العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:50 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (15) إلى الآية (19) ]
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)}


قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)}
قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)}
قوله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)}
قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا يحطمنّكم (18)
قرأ الحضرمي: (لا يحطمنكم) بسكون النون، وكذلك روى عبيد عن أبي عمرو - وقرأ الباقون (لا يحطمنّكم) بفتح النون مشددة.
قال أبو منصور: هذه النون تدخل مؤكدة وتخفف، وإذا شددت صارت أوكد.
وقوله (لا يحطمنّكم) لفظه لفظ النهي وفيه جواب الجزاء، المعنى: إن لم تدخلوا مساكنكم حطّمتم). [معاني القراءات وعللها: 2/234]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واد النّمل... (18)
روى عباس عن أبي عمرو (واد النّمل) بكسر الواو.
وفتحها الباقون.
قال أبو منصور: إمالة الواو من (واد) لغة، والتفخيم أفصح وأشيع). [معاني القراءات وعللها: 2/234]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {لا يحطمنكم سليمان} [18].
روى عبد عن أبي عمرو: {لا يحطمنكم} بتخفيف النون وإسكانها جعلها نون التأكيد خفيفة مثل اضربن واذهبن.
والباقون يشددون، وهو أبلغ في التأكيد. والعرب تقول: اضرب يا فتي فإذا كثر قالوا: اضربن فإذا زادوا على التأكيد تأكيدًا قالوا: إضربن بالتشديد. ومثله {[و] لا يغرنكم بالله الغرور} و{[و] لا يغرنكم} وأصل الحطم:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/146]
الكسر يقال: حطم يحطم وحطم يحطم، وفلان حطمته السن). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/147]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (عباس عن أبي عمرو على واد النمل [النمل/ 18] يميل الواو، والباقون: واد النمل مفخما.
قال أبو علي: الإمالة في (واد) حسنة من أجل الكسرة، والألف اللّازمة بعدها فهما يجلبان الإمالة، إذا كان كلّ واحد منهما منفردا، فإذا اجتمعا كان أجدر لهما. ومن لم يمل، فلأنّ ترك الإمالة شائع، ولغة كثير من العرب. والوادي من ودى، إذا سال، واللام منه ياء، ولا يجوز أن يكون واوا، إلّا أنّه اسم كالكاهل والغارب، وليس بوصف، وقالوا: أمنى يمني، وفي التنزيل: أفرأيتم ما تمنون [الواقعة/ 58]، وأمذى، وقالوا: كلّ فحل يمذي. وقالوا: ودى الرجل، من الودي، ولم أعلم أودى في هذا المعنى، وأنشدنا محمد بن
[الحجة للقراء السبعة: 5/378]
السري:
كأنّ عرق أيره إذا ودى... حبل عجوز ضفرت خمس قوى
وقالوا: في جمع واد أودية، وفي التنزيل: فسألت أودية بقدرها [الرعد/ 17] أي بقدر مياهها، فحذف المضاف، وقالوا: سال الوادي، وجرى النهر، إذا سال مياههما، ولم أعلم فاعلا جمع على أفعلة كهذا الحرف، ويشبه أن يكون لاشتراك فعيل وفاعل في كثير من المواضع، نحو عليم وعالم، وولي ووال، فكما جمع فعيل على أفعلة، شبه هذا الحرف بفاعل.
وممّا يقرّب ذلك قولهم: شريف وأشراف، ويتيم وأيتام، وأبيل وآبال، كما قالوا: صاحب وأصحاب، وطائر وأطيار، فكأنّه لما اتفقا في البناء، ووقع كلّ واحد منهما موقع الآخر، اتفقا في الجمع، كما اتّفق فاعل وفعل الذي هو المصدر في الجمع. قال:
فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره
[الحجة للقراء السبعة: 5/379]
فالنّوار: جمع نور، وليس كحسّان وصرّاء، ألا ترى أنّه وصفه بالجمع في قوله: فنوّاره ميل، لمّا اتّفق فاعل وفعل في الصّفة نحو قوله تعالى: أصبح ماؤكم غورا [الملك/ 30]، اتفقا في التكسير فجمع على فعّال، كما جمع فاعل عليه). [الحجة للقراء السبعة: 5/380]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال عبيد عن أبي عمرو: (لا يحطمنكم) [النمل/ 18] ساكنة النون وهو غلط. قال: وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو لا يحطمنكم مشدّدة النون، وكذلك قرأ الباقون: لا يحطمنكم.
[قال أبو علي: قوله: وهو غلط]، يريد أنه غلط من طريق
[الحجة للقراء السبعة: 5/380]
الرواية، إلّا أنّه لا يتّجه في العربية، [ووجه النون الخفيفة والشّديدة هاهنا حسنان]، ووجه الشديدة في لا يحطمنكم أن الفاعلين كثرة، فثقّلت العين للدّلالة على الكثرة). [الحجة للقراء السبعة: 5/381]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سليمان التيمي: [قَالَتْ نَمُلَةٌ يَأَيُّهَا النَّمُلُ].
وروي عنه أيضا: [نُمُلَة]، و"النُّمُل"، بضمهما.
قال أبو الفتح: أما النَّمُلة، بفتح النون، وضم الميم؛ فتقبلها النَّمْلَة، بفتح النون، وسكون الميم، لأن فَعُلا يخفف إلى فَعْل، كسَبُع إلى سَبْع، ورَجُل إلى رَجْل. قال:
رَجْلانِ مِنْ ضَبَّة أخْبَرَانَا ... إنَّا رَأَيْنَا رَجُلا عُرْيَانَا
فقائل هذا الشعر إما أن يكون له لغتان: رَجُل ورَجْل، وإما أن تكون لغته رَجُل بضم الجيم، فاضطر للشعر؛ فأسكن الجيم.
ألا تراه كيف جمع بين "رَجْلان" و"رَجُل"؟ ونظير "نَمُلة" "ونَمُل": سَمُرة وسَمُر، وثَمُرة وثَمُر. وكذلك القول في "نُمُلة"، لأن فُعُلا لا يخفف إلى فَعْل، إنما يخفف إلى فُعْل، كطُنُب إلى طُنْب، وعُنُق إلى عُنْق. ومنه عندي: أُخِذ رجل نَمَّال: أي: نمَّام، كأنه يدب بالنميمة دبيب النملة. ونظير "نُمُلة" و"نُمُل": بُسُرة وبُسُر، بضم السين). [المحتسب: 2/137]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: "لا يَحَطِّمَنَّكُم"، بفتح الياء والحاء، وتشديد الطاء والنون.
وروي عنه أيضا: [يَحِطِّمَنَّكُم]، بفتح الياء، وكسر الحاء، والتشديد.
قال أبو الفتح: أما الأصل فيهما فَيَحتَطِمَنَّكُم، يفتعل من الحطم، وهو الكسر، أي: يقتلنكم. وآثر إدغام التاء في الطاء لقرب مخرجيهما؛ فأسكنها، وأبدلها طاء، وأدغمها في الطاء بعدها، ونقل الفتحة من التاء إلى الحاء، فقال: [يَحَطِّمَنَّكُم].
ومن كسر الحاء فإنه لما أسكن التاء للإدغام كسر الحاء، لسكونها وسكون التاء بعدها
[المحتسب: 2/137]
ثم أدغم فصار [يَحِطِّمَنَّكُم]. ويجوز في العربية كسر الياء إتباعا لكسرة الحاء؛ فقال يحطمنكم. ومثله قول العجلي:
تَدَافُعُ الشَّيبِ ولم تِقِتِّلِ
يريد: تَقتتل، ثم غير ذلك على ما تقدم.
يقال: حَطَمَه يَحْطِمه حَطْما: إذا كسره، وحطَّمه يُحَطِّمه، واحْتَطَمَه يَحْتَطِمُه احتطاما ويغيَّر الماضي واسم الفاعل والمصدر على الصنعة التي تقدمت في [يَحَطِّمَنَّكُم].
فمن قال: يَحَطِّم قال: حَطَّم، ومن قال: يَحِطِّمُ قال: حِطِّمَ.
ومن أتبع الأول يِحِطِّم أتبع الآخر هنا، فقال: حِطِّمَ. وعليه أنشد قطرب فيما روينا عنه أو غيره.
لا حِطِّبَ القَوْمَ ولا القَومَ سَقَى
يريد: احتطب.
ويقول في اسم الفاعل على يَحَطِّم: مُحَطِّم، وعلى يَحِطِّم: مُحِطِّم.
ومن كسر الأول إتباعا، فقال: يحِطِّمُ لم يكسر الميم؛ لأن اسم المفعول والفاعل من هذا ونحوه لا يكون إلا مضموم الأول، وعليه قال: [وَجَاءَ الْمُعَذِّرُون]، و[الْمُعِذِّرُون]. وتتبع العينُ الميم، فيقال: [الْمُعُذِّرُون]. وعليه أيضا يقال: مُخُطِّفٌ، والأصل في جميعه المعتذرون. ويقول في المصدر على يَحَطِّم ويَحِطِّم جميعا: حِطَّامًا.
ومن كسر هناك لالتقاء الساكنين كسر هنا أيضا، فقال: حِطَّاما؛ لئلا تنكسر الطاء، فتبدل الألف بعدها ياء، فتقول: حِطِّيمًا، فيزول حديث المصدر بانقلاب ألفه. وليس في حِطِّم ألف؛ فتنقلب لكسرة الطاء إلى غيرها.
ومن قال: [وَجَاءَ الْمُعُذِّرُون]، فضم العين لم يقل حُطاما؛ لأنه ليس معه في حُطَّاما ضمة مثل الميم فتتبَعها الحاء مضمومةً، وكذلك [مُرَدِّفِين] و[مُرِدِّفِين] ومُرُدِّفين، الحكم واحد). [المحتسب: 2/138]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى إذا أتوا على وادي النّمل} 17
وقف الكسائي على {وادي} بالياء قال الكسائي لا يتم إلّا بالياء وإنّما حذفوا في الوصل من أجل السّاكن وهو اللّام من النّمل فإذا وقفت وقفت على الياء لأن العلّة زالت
ووقف الباقون بغير ياء لأنّها كتبت بغير ياء على الوصل وسقطت الياء من أجل السّاكن). [حجة القراءات: 523]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {لَا يَحْطِمَنْكُمْ} [آية/ 18] بسكون النون:
قرأها يعقوب يس- و-ان-.
والوجه أن النون يه نون التأكيد الخفيفة وهي مؤكدة، إلا أن الثقيلة أشد تأكيدًا.
وقرأ الباقون و-ح- عن يعقوب {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ} بتشديد النون.
والوجه أن النون الثقيلة هي أبلغ في باب التأكيد من الخفيفة على ما سبق، وقوله {لَا يَحْطِمَنّكُمْ} لفظه لفظ النهي، لكنه يتضمن معنى الجزاء، والمعنى إن لم تدخلوا مساكنكم حُطمتم). [الموضح: 951]

قوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (أوزعني أن (19)
فتح الياء ابن كثير، وكذلك روى أحمد بن صالح عن ورش، وقالون عن نافع). [معاني القراءات وعللها: 2/245]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة محمد بن السميفع: [فَتَبَسَّمَ ضَحِكًا مِنْ قَوْلِهَا]، بفتح الضاد بغير ألف.
قال أبو الفتح: [ضَحِكًا] منصوب على المصدر بفعل محذوف يدل على عليه تبسم، كأنه قال: ضَحِكَ ضَحِكًا. وهذا مذهب صاحب الكتاب، وقياس قول أبي عثمان في قولهم: تَبَسَّمْتُ وميضَ البرقِ، أنه منصوب بنفس "تبسمتُ"؛ لأنه في معنى أومضت، ويكون [ضحِكًا] منصوبًا بنفس تبسم؛ لأنه في معنى ضحك.
ويدل على مذهب صاحب الكتاب أنه قد ثبت أن الماضي والمضارع واسم الفاعل والمصدر يجري كل واحد منها مجرى صاحبه، حتى كأنه هو. ويجب أن تكون كلها من لفظ واحد، كضرب يضرب ضربا وهو ضارب، فكما لا يجوز أن يقول: قعد يجلس وإن كانا في معنى واحد دون أن يكون من لفظ واحد وهو قعد يقعد، ولا يجوز تبسَّم يُومِض؛ لاختلاف لفظيهما وإن كان معنياهما واحد - فكذلك لا يجوز تبسمت وميض البرق؛ لاختلاف لفظيهما، كما لا يجوز تبسمتُ أُومِض، لكن دل تبسمت على أومضت، فكأنه قال: أومضت وميض البرق، فاعرف ذلك وقسه بإذن الله). [المحتسب: 2/139]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:52 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (20) إلى الآية (26) ]
{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)}


قوله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ما لي لا أرى الهدهد.. (20)
فتح الياء ابن كثير وعاصم والكسائي.
وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/235]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {مالي لا أرى الهدهد} [20].
قرأ ابن كثير برواية البزي- وابن عامر من رواية هشام وعاصم والكسائي بفتح الياء ها هنا وفي (يس).
وقرأ نافع وأبو عمرو بإسكان الياء ها هنا وفتحها هناك.
وأسكنها الباقون.
فمن أسكنها ذهب إلى التخفيف، ومن فتح فعلى أصل الكلمة؛ لأن الياء اسم مكنى، وكل مكني فإنه يبني على حركة نحو الكاف في كذلك، والتاء في قمت وذهبت، وإنما السؤال في قراءة أبي عمرو لم فتح حرفًا وأسكن آخر وهما سيان؟
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/144]
ففي ذلك ثلاثة أجوبة:
قال أبو عمرو: إنما فرقت بينهما؛ لأن الذي في (النمل) استفهام، والذي في (يس) انتفاء، ولم يذكر لم وجب أن يكون كذلك.
وقال آخرون: جمع بين اللغتين ليعلم أنهما جائزتان.
والقول الثالت: أن {مالي لا أرى الهدهد} استفهام، يصلح الوقف على مالى ومالك، فإذا وقفت سكنت الياء {ومالي لا أعبد} بني الكلام فيه على الوصل فحرك الياء إذا لم ينو الوقف.
وقيل لابن عباس: لم تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟
فقال: لأنه كان قناقنا، أي: يعرف مواضع المياه. تقول العرب للذي يحفر الآبار: رجل قنقن وقناقن. وإنما رفع الله العذاب عن الهدهد لبره بأبويه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/145]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء من قوله سبحانه: (ما لي لا أرى الهدهد) [النمل/ 20] وما لي لا أعبد [يس/ 22]، وسكونهما.
[الحجة للقراء السبعة: 5/377]
فقرأ ابن كثير وعاصم والكسائي: ما لي لا أرى الهدهد وما لى لا أعبد الذي فطرني بفتح الياء فيهما، وقرأ نافع وأبو عمرو (ما لي لا أرى الهدهد) ساكنة الياء هاهنا، وقرأ وما لي لا أعبد بفتح الياء في يس، وقرأ ابن عامر وحمزة الحرفين جميعا ساكنة ياؤهما.
قال أبو علي: كلا الوجهين من الإسكان والفتح حسن). [الحجة للقراء السبعة: 5/378]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين}
[حجة القراءات: 523]
قرأ ابن كثير وعاصم والكسائيّ وابن عامر {ما لي لا أرى الهدهد} بفتح الياء ها هنا وفي يس
وقرأ نافع وأبو عمرو بإسكان الياء ها هنا وفتح الياء هناك وأسكنهما حمزة
فمن فتح فعلى أصل الكلمة لأن الياء اسم مكني وكل مكني فإنّه يبنى على حركة نحو التّاء في قمت والكاف في كلمك وإنّما فرق أبو عمرو بينهما لأن {ما لي لا أرى الهدهد} استفهام يصلح الوقف على {ما لي} فإذا وقفت سكنت الياء {وما لي لا أعبد} بني الكلام فيه على الوصل فحرك الياء إذ لم ينو الوقف). [حجة القراءات: 524]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} {آية/ 20] بفتح الياء من {مَا لِيَ}:
قرأها ابن كثير وعاصم والكسائي، وكذلك في: يس {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ} بفتح الياء.
والوجه أن الفتح في هذه الياء أعني ياء ضمير المجرور أصلٌ، قياسًا على ما كان من الضمائر على حرف واحد، فالقياس كلها الفتح، نحو الكاف في ضربتك ومررت بك، وقد سبق القول في مثله.
[الموضح: 951]
وقرأ نافع وأبو عمرو ابن عامر في النمل {مَا لِي} ساكنة، وفي يس {وَمَالِيَ} مفتوحة.
والوجه أن الإسكان في هذه الياء وأمثالها تخفيفٌ، والفتح أصلٌ، فأراد هؤلاء الأخذ بالوجهين.
وقرأ حمزة ويعقوب بالإسكان فيهما.
والوجه أنه تخفيف على ما سبق، فإن الياء تُستثقل عليها الحركة في الجملة). [الموضح: 952]

قوله تعالى: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أو ليأتينّي.. (21)
قرأ ابن كثير وحده (ليأتينّني) بنونين، وكذلك هي في مصاحفهم.
وقرأ سائر القراء (أو ليأتينّي) بنون واحدة مشددة.
قال أبو منصور: من قرأ ((أو ليأتينّني) بنونين، ثقّل النون للتأكيد، وجاء بنون أخرى للإضافة.
ومن قرأ (أو ليأتينّي) فرّ من الجمع بين ثلاث نونات فحذف إحداها.
وبهذه القراءة قرأ الأكثرون). [معاني القراءات وعللها: 2/235]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {أو ليأتيني بسلطان مبين} [21].
قرأ ابن كثير: {أو ليأتينني} بنونين، الأولي مشددة نون التوكيد، والثانية مع الياء اسم المتكلم.
وقرأ الباقون: {أو ليأتيني} بنون واحدة كرهوا الجمع بين ثلاث نونات فخزلوا واحدة كما قال: {إنا أعطينك [الكوثر]} والأصل: إننا. ومعنى
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/145]
{بسلطان مبين} أي: بحجة بينة. وكل سلطان في القرآن فهو حجة.
حدثنا ابن مجاهد عن السمري عن الفراء قال: السلطان: الخليفة يذكر ويؤنث، يقال قضت [به] عليك السلطان وقضى). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/146]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ ابن كثير وحده: (أو ليأتينني) [النمل/ 21] بنونين، وكذلك هي في مصاحفهم، وقرأ الباقون على الإدغام، وكذلك في مصاحفهم.
قال بعض أصحاب أحمد بن موسى في قوله: وقرأ الباقون على الإدغام، غلط في الترجمة، إنّما يريد أنّهم قرءوا بنون واحدة مشدّدة، وحذفوا الثانية التي قبل ياء المتكلم لاجتماع النونات وهو: (ليأتينّني) ). [الحجة للقراء السبعة: 5/380]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أو ليأتيني بسلطان مبين} 21
قرأ ابن كثير (أو ليأتينني) بنونين الأولى مشدّدة وهي نون التوكيد والثّانية مع الياء اسم المتكلّم
وقرأ الباقون {أو ليأتيني} بنون واحدة كرهوا الجمع بين ثلاث نونات فحذفوا واحدة كما قال إنّا أعطيناك والأصل إننا). [حجة القراءات: 524]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {أو ليأتيني} قرأه ابن كثير بثلاث نونات، الأولى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/154]
مشددة مفتوحة مقام نونين، والثانية مكسورة، وقرأ الباقون بنون واحدة مشدة مكسورة.
وحجة من قرأ بثلاث نونات أنه أتى به على الأصل؛ لأن أصله «ليأتيني» بنون واحدة مكسورة، والياء ساكنة، ثم تدخل النون المشددة التي تدخل للتأكيد في الأمر والنهي والقسم والشرط، وهذا قسم، فيصير فيه نون مشددة مفتوحة، وهي التي دخلت لتأكيد القسم، وبعدها نون مكسورة، وهي التي تدخل مع الياء، في الاسم المضمر المنصوب، في نحو: ضربني وكلمني، وبنى الفعل على الفتح ففتح الياء هي لام الفعل.
4- وحجة من قرأ بنون واحدة مكسورة مشددة أنه لما اجتمع في الكلمة ثلاث نونات مع طولها حذف إحدى النونات استخفافًا، وهي النون التي تدخل مع الياء، فلما جاورت الياء النون المشددة كسرتها، ويجوز أن يكون أدخل النون الخفيفة للتأكيد، وهي ساكنة، فأدغمها في النون التي مع الياء، وهو الاختيار؛ لأن عليه الجماعة، وعليه خط المصحف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/155]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {أَوْ لَيَأْتِيَنَّنِي} [آية/ 21] بنونين:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أن الكلمة جاءت على أصلها؛ لأن النون الأولى المشددة هي نون التأكد، والثانية المكسورة هي التي تلحق ياء المتكلم لتسلم حركة آخر الفعل عن التغير، إذ لولاها لانكسر آخر الفعل لمكان ياء المتكلم، فجاءت الكلمة عن الأصل غير محذوف منها شيء.
وقرأ الباقون {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي} بنون واحدة مشددة.
[الموضح: 952]
والوجه أنهم كرهوا اجتماع ثلاث نونات، فحذفوا إحداهن، وهي التي تصحب ياء المتكلم؛ لأنها زائدة، وكثيرًا ما تُحذف، ثم كُسرت النون التي للتأكيد لأجل الياء). [الموضح: 953]

