياسي قلت: بَدَاتُ، بألف لا همز في لفظها، وعلى البدل: بَدَيتُ، كما حكي عنهم: قريتُ، وأخطيتُ. وقد مضى ذلك). [المحتسب: 2/173]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({الّذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين} 7
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {أحسن كل شيء خلقه} بسكون اللّام قال الزّجاج قوله {خلقه} منصوب على أنه مصدر
[حجة القراءات: 567]
دلّ عليه ما تقدم من قوله {أحسن كل شيء} المعنى الّذي خلق كل شيء خلقه وابتدأه ابتداء ويجوز أن يجعل {خلقه} بدلا من {كل شيء} التّقدير الّذي أحسن خلق كل شيء وهذا مذهب سيبويهٍ وجاء في التّفسير أن تأويلها ألهم خلقه كل ما يحتاجون إليه كأنّه قال أعلمهم كل ما يحتاجون إلى علمه فأما الضّمير الّذي أضيف إليه {خلق} فلا يخلو من أن يكون ضمير اسم الله أو يكون كناية عن المفعول به فالّذي يدل عليه نظائره أن الضّمير لاسم الله نحو قوله {صنع الله} و{وعد الله} فكما أضيفت هذا المصادر إلى الفاعل فكذلك يكون {خلقه} مضافا إلى ضمير الفاعل لأن قوله {أحسن كل شيء} يدل على خلق كل شيء
قرأ نافع وأهل الكوفة {خلقه} بفتح اللّام جعلوه فعلا ماضيا أي أحسن كل شيء فخلقه قال أهل التّأويل {أحسن} أي أحكم كما أراد لا كمن يريد أن يأتي بالشّيء حسنا فيقع قبيحا كالخط والصّورة ممّا يعلمه الإنسان وكان ابن عبّاس يقول القرد ليس بحسن ولكنه أحكم خلقه وقيل إن الحسن موجود في كل ما خلق الله من جميع الحيوان وهو أن أثر صنع الله والدّلالة على وحدانيته موجودة فيه وشاهد هذا القول قوله {إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها} وعلى الأرض حيات وعقارب وقردة وليست من الزّينة ولكن المعنى أنها مخلوقات الله وفيها آثار صنع الله وقال آخرون {إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها} يعني الرّجال فالهاء في قوله {خلقه} ضمير الخلق). [حجة القراءات: 568]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {كل شيء خلقه} قرأه الكوفيون ونافع بفتح الام من «خلقه»، جعلوه فعلًا ماضيًا صفة لـ «شيء» أو لـ «كل» والهاء تعود على الموصوف، على «شيء» أو على «كل»، وقرأ الباقون بإسكان اللام، جعلوه مصدرًا، عمل فيه ما دل عليه الكلام المتقدم، كأن قوله {أحسن كل شيء} دل على خلق كل شيء خلقا، ومعناه: أتقن كل شيء خلقه، والهاء تعود على اسم الله جل ذكره، أو على «كل» ويجوز نصب «خلقه» على البدل من «كل» والتقدير: أحسن خلقه كل شيء، أي: أتقنه وأحكمه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/191]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : ( 1- {كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} [آية/ 7] بسكون اللام:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
والوجه أنه بدل من {كُلَّ شَيْءٍ} والتقدير: أحسن خلق كل شيء.
ويجوز أن يكون نصبه على المصدر لما دل عليه الفعل، والتقدير: خلق كل شيء خلقًا، أو أحسن خلق كل شيءٍ إحسانًا.
وقرأ نافع والكوفيون و-ان- عن يعقوب {خَلَقَهُ} بفتح اللام.
والوجه أنه فعل ماض متصلٌ بضمير المفعول، وهو وصف للنكرة، والفعل الماضي قد يوصف به النكرة، فيكون واقعًا موقع المضارع، كما تقول: مررت برجل ضربنا، فهو واقع موقع يضربنا، ويضربنا في هذا الموضع واقع موقع ضاربنا، كأنه قال: مررت برجل ضاربنا، فكذلك ههنا يكون التقدير: أحسن كل شيءٍ مخلوقٍ). [الموضح: 1019]
قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8)}
قوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9)}