قوله تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فمكث غير بعيدٍ)
قرأ عاصم (فمكث غير بعيدٍ) بفتح الكاف، وروى الجعفي عن أبي عمرو (فمكث) أيضًا بفتح الكاف.
وقرأ سائر القراء (فمكث) بضم الكاف.
قال الأزهري: هما لغتان مكث، ومكث.
وضمّ الكاف أكثر في كلام العرب وكان أبو حاتم يختار النصب، لأنه قياس العربية، ألا ترى أنه يقال: مكث فهو ماكثٌ، ولا يقال: مكيث). [معاني القراءات وعللها: 2/235]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجئتك من سبإٍ بنبإٍ يقينٍ (22)
وقوله: (لسبإٍ في مساكنهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (لسبأ) غير مجرى، بفتح الهمزة في الموضعين.
وقرأ الباقون (لسبإٍ) و: (من سبإٍ) بالتنوين.
قال أبو منصور: وروي عن أبي عمرو أنه سئل: لم لم تجر سبأ؟
فقال لا أجر لأني لا أدري ما هو، والعرب إذا سمت بالاسم المجهول لم تجره. ومن أجرى (سبأ) جعله اسم رجل.
وقال أبو إسحاق النحوي: من لم يصرف (سبأ) جعله اسم مدينة، ومن صرفه جعله اسم رجل.
قال: والأسماء حقها الصرف، وإذا لم يعلم الاسم أللمذكر أم للمؤنث فحقه الصرف حتى يعلم أينصرف أم لا ينصرف؛ لأن أصل الأسماء الصرف، وكل ما لا يصرف فهو يصرف في الشعر.
قال: وأما الذين قالوا: إن (سبأ) اسم رجل فغلط لأن سبأ اسم مدينة، تعرف بمأرب من اليمن، بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام، وأنشد بيت الجعدي.
[معاني القراءات وعللها: 2/236]
من سبأ الحاضرين مأرب إذ... يبنون من دون سيلها العرما
قال: ومن صرفه فلأنه مذكر سمّي به مذكر، كأنه اسم للبلد.
قال أبو منصور: وقدر روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا ذكر فيه أن سبأ اسم رجل، حدثناه محمد بن إسحاق السعدي قال: حدثنا إبراهيم بن مالك، قال: حدثنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخعي، قال: حدثنا أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيكٍ (الغطيفي).
قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟
قال: بلى، فأمّرني وأردت أن أقاتلهم، ثم بدا لي فقلت: يا رسول الله، لا بل أهل سبأ، فإنهم أشدّ مكيدة، وأعم في أنفسهم، فلما خرجت من عنده أنزل الله في سبأ ما أنزل، فقال: ما فعل الغطيفي؟ فوجدني قد سرت فأرسل في أثري، فرددت، قال: فأتيته وعنده ناسٌ من أصحابه، فقال: ادع القوم فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبي فلا تعجل حتى يأتيك أمري.
فقال رجل من القوم: يا رسول الله، أخبرنا عن سبأ ما هو؟ أرضٌ؟ قال: ليس بأرض، ولا امرأة، ولكنه رجل، وله عشيرة من العرب، فتيامن ستةٌ وتشاءم أربعة، فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسسّانٌ وعاملةٌ.
وأما الذين تيامنوا فكندة والأشعرون والأزد ومذحج وحمير وأنمارٌ.
قال الرجل: وما أنمار؟
قال: الذين خثعم وبجيلة منهم.
[معاني القراءات وعللها: 2/237]
وقال أبو منصور: وهذا الحديث يدل عك أن إجراء سبأ أصوب القراءتين، وإسناد الحديث حسن). [معاني القراءات وعللها: 2/238]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {فمكث غير بعيد} [22].
قرأ عاصم وحده: {فمكث} بالفتح.
وقرأ الباقون: {فمكث} بالضم، وهما لغتان مكث ومكث وحمض وحمض وكمل وكمل فهو ماكث وحامض وكامل. والاختيار فعل بالفتح؛ لأن فعل بالضم أكثر ما يأتي الاسم على فعيل نحو ظرف وكرم فهو ظريف وكريم، وقد حكي لغة ثالثة في كمل كمل بالكسر وكل ذلك صواب. ومعنى {فمكث غير بعيد} أي: غير طويل. والبعيد والطويل بمعنى). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/146]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {من سبأ بنبأ يقين} [22].
فيه ثلاث قراءات:
قرأ أبو عمرو وابن كثير: {من سبأ} غير منصرف جعلاه اسم أرض، أو بلده، أو امرأة. قال الفراء: سئل ابو عمرو لم لم تصرف سبأ؟ فقال: لأني لا أعرفه. فقال الفراء: وقد جرىح لأن العرب إذا لم تعرف [الاسم] تركت صرفه.
وقرأ الباقون: {من سبأ} مصروفًا، وكذلك اختلافهم في سورة (سبأ)، أنشد ابن عرفة حجة لمن صرف-:
الواردون وتيم في ذري سبأ = قد عض أعناقهم جلد الجواميس
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/147]
والقراءة الثانية: ما قرأت على مجاهد عن قنبل عن ابن كثير {سبأ بنبأ يقين} ساكنة الهمزة، وإنما أسكنه لأن الاسم مؤنث وهو ثقيل والهمزة ثقيلة فلما اجتمع ثقيلان أسكن الهمزة تخفيفًا. ومثله {فتوبوا إلى باريكم} قراءة أبي عمر {ومكر السيئ ولا يحيق} كذلك قرأها حمزة.
ومن صرف (سبأ) جعله اسم رجل أو اسم جبل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/148]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ عاصم وحده فمكث بفتح الكاف، وقرأ الباقون: (فمكث) [النمل/ 22] بضم الكاف.
قال أبو علي: وجه مكث أنّهم قالوا: مكث يمكث، كما قالوا:
قعد يقعد، ومكث كظرف.
[قال أبو علي] وأظن سيبويه قد حكاهما، ومما يقوي:
مكث بالفتح قوله: قال إنكم ماكثون [الزخرف/ 77]، وفيه:
ماكثين فيه أبدا [الكهف/ 3]، فماكثين: يدلّ على مكث، ألا ترى أنّك لا تكاد تجد فاعلا من فعل، إنّما يكون مكان الفاعل فيه: فعيل نحو: ظريف وشريف وكريم.
فإن قلت: إنّ فاعلا من مكث في الآيتين، يراد بهما الآتي، فهو مثل: بعيرك صائد غدا، فهو قول. فإن قلت: إنّه حكاية الحال التي يصيرون إليها، فهو قول: ويؤكد ذلك قوله: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون [يس/ 55]. ألا ترى أنّه جاء على أصله لمّا أريد حكاية الحال، ولم يجيء على حدّ: بعيرك صائد غدا. قال أبو حسن: مكث أكثرهما). [الحجة للقراء السبعة: 5/381]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إجراء سبأ [النمل/ 22]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو (من سبأ) غير مجراة، هذه رواية البزي، وقرأت على قنبل عن النّبّال (من سبأ بنبإ يقين) ساكنة الهمزة، وكذلك [في قوله ]: (لسبأ في مساكنهم) [سبأ/ 15] وكذلك روى الحسن بن محمد بن عبد الله بن أبي يزيد عن شبل عن ابن كثير، وقال: هو وهم وأخبرني قنبل عن ابن أبي بزّة: (من سبأ) مفتوحة الهمزة مثل أبي عمرو، وهذا هو الصواب. وكذلك (لسبأ) وقرأ الباقون: من سبأ مجراه.
قال أبو علي: قال سيبويه: ثمود وسبأ، مرة للقبيلتين، ومرة للحيين، فكثرتهن سواء، يريد أن هذه الأسماء منها ما جاء على أنّه اسم للحيّ نحو: معدّ وقريش وثقيف، ومنه ما يغلب عليه أن يكون اسم قبيلة كقولهم: تغلب بنت وائل، وتميم بنت مرّ.
ومنه ما يستوي فيه الأمران جميعا، كثمود وسبأ، قال أبو الحسن في سبأ: إن شئت صرفته، فجعلته اسم أبيهم أو اسم الحي، وإن شئت لم تصرف، وجعلته اسم القبيلة، قال: والصرف أعجب إليّ، لأنّه قد عرفت أنّه اسم أبيهم، وإن كان اسم الأب يصير كالقبيلة إلّا أني أحمله على الأصل. انتهى كلام أبي الحسن. وقال غيره: هو اسم رجل، واليمانية كلّها تنسب إليه، يقولون: سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان، وقال أبو إسحاق: من قال: إن سبأ اسم رجل فقد غلط
[الحجة للقراء السبعة: 5/382]
لأنّ سبأ مدينة بقرب مأرب من اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام كذلك قيل، انتهى كلامه). [الحجة للقراء السبعة: 5/383]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين}
قرأ عاصم {فمكث غير بعيد} بفتح الكاف وقرأ الباقون بالضّمّ
وهما لغتان مكث ومكث وكمل وكمل وحمض وحمض فهو ماكث وكامل والاختيار مكث بالفتح لأن فعل بالضّمّ أكثر ما يأتي الاسم منه على فعيل نحو ظرف وكرم فهو ظريف وكريم ومن فعل بالفتح يأتي الاسم على فاعل تقول مكث فهو ماكث قال الله جلّ وعز ماكثين فيه أبدا ولا يكون من فعل بالضّمّ فاعل إلّا حرف واحد قالوا فره فهو فاره ورد الأصمعي ما سوى هذا
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {وجئتك من سبإ} غير مصروف اسم أرض أو مدينة قال الزّجاج {من سبإ} هي مدينة تعرف ب مأرب من اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيّام
وقرأ الباقون من سبأ مصروفا جعلوه اسما للبلد فيكون مذكرا سمي به مذكّر
وقرأ القواس {من سبإ} ساكنة الهمزة لأن الاسم مؤنث وهو ثقيل والهمزة ثقيلة فلمّا اجتمع ثقيلان أسكن الهمزة تحقيقا). [حجة القراءات: 525]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {فمكث} قرأه عاصم بفتح الكاف، وضمها الباقون، وهما لغتان، والفتح أكثر وأهشر، ويدل على الفتح قوله: {إنكم ماكثون} «الزخرف 77» و«فاعل» لا يكون من «فعل» فدل على أنه «فعل» بالفتح وأيضًا فإنه لم يستعمل «مكث» في اسم الفاعل، و«فعل» بالضم اسم الفاعل منه «فعيل » كظرف وكرم، تقول في اسم الفاعل منهما: ظريف وكريم، والضم الاختيار، لأن عليه الجماعة ولولا الجماعة لاخترت الفتح لما ذكرت من العلة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/155]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {من سبأٍ} قرأه أبو عمرو والبزي بالفتح من غير تنوين، وقرأه قنبل بإسكان الهمزة، وقرأ الباقون بكسر الهمزة والتنوين.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/155]
وحجة من فتح ولم ينون أنه جعله اسمًا للقبيلة، فمنعه من الصرف لتعريف والتأنيث، وقال الزجاج: هو اسم مدينة بقرب مأرب، فهو مؤنث معرفة.
7- وحجة من صرفه أنه جعله اسمًا للأب أو للحي، فصرفه إذ لا علة فيه غير التعريف، وأهل النسب يقولون: هو اسم للأب، فهو سبأ بن يشجب بن ماشين بن يعرب بن قحطان، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه.
8- وحجة من أسكن الهمزة أنه نوى الوقف عليها، ويجوز أن يكون أسكن تخفيفًا لتوالي سبع متحركات، والإسكان في الوصل بعيد غير مختار ولا قوي، ومثله الاختلاف في سورة سبأ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/156]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {فَمَكَثَ} [آية/ 22] بفتح الكاف:
قرأها عاصم ويعقوب ح- و-ان-.
والوجه أن مكَث ومكُث بالفتح والضم لغتان، والفتح أكثر وأقيس؛ لأنهم يقولون في فاعله ماكثٌ، قال الله تعالى {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، ولا يكاد يوجد فاعل من فعل بضم العين.
وقرأ الباقون ويعقوب يس- {فَمَكُثَ} بضم الكاف.
والوجه أن مكُث بالضم لغة فيه، وقد جاء فاعله على مكيثٍ). [الموضح: 953]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {لِسَبَأَ} [آية 15/ سبأ]، {مِنْ سَبَأَ} [آية/ 22/ النمل] بفتح الهمزة:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو في السورتين.
والوجه أنه جُعل اسمًا للقبيلة أو للبلدة، فاجتمع فيه سببان مانعان من الصرف وهما التعريف والتأنيث، فتُرك صرفه لذلك، فصار في موضع الجر مفتوحًا.
[الموضح: 953]
وقرأ الباقون {لِسَبَإٍ} و{مِنْ سَبَإٍ} بالجر والتنوين في السورتين.
والوجه أنهم جعلوه اسمًا للأب أو للحي أو للبلد، فلم يكن فيه إلا سبب واحد وهو التعريف، والسب الواحد لا يمنع الصرف فلهذا كان منصرفًا). [الموضح: 954]

قوله تعالى: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)}
قوله تعالى: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)}
قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ألّا يسجدوا للّه (25)
قرأ الكسائي وحده ويعقوب الحضرمي (ألا يسجدوا للّه) خفيفة اللام ليس فيها (أن)، وإذا وقفا يقفان " ألا يا " ويبتدآن (اسجدوا).
وقرأ الباقون (ألّا يسجدوا) مشددًا.
والمعنى: (فصدّهم عن السبيل.. ألّا يسجدوا)، أي: لأن لا يسجدوا وليست بموضع سجدة على هذه القراءة.
ومن قرأ (ألا يسجدوا) بالتخفيف فهو موضع سجدة.
قال أحمد بن يحيى: قال الأخفش: في قوله (ألّا يسجدوا للّه) بالتشديد، يقول: زيّن لهم الشيطان أعمالهم لأن لا يسجدوا.
قال: وقرأ بعضهم (ألا يسجدوا) فجعله أمرًا، كأنه قال: (ألا اسجدوا).
وزاد بينهما (يا) التي تكون للتنبيه، ثم أذهب ألف الوصل التي في (اسجدوا)، وأذهبت الألف التي في (يا) لأنها ساكنة لقيت السين فصارت (ألا يسجدوا)
وأنشد:
[معاني القراءات وعللها: 2/238]
ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى... ولا زال منهلاًّ بجرعائك القطر
قال أبو العباس: (يا) التي تدخل للنداء يكتفى بها من الاسم، ويكتفى بالاسم منها، لا ينادى بها.
أراد: ألا يا هؤلاء اسجدوا.
وفي البيت: ألا يا هذه اسلمي.
وكذلك قول الشاعر:
يا دار هندٍ يا اسلمي ثمّ اسلمي... بسمسمٍ أو عن يمين سمسم
أراد: يا هذه سلمى.
وكذلك قال الفراء.
قال: وسمع بعض العرب يقول: (ألا يا تصدّق علينا)، معناه ألا يا هذا تصدّق علينا
وروى عن عيسى الهمداني أنه قال: ما كنت أحمع المشيخة يقرءونها إلا بالتخفيف على نيّة الأمر، قال: ومن قرأ (ألّا يسجدوا) فشدد (ألّا) فينبغي أن لا تكون سجدة). [معاني القراءات وعللها: 2/239]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويعلم ما يخفون وما يعلنون (25)
قرأ الكسائي وحفص (ما تخفون وما تعلنون) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء فيهما.
قال الأزهري: من قرأهما بالياء فعلى الغيبة. ومن قرأهما بالتاء فللمخاطبة. وكلٌّ جائز). [معاني القراءات وعللها: 2/239]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {ألا يسجدوا لله} [25].
قرأ الكسائي بتخفيف (ألا) جعله تنبيها ويقف. ألا يا زيد، ألا يا هؤلاء اسجدوا، تقول العرب: ألا يرحمونا، يريدون: ألا يا هؤلاء ارحمونا. وإنما اختار الكسائي التخفيف ولفظ الأمر؛ لأنها سجدة، قال الشاعر: ألا ياا سلمي يا دار مي على البلا = ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وقال آخر:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر = وإن كان حيانا عدى آخر الدهر
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/148]
يريد: ألا يا هذه اسلمي، واحتج الكسائي بما حدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء، قال: في حرف عبد الله: {هلا يسجدون} فـ «هلا» تخضيض على السجود. وفي حرف أبي: {ألا تسجدون للذي يعلم سركم وجهركم} وفي مصحفنا: {الذي يخرج الحبء في السموت} المطر. وفي الأرض: النبات.
وقرأ الباقون: {ألا يسجدوا} فـ {يسجدوا} نصب بـ «أن». وعلامة النصب حذف النون. وتلخصيه: وزين لهم ألا يسجدوا. فمن قرأ بهذه القراءة لزمة أن لا يسجد في هذه الآية، سمعت ابن مجاهد يقول ذلك، وكذلك قال غيره من العلماء، لأنه خبر لا أمر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/149]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} [25].
قرأ الكسائي وحفص عن عاصم بالتاء أي: قال لهم يا محمد. والله تعالى يعلم السر وأخفي. قيل: وأخفي أي: ما حدثت به أنفسها. والسر: ما تخفيه عن المخلوقين.
وقرأ الباقون بالياء، ومعناه: الله يعلم ما يسر ويعلن هؤلاء الكفرة؛ لأنهم كانوا يزنون في السر، ولا يزنون في العلانية، يتوهمون أنهم لا يطالبون بذلك، وكانوا يخفون عن المخلوقين ولا يستحيون من الله، فأعلمهم الله تعالى أنه يطالبهم ويعذبهم على السر والجهر، وأنه لا يخفي عليه خافية، وقال: {يستخفون
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/149]
من الناس ولا يستخفون من الله} و{إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم شدّد اللّام من قوله سبحانه: ألا يسجدوا [النمل/ 25] غير الكسائي فإنّه خفّفها، ولم يجعل فيها (أن) ووقف (ألايا) ثم ابتدأ (اسجدوا).
قال أبو علي: من شدّد ألا يسجدوا فتقديرها: فصدّهم عن السّبيل لئلّا يسجدوا، ويجوز أن يعلق (أن) بزيّن، كأنّه زيّن لهم الشيطان أعمالهم، لئلّا يسجدوا، واللّام في الوجهين داخلة على مفعول له، وهذا هو الوجه لتحري القصة على سننها، ولا يفصل بين بعضها وبعض بما ليس منها، وإن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع، لأنّه يجري مجرى الاعتراض، وما يسدّد القصّة، وكأنّه لما قيل: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون [النمل/ 24]، فدلّ هذا الكلام على أنّهم لا يسجدون لله تعالى، ولا يتدينون بدين، قال: ألا يا قوم أو يا مسلمون اسجدوا لله الّذي [يخرج الخبء في] السموات والأرض، خلافا عليهم، وحمدا لله، ومكان ما هداهم لتوحيده، فلم يكونوا مثلهم في الطغيان والكفر. ووجه دخول حرف التنبيه على الأمر، أنّه موضع يحتاج فيه
[الحجة للقراء السبعة: 5/383]
إلى استعطاف المأمور لتأكيد ما يؤمر به عليه، كما أنّ النداء موضع يحتاج فيه إلى استعطاف المنادى له من إخبار أو أمر أو نهي، ونحو ذلك مما يخاطب به، وإذا كان كذلك فقد يجوز أن لا يريد منادى في نحو قوله: ألا يسجدوا [النمل/ 25] كما يريد المنادى في قوله.
يا لعنة الله والأقوام كلّهم... والصّالحين على سمعان من جار
وكذلك ما حكي عن أبي عمرو من قوله: يا ويل له، ويؤكد ذلك قولهم: هلمّ، وبناؤهم ها التي للتنبيه مع لم، وجعلها مع الفعل كشيء واحد، وإجماع الناس على فتح آخر الكلمة في اللغتين، فكما لا يجوز أن يراد هاهنا مأمور لبناء الكلمة على الفتح، وإن فكّ إحداهما من الأخرى، بل لا يسوغ إرادة المنادى، لمكان بنائهما معا، وجعلهما بمنزلة شيء واحد، كذلك يجوز لك أن لا تريد مأمورا في قوله:
(ألا يا سجدوا). ويجوز أن يراد بعد يا مأمورون، فحذفوا، كما حذفوا من قوله:
يا لعنة الله والأقوام كلّهم فكما أن (يا) هنا لا تكون إلّا لغير اللّعنة، كذلك يجوز أن يكون
[الحجة للقراء السبعة: 5/384]
المأمورون مرادين فحذفوا من اللّفظ، وقد جاء هذا في مواضع من الشعر، فمن ذلك ما أنشده أبو زيد:
وقالت ألا يا اسمع نعظك بخطّة... فقلت سمعنا فانطقي وأصيبي
وممّا يؤكّد قول من قال: ألّا مثقلة، أنّها لو كانت مخفّفة ما كانت في يسجدوا ياء لأنّها اسجدوا، ففي ثبات الياء في يسجدوا في المصحف دلالة على التّشديد، وأنّ المعنى: أن لا يسجدوا، فانتصب الفعل بأن وثبتت ياء المضارعة في الفعل). [الحجة للقراء السبعة: 5/385]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعز ويعلم ما تخفون وما تعلنون في الياء والتاء [النمل/ 25].
فقرأ عاصم في رواية حفص والكسائي بالتاء فيهما.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بالياء فيهما.
قال أبو علي: من قرأ بالياء، فلأنّ الكلام على الغيبة: فزيّن لهم الشّيطان ألا يسجدوا، وهو يعلم الغيب وما يخفون وما يعلنون. وقرأ الكسائي فيهما بالتاء لأنّ الكلام قد دخله خطاب على قراءته:
اسجدوا لله الذي يعلم ما تسرّون وما تعلنون.
ومن قرأ: (أن لا يسجدوا)، فالكلام على الغيبة، ويجوز أن
[الحجة للقراء السبعة: 5/385]
يكون على الخطاب للمؤمنين والكافرين الذين جرى ذكرهم، على لفظ الغيبة، فأخبر الجميع بأنّه سبحانه يعلم ما يخفون وما يعلنون، ورواية أبي بكر عن عاصم [بالياء فيهما] أشبه بقراءة ألا يسجدوا [بالياء فيهما]، لأنّه غيبة مع غيبة). [الحجة للقراء السبعة: 5/386]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وزين لهم الشّيطان أعمالهم فصدهم عن السّبيل فهم لا يهتدون * ألا يسجدوا لله الّذي يخرج الخبء في السّماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون}
[حجة القراءات: 525]
قرأ الكسائي (فهم لا يهتدون * ألا يا اسجدوا) بتخفيف اللّام وألا تنبيه وبعدها {يا} الّتي ينادى بها والابتداء {اسجدوا} على الأمر بالسّجود فالمعنى ألا يا قوم اسجدوا لله خلافًا عليهم وحمدا لله لمكان ما هداكم فلم تكونوا مثلهم في الطغيان وهذا الكلام يكون منقطعًا ممّا قبله على أن ما قبله تمام ويكون ما بعده كلاما معترضًا من غير القصّة الماضية إمّا من سليمان صلى الله عليه وإمّا من الهدهد على تأويل يا هؤلاء اسجدوا فلمّا كف ذكر هؤلاء اتّصلت {يا} بقوله {اسجدوا} فصار يسجدوا كأنّه فعل مضارع إذا أدرجت الكلام
والعرب تقول ألا يا ارحمونا أي ألا يا هؤلاء ارحمونا لأن يا لا يلي الفعل إلّا مع إضمار ومثله قول ذي الرمة:
ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ... ولا زال فهلا بجرعائك القطر
أي يا دار هذه كنت في سلامة
[حجة القراءات: 526]
قال قطرب المعنى ألا يا قوم اسجدوا فحذفت الأسماء وقامت يا مقامها وكان هذا الحذف في النداء خاصّة لأنّه موضع حذف التّنوين إذا قلت يا زيد
وقرأ الباقون {فهم لا يهتدون ألا يسجدوا} بالتّشديد وحجتهم اختلفوا فيها فقال الزّجاج من قرأ بالتّشديد فالمعنى فصدهم لئلّا يسجدوا أي صدهم الشّيطان عن سبيل الهدى لئلّا يسجدوا ف يسجدوا نصب ب أن وعلامة النصب حذف النّون
وقال اليزيدي المعنى وزين لهم الشّيطان ألا يسجدوا ف أن في موضع نصب لأنّها بدل من {أعمالهم} وقال إذا خففت (ألا يا اسجدوا) ففيه انقطاع القصّة الّتي كنت فيها ثمّ تعود بعد إليها وإذا اتّصلت القصّة بعضها ببعض فذلك أسهل ويجوز أن يكون معناه فصدهم أن يسجدوا وتكون لا داخلة لتوكيد الجحد كما قال {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} معناه أنهم يرجعون لأن الحرام في معنى الجحد وكذلك الصد في معنى الجحد وإنّما تدخل لا بمعنى التوكيد إذا كان قبلها جحد مثل قوله {ما منعك ألا تسجد} ومنه قول أبي النّجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا
- أي أن تسخرا وقال قوم جاءت لا ها هنا لمجيء لا الّتي في قوله {فهم لا يهتدون} كما قال {وما يستوي الأعمى والبصير} فهذا بغير لا ثمّ قال في النسق عليه {ولا الظّلمات ولا النّور}
[حجة القراءات: 527]
فكرر لا في قوله {ولا النّور} لمجيء لا في قوله {ولا الظّلمات} والتأويل ولا الظّلمات والنور فكل موضع دخل لا في مبتدئه حسن أن يدخل لا في خبره على أن تكون زائدة والله أعلم بما أراد
قرأ الكسائي وحفص {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} بالتّاء فيهما على الخطاب لأن الكلام قد دخله خطاب على قراءة الكسائي (اسجدوا لله) الّذي يعلم ما تسرون وما تعلنون
وقرأ الباقون بالياء فيهما أتوا في سياق الخبر عنهم وحجتهم قوله {وزين لهم الشّيطان أعمالهم} {ألا يسجدوا} وهو يعلم الغيب وما يخفون وما يعلنون هؤلاء الكفرة). [حجة القراءات: 528]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {ألا يسجدوا} قرأه الكسائي بتخفيف «ألا» وإن وقف عليه وقف «ألا يا» ويبتدئ «اسجدوا» وليس هو موضع وقف، و«اسجدوا» فعل مبني عند البصريين في هذه القراءة، وقرأ الباقون «ألا» بالتشديد، جعلوا الياء في «يسجدوا» للاستقبال، متصلة بالفعل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/156]
وهو معرب.
وحجة من شدد «ألا» أن أصله عنده «أن لا» فأدغم النون في اللام، فـ «أن » هي الناصبة للفعل، وهو «يسجدوا» حذفت النون منه للنصب، فالفعل معرب في هذه القراءة، ومبني في القراءة الأولى، و«أن» من «ألا» في موضع نصب من أربعة وجوه الأول أن يكون في موضع نصب على البدل من «أعمالهم» على تقدير: وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا، والثاني أن تكون «أن» مفعولة لـ «يهتدون» أي: فهم لا يهتدون أن يسجدوا وتكون «لا» على هذا القول زائدة، فالمعنى على هذا فهم لا يهتدون إلى السجود. فلما حذف حرف الجر مع «أن» تعدى الفعل فنصب، وحذف حرف الجر مع «أن» كثير في القرآن والكلام، ويجوز أن تكون «أن» على هذا في موضع خفض، على إعمال حرف الجر، وهو محذوف لكثرة ذلك، وهو مروي عن الخليل والكسائي، والثالث أن تكون «أن» في موضع نصب على حذف اللام، تقديره: وصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا، أو يكون التقدير: وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا، ويجوز أن تكون «أن» في موضع خفض على البدل من السبيل، تقديره: وصدهم عن ألا يسجدوا، وتكون «لا» زائدة، فتحقيق الكلام: وصدهم عن السجود، لأن «أن» والفعل مصدر، و«لا» زائدة، ولا يحسن في جميع هذه الوجوه الوقف على ما قبل «ألا»، ولا الابتداء بـ «ألا» لأنك تفرق بين العامل والمعمول فيه، ويقوي هذه القراءة أن الياء في كل المصاحف متصلة بالفعل، وهو الاختيار لصحة معناه، ولأن الجماعة عليه.
10- وحجة من خفف «ألا» أنه جعلها استفتاحًا للكلام، فالوقف على ما قبل «ألا» في هذه القراءة حسن وجعل ما بعد «ألا» منادى قد حذف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/157]
وبقيت «يا» تدل عليه، وذلك جائز في لغة العرب، قد جاء في ذلك في أشعارها وكلامها، يكتفون بياء عن الاسم المنادى، أو يحذفونه لدلالة الكلام و«يا» عليه، يقولون: ألا يا انزلوا، ألا يا ادخلوا، يريدون: ألا يا هؤلاء انزلوا، ألا يا هؤلاء ادخلوا، كذلك الآية، تقديرها: ألا يا هؤلاء اسجدوا، فلذلك قلنا: يقف على «يا» ويبتدئ: اسجدوا في هذه القراءة، وإنما حذفت ألف «يا» من اللفظ لسكونها وسكون السين بعدها، فصارت الياء في اللفظ متصلة بالسين كياء الاستقبال، وعلى ذلك أنشدوا:
فقالت ألا يا سمع تعظك بخطةٍ = فقلت سميعًا فانطقي وأصيبي
يريد: ألا يا هذا اسمع. ومثله:
يا لعنة الله والأقوام كلهم = والصالحين على سمعان من جار
يريد: يا هؤلاء لعنة الله، أي الزموا لعنة الله على سمعان، وهو كثير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/158]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {ما تخفون وما تعلنون} قرأ حفص والكسائي بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
وحجة من قرأ بالتاء أنه حمله على الخطاب؛ لأنه ما قبله، على قراءة الكسائي، منادى، والمنادى مخاطب، فرد الخطاب في الفعلين على معنى المنادى، فكأنه قال:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/158]
أيا يا قوم اسجدوا لله الذي يعلم ما تخفون وما تعلنون، فأما قراءة حفص بالتاء فيهما فإنه حمله على الخطاب للمؤمنين والكافرين الذين تقدم ذكرهن على لفظ الغيبة.
12- وحجة من قرأ بالياء أن الكلام قبله جرى على لفظ الغيبة في قوله: «وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم فهم لا يهتدون ألا يسجدوا» فجرى «يخفون ويعلنون» على مثال ذلك في لفظ الغيبة، فصار آخر الكلام كأوله في الغيبة وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/159]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {أَلَا يا اسْجُدُوا} [آية/ 25] بتخفيف {ألا}:
قرأها الكسائي ويعقوب يس-، والوقف على {أَلَا يا} بالألف، والابتداء بقوه {أُسْجُدُوا} بهمزة مضمومة.
والوجه أن {ألا} حرف للتنبيه وافتتاح الكلام، و{يا} حرف النداء حذفت منه الألف لالتقاء الساكنين، وسقطت ألف الوصل أيضًا من قوله {اسْجُدُوا} لكونها في حالة الوصل، والمنادى ههنا محذوف، والتقدير: ألا يا هؤلاء، أو يا قوم اسجدوا، كما قال النمر بن تولب:
108- وقالت: ألا يا اسمع نعظك بخُطةٍ = فقلت: سميعًا فانطقي وأصيبي
أراد: يا هذا اسمع.
فأما إذا وقف القارئ فإنه يقول {ألا يا} فيرد الألف من {يا} التي كان
[الموضح: 954]
حذفها لالتقاء الساكنين، ويثبت ألف الوصل من {اسْجُدُوا}؛ لأن الفعل مبتدأ به، وألف الوصل تثبت في الابتداء.
قرأ الباقون ويعقوب إلا يس- {أَلَّا يَسْجُدُوا} بتشديد {أَلَّا}.
والوجه أن الأصل: أن لا يسجدوا، فأدغم النون في اللام من {لا}، فبقي: ألا، والتقدير: فصدّهم عن السبيل لأن لا يسجدوا، بإضمار اللام وهو متعلق بقوله {صَدَّهُمْ}.
ويجوز أن يتعلق بقوله تعالى {زَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} أي زين لهم لئلا يسجدوا، فالفعل أيضًا على إضمار اللام.
ويجوز أن يكون بلا إضمار ويكون بدلًا عن الأعمال كأنه قال: زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا لله، أي ترك السجود، ويؤيد هذه القراءة أن الكلمة كتبت في المصحف {يَسْجُدُوا} بياء موصولة بالسين). [الموضح: 955]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [آية/ 25] بالتاء فيهما:
قرأها الكسائي و-ص- عن عاصم.
والوجه أنه على الخطاب، وأنه على قراءة الكسائي يستقيم؛ لأن ما قبله خطاب، وهو قوله تعالى {أَلَا يا اسْجُدُوا} على الخطاب. وعلى قراءة ص- يُحمل على مخاطبة الذين جرى ذكرهم بلفظ الغيبة،
[الموضح: 955]
ويجوز أن يكون على خطاب المؤمنين والكافرين جميعًا، كأنه قال: ما تخفون وما تعلنون أيها الناس.
وقرأ الباقون: {مَا يُخْفُونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} بالياء فيهما.
والوجه أنه على الغيبة؛ لأن ما قبله على الغيبة أيضًا، وهو قوله تعالى {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}.
وهو أشبه أيضًا بقراءة من قرأ {أَلَّا يَسْجُدُوا} بالتثقيل لكونه على الغيبة أيضًا). [الموضح: 956]

قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:54 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (27) إلى الآية (35) ]
{قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)}


قوله تعالى: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)}
قوله تعالى: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فألقه إليهم (28)
[معاني القراءات وعللها: 2/239]
روى عبد الوارث وشجاع عن أبي عمرو (فألقهي) بياء في اللفظ.
وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ (فألقه) أجزئا، وقال، وإن شئت (فألقهى)، واختار (فألقهي)،
وقال اليزيدي عنه (فألقه) جزمًا ووافق حفصٌ أبا بكر في قوله (فألقه) جزمًا، وقد أمضينا تفسير هذا الجنس فيما تقدم من الكتاب.
ووجه القراءة فيها كما اجتمع عليه النحويون (فألقهي إليهم) بالياء، وإن قرئ (فألقه) بكسر الهاء كان حسنًا، وأما جزم الهاء فليس بجيد عندهم.
ولا أنكر أن يكون لغة، فإن بعض القراء قرأوا بها، ولم يقرأوا بها إلا وقد حفظوها عن العرب، والاختيار ما أعلمتك). [معاني القراءات وعللها: 2/240]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {فألقه إليهم} [28].
أسكن الهاء حمزة وعاصم وأبو عمرو.
وكسر الهاء من غير ياء نافع في رواية قالون.
وقرأ ابن كثير والكسائي وورش عن نافع: {فألقهي إليهم} بياء بعد الكسرة. وقد ذكرت علة ذلك في (آل عمران).
ومعنى {ثم تول عنهم فانظر} أي: اختف عنهم، ثم انظر ماذا يقولون.
وقال آخرون: معناه: التقديم والتأخير أي: فانظر ماذا يرجعون. ثم تول عنهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في وصل الهاء بياء في قوله جل وعز: (فألقه إليهم) [النمل/ 28] وإسكانها.
فقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (فألقهى إليهم) موصولة بياء في رواية الحلواني عن هشام بن عمار عن ابن عامر، وقال: ابن ذكوان بكسر الهاء، واختلف عن نافع فقال ابن جمّاز والمسيّبي والقاضي عن قالون: (فألقه إليهم) مكسورة الهاء من غير ياء.
وقال ورش: في الوصل ياء بعد الهاء، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر وكذل قال الحلواني عن قالون.
واختلف عن أبي عمرو، فروى عنه اليزيدي: فألقه ساكنة، وروى عنه عبد الوارث وشجاع، (فألقهي) موصولة بياء في الوصل.
وقال عباس: سألته فقرأ: فألقه جزما وقال: إن شئت: (فألقهي) [وكان اختياره فألقهي مشددة]، وقرأ عاصم في الروايتين جميعا جزما وحمزة مثله.
[الحجة للقراء السبعة: 5/386]
قال أبو علي: وصل الهاء بياء في (ألقه) ونحوه أقيس وأشبه، وترك وصله بالياء إنّما يجري في الشعر، كقوله:
ما حجّ ربّه في الدّنيا ولا اعتمرا وكذلك رواية من روى عن أبي عمرو: (فألقهي إليهم) موصولة بياء، أقيس من رواية من روى: فألقه بسكون الهاء. وزعم أبو الحسن أن نحو: (ألقه) ونحو قوله:
مشتاقان له أرقان لغة، ولم يحك ذلك سيبويه، وحمل قوله: «له أرقان» على الضرورة ولم يحك اللّغة التي حكاها أبو الحسن في موضع علمت). [الحجة للقراء السبعة: 5/387]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم}
قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة {فألقه إليهم} بإسكان الهاء وقرأ الحلواني بالاختلاس وقرأ الباقون بالإشباع وقد ذكرت الحجّة في آل عمران). [حجة القراءات: 528]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {فألقه إليهم} قرأه أبو عمرو وعاصم وحمزة بإسكان الهاء وقرأ قالون بكسر الهاء، من غير بلوغ ياء، وقرأ الباقون بصلتها بياء في الوصل.
وحجة من قرأ بإسكان الهاء أنه نوى الوقف على الهاء وذلك بعيد لأنه ليس بموضع وقف، وقيل: هي لغة لبعض العرب، وذلك قليل، إنما جاء في الشعر، وقيل: إنه توهم الهاء لام الفعل، فألزمها ما يلزم لام الفعل في هذا من السكون للبناء؛ لأن لام الفعل إذا سكنت في الأمر فسكونها بناء، وهو أيضًا قول ضعيف، وقد تقدم ذكر هذا ونحوه.
14- وحجة من وصلها بياء أنه لما رأى الهاء، وقد تحرك ما قبلها، أثبت الحرف الذي بعدها، إذ لم يجتمع ما يقرب من الساكن، والياء بدل من واو، وهي الأصل في الزيادة لتقوية هاء الكناية، وذلك لكسرة ما قبل الهاء فبنى الكلمة في زيادة الياء على اللفظ، ولم ينظر إلى الأصل، وهو الاختيار، لأن الأكثر عليه.
15- وحجة من وصل الهاء بكسرة، دون ياء، أنه بنى الكلمة على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/159]
الأصل؛ لأن الأصل «ألقيهي» فيحذف الياء التي بعد الهاء، لسكونها وسكون الياء التي قبل الهاء؛ لأن الهاء حرف خفي غير حاجز حصين، فلما دخل الكلمة البناء للأمر، وحذفت الياء التي قبل الهاء للبناء، بقيت الهاء مكسورة، من غير ياء، على ما كانت عليه قبل حذف الياء التي قبل الهاء لأن حذفها عارض وقد مضى شرح هذا كله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/160]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} [آية/ 28] بسكون الهاء:
قرأها أبو عمرو وعاصم وحمزة.
والوجه أن إسكان مثل هذه الهاء، أعني الهاء التي تكون للضمير، لغة عند أبي الحسن، وأنشد مستشهدًا عليه قول الشاعر:
109- ومطواي مشتاقان له أرقان
وقد مضى ذكره، وقول الآخر:
110- وأشرب الماء ما بي نحوه عطش = إلا لأن عيونه سيل واديها
[الموضح: 956]
وسيبويه أنكر أن يكون ذلك لغة، وحمل ما في البيتين على الضرورة.
وقرأ نافع ن- ويعقوب {فَأَلْقِهِ} مخففة مختلسة الكسرة.
والوجه أن اختلاس الحركة في مثل هذه الهاء في هذه الصورة ليس بالقوي، وقد جاء في الشعر قال:
111- أو معبر الظهر ينبو عن وليته = ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا
وقد ذكرناه، وقال الآخر:
112- فما له من مجدٍ تليدٍ وماله = من الريح فضل لا الجنوب ولا الصبا
إلا أن الذي حسنه ههنا أن الياء التي هي لام الفعل محذوفة من الكلمة للجزم، ولو كانت الياء مثبتة لكانت حركة الهاء مختلسة لا محالة، نحو هو
[الموضح: 957]
يُلقيه، فأجرة الكلمة وقد حذفت منها الياء مجراها وهي مثبتة؛ لأن الياء المحذوفة للجزم في تقدير الثبات من حيث إن الأصل والوزن يقتضيانه.
وقرأ ابن كثير ونافع ش- و-يل- وابن عامر والكسائي {فَأَلْقِهِي} موصولة بياء.
والوجه أنه هو الأصل، وهو الأقيس والأكثر في كلامهم). [الموضح: 958]

قوله تعالى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (إنّي ألقي إليّ (29) (ليبلوني أأشكر (40)
فتح الياءين نافع وحده). [معاني القراءات وعللها: 2/245] (م)

قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)}
قوله تعالى: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس في رواية وهب بن منبه: [أنْ لَا تَغْلُوا]، بالغين معجمة.
قال أبو الفتح: غَلَا في قوله غُلُوًّا، وغلا السعرُ يغلُو غَلَاء. فصلوا بينهما في المصدر وإن اتفقا في الماضي، وهذا أحد ما يدل على ما قدمناه أيضا من أن الماضي والمضارع واسم الفاعل والمصدر تجري مجرى المثال الواحد، فإذا خولف فيها بين المصادر قام ذلك الخلاف مقام ما كان يجب من اختلاف الأمثلة لاختلاف ما تحتها من المعاني المقصودة؛ وذلك أن أعدل اللغة اختلاف الألفاظ لاختلاف المعاني، فإن اتفقت الألفاظ اختلفت الأمثلة، فإن اتفقت الألفاظ والأمثلة، ووقع التغيير في بعض المُثُل قام مقام تغييرها كلها. وذلك نحو غلا يغلو في القول والسعر.
فلما اتفق اللفظان والمِثْلان في الماضي والمضارع خالفوا بين مصدريهما؛ ليكون ذلك كالخلاف
[المحتسب: 2/139]
بين مثاليهما أنفسهما، فقالوا: غُلُوًّا، وغَلَاء على ما مضى. وكذلك قولهم في نظائر هذا: وجَدت الشيء وجُودا، ووجَدت في الحزن وَجْدًا، ووجَدت من الغنى وُجْدًا ووَجْدًا ووِجْدًا وجِدَة، ووجدت على الرَّجل مَوْجِدة، وجدت الضَالَة وِجدَانا، فجعلوا اختلاف المصادر فيها عوضًا مما كان يقتضيه أصل وضع اللغة من اختلافها أنفسها، فهذا مَقَاد يُقْتَاس ويُرْجَع في نظائره إليه.
نعم، وخصوا غَلَا في القول بالغُلُوّ؛ لأن لفظ فُعُول أقوى من لفظ فَعَال؛ للواوين والضمتين، وضعفِ الألف والفتحتين. وذلك أن الغُلُوّ في القول أعلى وأعنى عندهم من غلاء السعر، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}؟ وأما غلاء السعر فلا يدخل النار، ولا يحرم الجنة، ثم إنهم قالوا: غلتِ القِدْرُ تَغْلِي غَلَيَانا، فلما صغر هذا المعنى في أنفسهم أخذوه من الياء؛ لأنها تنحط عن الواو والضمة إلى الياء والكسرة.
فإن قلت: فقد قالوا: عَلَوْتُ في المكان أَعْلُوا عُلُوًّا وعلِيتُ في الشرف علاءً؛ فجعلوا الشرف دون ارتفاع النِّصْبَة.
قيل: لم يَجْفُ الشرفُ عندهم، ولا تَبشَّع تبشّع الكفر والغلوّ في القول المعاقَب عليه، والمنهيَّ عنه؛ فلان جانبُه، ونَعُمَ وعَذُبَ في أنفسهم؛ فبنوه على فَعِل لتنقلب الواو ياءً، ومصدره على الفَعَال؛ لعذوبته بالفتحتين والألف. وهذه أماكن إن رَفَقْت بها، وسانَيْتَهَا، وتأنَّيْتَهَا، ولم تَبْءَ عليها وتَخْتَبطَها -أَوْلَئْكَ جانبها، وأركبتك ذِرْوَتها، وقبلَتْكَ لها ضيفا، وَبَسَطَتْكَ يدًا وسيفًا. وإن أَخْلَدْتَ بها إلى ضِدّ هذا أخْلَدَتْ بكَ إلى ضده، فَتَلَاقيا ورفقا، لا مُغَالَاةً ولا خُرْقًا). [المحتسب: 2/140]

قوله تعالى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)}
قوله تعالى: {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)}
قوله تعالى: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)}
قوله تعالى: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:55 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (36) إلى الآية (40) ]
{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}


قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أتمدّونني بمالٍ (36)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو (أتمدّونني) بنونين، وإثبات الياء في الوصل.
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي (أتمدّونن) بغير ياء في وقف ولا وصل.
[معاني القراءات وعللها: 2/240]
وقرأ حمزة أتمدّونّ) بنون واحدة مشددة، وبياء في الوصل والوقف، وروى خارجة عن نافع (أتمدّونّي) بنون واحدة مشددة، وياء في الوصل، فإن وقف واقف وقف بغير ياء.
قال أبو منصور: من قرأ (أتمدّونّي) بنون واحدة مشددة فإنه أراد: أتمدونني، وأدغم إحدى النونين في الأخرى وشددها.
ومن قرأ النونين فلأنه وجد النونين متحركتين فاختار الإظهار.
وأمّا من أظهر الياء فلأنها ياء الإضافة.
ومن كسر النون الأخيرة بلا ياء جعل الكسرة دالة على الياء فاكتفى بها عن إظهارها). [معاني القراءات وعللها: 2/241]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فما آتاني اللّه خيرٌ (36)
قرأ نافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم، ويعقوب (فما آتاني اللّه) بياء مفتوحة ووقفوا بياء.
وقرأ الباقون (آتان اللّه) بحذف الياء في الوصل والوقف.
وأمال الكسائي وحده التاء (آتاني)، وفتحها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/241]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {أتمدونن بمال} [36].
قرأ حمزة: {أتمدوني} بنون مشددة. وأثبت الياء وصل أو وقف والأصل: اتمدونني، النون الأولى علامة الرفع، والثانية مع الياء اسم المتكلم. ومعنى {أتمدونن} تقول العرب في الخير امددته وفي الشر مددته. قال الله تعالى: {ونمدهم في طغيانهم يعمهون}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/150]
وقرأ أبو عمرو والكسائي ونافع وابن كثير وابن عامر رواية هشام وأما هشام وابن كثير فأثبتاها في الحالين {أتمدونن} أظهروا ولم يدغموا غير أنهم يحذفون الياء من الوقف، لأنها ليست ثابتة في المصحف.
وقرأ الباقون: {أتمدونن} بنونين أيضًا، غير أنهم اجتزأوا بالكسرة عن الياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/151]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {فما ءاتاني الله خير} [36].
قرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم: {ءاتاني} بفتح الياء.
وقرأ الباقون: {ءاتان الله} بغير ياء إتباعًا للمصحف.
والباقون أثبتوا وفتحوا لئلا تسقط لالتقاء الساكنين أعني: الياء واللام من اسم الله تعالى.
وكان الكسائي وحده يميل {ءاتاني الله} من أجل الياء {ءاتيك} [39، 40] والأصل فيه: أئتيك به فكرهوا الجمع بين همزتين. فلينوا الثانية. و«ما» بمعنى الذي وهو ابتداء و«ءاتني»صلة «ما»، وخير: خبر الابتداء، والتقدير: والذي آتاني الله خير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/151]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعز: (أتمدونني بمال) [النمل/ 36].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (أتمدّونني) بنونين وياء في الوصل. حدثنا ابن واصل قال: حدثنا ابن سعدان عن المسيبى عن
[الحجة للقراء السبعة: 5/387]
نافع: (أتمدّوني) خفيفة النون وهي بنون واحدة وياء في الوصل والوقف.
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي: أتمدونن بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ حمزة: (أتمدّونّي بمال) بنون واحدة مشددة ووقف على الياء.
قال أبو علي [في: أتمدونني بمال]: أبو زيد: أمددت الرجل بالمال والرجال إمدادا.
قال [أبو علي]: وفي التنزيل: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55]، وفي غير المال والبنين، مدّ على فعل، قال: ويمدهم في طغيانهم يعمهون [البقرة/ 15] ويمدونهم في الغي [الأعراف/ 202]، وقال: ونمد له من العذاب مدا [مريم/ 79] فأمّا قوله: (أتمدّونّي) هو: (أتمدّونني). فأدغم الأولى في الثانية، ومن لم يحذف الياء في الوصل، فلأنّه ليس بفاصلة ولا يشبه الفاصلة، لأنّه ليس بكلام تام، فالنون الأولى علامة الرفع، والثانية التي تصحب ضمير المتكلم المنصوب.
[الحجة للقراء السبعة: 5/388]
وقرأ نافع: (أتمدّوني) خفيفة النون.
[قال أبو علي]:: التشديد حسن، ووجه التخفيف أنّه يحذف الثانية، ولا يحذف الأولى لأنّ حذف الأولى لحن، والثانية قد حذفت في مواضع من الكلام والشعر، نحو: قدي وإني، ومن بيّن فقال: (أيمدّونني) فجمع بين المثلين ولم يدغم، فلأنّ الثانية ليست بلازمة، ألا ترى أنّها تجري في الكلام ولا يلزق بها الثانية نحو: أتمدّون زيدا، وفي التنزيل: ولو شاء الله ما اقتتلوا [البقرة/ 253] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/389]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: فما آتاني الله [النمل/ 36] في فتح الياء، وإثباتها وجزمها.
فقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي:
(فما أتان الله) بكسر النون من غير ياء.
وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم في رواية حفص: فما آتاني الله
[الحجة للقراء السبعة: 5/389]
بفتح الياء. وكلّهم فتح التاء غير الكسائي، فإنّه أمالها من: (آتاني) ). [الحجة للقراء السبعة: 5/390]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فلمّا جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير ممّا آتاكم} 36
قرأ حمزة (أتمدوني بمال) 2 بنون واحدة مشدّدة والياء مثبتة في الوصل والوقف والأصل أتمدونني النّون الأولى علامة الرّفع والثّانية نصب ضمير المتكلّم المنصوب فأدغم النّون في النّون ولم يحذف الياء لأنّه ليس بفاصل
[حجة القراءات: 528]
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو أتمدونن بنونين أظهروا ولم يدغموا غير أنهم حذفوا الياء في الوقف لأنّها ليست ثابتة في المصحف وأثبت ابن كثير في الوقف
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائيّ بحذف الياء في الوصل والوقف اجتزؤوا بالكسر عن الياء
قرأ نافع وأبو عمرو وحفص {فما آتاني الله} بفتح الياء وقرأ الباقون بكسر النّون من غير ياء
من قرأ بسكون الياء إذا أدرج يحذفها لالتقاء الساكنين الياء ولام التّعريف وحذفلوا في الوقف إتباعا للمصحف ومن فتحها فعلى أصل ما يجب لهذه الياء من الفتحة وثبتت ولم تحذف لأنّها لا تلتقي ساكنة مع ساكن فيلزم حذفها
وقرأ الكسائي بالإمالة لأن هذه الياء ثابتة في تصرف هذا الفعل وما بمعنى الّذي وهو ابتداء و{آتاني} صلة {ما} و{خير} خبره والتّقدير فالّذي آتاني الله خير). [حجة القراءات: 529]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {أتمدونن} قرأ حمزة بنون مشددة، على الإدغام، لاجتماع المثلين فيمد الواو لالتقاء الساكنين، وقرأ الباقون بنونين ظاهرتين على الأصل، الأولى علم الرفع في الفعل، والثانية هي التي تدخل مع الياء في ضمير المتكلم المنصوب، لتقي الفعل عن أن تتصل به الياء فتكسره، فتقول: ضربني ويضربني، فتبقى لام الفعل على حالها قبل اتصال الضمير بها، ولولا النون لانكسرت لام الفعل لملاصقة الياء لها، وهو الاختيار، لأنه الأصل، وعليه الأكثر، ووقف ابن كثير وحمزة بالياء كما يصلان، لأنه الأصل، ووصله نافع وأبو عمرو بالياء، ووقفا بغير ياء اتباعًا للخط في الوقف حملًا على الأصل في الوصل، وحذف الباقون الياء في الوصل والوقف اتباعًا للخط ليوافق الأصل الوقف في حذف الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/160]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {أَتُمِدُّونِّي} [آية/ 36] بنون واحدة مشددة، وبإثبات الياء في الوصل والوقف جميعًا:
قرأها حمزة ويعقوب.
والوجه أن الأصل: تمدونني بنونين، فأدغم النون الأولى في الثانية إرادة للتخفيف.
وقرأ الباقون {أَتُمِدُّونَنِي} بنونين مخففتين.
وأما الياء فقد أثبتها في الوصل والوقف جميعًا ابن كثير، وأثبتها نافع وأبو عمرو في الوصل فقط، وحذفها ابن عامر وعاصم والكسائي في الحالين.
والوجه في إظهار النونين أنه هو الأصل، فإن النون الأولى هي علامة الرفع في فعل جمع المذكر، والثانية هي التي تلحق بياء ضمير المتكلم المنصوب، واحتملوا اجتماع النونين؛ لأن الثانية غير لازمة.
فأما إثبات الياء في الحالين فهو الأصل، وأما إثباتها في الوصل؛ فلأنها لم
[الموضح: 958]
تقع فاصلة، ولم تشبه أيضًا الفاصلة، إذ الكلام به غير تام، وإنما يكون حذف الياء في الفواصل.
وأما حذفها فعلى التشبيه بالفاصلة. وأما تخصيص حذفها بالوقف؛ فلأن الوقف موضع حذف وتغيير.
وروى المسيبي عن نافع {أَتُمِدّونِي} بنون واحدة خفيفة، وبإثبات الياء.
والوجه في النون الواحدة أن الثانية من النونين حذفت لاجتماعهما، كما قال الشاعر:
113- تراه كالثغام يُعل مسكًا = يسوء الفاليات إذا فليني
[الموضح: 959]
أراد: فلينني، فحذف النون الثانية، وإنما حذف الثانية؛ لأنها هي الزائدة وهي التي تحذف كثيرًا، والأولى ضمير الفاعل). [الموضح: 960]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {فَمَا آَتَانِيَ الله} [آية/ 36] بفتح الياء:
قرأها نافع وأبو عمرو و-ص- عن عاصم و-يس- عن يعقوب.
والوجه في فتح هذه الياء قد تقدم في غير موضع، فإنه هو الأصل، وحسنه ههنا أن الياء إذا كانت مفتوحة فإنها لا تسقط لالتقاء الساكنين في حال الإدراج بل تثبت إذ لا يلتقي ساكنان.
وقرأ الباقون و-ح- عن يعقوب {فَمَا آَتَانِ الله} بغير ياء.
والوجه أن الأصل: آتاني بإثبات الياء، فأسكنوها وإن كان أصلها الفتح طلبًا للتخفيف، إذ الساكن أخف من المتحرك، ثم اجتمعت الياء الساكنة مع اللام الساكنة من {الله} فحذفت الياء لالتقاء الساكنين فبقي {آَتَانِ الله}.
ويعقوب يقف عليها بالياء.
والوجه أنه يذهب إلى فتح الياء في حال الدرج، فإذا وقف أسكن الياء؛ لأن الوقف لا يكون على المتحرك.
وأمال الكسائي الألف التي بعد التاء من {آَتَانِي}.
[الموضح: 960]
والوجه أنه فعل، والفعل أقعد في باب الاعتلال من الاسم، ثم إن أصله من الياء فحسنت فيه الإمالة). [الموضح: 961]

قوله تعالى: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {لَا قِبَل لَّهُمْ} [آية/ 37] بإدغام اللام في اللام:
قرأها يعقوب يس-، مثل أبي عمرو إذا أدغم.
والوجه أنه جعل الحرفين المثلين وإن كانا من كلمتين بمنزلتهما لو كانا من كلمة واحدة، كما حكى سيبويه من قولهم يداؤد، والمعنى يد داود.
وقرأ الباقون و-ح- عن يعقوب بالإظهار.
والوجه أنه هو الأصل، وزاد حُسن الإظهار أن المثلين ليسا من كلمة واحدة). [الموضح: 961]

قوله تعالى: {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)}

قوله تعالى: {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وأمال حمزة أنا آتيك به [النمل/ 39، 40]. أشمّ الهمزة شيئا من الكسر، ولم يملها غيره.
قال أبو علي: من قرأ: فما آتاني الله بسكون الياء لزمه إذا أدرج أن يحذفها لالتقاء الساكنين: الياء ولام المعرفة، ومن فتحها على أصل ما يجب لهذه الياء من الفتحة [ثبتت له] ولم يحذف، لأنّه لم يلتق ساكن مع ساكن فيلزم حذفها.
فأمّا إمالة الكسائي الألف من آتاني فحسن، لأنّ هذه الياء ثابتة في تصرف هذا الفعل، فبحسب لزومها تحسن الإمالة.
وأمّا إمالة حمزة أنا آتيك فإنّما هي من أجل لزوم الكسرة في: (آتي)، فإذا لزمت الكسرة جازت الإمالة، فأمال الفتحة التي على همزة المضارعة، لتميل الألف التي في آتى نحو الياء، وإمالة الكسائي فتحة التاء من (آتاني) أحسن من إمالة حمزة، لأنّ (آتى) مثال ماض، والهمزة في (آتيك) همزة المضارعة، فإمالتها لا تحسن، ألا ترى أنّه لو كانت الياء التي للمضارعة في الفعل، لم تجز الإمالة، وإذا لم تجز الإمالة في حرف من حروف المضارعة، كان ما بقي من الحروف على حكمه، ألا ترى أنّهم قالوا: يعد، فأتبعوا سائر
[الحجة للقراء السبعة: 5/390]
الحروف الياء، وكذلك أكرم ولم يميلوا الفتحة في (أيحسب) كما أمالوها في قولهم في عمر، ولأنّ الياء لو كانت من مكان التاء، لم تحسن إمالتها، فكذلك لا تحسن إمالة الهمزة من قوله: أنا آتيك به [النمل/ 39/ 40] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/391] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رجاء وعيسى الثقفي: [عِفْريَةٌ].
قال أبو الفتح: هو العفريت. يقال: رجل عِفْريَةٌ نِفْريَةٌ إتباعا: إذا كان خبيثا داهيا. وقالوا: تَعَفْرَتَ الرجلُ: إذا صار عفريتا، أي: خبيثا. وهذا مثال غريب؛ لأن وزنه تَفَعْلَتَ، ونحوه من المُثُل الغريبة في الفعل قولهم: يَرْنَأَ الرجُلُ لِحْيَتَهُ: إذا صَبَغَها باليُرْنَاء، وهو الحناء. فيَرْنَأَ على ما ترى يَفْعَلَ، ومضارعه يُيَرْنِئ يُيَفْعِلُ، واسم الفاعل مُيَرْنِئ، وهو مُيَفْعِل.
وأصل العفريب من العَفْر، وهو التراب، كأنه يختِل قِرْنَه فيصرعه إلى العَفْر, ومنه قيل للأسد: عَفَرْني، وللناقة الشديدة: عفرناة. وقال الأعشى:
بِذاتِ لَوْثٍ عَفْرَنَاةِ إذَا عَثَرَتْ ... فَالنَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ: لَعَا
ومنه عِفْرِيَةُ الرأس: للشعر الذي عليه؛ وذلك لأن قُصَارَاه أن يُحْلَقَ فيصير إلى التراب، أو يصير تُرَابًا. ومنه اليَعْفُور. لولَدِ الظبية؛ لأنه لصغَرِه ما يلزق بالتراب، أو لأن لونه لون التراب. ومنه ليث عِفِرِّينَ؛ لأنه دابة يلزم التراب). [المحتسب: 2/141]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أنا آتيك به} 39
قرأ 4 حمزة أنا آتيك بالإمالة وإنّما أمال من أجل لزوم الكسرة في أنا آتي فإذا لزمت الكسرة جاءت الإمالة فأمال الفتحة الّتي هي همزة المضارعة ليميل الألف في آتي نحو الياء
وقرأ الباقون {أنا آتيك} بغير إمالة لأن الهمزة بابها الفتح
[حجة القراءات: 529]
ولأنّها فاء الفعل فلذلك تركوا الإمالة فإن قيل {فما آتاني الله} قبلها ممدود لأنّه من الإعطاء فلم مددت {أنا آتيك} وهو من المجيء الجواب في ذلك أن أتى في الماضي يكون مقصورا تقول أتى زيد عمرا فإذا رددت الماضي إلى المستقبل زدت على الهمزة همزة أخرى وهي علامة الاستقبال والثّانية فاء الفعل فصيرت الثّانية مدّة فلذلك صار ممدودا قولك {أنا آتيك} ). [حجة القراءات: 530]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {أَنَا آَتِيكَ} [آية/ 39] بإمالة الألف من {آَتِيكَ}:
قرأها حمزة وحده، وكذلك في الآخر: {آَتِيكَ بِهِ} [آية/ 40].
والوجه أنه إنما أمال الألف منه لكسرة التاء في آتي، وإمالة هذه الهمزة التي هي همزة المضارعة ضعيفة؛ لأن حروف المضارعة لم تجيء الإمالة في واحد منها.
[الموضح: 961]
وذهب بعضهم إلى أن {آَتِيكَ} فاعل أتى، والمعنى أنا جائيك، وإذا كان كذلك كانت الإمالة أحسن؛ لأن الألف ألف فاعل، والهمزة فاء الفعل، وفي الأول الألف بدل من الهمزة التي هي فاء الفعل، والهمزة حرف المضارعة؛ لأن الكلمة مضارع أتيت فأنا آتي.
وقرأ الباقون {آَتِيكَ} بفتح الألف في الحرفين، على الأصل). [الموضح: 962]


قوله تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (إنّي ألقي إليّ (29) (ليبلوني أأشكر (40)
فتح الياءين نافع وحده). [معاني القراءات وعللها: 2/245] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وأمال حمزة أنا آتيك به [النمل/ 39، 40]. أشمّ الهمزة شيئا من الكسر، ولم يملها غيره.
قال أبو علي: من قرأ: فما آتاني الله بسكون الياء لزمه إذا أدرج أن يحذفها لالتقاء الساكنين: الياء ولام المعرفة، ومن فتحها على أصل ما يجب لهذه الياء من الفتحة [ثبتت له] ولم يحذف، لأنّه لم يلتق ساكن مع ساكن فيلزم حذفها.
فأمّا إمالة الكسائي الألف من آتاني فحسن، لأنّ هذه الياء ثابتة في تصرف هذا الفعل، فبحسب لزومها تحسن الإمالة.
وأمّا إمالة حمزة أنا آتيك فإنّما هي من أجل لزوم الكسرة في: (آتي)، فإذا لزمت الكسرة جازت الإمالة، فأمال الفتحة التي على همزة المضارعة، لتميل الألف التي في آتى نحو الياء، وإمالة الكسائي فتحة التاء من (آتاني) أحسن من إمالة حمزة، لأنّ (آتى) مثال ماض، والهمزة في (آتيك) همزة المضارعة، فإمالتها لا تحسن، ألا ترى أنّه لو كانت الياء التي للمضارعة في الفعل، لم تجز الإمالة، وإذا لم تجز الإمالة في حرف من حروف المضارعة، كان ما بقي من الحروف على حكمه، ألا ترى أنّهم قالوا: يعد، فأتبعوا سائر
[الحجة للقراء السبعة: 5/390]
الحروف الياء، وكذلك أكرم ولم يميلوا الفتحة في (أيحسب) كما أمالوها في قولهم في عمر، ولأنّ الياء لو كانت من مكان التاء، لم تحسن إمالتها، فكذلك لا تحسن إمالة الهمزة من قوله: أنا آتيك به [النمل/ 39/ 40] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/391] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (41) إلى الآية (44) ]
{ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) }


قوله تعالى: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)}
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [آية/ 42]:
كان يعقوب يقف على {هُوَهْ} بالهاء إذا حسن الوقف عليها نحو قوله تعالى {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَه} {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَهْ} وما أشبهها، ويقف أيضًا بـ {عَمَّهْ يَتَسَاءَلُونَ}.
والوجه أن الهاء للوقف، وهي التي تسمى هاء الاستراحة، وهي تلحق المبني ليوقف عليها، ولتبقى حركة الحرف التي قبلها على حالها؛ لأنه لولا هذه الهاء لسكن الحرف المتحرك لأجل الوقف). [الموضح: 962]

قوله تعالى: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)}
قوله تعالى: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكشفت عن ساقيها (44)
روى قنبل عن ابن كثير (سأقيها) بالهمز.
وقرأ سائر القراء (ساقيها) غير مهموز.
قال أبو منصور: لا وجه لما روى قنبل عن ابن كثير في همز (ساقيها)، وهو وهمٌ، فإيّاك وهمزه، فإنه ليس من باب الهمز). [معاني القراءات وعللها: 2/241]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {وكشفت عن ساقيها} [44].
قرأ ابن كثير برواية قنبل بالهمز.
وقرأ الباقون بترك الهمز. فقال قوم: هما لغتان مثل الكأس.
وقال الباقون بترك الهمز. فقال قوم: هما لغتان مثل الكأس.
وقال آخرون: ساق مثل باب. والأصل: سوق، فانقلبت الواو ألفًا، فلا يجوزم همزها. وهذا مما تغلط العرب فيه فتهمز مالا يهمز تشبيهًا بما يهمز فكأس، ورأس، وساق وزنها واحد، فتشبه بعضًا ببعض، ألا ترى أن العرب تقول: حلات السويق والأصل: حليت تشبيها بحلأت الإنسان عن الماء والإبل. وجمع الساق في القلب أسوق بغير همز، وإن شئت أسوق بالهمز، لانضمام الواو، كما
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/152]
تقول: ثوب وأثوب ومثله: {وإذا الرسل أقتت} والأصل: وقتت، فصارت الواو همزة لانضمامها.
ولابن كثير حجة أخرى: وذلك أن العرب تعمد إلى حرف المد واللين فيقلبون بعضًا من بعض؛ لاشتراكهما في اللفظ، ويقلبونها همزة، والهمز تقلب حرف لين، كان العجاج من لغته أن يقول جاء العالم، وأنشد:
* بسمسم أو عن يمين سمسم*
وأما قوله: {فطفق مسحا بالسوق} فقرأها ابن كثير بالسوق مهموزًا أيضا، فهذه الواو وإن كانت ساكنة فإنه شبهها بيؤمنون، لأنهما في الهجاء واو.
قال ابن مجاهد: وهذا غلط والاختيار في قراءة ابن كثير {وطفق مسحا بالسوق والأعناق} على فعول فيجتمع واوان أصلية عين الفعل، والثانية مزيدة ساكنة، فانقلبت الأولي همزة لانضمامها، كما تقول خال بين الخوولة وغارت عينة غوورًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/153]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: همز ابن كثير وحده: (وكشفت عن سأقيها) [النمل/ 44] في رواية أبي الإخريط، ولم يهمز غيره (على سؤقه) [الفتح/ 29] و (بالسؤق) [ص/ 33].
قال أبو بكر: ولم يهمز يوم يكشف عن ساق [القلم/ 42] ولا وجه له. وقرأت على قنبل عن النبال بغير همز: حدثنا مضر بن محمد قال: حدثنا ابن أبي بزّه قال: كان وهب بن واضح يهمز (عن سأقيها)، و (على سؤقه) و (بالسّوق)، قال ابن أبي بزّة، أنا لا أهمز من هذا شيئا، وكذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا.
[وقرأ الباقون: ساقيها غير مهموز، ولم يهمز أحد: يوم يكشف عن ساق].
قال أبو علي: أما الهمز في ساقيها، (وساق)، فلا وجه
[الحجة للقراء السبعة: 5/391]
له، وأما (على سؤقه) و (بالسّوق) فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان قبلها ضمة، قد جاء في كلامهم وإن لم يكن بالفاشي.
فأمّا رواية ذلك، فإنّ أبا عثمان زعم أنّ أبا الحسن خبّره قال:
كان أبو حيّة النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وينشد:
لحب المؤقدين إليّ مؤسى ووجهه من القياس أنّه يقدّر الضّمّة، كأنّها على الواو، إذ لا حائل بينها وبين الواو، ونظير ذلك قولهم: امرأة مقلات، فيميلون الألف، كأنّه قدّر الكسرة، لمّا لم يكن بينها وبين القاف حاجز على القاف، فكما أنّه لو قال: قلات وقباب وضعاف، ونحو ذلك، لجازت الإمالة فيه، كذلك استجازوها في مقلات لما أعلمتك، وأن لا يؤخذ بذلك في التلاوة أحسن.
وأمّا ما يروى عن ابن كثير من همز (سأقيها)، فوجه الشبه فيه أن من قال: سؤق، في جمع ساق، فكان مثل: لابة ولوب، ودار ودور. وكان (سئوق) كحول وحؤول، وجاز الهمز في الجمع على القولين. فأما سؤق فعلى:
[الحجة للقراء السبعة: 5/392]
لحبّ المؤقدين إليّ مؤسى و (سئوق) لتحركها بالضّمّ، وهذه الهمزة جرت مجرى ثائر، لأنّ بعضهم قال: أدؤر، ثم قلب، فقال: آدر، ولم يردّ الواو التي هي عين، ولكن جعلها كآخر وآدم، فلمّا استمر في الجمع الهمز في هذين الوجهين، فقالوا: (أسؤق) أيضا، فجاز همزها قال:
لكلّ دهر قد لبست أثؤبا استجاز ذلك أيضا في سأق، كما أنّ ادّكر ومدّكر لما استمر فيه بدل الذال، قالوا: الدّكر، وكذلك قولهم: اتقى وتقيّة، وكأنّه لما رأى الهمز في الجمع [في هذه المواضع]، أجرى الواحد على قياس الجمع، وأكّد ذلك أن الهمزة في هذه المواضع من الجمع، جرت مجرى الهمزة من نفس الكلمة فيما ذكرت لك). [الحجة للقراء السبعة: 5/393]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكشفت عن ساقيها}
قرأ القواس {عن ساقيها} بالهمز وقرأ الباقون بترك الهمز وهما مثل كاس وياس وساق والعرب تهمز ما لا يهمز تشبيها بما يهمز ف كاس وياس وساق وزنها واحد يشبه بعضها ببعض ألا ترى أن العرب تقول حلأت السويق والأصل حليت تشبيها ب حلأت الإنسان عن المال والإبل). [حجة القراءات: 530]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- {عن ساقيها} قرأ قنبل بالهمز، ومثله {بالسوق}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/160]
«ص 33» و{على سوقه} «الفتح 29» وقرأ ذلك الباقون بغير همزة، قال أبو محمد: وهمز هذه الثلاث الكلمات بعيد في العربية، إذ لا أصل لهن في الهمز، لكن قال بعض العلماء إنه إنما همزن على توهم الضمة التي قبل الواو، فكأنه همز الواو لانضمامها، وهذا بعيد في التأويل، غير قوي في النظر، حكى الأخفش أن أباحية النميري، وهو فصيح، كان يهمز الواو إذا انضم ما قبلها، كأنه يقدر الضمة عليها، فيهمزها، كأنها لغة، وهي لغة قليلة خارجة عن القياس، وهذه الأقوال لا يمكن شيء منها في همز «ساقيها» والذي قيل في همز «ساقيها» أنه إنما جاز همزه لجواز همزه في الجمع في قولك: سوق، وإذا جمعت ساقًا على «فعول» أو جمعته على «أفعل» نحو: أسوق، فلما استمر الهمز في جمعه همز الواحد لهمزه في الجمع، وهذا أيضًا ضعيف لأنه يلزم منه جواز همز «دار» لأنك تهمزه في الجمع في قولك: أدور، وهمز دار لا يجوز، فأما من لم يهمزه، فهو على الأصل؛ لأن كل ما لا أصل له في الهمز لا يجوز همزه إلا لعلة نحو أن تكون فيه واو مضمومة فيجوز همزها وليس في هذا مضمومة وهو الاختيار؛ لأن الهمز بعيد شاذ، ولأن الجميع على ترك الهمز). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/161]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {وَكَشَفَتْ عَنْ سَأْقَيْهَا} [آية/ 44] بالهمز:
رواها ل- عن ابن كثير، وكذلك في سورة: ص {بِالسُّؤْقِ وَالْأَعْنَاقِ} وفي الفتح: {فَاسْتَوَى عَلَى سُؤْقِهِ}.
والوجه أن الهمز في ساق وإن كان بعيدًا جدًا حتى زعم قوم أنه لا وجه
[الموضح: 962]
له، فقد ذكر بعض أصحابنا له وجهًا، وذاك هو أن الألف ساكنة، وهي مجاورة لفتحة ما قبلها، والحرف الساكن إذا جاوز الحركة فقد تنزله العرب منزلة المتحرك بها، فكأن الفتحة لاحقة للألف، والألف إذا حُركت هُمزت.
وذُكر أن اللحياني حكى عن بعض العرف في الباز: البأز بالهمز، فهذا من ذاك.
وقال أبو علي إنما همزت ألف ساق؛ لأن ساقًا تجمع على سؤوق مثل فعول، وعلى سؤقٍ أيضًا مثل فُعْلٍ، وعلى أسوقٍ أيضًا مثل أفْعُلٍ، وكلها مهموزة، فلما كان الهمز مستمرًا في الجمع أجرى الواحد أيضًا مجرى ما فيه الهمز قياسًا على الجمع.
وأما {السُّؤْق} و{سؤقه} فالهمز فيه أكثر ظهورًا.
ووجهه ما ذكرناه وهو أن الواو الساكنة إذا كان قبلها ضمة فإن العرب تقدر الضمة كأنها في الواو لمجاورة الساكن الحركة.
وحكى أبو الحسن أن أبا حية النمري كان يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وأنشد:
114- لحب المؤقدان إلى مؤسى
[الموضح: 963]
بالهمز لمجاورة الواو الضمة التي قبلها.
وقرأ الباقون والبزي عن ابن كثير {سَاقَيْها} بغير همز، وكذلك في الحرفين الآخرين.
ولم يختلفوا في قوله {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أنها غير مهموزة.
والوجه أن ترك الهمزة هو الأصل، وهو الأولى). [الموضح: 964]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:59 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (45) إلى الآية (53) ]
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)}


قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {أنا ءاتيك به قبل أن يرتد} [45].
قرأها حمزة بالإمالة {ءاتيك}
والباقون يفخمون.
فإن سأل سائل قوله: {فما ءاتاني الله} مددته لأنه من الإعطاء.
فلم مددت {أنا ءاتيك به} وهو من المجىء أي: أنا أجيئك به؟
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/151]
فالجواب في ذلك: أن المقصور في الماضي من المجيء تقول: أتي زيد عمرًا، واتيت زيدًا، فإذا رددت الماضي إلى المستقبل زادت على الهمزة همزة، الأولي علامة استقبال، والثانية فاء الفعل، فصيرت الثانية مدة، فلذلك صارت ممدودا {أنا ءاتيك به} وكذلك تقول أثرت الشيء بالقصر وآثرت بالمد، وأتيت زيدًا بالقصر وآتيت بالمد، ومعنى {قبل أن تقوم من مقامك} يعني: قبل أن تقوم من مجلس حكمك.
وكان يجلس من صلاة الغداة إلى الظهر. والذي عنده علم من الكتاب: آصف بن برخيا وكان عنده اسم الله الأعظم «يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/152]

قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)}
قوله تعالى: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)}
قوله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)}
قوله تعالى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لنبيّتنّه وأهله ثمّ لنقولنّ (49)
قرأ حمزة والكسائي (لتبيّتنّه.. ثمّ لتقولنّ) بالتاء جميعًا.
وقرأ الباقون (لنبيّتنّه... ثمّ لنقولنّ) بالنون فيهما.
قال أبو منصور: قال الفراء: من قرأ (لنبيّتنّه) بالنون (ثمّ لنقولنّ)
أراد: أنهم قالوا: (تقاسموا) فجعل (تقاسموا) خبرًا، فكأنهم قالوا متقاسمين (لتبيّتنّه... ثمّ لنقولنّ).
قال: ومن قرأ (لتبيّتنّه.. ثمّ لتقولنّ) جعل (تقاسموا) أمرًا في موضع جزم، كأنهم قالوا: تحالفوا وأقسموا لتبيتنه. قال: النون تجوز من هذا الوجه؛ لأن الذي قال لهم تقاسموا معهم في الفعل داخل، وإن كان قد أمرهم.
ألا ترى أنك تقول: قوموا نذهب إلى فلان؛ لأنه أمرهم وهو معهم في الفعل.
قال والنون أعجب الوجوه إليّ). [معاني القراءات وعللها: 2/242]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {لنبيتنه وأهله ثم لنقولن} [49].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/153]
قرأ حمزة والكسائي بالتاء، ومعناه: تقاسموا بالله قالو حلفوا لتبتنه وأهله. ومعناه: أنهم تحالفوا ليقتلن صالحًا وأهله أي: قومه، ولنهلكنهم {ثم لتقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله} أي: ما فعلنا ذلك. فذلك مكرهم فأرسل الله عليهم صخرة فدمغتهم فقال تعالى: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون}.
وقرأ الباقون: {لنبيتنه .... ثم لنقولن} بالنون.
وفيها قراءة ثالثة: حدثني أحمد عن على عن أبي عبيد أن حميدا قرأ: {ليبيتنه .... ثم ليقولن} بالياء جعل الإخبار عن غيب. وهذا النون مشددة في يبيتن ويقولن أسقطت الواو، والأصل: ليبيتون، وليقولون، فسقطت الواو لالتقاء الساكنين. ويقال: طرقهم أتاهم ليلاً، وظل فلان يفعل كذا إذا فعله نهارًا. ويقال: طرقهم أتاهم ليلا، أوبهم أتاهم نهارًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/154]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى: {ما شهدنا مهلك أهله} [49].
فيه ثلاث قراءات:
قرأ عاصم في رواية أبي بكر-: {ملك} بفتح اللام والميم.
وقرأ في رواية حفص: {مهلك} بكسر اللام وفتح الميم.
وقرأ الباقون: {مهلك} بضم الميم، وفتح اللام.
فمن ضم جعله مصدرًا من أهلك مهلكًا، مثل: {أدخلني مدخل
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/154]
صدق} ومن كسر اللام أو فتحها على قراءة عاصم جعله مصدر هلك ثلاثيًا لا رباعيًا. وقد أحكمت هذا في سورة (الكهف) ويقال: هلك زيد: مات، وهلك إذا وقع في بلية، وجمع هالك: هلاك وهالكون، وأما قولهم في المثل: «هالك في الهوالك» فإن هذا جري كالمثل لا يقاس عليه، لأن (فواعل) جمع لفاعلة لا لفاعل وإنما جاء فارس، وفوارس؛ لأن الفروسية تكون في الرجال دون النساء، فأمنوا اللبس و{رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال المبرد: كل صفة على فاعل نحو ضارب وجالس فإنه لا يجمع على فواعل [إلا] نحو ضوارب، وجوالس فرقًا بين المذكر والمؤنث، تقول في المؤنث: امرأة صالحة، وضاربة، والجمع صوالح، وضوارب وجوالس، قرأ طلحة: {فالصولح قونت حوفط للغيب} فأما قول الشاعر:
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم = خضع الرقاب نواكس الأبصار
فإنه اضطر إلى ذلك. ويقال: تهالك الرجل لفلان: إذا تواضع له،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/155]
وامرأة هلوك: فاسدة. ويقال: اهتلك يهتلك: إذا اجتهد في الطيران وغيره قال زهير يصف صقرًا:
دون السماء وفو الأرض قدرهما = عند الذنابي فلا فوت ولا درك
عند الذنابي له صوت وأزملة = تكاد تخطفه طورًا وتهتلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/156]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والنون من قوله جلّ وعزّ: لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه [النمل/ 49].
[الحجة للقراء السبعة: 5/393]
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم بالنون جميعا، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء جميعا.
قال أبو علي: قوله: تقاسموا فعل لا يخلو من أن يراد به مثال الماضي، أو مثال الآتي الذي يراد به الأمر، ألا ترى أنّك تقول: تقاسموا أمس، إذا أردت الماضي، وتقاسموا غدا، إذا أردت به الأمر، فمن قال: تقاسموا بالله لنبيتنه فأراد الأمر وجعل لنبيتنه جوابا لتقاسموا، لأنّ هذه الألفاظ التي تكون من ألفاظ القسم تتلقى بما تتلقّى به الأيمان كقوله سبحانه: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن [فاطر/ 42] وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى [النحل/ 38]، فكذلك: تقاسموا بالله، فمن قال:
لنبيتنه تلقاه باللّام والنون الثقيلة، وأدخل المتكلمون أنفسهم مع المقسمين، كما دخلوا في قوله تعالى: فقل تعالوا ندع أبناءنا [آل عمران/ 61]. ومن قال: (لتبيّتنّه) أراد ليقسم بعضكم لبعض لتبيّتنّه، فتقاسموا على هذا: أمر، كما كان فيمن قال: لتبيّتنّه، أمرا.
ومن قال: (ليبيّتنّه) بالياء، فتقاسموا على هذا مثال ماض، ولا يجوز مع هذا إلّا بالياء، لأنّ مثال الماضي للغيبة، كما أن (ليبيّتنّه) بالياء كذلك، ولا يجوز التاء ولا النون في قوله لنبيتنه و (لتبيّتنّه) مع
[الحجة للقراء السبعة: 5/394]
مثال الماضي. لأنّ الماضي للغيبة، و (لتبيّتنّه) للخطاب). [الحجة للقراء السبعة: 5/395]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: (مهلك أهله) [النمل/ 49] بفتح الميم واللام، وروى عنه حفص بفتح الميم وكسر اللام، وقرأ الباقون: (مهلك) بضمّ الميم وفتح اللام.
قال أبو علي: يقال: هلك يهلك، والمصدر منه مهلك، كما أنّ المصدر من ضرب يضرب مضربا، بفتح الراء، واسم المكان:
المهلك، بكسر اللّام، فقول عاصم في رواية أبي بكر: (مهلك) أي هلاك أهله، وقد حكي أنّه يقال: هلكني، بمعنى: أهلكني. وذلك لغة تميم، فيما زعموا، فيجوز في المهلك على هذا أن يكون مصدرا مضافا إلى المفعول به، ويكون على قول من لم يجعل هلكه بمعنى أهلكه، مصدرا مضافا إلى الفاعل، كما تقول: هلاك أهله.
وأمّا رواية حفص عنه، فيحتمل ضربين: يجوز أن يكون:
مهلك اسم المكان، فيكون المعنى: ما شهدنا موضع هلاكهم ومكانه، فيكون المهلك: كالمجلس، في أنّه يراد به موضع الجلوس، ويجوز أن يريد بالمهلك، المصدر، لأنّه قد جاء المصدر من فعل يفعل، على مفعل، قال: إلي مرجعكم [العنكبوت/ 8]، وقال: ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222]، والأوّل أكثر.
[الحجة للقراء السبعة: 5/395]
فأمّا من قرأ: (مهلك) فيحتمل ضربين، يجوز أن يكون: إهلاك أهله: أي: لم يشهد إهلاك أهله، ويجوز أن يكون الموضع أي: لم يشهد موضع الإهلاك). [الحجة للقراء السبعة: 5/396]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا تقاسموا باللّه لنبيتنه وأهله ثمّ لنقولن لوليّه ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون} 49
قرأ حمزة والكسائيّ (قالوا تقاسموا باللّه لتبيتنه) بالتّاء وضم التّاء الثّانية (ثمّ لتقولن) بالتّاء أيضا وضم اللّام
وقرأ الباقون بالنّون فيهما وفتح التّاء واللّام وحجتهم قوله {ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون} وجعلوا {تقاسموا} أمرا كأنّهم قالوا احلفوا لنبيتنه كما تقول قوموا نذهب إلى فلان وإن الّذي
[حجة القراءات: 530]
أمرهم بالحلف داخل معهم وقال الفراء قد يجوز اللّفظ {تقاسموا} على هذه القراءة أن يجعل فعلا ماضيا في معنى الحلف ويكون تقاسموا خبرا عنهم فيكون التّأويل قالوا متقاسمين باللّه لنبيتنه وأهله فحكى لفظهم بعد القول على ما نطقوا
ومن قرأ بالتّاء فإنّه جعل {تقاسموا} أمرا أيضا فكأنّه قال احلفوا لتفعلن فكأنّه أخرج نفسه في اللّفظ والنّون أجود
قرأ ابو بكر {ما شهدنا مهلك} بفتح الميم واللّام وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللّام
وقرأ الباقون {مهلك} بضم الميم وفتح اللّام جعلوه مصدرا من أهلك يهلك مهلكا وإهلاكا قالوا فيحتمل ضربين يجوز أن يكون إهلاك أهله أي ما شهدنا إهلاك أهله ويجوز أن يكون الموضع أي لم نشهد موضع الإهلاك
ومن فتح الميم واللّام جعله مصدرا ل هلك يهلك مهلكا مثل ضرب يضرب واسم المكان المهلك بكسر اللّام وكل ما كان على فعل يفعل فاسم المكان على مفعل والمصدر على مفعل المعنى ما شهدنا هلاك أهله
وأما رواية حفص مهلك اسم المكان المعنى ما شهدنا موضع هلاكهم ومكانهم فيكون المهلك كالمجلس في أنه يراد به موضع الجلوس ويجوز أن يريد بالمهلك المصدر لأنّه قد جاء المصدر من فعل يفعل على مفعل قال الله عز وجل {إليّ مرجعكم} ). [حجة القراءات: 531]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (18- قوله: {لنبيتنه وأهله ثم لنقولن} قرأ حمزة والكسائي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/161]
بالتاء فيهما، وبضم التاء الثانية في «لنبيتنه» وضم اللام الثانية في «لنقولن»، وقرأ الباقون بالنون فيهما، وفتح التاء واللام.
وحجة من قرأ بالتاء أنه جعل «تقاسموا» فعلًا مستقبلًا أمرًا، فهو فعل مبني، والتاء للخطاب على معنى: قال بعضهم لبعض تقاسموا، أي افعلوا القسم بينكم، أي تحالفوا، فهو خطاب من بعضم لبعض، فجرى «لتبيتنه وأهله ثم لتقولن» على الخطاب أيضًا من بعضهم لبعض، فجاء على الخطاب.
19- وحجة من قرأه بالنون أنه أجرى الفعلين على الإخبار، عن جميعهم عن أنفسهم، و«تقاسموا» مستقبل أمر كالأول، هو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/162]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {مهلك أهله} قرأ أبو بكر بفتح الميم واللام، وقرأ حفص بفتح الميم، وكسر اللام، وقرأ الباقون بضم الميم، وفتح اللام.
وحجة من فتح الميم واللام أنه جعله مصدر «هلك» فمهلك وهلاك مصدران لـ «هلك» و«الأهل» فاعلون في المعنى؛ لأن «هلك» لا يتعدى في أكثر اللغات، وقد حكى أن بني تميم يقولون: هلكني الأمر بمعنى أهلكني، فإن حملته على هذه اللغة كان «الأهل» في موضع نصب.
21- وحجة من فتح الميم وكسر اللام أنه جعله اسم مكان كالمجلس، لأن اسم المكان من «فعل يفعل» «المفعِل» بالكسر، والمصدر منه بالفتح ويجوز على جهة الشذوذ أن يكون مصدرًا كما قال في المصدر «المرجع والمحيض» وأصل المصدر في هذا الفتح.
22- وحجة من ضم الميم أنه جعله مصدرًا من «أهلك» فالإهلاك والمهلك مصدران لـ «أهلك»، و«الأهل» في موضع نصب، لأنه يتعدى،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/162]
تقديره: ما شهدنا إهلاك الله أهله، ويجوز أن يكون اسمًا للمكان، على معنى ما شهدنا موضع إهلاك أهله، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/163]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {لَتُبَيِّتَنَّهُ}، {لَتَقُولَنَّ} [آية/ 49] بالتاء فيهما، ولام الكلمة مضمومة:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن {تَقَاسَمُوا} فعل أمر، والمراد: ليُقسم بعضكم لبعض لتبيتنه أنتم، وكان الأصل لتبيتون، فلحقت النون الثقيلة التي تلحق للتأكيد، فسقطت حينئذ النون التي هي علامة الرفع لأن الفعل يصير مبنيًا مع نون التأكيد، بقيت الواو ساكنة، وبعدها النون الأولى الساكنة التي أدغمت في
[الموضح: 964]
النون الأخرى، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وبقيت ضمة التاء تدل على الواو المحذوفة.
وقرأ الباقون {لَنُبَيِّتَنَّهُ} {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ} بالنون فيهما، ولام الكلمة منهما مفتوحة.
والوجه أن {تَقَاسَمُوا} أيضًا فعل أمر، ولنبيتنه جوابه، لما كان الفعل من لفظ القسم، والمتكلمون ههنا داخلون في جملة المقسمين، كما قال الله تعالى {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}. وقال الفراء:
قوله: {تَقَاسَمُوا} خبر على أن تقاسموا فعل ماض، وهو بدل عن {قَالُوا} قالوا، أو على إضمار قد، ويكون في موضع الحال، والتقدير: قالوا متقاسمين، والفعل في {لَنُبَيِّتَنَّهُ} لجماعة المتكلمين كما تقول لنفعلنّ). [الموضح: 965]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {مَهْلِكَ} [آية/ 49] بفتح الميم:
قرأها عاصم وحده، وفتح اللام ياش- عنه، وكسرها ص-.
والوجه أن {مَهْلَكَ}، بفتح الميم واللام، مصدر هلك يهلك، أي ما شهدنا هلاك أهله، وأما {مَهْلِكَ} بفتح الميم وكسر اللام، فيجوز أن يكون اسم المكان، أي ما شهدنا المكان الذي وقع فيه هلاكهم، ويجوز أن يكون مصدرًا على مفعل بكسر العين، كمرجع ومحيض وهو شاذ، والشاذ في هذا الباب المنقاس.
وقرأ الباقون {مُهْلَكَ} بضم الميم وفتح اللام.
والوجه أنه يجوز أن يكون مصدرًا من أهلك يُهلك إهلاكًا ومُهلكًا،
[الموضح: 965]
والمعنى ما شهدنا إهلاك أهله، ويجوز أن يكون اسم المكان منه، والمعنى ما شهدنا الموضع الذي فيه إهلاك أهله). [الموضح: 966]

قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)}
قوله تعالى: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّا دمّرناهم (51)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بكسر الألف (إنّا).
وقرأ الباقون: (أنّا دمّرناهم) بفتح الألف.
قال الفراء: من قرأ (إنّا دمّرناهم) بالكسر فعلى الاستئناف، وهو يفسر ما قبله، كقوله: (فلينظر الإنسان إلى طعامه، إنّا صببنا الماء) يستأنف وهو يفسر ما قبله.
ومن قرأ (أنّا دمّرناهم) بالفتح فيكون (أنّا) في موضع الرفع، يجعلها تابعة لقوله: (عاقبة مكرهم) قال: وإن شئت جعلت (أنّا) نصبًا
[معاني القراءات وعللها: 2/242]
من جهتين:
إحداهما أن تردها على موضع (كيف)، لأنها في موضع نصب.
والأخرى: أن تكرّ (كان) عليها، كأنك دلت كيف كان عاقبة مكرهم تدميرنا إيّاهم فـ (أنّا) في موضع نصب). [معاني القراءات وعللها: 2/243]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {أنا دمرناهم} [51].
قرأ أهل الكوفة: {أنا} بفتح الألف.
وقرأ الباقون: {إنا} بالكسر. فمن كسر استأنف وابتدأ، ومن فتح جعله في موضع نصب على تقدير: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم بأنا دمرناهم، فلما سقطت الباء حكمت عليها بالنصب في قول النحويين إلا الكسائي، فإنه يجعل موضعه خفضًا مع سقوط الباء.
وقال آخرون: من فتح {أنا} جعل «أنا» جعل «أنا» مع ما بعدها في موضع اسم، وجعله خبر «كان»، وتلخيصه: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم التدمير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/156]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جلّ وعزّ: (إنا دمرناهم وقومهم) [النمل/ 51].
فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: (أنّا) بفتح الألف، وقرأ الباقون: إنا بكسر الألف.
قال أبو علي: قال سبحانه: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم [النمل/ 51]. من كسر (إنّا) جاز أن تكون (كان) المفتقرة إلى الخبر، وجاز (أن) تكون التي بمعنى وقع، فإذا جعلته على وقع كان قوله: (كيف) في موضع حال تقديره: على أي حال وقع عاقبة مكرهم. أي أحسنا وقع عاقبة مكرهم، أم سيّئا؟ ويكون في: كيف ضمير من ذي الحال، كما أنّك إذا قلت في الدار حدث الأمر، فجعلته في موضع الحال كان كذلك، وحكم «كيف» أن يكون متعلقا بمحذوف، كما أنّك إذا قلت في الدار وقع زيد، تقديره: وقع زيد مستقرا في هذه الحال، فإن جعلته ظرفا للفعل تعلق بكان الذي بمعنى الحدوث.
[الحجة للقراء السبعة: 5/396]
وقوله: (إنا دمرناهم) [النمل/ 51] فيمن كسر استئناف، وهو تفسير للعاقبة، كما أنّ قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9] تفسير للوعد، فكذلك قوله: (إنّا دمّرناهم) تفسير.
ومن قرأ: أنا دمرناهم جاز أن يكون (كان) على ضربيها، فإذا حملتها على وقع كان (كيف) في موضع حال، وجاز في قوله: (إنّا دمّرناهم) أمران، أحدهما: أن يكون بدلا من قوله: عاقبة مكرهم، وجاز أن يكون محمولا على مبتدأ مضمر، كأنّه: هو أنا دمرناهم أو ذاك أنّا دمّرناهم، فإذا حملتها على المقتضية للخبر جاز في قوله: (إنّا دمّرناهم) أيضا أمران: أن يكون بدلا من اسم (كان) الذي هو (العاقبة)، فإذا حملته على ذلك كان (كيف) في موضع خبر كان.
والآخر: أن يكون خبر (كان)، ويكون موضعه نصبا، بأنّه خبر كأنّه: كان عاقبة مكرهم تدميرهم، ويكون كيف في موضع حال، ويجوز أن يكون العامل في كيف أحد شيئين:
أحدهما: أن يكون (كان) لأنّه فعل كما كان العامل في الظرف في قوله سبحانه: أكان للناس عجبا أن أوحينا [يونس/ 2] كان. ألا ترى أنّه لا يجوز أن يتصل قوله للناس بواحد من المصدرين، إلّا أن تجعله صفة لعجب، فتقدمه، فيصير في موضع حال، والعامل فيه على هذا أيضا كان. ويجوز أن يكون العامل فيه ما في الكلام من الدلالة على الفعل، لأنّ قوله: (إنّا دمّرناهم) بمنزلة تدميرنا، وتدميرنا يدلّ على دمرناهم فيصير العامل فيه هذا المعنى الذي دلّ عليه ما في
[الحجة للقراء السبعة: 5/397]
الكلام من معنى الفعل. وزعموا أن في حرف أبيّ: (أن دمرناهم وقومهم) [النمل/ 51] فهذا يقوي الفتح في أنا). [الحجة للقراء السبعة: 5/398]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {أنا دمرناهم} بكسر الألف على الابتداء واستئناف خبر وحجتهم أن الكلام متناه عند قوله {كيف كان عاقبة مكرهم} ف {عاقبة} اسم كان وكيف في موضع نصب خبر {كان} ويجوز أن يكون كان الّتي بمعنى وقع وحدث فإذا جعل على معنى وقع كان قوله {كيف} في موضع حال المعنى على أي حال وقع عاقبة مكرهم أي حسنا وقع عاقبة مكرهم أم سيّئًا
وقرأ أهل الكوفة {أنا دمرناهم} بالفتح وحجتهم قراءة أبي (كيف كان عاقبة مكرهم أن دمرناهم) قوله أنا دمرناهم على هذه القراءة يكون رفعا من وجه ونصبا من وجهين أما الرّفع فأن ترده على قوله {عاقبة} فتكون تابعة لها ويكون تقدير الكلام فانظر كيف كان تدميرنا إيّاهم وقومهم أجمعين على البدل من {عاقبة} و{كيف} في موضع نصب خبر ل كان ونصبها إن شئت جعلت أنا مع ما بعده في موضع خبر كان المعنى فانظر كيف كان عاقبة مكرهم التدمير ويجوز أن يكون أنا في موضع نصب على معنى فانظر كيف كان عاقبة مكرهم لأنا دمرناهم). [حجة القراءات: 532]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {أنا دمرناهم} قرأه الكوفيون بفتح الهمزة وكسرها الباقون.
وحجة من كسر أنه جعل «كان» بمعنى وقع تامة، لا تحتاج إلى خبر، وجعل «كيف» في موضع الحال، فتم الكلام على «مكرهم»، ثم ابتدأ بـ «إنا» مستأنفًا فكسرها، والتقدير: فانظر يا محمد على أي حال وقع عاقبة أمرهم، ثم استأنف مفسرًا للعاقبة بالتدمير، بكسر «إن» لأنها مستأنفة وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه.
24- وحجة من فتح «أنا» أنه جعل «أنا» بدلًا من العاقبة، فموضعها رفع، و«كان» بمعنى وقع، و«كيف» في موضع الحال كالأول، وإن شئت جعلت «أنا» في موضع رفع على إضمار مبتدأ، تقديره: هو أنا دمرناهم، وإن شئت جعلت «كان » ناقصة، وتحتاج إلى خبر، فتكون «العاقبة» اسمها و«أنا دمرناهم» الخبر، تقديره: فانظر كيف كان عاقبة أمر مكرهم تدميرنا إياهم، وقد تقدم ذكر «قدرناها» و«بشرى» وشبهه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/163]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} [آية/ 51] بفتح الألف:
قرأها الكوفيون ويعقوب.
والوجه أنه لا يخلو {كَانَ} التي في قوله {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} من أن تكون تامة أو ناقصة.
فإن كانت تامة جاز في قوله {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} أن يكون بدلًا من قوله {عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} كأنه قال: كيف كان تدميرهم؛ لأن أن مع ما بعده في معنى المصدر، وجاز أن يكون على تقدير مبتدأ محذوف، كأنه قال: هي أنّا دمّرناهم.
وإن كانت {كان} ناقصة وهي المحتاجة إلى الخبر، جاز في قوله {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} أن يكون خبر كان، كأنه قال: كان عاقبة مكرهم تدميرهم، وكيف في موضع حال، ويجوز أن يكون {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} في هذا أيضًا بدلًا عن {عاقبة} كما سبق في الوجه الأول، و{كَيْفَ} خبر كان، كأنه قال: على أي حال كان عاقبة مكرهم.
وقرأ الباقون {إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} بكسر الألف.
والوجه أنه كلام مستأنف، وهو تفسير العاقبة؛ لأنه قال: انظر كيف كان عاقبة مكرهم، ثم فسر العاقبة فقال: {إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ}، كما قال تعالى {فَلْيَنْظُرِ
[الموضح: 966]
الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} ثم استأنف على سبيل التفسير فقال {إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}). [الموضح: 967]

قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)}
قوله تعالى: {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 05:00 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (54) إلى الآية (58) ]
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}


قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)}
قوله تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى: {أئنكم لتأتون الفاحشة} [54].
قرأ ابن كثير: {اينكم} بياء بعد الهمزة.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/156]
وقرأ نافع وأبو عمرو: {آينكم} ممدودًا.
وقرأ الباقون: {أئنكم} بهمزتين. وقد أحكمنا علته فيما سلف. ومعنى قولك: {لتأتون الفاحشة}: اللواط وما كان يعرف هذا الفعل قبل قوم لوط، لقوله تعالى: {ما سبقكم بها من أحد من العلمين} فأنذرهم لوط عليه السلام عذاب الله. فلم يرعووا حتى أرسل الله تعالى نقمته وأهلكهم. واللواط كالزنا سواء، يحد فاعله. وقد حرق أبو بكر رحمة الله عليه رجلاً لوطيًا بالنار. وكذلك على رضي الله عنه هدم على لوطي حائطًا. والعرب تقول: هذا أليط بقلبي بالياء، وأصله الواو؛ لئلا يلتبس بألوط نم اللواط على أنه قد جاء في الحديث: «الولد الوط بالقلب» أي: ألصق بالقلب من غيره. ويقال: لاط زيد حوضه يلوط: إذا أصلحه بالمدر لئلا يخرج الماء. والفاحشة في غير هذا الموضع الذي قال الله تعالى: {واللائي يأتين الفاحشة} [الزنا] وسمعت بعض النحويين يقول: اللوطي هذا المفعول به، لنه يلصق في الأرض، وسمي الفاعل أيضًا للصوقه بالمفعول. وفي جزء آخر يقتل الفاعل والمفعول. وكذلك من أتي بهيمة حد وذبحت البهيمة؛ لأن بني فزارة خاصة كانوا يأتون النوق، فولدت مرة ناقة بإنسان، فقال شاعرهم:
خذ بيدي خذ بيدي خذ بيدان
إن بني فزارة بن ذيبان
قد ولد ناقتهم بإنسان
مشنأ أعجب بخلق الرحمن
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/157]
وقال آخر يهجو بني فزارة:
لا تأمنن فزاريا خلوت به = على قلوصك واكتبها بأسيار
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/158]
معنى «واكتبها»، أي: اشدد بها. يقال: كتبت القربة: إذا خرزتها، ويقال كتبت الكتاب، أي ضممت الحروف بعضها إلى البعض وجمعتها تشبيها بالخرز. وسميت الكتيبة كتيبة لاجتماعها. قال ذو الرمة:
وفراء غرفية أثاي خوارزها = مشلشل ضيعته بينها الكتب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/159]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ابن كثير: (أينكم لتأتون) [النمل/ 55] بهمزة واحدة غير ممدودة، وبعدها ياء ساكنة، وكذلك روى ورش عن نافع، وقد ذكرته في الأعراف وغيرها. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي:
أئنكم بهمزتين. وقرأ نافع وأبو عمرو [في غير قراءة ورش] (آينكم) بهمزة واحدة ممدودة.
قال أبو علي: أبو عمرو يريد أإنكم ثم يلين الهمزة الأخيرة فتصير [بين بين]، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم). [الحجة للقراء السبعة: 5/398]

قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [فَمَا كَانَ جَوَابُ قَوْمِهِ]، يرفع الباء.
قال أبو الفتح: أقوى من هذا {جَوَابَ قَوْمِهِ} بالنصب، ويجعل اسم كان قوله: {أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ} : لشبه أن بالمضمر. من حيث كانت لا توصف كما لا يوصف. والمضمر أعرف من هذا المظهر، وقد تقدم القول في ذلك). [المحتسب: 2/141]

قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {قدرناها من الغابرين} [57].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {قدرنها} مخففا كقوله: {فقدرنا فنعم القادرون} ولو كان {قدرناها} مشددًا لقال: فنعم المقدرون.
وقرأ الباقون مشددًا.
والعرب تقول: قدرت. وقدرت بمعنى التقدير. وقدر يقدر وقدر يقدر مشددًا، أو مخففا بمعنى ضيق عله من قوله: {فقدر عليه رزقه} وقد قرأ {فقدر عليه رزقه} بالتشديد أبو جعفر المدني، وابن عامر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/159]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (قدرناها) [النمل/ 57] خفيفة. وقرأ الباقون: قدرناها مشددة وكذلك روى حفص عن عاصم بالتشديد.
وقد ذكرنا فيما تقدّم أنّ قدرنا في معنى قدّرنا. ويدلّ على ذلك قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 5/398]
ومفرهة عنس قدرت لساقها [ومثله للأعشى:
يهماء طامسة رفعت لعرضها... طرفي لأقدر بينها أميالها
قالوا: معناه لأقدّر] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/399]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأنجيناه وأهله إلّا امرأته قدرناها من الغابرين}
[حجة القراءات: 532]
قرأ أبو بكر {قدرناها} بالتّخفيف كقوله {فقدرنا فنعم القادرون} ولو كان قدرنا لقال فنعم المقدرون وقرأ الباقون {قدرنا} بالتّشديد والعرب تقول قدرت وقدرت لغتان). [حجة القراءات: 533]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَرْنَاهَا} [آية/ 57] بتخفيف الدال:
قرأها عاصم ياش-.
وقرأها الباقون و-ص- عن عاصم {قَدَّرْنَاهَا} بالتشديد.
وقد تقدم الكلام في مثله). [الموضح: 967]

قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 05:02 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (59) إلى الآية (64) ]
{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}


قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {الله خير أما يشركون} [59].
قرأ عاصم وأبو عمرو: {يشركون} بالياء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/159]
والباقون بالتاء، فأما قوله: {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} فاتفقوا على تخفيفه، وأما قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} فقرأ الحسن: {أن لن نقدر عليه} بالتشديد أي: أن لن نضيق عليه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/160]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({آللّه خير أما يشركون} 59
قرأ أبو عمرو وعاصم {آللّه خير أما يشركون} بالياء جعلا الكلام خبرا عن أهل الشّرك وهم غيب فجرى الكلام على لفظ الخبر عنهم لغيبتهم
وقرأ الباقون بالتّاء وحجتهم أن الكلام أتى عقيب المخاطبة فأجروا الكلام على لفظ ما تقدمه وذلك قوله {قل الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى} ثمّ قال آللّه خير أم ما تشركون إذ كان أمره أن يقول لهم مخاطبا لهم). [حجة القراءات: 533]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {أما يشركون} قرأه أبو عمرو وعاصم بالياء، رداه على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/163]
لفظ الغيبة قبله في قولهم: {وأمطرنا عليهم} «58» و{المنذرين}، وعلى لفظ الغيبة بعده في قوله {بل أكثرهم لا يعلمون} «61» و{بل هم قوم عدلون} «60» فحمله على ما قبله وما بعده من لفظ الغيبة، وقرأ الباقون بالتاء على المخاطبة للكفار، أي: قل لهم يا محمد الله خير أما تشركون، وإن شئت حملته على لفظ الخطاب في قوله: {ويجعلكم خلفاء الأرض} «62»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/164]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [آية/ 59] بالياء:
قرأها أبو عمرو وعاصم ويعقوب.
والوجه أنه على الغيبة، والمعنى: آلله خير أما يشرك هؤلاء الكفار.
وقرأ الباقون {أَمَّا تُشْرِكُونَ} بالتاء.
والوجه أنه على الخطاب؛ لأن ما قبله أيضًا على الخطاب، وهو قوله {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ}، والمعنى: قل يا محمد للكفار الحمد لله على هلاككم وسلامٌ على عباده الذين اصطفى وهم الأنبياء والرسل، ثم قل لهم آلله خير أما تشركون أيها الكفار). [الموضح: 967]

قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش، وقد اختلف عنه: [أَمَنْ خَلَقَ]، خفيفة الميم.
قال أبو الفتح: "مَنْ" هنا خبر بمنزلة الذي، وليست باستفهام كقراءة الجماعة: {أَمْ مَنْ خَلَقَ}، فكأنه قال: الذي خلق السموات والأرض، وأنزل لكم من السماء ماء، فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها خير أم ما تشركون ثم حذف الخبر الذي هو خير أم ما تشركون؛ لدلالة ما قبله عليه، وهو قوله تعالى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}. وما يحذف خبره لدلالة ما هناك عليه أكثر من أن يحصى، فابنِ على هذا). [المحتسب: 2/142]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أإله مع الله} 60 64
قرأ نافع وأبو عمرو (آيله مع الله) بهمزة واحدة مطوّلة وأصل الكلمة إله ثمّ دخلت همزة الاستفهام فصار أإله فاستثقل الجمع بين الهمزتين أدخل بينهما ألف ليبعد هذه من هذه ثمّ لين الثّانية
وقرأ ورش وابن كثير (أيله) بهمزة واحدة من غير مد وهو أن تحقق الأولى وتخفف الثّانية ولم تدخل بينهما ألفا
[حجة القراءات: 533]
وقرأ هشام عن ابن عامر آإله بهمزتين بينهما مدّة وهو أن تزاد الألف بين الهمزتين ليبعد المثل عن المثل ويزول الاجتماع فيخف اللّفظ بالهمزتين مع الحائل بينهما
وقرأ أهل الشّام والكوفة {أإله} بهمزتين وقد ذكرت حجتهم في سورة البقرة). [حجة القراءات: 534] (م)

قوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)}
قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قليلًا ما تذكّرون (62)
قرأ أبو عمرو وحده (قليلًا ما يذكّرون) بالياء.
وقرأ الباقون (ما تذكّرون) بالتاء.
وروى عبيد عن أبي عمرو بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فللغيبة.
ومن قرأ بالتاء فللمخاطبة، وكل جائز). [معاني القراءات وعللها: 2/243]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (22- وقوله تعالى: {أإله مع الله قليلا ما تذكرون} [62].
قرأ أبو عمرو وحده: {تذكرون} إخبار عن غيب.
وقرأ البافون: {تذكرون} على الخطاب بالتاء.
غير أن حمزة والكسائي وحفصًا يخففون الذال، لأنهم أسقطوا التاء.
والباقون شددوا ذلك؛ لأنهم أدغموا التاء في الذال وجميع ما في هذه السورة إله إله فإنك تقف على كل ما يأتي في هذه السورة إله مع الله. وذلك أن الله تعالى ذكرهم نعمه، وعددها عليهم فقال: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} [62] {أمن خلق السموات} [60] {أمن يهديكم} [63] أإله مع الله يا معشر الجهلة، فلم تعبدون معه غيره من لا يقدر على ضر ولا نفع؟! فالوقف على {أءله مع الله} [64] تام، والهمزة الأولى ألف توبيخ في لفظ الاستفهام والثانية: أصلية، فاء الفعل إله وآلهة مثل رداء وأردية، ومن همز قوله: {ءانذرتهم} {وءإذا} قرأ {ءإله} ومن مد هناك مد هنا. ومن لين الثانية هناك لين هاهنا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/160]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء، من قوله جلّ وعزّ: قليلا ما تذكرون [النمل/ 62].
فقرأ أبو عمرو وحده: (قليلا ما يذكرون) [النمل/ 62] بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وروى عبيد عن أبي عمرو بالتاء. وروى هشام بن عمار عن ابن عامر بالياء مثل أبي عمرو، وروى ابن ذكوان عن ابن عامر بالتاء، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان [عن ابن عامر] بالياء.
[قال أبو علي]: (قليلا ما يذكرون) [النمل/ 62]، أي ما يذّكر هؤلاء المشركون الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى، أو إلها آخر، ووجه الخطاب والتاء، أنّ الخطاب مصروف إليهم دون المسلمين، كأنّه: قل لهم يا محمد: قليلا ما تذكرون [النمل/ 62] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/399]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون}
قرأ أبو عمرو وهشام (قليلا ما يذكرون) بالياء وحجتهما ما تقدم من رؤوس الآيات من قوله {بل هم قوم يعدلون} {بل أكثرهم لا يعلمون} فلمّا جاءت خاتمة هذه الآية في سياقهن أجرى بلفظهن ليأتلف الكلام على نظام واحد وأراد التوفقة بين رؤوس الآيات
وقرأ الباقون {قليلا ما تذكرون} بالتّاء وحجتهم أنّها قريب من المخاطبة في قوله {ويجعلكم خلفاء الأرض} فأجروا بلفظ المخاطبة إذ كانت أقرب إليها من قوله {يعدلون} و{لا يعلمون} ). [حجة القراءات: 534]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {قليلًا ما تذكرون} قرأه أبو عمرو وهشام بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
وحجة من قرأ بالياء أنه رده على لفظ قبله في قوله: {بل أكثرهم لا يعلمون} «61» و{بل هم قوم يعدلون} «60» فأجرى الكلام كله على أوله، على لفظ الغيبة، لتتفق رؤوس الآي.
27- وحجة من قرأ بالتاء أنه رده على الخطاب الذي هو أقرب إليه في قوله: {ويجعلكم خلفاء الأرض}، وقد تقدم ذكر الاختلاف في التخفيف والتشديد في قراءة من قرأ بالياء، والتاء الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/164]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {قَلِيلًا مَا يَذَّكَّرُونَ} [آية/ 62] بالياء وتشديد الذال:
قرأها أبو عمرو ويعقوب ح-.
[الموضح: 967]
والوجه أن المراد: قليلًا ما يذّكّر هؤلاء المشركون الذين يجعلون مع الله إلهًا آخر، والأصل في يذّكّرون: يتذكرون، فأُدغمت التاء في الذال.
وقرأ حمزة والكسائي و-ص- عن عاصم {تَذَكَّرُونَ} بالتاء وتخفيف الذال.
والوجه أن الخطاب معهم دون المؤمنين، كأنه قال: قل لهم يا محمد قليلًا ما تذّكّرون، والأصل فيه: تتذكرون بتائين، فحذفت إحداهما تخفيفًا.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر و-ياش- عن عاصم ويعقوب في غير رواية ح- {تَذَّكَّرُونَ} بالتاء وتشديد الذال.
والوجه في المخاطبة قد سبق، والأصل: تتذكرون، فأُدغمت التاء الثانية في الذال). [الموضح: 968]

قوله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن يرسل الرّياح بشرا بين يدي رحمته} 63
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ (ومن يرسل الرّيح) بغير ألف وقرأ الباقون بالألف وقد ذكرت الحجّة في سورة البقرة قوله {نشرا} وقد ذكرنا أيضا في سورة الأعراف). [حجة القراءات: 534]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {وَمَنْ يُرْسِلِ الرِّيحَ} [آية/ 63] على الوحدة:
قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {الرِّيَاحَ} على الجمع.
وقد سبق الكلام في مثله). [الموضح: 968]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {بُشْرًا} [آية/ 63] بضم الباء وسكون الشين:
قرأها عاصم وحده.
وقرأ ابن عامر {نُشْرًا} بالنون مضمومة، وإسكان الشين.
وقرأ حمزة والكسائي {نَشْرًا} بالنون المفتوحة، والشين ساكنة.
[الموضح: 968]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب {نُشُرًا} بضم النون والشين جميعًا.
وقد سبق الكلام على هذا). [الموضح: 969]

قوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 05:03 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (65) إلى الآية (72) ]
{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) }


قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة السلمى: [إِيَّانَ يُبْعَثُونَ]، بكسر الهمزة.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على كسر هذه الهمزة فيما مضى من الكتاب). [المحتسب: 2/142]

قوله تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بل أدرك علمهم في الآخرة (66)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (بل أدرك) خفيفة بغير ألف.
وقرأ الباقون (بل ادّارك) مثقلاً بألف، وروى المفضل عن عاصم (بل أدرك) مثل أبي عمرو.
قال أبو منصور: من قرأ (بل أدرك) خفيفة فهو من أدرك يدرك، كأنه قال هل أدرك علمهم علم الآخرة؟
وروي عن السّدّي في تفسيره قال:
[معاني القراءات وعللها: 2/243]
اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يشكوا ولم يختلفوا.
قال أبو معاذ النحوي: من قرأ (بل أدرك)، و(بل ادّارك) فمعناهما واحد، يقول: هم علماء في الآخرة كقول اللّه: (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظّالمون اليوم في ضلالٍ مبينٍ (38).
وقال أبو سعيد الضرير: أما أنا فأقرأ (بل أدرك علمهم في الآخرة)
ومعناها عنده أي: علموا في الآخرة أن الذي كانوا يوعدون حق، وأنشد قول الأخطل:
وأدرك علمي في سواءة أنها... تقيم على الأوتار والمشرب الكدر
أي: أحاط علمي بها أنها هكذا.
وقال الفراء: من قرأ (بل ادّارك علمهم في الآخرة)
معناه: لعله تدارك، يقول تتابع علمهم في الآخرة، يريد: بعلم الآخرة تكون أولا تكون؟ قال - عزّ وجلّ - (بل هم في شكٍّ منها).
قال أبو منصور: والصحيح في تفسيره ما قال السدي وأبو معاذ وأبو سعيد، والمعنى: بل يدرك علمهم في الآخرة، ويدارك بمعناه، حين لا ينفعهم علمهم؛ لأن الخلق كلهم يوم القيامة مؤمنون إيمانًا لا ينفعهم إذا لم يكونوا في الدنيا مؤمنين.
وقال شمر: أدرك، وادّارك، وتدارك تكون لازمة وواقعة:
[معاني القراءات وعللها: 2/244]
يقال: أدركت الأمر، وتداركته، وادّاركته، وادّركته، بمعنى واحد وقد أدرك، وادّراك، وادّرك، وتدارك بمعنى واحد، أي: تلاحق.
وروى الأعشى عن أبي بكر أنه قرأ (بل ادّرك علمهم) وأصله: تدرّك، وادّارك أصله: تدارك). [معاني القراءات وعللها: 2/245]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله تعالى: {بل ادارك علمهم في الآخرة} [66].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/160]
فيه ست قراءات:
قرأ أهل الكوفة ونافع وابن عامر: {بل إدارك} أرادوا: بل تدارك علمهم فأدغموا التاء في الدال بعد أن قلبوها دالا، وأتوا بألف الوصل لسكون الحرف المدغم، ومثله: {قالوا اطيرنا} [47] بمعنى: تطيرنا {فاداراتم فيها} والأصل: تداراتم، واحتجوا بحرف أبي: {بل تدرك علمهم في الآخرة}.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {بلا أدرك علمهم} من أفعل يفعل. وتدارك زيد أمره وأدرك بمعنى، ومثله: {إنا لمدركون} {ولمدركون} على قراءة الأعرج. فعلى قراءة أبي عمرو: الألف ألف القطع. وعلى قراءة الباقين الألف ألف الوصل وكسرة اللام من «بل» لسكونها. وسكون الدال المدغمة.
وحدثني أحمد عن على عن أبي عبيد أن عطاء بين يسار قرأ: {بل ادرك علمهم} موصول الألف، أراد: بل أدرك، فنقل فتحة الهمزة إلى اللام، فانفحت اللام وسقطت الهمزة. كما قرأ ورش: {قد افلح المؤمنون} يريد: قد أفلح وكقول العرب من ابوك؟ يريدون: من أبوك.
والقراءة الخامسة: قراءة ابن محيصن: {بل أدارك علمهم} ممدود
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/161]
على الاستفهام، قال النحويون: غلط [لأن] «بل» تحقيق وإيجاب، و«آدرك» بالمد نفي الإدراك، فلا يلي المنفي موجبًا.
والقراءة السادسة: قراءة ابن عباس: {بلى أدرك علمهم} فـ«بلى» جواب الجحد ويصلح الوقف عليه، ثم يبدأ بألف الاستفهام والتوبيخ أدرك أم لم يدرك؟). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/162]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: بل أدارك علمهم [النمل/ 66]،
[الحجة للقراء السبعة: 5/399]
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (بل أدرك) [خفيفة بغير ألف]، وقرأ الباقون: بل أدارك [بالألف ممدودة. روى] المفضل عن عاصم:
(بل أدرك) مثل أبي عمرو غير أحمد، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم بل ادرك على افتعل.
قال أبو علي: يعلم قد يصل بالجار كقوله: ألم يعلم بأن الله يرى [العلق/ 14] وقولهم: علمي بزيد يوم الجمعة، ويمكن أن يكون منه قول ابن مقبل:
وعلمي بأسدام المياه...
ومعنى أدرك: بلغ ولحق، تقول: فلان أدرك الجيش إذا لحق بهم وقد تقول: هذا ما أدركه علمي أي: بلغه، فالمعنى: أنّهم لم يدركوا علم الآخرة، أي لم يعلموا حدوثها وكونها، ودلّ على ذلك قوله تعالى: بل هم في شك منها، بل هم منها عمون [النمل/ 66] أي:
بل هم من علمها، وإذا كان كذلك، كان معنى قوله سبحانه في الآخرة معنى الباء، أي: لم يدركوا علمها، ولم ينظروا في حقيقتها، فيدركوها ولهذا قرأ من قرأ: (بل أدرك) كأنّه أراد لم يدركوه، كما تقول: أجئتني أمس أي: لم تجىء. والمعنى: لم يدرك علمهم
[الحجة للقراء السبعة: 5/400]
بحدوث الآخرة، بل هم في شكّ من حدوثها، بل هم عن علمها عمون.
والعمي عن علم الشيء أبعد منه من الشاكّ فيه، لأنّ الشّكّ قد يعرض عن ضرب من النظر، والعمي عن الشيء الذي لم يدرك منه شيئا.
أمّا من قال: ادارك فإنّه أراد: تدارك، فأدغم التاء في الدال لمقاربتها لها، وكونها من حيّزها، فلمّا سكنت التاء للإدغام اجتلبت لها همزة الوصل كما اجتلبت في نحو ادّان وفي التنزيل: حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38]، كأن معناه: تلاحقوا قال:
تداركتما الأحلاف قد ثلّ عرشها وما رواه الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: بل ادرك فمعناه افتعل من أدركت، وافتعل، وتفاعل: قد يجيئان بمعنى، يعنى بأحدهما ما يعنى بالآخر، ومن ثمّ صحّ قولهم: ازدوجوا، وإن كان حرف العلة على صورة يجب فيها الانقلاب، ولكنّه صحّ لما كان بمعنى تفاعلوا، وتفاعلوا يلزم تصحيح حرف العلة فيه لسكون الحرف الذي قبل حرف العلة، فصار تصحيح هذا كتصحيح: عور، وحول، لمّا كان في معنى تفاعل، وتفاعل قبل حرف العلة منه ساكن، وإذا كان كذلك
[الحجة للقراء السبعة: 5/401]
فادّرك وادّارك بمعنى، كما أن عور واعوار بمعنى، ولو قرئ: حتى إذا ادّاركوا فيها، وادّركوا لكان مثل ما في هذه الآية، وقول الشاعر:
ولولا دراك الشّدّ قاظت حليلتي أي: لولا متابعتي للعدو والنجاء، لأسروني. فدراك مصدر لدارك، كما أنّ القتال مصدر لقاتل). [الحجة للقراء السبعة: 5/402]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سليمان بن يسار وعطاء بن السائب: [بَلَ ادْرَكَ عِلْمُهُمْ]، بفتح اللام، ولا همز، ولا ألف.
وروي عنهما: [بَلَ ادّرَكَ]، بفتح اللام، ولا همز، وتشديد الدال، وليس بعد الدال ألف.
وقرأ: [بلْ آدْرَكَ] الحسن وأبو رجاء وابن محيصن وقتادة.
وقرأ: [بَلَى] بياء [آدْرَك] ممدودا ابن عباس.
وقرأ: [بَلِ ادَّرَكَ]، مخفوضة اللام، مشددة الدال الحسن.
وقرأ: [بَلْ تَدَارَكَ] أُبَيّ بن كعب.
[المحتسب: 2/142]
وقراءة الناس: [بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ]، و[بَلِ ادَّارَكَ]، فذلك ثمانية أوجه:
قال أبو الفتح: [أما بَلَ ادْرَكَ] فعلى تخفيف الهمزة بحذفها، وإلقاء حركتها على اللام الساكنة قبلها، كقولك: في {قَدْ أَفْلَحَ}: [قَدَ افْلَحَ].
وأما [بَلَ ادَّرَكَ]، بفتح اللام فكان قياسه: بَلِ ادَّرَكَ؛ بكسر اللام لسكونها وسكون الدال بعدها، إلا أنه فتحت اللام لأن في ذلك إزالة لالتقاء الساكنين، وعدولا إلى الفتحة لخفتها، كما رُوِّينا عن قطرب: أن منهم من يقول: [قُمَ الليل]، وبِيعَ الثوب.
وأما [بَلْ آدْرَكَ] فإن "بل" استئناف، وما بعدها استفهام، كما تقول: أزيد عندك؟ بل أجعفر عندك؟ تركا للأول إلى غيره، لا تراجعا عنه، لكن للانتحاء من بعده على غيره.
وأما [بَلَى] فكأنه جواب، وذلك أنه لما قال: [قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ] فكأن قائلا قال: ما الأمر كذلك، فقيل له: [بلى]، ثم استؤنف فقيل: [آدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ].
وأما [بَلِ ادَّرَكَ] فلا سوال مع كسر اللام؛ لسكونها، وسكون الدال بعدها.
وأما [بَلْ تَدَارَكَ] فإنه أصل قراءة من قرأ: [ادَّارَكَ]؛ وذلك أنه في الأصل تدارك، ثم آثر إدغام التاء في الدال؛ لأنها أختها في المخرج، فقلبها إلى لفظها، وأسكنها، وأدغمها فيها. واحتاج إلى ألف الوصل؛ لسكون الدال بعدها، ومثله: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ}. {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} ). [المحتسب: 2/143]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شكّ منها} 66
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (بل ادّرك علمهم) بقطع الألف وسكون الدّال بمعنى هل أدرك علمهم علم الآخرة كذا قال الفراء {وهل} بمعنى الجحد أي لم يعلموا حدوثها وكونها ودلّ على ذلك قوله تعالى {بل هم في شكّ منها} وقالوا {في} في قوله {في الآخرة} بمعنى الباء وتأويل الكلام لم يدرك علمهم بالآخرة ويقوّي هذا قراءة من قرا (بل أدرك علمهم) على لفظ الاستفهام بمعنى النّفي وكان قتادة يقول (بل أدرك) أي لم يدرك بعد
وقرأ الباقون {بل ادارك علمهم في الآخرة} أي بل تكامل علمه يوم القيامة بأنّهم مبعوثون وأن كل ما وعدوا به حق قال ابن عبّاس {بل ادارك علمهم في الآخرة} أي ما جهلوا في الدّنيا علموه في الأخرة وحجتهم قراءة أبي بل تدارك علمهم فأدغموا التّاء في الدّال لمقاربتها لها فلمّا سكنت التّاء للإدغام اجتلبت له ألف الوصل كما اجتلبت في نحو {فادارأتم} وفي التّنزيل حتّى {إذا اداركوا فيها} ). [حجة القراءات: 535]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- قوله: {بل ادارك} قرأه أبو عمرو وابن كثير بقطع الهمزة وإسكان الدال من غير ألف بعد الدال، على وزن «أفعل» وقرأ الباقون يوصل الألف وتشديد الدال وألف بعد الدال.
وحجة من قرأ على وزن «أفعل» أنه حمله على معنى «بلغ ولحق» كما تقول: أدرك علمي هذا، أي بلغه، فالمعنى فيه الإنكار، و«بل» بمعنى «هل»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/164]
فهو إنكار أن يبلغ علمهم أمر الآخرة، وفيه معنى التقرير والتوبيخ لهم، وطلبهم علم ما لا يبلغونه أبدًا، فالمعنى: هل أدرك عملهم في الآخرة، أي بعلم حدوث الآخرة، ومتى تكون، أي إنهم لم يدركوا على الآخرة ووقت حدوثها، ودل على ذلك قوله: {بل هم في شك منها بل هم منها عمون} أي من علمها، و«في» بمعنى الباء فالمعنى: هل أدرك علمهم بالآخرة، أي: هل بلغ غايته فلم يدركوا علمها، ولم ينظروا في حقيقتها، والعمى عن الشيء أعظم من الشك فيه، وهو في حرف أبي «أم تدارك» على معنى النفي.
29- وحجة من شدد الدال أن أصله «تدارك علمهم» فأدغم التاء في الدال فسكن الأول، فدخلت ألف الوصل للابتداء، ومعناه: بل تلاحق علمهم بالآخرة، أي: جهلوا علم وقتها فلم ينفرد أحد منهم بزيادة علم في وقتها، فهم في الجهل لوقت حدوثها متساوون، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/165]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ} [آية/ 66] بقطع الألف وسكون الدال:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب، على أفعل.
والوجه أن المراد بلغ وانتهى، كما تقول: هذا ما أدركه علمي، أي بلغه وانتهى إليه، و{في} بمعنى الباء، وهو من صلة العلم، والمراد علمهم بالآخرة، يعني بل أأحاطوا علمًا بالآخرة؟ على معنى أنهم لم يعلموا حدوثها وكونها، بدليل قوله {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ منها}.
وقرأ الباقون {بَلِ ادَّارَكَ} بوصل الألف، وتشديد الدال، وبعد الدال ألف.
والأصل تدارك فأُدغمت التاء في الدال لتقارب مخرجيهما، فلما سكنت التاء للإدغام اجتُلبت لها ألف الوصل كما اجتُلبت في نحو {ادّارَأْتُمْ} و{ادّارَكُوا}، والمعنى تتابع علمهم بالآخرة، أي كان علمهم قد تتابع، ثم قال {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ}.
وقيل معناه إنه يتتابع علمهم في الآخرة حين لا ينفعهم علمهم؛ لأن الخلق كلهم يوم القيامة مؤمنون، ولكن لا ينفع الإيمان حينئذ من لم يكن مؤمنًا في الدنيا، ولفظ الماضي على هذا لتحقق القيامة حتى كأنها واقعة.
[الموضح: 969]
وقرأ عاصم ياش- {ادَّرَكَ} بفتح الدال وتشديدها، ولا ألف بعد الدال.
والوجه أنه على افتعل، من أدركت، وافتعل وتفاعل قد يكونان بمعنى، نحو ازدوجوا وتزاوجوا واعتونوا وتعاونوا). [الموضح: 970]

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- وقوله تعالى: {أءذا} [67].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {أيذا ... أينا} جمعا بين الاستفهامين غير أن ابن كثير يقصر، وأبو عمرو يمد.
وقرأ حمزة وعاصم بالجمع بين الاستفهامين، وبهمزتين على أصل الكلمة، وقد أحكمت علل هذا فيما تقدم، فأغني عن الإعادة.
وقرأ نافع: {إذا} بغير استفهام {آينا} خلاف أصله واحدة على الخبر.
وقرأ الكسائي وابن عامر {أءذا} بالاستفهام والهمزتين {إننا} بنونين على الجر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/162]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (أيذا كنا ترابا وآباؤنا أينا) [النمل/ 67] بهمزة، غير أن ابن كثير لا يمدّ، وأبو عمرو يمدّ، وكان أبو عمرو يأتي بألف بعد الهمزة، ثمّ ياء، وكان ابن كثير لا يأتي بألف بعدها ياء، تقول: (أيذا، أينا، وقرأ عاصم وحمزة: أإذا بهمزتين، أإنا بهمزتين، وقرأ نافع: (إذا كنّا ترابا) مكسورة الألف، (آينا) ممدودة، وقرأ ابن عامر والكسائي: أإذا كنا ترابا بهمزتين، (إنّنا لمخرجون) بنونين وكسر الألف من غير استفهام.
[قال أبو علي]: قد ذكرنا ألفاظ ذلك ومعانيه فيما تقدّم). [الحجة للقراء السبعة: 5/402]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقال الّذين كفروا أئذا كنّا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون} 67
قرأ نافع (وقال الّذي كفروا إذا كنّا) بكسر الألف {أئنا} بالاستفهام وقرأ ابن كثير وأبو عمرو جميعًا بالاستفهامين
قرأ ابن عامر والكسائيّ (أإذا) بهمزتين {إننا} بنونين
[حجة القراءات: 535]
قرأ عاصم وحمزة {أئذا} بهمزتين {أئنا} بهمزتين وقد ذكرت الحجّة في سورة الرّعد). [حجة القراءات: 536]

قوله تعالى: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)}
قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)}
قوله تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)}

قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {ولا تكن في ضيق} [70].
قرأ ابن كثير والمسيبي عن نافع: {في ضيق} بكسر الضاد.
وقرأ الباقون: {في ضيق} وقد فسرته في (النحل) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/162]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ ابن كثير: في (ضيق) بكسر الضاد. [النمل/ 70].
خلف عن المسيبي عن نافع مثله، وكذلك روى أبو عبيدة عن إسماعيل عنه وهو غلط، وقرأ الباقون ضيق بفتح الضاد.
[الحجة للقراء السبعة: 5/402]
قال أبو علي: لا يكون الضيق مثل هين ولين، لأنّك إن حملته على ذلك، أقمت الصفة مقام الموصوف، فلا ينبغي أن تحمل على ذلك، ما أصبت عنه مندوحة، فيحمل ضيق وضيق على أنهما لغتان). [الحجة للقراء السبعة: 5/403]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تكن في ضيق ممّا يمكرون}
قرأ ابن كثير {ولا تكن في ضيق} بكسر الضّاد وقرأ الباقون {في ضيق} بالفتح الضّيق بالكسر الاسم والضيق بالفتح المصدر وقال الفراء الضّيق ما ضاق عنه صدرك والضيق ما يكون في الشّيء الّذي يتّسع ويضيق مثل الدّار والثّوب وقال أبو عمرو الضّيق بالفتح الغم والضيق بالكسر الشدّة). [حجة القراءات: 536]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {وَلَا تَكُنْ فِي ضِيْقٍ} [آية/ 70] بكسر الضاد:
قرأها ابن كثير وحده.
وقرأ الباقون {فِي ضَيْقٍ} بفتح الضاد.
والضَّيق والضِّيق بالفتح والكسر لغتان، وقد تقدم الكلام فيهما). [الموضح: 970]

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71)}
قوله تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج: [رَدَفَ لَكُمْ]، بفتح الدال.
قال أبو الفتح: من قال [رَدِف] فهو في وزن تبع، ومن قال: [ردف] فهو بمنزلة تلا، وشفع. والكسر أفصح، وهو أكثر اللغة). [المحتسب: 2/143]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة